العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م, 11:58 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (246) إلى الآية (248) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (246) إلى الآية (248) ]


{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 07:27 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر وعن قتادة في قوله تعالى ابعث لنا ملكا نقتل في سبيل الله وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا قال وكان من سبط لم يكن فيه نبوة ولا ملك فقال إن الله اصطفه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم). [تفسير عبد الرزاق: 1/97]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبيٍّ لهم ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل اللّه}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {ألم تر} ألم تر يا محمّد بقلبك، فتعلم بخبري إيّاك يا محمّد {إلى الملإ} يعني إلى وجوه بني إسرائيل وأشرافهم ورؤسائهم من بعد موسى. يقول: من بعد ما قبض موسى فمات، إذ قالوا لنبيٍّ لهم: ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل اللّه. فذكر لي أنّ النّبيّ الّذي قال لهم ذلك شمويل بن بالي بن علقمة بن يرخام بن أليهو بن تهو بن صوف بن علقمة بن ماحث بن عموصا بن عزريا بن صفنيّة بن علقمة بن أبي ياسف بن قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.
- حدّثنا بذلك ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن أبن إسحاق، عن وهب بن منبّهٍ.
[جامع البيان: 4/435]
- وحدّثني أيضًا المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدّثني عبد الصّمد بن معقلٍ، أنّه، سمع وهب بن منبّهٍ، يقول: هو شمويل ولم ينسبه كما نسبه ابن إسحاق.
وقال السّدّيّ: بل اسمه شمعون، وقال: إنّما سمّي شمعون لأنّ أمّه دعت اللّه أن يرزقها غلامًا، فاستجاب اللّه لها دعاءها فرزقها، فولدت غلامًا فسمّته شمعون؛ تقول: اللّه تعالى سمع دعائي.
- حدّثني بذلك موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، فكأنّ شمعون فعلون عند السّدّيّ، من قولها: سمع اللّه دعاءها.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبيٍّ لهم} قال: شمؤل.
وقال آخرون: بل الّذي سأله قومه من بني إسرائيل أن يبعث لهم ملكًا يقاتلون في سبيل اللّه يوشع بن نون بن إفرائيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.
[جامع البيان: 4/436]
- حدّثني بذلك الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {وقال لهم نبيّهم} قال: كان نبيّهم الّذي بعد موسى يوشع بن نونٍ. قال: وهو أحد الرّجلين اللّذين أنعم اللّه عليهما.
وأمّا قوله: {ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل اللّه} فاختلف أهل التّأويل في السّبب الّذي من أجله سأل الملأ من بني إسرائيل نبيّهم ذلك. فقال بعضهم: كان سبب مسألتهم إيّاه ما؛
- حدّثنا به محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، عن وهب بن منبّهٍ، قال: خلف بعد موسى في بني إسرائيل يوشع بن نونٍ، يقيم فيهم التّوراة وأمر اللّه حتّى قبضه اللّه. ثمّ خلف فيهم كالب بن يوفنّا يقيم فيهم التّوراة وأمر اللّه حتّى قبضه اللّه تعالى. ثمّ خلف فيهم حزقيل بن بوزيٍّ وهو ابن العجوز. ثمّ إنّ اللّه قبض حزقيل، وعظمت في بني إسرائيل الأحداث، ونسوا ما كان من عهد اللّه إليهم، حتّى نصبوا الأوثان وعبدوها من دون اللّه. فبعث اللّه إليهم إلياس بن تسبى بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران نبيًّا. وإنّما كانت الأنبياء من بني إسرائيل بعد موسى يبعثون إليهم بتجديد ما نسوا من التّوراة. وكان إلياس مع ملكٍ من ملوك بني إسرائيل يقال له أحاب،
[جامع البيان: 4/437]
وكان يسمع منه ويصدّقه، فكان إلياس يقيم له أمره. وكان سائر بني إسرائيل قد اتّخذوا صنمًا يعبدونه من دون اللّه، فجعل إلياس يدعوهم إلى اللّه، وجعلوا لا يسمعون منه شيئًا، إلاّ ما كان من ذلك الملك، والملوك متفرّقةٌ بالشّام، كلّ ملكٍ له ناحيةٌ منها يأكلها. فقال ذلك الملك الّذي كان إلياس معه يقوّم له أمره ويراه على هدًى من بين أصحابه يومًا: يا إلياس واللّه ما أرى ما تدعو إليه النّاس إلاّ باطلاً واللّه ما أرى فلانًا وفلانًا يعدّد ملوكًا من ملوك بني إسرائيل قد عبدوا الأوثان من دون اللّه إلاّ على مثل ما نحن عليه، يأكلون، ويشربون، ويتنعّمون، مملكين ما ينقص من دنياهم، أمرهم الذى تزعم أنه باطل، وما نرى لنا عليهم من فضلٍ ويزعمون واللّه أعلم أنّ إلياس استرجع، وقام شعر رأسه وجلده ثمّ رفضه وخرج عنه. ففعل ذلك الملك فعل أصحابه، عبد الأوثان، وصنع ما يصنعون. ثمّ خلف من بعده فيهم اليسع، فكان فيهم ما شاء اللّه أن يكون، ثمّ قبضه اللّه إليه. وخلفت فيهم الخلوف، وعظمت فيهم الخطايا، وعندهم التّابوت يتوارثونه كابرًا عن كابرٍ، فيه السّكينة، وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى، وآل هارون، وكانوا لا يلقاهم عدوٌّ فيقدّمون التّابوت ويزحفون به معهم، إلاّ هزم اللّه ذلك العدوّ. ثمّ خلف فيهم ملكٌ يقال له إيلاء، وكان اللّه قد بارك لهم في جبلهم من إيليا لا يدخله عليهم عدوٌّ ولا يحتاجون معه إلى غيره. وكان أحدهم فيما يذكرون يجمع التّراب على الصّخرة، ثمّ ينبذ فيه الحبّ، فيخرج اللّه له ما يأكل سنته هو وعياله، ويكون لأحدهم الزّيتونة فيعتصر منها ما يأكل هو وعياله سنته. فلمّا عظمت أحداثهم وتركوا عهد اللّه إليه، نزل بهم عدوٌّ، فخرجوا إليه، وأخرجوا معهم التّابوت كما كانوا يخرجونه،
[جامع البيان: 4/438]
ثمّ زحفوا به، فقوتلوا حتّى استلب من بين أيديهم. فأتى ملكهم إيلاء، فأخبر أنّ التّابوت قد أخذ واستلب، فمالت عنقه، فمات كمدًا عليه. فمرج أمرهم عليهم، ووطئهم عدوّهم، حتّى أصيب من أبنائهم ونسائهم، وفيهم نبيّ لهم قد كان اللّه بعثه إليهم فكانوا لا يقبلون منه شيئًا يقال له شمويل، وهو الّذي ذكر اللّه لنبيّه محمّدٍ: {ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبيٍّ لهم ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل اللّه} إلى قوله: {وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا} يقول اللّه: {فلمّا كتب عليهم القتال تولّوا إلاّ قليلاً منهم} إلى قوله: {إنّ في ذلك لآيةً لكم إن كنتم مؤمنين}.
قال ابن إسحاق: فكان من حديثهم فيما حدّثني به بعض أهل العلم عن وهب بن منبّهٍ: أنّه لمّا نزل بهم البلاء، ووطئت بلادهم، كلّموا نبيّهم شمويل بن بالي، فقالوا: ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل اللّه وإنّما كان قوام بني إسرائيل الاجتماع على الملوك، وطاعة الملوك أنبياءهم، وكان الملك هو يسير بالجموع والنّبيّ يقوّم له أمره، ويأتيه بالخبر من ربّه، فإذا فعلوا ذلك صلح أمرهم، فإذا عتت ملوكهم وتركوا أمر أنبيائهم فسد أمرهم. فكانت الملوك إذا تابعتها الجماعة على الضّلالة تركوا أمر الرّسل، ففريقًا يكذّبون فلا يقبلون منه شيئًا، وفريقًا يقتلون. فلم يزل ذلك البلاء بهم حتّى قالوا له: ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل اللّه فقال لهم: إنّه ليس عندكم وفاءٌ ولا صدقٌ ولا رغبةٌ في الجهاد. فقالوا: إنّما كنّا نهاب الجهاد ونزهد فيه إنّا كنّا ممنوعين في بلادنا لا يطؤها أحدٌ فلا يظهر علينا فيها عدوٌّ، فأمّا إذ بلغ ذلك فإنّه لا بدّ من الجهاد، فنطيع ربّنا في جهاد عدوّنا ونمنع أبناءها، ونساءنا، وذراريّنا.
[جامع البيان: 4/439]
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل} إلى: {واللّه عليمٌ بالظّالمين} قال الرّبيع: ذكر لنا واللّه أعلم أنّ موسى لمّا حضرته الوفاة استخلف فتاه يوشع بن نونٍ على بني إسرائيل، وإنّ يوشع بن نونٍ سار فيهم بكتاب اللّه التّوراة وسنّة نبيّه موسى. ثمّ إنّ يوشع بن نونٍ توفّي واستخلف فيهم آخر، فسار فيهم بكتاب اللّه وسنّة نبيّه موسى صلّى اللّه عليه وسلّم. ثمّ استخلف آخر، فسار فيهم بسيرة صاحبيه. ثمّ استخلف آخر فعرفوا وأنكروا، ثمّ استخلف آخر فأنكروا عامّة أمره. ثمّ استخلف آخر فأنكروا أمره كلّه. ثمّ إنّ بني إسرائيل أتوا نبيًّا من أنبيائهم حين أوذوا في أنفسهم وأموالهم، فقالوا له: سل ربّك أن يكتب علينا القتال فقال لهم ذلك النّبيّ: {هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا} إلى قوله: {واللّه يؤتي ملكه من يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ في قوله: {ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبيٍّ لهم ابعث لنا ملكًا} قال: قال ابن عبّاسٍ: هذا حين رفعت التّوراة واستخرج أهل الإيمان، وكانت الجبابرة قد أخرجتهم من ديارهم، وأبنائهم.
[جامع البيان: 4/440]
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {إذ قالوا لنبيٍّ لهم ابعث لنا ملكًا} قال: هذا حين رفعت التّوراة واستخرج أهل الإيمان.
وقال آخرون: كان سبب مسألتهم نبيّهم ذلك ما؛
- حدّثني به موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبيٍّ لهم ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل اللّه} قال: كانت بنو إسرائيل يقاتلون العمالقة، وكان ملك العمالقة جالوت. وإنّهم ظهروا على بني إسرائيل، فضربوا عليهم الجزية، وأخذوا توراتهم وكانت بنو إسرائيل يسألون اللّه أن يبعث لهم نبيًّا يقاتلون معه وكان سبط النّبوّة قد هلكوا، فلم يبق منهم إلاّ امرأةٌ حبلى، فأخذوها فحبسوها في بيتٍ رهبة أن تلد جاريةً فتبدلها بغلامٍ، لما ترى من رغبة بني إسرائيل في ولدها. فجعلت المرأة تدعو اللّه أن يرزقها غلامًا، فولدت غلامًا فسمّته شمعون. فكبر الغلام فأسلمته يتعلّم التّوراة في بيت المقدس، وكفله شيخٌ من علمائهم وتبنّاه. فلمّا بلغ الغلام أن يبعثه اللّه نبيًّا أتاه جبريل والغلام نائمٌ إلى جنب الشّيخ، وكان لا يتمن عليه أحدًا غيره، فدعاه بلحن الشّيخ: يا شماول فقام الغلام فزعًا إلى الشّيخ، فقال: يا أبتاه دعوتني؟ فكره الشّيخ أن يقول: لا فيفزع الغلام، فقال: يا بنيّ ارجع فنم فرجع فنام، ثمّ دعاه الثّانية، فأتاه الغلام أيضًا، فقال: دعوتني؟ فقال: ارجع فنم، فإنّ دعوتك الثّالثة فلا تجبني فلمّا كانت الثّالثة ظهر له جبريل، فقال: اذهب إلى قومك فبلّغهم رسالة ربّك، فإنّ اللّه قد بعثك فيهم نبيًّا
[جامع البيان: 4/441]
فلمّا أتاهم كذّبوه وقالوا: استعجلت بالنّبوّة ولم يأن لك، وقالوا: إن كنت صادقًا فابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل اللّه آيةً من نبوّتك فقال لهم شمعون: عسى أن كتب عليكم القتال ألاّ تقاتلوا.
قال أبو جعفرٍ: وغير جائزٍ في قول اللّه تعالى ذكره: {نقاتل في سبيل اللّه} إذا قرئ بالنّون غير الجزم على معنى المجازاة وشرط الأمر. فإن ظنّ ظانٌّ أنّ الرّفع فيه جائزٌ وقد قرئ بالنّون بمعنى الّذي نقاتل به في سبيل اللّه، فإنّ ذلك غير جائزٍ؛ لأنّ العرب لا تضمر حرفين. ولكن لو كان قرئ ذلك بالياء لجاز رفعه، لأنّه يكون لو قرئ كذلك صلةً للملك، فيصير تأويل الكلام حينئذٍ: ابعث لنا الّذي يقاتل في سبيل اللّه، كما قال تعالى ذكره: {وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك} لأنّ قوله يتلو من صلة الرّسول). [جامع البيان: 4/442]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألاّ تقاتلوا قالوا وما لنا ألاّ نقاتل في سبيل اللّه وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلمّا كتب عليهم القتال تولّوا إلاّ قليلاً مّنهم واللّه عليمٌ بالظّالمين}.
يعني تعالى ذكره بذلك: قال النّبيّ الّذي سألوه أن يبعث لهم ملكًا يقاتلوا في سبيل اللّه {هل عسيتم} هل تعدون إن كتب، يعني إن فرض عليكم القتال ألاّ تقاتلوا؟ يعني أن لا تفوا بما تعدون اللّه من أنفسكم من الجهاد في سبيله؟
[جامع البيان: 4/442]
فإنّكم أهل نكثٍ وغدرٍ، وقلّة وفاءٍ بما تعدون {قالوا وما لنا ألاّ نقاتل في سبيل اللّه} يعني قال الملأ من بني إسرائيل لنبيّهم ذلك: وأيّ شيءٍ يمنعنا أن نقاتل في سبيل اللّه عدوّنا وعدوّ اللّه {وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا} بالقهر والغلبة؟
فإن قال لنا قائلٌ: وما وجه دخول أن في قوله: {وما لنا ألاّ نقاتل في سبيل اللّه} وحذفه من قوله: {وما لكم لا تؤمنون باللّه والرّسول يدعوكم}.
قيل: هما لغتان فصيحتان للعرب، تحذف أن مرّةً مع قولها ما لك، فتقول: ما لك لا تفعل كذا؟ بمعنى: ما لك غير فاعله، كما قال الشّاعر:
ما لك ترغين ولا ترغو الخلف
وذلك هو الكلام الّذي لا حاجة بالمتكلّم به إلى الاستشهاد على صحّته لفشوّ ذلك على ألسن العرب.
وتثبت أن فيه أخرى، توجيهًا لقولها ما لك إلى معناه، إذ كان معناه: ما منعك، كما قال تعالى ذكره: {ما منعك ألاّ تسجد إذ أمرتك} ثمّ قال في سورةٍ أخرى في نظيره: {ما لك ألاّ تكون مع السّاجدين} فوضع ما منعك موضع ما لك، وما لك موضع ما منعك لاتّفاق معنييهما وإن اختلفت ألفاظهما،
[جامع البيان: 4/443]
كما تفعل العرب ذلك في نظائره ممّا تتّفق معانيه وتختلف ألفاظه، كما قال الشّاعر:
يقول إذا اقلولى عليها وأقردت = ألا هل أخو عيشٍ لذيذٍ بدائم
فأدخل في دائمٍ الباء مع هل وهي استفهامٌ، وإنّما تدخل في خبر ما الّتي في معنى الجحد لتقارب معنى الاستفهام والجحد.
وكان بعض أهل العربيّة يقول: أدخلت أن في: {ألاّ تقاتلوا} لأنّه بمعنى قول القائل: ما لك في ألاّ تقاتل؟ ولو كان ذلك جائزًا لجاز أن يقال: ما لك أن قمت؟ وما لك أنّك قائمٌ؟ وذلك غير جائزٍ؛ لأنّ المنع إنّما يكون للمستقبل من الأفعال، كما يقال: منعتك أن تقوم، ولا يقال: منعتك أن قمت؛ فلذلك قيل في ما لك: ما لك ألاّ تقوم، ولم يقل: ما لك أن قمت.
وقال آخرون منهم: أن هاهنا زائدةٌ بعد ما لنا كما تزاد لمّا ولو وهي تزاد في هذا المعنى كثيرًا قال: ومعناه: وما لنا لا نقاتل في سبيل اللّه فأعمل أن وهي زائدةٌ، وقال الفرزدق:
لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها = إلى لامت ذوو أحسابها عمرا
[جامع البيان: 4/444]
والمعنى: لو لم تكن غطفان لها ذنوبٌ. ولا زائدةٌ فأعملها.
وأنكر ما قال هذا القائل من قوله الّذي حكينا عنه آخرون، وقالوا: غير جائزٍ أن تجعل أن زائدةٌ في الكلام وهو صحيحٌ في المعنى وبالكلام إليه الحاجةٌ، قالوا: والمعنى: ما يمنعنا ألاّ نقاتل؟ فلا وجه لدعوى مدّعٍ أن أن زائدةٌ، وله معنًى مفهومٌ صحيحٌ.
قالوا: وأمّا قوله:
لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها
فإنّ لا غير زائدةٍ في هذا الموضع، لأنّه جحدٌ، والجحد إذا جحد صار إثباتًا. قالوا: فقوله: لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها إثبات الذّنوب لها، كما يقال: ما أخوك ليس يقوم، بمعنى: هو يقوم.
وقال آخرون: معنى قوله: {ما لنا ألاّ نقاتل} ما لنا ولأن لا نقاتل، ثمّ حذفت الواو فتركت، كما يقال في الكلام: ما لك ولأن تذهب إلى فلانٍ؟ فألقي منها الواو؛ لأنّ أن حرفٌ غير متمكّنٌ في الأسماء، وقالوا: نجيز أن يقال: ما لك أن تقوم؟ ولا نجيز: ما لك القيام؟ لأنّ القيام اسمٌ صحيحٌ، وأن اسمٌ غير صحيحٍ، وقالوا: قد تقول العرب: إيّاك أن تتكلّم، بمعنى إيّاك وأن تتكلّم.
[جامع البيان: 4/445]
وأنكر ذلك من قولهم آخرون، وقالوا: لو جاز أن يقال ذلك على التّأويل الّذي تأوّله قائل من حكينا قوله، لوجب أن يكون جائزًا: ضربتك بالجارية وأنت كفيلٌ بمعنى: وأنت كفيلٌ بالجارية، وأن تقول: رأيتك أيانا وتريد، بمعنى: رأيتك وأبانا يزيد؛ لأنّ العرب تقول: إيّاك بالباطل أن تنطق قالوا: فلو كانت الواو مضمرةً في أن لجاز جميع ما ذكرنا؛ ولكنّ ذلك غير جائزٍ؛ لأنّ ما بعد الواو من الأفاعيل غير جائزٍ له أن يقع على ما قبلها. واستشهدوا على فساد قول من زعم أنّ الواو مضمرةً مع أن يقول الشّاعر:
فبح بالسّرائر في أهلها = وإيّاك في غيرهم أن تبوحا
وأنّ أن تبوحا لو كان فيها واوٌ مضمرةٌ لم يجز تقديم فى غيرهم عليها.
وأما تأويل قوله: {وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا} فإنّه يعني: وقد أخرج من غلب عليه من رجالنا ونسائنا من ديارهم وأولادهم ومن سبي. وهذا الكلام ظاهره العموم، وباطنه الخصوص؛ لأنّ الّذين قالوا لنبيّهم: {ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل اللّه} كانوا في ديارهم وأوطانهم، وإنّما كان أخرج من داره، وولده من أسر، وقهر منهم.
وأمّا قوله: {فلمّا كتب عليهم القتال تولّوا إلاّ قليلاً منهم} يقول: فلمّا فرض عليهم قتال عدوّهم والجهاد في سبيله، {تولّوا إلاّ قليلاً منهم}
[جامع البيان: 4/446]
يقول: أدبروا مولّين عن القتال، وضيّعوا ما سألوه نبيّهم من فرض الجهاد. والقليل الّذي استثناهم اللّه منهم، هم الّذين عبروا النّهر مع طالوت وسنذكر سبب تولّي من تولّى منهم وعبور من عبر منهم النّهر بعد إن شاء اللّه إذا أتينا عليه.
يقول اللّه تعالى ذكره: {واللّه عليمٌ بالظّالمين} يعني: واللّه ذو علمٍ بمن ظلم منهم نفسه، فأخلف اللّه ما وعده من نفسه وخالف أمر ربّه فيما سأله ابتداءً أن يوجبه عليه.
وهذا من اللّه تعالى ذكره تقريعٌ لليهود الّذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في تكذيبهم نبيّنا محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم ومخالفتهم أمر ربّهم. يقول اللّه تعالى ذكره لهم: إنّكم يا معشر اليهود عصيتم اللّه وخالفتم أمره فيما سألتموه أن يفرضه عليكم ابتداءً من غير أن يبتدئكم ربّكم بفرض ما عصيتموه فيه، فأنتم بمعصيته فيما ابتدأكم به من إلزام فرضه أحرى.
وفي هذا الكلام متروكٌ قد استغني بذكر ما ذكر عمّا ترك منه؛ وذلك أنّ معنى الكلام: قالوا: وما لنا ألاّ نقاتل في سبيل اللّه وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فسأل نبيّهم ربّهم أن يبعث لهم ملكًا يقاتلون معه في سبيل اللّه. فبعث لهم ملكًا، وكتب عليهم القتال {فلمّا كتب عليهم القتال تولّوا إلاّ قليلاً منهم واللّه عليمٌ بالظّالمين}). [جامع البيان: 4/447]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبيٍّ لهم ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل اللّه قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألّا تقاتلوا قالوا وما لنا ألّا نقاتل في سبيل اللّه وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلمّا كتب عليهم القتال تولّوا إلّا قليلًا منهم واللّه عليمٌ بالظّالمين (246)
قوله تعالى: ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل
- حدّثنا الحجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ قوله: ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة). [تفسير القرآن العظيم: 1/462]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: إذ قالوا لنبيٍّ لهم
- حدّثنا المنذر بن شاذان، ثنا يعلى، ثنا أبو سنانٍ، عن عمرو بن مرّة عن أبي عبيدة إذ قالوا لنبيٍّ لهم ابعث لنا ملكا وهو الشمول بن حنة بن العاقر.
[تفسير القرآن العظيم: 2/462]
- حدّثنا الحسن بن الرّبيع، أنا عبد الرّزّاق قال معمرٌ، قال قتادة: كان نبيّهم الّذي بعد موسى يوشع بن نونٍ، وهو أحد الرجلين اللذين أنعم اللّه عليهما قال:
وأحسبه أيضًا: فتى موسى عليه السّلام). [تفسير القرآن العظيم: 1/463]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل اللّه
- أخبرنا محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، ابنا إسماعيل بن عبد الكريم الصّنعانيّ، حدّثني عبد الصّمد بن معقلٍ، أنّه سمع وهب بن منبّهٍ يقول في قوله: إذ قالوا لنبيٍّ لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل اللّه قال: قالوا لأشمويل:
ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل اللّه. قال قد كفاكم اللّه القتال. قالوا: إنّا نتخوّف من حولنا، فيكون لنا ملكًا نفزع إليه. فأوحى اللّه إلى أشمويل أن ابعث لهم طالوت ملكًا وادهنه بدهن القدس.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا شيبان، ثنا زريك بن أبي زريكٍ، ثنا خالدٌ الرّبعيّ، قال: قالت بنو إسرائيل لنبيٍّ لهم: ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل اللّه، قال لهم النّبيّ: إنّ النّبيّ ألين لكم، وإنّ الملك فيه بعض الشّدّة والغلظة، قال: فقالوا ادع لنا ربّك يبعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل اللّه.
- حدّثنا أبي ثنا عبد العزيز بن منيبٍ، ثنا أبو معاذٍ، يعني الفضل بن خالدٍ، عن عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك بن مزاحمٍ قوله: إذ قالوا لنبيٍّ لهم ابعث لنا ملكًا قال: هذا حين رفعت التّوراة واستخرج أهل الإيمان.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباط، عن السدي قالوا يعني لنبيّهم شمعون، إن كنت صادقًا، ف ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله، آيةً من نبوّتك). [تفسير القرآن العظيم: 1/463]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألّا تقاتلوا
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا فقال لهم شمعون: عسى إن كتب عليكم القتال أن لا تقاتلوا). [تفسير القرآن العظيم: 1/463]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل اللّه وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا
- حدثنا أبو زرعة، ثنا نحيى، ثنا ابن لهيعة، حدّثني عطاءٌ عن سعيد في قوله: في سبيل اللّه يعني: في طاعة اللّه عزّ وجلّ.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله:
وما لنا ألّا نقاتل في سبيل اللّه وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا بأداء الجزية). [تفسير القرآن العظيم: 1/464]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فلمّا كتب عليهم القتال تولّوا إلا قليلا منهم واللّه عليمٌ بالظالمين
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا نحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه تعالى كتب يعني فرض.
قوله تعالى: وقال لهم نبيّهم إنّ اللّه قد بعث لكم طالوت ملكًا
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/464]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هم الذين قال الله عز وجل ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا فكان طالوت على الجيش أميرا فبعث أبو داود مع داود بشيء إلى إخوته فقال داود لطالوت ماذا لي وأقتل جالوت قال لك ثلث ملكي وأنكحك ابنتي فأخذ داود مخلاة فجعل فيها ثلاث مروات يعني ثلاثة أحجار وسمى أحجاره إبراهيم وإسحاق ويعقوب ثم أدخل يده فقال بسم الله إلهي وإله
[تفسير مجاهد: 113]
آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب فخرج الذي على اسم إبراهيم فجعلها في مرجمته فرمى بها جالوت فخرقت ثلاثا وثلاثين بيضة على رأسه وقتلت ما وراءه ثلاثين ألفا يقول والله يؤتي ملكه من يشاء يعني سلطانه قال ابن أبي نجيح وسمعت مجاهدا يقول أقبلت السكينة والصرد وجبريل عليه السلام مع إبراهيم خليل الرحمن عز وجل من الشام قال مجاهد فبلغني أن السكينة لها رأس كرأس الهرة وجناحان). [تفسير مجاهد: 114]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ألم تر إلى الملأ من بني اسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم أن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا ومالنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبائنا فلما كتب عليهم القتال تواوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين * وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزداه بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم.
أخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس في الآية قال: ذكر لنا - والله أعلم - أن موسى لما حضرته الوفاة استخلف فتاه يوشع بن نون على بني اسرائيل وأن يوشع بن نون سار فيهم بكتاب الله التوراة وسنة نبيه موسى ثم إن يوشع بن نون توفي واستخلف فيهم آخر فسار فيهم بكتاب الله وسنة نبيه موسى ثم استخلف آخر فسار بهم سيرة صاحبيه ثم استخلف آخر فعرفوا وأنكروا ثم استخلف آخر فأنكروا عامة أمره ثم استخلف آخر فأنكروا أمره كله ثم إن بني اسرائيل أتوا نبيا من أنبيائهم حين أوذوا في أنفسهم وأموالهم فقالوا له: سل ربك أن يكتب علينا القتال، فقال لهم ذلك النّبيّ: {هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا} الآية، فبعث الله طالوت ملكا وكان في بني اسرائيل سبطان سبط نبوة وسبط مملكة ولم يكن طالوت من سبط النبوة ولا من سبط المملكة فلما بعث لهم ملكا أنكروا ذلك وقالوا {أنى يكون له الملك علينا} فقال {إن الله اصطفاه عليكم} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله {ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل}
الآية، قال: هذا
[الدر المنثور: 3/130]
حين رفعت التوراة واستخرج أهل الإيمان وكانت الجبابرة قد أخرجتهم من ديارهم وأبنائهم فلما كتب عليهم القتال وذلك حين أتاهم التابوت قال: وكان من بني اسرائي سبطان سبط نبوة وسبط خلافة فلا تكون الخلافة إلا في سبط الخلافة ولا تكون النبوة إلا في سبط النبوة {وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه} وليس من أحد السبطين ولا من سبط النبوة ولا من سبط الخلافة {قال إن الله اصطفاه عليكم} الآية فأبوا أن يسلموا له الرياسة حتى قال لهم (إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم) (البقرة الآية 248) وكان موسى حين ألقى الألواح تكسرت ورفع منها وجمع ما بقي فجعله في التابوت وكانت العمالقة قد سبت ذلك التابوت - والعمالقة فرقة من عاد كانوا بأريحا - فجاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه حتى وضعته عند طالوت فلما رأوا ذلك قالوا: نعم فسلموا له وملكوه وكانت الأنبياء إذا حضروا قتالا قدموا التابوت بين أيديهم، ويقولون: إن آدم نزل بذلك التابوت وبالركن وبعصا موسى من الجنة وبلغني أن التابوت وعصا موسى في بحيرة طبرية وأنهما يخرجان قبل يوم القيامة.
وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير عن وهب بن منبه قال: خلف بعد موسى في بني اسرائيل يوشع بن نون يقيم فيهم التوارة وأمر الله حتى قبضه
[الدر المنثور: 3/131]
الله ثم خلف فيهم كالب بن يوقنا يقيم فيهم التوراة وأمر الله حتى قبضه الله ثم خلف فيهم حزقيل بن بورى وهو ابن العجوز ثم إن الله قبض حزقيل وعظمت في بني اسرائيل الأحداث ونسوا ما كان من عهد الله إليهم حتى نصبوا الأوثان وعبدوها من دون الله فبعث إليهم الياس بن نسي بن فنحاص بن العيزار بن هرون بن عمران نبيا، وإنما كانت الأنبياء من بني اسرائيل بعد موسى يبعثون إليهم بتجديد ما نسوا من التوراة وكان الياس مع ملك من بني اسرائيل يقال له اجان وكان يسمع منه ويصدقه فكان الياس يقيم له أمره وكان سائر بني اسرائيل قد اتخذوا صنما يعبدونه فجعل الياس يدعوهم إلى الله وجعلوا لا يسمعون منه شيئا إلا ما كان من ذلك الملك والملوك متفرقة بالشام كل ملك له ناحية منها يأكلها فقال ذلك الملك
لالياس: ما أرى ما تدعون إليه إلا باطلا أرى فلان وفلانا - يعدد ملوك بني اسرائيل - قد عبدوا الأوثان وهم يأكلون ويشربون ويتنعمون ما ينقص من دنياهم فاسترجع الياس وقام شعره ثم رفضه وخرج عنه ففعل ذلك الملك فعل أصحابه وعبد الأوثان، ثم خلف من بعده فيهم اليسع فكان فيهم ما شاء الله أن يكون ثم قبضه الله إليه وخلفت فيهم الخلوف وعظمت فيهم الخطايا وعندهم التابوت يتوارثونه كابرا عن كابر
[الدر المنثور: 3/132]
فيه السكينة وبقة مما ترك آل موسى وآل هرون وكان لا يلقاهم عدو فيقدمون التابوت ويرجعون به معهم إلا هزم الله ذلك العدو فلما عظمت أحداثهم وتركوا عهد الله إليهم نزل بهم عدو فخرجوا إليه وأخرجوا معهم التابوت كما كانوا يخرجونه ثم زحفوا به فقوتلوا حتى استلب من أيديهم فمرج أمره عليهم ووطئهم عدوهم حتى اصاب من أبنائهم ونسائهم وفيهم نبي يقال له شمويل وهو الذي ذكره الله في قوله {ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم} الآية، فكلموه وقالوا {ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله}، وإنما كان قوام بني اسرائيل الاجتماع على الملوك وطاعة الملوك أنبياءهم وكان الملك هو يسير بالجموع والنبي يقوم له بأمره ويأتيه بالخبر من ربه فإذا فعلوا ذلك صلح أمرهم فإذا عتت ملوكهم وتركوا أمر أنبيائهم فسد أمرهم فكانت الملوك إذا تابعتها الجماعة على الضلالة تركوا أمر الرسل ففريقا يكذبون فلا يقبلون منه شيئا وفريقا يقتلون فلم يزل ذلك البلاء بهم حتى قالوا {ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله} فقال لهم: إنه ليس عندكم وفاء ولا صدق ولا رغبة في الجهاد، فقالوا: إنا كنا نهاب الجهاد ونزهد فيه إنا كنا ممنوعين في بلادنا لا يطؤها أحد فلا يظهر علينا
[الدر المنثور: 3/133]
عدو فأما إذا بلغ ذلك فإنه لا بد من الجهاد فنطيع ربنا في جهاد عدونا ونمنع أبنائنا ونساءنا وذرارينا، فلما قالوا له ذلك سأل الله شمويل أن يبعث لهم ملكا، فقال الله: انظر القرن الذي فيه الدهن في بيتك فإذا دخل عليك رجل فنش الدهن الذي في القرن - فهو ملك بني اسرائيل - فادهن رأسه منه وملكه عليهم فأقام ينتظر متى ذلك الرجل داخلا عليه وكان طالوت رجلا دباغا يعمل الادم وكان من سبط بنيامين بن يعقوب وكان سبط بنيامين سبطا لم يكن فيهم نبوة ولا ملك فخرج طالوت في ابتغاء دابة له أضلته ومعه غلام فمرا ببيت النّبيّ عليه السلام فقال غلام طالوت لطالوت: لو دخلت بنا على هذا النّبيّ فسألناه عن أمر دابتنا فيرشدنا ويدعو لنا فيها بخير، فقال طالوت: ما بما قلت من بأس فدخلا عليه فبينما هما عنده يذكران له من شأن دابتهما ويسألانه أن يدعو لهما فيها إذ نش الدهن الذي في القرن فقالم النّبيّ عليه السلام فأخذه ثم قال لطالوت: قرب رأسك فقربه فدهنه منه ثم قال: أنت ملك بني اسرائيل الذي أمرني الله أن أملكك عليهم وكان اسم طالوت بالسريانية شاول بن قيس بن أشال بن ضرار بن يحرب بن أفيح بن أنس بن يامين بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم فجلس عنده وقال: الناس ملك طالوت، فأتت عظماء بني اسرائيل نبيهم فقالوا له: ما شأن طالوت تملك علينا وليس من بيت النبوة ولا المملكة قد
[الدر المنثور: 3/134]
عرفت أن النبوة والملك في آل لاوي وآل يهوذا فقال لهم {إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من وجه آخر عن وهب بن منبه قال: قالت بنو اسرائيل لشمويل: ابعث ملكا نقاتل في سبيل الله قال: قد كفاكم الله القتال، قالوا: إنا نتخوف من حولنا فيكون لنا ملك نفزع إليه فأوحى الله إلى شمويل: أن ابعث لهم طالوت ملكا وادهنه بدهن القدس، وضلت حمر لأبي طالوت فأرسله وغلاما له يطلبانها فجاؤوا إلى شمويل يسألونه عنها فقال: إن الله قد بعثك ملكا على بني اسرائيل، قال: أنا قال: نعم، قال: وما علمت أن سبطي أدنى أسباط بني اسرائيل قال: بلى، قال: فبأي آية قال: بآية أن ترجع وقد وجد أبوك حمره فدهنه بدهن القدس فقال لبني اسرائيل {إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك} الآية.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله {إذ قالوا لنبي لهم} قال: شمؤل.
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في الآية قال: هو يوشع بن نون
[الدر المنثور: 3/135]
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عمرو بن مرة عن أبي عبيدة {إذ قالوا لنبي لهم} قال: الشمول ابن حنة بن العاقر.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: كانت بنو اسرائيل يقاتلون العمالقة وكان ملك العمالقة جالوت وأنهم ظهروا على بني اسرائيل فضربوا عليهم الجزية وأخذوا توراتهم وكانت بنو اسرائيل يسألون الله أن يبعث لهم نبيا
يقاتلون معه وكان سبط النبوة قد هلكوا فلم يبق منهم إلا امرأة حبلى فأخذوها فحبسوها في بيت رهبة أن تلد جارية فتبدله بغلام لما ترى من رغبة بني اسرائيل في ولدها فجعلت تدعو الله أن يرزقها غلاما فولدت غلاما فسمته شمعون، فكبر الغلام فأسلمته يتعلم التوراة في بيت المقدس وكفله شيخ من علمائهم وتبناه فلما بلغ الغلام أن يبعثه الله نبيا أتاه جبريل والغلام نائم إلى جنب الشيخ وكان لا يأتمن عليه أحدا غيره فدعاه بلحن الشيخ يا شماؤل فقام الغلام فزعا إلى الشيخ فقال: يا أبتاه دعوتني فكره الشيخ أن يقول لا فيفزع الغلام فقال: يا بني ارجع فنم، فرجع فنام ثم دعاه الثانية فأتاه الغلام أيضا فقال: دعوتني فقال: ارجع فنم فإن دعوتك الثالثة فلا تجبني، فلما كانت الثالثة ظهر له جبريل فقال: اذهب إلى قومك فبلغهم رسالة ربك فإن الله قد بعثك فيهم نبيا فلما أتاهم كذبوه وقالوا: استعجلت النبوة ولم يأن لك وقالوا: إن كنت صادقا فابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله
[الدر المنثور: 3/136]
آية نبوتك، فقال لهم شمعون: عسى إن كتب عليكم القتال أن لا تقاتلوا {قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله} الآية، فدعا الله فأتي بعصا تكون على مقدار طول الرجل الذي يبعث فيهم ملكا، فقال: إن صاحبكم يكون طوله طول هذه العصا، فقاسوا أنفسهم بها فلم يكونوا مثلها، وكان طالوت رجلا سقاء يسقي على حمار له فضل حماره فانطلق يطلبه في الطريق فلما رأوه دعوه فقاسوه فكان مثلها، فقال له نبيهم {إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا} قال القوم: ما كنت قط أكذب منك الساعة ونحن من سبط المملكة وليس هو من سبط المملكة ولم يؤت سعة من المال فنتبعه لذلك، فقال النّبيّ {إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم} قالوا: فإن كنت صادقا فإتنا بآية أن هذا ملك، قال {إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت} البقرة الآية 248) الآية، فأصبح التابوت وما فيه في دار طالوت فآمنوا بنبوة شمعون وسلموا بملك طالوت). [الدر المنثور: 3/137]

تفسير قوله تعالى: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني عمارة بن عيسى، عن يونس بن يزيد، عن من حدثه، عن ابن عباس أنه قال: لكعب: أخبرني عن ست آياتٍ في القرآن لم أكن علمتهن، ولا تخبرني عنهن إلا ما تجد في كتاب الله المنزل: ما {سجين}، وما {عليون}، وما {سدرة المنتهى}، وما {جنة المأوى}، وما بال {أصحاب الرس}، ذكرهم الله في الكتاب، وما بال {طالوت}، رغب عنه قومه، وما بال إدريس ذكره الله فقال: {رفعناه مكانا عليا}؛ قال: كعب: والذي نفسي بيده، لا أخبرك عنهن إلا بما أجد في كتاب الله المنزل؛ أما سجين، فإنها شجرةٌ سوداء تحت الأرضين السبع مكتوبٌ فيها اسم كل شيطان، فإذا قبضت نفس الكافر عرج بها إلى السماء فغلقت أبواب السماء دونها، ثم ترمى إلى سجين، فذلك سجين؛ وأما عليون، فإنه إذا قبضت نفس المرء المسلم عرج بها إلى السماء وفتحت لها أبواب السماء، حتى ينتهي إلى العرش فيكتب له نزله وكرامته، فذلك عليون، أما سدرة المنتهى، فإنها شجرةٌ عن يمين العرش انتهى إليها علم العلماء، فلا يعلم العلماء ما وراء تلك السدرة؛ أما جنة المأوى، فإنها جنةٌ يأوى
[الجامع في علوم القرآن: 1/29]
إليها أرواح المؤمنين؛ وأما أصحاب الرس، فإنهم كانوا قوما مؤمنين يعبدون الله في ملك جبارٍ لا يعبد الله، فخيرهم في أن يكفروا أو يقتلهم، فاختاروا القتل على الكفر، فقتلهم، ثم رمى بهم في قليب، فبذلك سموا أصحاب الرس؛ وأما طالوت، فإنه كان من غير السبط الذي الملك فيه، فبذلك رغب قومه عنه؛ وأما إدريس، فإنه كان يعرج بعمله إلى السماء فيعدل عمله جميع عمل أهل الأرض، فاستأذن فيه ملكٌ من الملائكة أن يؤاخيه، فأذن الله له أن يؤاخيه، فسأله إدريس: أي أخي، هل بينك وبين ملك الموت إخاءٌ، فقال نعم، ذلك أخي دون الملائكة وهم يتآخون كما يتآخى بنو آدم، قال: هل لك أن تسأله لي كم بقي من أجلي لكي أزداد في العمل، قال: إن شئت سألته وأنت تسمع قال: فجعله الملك تحت جناحه حتى صعد به إلى السماء فسأل ملك الموت: أي أخي، كم بقى من أجل إدريس، قال: ما أدري حتى أنظر، قال: فنظر، قال: إنك تسألني عن رجلٍ ما بقى من أجله إلا طرف عينٍ؛ قال: فنظر الملك تحت جناحه، فإذا إدريس قد قبض وهو لا يشعر). [الجامع في علوم القرآن: 1/30] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر فأما قوله تعالى وقال لهم نبيهم قال قتادة كان نبيهم الذي بعد موسى يوشع بن نون قال وهو أحد الرجلين اللذين أنعم الله عليهما قال وأحسبه أيضا قال هو فتى موسى). [تفسير عبد الرزاق: 1/97]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال قال بكار وسمعت وهبا يقول لما رد الله بني إسرائيل إلى مدينتهم وكان بختنصر أحرق التوراة أمر الله ملكا فجاء بغرفة من نور فقذفها في في عزير فنسخ التوراة حرفا بحرف حتى فرغ منها). [تفسير عبد الرزاق: 1/100]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (يقال {بسطةً} [البقرة: 247]: «زيادةً وفضلًا»). [صحيح البخاري: 6/31] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): (قوله " يقال بسطة " أي يقال في تفسير قوله تعالى {إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم} وذلك أن الله تعالى أمر أشمويل أو يوشع أو شمعون حين طلب قومه ملكا يقاتلون به في سبيل الله {إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال} لأنّه كان فقيرا سقاء أو دباغا فقال الله تعالى {إن الله اصطفاه عليكم} الآية و {بسطة} أي زيادة في العلم والجسم وهكذا فسره أبو عبيدة وعن ابن عبّاس نحوه وقيل نبي طالوت). [عمدة القاري: 18/126]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (يقال) في تفسير قوله تعالى: {وزاده} أي طالوت ({بسطة}) أي (زياة وفضلًا) في العلم والجسم تأهل بهما أن يؤتى الملك وكان رجلًا جسيمًا إذا مدّ الرجل القائم يده ينال رأسه وافر العلم قويًّا على مقاومة العدوّ ومكابدة الحرب). [إرشاد الساري: 7/42]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقال لهم نبيّهم إنّ اللّه قد بعث لكم طالوت ملكًا قالوا أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالملك منه ولم يؤت سعةً من المال قال إنّ اللّه اصطفاه عليكم وزاده بسطةً في العلم والجسم واللّه يؤتي ملكه من يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ}.
يعني تعالى ذكره بذلك: وقال للملأ من بني إسرائيل نبيّهم شمويل: إنّ اللّه قد أعطاكم ما سألتم، وبعث لكم طالوت ملكًا.
[جامع البيان: 4/447]
فلمّا قال لهم نبيّهم شمويل ذلك، قالوا: أنّى يكون لطالوت الملك علينا، وهو من سبط بنيامين بن يعقوب، وسبط بنيامين سبطٌ لا ملك فيهم ولا نبوّة، ونحن أحقّ بالملك منه، لأنّا من سبط يهوذا بن يعقوب {ولم يؤت سعةً من المال} يعني: ولم يؤت طالوت كثيرًا من المال، لأنّه سقّاءٌ، وقيل كان دبّاغًا.
وكان سبب تمليك اللّه طالوت على بني إسرائيل وقولهم ما قالوا لنبيّهم شمويل: {أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالملك منه ولم يؤت سعةً من المال} ما؛
- حدّثنا به ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني بعض، أهل العلم عن وهب بن منبّهٍ، قال: لمّا قال الملأ من بني إسرائيل لشمويل بن بالي ما قالوا له، سأل اللّه نبيّهم شمويل أن يبعث لهم ملكًا، فقال اللّه له: انظر القرن الّذي فيه الدّهن في بيتك، فإذا دخل عليك رجلٌ فنشّ الدّهن الّذي في القرن، فهو ملك بني إسرائيل، فادّهن رأسه منه، وملّكه عليهم وأخبره بالّذي جاءه. فأقام ينتظر متى ذلك الرّجل داخلاً عليه. وكان طالوت رجلاً دبّاغًا يعمل الأدم، وكان من سبط بنيامين بن يعقوب، وكان سبط بنيامين سبطًا لم يكن فيه نبوّةٌ ولا ملكٌ. فخرج طالوت في طلب دابّةٍ له أضلّته ومعه غلامٌ له، فمرّا ببيت النّبيّ عليه السّلام، فقال غلام طالوت لطالوت: لو دخلت بنا على هذا النّبيّ فسألناه عن أمر دابّتنا فيرشدنا ويدعو لنا فيها بخيرٍ؟ فقال طالوت: ما بما قلت من بأسٍ فدخلا عليه، فبينما هما عنده يذكران له شأن دابّتهما، ويسألانه أن يدعو لهما فيها، إذ نشّ الدّهن الّذي في القرن، فقام إليه النّبيّ عليه السّلام فأخذه، ثمّ قال لطالوت: قرّب رأسك فقرّبه، فدهنه منه ثمّ قال: أنت ملك بني إسرائيل الّذي أمرني اللّه أن أملّكك عليهم. وكان اسم طالوت بالسّريانيّة: شاول بن قيس بن أبيال بن صرار بن يحرب بن أفيّح بن آيس بن بنيامين بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم فجلس عنده
[جامع البيان: 4/448]
وقال النّاس: ملّك طالوت. فأتت عظماء بني إسرائيل نبيّهم وقالوا له: ما شأن طالوت يملّك علينا وليس في بيت النّبوّة ولا المملكة؟ قد عرفت أنّ النّبوّة والملك في آل لاويّ، وآل يهوذا فقال لهم: {إنّ اللّه اصطفاه عليكم وزاده بسطةً في العلم والجسم}.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا إسماعيل بن عبد الكريم، عن عبد الصّمد بن معقلٍ، عن وهب بن منبّهٍ، قال: قالت بنو إسرائيل لشمويل: ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل اللّه قال: قد كفاكم اللّه القتال قالوا: إنّا نتخوّف من حولنا فيكون لنا ملكٌ نفزع إليه فأوحى اللّه إلى شمويل أن ابعث لهم طالوت ملكًا، وادّهنه بدهن القدس. وضلّت حمرٌ لأبي طالوت، فأرسله وغلامًا له يطلبانها، فجاءوا إلى شمويل يسألونه عنها، فقال: إنّ اللّه قد بعثك ملكًا على بني إسرائيل قال: أنا؟ قال: نعم. قال: وما علمت أنّ سبطي أدنى أسباط بني إسرائيل؟ قال: بلى. قال: أفما علمت أنّ قبيلتي أدنى قبائل سبطي؟ قال: بلى. قال: أما علمت أنّ بيتي أدنى بيوت قبيلتي؟ قال: بلى. قال: فبأيّة آيةٍ؟ قال: بآية أنّك ترجع وقد وجد أبوك حمره، وإذا كنت بمكان كذا وكذا نزل عليك الوحي. فدهنه بدهن القدس، فقال لبني إسرائيل: {إنّ اللّه قد بعث لكم طالوت ملكًا قالوا أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالملك منه ولم يؤت سعةً من المال قال إنّ اللّه اصطفاه عليكم وزاده بسطةً في العلم والجسم}.
[جامع البيان: 4/449]
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: لمّا كذّبت بنو إسرائيل شمعون، وقالوا له: إن كنت صادقًا فابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل اللّه آيةً من نبوّتك قال لهم شمعون: عسى أن كتب عليكم القتال ألاّ تقاتلوا. {قالوا وما لنا ألاّ نقاتل في سبيل اللّه} الآية. دعا اللّه فأتي بعصًا تكون مقدارًا على طول الرّجل الّذي يبعث فيهم ملكًا، فقال: إنّ صاحبكم يكون طوله طول هذه العصا. فقاسوا أنفسهم بها، فلم يكونوا مثلها. وكان طالوت رجلاً سقّاءً يسقي على حمارٍ له، فضلّ حماره، فانطلق يطلبه في الطّريق، فلمّا رأوه دعوه فقاسوه بها، فكان مثلها، فقال لهم نبيّهم: {إنّ اللّه قد بعث لكم طالوت ملكًا} قال القوم: ما كنت قطّ أكذب منك السّاعة، ونحن من سبط المملّكة وليس هو من سبط المملّكة، ولم يؤت سعةً من المال فنتّبعه لذلك فقال النّبيّ: {إنّ اللّه اصطفاه عليكم وزاده بسطةً في العلم والجسم}.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، قال: كان طالوت سقّاءً يبيع الماء.
[جامع البيان: 4/450]
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: بعث اللّه طالوت ملكًا، وكان من سبط بنيامين سبطٌ لم يكن فيهم مملكةٌ، ولا نبوّةٌ. وكان في بني إسرائيل سبطان: سبط نبوّةٍ، وسبط مملكة، وكان سبط النّبوّة سبط لاويّ إليه موسى، وسبط المملّكة يهوذا إليه داود، وسليمان. فلمّا بعث من غير سبط النّبوّة، والمملّكة أنكروا ذلك وعجبوا منه وقالوا: {أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالملك منه} قالوا: وكيف يكون له الملك علينا، وليس من سبط النّبوّة، ولا من سبط المملّكة فقال اللّه تعالى ذكره: {إنّ اللّه اصطفاه عليكم}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {ابعث لنا ملكًا} قال لهم نبيّهم: {إنّ اللّه قد بعث لكم طالوت ملكًا قالوا أنّى يكون له الملك علينا} قال: وكان من سبطٍ لم يكن فيهم ملكٌ ولا نبوّةٌ، فقال: {إنّ اللّه اصطفاه عليكم وزاده بسطةً في العلم والجسم}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {وقال لهم نبيّهم إنّ اللّه قد بعث لكم طالوت ملكًا} وكان في بني إسرائيل سبطان: سبط نبوّةٍ، وسبط خلافةٍ. فلذلك {قالوا أنّى يكون له الملك علينا} يقولون: ومن أين يكون له الملك علينا، وليس من سبط النّبوّة، ولا سبط الخلافة {قال إنّ اللّه اصطفاه عليكم وزاده بسطةً في العلم والجسم}.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك بن مزاحمٍ يقول في قوله: {أنّى يكون له الملك علينا} فذكر نحوه.
[جامع البيان: 4/451]
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: لمّا قالت بنو إسرائيل لنبيّهم: سل ربّك أن يكتب، علينا القتال فقال لهم ذلك النّبيّ: {هل عسيتم إن كتب عليكم القتال} الآية. قال: فبعث اللّه طالوت ملكًا. قال: وكان في بني إسرائيل سبطان: سبط نبوّةٍ، وسبط مملكةٍ، ولم يكن طالوت من سبط النّبوّة ولا من سبط المملكة. فلمّا بعث لهم ملكًا أنكروا ذلك، وعجبوا وقالوا: {أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالملك منه ولم يؤت سعةً من المال} قالوا: وكيف يكون له الملك علينا وليس من سبط النّبوّة، ولا من سبط المملكة فقال: {إنّ اللّه اصطفاه عليكم} الآية.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: أما ذكر طالوت إذ قالوا: {أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالملك منه ولم يؤت سعةً من المال} فإنّهم لم يقولوا ذلك إلاّ أنّه كان في بني إسرائيل سبطان، كان في أحدهما النّبوّة، وكان في الآخر الملك، فلا يبعث إلاّ من كان من سبط النّبوّة، ولا يملّك على الأرض أحدٌ إلاّ من كان من سبط الملك. وأنّه ابتعث طالوت حين ابتعثه وليس من أحد السّبطين واختاره عليهم وزاده بسطةً في العلم والجسم؛ ومن أجل ذلك قالوا: {أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالملك منه} وليس من واحدٍ من السّبطين، قال: {إنّ اللّه اصطفاه عليكم} إلى: {واللّه واسعٌ عليمٌ}.
[جامع البيان: 4/452]
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ، قوله: {ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى} الآية. هذا حين رفعت التّوراة واستخرج أهل الإيمان، وكانت الجبابرة قد أخرجتهم من ديارهم، وأبنائهم؛ فلمّا كتب عليهم القتال وذلك حين أتاهم التّابوت قال: وكان من بني إسرائيل سبطان: سبط نبوّةٍ، وسبط خلافةٍ، فلا تكون الخلافة إلاّ في سبط الخلافة، ولا تكون النّبوّة إلاّ في سبط النّبوّة، فقال لهم نبيّهم: {إنّ اللّه قد بعث لكم طالوت ملكًا قالوا أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالملك منه} وليس من أحد السّبطين، لا من سبط النّبوّة، ولا سبط الخلافة. {قال إنّ اللّه اصطفاه عليكم} الآية.
وقد قيل: إنّ معنى الملك في هذا الموضع: الإمرة على الجيش..
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ، قوله: {إنّ اللّه قد بعث لكم طالوت ملكًا} قال: كان أمير الجيش.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ بمثله، إلاّ أنّه قال: كان أميرًا على الجيش.
وقد بيّنّا معنى أنّى، ومعنى الملك فيما مضى، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع). [جامع البيان: 4/453]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال إنّ اللّه اصطفاه عليكم وزاده بسطةً في العلم والجسم}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {إنّ اللّه اصطفاه عليكم} قال نبيّهم شمويل لهم: إنّ اللّه اصطفاه عليكم يعني اختاره عليكم.
- كما: حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال، حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {اصطفاه عليكم} اختاره عليكم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {إنّ اللّه اصطفاه عليكم} قال: اختاره عليكم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {إنّ اللّه اصطفاه عليكم} اختاره.
وأمّا قوله: {وزاده بسطةً في العلم والجسم} فإنّه يعني بذلك: إنّ اللّه بسط له في العلم والجسم، وآتاه من العلم فضلاً على ما أتى غيره من الّذين خوطبوا بهذا الخطاب. وذلك أنّه ذكر أنّه أتاه وحي من اللّه وأمّا في الجسم، فإنّه أوتي من الزّيادة في طوله عليه لم يؤته غيره منهم.
[جامع البيان: 4/454]
- كما: حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدّثني عبد الصّمد بن معقلٍ، عن وهب بن منبّهٍ، قال: لمّا قالت بنو إسرائيل: {أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالملك منه ولم يؤت سعةً من المال قال إنّ اللّه اصطفاه عليكم وزاده بسطةً في العلم والجسم} قال: واجتمع بنو إسرائيل، فكان طالوت فوقهم من منكبيه فصاعدًا.
وقال السّدّيّ: أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعصًا تكون مقدارًا على طول الرّجل الّذي يبعث فيهم ملكًا فقال: إنّ صاحبكم يكون طوله طول هذه العصا. فقاسوا أنفسهم بها فلم يكونوا مثلها، فقاسوا طالوت بها فكان مثلها.
- حدّثني بذلك موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنّ اللّه اصطفاه عليكم وزاده مع اصطفائه إيّاه بسطةً في العلم والجسم؛ يعني بذلك: بسط له مع ذلك في العلم والجسم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {إنّ اللّه اصطفاه عليكم وزاده بسطةً في العلم والجسم} بعد هذا). [جامع البيان: 4/455]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه يؤتي ملكه من يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ}.
يعني تعالى ذكره بذلك: أنّ الملك للّه وبيده دون غيره يؤتيه. يقول: يؤتي ذلك من يشاء فيضعه عنده، ويخصّه به، ويمنحه من أحبّ من خلقه. يقول: فلا تستنكروا يا معشر الملإ من بني إسرائيل أن يبعث اللّه طالوت ملكًا عليكم وإن لم يكن من أهل بيت المملكة، فإنّ الملك ليس بميراثٍ عن الآباء والأسلاف، ولكنّه بيد اللّه يعطيه من يشاء من خلقه، فلا تتخيّروا على اللّه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني ابن إسحاق، قال: حدّثني بعض، أهل العلم، عن وهب بن منبّهٍ: {واللّه يؤتي ملكه من يشاء} الملك بيد اللّه يضعه حيث شاء، ليس لكم أن تختاروا فيه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، قال مجاهدٌ: ملكه: سلطانه.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {واللّه يؤتي ملكه من يشاء} سلطانه.
[جامع البيان: 4/456]
وأمّا قوله: {واللّه واسعٌ عليمٌ} فإنّه يعني بذلك واللّه واسعٌ بفضله، فينعم به على من أحبّ، ويزيد فيه من يشاء {عليمٌ} بمن هو أهلٌ لملكه الّذي يؤتيه، وفضله الّذي يعطيه، فيعطيه ذلك لعلمه به، وبأنّه لما أعطاه أهلٌ إمّا للإصلاح به وإمّا لأن ينتفع هو به). [جامع البيان: 4/457]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وقال لهم نبيّهم إنّ اللّه قد بعث لكم طالوت ملكًا قالوا أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالملك منه ولم يؤت سعةً من المال قال إنّ اللّه اصطفاه عليكم وزاده بسطةً في العلم والجسم واللّه يؤتي ملكه من يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ (247)
وقال لهم نبيّهم إنّ اللّه قد بعث لكم طالوت ملكًا قال: كان طالوت أميرًا على الجيش فبعث أبو داود، مع داود بشيءٍ إلى إخوته. فقال داود لطالوت:
ماذا لي، وأقتل جالوت؟ فقال لك ثلث ملكي، وأنكحك ابنتي. فأخذ مخلاةً، فجعل فيها ثلاث مرواتٍ ثمّ سمّى أحجاره إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فخرج على إبراهيم، فجعله في مرجته، فرمى بها جالوت، فخرق ثلاث وثلاثين بيضةً عن رأسه، وقتلت ما وراءه ثلاثين ألفًا.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ وقال لهم نبيّهم إنّ اللّه قد بعث لكم طالوت ملكا قال القوم: ما كنت قد أكذب منك الساعة،
[تفسير القرآن العظيم: 2/464]
ونحن سبط المملكة، وليس هو من سبط المملكة، ولم يؤت سعةً من المال فنتّبعه لذلك، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إنّ اللّه اصطفاه عليكم). [تفسير القرآن العظيم: 1/465]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: أنّى
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، قوله: أنّى...
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، قوله: أنّى يعني: من أين؟
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ قالوا أنّى يكون له الملك علينا كيف يكون له الملك علينا؟). [تفسير القرآن العظيم: 1/465]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالملك منه ولم يؤت سعة من المال
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ حدّثني أبي، ثنا عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ قالوا أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالملك منه ولم يؤت سعةً من المال
فإنّهم لم يقولوا ذلك، إلا أنّه كان في بني إسرائيل سبطان، كان في أحدهما النّبوّة، وكان في الآخر الملك، فلا يبعث نبيٌّ إلا من كان من سبط النّبوّة، ولا يملك على الأرض أحدا، إلا من كان من سبط الملك، وأنّه ابتعث طالوت حين ابتعثه وليس من واحد من السّبطين، فاختاره عليهم وزاده بسطةً في العلم والجسم، ومن أجل ذلك قالوا أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالملك منه وليس واحدًا من السّبطين قال: إنّ اللّه اصطفاه عليكم وزاده بسطةً في العلم والجسم وروي عن سعيد بن جبيرٍ وقتادة والرّبيع بن أنسٍ ببعض ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/465]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: إنّ اللّه اصطفاه عليكم
- حدّثنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ ثنا أبي ثنا عمّي الحسين عن أبيه، عن جدّه، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ قوله: إنّ اللّه اصطفاه عليكم فاختاره عليكم. وروي عن أبي مالكٍ مثل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/465]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى وزاده بسطةً في العلم والجسم
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا الهيثم بن يمانٍ، ثنا رجلٌ سمّاه، عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ، عن ابن عبّاسٍ قال إنّ اللّه اصطفاه عليكم وزاده بسطةً يقول: فضيلةً). [تفسير القرآن العظيم: 1/466]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: في العلم
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عليّ بن حمزة، ثنا عليّ بن الحسن، ثنا عبد اللّه بن المبارك، أخبرني بعض أصحابنا عن وهب بن منبّهٍ وزاده بسطةً في العلم قال: العلم بالحرب.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا الهيثم بن يمانٍ، ثنا رجلٌ سمّاه، عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ عن ابن عبّاسٍ وزاده بسطةً في العلم والجسم يقول: كان عظيمًا جسيمًا، يفضل بني إسرائيل بعنقه ورأسه.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: وزاده بسطةً في العلم والجسم قال: أتى بعصًى مقدار الرّجل الّذي يبعث فيهم ملكًا فقال: أنّ صاحبكم يكون طوله طول هذه العصا، فقاسوا أنفسهم بها، فلم يكونوا مثلها. وكان طالوت رجلا سقّاءً، يسقي على حمارٍ له، فضلّ حماره، فانطلق يطلبه في الطّريق فلمّا رأوه، دعوه وقاسوه بها، فكان مثلها، فقال لهم نبيّهم إنّ اللّه قد بعث لكم طالوت ملكا قال القوم: ما كنت قطّ أكذب منك الساعة، ونحن سبط المملكة، وليس هو من سبط المملكة، ولم يؤت سعةً من المال، فنتّبعه لذلك، فقال النّبيّ: إنّ اللّه اصطفاه عليكم وزاده بسطةً في العلم والجسم.
- أخبرنا محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ إسماعيل بن عبد الكريم الصّنعانيّ، عن عبد الصّمد بن معقلٍ، قال: سمعت وهبًا يقول وزاده بسطةً في العلم والجسم قال: فاجتمع بنو إسرائيل فكان طالوت فوقهم من منكبه فصاعدًا.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، عن ابن إسحاق قال: وكان طالوت رجلا قد أعطي بسطةً في الجسم وقوّةً في البطش وشدّةً في الحرب، مذكورٌ بذلك في النّاس). [تفسير القرآن العظيم: 1/466]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: واللّه يؤتي ملكه من يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: واللّه يؤتي ملكه من يشاء قال: سلطانه.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا نحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: عليمٌ يعني: عالمٌ بها). [تفسير القرآن العظيم: 1/467]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن عكرمة قال: كان طالوت سقاء يبيع الماء.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله {قالوا أنى يكون له الملك علينا} قال: لم يقولوا ذلك إلا أنه
[الدر المنثور: 3/137]
كان في بني اسرائيل سبطان كان في أحدهما النبوة وفي الآخر الملك فلا يبعث نبي إلا من كان من سبط النبوة ولا يملك على الأرض أحد إلا من كان من سبط الملك وأنه ابتعث طالوت حين ابتعثه وليس من أحد السبطين {قال إن الله اصطفاه} يعني اختاره عليكم.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك في قوله {أنى} يعني من أين.
وأخرج ابن ابي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس {وزاده بسطة} يقول: فضيلة {في العلم والجسم} يقول: كان عظيما جسيما يفضل بني اسرائيل بعنقه.
وأخرج ابن ابي حاتم عن وهب بن منبه في قوله {وزاده بسطة في العلم} قال: العلم بالحرب.
وأخرج ابن جرير عن وهب في قوله {والجسم} قال: كان فوق بني اسرائيل بمنكبيه فصاعدا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد {والله يؤتي ملكه
[الدر المنثور: 3/138]
من يشاء} قال: سلطانه.
وأخرج ابن المنذر عن وهب أنه سئل أنبي كان طالوت قال: لا لم يأته وحي.
وأخرج إسحاق بن بشر في المبتدأ، وابن عساكر من طريق جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس ومن طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله {ألم تر إلى الملإ} يعني ألم تخبر يا محمد عن الملأ {من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم} اشمويل {ابعث لنا ملكا نقاتل} إلى قوله {وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا} يعني أخرجتنا العمالقة وكان رأس العمالقة يومئذ جالوت فسأل الله نبيهم أن يبعث لهم ملكا.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى}
قال: هم الذين قال الله (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) (النساء الآية 77).
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير {ونحن أحق بالملك منه} قال: لأنه لم يكن من سبط النبوة ولا من سبط الخلافة.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: بعث الله لهم طالوت ملكا وكان من سبط لم تكن فيه مملكة ولا نبوة وكان في بني اسرائيل سبطان سبط نبوة
[الدر المنثور: 3/139]
وسبط مملكة فكان سبط النبوة سبط لاوي وكان سبط المملكة سبط يهوذا فلما بعث طالوت من غير سبط النبوة والمملكة أنكروا ذلك وعجبوا منه و{قالوا أنى يكون له الملك علينا} قالوا: كيف يكون له الملك وليس من سبط النبوة ولا المملكة.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي عبيدة قال: كان في بني اسرائيل رجل له ضرتان وكانت إحداهما تلد والأخرى لا تلد فاشتد على التي لا تلد فتطهرت فخرجت إلى المسجد لتدعو الله فلقيها حكم على بني اسرائيل - وحكماؤهم الذين يدبرون أمورهم - فقال: أين تذهبين قالت: حاجة لي إلى ربي، قال: اللهم اقض لها حاجتها فعلقت بغلام وهو الشمول فلما ولدت جعلته محررا وكانوا يجعلون المحرر إذا بلغ السعي في المسجد يخدم أهله فلما بلغ الشمول السعي دفع إلى أهل المسجد يخدم فنودي الشمول ليلة فأتى الحكم فقال: دعوتني فقال: لا فلما كانت الليلة الأخرى دعي فأتى الحكم فقال: دعوتني فقال: لا وكان الحكم يعلم كيف تكون النبوة فقال: دعيت البارحة الأولى قال: نعم، قال: ودعيت البارحة قال: نعم، قال: فإن دعيت الليلة فقل لبيك وسعديك والخير بين يديك والمهدي من هديت أنا عبدك بين يديك مرني بما شئت، فأوحي إليه فأتى الحكم فقال: دعيت الليلة قال: نعم وأوحي إلي، قال: فذكرت لك بشيء قال: لا عليك أن لا تسألني، قال: ما أبيت أن تخبرني إلا وقد ذكرت لك شيء من أمري فألح عليه وأبى أن يدعه حتى أخبره، فقال: قيل لي: إنه قد حضرت هلكتك وارتشى ابنك في حكمك فكان
[الدر المنثور: 3/140]
لا يدبر أمرا إلا انتكث ولا يبعث جيشا إلا هزم حتى بعث جيشا وبعث معهم بالتوراة
يستفتح بها فهزموا وأخذت التوراة فصعد المنبر وهو آسف غضبان فوقع فانكسرت رجله أو فخذه فمات من ذلك فعند ذلك قالوا لنبيهم: ابعث لنا ملكا وهو الشمول بن حنة العاقر). [الدر المنثور: 3/141]

تفسير قوله تعالى: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وكان أول من [جمع القرآن .. .. ] بذلك عليه عمر بن الخطاب، وذلك حين قتل أصحاب رسول الله [ .. .. أبو بكر] الصديق قال لعمر: فمن يكتبه، قال: زيد بن ثابت فإنه فطن [ .. .. ] رسول الله؛ وكتبه زيد بن ثابت، وكان الناس يأتون زيد بن ثابت [ .. .. آية] إلا بشاهدٍ في عدلٍ؛ وإن آخر سورة براءة لم توجد إلا مع خزيمة بن ثابت، فقال: [ .. .. ] اكتبوها، فإن رسول الله جعل شهادته شهادة رجلين، فكتبت؛ وإن عمر بن الخطاب أتى بآية الرجم فلم يكتبوها، لأنه كان وحده، فلما فرغ من ذلك المصحف كان عند أبي بكر، ثم كان بعد عند عمر، ثم كان بعد عمر
[الجامع في علوم القرآن: 3/26]
عند حفصة زوج النبي، حتى قدم حذيفة بن اليمان على عثمان بن عفان، فقال: يا أمير المؤمنين، إني سمعت الناس قد اختلفوا في القرآن، فيقول الرجل: حرفي الذي أقرأ به خيرٌ من حرفك؛ فأرسل عثمان إلى حفصة أن تبعث به إليه، فقالت: على أن ترده إلي، قال: نعم؛ قال: فنسخ منها مصاحف فبعث بها إلى الآفاق وأمرهم أن يبعثوا إليه بما كان عندهم منها، وأمر بها أن تحرق؛ قال: ومن حبس عنده منها شيئا فهو غلولٌ.
قال ابن مسعود: مصحفي هذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الله يقول: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة}، فأنا أغله حتى ألقى الله به يوم القيامة.
قال: وكان حين جمع القرآن جعل زيد بن ثابت وأبي بن كعب يكتبان القرآن، وجعل معهما سعيد بن العاص يقيم عربيته، فقال أبي بن كعب: التابوه، فقال سعيد: إنما هو التابوت، فقال عثمان: اكتبوه كما قال سعيد: التابوت، فكتبوا: {التابوت}). [الجامع في علوم القرآن: 3/27] (م)
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال أبو سلمة بن عبد الرّحمن: أمر عثمان بن عفّان فتيانًا من العرب أن يكتبوا القرآن، ويملّ عليهم زيد بن ثابت؛ فلما بلغوا {التابوت}، قال: زيدٌ: اكتبوه: التّابوه، فقالوا: لا نكتب إلا {التابوت}، فذكروا ذلك لعثمان بن عفّان، فقال: اكتبوا: {التابوت} فإنّما أنزله اللّه على رجلٍ منّا بلسانٍ عربيٍ مبينٍ). [الجامع في علوم القرآن: 3/29]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدّثني يعقوب بن عبد الرّحمن عن حمزة بن عبد اللّه
[الجامع في علوم القرآن: 3/29]
قال: بلغني أنّه قيل لعبد اللّه بن مسعودٍ: ما يمنعك أن تقرأ على قراءة فلانٍ، فقال: لقد قرأت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سبعين سورةً، فقال لي: لقد أحسنت؛ وإن الذي تسألونني أن أقرأ على قراءته في صلب رجلٍ كافرٍ). [الجامع في علوم القرآن: 3/30]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثنا مالك بن أنس قال: اختلف الناس في القرآن، فكان في كلام الأنصار: التابوه، وفي كلام قريش التابوت؛ قال: فأثبت في القرآن: {التابوت}؛ وكان عثمان بن عفان ممن أعان على ذلك). [الجامع في علوم القرآن: 3/30]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى تحمله الملائكة قال تحمله حتى تضعه في بيت طالوت فيه سكينة من ربكم أي وقار وبقية مما ترك آل موسى وآل
[تفسير عبد الرزاق: 1/98]
هرون قال فالبقية عصا موسى والرضراض من الألواح). [تفسير عبد الرزاق: 1/99]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا الثوري عن بعض أشياخهم قال تحمله الملائكة قال تسوقه على عجلة على بقرة). [تفسير عبد الرزاق: 1/99]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال ونا بكار بن عبد الله قال سألنا وهب بن منبه عن تابوت موسى ما كان فيها وما كانت فقال كانت نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين فقلنا ما كان فيها قال عصا موسى والسكينة فقيل له ما السكينة قال روح من الله تعالى يتكلم إذا اختلفوا في شيء تكلم فأخبرهم ببيان ما يريدون). [تفسير عبد الرزاق: 1/100]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا الثوري عن سلمة بن كهيل عن أبي الأحوص عن علي
[تفسير عبد الرزاق: 1/100]
قال السكينة لها وجه كوجه الإنسان ثم هي بعد ريح هفافة). [تفسير عبد الرزاق: 1/101]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال لها جناحان وذنب مثل ذنب الهرة). [تفسير عبد الرزاق: 1/101]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (وسألت الثوري عن قوله تعالى وبقية مما ترك آل موسى وآل هرون قال منهم من يقول البقية قفيز من منّ ورضراض الألواح ومنهم من يقول العصا والنعلان). [تفسير عبد الرزاق: 1/101]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (قال سفيان [الثوري]: اختلفوا في هذه الآية: {أن يأتيكم التابوت} قال زيد بن ثابتٍ: التّابوه وقال سعيد بن العاص: ما نعرف التّابوه إنّما هو التّابوت [الآية: 248]). [تفسير الثوري: 70]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {وقال لهم نبيّهم إنّ آية ملكه أن يأتيكم التّابوت فيه سكينةٌ من ربّكم وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، أنّ عثمان بن عفّان، أمر فتيان المهاجرين، والأنصار أن يكتبوا المصاحف، قال: ((فما (اختلفتم) فيه، فاجعلوه بلسان قريشٍ))، فقال المهاجرون: التّابوت، وقال الأنصار: التّابوه، فقال عثمان: ((اكتبوه بلغة المهاجرين: التابوت)).
[سنن سعيد بن منصور: 3/938]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا جريرٌ بن عبد الحميد، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة، قال: قال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: ((لا يلينّ مصاحفنا إلّا غلمان قريش، وثقيف)).
[سنن سعيد بن منصور: 3/939]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد اللّه بن المبارك، عن عيسى بن عمر، عن السّدّي - في قوله عزّ وجلّ: {سكينةٌ من ربّكم} -، قال: ((طستٌ من ذهبٍ، يغسل فيها قلوب الأنبياء)).
[سنن سعيد بن منصور: 3/942]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا الحكم بن ظهير، عن السّدّي، عن أبي مالكٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: ((طستٌ من ذهبٍ يغسل فيها قلوب الأنبياء)).
[سنن سعيد بن منصور: 3/943]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد اللّه بن المبارك، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ، - في قوله عزّ وجلّ: {وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون} -، قال: ((كان فيه عصا موسى، وعصا هارون، وثياب موسى، وثياب هارون، ولوحان من التّوراة والمنّ)) ). [سنن سعيد بن منصور: 3/948]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقال لهم نبيّهم إنّ آية ملكه أن يأتيكم التّابوت فيه سكينةٌ من ربّكم وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إنّ في ذلك لآيةً لكم إن كنتم مؤمنين}.
وهذا الخبر من اللّه تعالى ذكره عن نبيّه الّذي أخبر عنه به دليلٌ على أنّ الملأ من بني إسرائيل الّذين قيل لهم هذا القول لم يقرّوا ببعثة اللّه طالوت عليهم ملكًا، إذ أخبرهم نبيّهم بذلك وعرّفهم فضيلته الّتي فضّله اللّه بها؛ ولكنّهم سألوه الدّلالة على صدق ما قال لهم من ذلك وأخبرهم به.
فتأويل الكلام إذ كان الأمر على ما وصفنا: {واللّه يؤتي ملكه من يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ} فقالوا له: ائت بآيةٍ على ذلك إن كنت من الصّادقين قال لهم نبيّهم: {إنّ آية ملكه أن يأتيكم التّابوت}.
وهذه القصّة وإن كانت خبرًا من اللّه تعالى ذكره عن الملإ من بني إسرائيل ونبيّهم وما كان من ابتدائهم نبيّهم بما ابتدءوا به من مسألته أن يسأل اللّه لهم أن يبعث لهم ملكًا يقاتلون معه في سبيله، ونبأ عمّا كان منهم من تكذيبهم نبيّهم بعد علمهم بنبوّته
[جامع البيان: 4/457]
ثمّ إخلافهم الموعد الّذي وعدوا اللّه ووعدوا رسوله من الجهاد في سبيل اللّه بالتّخلّف عنه حين استنهضوا لحرب من استنهضوا لحربه، وفتح اللّه على القليل من الفئة مع تخذيل الكثير منهم عن ملكهم وقعودهم عن الجهاد معه؛ فإنّه تأديبٌ لمن كان بين ظهراني مهاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من ذراريّهم، وأبنائهم يهود قريظة، والنّضير، وأنّهم لن يعدوا في تكذيبهم محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم فيما أمرهم به ونهاهم عنه، مع علمهم بصدقه، ومعرفتهم بحقيقة نبوّته، بعد ما كانوا يستنصرون اللّه به على أعدائهم قبل رسالته، وقبل بعثة اللّه إيّاه إليهم وإلى غيرهم أن يكونوا كأسلافهم، وأوائلهم الّذين كذّبوا نبيّهم شمويل بن بالي، مع علمهم بصدقه ومعرفتهم بحقيقة نبوّته، وامتناعهم من الجهاد مع طالوت لمّا ابتعثه اللّه ملكًا عليهم بعد مسألتهم نبيّهم ابتعاث ملكٍ يقاتلون معه عدوّهم، ويجاهدون معه في سبيل ربّهم ابتداءً منهم بذلك نبيّهم، وبعد مراجعة نبيّهم شمويل إيّاهم في ذلك؛ وحضٌّ لأهل الإيمان باللّه وبرسوله من أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم على الجهاد في سبيله، وتحذيرٌ منه لهم أن يكونوا في التّخلّف عن نبيّهم محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم عند لقائه العدوّ، ومناهضته أهل الكفر باللّه وبه على مثل الّذي كان عليه الملأ من بني إسرائيل في تخلّفهم عن ملكهم طالوت، إذ زحف لحرب عدوّ اللّه جالوت، وإيثارهم الدّعة، والخفض على مباشرة حرّ الجهاد، والقتال في سبيل اللّه، وشحذٌ منه لهم على الإقدام على مناجزة أهل الكفر به الحرب، وترك تهيّب قتالهم إن قلّ عددهم وكثر عدد أعدائهم واشتدّت شوكتهم، بقوله: {قال الّذين يظنّون أنّهم ملاقو اللّه كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن اللّه واللّه مع الصّابرين} وإعلامٌ منه تعالى ذكره عباده المؤمنين به أنّ بيده النّصر والظّفر، والخير والشّرّ.
[جامع البيان: 4/458]
وأمّا تأويل قوله: {قال لهم نبيّهم} فإنّه يعني للملأ من بني إسرائيل الّذين قالوا لنبيّهم: {ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل اللّه}.
وقوله: {إنّ آية ملكه} إنّ علامة ملك طالوت الّتي سألتمونيها دلالةٌ على صدقي في قولي: إنّ اللّه بعثه عليكم ملكًا، وإن كان من غير سبط المملّكة {أن يأتيكم التّابوت فيه سكينةٌ من ربّكم} وهو التّابوت الّذي كانت بنو إسرائيل إذا لقوا عدوًّا لهم قدّموه أمامهم وزحفوا معه، فلا يقوم لهم معه عدوٌّ ولا يظهر عليهم أحدٌ ناوأهم، حتّى منعوا أمر اللّه وكثر اختلافهم على أنبيائهم، فسلبهم اللّه إيّاه مرّةً بعد مرّةٍ يردّه إليهم في كلّ ذلك، حتّى سلبهم آخر مرّةٍ فلم يردّه عليهم ولن يردّ إليهم آخر الأبد.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في سبب مجيء التّابوت الّذي جعل اللّه مجيئه إلى بني إسرائيل آيةً لصدق نبيّهم شمويل على قوله: {إنّ اللّه قد بعث لكم طالوت ملكًا} وهل كانت بنو إسرائيل سلبوه قبل ذلك فردّه اللّه عليهم حين جعل مجيئه آيةً لملك طالوت، أو لم يكونوا سلبوه قبل ذلك ولكنّ اللّه ابتدأهم به ابتداءً؟ فقال بعضهم: كان ذلك عندهم من عهد موسى، وهارون يتوارثونه حتّى سلبهم إيّاه ملوكٌ من أهل الكفر به، ثمّ ردّه اللّه عليهم آيةً لملك طالوت وقال في سبب ردّه عليهم ما أنا ذاكره وهو ما؛
- حدّثني به المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا إسماعيل بن عبد الكريم،
[جامع البيان: 4/459]
قال: حدّثني عبد الصّمد بن معقلٍ، أنّه سمع وهب بن منبّهٍ، قال: كان لعيلي الّذي ربّى شمويل ابنان شابّان أحدثا في القربان شيئًا لم يكن فيه، كان مسوط القربان الّذي كانوا يسوطونه به كلاّبين فما أخرجا كان للكاهن الّذي يسوطه، فجعل ابناه كلاليب، وكانا إذا جاء النّساء يصلّين في القدس يتشبّثان بهنّ. فبينا شمويل نائمٌ قبل البيت الّذي كان ينام فيه عيلي، إذ سمع صوتًا يقول: أشمويل فوثب إلى عيلي، فقال: لبّيك ما لك دعوتني؟ فقال: لا، ارجع فنم فرجع فنام، ثمّ سمع صوتًا آخر يقول: أشمويل فوثب إلى عيلي أيضًا، فقال: لبّيك ما لك دعوتني؟ فقال: لم أفعل ارجع فنم، فإن سمعت شيئًا فقل لبّيك مكانك مرني فأفعل فرجع فنام، فسمع صوتًا أيضًا يقول: أشمويل فقال: لبّيك أنا هذا مرني أفعل قال: انطلق إلى عيلي، فقل له: منعه حبّ الولد أن يزجر ابنيه أن يحدثا في قدسي، وقرباني وأن يعصياني، فلأنزعنّ منه الكهانة ومن ولده، ولأهلكنّه وإيّاهما فلمّا أصبح سأله عيلي، فأخبره، ففزع لذلك فزعًا شديدًا، فسار إليهم عدوٌّ ممّن حولهم، فأمر ابنيه أن يخرجا بالنّاس فيقاتلا ذلك العدوّ فخرجا وأخرجا معهما التّابوت الّذي كان فيه اللّوحان وعصا موسى لينصروا به. فلمّا تهيّئوا للقتال هم وعدوّهم، جعل عيلي يتوقّع الخبر ماذا صنعوا، فجاءه رجلٌ يخبره وهو قاعدٌ على كرسيّه أنّ ابنيك قد قتلا، وأنّ النّاس قد انهزموا. قال: فما فعل التّابوت؟ قال: ذهب به العدوّ.
[جامع البيان: 4/460]
قال: فشهق ووقع على قفاه من كرسيّه فمات وذهب الّذين سبوا التّابوت حتّى وضعوه في بيت آلهتهم ولهم صنمٌ يعبدونه، فوضعوه تحت الصّنم والصّنم من فوقه، فأصبح من الغد والصّنم تحته وهو فوق الصّنم. ثمّ أخذوه فوضعوه فوقه وسمّروا قدميه في التّابوت، فأصبح من الغد قد تقطّعت يدًا الصّنم ورجلاه، وأصبح ملقًى تحت التّابوت؛ فقال بعضهم لبعضٍ: قد علمتم أنّ إله بني إسرائيل لا يقوم له شيءٌ، فأخرجوه من بيت آلهتكم فأخرجوا التّابوت فوضعوه في ناحيةٍ من قريتهم، فأخذ أهل تلك النّاحية الّتي وضعوا فيها التّابوت وجعٌ في أعناقهم، فقالوا: ما هذا؟ فقالت لهم جاريةٌ كانت عندهم من سبي بني إسرائيل: لا تزالون ترون ما تكرهون ما كان هذا التّابوت فيكم، فأخرجوه من قريتكم قالوا: كذبت قالت: إنّ آية ذلك أن تأتوا ببقرتين لهما أولادٌ لم يوضع عليهما نيرٌ قطّ، ثمّ تضعوا وراءهما العجل، ثمّ تضعوا التّابوت على العجل، وتسيّروهما، وتحبسوا أولادهما فإنّهما تنطلقان به مذعنتين، حتّى إذا خرجتا من أرضكم ووقعتا في أرض بني إسرائيل، كسرتا نيرهما، وأقبلتا إلى أولادهما ففعلوا ذلك فلمّا خرجتا من أرضهم ووقعتا في أدنى أرض بني إسرائيل، كسرتا نيرهما، وأقبلتا إلى أولادهما، ووضعتاه في خربةٍ فيها حصاد من بني إسرائيل. ففزع إليه بنو إسرائيل وأقبلوا إليه، فجعل لا يدنو منه أحدٌ إلاّ مات، فقال لهم نبيّهم شمويل: اعترضوا، فمن آنس من نفسه قوّةً فليدن منه فعرضوا عليه النّاس، فلم يقدر أحدٌ يدنو منه، إلاّ رجلان من بني إسرائيل أذن لهما بأن يحملاه إلى بيت أمّهما، وهي أرملةٌ، فكان في بيت أمّهما حتّى ملك طالوت، فصلح أمر بني إسرائيل مع شمويل.
[جامع البيان: 4/461]
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني بعض، أهل العلم، عن وهب بن منبّهٍ، قال: قال شمويل لبني إسرائيل لمّا قالوا له: {أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالملك منه ولم يؤت سعةً من المال قال إنّ اللّه اصطفاه عليكم وزاده بسطةً في العلم والجسم} وإنّ آية ملكه: وإنّ تمليكه من قبل اللّه أن يأتيكم التّابوت، فيردّ عليكم الّذي فيه من السّكينة، وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى، وآل هارون، وهو الّذي كنتم تهزمون به من لقيكم من العدوّ، وتظهرون به عليه قالوا: فإن جاءنا: التّابوت، فقد رضينا وسلّمنا. وكان العدوّ الّذين أصابوا التّابوت أسفل من الجبل، جبل إيليا، فيما بينهم وبين مصر، وكانوا أصحاب أوثانٍ، وكان فيهم جالوت، وكان جالوت رجلاً قد أعطي بسطةً في الجسم، وقوّةً في البطش، وشدّةً في الحرب، مذكورًا بذلك في النّاس. وكان التّابوت حين استبي قد جعل في قريةٍ من قرى فلسطين، يقال لها: أزدود، فكانوا قد جعلوا التّابوت في كنيسةٍ فيها أصنامهم. فلمّا كان من أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ما كان من وعد بني إسرائيل أنّ التّابوت سيأتيهم، جعلت أصنامهم تصبح في الكنيسة منكّسةً على رءوسها، وبعث اللّه على أهل تلك القرية فأرًا، تثبيت الفأرة الرّجل فيصبح ميّتًا قد أكلت في جوفه من دبره.
[جامع البيان: 4/462]
قالوا: تعلمون واللّه لقد أصابكم بلاءٌ ما أصاب أمّةً من الأمم قبلكم، وما نعلمه أصابنا إلاّ مذ كان هذا التّابوت بين أظهرنا، مع أنّكم قد رأيتم أصنامكم تصبح كلّ غداةٍ منكّسةً، شيءٌ لم يكن يصنع بها حتّى كان هذا التّابوت معها، فأخرجوه من بين أظهركم فدعوا بعجلةٍ فحملوا عليها التّابوت، ثمّ علّقوها بثورين، ثمّ ضربوا على جنوبهما، وخرجت الملائكة بالثّورين تسوقهما، فلم يمرّ التّابوت بشيءٍ من الأرض إلاّ كان قدسًا، فلم يرعهم إلاّ التّابوت على عجله يجرّها الثّوران، حتّى وقف على بني إسرائيل، فكبّروا وحمدوا اللّه، وجدّوا في حربهم، واستوسقوا على طالوت.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: لمّا قال لهم نبيّهم: إنّ اللّه اصطفى طالوت عليكم وزاده بسطةً في العلم والجسم، أبوا أن يسلّموا له الرّياسة حتّى قال لهم: {إنّ آية ملكه أن يأتيكم التّابوت فيه سكينةٌ من ربّكم} فقال لهم: أرأيتم إن جاءكم التّابوت فيه سكينةٌ من ربّكم وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى، وآل هارون تحمله الملائكة. وكان موسى حين ألقى الألواح تكسّرت، ورفع منها، فنزل، فجمع ما بقي، فجعله في ذلك التّابوت.
- قال ابن جريجٍ: أخبرني يعلى بن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ،
[جامع البيان: 4/463]
عن ابن عبّاسٍ، أنّه لم يبق من الألواح إلاّ سدسها. قال: وكانت العمالقة قد سبت ذلك التّابوت، والعمالقة فرقةٌ من عادٍ كانوا بأريحا فجاءت الملائكة بالتّابوت تحمله بين السّماء والأرض، وهم ينظرون إلى التّابوت حتّى وضعته عند طالوت، فلمّا رأوا ذلك قالوا: نعم فسلّموا له وملكوه. قال: وكان الأنبياء إذا حضروا قتالاً قدّموا التّابوت بين يديهم ويقولون: إنّ آدم نزل بذلك التّابوت وبالرّكن. وبلغني أنّ التّابوت، وعصا موسى في بحيرةٍ طبريّةٍ، وأنّهما يخرجان قبل يوم القيامة.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا عبد الصّمد بن معقلٍ، أنّه سمع وهب بن منبّهٍ، يقول: إنّ أرميا لمّا خرّب بيت المقدس وحرّقت الكتب، وقف في ناحية الجبل، فقال: {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها فأماته اللّه مائة عامٍ} ثمّ ردّ اللّه من ردّ من بني إسرائيل على رأس سبعين سنةً من حين أماته، يعمرونها ثلاثين سنةً تمام المائة؛ فلمّا ذهبت المائة ردّ اللّه إليه روحه وقد عمرت، فهي على حالها الأولى قال: فجعل ينظر إلى العظام كيف يلتئم بعضها إلى بعض، ثم نظر إلى العظام تكسى عصبا ولحما {فلمّا تبيّن له قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} فقال: {فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه} قال: وكان طعامه تينا فى مكتل، وقلة فيها ماء قال: ثم سلط الله عليهم الوصب فلمّا أراد أن يردّ عليهم التّابوت، أوحى اللّه إلى نبيٍّ من أنبيائهم، إمّا دانيال وإمّا غيره، إن كنتم تريدون أن يرفع عنكم المرض، فأخرجوا عنكم هذا التّابوت
[جامع البيان: 4/464]
قالوا: بآية ماذا؟ قال: بآية أنّكم تأتون ببقرتين صعبتين لم تعملا عملاً قطّ، فإذا نظرتا إليه وضعتا أعناقهم للنّير حتّى يشدّ عليهما، ثمّ يشدّ التّابوت على عجلٍ، ثمّ يعلّق على البقرتين، ثمّ تخلّيان فتسيران حيث يريد اللّه أن يبلغهما ففعلوا ذلك. ووكّل اللّه بهما أربعةً من الملائكة يسوقونهما. فسارت البقرتان سيرًا سريعًا، حتّى إذا بلغتا طرف القدس كسرتا نيرهما، وقطعتا حبالهما، وذهبتا، فنزل إليهما داود ومن معه. فلمّا رأى داود التّابوت، حجل إليه فرحًا به فقلنا لوهبٍ: ما حجل إليه؟ قال: شبيهٌ بالرّقص فقالت له امرأته: لقد خفّفت حتّى كاد النّاس يمقتونك لما صنعت، قال: أتبطّئيني عن طاعة ربّي؟ لا تكونين لي زوجةً بعد هذا ففارقها.
وقال آخرون: بل التّابوت الّذي جعله اللّه آيةً لملك طالوت كان في البريّة، وكان موسى صلّى اللّه عليه وسلّم خلّفه عند فتاه يوشع، فحملته الملائكة حتّى وضعته في دار طالوت.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {إنّ آية ملكه أن يأتيكم التّابوت فيه سكينةٌ من ربّكم} الآية. كان موسى تركه عند فتاه يوشع بن نونٍ وهو بالبريّة، وأقبلت به الملائكة تحمله حتّى وضعته في دار طالوت، فأصبح في داره.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ،
[جامع البيان: 4/465]
عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {إنّ آية ملكه أن يأتيكم التّابوت} الآية، قال: كان موسى فيما ذكر لنا ترك التّابوت عند فتاه يوشع بن نونٍ وهو في البريّة، فذكر لنا أنّ الملائكة حملته من البريّة حتّى وضعته في دار طالوت، فأصبح التّابوت في داره.
وأولى القولين في ذلك بالصّواب، ما قاله ابن عبّاسٍ ووهب بن منبّهٍ من أنّ التّابوت كان عند عدوٍّ لبني إسرائيل كان سلبهموه، وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره قال مخبرًا عن نبيّه في ذلك الزّمان قوله لقومه من بني إسرائيل: {إنّ آية ملكه أن يأتيكم التّابوت} والألف واللاّم لا تدخلان في مثل هذا من الأسماء إلاّ في معروفٍ عند المتخاطبين به، وقد عرفه المخبر والمخبر. فقد علم بذلك أنّ معنى الكلام: أنّ آية ملكه أن يأتيكم التّابوت الّذي قد عرفتموه الّذي كنتم تستنصرون به، فيه سكينةٌ من ربّكم. ولو كان ذلك تابوتًا من التّوابيت غير معلومٍ عندهم قدره ومبلغ نفعه قبل ذلك لقيل: إنّ آية ملكه أن يأتيكم تابوتٌ فيه سكينةٌ من ربّكم.
فإن ظنّ ذو غفلةٍ أنّهم كانوا قد عرفوا ذلك التّابوت وقدر نفعه وما فيه وهو عند موسى، ويوشع، فإنّ ذلك ما لا يخفى خطؤه؛ وذلك أنّه لم يبلغنا أنّ موسى لاقى عدوًّا قطّ بالتّابوت، ولا فتاه يوشع، بل الّذي يعرف من أمر موسى وأمر فرعون ما قصّ اللّه من شأنهما، وكذلك أمره وأمر الجبّارين. وأمّا فتاه يوشع، فإنّ الّذين قالوا هذه المقالة زعموا أن يوشع خلفه في التّيه حتّى ردّ عليهم حين ملك طالوت، فإن كان الأمر على ما وصفوه، فأيّ الأحوال للتّابوت الحال الّتي عرفوه فيها، فجاز أن يقال: إنّ آية ملكه أن يأتيكم التّابوت الّذي قد عرفتموه، وعرفتم أمره؟ ففي فساد هذا القول بالّذي ذكرنا أبين الدّلالة على صحّة القول الآخر، إذ لا قول في ذلك لأهل التّأويل غيرهما.
[جامع البيان: 4/466]
وكانت صفة التّابوت فيما بلغنا كما؛
- حدّثنا محمّد بن عسكرٍ، والحسن بن يحيى، قالا: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا بكّار بن عبد اللّه، قال: سألنا وهب بن منبّهٍ عن تابوت، موسى ما كان؟ قال: كان نحوًا من ثلاثة أذرعٍ في ذراعين). [جامع البيان: 4/467]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فيه سكينةٌ من ربّكم}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {فيه} في التّابوت {سكينةٌ من ربّكم}.
واختلف أهل التّأويل في معنى السّكينة، فقال بعضهم: هي ريحٌ هفّافةٌ لها وجهٌ كوجه الإنسان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عمران بن موسى، قال: حدّثنا عبد الوارث بن سعيدٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جحادة، عن سلمة بن كهيلٍ، عن أبي وائلٍ، عن عليّ بن أبي طالبٍ، قال: السّكينة: ريحٌ هفّافةٌ لها وجهٌ كوجه الإنسان.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا سفيان، عن سلمة بن كهيلٍ، عن أبي الأحوص، عن عليٍّ، السّكينة لها وجهٌ كوجه الإنسان، ثمّ هي ريحٌ هفّافةٌ.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن العوّام بن حوشبٍ،
[جامع البيان: 4/467]
عن سلمة بن كهيلٍ، عن عليّ بن أبي طالبٍ، في قوله: {فيه سكينةٌ من ربّكم} قال: ريحٌ هفّافةٌ لها صورةٌ وقال يعقوب في حديثه: لها وجهٌ، وقال ابن المثنّى: كوجه الإنسان.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن سلمة بن كهيلٍ، قال: قال عليّ: السّكينة لها وجهٌ كوجه الإنسان، وهي ريحٌ هفّافةٌ.
- حدّثنا هنّاد بن السّريّ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حربٍ، عن خالد بن عرعرة، قال: قال عليّ: السّكينة: ريحٌ خجوجٌ، ولها رأسان.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن سماكٍ، قال: سمعت خالد بن عرعرة، يحدّث، عن عليٍّ، نحوه.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا شعبة، وحمّاد بن سلمة، وأبو الأحوص، كلّهم عن سماكٍ، عن خالد بن عرعرة، عن عليٍّ، نحوه.
وقال آخرون: لها رأسٌ كرأس الهرّة وجناحان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى: {فيه سكينةٌ من ربّكم} قال: أقبلت السّكينة والصراد وجبريل مع إبراهيم من الشّام.
قال ابن أبي نجيحٍ: سمعت مجاهدًا، يقول: السّكينة لها رأسٌ كرأس الهرّة، وجناحان.
[جامع البيان: 4/468]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، نحوه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: السّكينة لها جناحان وذنبٌ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: لها جناحان وذنبٌ مثل ذنب الهرّة.
وقال آخرون: بل هي رأس هرّةٍ ميّتةٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن وهب بن منبّهٍ، عن بعض، أهل العلم من بني إسرائيل، قال: السّكينة رأس هرّةٍ ميّتةٍ كانت إذا صرخت في التّابوت بصراخ هرٍّ أيقنوا بالنّصر وجاءهم الفتح.
وقال آخرون: إنّما هي طستٌ من ذهبٍ من الجنّة كان يغسل فيه قلوب الأنبياء.
[جامع البيان: 4/469]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا الحكم بن ظهيرٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، عن ابن عبّاسٍ، {فيه سكينةٌ من ربّكم} قال: طستٌ من ذهبٍ من الجنّة، كان يغسل فيه قلوب الأنبياء.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فيه سكينةٌ من ربّكم} السّكينة: طستً من ذهبٍ يغسل فيها قلوب الأنبياء، أعطاها اللّه موسى، وفيها وضع الألواح؛ وكانت الألواح فيما بلغنا من درٍّ، وياقوتٍ، وزبرجدٍ.
وقال آخرون: السّكينة: روحٌ من اللّه يتكلّم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا بكّار بن عبد اللّه، قال: سألنا وهب بن منبّهٍ، فقلنا له: السّكينة؟ قال: روحٌ من اللّه يتكلّم إذا اختلفوا في شيءٍ تكلّم، فأخبرهم ببيان ما يريدون.
[جامع البيان: 4/470]
- حدّثنا محمّد بن عسكرٍ، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: حدّثنا بكّار بن عبد اللّه أنّه سمع وهب بن منبّهٍ، فذكر نحوه.
وقال آخرون: السّكينة: ما يعرفون من الآيات فيسكنون إليه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: سألت عطاء بن أبي رباحٍ، عن قوله: {فيه سكينةٌ من ربّكم} الآية. قال: أمّا السّكينة: فما تعرفون من الآيات تسكنون إليها.
وقال آخرون: السّكينة: الرّحمة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {فيه سكينةٌ من ربّكم} أي رحمةٌ من ربّكم.
وقال آخرون: السّكينة: هي الوقار.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {فيه سكينةٌ من ربّكم} أي وقارٌ.
[جامع البيان: 4/471]
وأولى هذه الأقوال بالحقّ في معنى السّكينة، ما قاله عطاء بن أبي رباحٍ، من الشّيء تسكن إليه النّفوس من الآيات الّتي تعرفونها. وذلك أنّ السّكينة في كلام العرب الفعيلة من قول القائل: سكن فلانٌ إلى كذا وكذا: إذا اطمأنّ إليه وهدأت عنده نفسه، فهو يسكن سكونًا وسكينةً، مثل قولك: عزم فلانٌ هذا الأمر عزمًا وعزيمةً، وقضى الحاكم بين القوم قضاءً وقضيّةً، ومنه قول الشّاعر:
للّه قبرٌ غالها ماذا يجنّ = لقد أجنّ سكينةً ووقارا
وإذا كان معنى السّكينة ما وصفت، فجائزٌ أن يكون ذلك على ما قاله عليّ بن أبي طالبٍ على ما روّينا عنه، وجائزٌ أن يكون ذلك على ما قاله مجاهدٌ على ما حكينا عنه، وجائزٌ أن يكون ما قاله وهب بن منبّهٍ، وما قاله السّدّيّ؛ لأنّ كلّ ذلك آياتٌ كافياتٌ تسكن إليهنّ النّفوس وتثلج بهنّ الصّدور. وإذا كان معنى السّكينة ما وصفنا، فقد اتّضح أنّ الآية الّتي كانت في التّابوت الّتي كانت النّفوس تسكن إليها لمعرفتها بصحّة أمرها إنّما هي مسمّاةٌ بالفعل، وهي غيره لدلالة الكلام عليه). [جامع البيان: 4/472]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {وبقيّةٌ} الشّيء الباقي من قول القائل: قد بقي من هذا الأمر بقيّةٌ، وهي فعليةٌ منه، نظير السّكينة من سكن.
وقوله: {ممّا ترك آل موسى وآل هارون} يعني به: من تركة آل موسى، وآل هارون.
[جامع البيان: 4/472]
واختلف أهل التّأويل في البقيّة الّتي كانت بقيت من تركتهم، فقال بعضهم: كانت تلك البقيّة عصا موسى، ورضاض الألواح.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا بشر بن المفضّل، قال: حدّثنا داود، عن عكرمة، قال: أحسبه عن ابن عبّاسٍ، أنّه قال في هذه الآية: {وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون} قال: رضاض الألواح.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن بزيعٍ، قال: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا داود، عن عكرمة، قال داود: وأحسبه عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا أبو الوليد، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن داود بن أبي هندٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في هذه الآية: {وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون} قال: عصا موسى، ورضاض الألواح.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون} قال: فكان في التّابوت عصا موسى، ورضاض الألواح، فيما ذكر لنا.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون} قال: البقيّة: عصا موسى، ورضاض الألواح.
[جامع البيان: 4/473]
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون} أما البقيّة فإنّها عصا موسى، ورضاضة الألواح.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، {وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون} عصا موسى، وأمورٌ من التّوراة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الوهّاب الثّقفيّ، عن خالدٍ الحذّاء، عن عكرمة، في هذه الآية: {وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون} قال: التّوراة، ورضاض الألواح، والعصا قال إسحاق: قال وكيعٌ: ورضاضه: كسره.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن خالدٍ، عن عكرمة، في قوله: {وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون} قال: رضاض الألواح.
وقال آخرون: بل تلك البقيّة: عصا موسى، وعصا هارون، وشيءٌ من الألواح.
[جامع البيان: 4/474]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا جابر بن نوحٍ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ: {أن يأتيكم التّابوت، فيه سكينةٌ من ربّكم وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون} قال: كان فيه عصا موسى، وعصا هارون، ولوحان من التّوراة، والمنّ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي، عن عطيّة بن سعدٍ، في قوله: {وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون} قال: عصا موسى، وعصا هارون، وثياب موسى، وثياب هارون، ورضاض الألواح.
وقال آخرون: بل هي العصا والنّعلان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: سألت الثّوريّ، عن قوله: {وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون} قال: منهم من يقول: البقيّة: قفيزٌ من من، ورضاض الألواح. ومنهم من يقول: العصا والنّعلان.
وقال آخرون: بل كان ذلك العصا وحدها.
[جامع البيان: 4/475]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا بكّار بن عبد اللّه، قال: قلنا لوهب بن منبّهٍ: ما كان فيه؟ يعني في التّابوت. قال: كان فيه عصا موسى، والسّكينة.
وقال آخرون: بل كان ذلك رضاض الألواح وما تكسّر منها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، قال ابن عبّاسٍ، في قوله: {وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون} قال: كان موسى حين ألقى الألواح تكسّرت ورفع منها، فجعل الباقي في ذلك التّابوت.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: سألت عطاء بن أبي رباحٍ، عن قوله: {وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون} العلم، والتّوراة.
وقال آخرون: بل ذلك الجهاد في سبيل اللّه.
[جامع البيان: 4/476]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبد اللّه بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون} يعني بالبقيّة: القتال في سبيل اللّه، وبذلك قاتلوا مع طالوت، وبذلك أمروا.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال: إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر عن التّابوت الّذي جعله آيةً لصدق قول نبيّه عليه السلام الذى قال لأمّته: {إنّ اللّه قد بعث لكم طالوت ملكًا} أنّ فيه سكينةً منه، وبقيّةً من تركه آل موسى وآل هارون. وجائزٌ أن تكون تلك البقيّة: العصا، وكسر الألواح، والتّوراة، أو بعضها والنّعلين، والثّياب، والجهاد في سبيل اللّه وجائزٌ أن يكون بعض ذلك. وذلك أمرٌ لا يدرك علمه من جهة الاستخراج، ولا اللّغة، ولا يدرك علم ذلك إلاّ بخبرٍ يوجب عنه العلم، ولا خبر عند أهل الإسلام في ذلك للصّفة الّتي وصفنا. وإذ كان كذلك، فغير جائزٍ فيه تصويب قولٍ وتضعيف آخر غيره، إذ كان جائزًا فيه ما قلنا من القول). [جامع البيان: 4/477]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {تحمله الملائكة}.
[جامع البيان: 4/477]
اختلف أهل التّأويل في صفة حمل الملائكة ذلك التّابوت، فقال بعضهم: معنى ذلك: تحمله بين السّماء والأرض حتّى تضعه بين أظهرهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: جاءت الملائكة بالتّابوت تحمله بين السّماء والأرض وهم ينظرون إليه، حتّى وضعته عند طالوت.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: لمّا قال لهم: يعني النّبيّ لبني إسرائيل: {واللّه يؤتي ملكه من يشاء} قالوا: فمن لنا بأنّ اللّه هو آتاه هذا، ما هو إلاّ لهواك فيه؟ قال: إن كنتم قد كذّبتموني واتّهمتموني {إنّ آية ملكه أن يأتيكم التّابوت فيه سكينةٌ من ربّكم} الآية. قال: فنزلت الملائكة بالتّابوت نهارًا ينظرون إليه عيانًا، حتّى وضعوه بين أظهرهم، فأقرّوا غير راضين، وخرجوا ساخطين. وقرأ حتّى بلغ: {واللّه مع الصّابرين}.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: لمّا قال لهم نبيّهم ما قال لهم: {إنّ اللّه اصطفاه عليكم وزاده بسطةً في العلم والجسم} قالوا: فإن كنت صادقًا، فأتنا بآيةٍ أنّ هذا ملكٌ قال {إنّ آية ملكه أن يأتيكم التّابوت فيه سكينةٌ من ربّكم وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة} وأصبح التّابوت وما فيه في دار طالوت، فآمنوا بنبوّة شمعون، وسلّموا ملك طالوت.
[جامع البيان: 4/478]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {تحمله الملائكة} قال: تحمله حتّى تضعه في بيت طالوت.
وقال آخرون: معنى ذلك: تسوق الملائكة الدّوابّ الّتي تحمله.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن بعض، أشياخهم، قال: تحمله الملائكة على عجلةٍ، على بقرةٍ.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا عبد الصّمد بن معقلٍ، أنّه سمع وهب بن منبّهٍ، يقول: وكّل بالبقرتين اللّتين سارتا بالتّابوت أربعةٌ من الملائكة يسوقونهما، فسارت البقرتان بهما سيرًا سريعًا حتّى إذا بلغتا طرف القدس ذهبتا.
وأولى القولين في ذلك بالصّواب، قول من قال: حملت التّابوت الملائكة حتّى وضعته نهارا في دار طالوت بين أظهر بني إسرائيل؛ وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره قال: {تحمله الملائكة} ولم يقل: تأتي به الملائكة وما جرّته البقر على عجلٍ.
[جامع البيان: 4/479]
وإن كانت الملائكة هي سائقتها، فهي غير حاملته؛ لأنّ الحمل المعروف هو مباشرة الحامل بنفسه حمل ما حمل، فأمّا ما حمله على غيره وإن كان جائزًا في اللّغة أن يقال في حمله بمعنى معونته الحامل، أو بأنّ حمله كان عن سببه، فليس سبيله سبيل ما باشر حمله بنفسه في تعارف النّاس إيّاه بينهم؛ وتوجيه تأويل القرآن إلى الأشهر من اللّغات أولى من توجيهه إلى الأنكر ما وجد إلى ذلك سبيلٌ). [جامع البيان: 4/480]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ في ذلك لآيةً لكم إن كنتم مؤمنين}.
يعني تعالى ذكره بذلك أنّ نبيّه أشمويل قال لبني إسرائيل: إنّ في مجيئكم التّابوت فيه سكينةٌ من ربّكم وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون، حاملته الملائكة {لآيةً لكم} يعني لعلامةً لكم ودلالةً أيّها النّاس على صدقي فيما أخبرتكم أنّ اللّه بعث لكم طالوت ملكًا إن كنتم قد كذّبتموني فيما أخبرتكم به من تمليك اللّه إيّاه عليكم واتّهمتموني في خبري إيّاكم بذلك {إن كنتم مؤمنين} يعني بذلك: إن كنتم مصدّقيّ عند مجيء الآية الّتي سألتمونيها على صدقي فيما أخبرتكم به من أمر طالوت وملكه.
وإنّما قلنا ذلك معناه؛ لأنّ القوم قد كانوا كفروا باللّه في تكذيبهم نبيّهم، وردّهم عليه قوله: {إنّ اللّه قد بعث لكم طالوت ملكًا} بقولهم: {أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالملك منه}
[جامع البيان: 4/480]
وفي مسألتهم إيّاه الآية على صدقه. فإذ كان ذلك منهم كفرًا، فغير جائزٍ أن يقال لهم وهم كفّارٌ لكم في مجيء التّابوت آيةٌ إن كنتم من أهل الإيمان باللّه ورسوله وليسوا من أهل الإيمان باللّه ولا برسوله، ولكنّ الأمر في ذلك على ما وصفنا من معناه، لأنّهم سألوا الآية على صدق خبره إيّاهم ليقرّوا بصدقه، فقال لهم في مجيء التّابوت على ما وصفه لهم آيةٌ لكم إن كنتم عند مجيئه كذلك مصدّقيّ بما قلت لكم وأخبرتكم به). [جامع البيان: 4/481]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وقال لهم نبيّهم إنّ آية ملكه أن يأتيكم التّابوت فيه سكينةٌ من ربّكم وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إنّ في ذلك لآيةً لكم إن كنتم مؤمنين (248)
قوله تعالى وقال لهم نبيّهم إنّ آية ملكه
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ وقال لهم نبيّهم يعني: شمعون.
وبه عن السّدّيّ: قالوا: إن كنت صادقًا ائتنا بآيةٍ، أنّ هذا ملكٌ، قال لهم نبيّهم شمعون: إنّ آية ملكه أن يأتيكم التّابوت فيه سكينةٌ من ربّكم.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة عن ابن إسحاق أنّ آية ملكه أي: تمليكه من قبل اللّه عزّ وجلّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/467]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: أن يأتيكم التّابوت
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أبنا عبد الرّزّاق أبنا بكّار بن عبد اللّه، قال: سألنا وهب بن منبّهٍ عن تابوت موسى، ما كان فيها وما كانت؟ قال: كانت نحوًا من ثلاثة أذرعٍ في ذراعين.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: إنّ آية ملكه أن يأتيكم التّابوت قال: فأصبح التّابوت وما فيه في دار طالوت فآمنوا بنبوّة شمعون، وسلّموا الملك لطالوت.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه عن الربع قوله: أن يأتيكم التّابوت قال: وكان موسى فيما ذكر لنا، ترك التّابوت عند فتاه يوشع بن نونٍ، وهو في البرّيّة، فذكر لنا أنّ الملائكة حملته من البرّيّة حتّى وضعته في دار طالوت، فأصبح التّابوت في داره.
[تفسير القرآن العظيم: 2/467]
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، ثنا سلمة عن ابن إسحاق أن يأتيكم التّابوت فيه قال: فيردّ عليكم. والّذي فيه من السّكينة، ومن بقيّةٍ مّا ترك آل موسى وآل هارون، وهو الّذي تهزمون به من لقيتم من العدوّ الّذين أصابوا التّابوت، أسفل من الجبل- جبل إيليا- فيما بينهم وبين مصر وكانوا أصحاب أوثانٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/468]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فيه سكينةٌ من ربكم
[الوجه الأول]
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال:
سمعت البراء يقول: بينما رجلٌ يقرأ سورة الكهف ليلةً إذ رأى دابّته تركض، أو قال فرسه يركض، فنظر، فإذا مثل الضّبابة أو مثل الغمامة. فذكر لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: تلك السّكينة، نزلت للقرآن، أو تنزّلت للقرآن.
- حدّثنا أبي ثنا عبدة بن سليمان ابنا ابن المبارك، ابنا نحيى بن أيّوب، عن عبيد اللّه بن زحرٍ، عن سعد بن مسعودٍ، أن ّرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان في مجلسٍ فرفع نظره إلى السّماء ثمّ طأطأ نظره، ثمّ رفعه. فسئل رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: إنّ هؤلاء القوم كانوا يذكرون اللّه- يعني أهل مجلسٍ أمامه- فنزلت عليهم السّكينة تحملها الملائكة كالقبّة، فلمّا دنت منهم تكلّم رجلٌ بباطلٍ فرفعت عنهم.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ، ثنا سفيان، عن مسعرٍ، عن سلمة بن كهيلٍ، عن أبي الأحوص، عن عليٍّ: قال: السّكينة لها وجهٌ كوجه الإنسان، وهي بعد ريحٌ هفّافةٌ.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، أبنا بشرٌ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قوله: أن يأتيكم التّابوت فيه سكينةٌ من ربّكم قال: السّكينة دابّةٌ قدر الهرّ لها عينان، لهما شعاعٌ، وكان إذا التقى الجمعان أخرجت يديها ونظرت إليهم، فيهزم الجيش من ذلك، من الرعب.
[تفسير القرآن العظيم: 2/468]
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقري، ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: السّكينة لها وجهٌ كوجه الهرّ وجناحان.
وروي عن أبي مالكٍ في إحدى الرّوايات، نحو هذا.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ الّتي ألقي فيها الألواح.
- حدّثنا الحسن بن عليّ بن مهران المتّوثيّ، ثنا هشام بن عبيد اللّه ثنا ابن المبارك، عن عيسى بن عمر، عن السّدّيّ، في قوله فيه سكينةٌ من ربّكم قال: طستٌ من ذهبٍ، يغسل فيه قلوب الأنبياء.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أبنا عبد الرّزّاق أبنا بكّار بن عبد اللّه، قال: سألنا وهب بن منبّهٍ عن السّكينة فقلنا له: ما لسكينة؟ قال: روحٌ من اللّه يتكلّم، إذا اختلفوا في شيءٍ، تكلّم فأخبرهم ببيان ما يريدون.
الوجه الرابع
- حدثنا سعدان بن يزيد بسامرا، ثنا الهيثم بن جميلٍ ثنا عبّاد بن العوّام، عن سفيان بن حسينٍ، عن الحسن، في قوله: فيه سكينة من ربكم قال: شيءٌ يسكن اللّه قلوبهم، يعني ما يعرفون من الآيات، يسكنون إليه. وروي عن عطاءٍ، نحو ذلك.
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: السّكينة: هي الرّحمة.
[تفسير القرآن العظيم: 2/469]
وروي عن الرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
والوجه السّادس:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أبنا عبد الرازق عن معمرٍ، عن قتادة، في قوله: سكينةٌ أي: وقارٌ.
والوجه السّابع:
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن خالدٍ الخلال، ثنا الحسن بن بشرٍ ثنا أسباط بن نصرٍ، عن ميسرة، عن عكرمة في قول اللّه عزّ وجلّ يأتيكم التّابوت فيه سكينةٌ من ربّكم قال: السّكينة: عصى موسى). [تفسير القرآن العظيم: 1/470]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي ثنا حفص بن قيسٍ الدّارميّ، ثنا مسلمة بن علقمة ثنا داود ابن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قول اللّه: وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون قال: البقيّة: رضاض الألواح، وروي عن عكرمة والسّدّيّ نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا يعلى بن عبيدٍ، عن إسماعيل، عن أبي صالحٍ، قال: كان في التّابوت، عصا موسى وعصا هارون، ثياب موسى وثياب هارون ولوحان من التّوراة، والمنّ.
- حدّثنا أبي ثنا يوسف بن موسى القطّان، ثنا مهران الرازي، ثنا إسماعيلين أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ، نحوه، وزاد فيه: وكلمة الفرج: لا إله إلا اللّه الحليم الكريم، وسبحان اللّه ربّ السّماوات السّبع، وربّ العرش العظيم، والحمد للّه ربّ العالمين.
[تفسير القرآن العظيم: 2/470]
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن منيبٍ، ثنا الفضل بن خالدٍ، ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك بن مزاحمٍ قال: في قوله: وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون يعني بالبقيّة: القتال في سبيل اللّه، وبذلك قاتلوا مع طالوت، وبذلك أمروا.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أبنا عبد الرّزّاق قال سألت الثّوريّ، عن قوله: وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون قال منهم من يقول: البقيّة:
قفيزٌ من من ورفاض الألواح، ومنهم من يقول: العصيّ والنّعلان). [تفسير القرآن العظيم: 1/471]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: تحمله الملائكة
- حدثنا الحسن بن الرّبيع، أبنا عبد الرّازّق ثنا عبد الصّمد بن معقلٍ، أنّه سمع وهب بن منبّهٍ يقول: أوحى اللّه إلى نبيٍّ من الأنبياء إمّا دانيال أو غيره، إن كنتم تريدون أن يرفع عنكم المرض، فأخرجوا عنكم هذا التّابوت. قالوا: بآية ماذا؟
قال بآية أنّكم تأتون ببقرتين صعبتين لم يعملا عملا قطّ. فإذا نظرتم إليهما، وضعتم أعناقهما للنّير حتّى يشدّ عليهما، ثم يشد التابوب على عجلٍ، ثمّ يعلّق على البقرتين، ثمّ تخلّيان فتسيران حيث يريد اللّه أن يبلغهما. ففعلوا ذلك، ووكّل بهما أربعةً من الملائكة يسوقونهما، فسارت البقرتان بها سيرًا سريعًا، حتّى إذا بلغتا طرف القدس كسرتا نيرهما، وقطعت حبالهما، وذهبتا. فنزل إليهما داود ومن معه، فلمّا رأى داود التّابوت حجل إليها فرحًا بها قال: فقلنا لوهبٍ: ما حجل إليها؟ قال:
مشتبهًا بالرّقص
[تفسير القرآن العظيم: 2/471]
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أبنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ عن قتادة تحمله الملائكة قال: تحمله حتّى تضعه في بيت طالوت. وروي عن الرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك
وبه إلى عبد الرّزّاق، أبنا الثّوريّ، عن بعض أشياخهم، قال تحمله الملائكة قال: تسوقه على عجلةٍ على بقرةٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/472]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: إنّ في ذلك
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحى بن عبد اللّه، حدّثنا ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: ذلك يعني: هذا). [تفسير القرآن العظيم: 1/472]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: لآية لكم
- حدثنا أبو سعيد بن نحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا أبو أسامة، حدّثني سفيان، عن سماكٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ إنّ في ذلك لآيةً قال: علامةً). [تفسير القرآن العظيم: 1/472]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: لكم
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أبنا أبو غسّان، ثنا سلمة، قال محمّد بن إسحاق إنّ في ذلك لآيةً لكم أي رسول اللّه إليكم إن كنتم مؤمنين
- حدّثنا أبو زرعة، حدثنا يحي، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاءٌ عن سعيد في قول اللّه مؤمنين قال: مصدّقين). [تفسير القرآن العظيم: 1/472]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {فيه سكينةٌ من ربّكم} [البقرة: 248].
- عن عليٍّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «السّكينة ريحٌ حجوجٌ».
رواه الطّبرانيّ في الأوسط، وفيه من لم أعرفهم). [مجمع الزوائد: 6/321]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين.
أخرج ابن المنذر من طريق الزهري عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال: أمرني عثمان بن عفان أن أكتب له مصحفا فقال: إني جاعل معك رجلا لسنا فصيحا فما جتمعتما عليه فاكتباه وما اختلفتما فيه فارفعا إلي، قال زيد: فقلت أنا: التابوه، وقال أبان بن سعيد: التابوت، فرفعاه إلى عثمان فقال: التابوت فكتبت.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد عن عمرو بن دينار، أن عثمان بن عفان أمر فتيان المهاجرين والأنصار أن يكتبوا المصاحف قال: فما اختلفتم فيه فاجعلوه بلسان قريش، فقال المهاجرون: التابوت، وقال الأنصار: التابوه، فقال عثمان: اكتبوه بلغة المهاجرين، التابوت
[الدر المنثور: 3/141]
وأخرج ابن سعد والبخاري والترمذي والنسائي، وابن أبي داود، وابن الأنباري معا في المصاحف، وابن حبان والبيهقي في "سننه" من طريق الزهري عن أنس بن مالك، أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في قرى أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فرأى حذيفة اختلافهم في القرآن فقال لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب كما اختلف اليهود والنصارى فأرسل إلى حفصة أن أرسلي إلي بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت حفصة إلى عثمان بالصحف فأرسل عثمان إلى زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام وعبد الله بن الزبير: أن انسخوا الصحف في
المصاحف وقال للرهط القرشيين الثلاثة: ما اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانها، قال الزهري: فاختلفوا يومئذ في التابوت والتابوه، فقال النفر القرشيون: التابوت، وقال زيد: التابوه، فرفع اختلافهم إلى عثمان فقال: اكتبوا التابوت فإنه بلسان قريش أنزل.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن وهب بن منبه، أنه سئل عن تابوت
[الدر المنثور: 3/142]
موسى ما سعته قال: نحو من ثلاثة أذرع في ذراعين). [الدر المنثور: 3/143]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {فيه سكينة من ربكم}.
أخرج ابن المنذر، وابن ابي حاتم عن ابن عباس قال: السكينة الرحمة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: السكينة الطمأنينة.
أخرج ابن المنذر، وابن ابي حاتم عن ابن عباس قال: السكينة دابة قدر الهر لها عينان لهما شعاع وكان إذا التقى الجمعان أخرجت يديها ونظرت إليهم فيهزم الجيش من الرعب.
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند فيه من لا يعرف من طريق خالد بن عرعرة عن علي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال السكينة ريح خجوج.
وأخرج ابن جرير من طريق خالد بن عرعرة، عن علي، قال: السكينة ريح خجوج ولها رأسان.
وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وابن عساكر والبيهقي في الدلائل من طريق أبي الأحوص، عن علي، قال: السكينة لها وجه كوجه الإنسان ثم
[الدر المنثور: 3/143]
هي بعد ريح هفافة.
وأخرج سفيان بن عينية، وابن جرير من طريق سلمة بن كهيل عن علي في قوله {فيه سكينة من ربكم} قال: ريح هفافة لها صورة ولها وجه كوجه الإنسان.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن عساكر عن سعد بن مسعود الصدفي أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان في مجلس فرفع نظره إلى السماء ثم طأطأ نظره ثم رفعه فسئل عن ذلك فقال: إن هؤلاء القوم الذين كانوا يذكرون الله - يعني أهل مجلس أمامه - فنزلت عليهم السكينة تحملها الملائكة كالقبة فلما دنت منهم تكلم رجل منهم بباطل فرفعت عنهم.
وأخرج سفيان بن عينية، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي في
الدلائل عن مجاهد قال: السكينة من الله كهيئة الريح لها وجه كوجه الهر وجناحان وذنب مثل ذنب الهر.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير من طريق أبي
[الدر المنثور: 3/144]
مالك عن ابن عباس {فيه سكينة من ربكم} قال: طست من ذهب من الجنة كان يغسل فيها قلوب الأنبياء ألقى موسى فيها الألواح.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن ابي حاتم عن وهب بن منبه، أنه سئل عن السكينة فقال: روح من الله تتكلم إذا اختلفوا في شيء تكلم فأخبرهم ببيان ما يريدون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن {فيه سكينة} قال: فيه شيء تسكن إليه قلوبهم يعني ما يعرفون من الآيات يسكنون إليه.
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة {فيه سكينة} أي وقار.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وبقية مما ترك آل موسى} قال: عصاه ورضاض الألواح.
وأخرج وكيع وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير عن أبي صالح قال: كان في التابوت عصا موسى وعصا هارون وثياب موسى وثياب هارون ولوحان من التوراة والمن وكلمة الفرج لا إله إلا الله الحليم
[الدر المنثور: 3/145]
الكريم وسبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين.
وأخرج إسحاق بن بشر في المبتدأ، وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: البقية رضاض الألواح وعصا موسى وعمامة هارون وقباء هارون الذي كان فيه علامات الأسباط وكان فيه طست من ذهب فيه صاع من من الجنة وكان يفطر عليه يعقوب، أما السكينة فكانت مثل رأس هرة من زبرجدة خضراء.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة في قوله {تحمله الملائكة} قال: أقبلت به الملائكة تحمله حتى وضعته في بيت طالوت فأصبح في داره.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {إن في ذلك لآية} قال: علامة). [الدر المنثور: 3/146]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 9 جمادى الأولى 1434هـ/20-03-2013م, 07:27 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ابعث لنا ملكاً نّقاتل في سبيل اللّه...}
{نقاتل} مجزومة لا يجوز رفعها. فإن قرئت بالياء "يقاتل" جاز رفعها وجزمها. فأمّا الجزم فعلى المجازاة بالأمر، وأمّا الرفع فإن تجعل (يقاتل) صلة للملك؛ كأنك قلت: ابعث لنا الذي يقاتل.
فإذا رأيت بعد الأمر اسما نكرة بعده فعل يرجع بذكره أو يصلح في ذلك الفعل إضمار الاسم، جاز فيه الرفع والجزم؛ تقول في الكلام: علّمني علما أنتفع به، كأنك قلت: علمني الذي أنتفع به، وإن جزمت (أنتفع) على أن تجعلها شرطا للأمر وكأنك لم تذكر العلم جاز ذلك. فإن ألقيت "به" لم يكن إلا جزما؛ لأن الضمير لا يجوز في (انتفع)؛ ألا ترى أنك لا تقول: علّمني علما انتفعه.
فإن قلت: فهلاّ رفعت وأنت تريد إضمار (به)؟
قلت: لا يجوز إضمار حرفين، فلذلك لم يجز في قوله (نقاتل) إلا الجزم.
ومثله
{اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً يخل لكم وجه أبيكم} لا يجوز إلا الجزم لأن "يخل" لم يعد بذكر الأرض، ولو كان "أرضا تخل لكم" جاز الرفع والجزم؛ كما قال: {ربّنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم} وكما قال الله تبارك وتعالى: {خذ من أموالهم
صدقة تطهّرهم وتزكّيهم} ولو كان جزما كان صوابا؛ لأن في قراءة عبد الله "أنزل علينا مائدة من السماء تكن لنا عيدا" وفي قراءتنا بالواو "تكون".
ومنه ما يكون الجزم فيه أحسن؛ وذلك بأن يكون الفعل الذي قد يجزم ويرفع في آية،
والاسم الذي يكون الفعل صلة له في الآية التي قبله، فيحسن الجزم لانقطاع الاسم من صلته؛ من ذلك:
{فهب لي من لدنك وليّاً. يرثني} جزمه يحيى ابن وثّاب والأعمش -
ورفعه حمزة "يرثني" لهذه العلّة، وبعض القراء رفعه أيضا - لمّا كانت
{وليا} رأس آية انقطع منها قوله {يرثني}، فحسن الجزم.
ومن ذلك قوله:
{وابعث في المدائن حاشرين. يأتوك} على الجزم. ولو كانت رفعا على صلة "الحاشرين" قلت: يأتوك.

فإذا كان الاسم الذي بعده فعل معرفةً يرجع بذكره، مما جاز في نكرته وجهان جزمت فقلت: ابعث إليّ أخاك يصب خبرا، لم يكن إلا جزما؛ لأن الأخ معرفة والمعرفة لا توصل. ومنه قوله: {أرسله معنا غداً يرتع ويلعب} الهاء معرفة و"غدا" معرفة فليس فيه إلا الجزم، ومثل قوله: {قاتلوهم يعذّبهم الله} جزم لا غير.
ومن هذا نوع إذا كان بعد معرفته فعلٌ لها جاز فيه الرفع والجزم؛ مثل قوله: {فذروها تأكل في أرض الله} وقوله: {ذرهم يأكلوا} ولو كان رفعا لكان صوابا؛ كما قال تبارك وتعالى: {ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون} ولم يقل: يلعبوا. فأمّا رفعه فأن تجعل "يلعبون" في موضع نصب كأنك قلت في الكلام: ذرهم لاعبين.
وكذلك دعهم وخلّهم واتركهم.
وكلّ فعل صلح أن يقع على اسم معرفة وعلى فعله ففيه هذان الوجهان، والجزم فيه وجه الكلام؛ لأن الشرط يحسن فيه، ولأن الأمر فيه سهل، ألا ترى أنك تقول: قل له فليقم معك.
فإن رأيت الفعل الثاني يحسن فيه محنة الأمر ففيه الوجهان بمذهب كالواحد، وفي إحدى القراءتين: "ذرهم يأكلون ويتمتّعون ويلهيهم الأمل".

وفيه وجه آخر يحسن في الفعل الأوّل من ذلك: أوصه يأت زيدا، أو مره، أو أرسل إليه فهذا يذهب إلى مذهب القول، ويكون جزمه على شبيه بأمر ينوى له مجدّدا.
وإنما يجزم على أنه شرط لأوّله. من ذلك قولك: مر عبد الله يذهب معنا؛ ألا ترى أن القول يصلح أن يوضع في موضع (مر)، وقال الله تبارك وتعالى:
{قل للّذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيّام الله} فـ "يغفروا" في موضع جزم، والتأويل - والله أعلم -: قل للذين آمنوا اغفروا، على أنه شرط للأمر فيه تأويل الحكاية.
ومثله:
{قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} فتجزمه بالشرط "قل"، وقال قوم: بنيّه الأمر في هذه الحروف: من القول والأمر والوصيّة. قيل لهم: إن كان جزم على الحكاية فينبغي لكم أن تقولوا للرجل في وجهه: قلت لك تقم، وينبغي أن تقول: أمرتك تذهب معنا، فهذا دليل على أنه شرط للأمر.

فإن قلت: فقد قال الشاعر:
فلا تستطل منّي بقائي ومدّتي * ولكن يكن للخير فيك نصيب
قلت: هذا مجزوم بنيّة الأمر؛ لأن أوّل الكلام نهي، وقوله (ولكن) نسق وليست بجواب. فأراد: ولكن ليكن للخير فيك نصيب. ومثله قول الآخر:
من كان لا يزعم أنى شاعر * فيدن مني تنهه المزاجر
فجعل الفاء جوابا للجزاء، وضّمن (فيدن) لاما يجزم [بها]. وقال الآخر:
فقلت ادعي وأدع فإنّ أندى * لصوتٍ أن ينادي داعيان
أراد: ولأدع.
وفي قوله (وأدع) طرف من الجزاء وإن كان أمرا قد نسق أوّله على آخره. وهو مثل قول الله عزّ وجلّ:
{اتّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم} والله أعلم. وأما قوله: {ذروني أقتل موسى وليدع ربّه} فليس تأويل جزاء، إنما هو أمر محض؛ لأن إلقاء الواو وردّه إلى الجزاء (لا يحسن فليس إلى الجزاء)؛ ألا ترى أنه لا يحسن أن تقول ذروني أقتله يدع؛ كما حسن "اتّبعوا سبيلنا تحمل خطاياكم"، والعرب لا تجازي بالنهي كما تجازي بالأمر، وذلك أن النهي يأتي بالجحد، ولم تجاز العرب بشيء من الجحود، وإنما يجيبونه بالفاء وألحقوا النهي إذا كان بلا، بليس وما وأخواتهن من الجحود.
فإذا رأيت نهيا بعد اسمه فعل فارفع ذلك الفعل فتقول: لا تدعنّه يضربه، ولا تتركه يضربك. جعلوه رفعا إذ لم يكن آخره يشاكل أوّله؛ إذ كان في أوّله جحد وليس في آخره جحد، فلو قلت: لا تدعه لا يؤذك جاز الجزم والرفع؛ إذ كان أوّله كآخره؛ كما تقول في الأمر: دعه ينام، ودعه ينم؛ إذ كان لا جحد فيهما. فإذا أمرت ثم جعلت في الفعل (لا) رفعت؛ لاختلافهما
أيضا، فقلت: ايتنا لا نسيء إليك؛ كقول الله تبارك وتعالى: {وأمر أهلك بالصّلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا} [لمّا كان] أوّل الكلام أمرا وآخره نهيا فيه (لا) فاختلفا، جعلت (لا) على معنى ليس فرفعت.
ومن ذلك قوله تبارك وتعالى:
{فقاتل في سبيل الله لا تكلّف إلاّ نفسك}
وقوله: {يأيّها الّذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم} رفع،
ومنه قوله:
{فاجعل بيننا وبينك موعداً لا نخلفه} ترفع، ولو نويت الجزاء لجاز في قياس النحو.
وقد قرأ يحيى بن وثّاب وحمزة: "فاضرب لهم طريقا في البحر يبساً لا تخف دركا ولا تخشى" بالجزاء المحض.

فإن قلت: فكيف أثبتت الياء في (تخشى)؟ قلت: في ذلك ثلاثة أوجه؛
1- إن شئت استأنفت "ولا تخشى" بعد الجزم،
2- وإن شئت جعلت (تخشى) في موضع جزم وإن كانت فيها الياء؛ لأن من العرب من يفعل ذلك؛ قال بعض بني عبس:

ألم يأتيك والأنباء تنمي * بما لاقت لبون بني زياد
فأثبتت الياء في (يأتيك) وهي في موضع جزم؛ لأنه رآها ساكنة، فتركها على سكونا؛ كما تفعل بسائر الحروف. وأنشدني بعض بني حنيفة:
قال لها من تحتها وما استوى * هزّي إليك الجذع يجنيك الجنى
وكان ينبغي أن تقول: يجنك. وأنشدني بعضهم في الواو:
هجوت زبّان ثم جئت معتذرا * من سبّ زبّان لم تهجو ولم تدع
والوجه الثالث: أن يكون الياء صلة لفتحة الشين؛ كما قال امرؤ القيس:
* ألا أيّها الليل الطويل ألا انجلي *
فهذه الياء ليست بلام الفعل؛ هي صلة لكسرة اللام؛ كما توصل القوافي بإعراب رويّها؛ مثل قول الأعشى:
* بانت سعاد وأمسى حبلها انقطاعا *
وقول الآخر:
* أمن أمّ أوفى دمنةٌ لم تكلمي *
وقد يكون جزم الثاني إذا كانت فيه (لا) على نيّة النهي وفيه معنىً من الجزاء؛ كما كان في قوله: {ولنحمل خطاياكم} طرف من الجزاء وهو أمر.
فمن ذلك قول الله تبارك وتعالى:
{يا أيّها النّمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان وجنوده} المعنى والله أعلم: إن؟ تدخلن حطّمتنّ، وهو نهي محض؛ لأنه لو كان جزاء لم تدخله النون الشديدة ولا الخفيفة؛ ألا ترى أنك لا تقول: إن تضربني أضربنّك إلا في ضرورة شعر؛ كقوله:

فمهما تشأ منه فزارة تعطكم * ومهما تشأ منه فزارة تمنعا). [معاني القرآن: 1/157-162]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وما لنا ألاّ نقاتل...}
جاءت (أن) في موضع، وأسقطت من آخر؛ فقال في موضع آخر: {وما لكم لا تؤمنون بالله والرّسول يدعوكم}، وقال في موضع آخر: {وما لنا ألاّ نتوكّل على الله} فمن ألقى (أن) فالكلمة على جهة العربيّة التي لا علة فيها، والفعل في موضع نصب؛ كقول الله - عزّ وجل -: {فما للّذين كفروا قبلك مهطعين} وكقوله: {فما لكم في المنافقين فئتين} فهذا وجه الكلام في قولك: مالك؟ وما بالك؟ وما شأنك: أن تنصب فعلها إذا كان اسما، وترفعه إذا كان فعلا أوّله الياء أو التاء أو النون أو الألف؛ كقول الشاعر:
* مالك ترغين ولا ترغو الخلف *
الخلفة: التي في بطنها ولدها.
وأما إذا قال (أن) فإنه مما ذهب إلى المعنى الذي يحتمل دخول (أن)؛ ألا ترى أن قولك للرجل: مالك لا تصلي في الجماعة؟ بمعنى: ما يمنعك أن تصلي، فأدخلت (أن) في (مالك) إذ وافق معناها معنى المنع والدليل على ذلك قول الله عزّ وجلّ: {ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك} وفي موضع آخر: {مالك ألاّ تكون مع الساجدين} وقصة إبليس واحدة، فقال فيه بلفظين ومعناهما واحد وإن اختلفا. ومثله ما حمل على معنى هو مخالف لصاحبه في اللفظ قول الشاعر:
يقول إذا اقلولى عليها وأقردت * ألا هل أخو عيشٍ لذيذ بدائم
فأدخل الباء في (هل) وهي استفهام، وإنما تدخل الباء في ما الجحد؛ كقولك: ما أنت بقائل. فلمّا كانت النيّة في (هل) يراد بها الجحد أدخلت لها الباء.
ومثله قوله في قراءة عبد الله "كيف يكون للمشركين عهدٌ": ليس للمشركين. وكذلك قول الشاعر:

فاذهب فأيّ فتىً في الناس أحرزه * من يومه ظلمٌ دعج ولا جبل
(رد عليه بلا) كأن معنى أي فتى في الناس أحرزه معناه: ليس يحرز الفتى من يومه ظلم دعج ولا جبل.
وقال الكسائي: سمعت العرب تقول: أين كنت لتنجو مني! لأن المعنى: ما كنت لتنجو مني، فأدخل اللام في (أين) لأن معناها جحد: ما كنت لتنجو مني.
وقال الشاعر:

فهذي سيوف يا صديّ بن مالك * كثير ولكن أين بالسيف ضارب
أراد: ليس بالسيف ضارب، ولو لم يرد (ليس) لم يجز الكلمة؛ لأن الباء من صلة (ضارب) ولا تقدّم صلة اسم قبله؛ ألا ترى أنك لا تقول: ضربت بالجارية كفيلا، حتى تقول: ضربت كفيلا بالجارية.
وجاز أن تقول: ليس بالجارية كفيل؛ لأن (ليس) نظيرة لـ (ما)؛ لأنها لا ينبغي لها أن ترفع الاسم كما أن (ما) لا ترفعه.

وقال الكسائي في إدخالهم (أن) في (مالك): هو بمنزلة قوله: "مالكم في ألا تقاتلوا" ولو كان ذلك على ما قال لجاز في الكلام أن تقول: مالك أن قمت، ومالك أنك قائم؛ لأنك تقول: في قيامك، ماضيا ومستقبلا، وذلك غير جائز؛ لأن المنع إنما يأتي بالاستقبال؛ تقول: منعتك أن تقوم، ولا تقول: منعتك أن قمت. فلذلك جاءت في (مالك) في المستقبل ولم تأت في دائم ولا ماض فذلك شاهد على اتفاق معنى مالك وما منعك.
وقد قال بعض النحويين: هي مما أضمرت فيه الواو، حذفت من نحو قولك في الكلام: مالك ولأن تذهب إلى فلان؟ فألقى الواو منها؛ لأن (أن) حرف ليس بمتمكن في الأسماء.

فيقال: أتجيز أن أقول: مالك أن تقوم، ولا أجيز: مالك القيام [فقال]: لأن القيام اسم صحيح و(أن) اسم ليس بالصحيح. واحتجّ بقول العرب: إياك أن تتكلم، وزعم أن المعنى إياك وأن تتكلم.
فردّ ذلك عليه أن العرب تقول: إياك بالباطل أن تنطق، فلو كانت الواو مضمرة في (أن) لم يجز لما بعد الواو من الأفاعيل أن تقع على ما قبلها؛ ألا ترى أنه غير جائز أن تقول: ضربتك بالجارية وأنت كفيل، تريد: وأنت كفيل بالجارية، وأنك تقول: رأيتك وإيّانا تريد، ولا يجوز رأيتك إيّانا وتريد؛ قال الشاعر:

فبح بالسرائر في أهلها * وإيّاك في غيرهم أن تبوحا
فجاز أن يقع الفعل بعد (أن) على قوله (في غيرهم)، فدلّ ذلك على أن إضمار الواو في (أن) لا يجوز.
وأمّا قول الشاعر: * فإياك المحاين أن تحينا *
فإنه حذّره فقال: إياك، ثم نوى الوقفة، ثم استأنف (المحاين) بأمر آخر، كأنه قال: احذر المحاين، ولو أراد مثل قوله: (إيّاك والباطل) لم يجز إلقاء الواو؛ لأنه اسم أتبع اسما في نصبه، فكان بمنزلة قوله في [غير] الأمر: أنت ورأيك وكلّ ثوب وثمنه، فكما لم يجز أنت رأيك، أو كلّ ثوب ثمنه فكذلك لا يجوز: (إيّاك الباطل) وأنت تريد: إيّاك والباطل). [معاني القرآن: 1/163-166]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {الملإ من بني إسرائيل}: وجوههم، وأشرافهم، ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجعوا من بدر سمع رجلاً من الأنصار يقول: إنما قتلنا عجائز صلعاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((أولئك الملأ من قريشٍ لو احتضرت فعالهم))، أي: حضرت، احتقرت فعالك مع فعالهم). [مجاز القرآن: 1/77]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {هل عسيتم}: هل تعدون أن تفعلوا ذلك). [مجاز القرآن: 1/77]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبيٍّ لّهم ابعث لنا ملكاً نّقاتل في سبيل اللّه قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألاّ تقاتلوا قالوا وما لنا ألاّ نقاتل في سبيل اللّه وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلمّا كتب عليهم القتال تولّوا إلاّ قليلاً مّنهم واللّه عليمٌ بالظّالمين}
قال: {وما لنا ألاّ نقاتل في سبيل اللّه} فـ{أن} ههنا زائدة كما زيدت بعد "فلما" و"لما" و"لو" فهي تزاد في هذا المعنى كثيرا. ومعناه "ومالنا لا نقاتل" فأعمل "أن" وهي زائدة كما قال: "ما أتاني من أحدٍ" فأعمل "من" وهي زائدة قال الفرزدق:
لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها = إليّ لامت ذوو أحسابها عمرا
المعنى: لو لم تكن غطفان لها ذنوب. و"لا" زائدة وأعملها). [معاني القرآن: 1/147]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل} فإنهم يقولون: الملأ الوجوه والأشراف، وقالوا أيضًا: أبا إلا ملأ أي غلبًا، ويقال: إنه لحسن الملإ يا هذا؛ أي حسن الخلق، وقال ابن عباس رحمه الله: الملأ: الرجال الرؤساء، ومن هذا اللفظ: ملأت الإناء، وما كان من لفظ ملأت.
وقوله عز وجل {هل عسيتم} ومن قال {فهل عسيتم} فهي لغة قليلة، و{عسيتم} الكثيرة؛ فإذا قلت: فعسى أن تفعلوا؛ فعسى عاملة في "أن تفعلوا"؛ كأنه في التمثيل إاذ مثلته: عسي الفعل، وإن كان لا يستعمل؛ وإذا قلت: عسيتم أن تفعلوا، وعسيتما أن تفعلا للاثنين، كانت عسى رافعة للأسماء المضمرة فيها؛ و"أن تفعلوا" في موضع نصب، كأنه قال: عسيتم للفعل، كقولك: قربتم من الفعل). [معاني القرآن لقطرب: 371]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({الملأ من بني إسرائيل}: وجوههم وأشرافهم). [تفسير غريب القرآن: 92]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبيّ لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل اللّه قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألّا تقاتلوا قالوا وما لنا ألّا نقاتل في سبيل اللّه وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلمّا كتب عليهم القتال تولّوا إلّا قليلا منهم واللّه عليم بالظّالمين}
{الملأ}: أشراف القوم ووجوههم، ويروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا من الأنصار وقد رجعوا من بدر يقول: ما قتلنا إلا عجائز ضلعا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أولئك الملاء من قريش، لو حضرت فعالهم لاحتقرت فعلك))،
والملأ في اللغة: الخلق، يقال أحسنوا ملأكم، أي: أخلاقكم قال الشاعر:

تنادوا يآل بهثة إذ رأونا... فقلنا أحسني ملأ جهينا
أي: خلقا، ويقال: أحسني ممالأة أي معاونة، ويقال رجل مليء - مهموز - أي: بين الملآء يا هذا - وأصل هذا كله في اللغة من شيء واحد.
فالملأ الرؤساء إنما سمّوا بذلك لأنهم ملء بما يحتاج إليه منهم. والملأ الذي في الخلق، إنما هو الخلق المليء بما يحتاج إليه، والملا: المتسع من الأرض غير مهموز، يكتب بالألف - والياء في قول قوم - وأما البصريون فيكتبون بالألف، قال الشاعر في الملا المقصور الذي يدل على المتسع من الأرض:
ألا غنياني وارفعا الصوت بالملا... فإن الملا عندي يزيد المدى بعدا
وقوله عزّ وجلّ: {ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل اللّه}.
الجزم في {نقاتل في سبيل اللّه} الوجه على الجواب للمسألة الّتي في لفظ الأمر، أي: ابعث لنا - ملكا نقاتل، أي: إن تبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله، ومن قرأ " ملكا يقاتل " بالياء، فهو على صفة الملك ولكن نقاتل هو الوجه الذي عليه القراء، والرفع فيه بعيد، يجوز على معنى فإنا نقاتل في سبيل الله، وكثير من النّحوّيين، لا يجيز الرفع في نقاتل. -
وقوله عزّ وجلّ: {قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألّا تقاتلوا} أي: لعلكم أن تجبنبوا عن القتال،
وقرأ بعضهم: هل عسيتم بكسر السين إن كتب عليكم القتال، وهي قراءة نافع،
وأهل اللغة كلهم يقولون عسيت أن أفعل ويختارونه، وموضع
{ألّا تقاتلوا} نصب أعني موضع " أن " لأن (أنّ) وما عملت فيه كالمصدر، إذا قلت عسيت أن أفعل ذاك فكأنك قلت عسيت فعل ذلك.

وقوله عزّ وجلّ: {قالوا وما لنا ألّا نقاتل في سبيل اللّه}.
زعم - أبو الحسن الأخفش أن " أن " ههنا زائدة - قال: المعنى وما لنا لا نقاتل في سبيل اللّه،
وقال غيره: وما لنا في ألا نقاتل في سبيل اللّه
وأسقط " في "
وقال بعض النحويين: إنما دخلت " أن" لأنّ " ما " معناه ما يمنعنا فلذلك دخلت " أن " لأن الكلام ما لك تفعل كذا وكذا.

والقول الصحيح عندي: أنّ " أن " لا تلغى ههنا، وأن المعنى وأي شي لنا في أن لا نقاتل في سبيل اللّه، أي: أي شيء لنا في ترك القتال.
{وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا}
ومعني{وأبنائنا}أي: سبيت ذرارينا.

ولكنّ " في " سقطت مع " أن " لأن الفعل مستعمل مع أن دالا على وقت معلوم،
فيجوز مع " أن " يحذف حرف الجر كما تقول: هربت أن أقول لك كذا وكذا، تريد هربت أن أقول لك كذا وكذا.

وقوله عزّ وجلّ؛ {تولّوا إلّا قليلا منهم}
{قليلا} منصوب على الاستثناء، فأما - من روى " تولوا إلا قليل منهم " فلا أعرف هذه القراءة، ولا لها عندي وجه، لأن المصحف على النصب والنحو يوجبها، لأن الاستثناء - إذا كان أول الكلام إيجابا - نحو قولك جاءني القوم إلا زيدا - فليس في زيد المستثنى إلا النصب - والمعنى تولوا أستثني قليلا منهم - وإنما ذكرت هذه لأن بعضهم روى " فشربوا منه إلا قليل منهم " وهذا عندي ما لا وجه له). [معاني القرآن: 1/325-327]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى}
قال مجاهد: هم الذين قال الله فيهم{ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم}
قال الضحاك: وأما قوله:{ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله} فذلك حين رفعت التوراة واستخرج الإيمان وسلط على بني إسرائيل عدوهم فبعث طالوت ملكا فقالوا:{أنى يكون له الملك علينا}لأن الملك كان في سبط بعينه لا يكون في غيره ولم يكن طالوت منه فلذلك وقع الإنكار). [معاني القرآن: 1/248-249]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ):{الملا}: الرؤساء من الناس). [ياقوتة الصراط: 181]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الملأ من بني إسرائيل} وجوههم وأشرافهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 42]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بسطةً في العلم والجسم}أي: زيادة، وفضلاً وكثرة.
{إنّ في ذلك لآياتٍ}: علامات، وحججاً). [مجاز القرآن: 1/77]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {وزاده بسطة في العلم} أي زيادة وفضلاً.
وقال أبو طالب:
تعلم بأن الله أعطاك بصطة = وأسباب خير كلها لك لازب
وقال الفضل بن عباس:
قد يعلم الله والأقوام بصطتنا = ولو دعوت إلهيا قومنا شهدوا
[معاني القرآن لقطرب: 371]
وقال ابن عباس رحمه الله: بصطة: فضيلة في الطول). [معاني القرآن لقطرب: 372]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وزاده بسطة في العلم والجسم}: يقال فلان بسيط اللسان).[غريب القرآن وتفسيره: 95]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وزاده بسطةً في العلم والجسم} أي: سعة في العلم والجسم. وهو من قولك: بسطت الشيء، إذا كان مجموعا: ففتحته ووسعته). [تفسير غريب القرآن: 92]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{وقال لهم نبيّهم إنّ اللّه قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إنّ اللّه اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم واللّه يؤتي ملكه من يشاء واللّه واسع عليم}أي: قد أجابكم إلى ما سألتم. من بعث ملك يقاتل، وتقاتلون معه وطالوت وجالوت وداود. لا تنصرف لأنها أسماء أعجمية، وهي معارف فاجتمع فيها شيئان - التعريف والعجمة، وأما جاموس فلو سميت به رجلا لانصرف، وإن كان عجميا لأنه قد تمكن في العربية لأنك تدخل عليه الألف واللام، فتقول الجاموس والراقود.
فعلى هذا (قياس جميع) الباب.
وقوله عزّ وجلّ: {أنّى يكون له الملك علينا} أي: من أي جهة يكون ذلك.
{ولم يؤت سعة من المال}أي: لم يؤت ما تتملّك به الملوك.
فأعلمهم اللّه أنه {اصطفاه} ومعناه: اختاره، وهو " افتعل " من الصفوة.
والأصل: اصتفاه فالتاء إذا وقعت بعد الصاد أبدلت طاء لأن التاء من مخرج الطاء، والطاء مطبقة، كما أن الصاد مطبقة، فأبدلوا الطاء من التاء، ليسهل النطق بما بعد الصاد، وكذلك افتعل من الضرب: اضطرب، ومن الظلم اظطلم، ويجوز في اظطلم وجهان آخران:
1- يجوز اطّلم بطاء مشددة غير معجمة
2- واظّلم بظاء مشددة قال زهير:

هو الجواد الذي يعطيك نائله... عفوا ويظلم أحيانا فيظطلم
و " فيطّلم " و " فيظّلم ".
أعلمهم الله أنه اختاره، وأنه قد زيد في العلم والجسم بسطة، وأعلمهم أن العلم أهو، الذي به يجب أن يقع الاختيار ليس أن اللّه - جلّ وعزّ -:
لا
يملك إلا ذا مال، وأعلم أن الزيادة في الجسم مما يهب به العدو، وأعلمهم أنه يؤتي ملكه من يشاء، وهو جلّ وعزّ لا يشاء إلا ما هو الحكمة والعدل.
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه واسع عليم}أي: يوسع على من يشاء ويعلم أين ينبغي أن تكون السعة). [معاني القرآن: 1/327-329]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({بسطة}أي: سعة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 42]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({بَسْطَـــةً}: في اللسان والعلم بالحرب). [العمدة في غريب القرآن: 92]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وقال لهم نبيّهم إنّ آية ملكه أن يأتيكم التّابوت فيه سكينةٌ مّن رّبّكم وبقيّةٌ مّمّا ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إنّ في ذلك لآيةً لّكم إن كنتم مّؤمنين}
قال: {فيه سكينةٌ مّن رّبّكم}. و"السّكينة" هي: الوقار.
وأما الحديد فهو: "السّكّين، مشدد الكاف.
وقال بعضهم: "هي السّكّين" مثلها في التشديد إلا أنّها مؤنثة فأنث. والتأنيث ليس بالمعروف وبنو قشير يقولون: "سخّين" للسكين وقال:
{وآتت كلّ واحدةٍ مّنهنّ سكّيناً}).
[معاني القرآن: 1/147]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم} فهي لغة قريش بالتاء؛ وأما التابوه فلغة الأنصار؛ وأما التابوت بالتاء فلغة عذرة.
وقوله عز وجل {سكينة من ربكم} فإنهم يقولون: عليه السكينة والوقار، على فعيلة؛ والسكينة بالتثقيل أيضًا، وحكي عن أبي السمال العدوي أنه قال: السكينة ففتح ففتح وثقل.
وقالوا: الناس على سكناتهم؛ أي على حالهم في السكون، والسكن من ذلك اللفظ، والسكون منه، والمسكين منه، يقال: إنه لمسكين بين لاسكون، وبين المسكينة؛ والمسكن والمسكن جميعًا لغتان من ذلك). [معاني القرآن لقطرب: 372]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إنّ آية ملكه} أي: علامة ملكه.
{فيه سكينةٌ} السّكينة فعيلة: من السكون.
{وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون}، يقال: شيء من المنّ الذي كان ينزل عليهم، وشيء من رضاض الألواح). [تفسير غريب القرآن: 92]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقال لهم نبيّهم إنّ آية ملكه أن يأتيكم التّابوت فيه سكينة من ربّكم وبقيّة ممّا ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إنّ في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين}أي: علامة تمليك اللّه إياه {أن يأتيكم التّابوت}.
وموضع (أن) رفع المعنى: إن آية ملكه إتيان التابوت أتاكم.
وقوله عزّ وجلّ: {فيه سكينة من ربّكم}أي: فيه ما تسكنون به إذا أتاكم، وقيل في التفسير إن السكينة لها رأس كرأس الهر من زبرجد أو ياقوت، ولها جناحان.
وقوله عزّ وجلّ: {وبقيّة ممّا ترك آل موسى وآل هارون}.
قيل في تفسيره: البقية رضاض الألواح وأن التوراة فيه وكتاب آخر جمع التوراة وعصا موسى. فهذا ما روي مما فيه، والظاهر، أن فيه (بقية) جائز أن يكون بقية من شيء من علامات الأنبياء، وجائز أن يكون البقية من العلم، وجائز أن يتضمنها جميعا.
والفائدة - كانت - في هذا التابوت أن الأنبياء - صلوات اللّه عليهم - كانت تستفتح به في الحروب، فكان التابوت يكون بين أيديهم فإذا سمع من جوفه أنين دف التابوت أي سار والجميع خلفه - واللّه أعلم بحقيقة ذلك.
وروي في التفسير: أنه كان من خشب الشمشار وكان قد غلب جالوت وأصحابه عليه فنزلهم بسببه داء، قيل هو الناسور الذي يكون في العنب فعلموا أن الآفة بسببه نزلت، فوضعوه على ثورين فيما يقال،
وقيل معنى
{تحمله الملائكة}: إنها كانت تسوق الثورين.
وجائز أن يقال في اللغة: تحمله الملائكة، وإنما كانت تسوق ما يحمله، كما تقول حملت متاعي إلى مكة، أي كنت سببا لحمله إلى مكة.

ومعنى {إنّ في ذلك لآية لكم}أي: في رجوع التابوت إليكم علامة أن الله ملك طالوت عليكم إذ أنبأكم في قصته بغيب.
{إن كنتم مؤمنين}أي: إن كنتم مصدقين). [معاني القرآن: 1/329-330]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم}
حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن سلمة بن كهيل عن أبي الأحوص عن علي قال: السكينة لها وجه كوجه الإنسان وهي بعد ريح هفافة.
وروى خالد بن عرعرة عن علي قال: أرسل الله السكينة إلى إبراهيم وهي ريح خجوج لها رأس.
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: السكينة دابة قدر الهر لها عينان لهما شعاع فإذا التقى الجمعان أخرجت يدها ونظرت إليهم فينهزم الجيش من ذلك الرعب.
وقال الضحاك: السكينة الرحمة والبقية القتال.
وروي عن ابن عباس السكينة طست من ذهب الجنة كانت تغسل فيها قلوب الأنبياء.
وروى إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح {وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون} قال: عصا موسى وثياب هارون ولوحان من التوراة.
وقال أبو مالك: السكينة طست من ذهب ألقى فيها موسى الألواح والتوراة وعصاه والبقية رضاضة الألواح التي كتب فيها التوراة.
وقرئ على عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الأزهر عن روح بن عبادة قال حدثنا محمد بن عبد الملك عن أبيه قال: قال مجاهد: أما السكينة فما تعرفون من الآيات التي تسكنون إليها قال والبقية العلم والتوراة.
وقال أبو جعفر: وهذا القول من أحسنها وأجمعها لأن السكينة في اللغة فعيلة من السكون أي آية يسكون إليها.
وبين معنى تحمله الملائكة أنه روي إن جالوت وأصحابه كان التابوت عندهم فابتلاهم الله بالناسور فعلموا أنه من أجل التابوت فحملوه على ثور فساقته الملائكة فهذا مثل قولهم حملت متاعي إلى موضع كذا
ثم قال تعالى: {إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين} أي: إن في رد التابوت بعد أن أخذه عدوكم لآية لكم إن كنتم مصدقين). [معاني القرآن: 1/249-252]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( {والسكينة} فعيلة من السكون: وهو ما تسكن إليه النفس إذا رأته.
{وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون} يقال: هي شيء من المن الذي كان ينزل، وشيء من رضاض، الألواح). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 42]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 2 جمادى الآخرة 1434هـ/12-04-2013م, 11:51 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) }
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (



فأقسمت لا أنفك أحذو قصيدةتـكــون وإيـاهــا بـهــا مــثــلا بــعــدي

...
وقد رووا: (تكونان فيها للملا مثلا بعدي). و(الملأ) الجماعة من الناس). [شرح أشعار الهذليين: 1/219]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) }

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 02:18 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 02:19 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 02:19 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 02:19 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبيٍّ لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل اللّه قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألاّ تقاتلوا } هذه الآية خبر عن قوم من بني إسرائيل نالتهم ذلة وغلبة عدو، فطلبوا الإذن في الجهاد وأن يؤمروا به، فلما أمروا كع أكثرهم وصبر الأقل، فنصرهم الله، وفي هذا كله مثال للمؤمنين يحذر المكروه منه ويقتدى بالحسن، والملإ في هذه الآية جميع القوم، لأن المعنى يقتضيه، وهذا هو أصل اللفظة.
ويسمى الأشراف الملأ تشبيها، وقوله: {من بعد موسى} معناه من بعد موته وانقضاء مدته، واختلف المتأولون في النبي الذي قيل له ابعث، فقال ابن إسحاق وغيره عن وهب بن منبه: هو سمويل بن بالي.
وقال السدي: «هو شمعون» وقال قتادة: «هو يوشع بن نون».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا قول ضعيف، لأن مدة داود هي بعد مدة موسى بقرون من الناس، ويوشع هو فتى موسى»، وكانت بنو إسرائيل تغلب من حاربها، وروي أنها كانت تضع التابوت الذي فيه السكينة والبقية في مأزق الحرب، فلا تزال تغلب حتى عصوا وظهرت فيهم الأحداث. وخالف ملوكهم الأنبياء، واتبعوا الشهوات، وقد كان الله تعالى أقام أمورهم بأن يكون أنبياؤهم يسددون ملوكهم، فلما فعلوا ما ذكرناه سلط الله عليهم أمما من الكفرة فغلبوهم وأخذ لهم التابوت في بعض الحروب فذل أمرهم. وقال السدي: «كان الغالب لهم جالوت وهو من العمالقة، فلما رأوا أنه الاصطلام وذهاب الذكر أنف بعضهم وتكلموا في أمرهم. حتى اجتمع ملأهم على أن قالوا لنبي الوقت: ابعث لنا ملكاً الآية، وإنما طلبوا ملكا يقوم بأمر القتال، وكانت المملكة في سبط من أسباط بني إسرائيل يقال لهم: «بنو يهوذا»، فعلم النبي بالوحي أنه ليس في بيت المملكة من يقوم بأمر الحرب، ويسر الله لذلك طالوت».
وقرأ جمهور الناس «نقاتل» بالنون وجزم اللام على جواب الأمر، وقرأ الضحاك وابن أبي عبلة «يقاتل» بالياء ورفع الفعل، فهو في موضع الصفة للملك. وأراد النبي المذكور عليه السلام أن يتوثق منهم فوقفهم على جهة التقرير وسبر ما عندهم بقوله هل عسيتم وقرأ نافع «عسيتم» بكسر العين في الموضعين، وفتح الباقون السين، قال أبو علي: «الأكثر فتح السين وهو المشهور»، ووجه الكسر قول العرب هو عس بذلك مثل حر وشج، وقد جاء فعل وفعل في نحو نقم ونقم، فكذلك عسيت وعسيت، فإن أسند الفعل إلى ظاهر فقياس عسيتم أن يقال عسي زيد مثل رضي، فإن قيل فهو القياس، وإن لم يقل فسائغ أن يأخذ باللغتين فيستعمل إحداهما في موضع الأخرى كما فعل ذلك في غيره، ومعنى هذه المقالة: هل أنتم قريب من التولي والفرار. إن كتب عليكم القتال؟.
قوله عز وجل: {...... قالوا وما لنا ألاّ نقاتل في سبيل اللّه وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلمّا كتب عليهم القتال تولّوا إلاّ قليلاً منهم واللّه عليمٌ بالظّالمين (246)}
المعنى وأي شيء يجعلنا ألا نقاتل وقد وترنا وأخرجنا من ديارنا؟ وقالوا هذه المقالة وإن كان القائل لم يخرج من حيث قد أخرج من هو مثله وفي حكمه، ثم أخبر الله تعالى عنهم أنهم لما فرض عليهم القتال ورأوا الحقيقة ورجعت أفكارهم إلى مباشرة الحرب تولوا، أي اضطربت نياتهم وفترت عزائمهم، وهذا شأن الأمم المتنعمة المائلة إلى الدعة، تتمنى الحرب أوقات الأنفة، فإذا حضرت الحرب كعت وانقادت لطبعها، وعن هذا المعنى نهى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاثبتوا»، ثم أخبر الله تعالى عن قليل منهم أنهم ثبتوا على النية الأولى واستمرت عزيمتهم على القتال في سبيل الله، ثم توعد الظالمين في لفظ الخبر الذي هو قوله: {واللّه عليمٌ بالظّالمين}، وقرأ أبي بن كعب «تولوا إلا أن يكون قليل منهم»).[المحرر الوجيز: 1/ 614-616]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وقال لهم نبيّهم إنّ اللّه قد بعث لكم طالوت ملكاً قالوا أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالملك منه ولم يؤت سعةً من المال قال إنّ اللّه اصطفاه عليكم وزاده بسطةً في العلم والجسم }
قال وهب بن منبه: «إنه لما قال الملأ من بني إسرائيل لسمويل بن بالي ما قالوا، سأل الله تعالى أن يبعث لهم ملكا ويدله عليه، فقال الله تعالى له: انظر إلى القرن الذي فيه الدهن في بيتك، فإذا دخل عليك رجل فنش الدهن الذي في القرن فهو ملك بني إسرائيل، فادهن رأسه منه وملكه عليهم، قال: وكان طالوت رجلا دباغا، وكان من سبط بنيامين بن يعقوب، وكان سبطا لا نبوة فيه ولا ملك، فخرج طالوت في بغاء دابة له أضلها، فقصد سمويل عسى أن يدعو له في أمر الدابة أو يجد عنده فرجا، فنش الدهن».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهو دهن القدس فيما يزعمون، قال: فقام إليه سمويل فأخذه ودهن منه رأس طالوت، وقال له: أنت ملك بني إسرائيل الذي أمرني الله بتقديمه، ثم قال لبني إسرائيل «إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا»، وطالوت اسم أعجمي معرب ولذلك لم ينصرف»، وقال السدي: «إن الله أرسل إلى شمعون عصا وقال له: من دخل عليك من بني إسرائيل فكان على طول هذه العصا فهو ملكهم، فقيس بها بنو إسرائيل فكانت تطولهم حتى مربهم طالوت في بغاء حماره الذي كان يسقي عليه، وكان رجلا سقاء، فدعوه فقاسوه بالعصا فكان مثلها، فقال لهم نبيهم ما قال، ثم إن بني إسرائيل تعنتوا وحادوا عن أمر الله تعالى، وجروا على سننهم فقالوا: أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالملك منه، أي لأنه ليس في بيت ملك ولا سبقت له فيه سابقة. ولم يؤت مالا واسعا يجمع به نفوس الرجال حتى يغلب أهل الأنفة بماله».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وترك القوم السبب الأقوى وهو قدر الله وقضاؤه السابق، وأنه مالك الملك، فاحتج عليهم نبيهم عليه السلام بالحجة القاطعة، وبيّن لهم مع ذلك تعليل اصطفائه طالوت، وأنه زاده بسطة في العلم وهو ملاك الإنسان، والجسم الذي هو معينه في الحرب وعدته عند اللقاء»، قال ابن عباس: «كان في بني إسرائيل سبطان أحدهما للنبوة والآخر للملك، فلا يبعث نبي إلا من الواحد ولا ملك إلا من الآخر، فلما بعث طالوت من غير ذلك قالوا مقالتهم»، قال مجاهد: «معنى الملك في هذه الآية الإمرة على الجيش».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «ولكنهم قلقوا لأن من عادة من تولى الحرب وغلب أن يستمر ملكا»، و «اصطفى» افتعل، مأخوذ من الصفوة، وقرأ نافع «بصطة» بالصاد، وقرأ أبو عمرو وابن كثير «بسطة» بالسين، والجمهور على أن العلم في هذه الآية يراد به العموم في المعارف، وقال بعض المتأولين: المراد علم الحرب، وأما جسمه فقال وهب بن منبه: «إن أطول رجل في بني إسرائيل كان يبلغ منكب طالوت».
قوله عز وجل:{ ... واللّه يؤتي ملكه من يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ (247) وقال لهم نبيّهم إنّ آية ملكه أن يأتيكم التّابوت }
لما علم نبيهم عليه السلام تعنتهم وجدالهم في الحجج تمم كلامه بالقطعي الذي لا اعتراض عليه، وهو قوله: {واللّه يؤتي ملكه من يشاء}، وظاهر اللفظ أنه من قول النبي لهم، وقد ذهب بعض المتأولين إلى أنه من قول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم، والأول أظهر، وأضيف ملك الدنيا إلى الله تعالى، إضافة مملوك إلى مالك، وواسعٌ معناه وسعت قدرته وعلمه كل شيء). [المحرر الوجيز: 2/5-7]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وأما قول النبي لهم: {إنّ آية ملكه} فإن الطبري ذهب إلى أن بني إسرائيل تعنتوا وقالوا لنبيهم: وما آية ملك طالوت؟ وذلك على جهة سؤال الدلالة على صدقه في قوله إن الله قد بعث.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «ويحتمل أن نبيهم قال لهم ذلك على جهة التغبيط والتنبيه على هذه النعمة التي قرنها الله بملك طالوت وجعلها آية له دون أن تعن بنو إسرائيل لتكذيب نبيهم»، وهذا عندي أظهر من لفظ الآية، وتأويل الطبري أشبه بأخلاق بني إسرائيل الذميمة، فإنهم أهل تكذيب وتعنت واعوجاج، وقد حكى الطبري معناه عن ابن عباس وابن زيد والسدي.
واختلف المفسرون في كيفية إتيان التّابوت وكيف كان بدء أمره، فقال وهب بن منبه: «كان التابوت عند بني إسرائيل يغلبون به من قاتلهم حتى عصوا فغلبوا على التابوت، وصار التابوت عند القوم الذين غلبوا، فوضعوه في كنيسة لهم فيها أصنام، فكانت الأصنام تصبح منكسة، فجعلوه في قرية قوم فأصاب أولئك القوم أوجاع في أعناقهم، وقيل: جعل في مخراة قوم فكانوا يصيبهم الناسور، فلما عظم بلاؤهم كيف كان، قالوا: ما هذا إلا لهذا التابوت فلنرده إلى بلاد بني إسرائيل، فأخذوا عجلة فجعلوا التابوت عليها وربطوها ببقرتين فأرسلوهما في الأرض نحو بلاد بني إسرائيل، فبعث الله ملائكة تسوق البقرتين حتى دخلتا به على بني إسرائيل، وهم في أمر طالوت، فأيقنوا بالنصر. وهذا هو حمل الملائكة للتابوت في هذه الرواية». وقال قتادة والربيع: «بل كان هذا التابوت مما تركه موسى عند يوشع بن نون، فجعله يوشع في البرية، ومرت عليه الدهور حتى جاء وقت طالوت. وكان أمر التابوت مشهورا عندهم في تركة موسى، فجعل الله الإتيان به آية لملك طالوت، وبعث الله ملائكة حملته إلى بني إسرائيل، فيروى أنهم رأوا التابوت في الهواء يأتي حتى نزل بينهم، وروي أن الملائكة جاءت به تحمله حتى جعلته في دار طالوت، فاستوسقت بنو إسرائيل عند ذلك على طالوت»، وقال وهب بن منبه: «كان قدر التابوت نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين»، وقرأ زيد بن ثابت «التابوه»، وهي لغته، والناس على قراءته بالتاء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وكثر الرواة في قصص التابوت وصورة حمله بما لم أر لإثباته وجها للين إسناده».
قوله عز وجل: {... فيه سكينةٌ من ربّكم وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إنّ في ذلك لآيةً لكم إن كنتم مؤمنين (248)}
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «السكينة ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان»، وروي عنه أنه قال: «هي ريح خجوج ولها رأسان»، وقال مجاهد: «السكينة لها رأس كرأس الهرة وجناحان وذنب»، وقال: «أقبلت السكينة والصرد وجبريل مع إبراهيم من الشام». وقال وهب بن منبه عن بعض علماء بني إسرائيل: «السكينة رأس هرة ميتة كانت إذا صرخت في التابوت بصراخ الهر أيقنوا بالنصر». وقال ابن عباس: «السكينة طست من ذهب من الجنة كان يغسل فيه قلوب الأنبياء»، وقاله السدي. وقال وهب بن منبه: «السكينة روح من الله يتكلم إذا اختلفوا في شيء أخبرهم ببيان ما يريدون». وقال عطاء بن أبي رباح: «السكينة ما يعرفون من الآيات فيسكنون إليها». وقال الربيع بن أنس: «سكينةٌ من ربّكم أي رحمة من ربكم»، وقال قتادة: «سكينةٌ من ربّكم أي وقار لكم من ربكم».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «والصحيح أن التابوت كانت فيه أشياء فاضلة من بقايا الأنبياء وآثارهم، فكانت النفوس تسكن إلى ذلك وتأنس به وتقوى، فالمعهود أن الله ينصر الحق والأمور الفاضلة عنده، والسكينة على هذا فعيلة مأخوذة من السكون، كما يقال عزم عزيمة وقطع قطيعة».
واختلف المفسرون في البقية ما هي؟: فقال ابن عباس: «هي عصا موسى ورضاض الألواح»، وقال الربيع: «هي عصا موسى وأمور من التوراة». وقال عكرمة: «هي التوراة والعصا ورضاض الألواح».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «ومعنى هذا ما روي من أن موسى عليه السلام لما جاء قومه بالألواح فوجدهم قد عبدوا العجل ألقى الألواح غضبا فتكسرت، فنزع منها ما بقي صحيحا وأخذ رضاض ما تكسر فجعل في التابوت». وقال أبو صالح: «البقية عصا موسى وعصا هارون ولوحان من التوراة والمن». وقال عطية بن سعد: «هي عصا موسى وعصا هارون وثيابهما ورضاض الألواح». وقال الثوري: «من الناس من يقول البقية قفيز منّ ورضاض الألواح». ومنهم من يقول: العصا والنعلان. وقال الضحّاك: «البقية الجهاد وقتال الأعداء».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «أي الأمر بذلك في التابوت، إما أنه مكتوب فيه، وإما أن نفس الإتيان به هو كالأمر بذلك، وأسند الترك إلى آل موسى وهارون من حيث كان الأمر مندرجا من قوم إلى قوم، وكلهم آل لموسى وهارون، وآل الرجل قرابته وأتباعه»، وقال ابن عباس والسدي وابن زيد: «حمل الملائكة هو سوقها التابوت دون شيء يحمله سواها حتى وضعته بين يدي بني إسرائيل وهم ينظرون إليه بين السماء والأرض»، وقال وهب بن منبه والثوري عن بعض أشياخهم: «حملها إياه هو سوقها الثورين أو البقرتين اللتين جرتا العجلة به»، ثم قرر تعالى أن مجيء التابوت آية لهم إن كانوا ممن يؤمن ويبصر بعين حقيقة ). [المحرر الوجيز: 2/7-10]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 02:19 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 02:19 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبيٍّ لهم ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل اللّه قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل اللّه وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلمّا كتب عليهم القتال تولّوا إلا قليلا منهم واللّه عليمٌ بالظّالمين (246)}
قال عبد الرّزّاق عن معمر عن قتادة: «هذا النّبيّ هو يوشع بن نون». قال ابن جريرٍ: «يعني ابن أفراثيم بن يوسف بن يعقوب». وهذا القول بعيدٌ؛ لأنّ هذا كان بعد موسى بدهر طويل، وكان ذلك في زمان داود عليه السّلام، كما هو مصرّحٌ به في القصّة وقد كان بين داود وموسى ما ينيف عن ألف سنةٍ واللّه أعلم.
وقال السّدّيّ: «هو شمعون» وقال مجاهدٌ: «هو شمويل عليه السّلام». وكذا قال محمّد بن إسحاق عن وهب بن منبّهٍ وهو: «شمويل بن بالي بن علقمة بن يرخام بن إليهو بن تهو بن صوف بن علقمة بن ماحث بن عمرصا بن عزريا بن صفنيه بن علقمة بن أبي ياسف بن قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السّلام».
وقال وهب بن منبّهٍ وغيره: «كان بنو إسرائيل بعد موسى عليه السّلام على طريق الاستقامة مدّة الزّمان، ثمّ أحدثوا الأحداث وعبد بعضهم الأصنام، ولم يزل بين أظهرهم من الأنبياء من يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويقيمهم على منهج التّوراة إلى أن فعلوا ما فعلوا فسلّط اللّه عليهم أعداءهم فقتلوا منهم مقتلةً عظيمةً، وأسروا خلقًا كثيرًا وأخذوا منهم بلادًا كثيرةً، ولم يكن أحدٌ يقاتلهم إلّا غلبوه وذلك أنّهم كان عندهم التّوراة والتّابوت الّذي كان في قديم الزّمان وكان ذلك موروثًا لخلفهم عن سلفهم إلى موسى الكليم عليه الصّلاة والسّلام فلم يزل بهم تماديهم على الضّلال حتّى استلبه منهم بعض الملوك في بعض الحروب وأخذ التّوراة من أيديهم ولم يبق من يحفظها فيهم إلّا القليل وانقطعت النّبوّة من أسباطهم ولم يبق من سبط لاوي الّذي يكون فيه الأنبياء إلّا امرأةٌ حاملٌ من بعلها وقد قتل فأخذوها فحبسوها في بيتٍ واحتفظوا بها لعلّ اللّه يرزقها غلامًا يكون نبيًّا لهم ولم تزل تلك المرأة تدعو اللّه عزّ وجلّ أن يرزقها غلامًا فسمع اللّه لها ووهبها غلامًا، فسمّته شمويل: أي: سمع اللّه». ومنهم من يقول: شمعون وهو بمعناه فشبّ ذلك الغلام ونشأ فيهم وأنبته اللّه نباتًا حسنًا فلمّا بلغ سنّ الأنبياء أوحى اللّه إليه وأمره بالدّعوة إليه وتوحيده، فدعا بني إسرائيل فطلبوا منه أن يقيم لهم ملكًا يقاتلون معه أعداءهم وكان الملك أيضًا قد باد فيهم فقال لهم النّبيّ: فهل عسيتم إن أقام اللّه لكم ملكًا ألّا تفوا بما التزمتم من القتال معه {قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل اللّه وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا} أي: وقد أخذت منّا البلاد وسبيت الأولاد؟ قال اللّه تعالى: {فلمّا كتب عليهم القتال تولّوا إلا قليلا منهم واللّه عليمٌ بالظّالمين} أي: ما وفوا بما وعدوا بل نكل عن الجهاد أكثرهم واللّه عليمٌ بهم). [تفسير ابن كثير: 1/ 664-665]


تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وقال لهم نبيّهم إنّ اللّه قد بعث لكم طالوت ملكًا قالوا أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالملك منه ولم يؤت سعةً من المال قال إنّ اللّه اصطفاه عليكم وزاده بسطةً في العلم والجسم واللّه يؤتي ملكه من يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ (247)}
أي: لمّا طلبوا من نبيّهم أن يعيّن لهم ملكًا منهم فعيّن لهم طالوت وكان رجلًا من أجنادهم ولم يكن من بيت الملك فيهم؛ لأنّ الملك فيهم كان في سبط يهوذا، ولم يكن هذا من ذلك السّبط فلهذا قالوا: {أنّى يكون له الملك علينا} أي: كيف يكون ملكًا علينا {ونحن أحقّ بالملك منه ولم يؤت سعةً من المال} أي: ثمّ هو مع هذا فقيرٌ لا مال له يقوم بالملك، وقد ذكر بعضهم أنّه كان سقّاءً وقيل: دبّاغًا. وهذا اعتراضٌ منهم على نبيّهم وتعنّتٌ وكان الأولى بهم طاعةً وقول معروفٍ ثمّ قد أجابهم النّبيّ قائلًا {إنّ اللّه اصطفاه عليكم} أي: اختاره لكم من بينكم واللّه أعلم به منكم. يقول: لست أنا الّذي عيّنته من تلقاء نفسي بل اللّه أمرني به لمّا طلبتم منّي ذلك {وزاده بسطةً في العلم والجسم} أي: وهو مع هذا أعلم منكم، وأنبل وأشكل منكم وأشدّ قوّةً وصبرًا في الحرب ومعرفةً بها أي: أتمّ علمًا وقامةً منكم. ومن هاهنا ينبغي أن يكون الملك ذا علمٍ وشكلٍ حسنٍ وقوّةٍ شديدةٍ في بدنه ونفسه ثمّ قال: {واللّه يؤتي ملكه من يشاء} أي: هو الحاكم الّذي ما شاء فعل ولا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون لعلمه وحكمته ورأفته بخلقه؛ ولهذا قال: {واللّه واسعٌ عليمٌ} أي: هو واسع الفضل يختصّ برحمته من يشاء عليمٌ بمن يستحقّ الملك ممّن لا يستحقّه). [تفسير ابن كثير: 1/ 666]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وقال لهم نبيّهم إنّ آية ملكه أن يأتيكم التّابوت فيه سكينةٌ من ربّكم وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إنّ في ذلك لآيةً لكم إن كنتم مؤمنين (248)}
يقول نبيّهم لهم: إنّ علّامة بركة ملك طالوت عليكم أن يردّ اللّه عليكم التّابوت الّذي كان أخذ منكم.
{فيه سكينةٌ من ربّكم} قيل: معناه فيه وقارٌ، وجلالةٌ.
قال عبد الرّزّاق عن معمر عن قتادة: «{فيه سكينةٌ} أي: وقارٌ». وقال الرّبيع: «رحمةٌ». وكذا روي عن العوفيّ عن ابن عبّاسٍ وقال ابن جريجٍ: «سألت عطاءً عن قوله: {فيه سكينةٌ من ربّكم} قال: ما يعرفون من آيات اللّه فيسكنون إليه».
وقيل: «السّكينة طستٌ من ذهبٍ كانت تغسل فيه قلوب الأنبياء، أعطاها اللّه موسى عليه السّلام فوضع فيها الألواح». ورواه السّدّيّ عن أبي مالكٍ عن ابن عبّاسٍ.
وقال سفيان الثّوريّ: عن سلمة بن كهيل عن أبي الأحوص عن عليٍّ قال: «السّكينة لها وجهٌ كوجه الإنسان ثمّ هي روحٌ هفّافةٌ».
وقال ابن جريرٍ: حدّثني ابن المثنّى حدّثنا أبو داود حدّثنا شعبة وحمّاد بن سلمة، وأبو الأحوص كلّهم عن سماك عن خالد بن عرعرة عن عليٍّ قال: «السكينة ريح خجوج ولها رأسان».
وقال مجاهدٌ: «لها جناحان وذنبٌ». وقال محمّد بن إسحاق عن وهب بن منبّهٍ: «السّكينة رأس هرّةٍ ميّتةٍ إذا صرخت في التّابوت بصراخ هرٍّ، أيقنوا بالنّصر وجاءهم الفتح».
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا بكّار بن عبد اللّه أنّه سمع وهب بن منبّهٍ يقول: «السّكينة روحٌ من اللّه تتكلّم إذا اختلفوا في شيءٍ تكلّم فأخبرهم ببيان ما يريدون».
وقوله: {وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون} قال ابن جريرٍ: أخبرنا ابن المثنّى حدّثنا أبو الوليد حدّثنا حمّادٌ عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: {وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون} قال: «عصاه ورضاض الألواح». وكذا قال قتادة والسّدّيّ والرّبيع بن أنسٍ وعكرمة وزاد: «والتّوراة».
وقال أبو صالحٍ: «{وبقيّةٌ} يعني: عصا موسى وعصا هارون ولوحين من التّوراة والمنّ». وقال عطيّة بن سعدٍ: «عصا موسى وعصا هارون وثياب موسى وثياب هارون ورضاض الألواح».
وقال عبد الرّزّاق: سألت الثّوريّ عن قوله: {وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون} فقال: «منهم من يقول قفيزٌ من منٍّ، ورضاض الألواح». ومنهم من يقول: العصا والنّعلان.
وقوله: {تحمله الملائكة} قال ابن جريجٍ: قال ابن عبّاسٍ: «جاءت الملائكة تحمل التّابوت بين السّماء والأرض حتّى وضعته بين يدي طالوت، والنّاس ينظرون». وقال السّدّيّ: «أصبح التّابوت في دار طالوت فآمنوا بنبوّة شمعون وأطاعوا طالوت».
وقال عبد الرّزّاق عن الثّوريّ عن بعض أشياخه: «جاءت به الملائكة تسوقه على عجلةٍ على بقرةٍ» وقيل: على بقرتين.
وذكر غيره أنّ التّابوت كان بأريحا وكان المشركون لمّا أخذوه وضعوه في بيت آلهتهم تحت صنمهم الكبير، فأصبح التّابوت على رأس الصّنم فأنزلوه فوضعوه تحته فأصبح كذلك فسمّروه تحته فأصبح الصّنم مكسور القوائم ملقًى بعيدًا، فعلموا أنّ هذا أمرٌ من اللّه لا قبل لهم به فأخرجوا التّابوت من بلدهم، فوضعوه في بعض القرى فأصاب أهلها داءً في رقابهم فأمرتهم جاريةٌ من سبي بني إسرائيل أنّ يردّوه إلى بني إسرائيل حتّى يخلّصوا من هذا الدّاء، فحملوه على بقرتين فسارتا به لا يقربه أحدٌ إلّا مات، حتّى اقتربتا من بلد بني إسرائيل فكسرتا النّيّرين ورجعتا وجاء بنو إسرائيل فأخذوه فقيل: إنّه تسلّمه داود عليه السّلام وأنّه لمّا قام إليهما حجل من فرحه بذلك. وقيل: شابّان منهم فاللّه أعلم. وقيل: كان التّابوت بقريةٍ من قرى فلسطين يقال لها: أزدرد.
وقوله: {إنّ في ذلك لآيةً لكم} أي: على صدقي فيما جئتكم به من النبوة، وفيما أمرتكم به من طاعة طالوت: {إن كنتم مؤمنين} أي: باللّه واليوم الآخر). [تفسير ابن كثير: 1/ 666-668]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:11 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة