تفسير قوله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى مكانا شرقيا قال قبل المشرق منتحيا). [تفسير عبد الرزاق: 2/6]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانًا شرقيًّا (16) فاتّخذت من دونهم حجابًا فأرسلنا إليها روحنا فتمثّل لها بشرًا سويًّا}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: واذكر يا محمّد في كتاب اللّه الّذي أنزله عليك بالحقّ مريم ابنة عمران، حين اعتزلت من أهلها، وانفردت عنهم، وهو افتعل من النّبذ، والنّبذ: الطّرح، وقد بيّنّا ذلك بشواهده فيما مضى قبل.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت} أي انفردت من أهلها.
- حدّثني سليمان بن عبد الجبّار، قال: حدّثنا محمّد بن الصّلت، قال: حدّثنا أبو كدينة، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {إذ انتبذت من أهلها مكانًا شرقيًّا} قال: خرجت مكانًا شرقيًّا.
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: خرجت مريم إلى جانب المحراب لحيضٍ أصابها، وهو قوله: فانتبذت من أهلها مكانًا شرقيًّا: في شرقيّ المحراب.
وقوله: {مكانًا شرقيًّا} يقول: تنحّت واعتزلت من أهلها في موضعٍ قبل مشرق الشّمس دون مغربها، كما؛
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {مكانًا شرقيًّا} قال: من قبل المشرق.
- حدّثني إسحاق بن شاهين، قال: حدّثنا خالد بن عبد اللّه، عن داود، عن عامرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: إنّي لأعلم خلق اللّه لأيّ شيءٍ اتّخذت النّصارى المشرق قبلةً؟ لقول اللّه: فانتبذت من أهلها مكانًا شرقيًّا، فاتّخذوا ميلاد عيسى قبلةً.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثني عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن عامرٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثني سليمان بن عبد الجبّار، قال: أخبرنا محمّد بن الصّلت، قال: حدّثنا أبو كدينة، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: إنّ أهل الكتاب كتب عليهم الصّلاة إلى البيت، والحجّ إليه، وما صرفهم عنهما إلاّ قيل ربّك: فـ {إذ انتبذت من أهلها مكانًا شرقيًّا} فصلّوا قبل مطلع الشّمس.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {إذ انتبذت من أهلها مكانًا شرقيًّا} قال: شاسعًا متنحّيًا.
وقيل: إنّها إنّما صارت بمكانٍ يلي مشرق الشّمس، لأنّ ما يلي المشرق عندهم كان خيرًا ممّا يلي المغرب، وكذلك ذلك فيما ذكر عند العرب). [جامع البيان: 15/482-484]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 16 – 24
أخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {إذ انتبذت} أي انفردت {من أهلها مكانا شرقيا} قال: قبل المشرق شاسعا متنحيا). [الدر المنثور: 10/39]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {انتبذت من أهلها مكانا شرقيا} قال: مكانا أظلتها الشمس أن يراها أحد منهم). [الدر المنثور: 10/39]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إنما اتخذت النصارى المشرق قبلة لأن مريم اتخذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذا ميلاده قبلة وإنما سجدت اليهود على حرف حين نتق فوقهم الجبل فجعلوا يتخوفون وهم ينظرون إليه يتخوفون أن يقع عليهم فسجدوا سجدة رضيها الله فاتخذوها سنة). [الدر المنثور: 10/39]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إن أهل الكتاب كتب عليهم الصلاة إلى البيت والحج إليه وما صرفهم عنه إلا قول ربك: {إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا} قال: خرجت منهم مكانا شرقيا فصلوا قبل مطلع الشمس). [الدر المنثور: 10/39-40]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {واذكر في الكتاب مريم} يقول: قص ذكرها على اليهود والنصارى ومشركي العرب {إذ انتبذت} يعني خرجت {من أهلها مكانا شرقيا} قال: كانت خرجت من بيت المقدس مما يلي المشرق {فاتخذت من دونهم حجابا} وذلك أن الله لما أراد أن يبتدئها بالكرامة ويبشرها بعيسى وكانت قد اغتسلت من المحيض فتشرفت وجعلت بينها وبين قومها {حجابا} يعني جبلا فكان الجبل بين مجلسها وبين بيت المقدس {فأرسلنا إليها روحنا} يعني جبريل {فتمثل لها بشرا} في صورة الآدميين {سويا} يعني معتدلا شابا أبيض الوجه جعدا قططا حين اخضر شاربه فلما نظرت إليه قائما بين يديها، {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} وذلك أنها شبهته بشاب كان يراها ويمشي معها يقال له يوسف من بني إسرائيل وكان من خدم بيت المقدس فخافت أن يكون الشيطان قد استزه فمن ثم قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} يعني إن كنت تخاف الله، قال جبريل: وتبسم {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} يعني لله مطيعا من غير بشر، {قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر} يعني زوجا {ولم أك بغيا} أي مومسة، قال جبريل: {كذلك} يعني هكذا {قال ربك هو علي هين} يعني خلقه من غير بشر، {ولنجعله آية للناس} يعني عبرة والناس هنا للمؤمنين خاصة ورحمة لكمن صدق بأنه رسول الله، {وكان أمرا مقضيا} يعني كائنا أن يكون من غير بشر، فدنا جبريل فنفخ في جيبها فدخلت النفخة جوفها فاحتملت كما تحمل النساء في الرحم والمشيمة ووضعته كما تضع النساء فأصابها العطش فأجرى الله لها جدولا من الأردن فذلك قوله: {قد جعل ربك تحتك سريا} والسري الجدول، وحمل الجذع من ساعته {رطبا جنيا} فناداها من تحتها جبريل {وهزي إليك بجذع النخلة} لم يكن على رأسها سقف وكانت قد يبست منذ دهر طويل فأحياها الله لها وحملت فذلك قوله: {تساقط عليك رطبا جنيا} يعني طريا بغباره {فكلي} من الرطب {واشربي} من الجدول {وقري عينا} بولدك، فقال: فكيف بي إذا سألوني من أين هذا،، قال لها جبريل: {فإما ترين} يعني فإذا رأيت {من البشر أحدا} فأعنتك في أمرك {فقولي إني نذرت للرحمن صوما} يعني صمتا في أمر عيسى {فلن أكلم اليوم إنسيا} في أمره، حتى يكون هو الذي يعبر عني وعن نفسه، قال: ففقدوا مريم من محرابها فسألوا يوسف فقال: لا علم لي بها وإن مفتاح محرابها مع زكريا، فطلبوا زكريا وفتحوا الباب وليست فيه فاتهموه فأخذوه ووبخوه فقال رجل: إني رأيتها في موضع كذا فخرجوا في طلبها فسمعوا صوت عقيق في رأس الجذع الذي مريم من تحته فانطلقوا إليه فذلك قول الله: {فأتت به قومها تحمله} قال ابن عباس: لما رأت بأن قومها قد اقبلوا إليها احتملت الولد إليهم حتى تلقتهم به فذلك قوله: {فأتت به قومها تحمله} أي لا تخاف ريبة ولا تهمة فلما نظروا إليها شق أبوها مدرعته وجعل التراب على رأسه وأخوتها وآل زكريا {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} يعني عظيما {يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا} يعني زانية، فأنى أتيت هذا الأمر مع هذا الأخ الصالح والأب الصالح والأم الصالح {فأشارت إليه} تقول لهم: أن كلموه فإنه سيخبركم {إني نذرت للرحمن صوما} أن لا أكلمكم في أمره فإنه سيعبر عني فيكون لكم آية وعبرة {قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا} يعني من هو في الخرق طفلا لا ينطق فأنطقه الله فعبر عن أمه وكان عبرة لهم فقال: {إني عبد الله} فلما أن قالها ابتدأ يحيى وهو ابن ثلاث سنين فكان أول من صدق به فقال: إني أشهد أنك عبد الله ورسوله، لتصديق قول الله: {مصدقا بكلمة من الله} فقال عيسى: {آتاني الكتاب وجعلني نبيا} إليكم {وجعلني مباركا أين ما كنت} قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البركة التي جعلها الله لعيسى أنه كان معلما مؤدبا حيثما توجه {وأوصاني بالصلاة والزكاة} يعني وأمرني {وبرا بوالدتي} فلا أعقها، قال ابن عباس حين قال: {وبرا بوالدتي} قال: زكريا: الله أكبر فأخذه فضمه إلى صدره فعلموا أنه خلق من غير بشر {ولم يجعلني جبارا شقيا} يعني متعظما سفاكا للدم، {والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} يقول الله: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون} يعني يشكون بقوله لليهود ثم أمسك عيسى عن الكلام حتى بلغ مبلغ الناس). [الدر المنثور: 10/42-45]
تفسير قوله تعالى: (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {فاتّخذت من دونهم حجابًا} يقول: فاتّخذت من دون أهلها سترًا يسترها عنهم وعن النّاس.
وذكر عن ابن عبّاسٍ، أنّها صارت بمكانٍ يلي المشرق، لأنّ اللّه أظلّها بالشّمس، وجعل لها منها حجابًا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {انتبذت من أهلها مكانًا شرقيًّا} قال: مكانًا أظلتها الشّمس أن يراها أحدٌ منهم.
وقال غيره في ذلك ما؛
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {فاتّخذت من دونهم حجابًا} من الجدران.
وقوله: {فأرسلنا إليها روحنا} يقول تعالى ذكره: فأرسلنا إليها حين انتبذت من أهلها مكانًا شرقيًّا، واتّخذت من دونهم حجابًا: جبريل.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فأرسلنا إليها روحنا} قال: أرسل إليها فيما ذكر لنا جبريل.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمّن لا يتّهم، عن وهب بن منبّهٍ، قال: وجدت عندها جبريل قد مثّله اللّه بشرًا سويًّا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {فأرسلنا إليها روحنا} قال: جبريل.
- حدّثني محمّد بن سهلٍ، قال: حدّثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدّثني عبد الصّمد بن معقل ابن أخي وهبٍ، قال: سمعت وهب بن منبّهٍ، قال: أرسل اللّه جبريل إلى مريم، فمثّل لها بشرًا سويًّا.
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: فلمّا طهرت، يعني مريم من حيضها، إذا هي برجلٍ معها، وهو قوله: {فأرسلنا إليها روحنا} وهو جبريل
وقوله: {فتمثّل لها بشرًا سويًّا} يقول تعالى ذكره: فتشبّه لها في صورة آدميٍّ سويّ الخلق منهم، يعني في صورة رجلٍ من بني آدم معتدل الخلق). [جامع البيان: 15/485-486]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا محمّد بن عليٍّ الشّيبانيّ بالكوفة، ثنا أحمد بن حازمٍ الغفاريّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ رضي اللّه عنه، قال: " كان روح عيسى ابن مريم من تلك الأرواح الّتي أخذ عليها الميثاق في زمن آدم فأرسله اللّه إلى مريم في صورة بشرٍ {فتمثّل لها بشرًا سويًّا} [مريم: 17] ، {قالت أنّى يكون لي غلامٌ ولم يمسسني بشرٌ ولم أك بغيًّا} [مريم: 20] ، فحمل الّذي يخاطبها فدخل من فيها «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/405]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات، وابن عساكر من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس وعن مرة بن مسعود - رضي الله عنهما - قالا: خرجت مريم إلى جانب المحراب لحيض أصابها فلما طهرت إذ هي برجل معها {فتمثل لها بشرا} ففزعت وقال: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} فخرجت وعليها جلبابها فأخذ بكمها فنفخ في جيب درعها - وكان مشقوقا من قدامها - فدخلت النفخة صدرها فحملت فأتتها أختها امرأة ليلة تزورها فلما فتحت لها الباب التزمتها فقالت امرأة زكريا: يا مريم أشعرت أني حبلى، قالت مريم: اشعرت أيضا أني حبلى فقالت امرأة زكريا: فإني وجدت ما في بطني يسجد للذي في بطنك، فذاك قوله: {مصدقا بكلمة من الله} فولدت امرأة زكريا يحيى، ولما بلغ أن تضع مريم خرجت إلى جانب المحراب {فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا} الآية {فناداها} جبريل {من تحتها ألا تحزني} فلما ولدته ذهب الشيطان فأخبر بني إسرائيل: إن مريم ولدت فلما أرادوها على الكلام أشارت إلى عيسى فتكلم فقال: {إني عبد الله آتاني الكتاب} الآيات، فلما ولد لم يبق في الأرض صنم إلا خر لوجهه). [الدر المنثور: 10/41-42]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {واذكر في الكتاب مريم} يقول: قص ذكرها على اليهود والنصارى ومشركي العرب {إذ انتبذت} يعني خرجت {من أهلها مكانا شرقيا} قال: كانت خرجت من بيت المقدس مما يلي المشرق {فاتخذت من دونهم حجابا} وذلك أن الله لما أراد أن يبتدئها بالكرامة ويبشرها بعيسى وكانت قد اغتسلت من المحيض فتشرفت وجعلت بينها وبين قومها {حجابا} يعني جبلا فكان الجبل بين مجلسها وبين بيت المقدس {فأرسلنا إليها روحنا} يعني جبريل {فتمثل لها بشرا} في صورة الآدميين {سويا} يعني معتدلا شابا أبيض الوجه جعدا قططا حين اخضر شاربه فلما نظرت إليه قائما بين يديها، {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} وذلك أنها شبهته بشاب كان يراها ويمشي معها يقال له يوسف من بني إسرائيل وكان من خدم بيت المقدس فخافت أن يكون الشيطان قد استزه فمن ثم قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} يعني إن كنت تخاف الله، قال جبريل: وتبسم {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} يعني لله مطيعا من غير بشر، {قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر} يعني زوجا {ولم أك بغيا} أي مومسة، قال جبريل: {كذلك} يعني هكذا {قال ربك هو علي هين} يعني خلقه من غير بشر، {ولنجعله آية للناس} يعني عبرة والناس هنا للمؤمنين خاصة ورحمة لكمن صدق بأنه رسول الله، {وكان أمرا مقضيا} يعني كائنا أن يكون من غير بشر، فدنا جبريل فنفخ في جيبها فدخلت النفخة جوفها فاحتملت كما تحمل النساء في الرحم والمشيمة ووضعته كما تضع النساء فأصابها العطش فأجرى الله لها جدولا من الأردن فذلك قوله: {قد جعل ربك تحتك سريا} والسري الجدول، وحمل الجذع من ساعته {رطبا جنيا} فناداها من تحتها جبريل {وهزي إليك بجذع النخلة} لم يكن على رأسها سقف وكانت قد يبست منذ دهر طويل فأحياها الله لها وحملت فذلك قوله: {تساقط عليك رطبا جنيا} يعني طريا بغباره {فكلي} من الرطب {واشربي} من الجدول {وقري عينا} بولدك، فقال: فكيف بي إذا سألوني من أين هذا،، قال لها جبريل: {فإما ترين} يعني فإذا رأيت {من البشر أحدا} فأعنتك في أمرك {فقولي إني نذرت للرحمن صوما} يعني صمتا في أمر عيسى {فلن أكلم اليوم إنسيا} في أمره، حتى يكون هو الذي يعبر عني وعن نفسه، قال: ففقدوا مريم من محرابها فسألوا يوسف فقال: لا علم لي بها وإن مفتاح محرابها مع زكريا، فطلبوا زكريا وفتحوا الباب وليست فيه فاتهموه فأخذوه ووبخوه فقال رجل: إني رأيتها في موضع كذا فخرجوا في طلبها فسمعوا صوت عقيق في رأس الجذع الذي مريم من تحته فانطلقوا إليه فذلك قول الله: {فأتت به قومها تحمله} قال ابن عباس: لما رأت بأن قومها قد اقبلوا إليها احتملت الولد إليهم حتى تلقتهم به فذلك قوله: {فأتت به قومها تحمله} أي لا تخاف ريبة ولا تهمة فلما نظروا إليها شق أبوها مدرعته وجعل التراب على رأسه وأخوتها وآل زكريا {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} يعني عظيما {يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا} يعني زانية، فأنى أتيت هذا الأمر مع هذا الأخ الصالح والأب الصالح والأم الصالح {فأشارت إليه} تقول لهم: أن كلموه فإنه سيخبركم {إني نذرت للرحمن صوما} أن لا أكلمكم في أمره فإنه سيعبر عني فيكون لكم آية وعبرة {قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا} يعني من هو في الخرق طفلا لا ينطق فأنطقه الله فعبر عن أمه وكان عبرة لهم فقال: {إني عبد الله} فلما أن قالها ابتدأ يحيى وهو ابن ثلاث سنين فكان أول من صدق به فقال: إني أشهد أنك عبد الله ورسوله، لتصديق قول الله: {مصدقا بكلمة من الله} فقال عيسى: {آتاني الكتاب وجعلني نبيا} إليكم {وجعلني مباركا أين ما كنت} قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البركة التي جعلها الله لعيسى أنه كان معلما مؤدبا حيثما توجه {وأوصاني بالصلاة والزكاة} يعني وأمرني {وبرا بوالدتي} فلا أعقها، قال ابن عباس حين قال: {وبرا بوالدتي} قال: زكريا: الله أكبر فأخذه فضمه إلى صدره فعلموا أنه خلق من غير بشر {ولم يجعلني جبارا شقيا} يعني متعظما سفاكا للدم، {والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} يقول الله: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون} يعني يشكون بقوله لليهود ثم أمسك عيسى عن الكلام حتى بلغ مبلغ الناس). [الدر المنثور: 10/42-45] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لعمر بن الخطاب لم أستحب النصارى الحجب على مذابحهم قال: إنما يستحب النصارى الحجب على مذابحهم ومناسكهم لقول الله سبحانه وتعالى: {فاتخذت من دونهم حجابا} ). [الدر المنثور: 10/48]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي صالح رضي الله عنه في قوله: {فأرسلنا إليها روحنا} قال: بعث الله إليها ملكا فنفخ في جيبها فدخل في الفرج). [الدر المنثور: 10/48]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {فأرسلنا إليها روحنا} قال: جبريل). [الدر المنثور: 10/49]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله: {فأرسلنا إليها روحنا} الآية قال: نفخ جبريل في درعها فبلغت حيث شاء الله). [الدر المنثور: 10/49]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء بن يسار: إن جبريل أتاها في صورة رجل فكشف الحجاب فلما رأته تعوذت منه فنفخ في جيب درعها فبلغت فذكر ذلك في المدينة فهجر زكريا وترك وكان قبل ذلك يستفتى ويأتيه الناس حتى إن كان ليسلم على الرجل فما يكلمه). [الدر المنثور: 10/49]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي بن كعب في قوله: {فتمثل لها بشرا سويا} قال: تمثل لها روح عيسى في صورة بشر فحملته، قال: حملت الذي خاطبها دخل في فيها). [الدر المنثور: 10/49]
تفسير قوله تعالى: (قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا المسعودي، عن عاصم، عن شقيق بن سلمة، أنه تلا هذه الآية: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيًا} [سورة مريم: 18] قال: لقد علمت أن التقي ذو نهية). [الزهد لابن المبارك: 2/232]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال أبو وائلٍ: «علمت مريم أنّ التّقيّ ذو نهيةٍ» ، حتّى قالت: {إنّي أعوذ بالرّحمن منك إن كنت تقيًّا} [مريم: 18] ). [صحيح البخاري: 6/93]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال أبو وائلٍ إلخ تقدّم في أحاديث الأنبياء). [فتح الباري: 8/427]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال أبو وائل علمت مريم أن التقي ذو نهية حتّى قالت {إنّي أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} 18 مريم
تقدم في أحاديث الأنبياء). [تغليق التعليق: 4/248]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال أبو وائلٍ علمت مريم أنّ التّقيّ ذو نهيةٍ حتّى قالت: {إنّي أعوذ بالرّحمان منك إن كنت تقيًّا} (مريم: 18)
وقال ابن عيينة تؤزّهم أزًّا تزعجهم إلى المعاصي إزعاجاً.
أي: قال سفيان بن عيينة في قوله، عز وجل: {ألم تر أنا أرسلنا الشّياطين على الكافرين تؤزهم أزًّا} (مريم: 83) أي: تزعجهم إلى المعاصي إزعاجاً وكذا روي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما، وعن الضّحّاك: تأمرهم بالمعاصي أمرا. وعن سعيد بن جبير: تغريهم إغراء، وعن مجاهد: تشليهم أشلاءً. وعن الأخفش: توهجهم، وعن المؤرج: تحركهم في الأصل: الصّوت). [عمدة القاري: 19/50]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال أبو وائل) شقيق بن سلمة في قوله حكاية عن مريم قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيًا (علمت مريم أن التقي ذو نهية) بضم النون وسكون الهاء وفتح التحتية أي صاحب عقل وانتهاء عن فعل القبيح (حتى قالت) إذ رأت جبريل عليه الصلاة والسلام ({إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيًّا}) وهذا وصله عبد بن حميد من طريق عاصم وسقط لغير الحموي وذكره المؤلّف في باب قول الله تعالى: {واذكر في الكتاب مريم} [مريم: 16] من أحاديث الأنبياء). [إرشاد الساري: 7/232]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالت إنّي أعوذ بالرّحمن منك إن كنت تقيًّا (18) قال إنّما أنا رسول ربّك لأهب لك غلامًا زكيًّا}.
يقول تعالى ذكره: فخافت مريم رسولنا، إذ تمثّل لها بشرًا سويًّا، وظنّته رجلاً يريدها على نفسها
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله {إنّي أعوذ بالرّحمن منك إن كنت تقيًّا} قال: خشيت أن يكون إنّما يريدها على نفسها.
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {فتمثّل لها بشرًا سويًّا} فلمّا رأته فزعت منه وقالت: {إنّي أعوذ بالرّحمن منك إن كنت تقيًّا}.
قال أبو جعفر: فقالت: إنّي أعوذ أيّها الرّجل بالرّحمن منك، تقول: أستجير بالرّحمن منك أن تنال منّي ما حرّمه عليك إن كنت ذا تقوًى له تتّقي محارمه، وتجتنب معاصيه، لأنّ من كان للّه تقيًّا، فإنّه يجتنب ذلك، ولو وجّه ذلك إلى أنّها عنت: إنّي أعوذ بالرّحمن منك إن كنت تتّقي اللّه في استجارتي واستعاذتي به منك كان وجهًا. كما؛
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمّن لا يتّهم، عن وهب بن منبّهٍ، {قالت إنّي أعوذ بالرّحمن منك إن كنت تقيًّا} ولا ترى إلاّ أنّه رجلٌ من بني آدم.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ، عن عاصمٍ، قال: قال ابو وائل: وذكر قصص مريم فقال: قد علمت أنّ التّقيّ ذو نهيةٍ حين قالت: {إنّي أعوذ بالرّحمن منك إن كنت تقيًّا} ). [جامع البيان: 15/486-487]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر من طريق داود بن أبي هند عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما بلغت مريم فإذا هي في بيتها منفصلة إذ دخل عليها رجل بغير إذن فخشيت أن يكون دخل عليها ليغتالها فقالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} قالت: {أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا} قال: {كذلك قال ربك} فجعل جبريل يردد ذلك عليها وتقول: {أنى يكون لي غلام} وتغفلها جبريل فنفخ في جيب درعها ونهض عنها واستمر بها حملها فقالت: إن خرجت نحو المغرب فالقوم يصلون نحو المغرب ولكن أخرج نحو المشرق حيث لا يراني أحد فخرجت نحو المشرق فبينما هي تمشي إذ جاءها المخاض فنظرت هل تجد شيئا تستر به فلم تر إلا جذع النخلة فقال: أستتر بهذا الجذع من الناس، وكان تحت الجذع نهر يجري فانضمت إلى النخلة فلما وضعته خر كل شيء يعبد من دون الله في مشارق الأرض ومغاربها ساجدا لوجهه، وفزع إبليس فخرج فصعد فلم ير شيئا ينكره وأتى المشرق فلم ير شيئا ينكره وجعل لا يصبر فأتى المغرب لينظر فلم ير شيئا ينكره، فبينا هو يطوف إذ مر بالنخلة فإذا هو بامرأة معها غلام قد ولدته وإذا بالملائكة قد أحدقوا بها وبابنها وبالنخلة فقال: ههنا حدث الأمر فمال إليهم فقال: أي شيء هذا الذي حدث فكلمته الملائكة فقالوا: نبي ولد بغير ذكر، قال: أما والله لأضلن به أكثر العالمين، أضل اليهود فكفروا به وأضل النصارى فقالوا: هو ابن الله، قال: وناداها ملك من تحتها {قد جعل ربك تحتك سريا} قال إبليس: ما حملت أنثى إلا بعلمي ولا وضعته إلا على كفي ليس هذا الغلام لم أعلم به حين حملته أمه ولم أعلم به حين وضعته). [الدر المنثور: 10/40-41]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر من طريق داود بن أبي هند عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما بلغت مريم فإذا هي في بيتها منفصلة إذ دخل عليها رجل بغير إذن فخشيت أن يكون دخل عليها ليغتالها فقالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} قالت: {أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا} قال: {كذلك قال ربك} فجعل جبريل يردد ذلك عليها وتقول: {أنى يكون لي غلام} وتغفلها جبريل فنفخ في جيب درعها ونهض عنها واستمر بها حملها فقالت: إن خرجت نحو المغرب فالقوم يصلون نحو المغرب ولكن أخرج نحو المشرق حيث لا يراني أحد فخرجت نحو المشرق فبينما هي تمشي إذ جاءها المخاض فنظرت هل تجد شيئا تستر به فلم تر إلا جذع النخلة فقال: أستتر بهذا الجذع من الناس، وكان تحت الجذع نهر يجري فانضمت إلى النخلة فلما وضعته خر كل شيء يعبد من دون الله في مشارق الأرض ومغاربها ساجدا لوجهه، وفزع إبليس فخرج فصعد فلم ير شيئا ينكره وأتى المشرق فلم ير شيئا ينكره وجعل لا يصبر فأتى المغرب لينظر فلم ير شيئا ينكره، فبينا هو يطوف إذ مر بالنخلة فإذا هو بامرأة معها غلام قد ولدته وإذا بالملائكة قد أحدقوا بها وبابنها وبالنخلة فقال: ههنا حدث الأمر فمال إليهم فقال: أي شيء هذا الذي حدث فكلمته الملائكة فقالوا: نبي ولد بغير ذكر، قال: أما والله لأضلن به أكثر العالمين، أضل اليهود فكفروا به وأضل النصارى فقالوا: هو ابن الله، قال: وناداها ملك من تحتها {قد جعل ربك تحتك سريا} قال إبليس: ما حملت أنثى إلا بعلمي ولا وضعته إلا على كفي ليس هذا الغلام لم أعلم به حين حملته أمه ولم أعلم به حين وضعته). [الدر المنثور: 10/40-41]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر من طريق داود بن أبي هند عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما بلغت مريم فإذا هي في بيتها منفصلة إذ دخل عليها رجل بغير إذن فخشيت أن يكون دخل عليها ليغتالها فقالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} قالت: {أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا} قال: {كذلك قال ربك} فجعل جبريل يردد ذلك عليها وتقول: {أنى يكون لي غلام} وتغفلها جبريل فنفخ في جيب درعها ونهض عنها واستمر بها حملها فقالت: إن خرجت نحو المغرب فالقوم يصلون نحو المغرب ولكن أخرج نحو المشرق حيث لا يراني أحد فخرجت نحو المشرق فبينما هي تمشي إذ جاءها المخاض فنظرت هل تجد شيئا تستر به فلم تر إلا جذع النخلة فقال: أستتر بهذا الجذع من الناس، وكان تحت الجذع نهر يجري فانضمت إلى النخلة فلما وضعته خر كل شيء يعبد من دون الله في مشارق الأرض ومغاربها ساجدا لوجهه، وفزع إبليس فخرج فصعد فلم ير شيئا ينكره وأتى المشرق فلم ير شيئا ينكره وجعل لا يصبر فأتى المغرب لينظر فلم ير شيئا ينكره، فبينا هو يطوف إذ مر بالنخلة فإذا هو بامرأة معها غلام قد ولدته وإذا بالملائكة قد أحدقوا بها وبابنها وبالنخلة فقال: ههنا حدث الأمر فمال إليهم فقال: أي شيء هذا الذي حدث فكلمته الملائكة فقالوا: نبي ولد بغير ذكر، قال: أما والله لأضلن به أكثر العالمين، أضل اليهود فكفروا به وأضل النصارى فقالوا: هو ابن الله، قال: وناداها ملك من تحتها {قد جعل ربك تحتك سريا} قال إبليس: ما حملت أنثى إلا بعلمي ولا وضعته إلا على كفي ليس هذا الغلام لم أعلم به حين حملته أمه ولم أعلم به حين وضعته). [الدر المنثور: 10/40-41]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات، وابن عساكر من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس وعن مرة بن مسعود - رضي الله عنهما - قالا: خرجت مريم إلى جانب المحراب لحيض أصابها فلما طهرت إذ هي برجل معها {فتمثل لها بشرا} ففزعت وقال: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} فخرجت وعليها جلبابها فأخذ بكمها فنفخ في جيب درعها - وكان مشقوقا من قدامها - فدخلت النفخة صدرها فحملت فأتتها أختها امرأة ليلة تزورها فلما فتحت لها الباب التزمتها فقالت امرأة زكريا: يا مريم أشعرت أني حبلى، قالت مريم: اشعرت أيضا أني حبلى فقالت امرأة زكريا: فإني وجدت ما في بطني يسجد للذي في بطنك، فذاك قوله: {مصدقا بكلمة من الله} فولدت امرأة زكريا يحيى، ولما بلغ أن تضع مريم خرجت إلى جانب المحراب {فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا} الآية {فناداها} جبريل {من تحتها ألا تحزني} فلما ولدته ذهب الشيطان فأخبر بني إسرائيل: إن مريم ولدت فلما أرادوها على الكلام أشارت إلى عيسى فتكلم فقال: {إني عبد الله آتاني الكتاب} الآيات، فلما ولد لم يبق في الأرض صنم إلا خر لوجهه). [الدر المنثور: 10/41-42] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {واذكر في الكتاب مريم} يقول: قص ذكرها على اليهود والنصارى ومشركي العرب {إذ انتبذت} يعني خرجت {من أهلها مكانا شرقيا} قال: كانت خرجت من بيت المقدس مما يلي المشرق {فاتخذت من دونهم حجابا} وذلك أن الله لما أراد أن يبتدئها بالكرامة ويبشرها بعيسى وكانت قد اغتسلت من المحيض فتشرفت وجعلت بينها وبين قومها {حجابا} يعني جبلا فكان الجبل بين مجلسها وبين بيت المقدس {فأرسلنا إليها روحنا} يعني جبريل {فتمثل لها بشرا} في صورة الآدميين {سويا} يعني معتدلا شابا أبيض الوجه جعدا قططا حين اخضر شاربه فلما نظرت إليه قائما بين يديها، {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} وذلك أنها شبهته بشاب كان يراها ويمشي معها يقال له يوسف من بني إسرائيل وكان من خدم بيت المقدس فخافت أن يكون الشيطان قد استزه فمن ثم قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} يعني إن كنت تخاف الله، قال جبريل: وتبسم {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} يعني لله مطيعا من غير بشر، {قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر} يعني زوجا {ولم أك بغيا} أي مومسة، قال جبريل: {كذلك} يعني هكذا {قال ربك هو علي هين} يعني خلقه من غير بشر، {ولنجعله آية للناس} يعني عبرة والناس هنا للمؤمنين خاصة ورحمة لكمن صدق بأنه رسول الله، {وكان أمرا مقضيا} يعني كائنا أن يكون من غير بشر، فدنا جبريل فنفخ في جيبها فدخلت النفخة جوفها فاحتملت كما تحمل النساء في الرحم والمشيمة ووضعته كما تضع النساء فأصابها العطش فأجرى الله لها جدولا من الأردن فذلك قوله: {قد جعل ربك تحتك سريا} والسري الجدول، وحمل الجذع من ساعته {رطبا جنيا} فناداها من تحتها جبريل {وهزي إليك بجذع النخلة} لم يكن على رأسها سقف وكانت قد يبست منذ دهر طويل فأحياها الله لها وحملت فذلك قوله: {تساقط عليك رطبا جنيا} يعني طريا بغباره {فكلي} من الرطب {واشربي} من الجدول {وقري عينا} بولدك، فقال: فكيف بي إذا سألوني من أين هذا،، قال لها جبريل: {فإما ترين} يعني فإذا رأيت {من البشر أحدا} فأعنتك في أمرك {فقولي إني نذرت للرحمن صوما} يعني صمتا في أمر عيسى {فلن أكلم اليوم إنسيا} في أمره، حتى يكون هو الذي يعبر عني وعن نفسه، قال: ففقدوا مريم من محرابها فسألوا يوسف فقال: لا علم لي بها وإن مفتاح محرابها مع زكريا، فطلبوا زكريا وفتحوا الباب وليست فيه فاتهموه فأخذوه ووبخوه فقال رجل: إني رأيتها في موضع كذا فخرجوا في طلبها فسمعوا صوت عقيق في رأس الجذع الذي مريم من تحته فانطلقوا إليه فذلك قول الله: {فأتت به قومها تحمله} قال ابن عباس: لما رأت بأن قومها قد اقبلوا إليها احتملت الولد إليهم حتى تلقتهم به فذلك قوله: {فأتت به قومها تحمله} أي لا تخاف ريبة ولا تهمة فلما نظروا إليها شق أبوها مدرعته وجعل التراب على رأسه وأخوتها وآل زكريا {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} يعني عظيما {يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا} يعني زانية، فأنى أتيت هذا الأمر مع هذا الأخ الصالح والأب الصالح والأم الصالح {فأشارت إليه} تقول لهم: أن كلموه فإنه سيخبركم {إني نذرت للرحمن صوما} أن لا أكلمكم في أمره فإنه سيعبر عني فيكون لكم آية وعبرة {قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا} يعني من هو في الخرق طفلا لا ينطق فأنطقه الله فعبر عن أمه وكان عبرة لهم فقال: {إني عبد الله} فلما أن قالها ابتدأ يحيى وهو ابن ثلاث سنين فكان أول من صدق به فقال: إني أشهد أنك عبد الله ورسوله، لتصديق قول الله: {مصدقا بكلمة من الله} فقال عيسى: {آتاني الكتاب وجعلني نبيا} إليكم {وجعلني مباركا أين ما كنت} قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البركة التي جعلها الله لعيسى أنه كان معلما مؤدبا حيثما توجه {وأوصاني بالصلاة والزكاة} يعني وأمرني {وبرا بوالدتي} فلا أعقها، قال ابن عباس حين قال: {وبرا بوالدتي} قال: زكريا: الله أكبر فأخذه فضمه إلى صدره فعلموا أنه خلق من غير بشر {ولم يجعلني جبارا شقيا} يعني متعظما سفاكا للدم، {والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} يقول الله: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون} يعني يشكون بقوله لليهود ثم أمسك عيسى عن الكلام حتى بلغ مبلغ الناس). [الدر المنثور: 10/42-45] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن نوف قال: كانت مريم عليها السلام فتاة بتولا وكان زكريا زوج أختها كفلها فكانت معه فكان يدخل عليه يسلم عليها فتقرب إليه فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء فدخل عليها زكريا مرة فقربت إليه بعض ما كانت تقرب (قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب هنالك دعا زكريا ربه) (آل عمران آية 38 - 39) إلى قوله: (آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا زمرا) (آل عمران آية 42) {سويا} صحيحا، {فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم} كتب لهم {أن سبحوا بكرة وعشيا} قال: فبينما هي جالسة في منزلها إذا رجل قائم بين يديها قد هتك الحجب فلما أن رأته قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} قال فلما ذكرت الرحمن فزع جبريل عليه السلام قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} إلى قوله: {وكان أمرا مقضيا} فنفخ في جيبها جبريل فحملت حتى إذا أثقلت وجعت ما يجع النساء وكانت في بيت النبوة فاستحيت وهربت حياء من قومها فأخذت نحو المشرق وأخذ قومها في طلبها فجعلوا يسألون رأيتم فتاة كذا وكذا فلا يخبرهم أحد، وأخذها {المخاض إلى جذع النخلة} فتساندت إلى النخلة قالت: {يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا} قال: حيضة من حيضة {فناداها من تحتها} قال: جبريل من أقصى الوادي {ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا} قال: جدولا {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا} فلما قال لها جبريل: اشتد ظهرها وطابت نفسها فقطعت سرته ولفته في خرقة وحملته فلقي قومها راعي بقر وهم في طلبها، قالوا: يا راعي هل رأيت فتاة كذا وكذا قال: لا وكن رأيت الليلة من بقري شيئا لم أره منها قط فيما خلا قال: رأيتها باتت سجدا نحو هذا الوادي فانطلقوا حيث وصف لهم فلما رأتهم مريم جلست وجعلت ترضع عيسى فجاؤوا حتى وقفوا عليها {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} قال: أمرا عظيما: {فأشارت إليه} أن كلموه فعجبوا منها: قالوا: {كيف نكلم من كان في المهد صبيا} {قال إني عبد الله آتاني الكتاب} والمهد حجرها فلما قالوا ذلك: ترك عيسى ثديها واتكأ على يساره ثم تكلم {قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا} {وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} قال: واختلف الناس فيه). [الدر المنثور: 10/46-48] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي وائل في قوله: {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} قال: لقد علمت مريم أن التقي ذو نهية). [الدر المنثور: 10/50]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله: {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} قال: إنما خشيت أن يكون إنما يريدها عن نفسه، {قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} زعموا أنه نفخ في جيب درعها وكمها). [الدر المنثور: 10/50]
تفسير قوله تعالى: (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {قال إنّما أنا رسول ربّك} يقول تعالى ذكره: فقال لها روحنا الذى أرسلناه إليها: إنّما أنا رسول ربّك يا مريم أرسلني إليك {لأهب لك غلامًا زكيًّا}.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الحجاز والعراق غير أبي عمرٍو: {لأهب لك} بمعنى: إنّما أنا رسول ربّك: يقول: أرسلني إليك لأهب لك {غلامًا زكيًّا} على الحكاية. وقرأ ذلك أبو عمرو بن العلاء: ( ليهب لك غلامًا زكيًّا ) بمعنى: إنّما أنا رسول ربّك أرسلني إليك ليهب اللّه لك غلامًا زكيًّا.
والصّواب من القراءة في ذلك، ما عليه قرّاء الأمصار، وهو {لأهب لك} بالألف دون الياء، لأنّ ذلك كذلك في مصاحف المسلمين، وعليه قراءة قديمهم وحديثهم، غير أبي عمرٍو، وغير جائزٍ خلافهم فيما أجمعوا عليه، ولا سائغ لأحدٍ خلاف مصاحفهم.
والغلام الزّكيّ: هو الطّاهر من الذّنوب وكذلك تقول العرب: غلامٌ زاكٍ وزكيٌّ، وعالٍ وعليٌّ). [جامع البيان: 15/488]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {واذكر في الكتاب مريم} يقول: قص ذكرها على اليهود والنصارى ومشركي العرب {إذ انتبذت} يعني خرجت {من أهلها مكانا شرقيا} قال: كانت خرجت من بيت المقدس مما يلي المشرق {فاتخذت من دونهم حجابا} وذلك أن الله لما أراد أن يبتدئها بالكرامة ويبشرها بعيسى وكانت قد اغتسلت من المحيض فتشرفت وجعلت بينها وبين قومها {حجابا} يعني جبلا فكان الجبل بين مجلسها وبين بيت المقدس {فأرسلنا إليها روحنا} يعني جبريل {فتمثل لها بشرا} في صورة الآدميين {سويا} يعني معتدلا شابا أبيض الوجه جعدا قططا حين اخضر شاربه فلما نظرت إليه قائما بين يديها، {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} وذلك أنها شبهته بشاب كان يراها ويمشي معها يقال له يوسف من بني إسرائيل وكان من خدم بيت المقدس فخافت أن يكون الشيطان قد استزه فمن ثم قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} يعني إن كنت تخاف الله، قال جبريل: وتبسم {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} يعني لله مطيعا من غير بشر، {قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر} يعني زوجا {ولم أك بغيا} أي مومسة، قال جبريل: {كذلك} يعني هكذا {قال ربك هو علي هين} يعني خلقه من غير بشر، {ولنجعله آية للناس} يعني عبرة والناس هنا للمؤمنين خاصة ورحمة لكمن صدق بأنه رسول الله، {وكان أمرا مقضيا} يعني كائنا أن يكون من غير بشر، فدنا جبريل فنفخ في جيبها فدخلت النفخة جوفها فاحتملت كما تحمل النساء في الرحم والمشيمة ووضعته كما تضع النساء فأصابها العطش فأجرى الله لها جدولا من الأردن فذلك قوله: {قد جعل ربك تحتك سريا} والسري الجدول، وحمل الجذع من ساعته {رطبا جنيا} فناداها من تحتها جبريل {وهزي إليك بجذع النخلة} لم يكن على رأسها سقف وكانت قد يبست منذ دهر طويل فأحياها الله لها وحملت فذلك قوله: {تساقط عليك رطبا جنيا} يعني طريا بغباره {فكلي} من الرطب {واشربي} من الجدول {وقري عينا} بولدك، فقال: فكيف بي إذا سألوني من أين هذا،، قال لها جبريل: {فإما ترين} يعني فإذا رأيت {من البشر أحدا} فأعنتك في أمرك {فقولي إني نذرت للرحمن صوما} يعني صمتا في أمر عيسى {فلن أكلم اليوم إنسيا} في أمره، حتى يكون هو الذي يعبر عني وعن نفسه، قال: ففقدوا مريم من محرابها فسألوا يوسف فقال: لا علم لي بها وإن مفتاح محرابها مع زكريا، فطلبوا زكريا وفتحوا الباب وليست فيه فاتهموه فأخذوه ووبخوه فقال رجل: إني رأيتها في موضع كذا فخرجوا في طلبها فسمعوا صوت عقيق في رأس الجذع الذي مريم من تحته فانطلقوا إليه فذلك قول الله: {فأتت به قومها تحمله} قال ابن عباس: لما رأت بأن قومها قد اقبلوا إليها احتملت الولد إليهم حتى تلقتهم به فذلك قوله: {فأتت به قومها تحمله} أي لا تخاف ريبة ولا تهمة فلما نظروا إليها شق أبوها مدرعته وجعل التراب على رأسه وأخوتها وآل زكريا {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} يعني عظيما {يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا} يعني زانية، فأنى أتيت هذا الأمر مع هذا الأخ الصالح والأب الصالح والأم الصالح {فأشارت إليه} تقول لهم: أن كلموه فإنه سيخبركم {إني نذرت للرحمن صوما} أن لا أكلمكم في أمره فإنه سيعبر عني فيكون لكم آية وعبرة {قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا} يعني من هو في الخرق طفلا لا ينطق فأنطقه الله فعبر عن أمه وكان عبرة لهم فقال: {إني عبد الله} فلما أن قالها ابتدأ يحيى وهو ابن ثلاث سنين فكان أول من صدق به فقال: إني أشهد أنك عبد الله ورسوله، لتصديق قول الله: {مصدقا بكلمة من الله} فقال عيسى: {آتاني الكتاب وجعلني نبيا} إليكم {وجعلني مباركا أين ما كنت} قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البركة التي جعلها الله لعيسى أنه كان معلما مؤدبا حيثما توجه {وأوصاني بالصلاة والزكاة} يعني وأمرني {وبرا بوالدتي} فلا أعقها، قال ابن عباس حين قال: {وبرا بوالدتي} قال: زكريا: الله أكبر فأخذه فضمه إلى صدره فعلموا أنه خلق من غير بشر {ولم يجعلني جبارا شقيا} يعني متعظما سفاكا للدم، {والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} يقول الله: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون} يعني يشكون بقوله لليهود ثم أمسك عيسى عن الكلام حتى بلغ مبلغ الناس). [الدر المنثور: 10/42-45] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله: {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} قال: إنما خشيت أن يكون إنما يريدها عن نفسه، {قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} زعموا أنه نفخ في جيب درعها وكمها). [الدر المنثور: 10/50] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {لأهب لك} مهموزة بالألف وفي قراءة عبد الله ليهب لك بالياء). [الدر المنثور: 10/50]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {غلاما زكيا} قال: صالحا). [الدر المنثور: 10/50]
تفسير قوله تعالى: (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالت أنّى يكون لي غلامٌ ولم يمسسني بشرٌ ولم أك بغيًّا (20) قال كذلك قال ربّك هو عليّ هيّنٌ ولنجعله آيةً للنّاس ورحمةً منّا وكان أمرًا مقضيًّا}.
يقول تعالى ذكره: قالت مريم لجبريل: {أنّى يكون لي غلامٌ} من أيّ وجهٍ يكون لي غلامٌ؟ أمن قبل زوجٍ أتزوّج، فأرزقه منه، أم يبتدئ اللّه في خلقه ابتداءً {ولم يمسسني بشرٌ} من ولد آدم بنكاحٍ حلالٍ {ولم أك} إذ لم يمسسني منهم أحدٌ على وجه الحلال {بغيًّا} بغيت ففعلت ذلك من الوجه الحرام، فحملته من زنًا، كما؛
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {ولم أك بغيًّا} يقول: زانيةً). [جامع البيان: 15/488-489]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا محمّد بن عليٍّ الشّيبانيّ بالكوفة، ثنا أحمد بن حازمٍ الغفاريّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ رضي اللّه عنه، قال: " كان روح عيسى ابن مريم من تلك الأرواح الّتي أخذ عليها الميثاق في زمن آدم فأرسله اللّه إلى مريم في صورة بشرٍ {فتمثّل لها بشرًا سويًّا} [مريم: 17] ، {قالت أنّى يكون لي غلامٌ ولم يمسسني بشرٌ ولم أك بغيًّا} [مريم: 20] ، فحمل الّذي يخاطبها فدخل من فيها «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/405] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر من طريق داود بن أبي هند عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما بلغت مريم فإذا هي في بيتها منفصلة إذ دخل عليها رجل بغير إذن فخشيت أن يكون دخل عليها ليغتالها فقالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} قالت: {أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا} قال: {كذلك قال ربك} فجعل جبريل يردد ذلك عليها وتقول: {أنى يكون لي غلام} وتغفلها جبريل فنفخ في جيب درعها ونهض عنها واستمر بها حملها فقالت: إن خرجت نحو المغرب فالقوم يصلون نحو المغرب ولكن أخرج نحو المشرق حيث لا يراني أحد فخرجت نحو المشرق فبينما هي تمشي إذ جاءها المخاض فنظرت هل تجد شيئا تستر به فلم تر إلا جذع النخلة فقال: أستتر بهذا الجذع من الناس، وكان تحت الجذع نهر يجري فانضمت إلى النخلة فلما وضعته خر كل شيء يعبد من دون الله في مشارق الأرض ومغاربها ساجدا لوجهه، وفزع إبليس فخرج فصعد فلم ير شيئا ينكره وأتى المشرق فلم ير شيئا ينكره وجعل لا يصبر فأتى المغرب لينظر فلم ير شيئا ينكره، فبينا هو يطوف إذ مر بالنخلة فإذا هو بامرأة معها غلام قد ولدته وإذا بالملائكة قد أحدقوا بها وبابنها وبالنخلة فقال: ههنا حدث الأمر فمال إليهم فقال: أي شيء هذا الذي حدث فكلمته الملائكة فقالوا: نبي ولد بغير ذكر، قال: أما والله لأضلن به أكثر العالمين، أضل اليهود فكفروا به وأضل النصارى فقالوا: هو ابن الله، قال: وناداها ملك من تحتها {قد جعل ربك تحتك سريا} قال إبليس: ما حملت أنثى إلا بعلمي ولا وضعته إلا على كفي ليس هذا الغلام لم أعلم به حين حملته أمه ولم أعلم به حين وضعته). [الدر المنثور: 10/40-41] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {واذكر في الكتاب مريم} يقول: قص ذكرها على اليهود والنصارى ومشركي العرب {إذ انتبذت} يعني خرجت {من أهلها مكانا شرقيا} قال: كانت خرجت من بيت المقدس مما يلي المشرق {فاتخذت من دونهم حجابا} وذلك أن الله لما أراد أن يبتدئها بالكرامة ويبشرها بعيسى وكانت قد اغتسلت من المحيض فتشرفت وجعلت بينها وبين قومها {حجابا} يعني جبلا فكان الجبل بين مجلسها وبين بيت المقدس {فأرسلنا إليها روحنا} يعني جبريل {فتمثل لها بشرا} في صورة الآدميين {سويا} يعني معتدلا شابا أبيض الوجه جعدا قططا حين اخضر شاربه فلما نظرت إليه قائما بين يديها، {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} وذلك أنها شبهته بشاب كان يراها ويمشي معها يقال له يوسف من بني إسرائيل وكان من خدم بيت المقدس فخافت أن يكون الشيطان قد استزه فمن ثم قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} يعني إن كنت تخاف الله، قال جبريل: وتبسم {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} يعني لله مطيعا من غير بشر، {قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر} يعني زوجا {ولم أك بغيا} أي مومسة، قال جبريل: {كذلك} يعني هكذا {قال ربك هو علي هين} يعني خلقه من غير بشر، {ولنجعله آية للناس} يعني عبرة والناس هنا للمؤمنين خاصة ورحمة لكمن صدق بأنه رسول الله، {وكان أمرا مقضيا} يعني كائنا أن يكون من غير بشر، فدنا جبريل فنفخ في جيبها فدخلت النفخة جوفها فاحتملت كما تحمل النساء في الرحم والمشيمة ووضعته كما تضع النساء فأصابها العطش فأجرى الله لها جدولا من الأردن فذلك قوله: {قد جعل ربك تحتك سريا} والسري الجدول، وحمل الجذع من ساعته {رطبا جنيا} فناداها من تحتها جبريل {وهزي إليك بجذع النخلة} لم يكن على رأسها سقف وكانت قد يبست منذ دهر طويل فأحياها الله لها وحملت فذلك قوله: {تساقط عليك رطبا جنيا} يعني طريا بغباره {فكلي} من الرطب {واشربي} من الجدول {وقري عينا} بولدك، فقال: فكيف بي إذا سألوني من أين هذا،، قال لها جبريل: {فإما ترين} يعني فإذا رأيت {من البشر أحدا} فأعنتك في أمرك {فقولي إني نذرت للرحمن صوما} يعني صمتا في أمر عيسى {فلن أكلم اليوم إنسيا} في أمره، حتى يكون هو الذي يعبر عني وعن نفسه، قال: ففقدوا مريم من محرابها فسألوا يوسف فقال: لا علم لي بها وإن مفتاح محرابها مع زكريا، فطلبوا زكريا وفتحوا الباب وليست فيه فاتهموه فأخذوه ووبخوه فقال رجل: إني رأيتها في موضع كذا فخرجوا في طلبها فسمعوا صوت عقيق في رأس الجذع الذي مريم من تحته فانطلقوا إليه فذلك قول الله: {فأتت به قومها تحمله} قال ابن عباس: لما رأت بأن قومها قد اقبلوا إليها احتملت الولد إليهم حتى تلقتهم به فذلك قوله: {فأتت به قومها تحمله} أي لا تخاف ريبة ولا تهمة فلما نظروا إليها شق أبوها مدرعته وجعل التراب على رأسه وأخوتها وآل زكريا {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} يعني عظيما {يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا} يعني زانية، فأنى أتيت هذا الأمر مع هذا الأخ الصالح والأب الصالح والأم الصالح {فأشارت إليه} تقول لهم: أن كلموه فإنه سيخبركم {إني نذرت للرحمن صوما} أن لا أكلمكم في أمره فإنه سيعبر عني فيكون لكم آية وعبرة {قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا} يعني من هو في الخرق طفلا لا ينطق فأنطقه الله فعبر عن أمه وكان عبرة لهم فقال: {إني عبد الله} فلما أن قالها ابتدأ يحيى وهو ابن ثلاث سنين فكان أول من صدق به فقال: إني أشهد أنك عبد الله ورسوله، لتصديق قول الله: {مصدقا بكلمة من الله} فقال عيسى: {آتاني الكتاب وجعلني نبيا} إليكم {وجعلني مباركا أين ما كنت} قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البركة التي جعلها الله لعيسى أنه كان معلما مؤدبا حيثما توجه {وأوصاني بالصلاة والزكاة} يعني وأمرني {وبرا بوالدتي} فلا أعقها، قال ابن عباس حين قال: {وبرا بوالدتي} قال: زكريا: الله أكبر فأخذه فضمه إلى صدره فعلموا أنه خلق من غير بشر {ولم يجعلني جبارا شقيا} يعني متعظما سفاكا للدم، {والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} يقول الله: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون} يعني يشكون بقوله لليهود ثم أمسك عيسى عن الكلام حتى بلغ مبلغ الناس). [الدر المنثور: 10/42-45] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {ولم أك بغيا} قال زانية). [الدر المنثور: 10/50]
تفسير قوله تعالى: (قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({قال كذلك قال ربّك هو عليّ هيّنٌ} يقول تعالى ذكره: قال لها جبريل: هكذا الأمر كما تصفين، من أنّك لم يمسسك بشرٌ ولم تكوني بغيًّا، ولكنّ ربّك قال: هو عليّ هيّنٌ: أي خلق الغلام الّذي قلت إنى أهبه لك عليّ هيّنٌ لا يتعذّر عليّ خلقه وهبته لك من غير فحلٍ يفتحلك.
وقوله: {ولنجعله آيةً للنّاس} يقول: وكي نجعل الغلام الّذي نهبه لك علامةً وحجّةً على خلقي أهبه لك {ورحمةً منّا} يقول: ورحمةً منّا لك، ولمن آمن به وصدّقه أخلقه منك {وكان أمرًا مقضيًّا} يقول: وكان خلقه منك أمرًا قد قضاه اللّه، ومضى في حكمه وسابق علمه أنّه كائنٌ منك. كما؛
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني من لا أتّهم، عن وهب بن منبّهٍ، {وكان أمرًا مقضيًّا} أي أنّ اللّه قد عزم على هذا، فليس منه بدٌّ). [جامع البيان: 15/489]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر من طريق داود بن أبي هند عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما بلغت مريم فإذا هي في بيتها منفصلة إذ دخل عليها رجل بغير إذن فخشيت أن يكون دخل عليها ليغتالها فقالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} قالت: {أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا} قال: {كذلك قال ربك} فجعل جبريل يردد ذلك عليها وتقول: {أنى يكون لي غلام} وتغفلها جبريل فنفخ في جيب درعها ونهض عنها واستمر بها حملها فقالت: إن خرجت نحو المغرب فالقوم يصلون نحو المغرب ولكن أخرج نحو المشرق حيث لا يراني أحد فخرجت نحو المشرق فبينما هي تمشي إذ جاءها المخاض فنظرت هل تجد شيئا تستر به فلم تر إلا جذع النخلة فقال: أستتر بهذا الجذع من الناس، وكان تحت الجذع نهر يجري فانضمت إلى النخلة فلما وضعته خر كل شيء يعبد من دون الله في مشارق الأرض ومغاربها ساجدا لوجهه، وفزع إبليس فخرج فصعد فلم ير شيئا ينكره وأتى المشرق فلم ير شيئا ينكره وجعل لا يصبر فأتى المغرب لينظر فلم ير شيئا ينكره، فبينا هو يطوف إذ مر بالنخلة فإذا هو بامرأة معها غلام قد ولدته وإذا بالملائكة قد أحدقوا بها وبابنها وبالنخلة فقال: ههنا حدث الأمر فمال إليهم فقال: أي شيء هذا الذي حدث فكلمته الملائكة فقالوا: نبي ولد بغير ذكر، قال: أما والله لأضلن به أكثر العالمين، أضل اليهود فكفروا به وأضل النصارى فقالوا: هو ابن الله، قال: وناداها ملك من تحتها {قد جعل ربك تحتك سريا} قال إبليس: ما حملت أنثى إلا بعلمي ولا وضعته إلا على كفي ليس هذا الغلام لم أعلم به حين حملته أمه ولم أعلم به حين وضعته). [الدر المنثور: 10/40-41] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر من طريق داود بن أبي هند عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما بلغت مريم فإذا هي في بيتها منفصلة إذ دخل عليها رجل بغير إذن فخشيت أن يكون دخل عليها ليغتالها فقالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} قالت: {أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا} قال: {كذلك قال ربك} فجعل جبريل يردد ذلك عليها وتقول: {أنى يكون لي غلام} وتغفلها جبريل فنفخ في جيب درعها ونهض عنها واستمر بها حملها فقالت: إن خرجت نحو المغرب فالقوم يصلون نحو المغرب ولكن أخرج نحو المشرق حيث لا يراني أحد فخرجت نحو المشرق فبينما هي تمشي إذ جاءها المخاض فنظرت هل تجد شيئا تستر به فلم تر إلا جذع النخلة فقال: أستتر بهذا الجذع من الناس، وكان تحت الجذع نهر يجري فانضمت إلى النخلة فلما وضعته خر كل شيء يعبد من دون الله في مشارق الأرض ومغاربها ساجدا لوجهه، وفزع إبليس فخرج فصعد فلم ير شيئا ينكره وأتى المشرق فلم ير شيئا ينكره وجعل لا يصبر فأتى المغرب لينظر فلم ير شيئا ينكره، فبينا هو يطوف إذ مر بالنخلة فإذا هو بامرأة معها غلام قد ولدته وإذا بالملائكة قد أحدقوا بها وبابنها وبالنخلة فقال: ههنا حدث الأمر فمال إليهم فقال: أي شيء هذا الذي حدث فكلمته الملائكة فقالوا: نبي ولد بغير ذكر، قال: أما والله لأضلن به أكثر العالمين، أضل اليهود فكفروا به وأضل النصارى فقالوا: هو ابن الله، قال: وناداها ملك من تحتها {قد جعل ربك تحتك سريا} قال إبليس: ما حملت أنثى إلا بعلمي ولا وضعته إلا على كفي ليس هذا الغلام لم أعلم به حين حملته أمه ولم أعلم به حين وضعته). [الدر المنثور: 10/40-41] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر من طريق داود بن أبي هند عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما بلغت مريم فإذا هي في بيتها منفصلة إذ دخل عليها رجل بغير إذن فخشيت أن يكون دخل عليها ليغتالها فقالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} قالت: {أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا} قال: {كذلك قال ربك} فجعل جبريل يردد ذلك عليها وتقول: {أنى يكون لي غلام} وتغفلها جبريل فنفخ في جيب درعها ونهض عنها واستمر بها حملها فقالت: إن خرجت نحو المغرب فالقوم يصلون نحو المغرب ولكن أخرج نحو المشرق حيث لا يراني أحد فخرجت نحو المشرق فبينما هي تمشي إذ جاءها المخاض فنظرت هل تجد شيئا تستر به فلم تر إلا جذع النخلة فقال: أستتر بهذا الجذع من الناس، وكان تحت الجذع نهر يجري فانضمت إلى النخلة فلما وضعته خر كل شيء يعبد من دون الله في مشارق الأرض ومغاربها ساجدا لوجهه، وفزع إبليس فخرج فصعد فلم ير شيئا ينكره وأتى المشرق فلم ير شيئا ينكره وجعل لا يصبر فأتى المغرب لينظر فلم ير شيئا ينكره، فبينا هو يطوف إذ مر بالنخلة فإذا هو بامرأة معها غلام قد ولدته وإذا بالملائكة قد أحدقوا بها وبابنها وبالنخلة فقال: ههنا حدث الأمر فمال إليهم فقال: أي شيء هذا الذي حدث فكلمته الملائكة فقالوا: نبي ولد بغير ذكر، قال: أما والله لأضلن به أكثر العالمين، أضل اليهود فكفروا به وأضل النصارى فقالوا: هو ابن الله، قال: وناداها ملك من تحتها {قد جعل ربك تحتك سريا} قال إبليس: ما حملت أنثى إلا بعلمي ولا وضعته إلا على كفي ليس هذا الغلام لم أعلم به حين حملته أمه ولم أعلم به حين وضعته). [الدر المنثور: 10/40-41] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {واذكر في الكتاب مريم} يقول: قص ذكرها على اليهود والنصارى ومشركي العرب {إذ انتبذت} يعني خرجت {من أهلها مكانا شرقيا} قال: كانت خرجت من بيت المقدس مما يلي المشرق {فاتخذت من دونهم حجابا} وذلك أن الله لما أراد أن يبتدئها بالكرامة ويبشرها بعيسى وكانت قد اغتسلت من المحيض فتشرفت وجعلت بينها وبين قومها {حجابا} يعني جبلا فكان الجبل بين مجلسها وبين بيت المقدس {فأرسلنا إليها روحنا} يعني جبريل {فتمثل لها بشرا} في صورة الآدميين {سويا} يعني معتدلا شابا أبيض الوجه جعدا قططا حين اخضر شاربه فلما نظرت إليه قائما بين يديها، {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} وذلك أنها شبهته بشاب كان يراها ويمشي معها يقال له يوسف من بني إسرائيل وكان من خدم بيت المقدس فخافت أن يكون الشيطان قد استزه فمن ثم قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} يعني إن كنت تخاف الله، قال جبريل: وتبسم {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} يعني لله مطيعا من غير بشر، {قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر} يعني زوجا {ولم أك بغيا} أي مومسة، قال جبريل: {كذلك} يعني هكذا {قال ربك هو علي هين} يعني خلقه من غير بشر، {ولنجعله آية للناس} يعني عبرة والناس هنا للمؤمنين خاصة ورحمة لكمن صدق بأنه رسول الله، {وكان أمرا مقضيا} يعني كائنا أن يكون من غير بشر، فدنا جبريل فنفخ في جيبها فدخلت النفخة جوفها فاحتملت كما تحمل النساء في الرحم والمشيمة ووضعته كما تضع النساء فأصابها العطش فأجرى الله لها جدولا من الأردن فذلك قوله: {قد جعل ربك تحتك سريا} والسري الجدول، وحمل الجذع من ساعته {رطبا جنيا} فناداها من تحتها جبريل {وهزي إليك بجذع النخلة} لم يكن على رأسها سقف وكانت قد يبست منذ دهر طويل فأحياها الله لها وحملت فذلك قوله: {تساقط عليك رطبا جنيا} يعني طريا بغباره {فكلي} من الرطب {واشربي} من الجدول {وقري عينا} بولدك، فقال: فكيف بي إذا سألوني من أين هذا،، قال لها جبريل: {فإما ترين} يعني فإذا رأيت {من البشر أحدا} فأعنتك في أمرك {فقولي إني نذرت للرحمن صوما} يعني صمتا في أمر عيسى {فلن أكلم اليوم إنسيا} في أمره، حتى يكون هو الذي يعبر عني وعن نفسه، قال: ففقدوا مريم من محرابها فسألوا يوسف فقال: لا علم لي بها وإن مفتاح محرابها مع زكريا، فطلبوا زكريا وفتحوا الباب وليست فيه فاتهموه فأخذوه ووبخوه فقال رجل: إني رأيتها في موضع كذا فخرجوا في طلبها فسمعوا صوت عقيق في رأس الجذع الذي مريم من تحته فانطلقوا إليه فذلك قول الله: {فأتت به قومها تحمله} قال ابن عباس: لما رأت بأن قومها قد اقبلوا إليها احتملت الولد إليهم حتى تلقتهم به فذلك قوله: {فأتت به قومها تحمله} أي لا تخاف ريبة ولا تهمة فلما نظروا إليها شق أبوها مدرعته وجعل التراب على رأسه وأخوتها وآل زكريا {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} يعني عظيما {يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا} يعني زانية، فأنى أتيت هذا الأمر مع هذا الأخ الصالح والأب الصالح والأم الصالح {فأشارت إليه} تقول لهم: أن كلموه فإنه سيخبركم {إني نذرت للرحمن صوما} أن لا أكلمكم في أمره فإنه سيعبر عني فيكون لكم آية وعبرة {قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا} يعني من هو في الخرق طفلا لا ينطق فأنطقه الله فعبر عن أمه وكان عبرة لهم فقال: {إني عبد الله} فلما أن قالها ابتدأ يحيى وهو ابن ثلاث سنين فكان أول من صدق به فقال: إني أشهد أنك عبد الله ورسوله، لتصديق قول الله: {مصدقا بكلمة من الله} فقال عيسى: {آتاني الكتاب وجعلني نبيا} إليكم {وجعلني مباركا أين ما كنت} قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البركة التي جعلها الله لعيسى أنه كان معلما مؤدبا حيثما توجه {وأوصاني بالصلاة والزكاة} يعني وأمرني {وبرا بوالدتي} فلا أعقها، قال ابن عباس حين قال: {وبرا بوالدتي} قال: زكريا: الله أكبر فأخذه فضمه إلى صدره فعلموا أنه خلق من غير بشر {ولم يجعلني جبارا شقيا} يعني متعظما سفاكا للدم، {والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} يقول الله: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون} يعني يشكون بقوله لليهود ثم أمسك عيسى عن الكلام حتى بلغ مبلغ الناس). [الدر المنثور: 10/42-45] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن نوف قال: كانت مريم عليها السلام فتاة بتولا وكان زكريا زوج أختها كفلها فكانت معه فكان يدخل عليه يسلم عليها فتقرب إليه فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء فدخل عليها زكريا مرة فقربت إليه بعض ما كانت تقرب (قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب هنالك دعا زكريا ربه) (آل عمران آية 38 - 39) إلى قوله: (آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا زمرا) (آل عمران آية 42) {سويا} صحيحا، {فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم} كتب لهم {أن سبحوا بكرة وعشيا} قال: فبينما هي جالسة في منزلها إذا رجل قائم بين يديها قد هتك الحجب فلما أن رأته قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} قال فلما ذكرت الرحمن فزع جبريل عليه السلام قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} إلى قوله: {وكان أمرا مقضيا} فنفخ في جيبها جبريل فحملت حتى إذا أثقلت وجعت ما يجع النساء وكانت في بيت النبوة فاستحيت وهربت حياء من قومها فأخذت نحو المشرق وأخذ قومها في طلبها فجعلوا يسألون رأيتم فتاة كذا وكذا فلا يخبرهم أحد، وأخذها {المخاض إلى جذع النخلة} فتساندت إلى النخلة قالت: {يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا} قال: حيضة من حيضة {فناداها من تحتها} قال: جبريل من أقصى الوادي {ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا} قال: جدولا {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا} فلما قال لها جبريل: اشتد ظهرها وطابت نفسها فقطعت سرته ولفته في خرقة وحملته فلقي قومها راعي بقر وهم في طلبها، قالوا: يا راعي هل رأيت فتاة كذا وكذا قال: لا وكن رأيت الليلة من بقري شيئا لم أره منها قط فيما خلا قال: رأيتها باتت سجدا نحو هذا الوادي فانطلقوا حيث وصف لهم فلما رأتهم مريم جلست وجعلت ترضع عيسى فجاؤوا حتى وقفوا عليها {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} قال: أمرا عظيما: {فأشارت إليه} أن كلموه فعجبوا منها: قالوا: {كيف نكلم من كان في المهد صبيا} {قال إني عبد الله آتاني الكتاب} والمهد حجرها فلما قالوا ذلك: ترك عيسى ثديها واتكأ على يساره ثم تكلم {قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا} {وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} قال: واختلف الناس فيه). [الدر المنثور: 10/46-48] (م)