تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة قال كتب إلى كفار قريش كتابا ينصح لهم فيه فأطلع الله نبيه على ذلك فأرسل عليا والزبير فقال اذهبا فإنكما ستدركان امرأة بمكان كذا وكذا فأتياني بكتاب معها فانطلقا حتى أدركاها فقالا الكتاب الذي معك قالت ما معي كتاب قالا والله لا ندع عليك شيئا إلا فتشناه أو تخرجينه قالت أولستما مسلمين قالا بلى ولكن النبي أخبرنا أن معك كتابا فقد أيقنت أنفسنا أنه معك فلما رأت جدهما أخرجت كتاباً من قرونها فرمت به فذهبا به إلى النبي فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى كفار قريش فدعاه النبي فقال أنت كتبت هذا الكتاب قال نعم قال وما حملك على ذلك قال أما والله ما ارتبت في الله منذ أسلمت ولكني كنت امرأ غريبا فيكم أيها الحي من قريش وكان لي بمكة مال وبنون فأردت أن أدفع عنهم بذلك فقال عمر ائذن لي يا نبي الله فأضرب عنقه فقال النبي
[تفسير عبد الرزاق: 2/286]
مهلا يا ابن الخطاب إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله قد اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فإني غافر لكم). [تفسير عبد الرزاق: 2/287]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر قال الزهري وفيه نزلت يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدكم أولياء حتى بلغ غفور رحيم). [تفسير عبد الرزاق: 2/287]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء} [الممتحنة: 1]
- حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، حدّثنا عمرو بن دينارٍ، قال: حدّثني الحسن بن محمّد بن عليٍّ، أنّه سمع عبيد اللّه بن أبي رافعٍ، كاتب عليٍّ، يقول: سمعت عليًّا رضي اللّه عنه، يقول بعثني رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أنا والزّبير والمقداد، فقال: «انطلقوا حتّى تأتوا روضة خاخٍ، فإنّ بها ظعينةً معها كتابٌ فخذوه منها» فذهبنا تعادى بنا خيلنا حتّى أتينا الرّوضة، فإذا نحن بالظّعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي من كتابٍ، فقلنا: لتخرجنّ الكتاب أو لنلقينّ الثّياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناسٍ من المشركين ممّن بمكّة، يخبرهم ببعض أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما هذا يا حاطب؟» قال: لا تعجل عليّ يا رسول اللّه، إنّي كنت امرأً من قريشٍ، ولم أكن من أنفسهم، وكان من معك من المهاجرين لهم قراباتٌ يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكّة، فأحببت إذ فاتني من النّسب فيهم، أن أصطنع إليهم يدًا يحمون قرابتي، وما فعلت ذلك كفرًا، ولا ارتدادًا عن ديني، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه قد صدقكم» فقال عمر: دعني يا رسول اللّه فأضرب عنقه، فقال: " إنّه شهد بدرًا وما يدريك؟ لعلّ اللّه عزّ وجلّ اطّلع على أهل بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " قال عمرٌو: ونزلت فيه: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء} [الممتحنة: 1] قال: «لا أدري الآية في الحديث أو قول عمرٍو» ، حدّثنا عليٌّ، قال: قيل لسفيان: في هذا فنزلت: {لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء} [الممتحنة: 1] الآية، قال سفيان: هذا في حديث النّاس حفظته من عمرٍو، ما تركت منه حرفًا وما أرى أحدًا حفظه غيري). [صحيح البخاري: 6/149]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء)
سقطت هذه التّرجمة لغير أبي ذرٍّ والعدوّ لمّا كان بزنة المصادر وقع على الواحد فما فوقه وقوله تلقون إليهم بالمودة تفسيرٌ للموالاة المذكورة ويحتمل أن يكون حالًا أو صفةً وفيه شيءٌ لأنّهم نهوا عن اتّخاذهم أولياء مطلقًا والتّقييد بالصّفة أو الحال يوهم الجواز عند انتفائهما لكن علم بالقواعد المنع مطلقًا فلا مفهوم لهما ويحتمل أن تكون الولاية تستلزم المودّة فلا تتمّ الولاية بدون المودّة فهي حالٌ لازمةٌ واللّه أعلم
- قوله الحسن بن محمّد بن عليٍّ أي بن أبي طالبٍ قوله حتّى تأتوا روضة خاخٍ بمعجمتين ومن قالها بمهملةٍ ثمّ جيمٍ فقد صحّف وقد تقدّم بيان ذلك في باب الجاسوس من كتاب الجهاد وفي أوّل غزوة الفتح قوله لنلقين كذا فيه والوجه حذف التّحتانيّة وقيل إنّما اثبتت لمشاكلة لتخرجن قوله كنت امرأ من قريشٍ أي بالحلف لقوله بعد ذلك ولم أكن من أنفسهم قوله كنت امرأ من قريشٍ ولم أكن من أنفسهم ليس هذا تناقضًا بل أراد أنّه منهم بمعنى أنّه حليفهم وقد ثبت حديث حليف القوم منهم وعبّر بقوله ولم أكن من أنفسهم لإثبات المجاز قوله إنّه قد صدقكم بتخفيف الدّال أي قال الصّدق قوله فقال عمر دعني يا رسول اللّه فأضرب عنقه إنّما قال ذلك عمر مع تصديق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لحاطبٍ فيما اعتذر به لما كان عند عمر من القوّة في الدّين وبغض من ينسب إلى النّفاق وظنّ أنّ من خالف ما أمره به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم استحقّ القتل لكنّه لم يجزم بذلك فلذلك استأذن في قتله وأطلق عليه منافقًا لكونه أبطن خلاف ما أظهر وعذر حاطبٍ ما ذكره فإنّه صنع ذلك متأوّلًا أن لا ضرر فيه وعند الطّبريّ من طريق الحارث عن عليٍّ في هذه القصّة فقال أليس قد شهد بدرًا قال بلى ولكنّه نكث وظاهر أعداءك عليك قوله فقال إنّه قد شهد بدرًا وما يدريك أرشد إلى علّة ترك قتله بأنّه شهد بدرًا فكأنّه قيل وهل يسقط عنه شهوده بدرًا هذا الذّنب العظيم فأجاب بقوله وما يدريك إلخ قوله لعلّ اللّه عزّ وجلّ اطّلع على أهل بدرٍ هكذا في أكثر الرّوايات بصيغة التّرجّي وهو من اللّه واقعٌ ووقع في حديث أبي هريرة عند بن أبي شيبة بصيغة الجزم وقد تقدّم بيان ذلك واضحًا في باب فضل من شهد بدرًا من كتاب المغازي قوله اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم كذا في معظم الطّرق وعند الطّبريّ من طريق معمرٍ عن الزّهريّ عن عروة فإنّي غافرٌ لكم وهذا يدلّ على أنّ المراد بقوله غفرت أي أغفر على طريق التّعبير عن الآتي بالواقع مبالغة في تحققه وفي مغازي بن عائذٍ من مرسل عروة اعملوا ما شئتم فسأغفر لكم والمراد غفران ذنوبهم في الآخرة وإلّا فلو وجب على أحدهم حدٌّ مثلًا لم يسقط في الدّنيا وقال بن الجوزيّ ليس هذا على الاستقبال وإنّما هو على الماضي تقديره اعملوا ما شئتم أيّ عملٍ كان لكم فقد غفر قال لأنّه لو كان للمستقبل كان جوابه فسأغفر لكم ولو كان كذلك لكان إطلاقًا في الذّنوب ولا يصحّ ويبطله أنّ القوم خافوا من العقوبة بعد حتّى كان عمر يقول يا حذيفة باللّه هل أنا منهم وتعقّبه القرطبيّ بأنّ اعملوا صيغة أمرٍ وهي موضوعةٌ للاستقبال ولم تضع العرب صيغة الأمر للماضي لا بقرينةٍ ولا بغيرها لأنّهما بمعنى الإنشاء والابتداء وقوله اعملوا ما شئتم يحمل على طلب الفعل ولا يصحّ أن يكون بمعنى الماضي ولا يمكن أن يحمل على الإيجاب فتعيّن للإباحة قال وقد ظهر لي أنّ هذا الخطاب خطاب إكرامٍ وتشريفٍ تضمّن أنّ هؤلاء حصلت لهم حالةٌ غفرت بها ذنوبهم السّالفة وتأهّلوا أن يغفر لهم ما يستأنف من الذّنوب اللّاحقة ولا يلزم من وجود الصّلاحيّة للشّيء وقوعه وقد أظهر اللّه صدق رسوله في كلّ من أخبر عنه بشيءٍ من ذلك فإنّهم لم يزالوا على أعمال أهل الجنّة إلى أن فارقوا الدّنيا ولو قدّر صدور شيءٍ من أحدهم لبادر إلى التّوبة ولازم الطّريق المثلى ويعلم ذلك من أحوالهم بالقطع من اطّلع على سيرهم انتهى ويحتمل أن يكون المراد بقوله فقد غفرت لكم أي ذنوبكم تقع مغفورةً لا أنّ المراد أنّه لا يصدر منهم ذنبٌ وقد شهد مسطحٌ بدرًا ووقع في حقّ عائشة كما تقدّم في تفسير سورة النّور فكأنّ اللّه لكرامتهم عليه بشّرهم على لسان نبيّه أنّهم مغفورٌ لهم ولو وقع منهم ما وقع وقد تقدّم بعض مباحث هذه المسألة في أواخر كتاب الصّيام في الكلام على ليلة القدر ونذكر بقيّة شرح هذا الحديث في كتاب الدّيات إن شاء اللّه تعالى قوله قال عمرو هو بن دينارٍ وهو موصولٌ بالإسناد المذكور قوله ونزلت فيه يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوكم أولياء سقط أولياء لغير أبي ذرٍّ قوله قال لا أدري الآية في الحديث أو قول عمرٍو هذا الشّكّ من سفيان بن عيينة كما سأوضحه قوله حدثنا عليّ هو بن المدينيّ قال قيل لسفيان في هذا فنزلت لا تتّخذوا عدوي وعدوكم أولياء الآية قال سفيان هذا في حديث النّاس يعني هذه الزّيادة يريد الجزم برفع هذا القدر قوله حفظته من عمرٍو ما تركت منه حرفًا وما أرى أحدًا حفظه غيري وهذا يدلّ على أنّ هذه الزّيادة لم يكن سفيان يجزم برفعها وقد أدرجها عنه بن أبي عمر أخرجه الإسماعيليّ من طريقه فقال في آخر الحديث قال وفيه نزلت هذه الآية وكذا أخرجه مسلم عن بن أبي عمر وعمرٍو النّاقد وكذا أخرجه الطّبريّ عن عبيد بن إسماعيل والفضل بن الصّبّاح والنّسائيّ عن محمّد بن منصورٍ كلّهم عن سفيان واستدلّ باستئذان عمر على قتل حاطبٍ لمشروعيّة قتل الجاسوس ولو كان مسلمًا وهو قول مالكٍ ومن وافقه ووجه الدّلالة أنّه صلّى اللّه عليه وسلّم أقرّ عمر على إرادة القتل لولا المانع وبيّن المانع هو كون حاطب شهد بدرًا وهذا منتفٍ في غير حاطبٍ فلو كان الإسلام مانعًا من قتله لما علّل بأخصّ منه وقد بيّن سياق عليٌّ أنّ هذه الزّيادة مدرجةٌ وأخرجه مسلمٌ أيضًا عن إسحاق بن راهويه عن سفيان وبيّن أنّ تلاوة الآية من قول سفيان ووقع عند الطّبريّ من طريقٍ أخرى عن عليٍّ الجزم بذلك لكنّه من أحد رواة الحديث حبيب بن أبي ثابتٍ الكوفيّ أحد التّابعين وبه جزم إسحاق في روايته عن محمّد بن جعفرٍ عن عروة في هذه القصّة وكذا جزم به معمرٌ عن الزّهريّ عن عروة وأخرج بن مردويه من طريق سعيد بن بشيرٍ عن قتادة عن أنسٍ قال لمّا أراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المسير إلى مشركي قريشٍ كتب إليهم حاطب بن أبي بلتعة يحذّرهم فذكر الحديث إلى أن قال فأنزل اللّه فيه القرآن يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوكم أولياء الآية قال الإسماعيليّ في آخر الحديث أيضًا قال عمرو أي بن دينار وقد رأيت بن أبي رافع وكان كاتبا لعلي). [فتح الباري: 8/633-636]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثنا الحميديّ حدّثنا سفيان حدّثنا عمرو بن دينار قال حدّثني الحسن بن محمّدٍ ابن عليٍّ أنّه سمع عبيد الله بن أبي رافعٍ كاتب عليٍّ يقول سمعت عليّا رضي الله عنه يقول بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزّبير والمقداد فقال انطلقوا حتّى تأتوا روضة خاخٍ فإنّ بها ظعينة معها كتابٌ فخذوه منها فذهبنا تعادي بنا خيلنا حتّى أتينا الرّوضة فإذا نحن بالظّعينة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي من كتابٍ فقلنا لتخرجنّ الكتاب أو لتلقينّ الثّياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به النبيّ صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناسٍ من المشركين ممن بمكّة يخبرهم ببعض أمر النّبي صلى الله عليه وسلم فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم ما هاذا يا حاطب قال لا تعجل عليّ يا رسول الله إنّي كنت امرءًا من قريشٍ ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قراباتٌ يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكّة فأحببت إذ فاتني من النّسب فيهم أن أصطنع إليهم يدا يحمون قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني فقال النّبي صلى الله عليه وسلم إنّه قد صدقكم فقال عمر دعني يا رسول الله فأضرب عنقه فقال إنّه شهد بدرا وما يدريك لعليّ الله عزّ وجلّ اطلع على أهل بدرٍ فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لك قال عمرٌ وونزلت فيه يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم قال لا أدري الآية في الحديث أو قول عمرو..
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. والترجمة هي ذكر السّورة، ووقع لأبي ذر على رأس هذا الحديث: باب {لا تتّخذوا عدوي وعدوكم أولياء} (الممتحنة: 1) فعلى هذا التّرجمة ظاهرة والحديث يطابقها. والحديث قد مضى في الجهاد في: باب الجاسوس فإنّه أخرجه هناك عن عليّ بن عبد الله عن سفيان عن عمرو بن دينار إلى آخره، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (بعثني أنا والزّبير والمقداد) ، وفي رواية رواها الثّعلبيّ، فبعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عليا وعمّارًا وعمر والزّبير وطلحة والمقداد بن الأسود وأبا مرثد، وكانوا كلهم فرسانًا. قوله: (روضة خاخ) ، بخاءين معجمتين لا غير. قوله: (ظعينة) ، بفتح الظّاء المعجمة وكسر العين المهملة وهي المرأة في الهودج واسمها سارة بالسمين المهملة والرّاء. قوله: (تعادى) ، بلفظ الماضي، أي: تتباعد وتتجارى قوله: (أو لتلقين) اللّام فيه للتّأكيد ومقتضى القواعد النحوية أن يقال، لتلقن، بحذف الياء فتأويله أنه ذكر كذلك لمشاكلة لتخرجن. قوله: (كنت أمرءا من قريش) أي: بالحلف والولاء لا بالنّسب والولادة حتّى لا يقال بينه وبين قوله: لم أكن من أنفسهم، تنافٍ قوله: (يدا) أي: يدا منه عليهم وحقّ محبّة. قوله: (صدقكم) بتخفيف الدّال أي: قال الصدق. قوله: (دعني) أي: ارتكني ومكني. قوله: (فاضرب) ، أي: فإن اضرب فإن قلت: كيف قال عمر، رضي الله تعالى عنه، ما قال مع تصديق النّبي صلى الله عليه وسلم لحاطب فيما قاله؟ قلت: قال ذلك لقوّة دينه وصلابته في الحق ولم يجزم بذلك فلهذا استأذن في قتله، وإنّما أطلق عليه اسم النّفاق لكونه أقدم على شيء فيه خلاف ما ادّعاه. قوله: (لعلّ الله) كلمة: لعلّ. ليست للترجي في حق الله بل للوقوع. قوله: (غفرت) أي: الأمور الأخروية وإلاّ فلو توجه على أحد منهم مثلا يستوفي منه قوله: {لا تتّخذوا عدوي وعدوكم} (الممتحنة: 1) هذا المقدار للأكثرين وفي رواية أبي ذر مع ذكر أولياء قوله: (قال: قال عمرو) أي: عمرو بن دينار هو موصول بالإسناد المذكور. قوله: (قال) أي: قال سفيان بن عيينة لا أدري الآية. وهي قوله تعالى: {لا تتّخذوا عدوي وعدوكم} من نفس الحديث هو، أو هو من قول عمرو بن دينار، وقد شكّ فيه.
حدّثنا عليٌّ قيل لسفيان في هذا فنزلت: {لا تتّخذوا عدوّي} قال سفيان هذا في حديث النّاس حفظته من عمروٍ ما تركت منه حرفا وما أرى أحدا حفظه غيري.
عليّ هو ابن المدينيّ، وسفيان هو ابن عيينة.
قوله: (في هذا) أي: في أمر حاطب نزلت الآية. أي: قوله تعالى: {يا أيها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوي} الآية، قال سفيان بن عيينة: هذا في حديث النّاس ورواياتهم، وأما الّذي حفظته من عمرو بن دينار فهو الّذي رويته من غير ذكر النّزول، وما تركت منه حرفا ولم أظن أحدا حفظ هذا الحديث من عمرو غيري، ملخص ما قاله سفيان: لا أدري أن حكاية نزول الآية من تتمّة الحديث الّذي رواه عليّ بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، وقول عمرو بن دينار موقوفا عليه أدرجه هو من عنده، وسفيان لم يجزم بهذه الزّيادة، وقد روى النّسائيّ عن محمّد بن منصور ما يدل على هذه الزّيادة مدرجة، وروى الثّعلبيّ هذا الحديث بطوله وفي آخره فأنزل الله تعالى في شأن حاطب ومكاتبته {يا أيها الّذين آمنوا لا تتّخذوا} الآية). [عمدة القاري: 19/229-230]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله عز وجل: ({لا تتخذوا عدوّي وعدوّكم}) [الممتحنة: 1] أي كفار مكة ({أولياء}) في العون والنصرة وقوله: عدوي وعدوكم مفعول الاتخاذ والعدوّ لما كان بزنة المصادر وقع على الواحد فما فوق وأضاف العدوّ لنفسه تعالى تغليظًا في جريمتهم، وسقط الباب ولاحقه لغير أبي ذر.
- حدّثنا الحميديّ: حدّثنا سفيان: حدّثنا عمرو بن دينارٍ قال: حدّثني الحسن بن محمّد بن عليٍّ أنّه سمع عبيد اللّه بن أبي رافعٍ كاتب عليٍّ يقول: سمعت عليًّا -رضي الله عنه- يقول: بعثني رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- أنا والزّبير والمقداد فقال: «انطلقوا حتّى تأتوا روضة خاخٍ، فإنّ بها ظعينةً معها كتابٌ فخذوه منها». فذهبنا تعادى بنا خيلنا حتّى أتينا الرّوضة، فإذا نحن بالظّعينة فقلنا: أخرجي الكتاب. فقالت: ما معي من كتابٍ، فقلنا: لتخرجنّ الكتاب أو لتلقينّ الثّياب، فأخرجته من عقاصها فأتينا به النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناسٍ من المشركين ممّن بمكّة يخبرهم ببعض أمر النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقال النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «ما هذا يا حاطب»؟ قال: لا تعجل عليّ يا رسول اللّه إنّي كنت امرأً من قريشٍ ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قراباتٌ يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكّة، فأحببت إذ فاتني من النّسب فيهم أن أصطنع إليهم يدًا يحمون قرابتي، وما فعلت ذلك كفرًا ولا ارتدادًا عن ديني، فقال النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «إنّه قد صدقكم». فقال عمر: دعنى يا رسول اللّه فأضرب عنقه. فقال: «إنّه شهد بدرًا، وما يدريك لعلّ اللّه - عزّ وجلّ - اطّلع على أهل بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم قال عمرٌو ونزلت فيه: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم} قال: لا أدرى الآية في الحديث أو قول عمرٍو.
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو بن دينار) بفتح العين (قال: حدّثني) بالإفراد (الحسن بن محمد بن علي) بن أبي طالب (أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع) بضم العين وفتح الموحدة مصغرًا واسم أبي رافع أسلم مولى رسول
الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- (كاتب علي يقول سمعت عليًّا -رضي الله عنه- يقول: بعثني رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- أنا والزبير) بن العوّام (والمقداد) بن الأسود (فقال): (انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ) بخاءين معجمتين بينهما ألف موضع بين مكة والمدينة (فإن بها ظعينة) بفتح المعجمة وكسر المهملة امرأة في هودج اسمها سارة بالمهملة والراء (معها كتاب فخذوه منها) قال علي (فذهبنا تعادى) بفتخ التاء والعين والدال المهملتين بينهما ألف أي تتباعد وتتجارى (بنا خيلنا حتى أتينا الروضة) المذكورة (فإذا نحن بالظعينة فقلنا) لها (أخرجي الكتاب) الذي معك بهمزة قطع مفتوحة وكسر الراء (فقالت) ولأبي ذر قالت: (ما معي من كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب) بضم التاء وسكون المعجمة وكسر الراء والجيم (أو لتلقين الثياب) بنون التوكيد الشديدة وإثبات التحتية مكسورة بعد القاف والأصل حذفها لأن النون الثقيلة إذا اجتمعت مع الياء الساكنة حذفت الياء للساكنين وأثبتها مشاكلة لتخرجن (فأخرجته من عقاصها) بكسر العين وبالقاف شعرها المضفور (فأتينا به النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-) وسقط قوله به لغير الكشميهني (فإذا فيه) في الكتاب (من حاطب بن أبي بلتعة) بالحاء والطاء المكسورة المهملتين بعدها موحدة وبلتعة بفتح الموحدة وسكون اللام بعدها فوقية (إلى ناس) بضم الهمزة ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني إلى ناس (من المشركين ممن بمكة يخبرهم ببعض أمر النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-) من تجهيزه للجيش الكثير لمكة (فقال النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-) له (ما هذا) الكتاب (يا حاطب؟ قال: لا تعجل عليّ يا رسول الله إني كنت امرأ من قريش) بالحلف والولاء (ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة فأحببت إذ) أي حين (فاتني) ذلك (من النسب فيهم أن أصطنع إليهم يدًا) أي يد منّة عليهم (يحمون) بها (قرابتي وما فعلت ذلك كفرًا ولا ارتدادًا عن ديني فقال النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-: إنه قد صدقكم) بتخفيف الدال (فقال عمر) -رضي الله عنه- (دعني) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فدعني (يا رسول الله فأضرب) بالنصب (عنقه فقال) عليه الصلاة والسلام (إنه شهد بدرًا وما) ولأبي ذر فما (يدريك لعل الله عز وجل اطّلع على أهل بدر) الذين حضروا وقعتها (فقال) مخاطبًا لهم خطاب تكريم (اعملوا ما شئتم) في المستقبل (فقد غفرت لكم) عبّر عن الآتي بالواقع مبالغة في تحققه. قال القرطبي: والمعنى أنهم حصلت لهم حالة غفرت بها ذنوبهم السابقة تأهّلوا أن تغفر لهم الذنوب اللاحقة إن وقعت منهم ومعنى الترجي هنا كما قاله النووي راجع إلى عمر لأن وقوع هذا الأمر محقق عند الرسول.
(قال عمرو) هو ابن دينار بالإسناد السابق: (ونزلت فيه) أي في حاطب بن أبي بلتعة ({يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم}) وزاد أبو ذر: أولياء (قال) أبي سفيان بن عيينة (لا أدري الآية في الحديث) عن علي (أو قول عمرو) يعني ابن دينار موقوفًا عليه.
- حدّثنا عليٌّ قيل لسفيان في هذا فنزلت: {لا تتّخذوا عدوّي} قال سفيان: هذا في حديث النّاس حفظته من عمرٍو، وما تركت منه حرفًا، وما أرى أحدًا حفظه غيري.
وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن المديني (قيل) ولأبي ذر قال: قيل (لسفيان) بن عيينة (في هذا) أي في أمر حاطب (فنزلت) ولأبي ذر نزلت ({لا تتخذوا عدوي}) زاد أبو ذر ({وعدوّكم أولياء}) الآية.
(قال سفيان: هذا في حديث الناس) ورواياتهم وأما الذي (حفظته) أنا (من عمرو) يعني ابن دينار هو الذي رويته عنه من غير ذكر النزول (ما تركت منه حرفًا وما أرى) بضم الهمزة مما أظن (أحدًا حفظه) من عمرو (غيري) فلم يجزم سفيان برفع هذه الزيادة وسقط قوله حدّثنا علي إلى هنا لأبي الهيثم). [إرشاد الساري: 7/378-379]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (قوله: (تعادي) أي: تتباعد وتتجاري. قوله: (من عقاصها): بكسر العين، أي شعرها المضفور). [حاشية السندي على البخاري: 3/73]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء تلقون إليهم بالمودّة وقد كفروا بما جاءكم من الحقّ يخرجون الرّسول وإيّاكم أن تؤمنوا باللّه ربّكم إن كنتم خرجتم جهادًا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرّون إليهم بالمودّة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضلّ سواء السّبيل}.
قال أبو جعفرٍ: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي من المشركين وعدوّكم أولياء يعني أنصارًا.
وقوله: {تلقون إليهم بالمودّة}. يقول جلّ ثناؤه: تلقون إليهم مودّتكم إيّاه. ودخول الباء في قوله: {بالمودّة} وسقوطها سواءٌ، وهو نظير قول القائل: أريد بأن تذهب، وأريد أن تذهب سواءٌ، وكقوله: {ومن يرد فيه بإلحادٍ بظلمٍ}. والمعنى: ومن يرد فيه إلحادًا بظلمٍ؛ ومن ذلك قول الشّاعر:
فلمّا رجت بالشّرب هزّ لها العصا = شحيحٌ له عند الإزاء نهيم.
بمعنى: فلمّا رجت الشّرب.
{وقد كفروا بما جاءكم من الحقّ}. يقول: وقد كفر هؤلاء المشركون الّذين نهيتكم أن تتّخذوهم أولياء بما جاءكم من عند اللّه من الحقّ، وذلك كفرهم باللّه ورسوله وكتابه الّذي أنزله على رسوله.
وقوله: {يخرجون الرّسول وإيّاكم أن تؤمنوا بالله ربّكم}. يقول جلّ ثناؤه: يخرجون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وإيّاكم، بمعنى: ويخرجونكم أيضًا من دياركم وأرضكم، وذلك إخراج مشركي قريشٍ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه من مكّة.
وقوله: {أن تؤمنوا باللّه ربّكم}. يقول جلّ ثناؤه: {يخرجون الرّسول وإيّاكم}. من دياركم، لأن آمنتم باللّه.
وقوله: {إن كنتم خرجتم جهادًا في سبيلي وابتغاء مرضاتي} من المؤخّر الّذي معناه التّقديم، ووجه الكلام: يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء تلقون إليهم بالمودّة وقد كفروا بما جاءكم من الحقّ إن كنتم خرجتم جهادًا في سبيلي، وابتغاء مرضاتي يخرجون الرّسول وإيّاكم أن تؤمنوا باللّه ربّكم.
ويعني بقوله تعالى ذكره: {إن كنتم خرجتم جهادًا في سبيلي}.: إن كنتم خرجتم من دياركم، فهاجرتم منها إلى مهاجركم للجهاد في طريقي الّذي شرعته لكم، وديني الّذي أمرتكم به، والتماس مرضاتي.
وقوله: {تسرّون إليهم بالمودّة}. يقول تعالى ذكره للمؤمنين من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: تسرّون أيّها المؤمنون بالمودّة إلى المشركين باللّه. {وأنا أعلم بما أخفيتم} يقول: وأنا أعلم منكم بما أخفى بعضكم من بعضٍ، فأسرّه منه. {وما أعلنتم} يقول: وأعلم أيضًا منكم ما أعلنه بعضكم لبعضٍ، {ومن يفعله منكم فقد ضلّ سواء السّبيل}. يقول جلّ ثناؤه: ومن يسرّ منكم إلى المشركين بالمودّة أيّها المؤمنون فقد ضلّ: يقول: فقد جار عن قصد السّبيل الّتي جعلها اللّه طريقًا إلى الجنّة ومحجّةً إليها.
وذكر أنّ هذه الآيات من أوّل هذه السّورة نزلت في شأن حاطب بن أبي بلتعة، وكان كتب إلى قريشٍ بمكّة يطلعهم على أمرٍ كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد أخفاه عنهم، وبذلك جاءت الآثار والرّواية عن جماعةٍ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وغيرهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عبيد بن إسماعيل الهبّاريّ والفضل بن الصّبّاح، قالا: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن حسن بن محمّد بن عليٍّ، أخبرني عبيد اللّه بن أبي رافعٍ، قال: سمعت عليًّا، رضي اللّه عنه يقول: بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنا والزّبير بن العوّام والمقداد، قال الفضل؛ قال سفيان: نفرٌ من المهاجرين فقال: انطلقوا حتّى تأتوا روضة خاخٍ، فإنّ بها ظعينةً معها كتابٌ، فخذوه منها. فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتّى انتهينا إلى الرّوضة، فوجدنا امرأةً، فقلنا: أخرجي الكتاب، قالت: ليس معي كتابٌ، قلنا: لتخرجنّ الكتاب، أو لنلقينّ الثّياب، فأخرجته من عقاصها، وأخذنا الكتاب؛ فانطلقنا به إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناسٍ بمكّة، يخبرهم ببعض أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا حاطب ما هذا؟ قال: يا رسول اللّه لا تعجل عليّ؛ كنت امرأً ملصقًا في قريشٍ، ولم يكن لي فيهم قرابةٌ، وكان من معك من المهاجرين لهم قراباتٌ، يحمون أهليهم بمكّة، فأحببت إذ فاتني ذلك من النّسب أن أتّخذ فيها يدًا يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفرًا ولا ارتدادًا عن ديني، ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قد صدقكم. فقال عمر: يا رسول اللّه، دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال: إنّه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعلّ اللّه قد اطّلع على أهل بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. زاد الفضل في حديثه، قال سفيان: ونزلت فيه {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء} إلى قوله: {حتّى تؤمنوا باللّه وحده}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن أبي سنانٍ سعيد بن سنانٍ، عن عمرو بن مرّة الجمليّ، عن أبي البختريّ الطّائيّ، عن الحارث، عن عليٍّ رضي اللّه عنه قال: لمّا أراد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أن يأتي مكّة، أسرّ إلى ناسٍ من أصحابه أنّه يريد مكّة فيهم حاطب بن أبي بلتعة، وأفشى في النّاس أنّه يريد خيبر، فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكّة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يريدكم قال: فبعثني النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأبا مرثدٍ وليس منّا رجلٌ إلاّ وعنده فرسٌ، فقال: ائتوا روضة خاخٍ، فإنّكم ستلقون بها امرأةً ومعها كتابٌ، فخذوه منها؛ فانطلقنا حتّى رأيناها بالمكان الّذي ذكر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقلنا: هاتي الكتاب، فقالت: ما معي كتابٌ، فوضعنا متاعها وفتّشنا، فلم نجده في متاعها، فقال أبو مرثدٍ: لعلّه أن لا يكون معها، فقلت: ما كذب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ولا كذب، فقلنا: أخرجي الكتاب، وإلاّ عرّيناك، قال عمرو بن مرّة: فأخرجته من حجزتها وقال حبيبٌ: أخرجته من قبلها فأتينا به النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فإذا الكتاب: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكّة، فقام عمر فقال: خان اللّه ورسوله، ائذن لي أضرب عنقه، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أليس قد شهد بدرًا؟ قال: بلى، ولكنّه قد نكث وظاهر أعداءك عليك، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: فلعلّ اللّه قد اطّلع على أهل بدرٍ، فقال: اعملوا ما شئتم. ففاضت عينا عمر وقال: اللّه ورسوله أعلم، فأرسل إلى حاطبٍ، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا نبيّ اللّه إنّي كنت امرأً ملصقًا في قريشٍ، وكان لي بها أهلٌ ومالٌ، ولم يكن من أصحابك أحدٌ إلاّ وله بمكّة من يمنع أهله ماله، فكتبت إليهم بذلك، واللّه يا نبيّ اللّه إنّي لمؤمنٌ باللّه وبرسوله، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: صدق حاطب بن أبي بلتعة، فلا تقولوا لحاطبٍ إلاّ خيرًا فقال حبيب بن أبي ثابتٍ: فأنزل اللّه عزّ وجلّ {: يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم} الآية.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، حدّثنا عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء تلقون إليهم بالمودّة}. إلى آخر الآية، نزلت في رجلٍ كان مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالمدينة من قريشٍ، كتب إلى أهله وعشيرته بمكّة، يخبرهم وينذرهم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سائرٌ إليهم، فأخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بصحيفته، فبعث إليها عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه، فأتاه بها.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير، عن عروة بن الزّبير وغيره، من علمائنا، قالوا: لمّا أجمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم السّير إلى مكّة كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابًا إلى قريشٍ يخبرهم بالّذي أجمع عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الأمر في السّير إليهم، ثمّ أعطاه امرأةً يزعم محمّد بن جعفرٍ أنّها من مزينة، وزعم غيره أنّها سارّة مولاةٌ لبعض بني عبد المطّلب وجعل لها جعلاً، على أن تبلغه قريشًا، فجعلته في رأسها. ثمّ فتلت عليه قرونها، ثمّ خرجت. وأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الخبر من السّماء بما صنع حاطبٌ، فبعث عليّ بن أبي طالبٍ والزّبير بن العوّام رضي اللّه عنهما، فقال: أدركا امرأةً قد كتب معها حاطبٌ بكتابٍ إلى قريشٍ يحذّرهم ما قد اجتمعنا له في أمرهم. فخرجا حتّى أدركاها بالحليفة حليفة ابن أبي أحمد فاستنزلاها فالتمسا في رحلها، فلم يجدا شيئًا، فقال لها عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه: إنّي أحلف باللّه ما كذب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولا كذبنا، ولتخرجنّ إليّ هذا الكتاب، أو لنكشفنّك؛ فلمّا رأت الجدّ منه، قالت: أعرض عنّي، فأعرض عنها، فحلّت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب فدفعته إليه فجاء به إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حاطبًا، فقال: يا حاطب ما حملك على هذا؟ فقال: يا رسول اللّه، أما واللّه إنّي لمؤمنٍ باللّه ورسوله، ما غيّرت ولا بدّلت، ولكنّي كنت امرأً في القوم ليس لي أصلٌ ولا عشيرةٌ، وكان لي بين أظهرهم أهلٌ وولدٌ، فصانعتهم عليهم. فقال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: دعني يا رسول اللّه فلأضرب عنقه، فإنّ الرّجل قد نافق. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: وما يدريك يا عمر لعلّ اللّه قد اطّلع إلى أصحاب بدرٍ يوم بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل اللّه عزّ وجلّ في حاطبٍ {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء} إلى قوله: {وإليك أنبنا} إلى آخر القصّة.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، عن عروة قال: لمّا نزلت: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء} في حاطب بن أبي بلتعة، كتب إلى كفّار قريشٍ كتابًا ينصح لهم فيه، فأطلع اللّه نبيّه عليه الصّلاة والسّلام على ذلك، فأرسل عليًّا والزّبير، فقال: اذهبا فإنّكما ستجدان امرأةً بمكان كذا وكذا، فأتيا بكتابٍ معها فانطلقا حتّى أدركاها، فقالا: الكتاب الّذي معك، قالت: ليس معي كتابٌ، فقالا: واللّه لا ندع عليك شيئًا إلاّ فتّشناه، أو تخرجينه، قالت: أولستم مسلمين؟ قالا: بلى، ولكنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أخبرنا أنّ معك كتابًا قد أيقنت أنفسنا أنّه معك؛ فلمّا رأت جدّهما أخرجت كتابًا من بين قرونها، فذهبا به إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى كفّار قريشٍ، فدعاه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: أنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: نعم، قال: ما حملك على ذلك؟ قال: أما واللّه ما ارتبت في اللّه منذ أسلمت، ولكنّي كنت امرأً غريبًا فيكم أيّها الحيّ من قريشٍ، وكان لي بمكّة مالٌ وبنونٌ، فأردت أن أدفع بذلك عنهم، فقال عمر رضي اللّه عنه: ائذن لي يا رسول اللّه فأضرب عنقه، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: مهلاً يا ابن الخطّاب، وما يدريك لعلّ اللّه قد اطّلع إلى أهل بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتم فإنّي غافرٌ لكم. قال الزّهريّ: فيه نزلت حتّى {غفورٌ رحيمٌ}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه {لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء} إلى قوله: {بما تعملون بصيرٌ} في مكاتبة حاطب بن أبي بلتعة، ومن معه كفّار قريشٍ يحذّرونهم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء} حتّى بلغ {سواء السّبيل}: ذكر لنا أنّ حاطبًا كتب إلى أهل مكّة يخبرهم سيرورة نبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إليهم زمن الحديبية، فأطلع اللّه عزّ وجلّ نبيّه عليه الصّلاة والسّلام على ذلك، وذكر لنا أنّهم وجدوا الكتاب مع امرأةٍ في قرنٍ من رأسها، فدعاه نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: ما حملك على الّذي صنعت؟ قال: واللّه ما شككت في أمر اللّه، ولا ارتددت فيه، ولكنّ لي هناك أهلاً ومالاً، فأردت مصانعة قريشٍ على أهلي ومالي. وذكر لنا أنّه كان حليفًا لقريشٍ لم يكن من أنفسهم، فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك القرآن، فقال: {إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداءً ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسّوء وودّوا لو تكفرون}). [جامع البيان: 22/557-564]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني عبد الرّحمن بن الحسن القاضي، بهمدان، ثنا إبراهيم بن الحسين، ثنا آدم بن أبي إياسٍ، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، في قوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء تلقون إليهم بالمودّة} [الممتحنة: 1] إلى قوله {واللّه بما تعملون بصيرٌ} [الممتحنة: 3] نزل في مكاتبة حاطب بن أبي بلتعة ومن معه إلى كفّار قريشٍ يحذّرونهم، وقوله تعالى: {إلّا قول إبراهيم لأبيه} [الممتحنة: 4] نهوا أن يتأسّوا باستغفار إبراهيم لأبيه فيستغفروا للمشركين وقوله تعالى {ربّنا لا تجعلنا فتنةً للّذين كفروا} [الممتحنة: 5] لا تعذّبنا بأيديهم ولا بعذابٍ من عندك فيقولون لو كان هؤلاء على الحقّ ما أصابهم «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرّجاه»). [المستدرك: 2/527]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (حدثنا أبو خيثمة.
[2] وقال البزّار: حدثنا محمّد بن المثنّى، قالا: ثنا عمر بن يونس، حدّثني عكرمة بن عمّارٍ، ثنا أبو زميلٍ، قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال عمر رضي الله عنه: كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابًا إلى أهل مكّة، فأطلع الله تعالى نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم فبعث صلّى اللّه عليه وسلّم علياً، والزبير رضي الله عنهما في أثر الكتاب، فأدركا المرأة على بعيرٍ، فاستخرجاه من قرونها، فأتيا به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأرسل إلى حاطبٍ، فقال: يا حاطب، أنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: نعم، قال صلّى اللّه عليه وسلّم: فما حملك على ذلك؟ قال: يا رسول اللّه أما واللّه إنّي لناصح لله تعالى، ولرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ولكن كنت غريبًا في أهل مكّة، وكان أهلي بين ظهرانيهم، وخشيت، فكتبت كتابًا لا يضرّ اللّه ورسوله شيئًا، وعسى أن يكون منفعةً لأهلي قال عمر رضي الله عنه: فاخترطت سيفي، ثمّ قلت: يا رسول اللّه أمكنّي من حاطبٍ - فإنّه قد كفر - فأضرب عنقه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا ابن الخطّاب ما يدريك. لعل الله تعالى اطّلع على هذه العصابة من أهل بدرٍ. فقال: اعملوا ما شئتم. فقد غفرت لكم "
إسناده صحيحٌ.
وذكر الحميدي عن البرقانيّ أنّ مسلمًا أخرجه.
قال الحميديّ: ولم يذكره خلف، ولا أبو مسعودٍ.
قلت: أخرج مسلمٌ بهذا السّند عدّة أحاديث غير هذا). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 15/351-352]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو يعلى والحاكم وصححه، وابن مردويه والضياء في المختارة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين بكتاب فجيء به إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا حاطب ما دعاك إلى ما صنعت قال: يا رسول الله كان أهلي فيهم فخشيت أن يصرموا عليهم فقلت: أكتب كتابا لا يضر الله ورسوله فقلت: أضرب عنقه يا رسول الله فقد كفر فقال: وما يدريك يا ابن الخطاب أن يكون الله أطلع على أهل العصابة من أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم). [الدر المنثور: 14/404]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين كتابا يذكر فيه مسير النّبيّ صلى الله عليه وسلم فبعث به مع امرأة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبها فأخذ الكتاب منها فجيء به إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فدعا حاطبا فقال: أنت كتبت هذا الكتاب قال: نعم يا رسول الله أما والله إني لمؤمن بالله وبرسوله وما كفرت منذ أسلمت ولا شككت منذ استيقنت ولكني كنت امرأ لا نسب لي في القوم إنما كنت حليفهم وفي أيديهم من أهلي ما قد علمت فكتبت إليهم بشيء قد علمت أن لن يغني عنهم من الله شيئا أراده أن أدرأ به عن أهلي ومالي فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله خل عني وعن عدو الله هذا المنافق فأضرب عنقه فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرا عرف عمر أنه قد غضب ثم قال: ويحك يا عمر بن الخطاب وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل موطن من مواطن الخير فقال للملائكة: اشهدوا أني قد غفرت لأعبدي (لعبادي) هؤلاء فليعملوا ما شاؤوا قال عمر: الله ورسوله أعلم، قال: إنهم أهل بدر فاجتنب أهل بدر إنهم أهل بدر فاجتنب أهل بدر إنهم أهل بدر فاجتنب أهل بدر). [الدر المنثور: 14/406-407]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، عن جابر أن حاطب بن أبي بلتعة كتب إلى أهل مكة يذكر أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أراد غزوهم فدل النّبيّ صلى الله عليه وسلم على المرأة التي معها الكتاب فأرسل إليها فأخذ كتابها من رأسها فقال: يا حاطب أفعلت قال: نعم أما إني لم أفعل غشا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفاقا قد علمت أن الله مظهر رسوله ومتم له غير أني كنت غريبا بين ظهرانيهم وكانت والدتي فأردت أن أخدمها عندهم فقال له عمر: ألا أضرب رأس هذا قال: أتقتل رجلا من أهل بدر وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر وقال: اعملوا ما شئتم). [الدر المنثور: 14/407]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي، عن جابر أن عبدا لحاطب بن أبي بلتعة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشتكي حاطبا فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبت لا يدخلها فإنه قد شهد بدرا والحديبية). [الدر المنثور: 14/407-408]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: ذكر لنا أن حاطب بن أبي بلتعة كتب إلى أهل مكة يحذرهم سيرورة رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية فأطلع الله نبيه على ذلك فقال له نبي الله: ما حملك على الذي صنعت قال: أما والله ما شككت في أمري ولا ارتبت فيه ولكن كان لي هناك مال وأهل فأردت مصانعة قريش على أهلي ومالي وذكر لنا أنه كان حليفا لقريش ولم يكن من أنفسهم فأنزل الله القرآن وقال: {إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء} إلى قوله: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه} {إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك} قال: يقول فلا تأسوا في ذلك فإنها كانت موعدة وعدها إياه ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا يقول: لا تظهرهم علينا ففتنوا بذلك يرون أنهم إنما ظهروا لأنهم أولى بالحق منا). [الدر المنثور: 14/408]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} إلى قوله {بما تعملون بصير} قال: في مكاتبة حاطب بن أبي بلتعة ومن معه إلى كفار قريش يحذرونهم، وفي قوله {إلا قول إبراهيم لأبيه} قال: نهوا أن يأتسوا باستغفار إبراهيم لأبيه فيستغفروا للمشركين، وفي قوله: {ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا} قال: لا تعذبنا بأيديهم ولا تعذب من عبدك فيقولوا: لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا). [الدر المنثور: 14/408-409]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه من طريق مجاهد عن ابن عباس {لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} إلى قوله: {بصير} في مكاتبة حاطب بن أبي بلتعة ومن معه إلى كفار قريش يحذرونهم وقوله: {إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك} نهو أن يتأسوا باستغفار إبراهيم لأبيه وقوله: {ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا} لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك فيقولون: لو كان هؤلاء على الحق ما أصابهم هذا). [الدر المنثور: 14/409]
تفسير قوله تعالى: (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداءً ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسّوء وودّوا لو تكفرون (2) لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم واللّه بما تعملون بصيرٌ}.
يقول تعالى ذكره: {إن يثقفوكم} هؤلاء الّذين تسرّون أيّها المؤمنون إليهم بالمودّة، {يكونوا لكم} حربًا و{أعداءً ويبسطوا إليكم أيديهم} بالقتال {وألسنتهم بالسّوء}.
وقوله: {وودّوا لو تكفرون} يقول: وتمنّوا لكم أن تكفروا بربّكم، فتكونوا على مثل الّذي هم عليه). [جامع البيان: 22/564-565]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: ذكر لنا أن حاطب بن أبي بلتعة كتب إلى أهل مكة يحذرهم سيرورة رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية فأطلع الله نبيه على ذلك فقال له نبي الله: ما حملك على الذي صنعت قال: أما والله ما شككت في أمري ولا ارتبت فيه ولكن كان لي هناك مال وأهل فأردت مصانعة قريش على أهلي ومالي وذكر لنا أنه كان حليفا لقريش ولم يكن من أنفسهم فأنزل الله القرآن وقال: {إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء} إلى قوله: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه} {إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك} قال: يقول فلا تأسوا في ذلك فإنها كانت موعدة وعدها إياه ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا يقول: لا تظهرهم علينا ففتنوا بذلك يرون أنهم إنما ظهروا لأنهم أولى بالحق منا). [الدر المنثور: 14/408] (م)
تفسير قوله تعالى: (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (قوله: {لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة}. يقول تعالى ذكره: لا يدعونكم أرحامكم وقراباتكم وأولادكم إلى الكفر باللّه، واتّخاذ أعدائه أولياء تلقون إليهم بالمودّة. فإنّه لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم عند اللّه يوم القيامة، فتدفع عنكم عذاب اللّه يومئذٍ، إن أنتم عصيتموه في الدّنيا، وكفرتم به.
وقوله: {يفصل بينكم}. يقول جلّ ثناؤه: يفصل ربّكم أيّها المؤمنون بينكم يوم القيامة بأن يدخل أهل طاعته الجنّة، وأهل معاصيه والكفر به النّار.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء المدينة ومكّة والبصرة: (يفصل بينكم) بضمّ الياء وتخفيف الصّاد وفتحها، على ما لم يسمّ فاعله. وقرأه عامّة قرّاء الكوفة خلا عاصمٍ بضمّ الياء وتشديد الصّاد وكسرها بمعنى: (يفصّل) اللّه بينكم أيّها القوم. وقرأه عاصمٌ بفتح الياء وتخفيف الصّاد وكسرها، بمعنى {يفصل} اللّه بينكم. وقرأ بعض قرّاء الشّام يفصّل بضمّ الياء وفتح الصّاد وتشديدها على وجه ما لم يسمّ فاعله.
وهذه القراءات متقاربات المعاني صحيحاتٌ في الإعراب، فبأيّتها قرأ القارئ فمصيبٌ.
وقوله: {واللّه بما تعملون بصيرٌ}. يقول جلّ ثناؤه: واللّه بأعمالكم أيّها النّاس ذو علمٍ وبصرٍ، لا يخفى عليه منها شيءٌ، هو بجميعها محيطٌ، وهو مجازيكم بها إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ، فاتّقوا اللّه في أنفسكم واحذروه). [جامع البيان: 22/565]