تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويوم نحشرهم جميعًا ثمّ نقول للّذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيّلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيّانا تعبدون}.
يقول تعالى ذكره: ويوم نجمع الخلق لموقف الحساب جميعًا، ثمّ نقول حينئذٍ للّذين أشركوا باللّه الآلهة والأنداد: مكانكم؛ أي امكثوا مكانكم، وقفوا في موضعكم أنتم أيّها المشركون، وشركاؤكم الّذين كنتم تعبدونهم من دون اللّه من الآلهة والأوثان {فزيّلنا بينهم} يقول: ففرّقنا بين المشركين باللّه، وما أشركوه به، وبين غيره وأبنته منه. وقال: فزيّلنا إرادة تكثير الفعل وتكريره. ولم يقل: فزلنا بينهم.
وقد ذكر عن بعضهم أنّه كان يقرؤه: فزايلنا بينهم، كما قيل: {ولا تصعّر خدّك} ولا تصاعر خدّك، والعرب تفعل ذلك كثيرًا في فعلت، يلحقون فيها أحيانًا ألفًا مكان التّشديد، فيقولون: فاعلت إذا كان الفعل لواحدٍ. وأمّا إذا كان لاثنين فلا تكاد تقول إلاّ فاعلت.
{وقال شركاؤهم ما كنتم إيّانا تعبدون} وذلك حين {تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب} لمّا قيل للمشركين اتّبعوا ما كنتم تعبدون من دون اللّه، ونصبت لهم آلهتهم، قالوا: كنّا نعبد هؤلاء، فقالت الآلهة لهم: ما كنتم إيّانا تعبدون.
- كما حدّثت عن مسلم بن خالدٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: يكون يوم القيامة ساعةً فيها شدّةٌ تنصب لهم الآلهة الّتي كانوا يعبدون، فيقال: هؤلاء الّذين كنتم تعبدون من دون اللّه، فتقول الآلهة: واللّه ما كنّا نسمع ولا نبصر ولا نعقل ولا نعلم أنّكم كنتم تعبدوننا فيقولون: واللّه لإيّاكم كنّا نعبد فتقول لهم الآلهة: {فكفى باللّه شهيدًا بيننا وبينكم إن كنّا عن عبادتكم لغافلين}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ويوم نحشرهم جميعًا ثمّ نقول للّذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيّلنا بينهم} قال: فرّقنا بينهم. {وقال شركاؤهم ما كنتم إيّانا تعبدون} قالوا: بلى قد كنّا نعبدكم، فقالوا {كفى باللّه شهيدًا بيننا وبينكم إن كنّا عن عبادتكم لغافلين} ما كنّا نسمع ولا نبصر ولا نتكلّم. فقال اللّه: {هنالك تبلو كلّ نفسٍ ما أسلفت} الآية.
وروي عن مجاهدٍ، أنّه كان يتأوّل الحشر في هذا الموضع: الموت.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن الأعمش، قال: سمعتهم يذكرون، عن مجاهدٍ، في قوله: {ويوم نحشرهم جميعًا} قال: الحشر: الموت.
والّذي قلنا في ذلك أولى بتأويله؛ لأنّ اللّه تعالى ذكره أخبر أنّه يقول يومئذٍ للّذين أشركوا ما ذكر أنّه يقول لهم، ومعلومٌ أنّ ذلك غير كائنٍ في القبر، وأنّه إنّما هو خبرٌ عمّا يقال لهم ويقولون في الموقف بعد البعث). [جامع البيان: 12/170-172]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ويوم نحشرهم جميعًا ثمّ نقول للّذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيّلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيّانا تعبدون (28)
قوله تعالى: ويوم نحشرهم
- حدّثنا عمرو بن عبد اللّه الأوديّ، ثنا وكيعٌ، عن الأعمش قال سمعتهم يذكرون عن مجاهدٍ: ويوم نحشرهم قال: الحشر: الموت.
قوله تعالى: جميعًا
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن نميرٍ، عن حنظلة القاصّ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قال: يحشر كلّ شيءٍ حتّى إنّ الذّباب يحشر.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا زيد بن الحباب، عن أبي سنانٍ، عن الضّحّاك، في قوله: جميعًا قال: البرّ والفاجر.
قوله تعالى: ثمّ نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة قال: ما للّه من شريكٍ في السّماء ولا في الأرض.
قوله تعالى: فزيّلنا بينهم
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، في قول اللّه: فزيّلنا بينهم قال: فرّقنا بينهم.
قوله تعالى: وقال شركاؤهم الآية
- وبه سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه: وقال شركاؤهم ما كنتم إيّانا تعبدون: فقالوا: بلى قد كنّا نعبدكم). [تفسير القرآن العظيم: 6/1947-1948]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 28 - 32.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {ويوم نحشرهم} قال: الحشر الموت.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله {فزيلنا بينهم} قال: فرقنا بينهم). [الدر المنثور: 7/660]
تفسير قوله تعالى: (فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29) )
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالدٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: يأتي يوم القيامة ساعةٌ (فيها لينٌ يرى) أهل الشّرك أهل التّوحيد يغفر لهم فيقولون: {والله ربنا ما كنا مشركين} قال اللّه عزّ وجلّ: {انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون} ثمّ يكون بعدها ساعةٌ فيها شدّةٌ تُنصب لهم الآلهة الّتي كانوا يعبدون من دون اللّه ويقال لهم: هؤلاء الّذين كنتم تعبدون من دون اللّه. ويقولون: نعم: هؤلاء الّذين كنّا نعبد، فتقول لهم الآلهة: واللّه ما كنّا نسمع ولا نبصر ولا نعقل ولا نعلم أنّكم كنتم تعبدوننا قال فيقولون: بلى واللّه لإيّاكم كنّا نعبد. فتقول لهم الآلهة: {فكفى باللّه شهيدًا بيننا وبينكم إن كنّا عن عبادتكم لغافلين}). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 49] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فكفى باللّه شهيدًا بيننا وبينكم إن كنّا عن عبادتكم لغافلين}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل شركاء المشركين من الآلهة والأوثان لهم يوم القيامة، إذ قال المشركون باللّه لها: إيّاكم كنّا نعبد، كفى باللّه شهيدًا بيننا وبينكم؛ أي إنّها تقول: حسبنا اللّه شاهدًا بيننا وبينكم أيّها المشركون، فإنّه قد علم أنّا ما علمنا ما تقولون. {إن كنّا عن عبادتكم لغافلين} يقول: ما كنّا عن عبادتكم إيّانا دون اللّه إلاّ غافلين، لا نشعر به، ولا نعلم.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {إن كنّا عن عبادتكم لغافلين} قال ذلك كلّ شيءٍ يعبد من دون اللّه.
- حدّثني المثنّى، قال: ثني إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ: {إن كنّا عن عبادتكم لغافلين} قال: يقول ذلك كلّ شيءٍ كان يعبد من دون اللّه). [جامع البيان: 12/172-173]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فكفى باللّه شهيدًا بيننا وبينكم إن كنّا عن عبادتكم لغافلين (29)
قوله تعالى: فكفى باللّه شهيدًا بيننا وبينكم
- وبه في قوله: فكفى باللّه شهيدًا بيننا وبينكم ما كنّا نسمع ولا نبصر ولا نتكلّم.
- حدّثنا أبي، ثنا عيسى بن جعفرٍ قاضي الرّيّ، ثنا مسلم بن خالدٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: يأتي على الناس يوم القيامة ساعة فيها لن يرى أهل الشّرك أهل التّوحيد يغفر لهم فيقولون: ربّنا ما كنّا مشركين فيقول اللّه تعالى: انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون ثمّ يكون من بعدها ساعةٌ فيها شدّةٌ تنصب لهم الآلهة الّتي كانوا يعبدون من دون اللّه فيقول: هؤلاء الّذين كنتم تعبدون من دون اللّه فيقولون: نعم هؤلاء الّذين كنّا نعبد فتقول لهم الآلهة: واللّه ما كنّا نسمع ولا نبصر ولا نعقل ولا نعلم إنّكم تعبدوننا، فيقولون: بلى واللّه إيّاكم كنّا نعبد قال: فيقول لهم اللّه: فكفى باللّه شهيدًا بيننا وبينكم إنّ كنّا عن عبادتكم لغافلين.
قوله تعالى: إنّ كنّا عن عبادتكم لغافلين
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: عن عبادتكم لغافلين يقول لكلّ شيءٍ كان يعبد دون اللّه.
- حدّثنا أبي، ثنا عيسى بن جعفرٍ، ثنا مسلم بن خالدٍ عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ كنّا عن عبادتكم لغافلين فتقول لهم الآلهة: واللّه ما كنّا نسمع ولا نبصر ولا نعقل ولا نعلم أنّكم كنتم تعبدوننا). [تفسير القرآن العظيم: 6/1948-1949]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله إن كنا عن عبادتكم لغافلين قال هذا قول كل شيء كان يعبد من دون الله عز وجل). [تفسير مجاهد: 293]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه قال: يأتي على الناس يوم القيامة ساعة فيها لين يرى أهل الشرك أهل التوحيد يغفر لهم فيقولون (والله ربنا ما كنا مشركين) (الأنعام الآية 23) قال الله (أنظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون) (الأنعام الآية 24) ثم يكون من بعد ذلك ساعة فيها شدة تنصب لهم الآلهة التي كانوا يعبدون من دون الله فيقول: هؤلاء الذين كنتم تعبدون من دون الله فيقولون: نعم هؤلاء الذين كنا نعبد، فتقول لهم الآلهة: والله ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نعقل ولا نعلم أنكم كنتم تعبدوننا، فيقولون: بلى والله لإيأكم كنا نعبد، فتقول لهم الآلهة {فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين}). [الدر المنثور: 7/660]
تفسير قوله تعالى: (هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {هنالك تبلو كلّ نفسٍ ما أسلفت وردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ وضلّ عنهم مّا كانوا يفترون}.
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {هنالك تبلو كلّ نفسٍ} بالباء، بمعنى: عند ذلك تختبر كلّ نفسٍ بما قدّمت من خيرٍ أو شرٍّ.
وكان ممّن يقرؤه ويتأوّله كذلك مجاهدٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {هنالك تبلو كلّ نفسٍ ما أسلفت} قال: تختبر.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وقرأ ذلك جماعةٌ من أهل الكوفة وبعض أهل الحجاز: تتلو كلّ نفسٍ ما أسلفت بالتّاء.
واختلف قارئو ذلك كذلك في تأويله، فقال بعضهم: معناه وتأويله: هنالك تتبع كلّ نفسٍ ما قدّمت في الدّنيا لذلك اليوم.
وروي بنحو ذلك خبرٌ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من وجهٍ وسندٍ غير مرتضى أنّه قال: يمثّل لكلّ قومٍ ما كانوا يعبدون من دون اللّه يوم القيامة، فيتبعونهم حتّى يوردوهم النّار قال: ثمّ تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية: {هنالك تبلو كلّ نفسٍ ما أسلفت}.
وقال بعضهم: بل معناه: تتلو كتاب حسناته وسيّئاته، يعني تقرأ، كما قال جلّ ثناؤه: {ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا}.
وقال آخرون: تبلو: تعاين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {هنالك تبلو كلّ نفسٍ ما أسلفت} قال: ما عملت. تبلو: تعاينه.
والصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكلّ واحدةٍ منهما أئمّةٌ من القرّاء، وهما متقاربتا المعنى؛ وذلك أنّ من تبع في الآخرة ما أسلف من العمل في الدّنيا، هجم به على مورده، فيخبر هنالك ما أسلف من صالحٍ أو سيّئٍ في الدّنيا، وإنّ من خبّر ما أسلف في الدّنيا من أعماله في الآخرة، فإنّما يخبّر بعد مصيره إلى حيث أحلّه ما قدّم في الدّنيا من عمله، فهو في كلتا الحالتين متّبعٌ ما أسلف من عمله مختبرٌ له، فبأيّتهما قرأ القارئ كما وصفنا فمصيب الصّواب في ذلك.
وأمّا قوله: {وردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ} فإنّه يقول: ورجع هؤلاء المشركون يومئذٍ إلى اللّه الّذي هو ربّهم ومالكهم الحقّ لا شكّ فيه دون ما كانوا يزعمون أنّهم لهم أربابٌ من الآلهة والأنداد. {وضلّ عنهم مّا كانوا يفترون} يقول: وبطل عنهم ما كانوا يتخرّصون من الفرية والكذب على اللّه بدعواهم أوثانهم أنّها للّه شركاء، وأنّها تقرّبهم منه زلفى.
- كما حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ وضلّ عنهم ما كانوا يفترون} قال: ما كانوا يدعون معه من الأنداد والآلهة، ما كانوا يفترون الآلهة، وذلك أنّهم جعلوها أندادًا وآلهةً مع اللّه افتراءً وكذبًا). [جامع البيان: 12/173-175]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (هنالك تبلو كلّ نفسٍ ما أسلفت وردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ وضلّ عنهم ما كانوا يفترون (30)
قوله تعالى: هنالك تبلوا كل نفس
[الوجه الأول]
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت قال: تختبر.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا الرّبيع بن عبد اللّه بن خطّافٍ قال: سمعت الحسن في قوله: هنالك تبلوا كلّ نفسٍ ما أسلفت قال: هنالك تسلم كلّ نفسٍ.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليٍّ ثنا عامر بن الفرات، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ: قوله: هنالك تبلوا كلّ نفسٍ يقول: مبتغ كلّ نفسٍ.
قوله تعالى: ما أسلفت
- حدّثنا أبي، ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا الرّبيع بن عبد اللّه بن خطّافٍ قال:
سمعت الحسين، في قوله: ما أسلفت قالا: عملت. وروي عن عبد الرّحمن بن زيد ابن أسلم نحو ذلك.
قوله تعالى: وردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ
- ذكر لي عن محمّد بن عبد اللّه بن عمر، ثنا يزيد بن هارون، عن قيسٍ قال: دخل عثمان بن عفّان على عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه عنهما فقال: كيف تجدك؟ قال: مردودٌ إلى مولاي الحقّ.
قوله تعالى: وضلّ عنهم
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قوله: وضلّ عنهم ما كانوا يفترون هذا في القيامة.
قوله تعالى: ما كانوا يفترون
[الوجه الأول]
- وبه عن ابن عبّاسٍ في قوله: ما كانوا يفترون أي: يشركون.
الوجه الثّاني:
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: وضلّ عنهم ما كانوا يفترون وقال: ما كانوا يدعون معه من الأنداد والآلهة، وذلك جعلوها أندادًا مع اللّه افتراءً وكذبًا). [تفسير القرآن العظيم: 6/1949-1950]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت يقول تختبر كل نفس ما أسلفت). [تفسير مجاهد: 293-294]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يمثل لهم يوم القيامة ما كانوا يعبدون من دون الله فيتبعونهم حتى يوردوهم النار ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت}.
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه كان يقرأ هنالك تتلو بالتاء قال: هنالك تتبع.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه هنالك تتلو يقال: تتبع.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه {هنالك تبلو} يقول: تختبر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه {هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت} قال: عملت.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه {هنالك تبلو} قال: تعاين {كل نفس ما أسلفت} قال: عملت {وضل عنهم ما كانوا يفترون} قال: ما كانوا يدعون معه من الأنداد.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله {وردوا إلى الله مولاهم الحق} قال: نسختها قوله (مولى الذين آمنوا وإن الكافرين لا مولى لهم) (محمد الآية 11) ). [الدر المنثور: 7/660-661]