أسماء الله لا تدخل تحت حصر ولا تحد بعدد
قال ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت:751هـ) كما في المرتبع الأسنى: ( [الثامنَ عشرَ]: (أنَّ الأسماءَ الْحُسْنَى لا تَدْخُلُ تحتَ حَصْرٍ ولا تُحَدُّ بعَددٍ، فإنَّ للهِ تعالى أسماءً وصفاتٍ اسْتَأْثَرَ بها في عِلْمِ الغَيْبِ عندَهُ، لا يَعْلَمُها مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ولا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، كما في الحديثِ الصحيحِ: ((أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ /أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ/ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنوْدَكَ)). فجَعَل أسماءَهُ ثلاثةَ أَقسامٍ:
- قِسمٌ سَمْعِيٌّ سَمَّى بهِ نفسَهُ: فأَظْهَرَهُ لِمَنْ شاءَ مِنْ ملائكتِهِ أوْ غيرِهم، ولم يُنْـزِلْ بهِ كتابَهُ.
- وقِسْمٌ أَنْزَلَ بهِ كتابَهُ: فتَعَرَّفَ بهِ إلى عِبادِهِ.
- وقِسمٌ اسْتَأْثَرَ بهِ في عِلْمِ غَيْبِهِ: فلم يَطَّلِعْ عليهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ، ولهذا قالَ: ((اسْتَأْثَرْتَ بِهِ)) أي: انْفَرَدْتَ بعِلْمِهِ، وليسَ المرادُ انفرادَهُ بالتَّسَمِّي بهِ؛ لأن هذا الانفرادَ ثابتٌ في الأسماءِ التي أَنْزَلَ بها كتابَهُ.
ومِنْ هذا قولُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ في حديثِ الشفاعةِ: ((فَيَفْتَحُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ بِمَا لا أُحْسِنُهُ الْآنَ)) وتلكَ الْمَحامدُ تَفِي بأسمائِهِ وصفاتِهِ. ومنهُ قولُهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلم:((لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ)) ([48]).
وأمَّا قولُهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ))([49]) فالكلامُ جُملةٌ واحدةٌ. وقولُهُ ((مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ)) صِفَةٌ لا خَبَرٌ مُسْتَقْبَلٌ، والمعنى: لهُ أسماءٌ مُتعدِّدَةٌ مِنْ شأنِها أنَّ مَنْ أَحصاهَا دَخَلَ الجنَّةَ، وهذا لا يَنْفِي أن يكونَ لهُ أسماءٌ غيرُها. وهذا كما تقولُ: لفلانٍ مائةُ مَملوكٍ قدْ أَعَدَّهُمْ للجهادِ، فلا يَنْفِي هذا أن يكونَ لهُ مَماليكُ سِواهُمْ مُعَدُّونَ لغيرِ الجهادِ. وهذا لا خِلافَ بينَ العلماءِ فيه)([50]) ). [المرتبع الأسنى: ؟؟]
([48]) سَبَقَ تَخْرِيجُه ص 117.
([49]) رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ (7450،7568،10103،10154،10307)، والبُخَارِيُّ في كتابِ التوحيدِ / بابُ إنَّ للهِ مائةَ اسمٍ إلا واحدًا (7392)، ومسلمٌ في كتابِ الذكرِ والدعاءِ / بابٌ في أسماءِ اللهِ تعالَى وفضلِ مَنْ أَحْصاهَا (6750)، والتِّرْمِذِيُّ في كتابِ الدَّعَوَاتِ / بابُ (83)، الحديثُ رقْمُ (3506)، وابْنُ مَاجَهْ في كتابِ الدُّعاءِ / بابُ أسماءِ اللهِ عزَّ وجلَّ (3860) من حديثِ أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه.
(50) بَدائِعُ الفَوائِدِ (1/ 166-167).