قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (56) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (57) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58) الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60)}
قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ): ((ولقد صرفناه بينهم ليذكروا) [50] حسن.
ومثله: ...(وسبح بحمده) [58].
(ثم استوى على العرش الرحمن) [59] وقف تام. ويحسن أن تقف على «العرش» ثم تبتدئ (الرحمن) على معنى «هو الرحمن». ويجوز أن يكون من قول الكسائي تابعًا لما في (استوى) ولا يجوز هذا من قول الفراء لأن التابع مبين والمكني لم يكن عنه حتى عرف ثم تبتدئ: (فاسأل به خبيرا) المعنى «فاسأل عنه» أي: اسأل عن الله أهل العلم يخبروك، فلم يشكك صلى الله عليه وسلم، ولم يسأل. وهو بمنزلة قوله: {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فأسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك} [يونس: 94] ومعنى الباء «عن» كأنه قال: «فاسأل عنه» كما قال عز وجل: {سأل سائل بعذاب واقع} [المعارج: 1] فمعناه «عن عذاب» وكما قال علقمة بن عبدة:
فإن تسألوني بالنساء فإنني = بصير بأدواء النساء طبيب
أراد: فإن تسألوني عن النساء. وقال الأخطل:
دع المغمر لا تسأل بمصرعه = واسأل بمصقلة البكري ما فعلا
وقوله: (أنسجد لما تأمرنا) [60] قرأ الحسن والأعرج ويحيى وعاصم وأبو جعفر وشيبة ونافع وأبو عمرو: (لما تأمرنا) بالتاء وقرأ عبد الله بن مسعود والأسود بن يزيد والأعمش وحمزة والكسائي: (لما يأمرنا) بالياء. فمن قرأ: (يأمرنا) حسن أن يقف على (وما الرحمن) ثم يبتديء: (أنسجد لما يأمرنا) بالياء. ومن قرأ (تأمرنا) بالتاء لم يقف على (وما الرحمن) لأن الذي بعده متعلق به (وزادهم نفورا) وقف تام.)[إيضاح الوقف والابتداء: 2/808-811]
قال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ): ({قديرا} تام ... ومثله {سبيلاً} ومثله {وسبح بحمده}. {ثم استوى على العرش} تام، إذا رفع (الرحمن) بالابتداء وجعل الخبر فيما بعده. فإن رفع بتقدير: هو الرحمن كان الوقف على (العرش) كافيًا. وإن جعل بدلاً من المضمر الذي في (استوى) لم يكف الوقف على (العرش) وكفى على (الرحمن). (خبيرًا) تام.
ومن قرأ {لما يأمرنا} بالياء وقف على قوله: {وما الرحمن} ثم ابتدأ: (أنسجد لما يأمرنا) لأنه استئناف قول من بعضهم لبعض. ومن قرأ ذلك بالتاء لم يقف على (الرحمن) لأن ما بعده متعلق بما قبله من قوله: {وإذا قيل لهم}.
{نفورًا} تام.)[المكتفى: 419]
قال أبو عبدِ الله محمدُ بنُ طَيْفُورَ الغزنويُّ السَّجَاوَنْدِيُّ (ت:560هـ): ({ونذيرا- 56- ط{]. {وسبح بحمده- 58- ط}. {خبيرا- 58- ج} لأن «الذي» يصلح صفة لـ «الحي»، والوقف على {العرض- 59- } جائز على تقدير: هو الرحمن، ويصلح أن يكون «الذي» مبتدأ، و «الرحمن» خبره. {وما الرحمن- 60- ق} قد قيل على قراءة «تأمرنا» بالتاء، ولا وجه له، لأن الكل مقول «قالوا»،)[علل الوقوف: 2/750-751]
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): (ونذيرًا (كاف)
سبيلاً (كاف)
لا يموت (جائز) للابتداء بالأمر.
بحمده (حسن)
خبيرًا (كاف) وقيل تام إن جعل ما بعده مبتدأ والخبر قوله الرحمن وإن جعل الذين خبر مبتدأ محذوف أو نصب بتقدير أعني كان كافيًا وليس بوقف إن جعل الذي في محل جر بدلاً من الهاء في به لأنه لا يفصل بين البدل والمبدل منه بالوقف.
على العرش (تام) إن رفع الرحمن خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ وما بعده الخبر وليس بوقف إن رفع بدلاً من الضمير في استوى والوقف على هذا التقدير على الرحمن كاف.
خبيرًا (تام) والباء في به صلة وخبيرًا مفعول اسأل أو حال من فاعل اسأل لأنَّ الخبير لا يسأل إلاَّ عن جهة التوكيد وقيل الباء بمعنى عن قال علقمة الشاعر:
فإن تسألوني بالنساء فإنني = بصير بأدواء النساء طبيب
أي عن النساء والضمير في به لله ولم يحصل من النبي صلى الله عليه وسلم شك في الله حتى يسأل عنه بل هذا كقوله فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك قل إن كان للرحمن ولد من كل شيء معلق على مستحيل وأما النبي صلى الله عليه وسلم قال أنا لا أشك ولا أسأل بل أشهد أنَّه الحق قال الشاعر:
ألا سألت القوم يا ابنة مالك = إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
أي هلا سألت القوم عما لم تعلمي.
وما الرحمن (حسن) لمن قرأ تأمرنا بالفوقية وهي قراءة العامة وليس بوقف لمن قرأه بالتحتية وهي قراءة الإخوان أي أنسجد لما يأمرنا به محمد لتعلق ما بعده بما قبله.
لما تأمرنا (جائز) لمن قرأ بالتاء الفوقية وزادهم مستأنف.
نفورًا (تام))[منار الهدى: 275]
- أقوال المفسرين