تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل يا أيّها النّاس إن كنتم في شكٍّ من ديني فلا أعبد الّذين تعبدون من دون اللّه ولكن أعبد اللّه الّذي يتوفّاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لهؤلاء المشركين من قومك الّذين عجبوا أن أوحيت إليك إن كنتم في شكٍّ أيّها النّاس من ديني الّذي أدعوكم إليه، فلم تعلموا أنّه حقٌّ من عند اللّه: فإنّي لا أعبد الّذين تعبدون من دون اللّه من الآلهة والأوثان الّتي لا تسمع ولا تبصر ولا تغني عن شيءٍ، فتشكّوا في صحّته. وهذا تعريضٌ ولحنٌ من الكلام لطيفٌ.
وإنّما معنى الكلام: إن كنتم في شكٍّ من ديني، لا ينبغي لكم أن تشكّوا فيه، وإنّما ينبغي لكم أن تشكّوا في الّذي أنتم عليه من عبادة الأصنام الّتي لا تعقل شيئًا، ولا تضرّ ولا تنفع، فأمّا ديني فلا ينبغي لكم أن تشكّوا فيه، لأنّي أعبد اللّه الّذي يقبض الخلق فيميتهم إذ شاء، وينفعهم ويضرّ من يشاء؛ وذلك أنّ عبادة من كان كذلك لا يستنكرها ذو فطرةٍ صحيحةٍ، وأمّا عبادة الأوثان فينكرها كلّ ذي لبٍّ وعقلٍ صحيحٍ.
وقوله: {ولكن أعبد اللّه الّذي يتوفّاكم} يقول: ولكن أعبد اللّه الّذي يقبض أرواحكم، فيميتكم عند آجالكم. {وأمرت أن أكون من المؤمنين} يقول: وهو الّذي أمرني أن أكون من المصدّقين بما جاءني من عنده). [جامع البيان: 12/303-304]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قل يا أيّها النّاس إن كنتم في شكٍّ من ديني فلا أعبد الّذين تعبدون من دون اللّه ولكن أعبد اللّه الّذي يتوفّاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين (104)
قوله تعالى: قل يا أيّها النّاس إن كنتم في شكٍّ من ديني
- حدّثنا أبي، ثنا ابن أبي عمر، ثنا سفيان، عن خلف بن حوشبٍ، قال: كان مع الرّبيع بن أبي راشدٍ فسمع رجلًا يقرأ: يا أيها النّاس إن كنتم في ريبٍ من البعث فإنّا خلقناكم من ترابٍ قال: لولا أنّي أخالف من كان قبلي ما زالت مسكني حتّى أموت.
قوله تعالى: فلا أعبد الّذين تعبدون من دون اللّه
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعبة بن إسحاق، ثنا سعيدٌ عن قتادة، قوله: من دون اللّه قال: الوثن.
قوله تعالى: ولكن أعبد اللّه الّذي يتوفّاكم
- حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ، ثنا حفص بن عمر، ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة في قوله: يتوفّاكم قال يتوفّى الأنفس). [تفسير القرآن العظيم: 6/1991-1992]
تفسير قوله تعالى: (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأن أقم وجهك للدّين حنيفًا ولا تكوننّ من المشركين}.
يقول تعالى ذكره: وأمرت أن أكون من المؤمنين، وأن أقم. وأن الثّانية عطفٌ على أن الأولى. ويعني بقوله: {أقم وجهك للدّين} أقم نفسك على دين الإسلام حنيفًا مستقيمًا عليه غير معوجٍ عنه إلى يهوديّةٍ ولا نصرانيّةٍ ولا عبادة وثنٍ. {ولا تكوننّ من المشركين} يقول: ولا تكوننّ ممّن يشرك في عبادة ربّه الآلهة والأنداد فتكون من الهالكين). [جامع البيان: 12/304]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وأن أقم وجهك للدّين حنيفًا ولا تكوننّ من المشركين (105)
قوله تعالى وأن أقم وجهك للدّين حنيفًا
قد تقدّم تفسيره غير مرّةٍ.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة، قوله: حنيفًا قال: الحنفيّة الختان، وتحرّم الأمّهات والبنات والعمّات والخالات ما حرّم اللّه والمناسك). [تفسير القرآن العظيم: 6/1992]
تفسير قوله تعالى: (وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تدع من دون اللّه ما لا ينفعك ولا يضرّك فإن فعلت فإنّك إذًا من الظّالمين}.
يقول تعالى ذكره: ولا تدع يا محمّد من دون معبودك، وخالقك شيئًا لا ينفعك في الدّنيا، ولا في الآخرة، ولا يضرّك في دينٍ ولا دنيا، يعني بذلك الآلهة والأصنام، يقول: لا تعبدها راجيًا نفعها أو خائفًا ضرّها، فإنّها لا تنفع ولا تضرّ، فإن فعلت ذلك فدعوتها من دون اللّه {فإنّك إذًا من الظّالمين} يقول: من المشركين باللّه، الظّالمي أنفسهم). [جامع البيان: 12/304]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولا تدع من دون اللّه ما لا ينفعك ولا يضرّك فإن فعلت فإنّك إذًا من الظّالمين (106)
قوله: ولا تدع من دون اللّه ما لا ينفعك ولا يضرك
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: ما لا ينفعنا ولا يضرّنا قال: الأوثان.
قوله تعالى: فإن فعلت فإنّك إذًا من الظّالمين
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان، قوله: الظّالمين يعني: المشركين). [تفسير القرآن العظيم: 6/1992]
تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن يمسسك اللّه بضرٍّ فلا كاشف له إلاّ هو وإن يردك بخيرٍ فلا رادّ لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرّحيم}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه: وإن يصبك اللّه يا محمّد بشدّةٍ أو بلاءٍ، فلا كاشف لذلك إلاّ ربّك الّذي أصابك به دون ما يعبده هؤلاء المشركون من الآلهة والأنداد. {وإن يردك بخيرٍ} يقول: وإن يردك ربّك برخاءٍ، أو نعمةٍ، وعافيةٍ، وسرورٍ، {فلا رادّ لفضله} يقول: فلا يقدر أحدٌ أن يحول بينك وبين ذلك، ولا يردّك عنه، ولا يحرمكه؛ لأنّه الّذي بيده السّرّاء والضّرّاء دون الآلهة والأوثان ودون ما سواه. {يصيب به من يشاء} يقول: يصيب ربّك يا محمّد بالرّخاء والبلاء، والسّرّاء والضّرّاء من يشاء، ويريد من عباده، وهو الغفور لذنوب من تاب وأناب من عباده، من كفره وشركه إلى الإيمان به وطاعته، الرّحيم بمن آمن به منهم وأطاعه أن يعذّبه بعد التّوبة والإنابة). [جامع البيان: 12/304-305]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإن يمسسك اللّه بضرٍّ فلا كاشف له إلّا هو وإن يردك بخيرٍ فلا رادّ لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرّحيم (107)
قوله تعالى: وإن يمسسك اللّه بضرٍ فلا كاشف له إلا هو
- حدّثنا الحسين بن الحسن، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه الهرويّ، ثنا حجّاجٌ عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: وإن يمسسك اللّه بضرٍّ فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخيرٍ فلا رادّ لفضله: هو الحقّ.
قوله تعالى: يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرّحيم
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، ثنا عطاءٌ، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: الغفور يعني غفور الذنوب الرحيم يعني رحيمًا بالمؤمنين). [تفسير القرآن العظيم: 6/1992]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 107.
أخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله {وإن يردك بخير} يقول: بعافية.
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه قال: ثلاث آيات وجدتها في كتاب الله تعالى اكتفيت بها عن جميع الخلائق قوله {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله}.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عامر بن قيس رضي الله عنه قال: ثلاث آيات في كتاب الله اكتفيت بهن عن جميع الخلائق: أولهن {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله} والثانية (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له) (فاطر الآية 2) والثالثة (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) (هود الآية 6).
وأخرج أبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان، وابن عساكر عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اطلبوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله تعالى فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده وسلوه أن يستر عوراتكم ويؤمن من روعاتكم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي الدرداء رضي الله عنه موقوفا، مثله سواء). [الدر المنثور: 7/710-711]