(فصل) "يا"
قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): ((فصل) "يا": حرف موضوع لنداء البعيد، أو ما نزل منزلة البعيد من نائم أو ساه، وقد ينادى بها القريب توكيدًا، وقيل: هي مشتركة بين القريب والبعيد، فإن قيل: فالله سبحانه قريب يجيب دعوة الداع إذا دعاه، وهو يختص بـ "يا" التي لنداء البعيد، قلنا: ذلك ... تبعيد لنفسه واستقصار لها، أو تفخيم أو تعظيم لله جل جلاله لبعده عن صفات المخلوقين في التعالي والعظمة وسائر الصفات.
وهي أكثر حروف النداء استعمالًا، ولهذا لا يقدر عند حذف حرف النداء سواها نحو: {يوسف أعرض عن هذا}، وتتعين وحدها في نداء اسم الله والاسم المستغاث، و"أيها"، و"أيتها"، وتتعين هي و"وا" في المندوب.
وقد تكون "يا" كلمة تعجب كقول طرفة وكان يصطاد في صباه القبر وهو طائر:
يا لك من قبرةٍ بمعمر ..... خلا لك الجو فبيضي واصفري
وقول الشاعر:
يا بأبي أنت وفوك الأشنب
على روايته "بالياء".
وإذا وليها ما ليس بمنادى كالفعل نحو قوله تعالى: (ألا "يا" اسجدوا).
وقول ذي الرمة:
ألا يا اسلمي يا دارمي على البلى ..... ولا زال منهلًا بجرعائك القطر
وكالحرف في نحو: {يا ليتني كنت معهم}، وقوله صلى الله عليه وسلم: «يا رب كاسية في الدنيا عارية في القيامة»، وكالجملة الاسمية نحو قول الشاعر:
يا لعنة الله والأقوام كلهم ..... والصالحين على سمعان من جار.
فقيل: للنداء والمنادى محذوف، واكتفى بحرف النداء، كما حذفت حرف النداء اكتفاء بالمنادى في قوله عز وجل:{ يوسف أعرض عن هذا}؛ إذ كان المراد معلومًا.
وقيل: إن "يا" للتنبيه لئلا يلزم الإجحاف بحذف الجملة كلها.
وقال ابن مالك: إن وليها دعاء كالبيت المذكور أو أمر نحو: (ألا "يا" اسجدوا)، فهي للنداء، لكثرة وقوع النداء قبلها، نحو: {يا آدم اسكن}، و{يا نوح اهبط بسلامٍ منا}، ونحو: {يا مالك ليقض علينا ربك}، وإلا فهي للتنبيه، ومتى كانت للتنبيه سقطت "الألف" التي في فعل الأمر لأنها "ألف" وصل، ثم تحذف "الألف" التي في "يا" لالتقاء الساكنين كقول ذي الرمة:
ألا يا اسلمي يا دارمي على البلى ..... ولا زال منهلًا بجرعائك القطر
والله تعالى أعلم.
قال مصنفه رحمه الله: فرغت منه نصف النهار الرابع والعشرين من ربيع الآخر سنة 855هـ وذلك بقرية موزع عمرها الله بالدين والدنيا، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وسلم).[مصابيح المغاني: 543 - 546]