{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10) سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (14) }
تفسير قوله تعالى: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ...}.
كان فتح وفيه قتال [قليل] مراماة بالحجارة، فالفتح قد يكون صلحا، ويكون أخذ الشيء عنوة، ويكون القتال إنما أريد به يوم الحديبية). [معاني القرآن: 3/64]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا } أي قضينا لك قضاء عظيما. ويقال: للقاضي: الفتاح). [تفسير غريب القرآن: 412]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال عز وجل: {ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} [سبأ: 26] أي: يقضي، {وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف: 89]: أي خير القضاة.
وقال أعرابي لآخر ينازعه: بيني وبينكم الفتاح، يعني الحاكم.
[تأويل مشكل القرآن: 492]
وقال ابن عباس في قول الله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1] كنت أقرؤها ولا أدري ما هي، حتى تزوجت بنت مشرح فقالت: فتح الله بيني وبينك، أي حكم الله بيني وبينك). [تأويل مشكل القرآن: 493] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله - عزّ وجلّ -: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)}
جاء في التفسير أنه فتح الحديبية، وكان هذا الفتح عن غير قتال قيل إنه كان عن تراض بين القوم.
والحديبية بئر فسمي المكان باسم البئر.
والفتح إنما هو الطفر بالمكان والمدينة والقرية، كان بحرب أو بغير حرب، أو كان دخول عنوة أو صلح، فهو فتح لأن الموضع إنما يكون منغلقا فإذا صار في اليد فهو فتح.
ومعنى {فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا } - واللّه أعلم - هو الهداية إلى الإسلام.
وجاء في التفسير: قضينا لك قضاء مبينا أي حكمنا لك بإظهار دين الإسلام والنصرة على عدوك.
وأكثر ما جاء في التفسير أنه فتح الحديبية، وكان في فتح الحديبية آية عظيمة من آيات النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك أنها بئر فاستقي جميع ما فيها من الماء حتى نزحت ولم يبق فيها ماء، فتمضمض رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - ثم مجّه فيها فدرت البئر بالماء حتى شرب جميع من كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وليس يخرج هذا من معنى فتحنا لك فتحا مبينا أنه يعنى به الهداية إلى الإسلام، ودليل ذلك قوله ( {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2)}
فالمعنى فتحنا لك فتحا في الدين لتهتدي به أنت والمسلمون). [معاني القرآن: 5/19-20]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( من ذلك قوله جل وعز: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [آية: 1]
روى قتادة عن أنس قال نزلت إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد نزلت علي آية أحب إلي من جميع الدنيا ثم تلاها فقال رجل من المسلمين هنيئا مريئا هذا لك يا رسول الله فماذا لنا فأنزل الله جل وعز: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } إلى آخر الآية
قال مجاهد في قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} قال قضينا لك قضاء بينا
قال سفيان ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك أي ما كان في الجاهلية وما تأخر قال ما كان في الإسلام مما لم تعمله بعد
قال أبو جعفر في قوله جل وعز: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} ثلاثة أقوال متقاربة:
أ- منها ما تقدم أنه فتح الحديبية والحديبية بئر سمي المكان باسمها
قال أبو جعفر ولا أعرف أحدا من أهل اللغة يشدد الياء منها وكان في فتحها أعظم الآيات لأن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روي ورد على هذه البئر وقد نزف ماؤها فتمضمض وتفل فيها فأقبل الماء حتى شرب كل من كان معه ولم يكن بينهم إلا ترام حتى كان الفتح هذا قول
ب-وقيل المعنى إنا فتحنا لك فتحا مبينا باجتناب الكبائر ليغفر لك الله الصغائر
ج-وقيل إنا فتحنا لك فتحا بالهداية إلى الإسلام فهذه الأقوال متقاربة وقول مجاهد يجمعها لأن فتح الحديبية قضاء من قضاء الله وهداية من هدايته يهدي بها من شاء وكذلك اجتناب الكبائر
وقد روي عن ابن عباس ما يقويه قال ما كنت أدري ما معنى إنا فتحنا حتى قالت لي ابنة مشرح فتح الله بيني وبينك
وقوله تعالى: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق} ). [معاني القرآن: 6/491-494]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( { فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا }: أي قضينا لك ومنه قيل للقاضي "الفتاح"). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 233]
تفسير قوله تعالى: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله ({لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2)}
فالمعنى فتحنا لك فتحا في الدين لتهتدي به أنت والمسلمون). [معاني القرآن: 5/20] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقد تكلم العلماء في قوله تعالى:{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [آية: 2]
فقال أبو حاتم المعنى ليغفرن لك الله
وقال أبو الحسن بن كيسان لا يجوز أن تكون إلا لام كي قال: قال الله جل وعز: { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا } فأمر الله أن يستغفره إذا كان الفتح ووعده بالمغفرة فكان قوله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} متعلقا بذاك
وقيل: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} مما كان أي مما كان مقدما ومؤخرا وقد وقع ذلك كله
وقيل ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر كله للمستقبل أي لتقع المغفرة في الاستقبال فيما يكون من الذنوب أولا وآخرا). [معاني القرآن: 6/495-496]
تفسير قوله تعالى: (وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ومعنى ({وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3)}
نصرا نصرا ذا عزّ لا يقع معه ذلّ). [معاني القرآن: 5/20]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} [آية: 3] أي نصرا ذا عز لا ذل معه). [معاني القرآن: 6/496]
تفسير قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} أي السكون والطمأنينة). [تفسير غريب القرآن: 412]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم أعلم عن أسباب فتح الدين على نبيه عليه السلام فقال:
({هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)}
أي أسكن قلوبهم التعظيم لله ولرسوله، والوقار.
وقوله عزّ وجلّ: ( {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}).
تأويله - واللّه أعلم - أن جميع ما خلق الله في السّماوات والأرض جنود له، لأن ذلك كله يدل على أنه واحد وأنه لا يقدر أحد أن يأتي بمثل شيء واحد مما خلق اللّه في السّماوات والأرض.
ومن الدليل أيضا على أن معنى قوله: {إنّا فتحنا لك} أي إنّا أرشدناك إلى الإسلام وفتحنا لك أمر الدين). [معاني القرآن: 5/20]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [آية: 4] {السَّكِينَةَ} أي السكون والطمأنينة
وقوله جل وعز:{وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [آية: 4]
أي كل ما فيها يدل على أن له خالقا وأنه واحد). [معاني القرآن: 6/496-497]
تفسير قوله تعالى: (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [آية: 5]
أي فتح لك بالإسلام والهداية بهذا ويدل عليه أيضا قوله سبحانه: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَوَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ }[آية:6]
لأنهم ظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرجع). [معاني القرآن: 6/497-498] (م)
تفسير قوله تعالى: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {دَائِرَةُ السَّوْءِ...}.
مثل قولك: رجل السّوء، ودَائِرَةُ السَّوْءِ: العذاب، والسّوء أفشى في اللغة وأكثر، وقلما تقول العرب: دائرة السّوء). [معاني القرآن: 3/65]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (قوله جل ثناؤه " {عليهم دَائِرَةُ السَّوْءِ} " تدور عليهم قال حميد:
ودائرات الدهر أن تدورا). [مجاز القرآن: 2/217]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله عزّ وجلّ: ( {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6)}
كانوا يظنون أن لن يعود الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبهم، فجعل الله دائرة السّوء عليهم.
ومن قرأ " {ظَنَّ السَّوْءِ}" فهو كما ترى أيضا.
قال أبو إسحاق: ولا أعلم أحدا قرأ بها، وقد قيل أيضا إنه قرئ به.
وزعم الخليل وسيبويه أن معنى السوء ههنا الفساد.
والمعنى: الظانين باللّه ظنّ الفساد، وهو ما ظنّوا أن الرسول عليه السلام ومن معه لا يرجعون.
قال اللّه تعالى: {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} أي الفساد والهلاك يقع بهم
{وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} ). [معاني القرآن: 5/20-21]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [آية: 5]
أي فتح لك بالإسلام والهداية بهذا
ويدل عليه أيضا قوله سبحانه: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَوَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ } [آية: 6]
لأنهم ظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرجع عليهم دائرة السوء أي الهلاك
ويقرأ السوء والفرق بينهما أن السوء الشيء بعينه والسوء الفعل). [معاني القرآن: 6/497-498]
تفسير قوله تعالى: (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( ({وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7)}
تفسيره مثل الأول.
{وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} عاليا حكيما فيما دبّره). [معاني القرآن: 5/21]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: ({إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8)}
أي شاهدا على أمتك يوم القيامة.
وهذه حال مقدّرة أي مبشرا بالجنة من عمل خيرا ومنذرا من عمل شرّا بالنّار). [معاني القرآن: 5/21]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [آية: 8]
قال قتادة : أي شاهدا على أمتك ومبشرا المحسن منهم ونذيرا المسيء
قال أبو جعفر : هذا قول حسن وهذه حال مقدرة
حكى سيبويه : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا
فالمعنى إنا أرسلناك مقدرين لشهادتك يوم القيامة وعلى هذا تقول رأيت عمروا قائما غدا). [معاني القرآن: 6/498-499]
تفسير قوله تعالى: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا...} ثم قال: {لِتُؤْمِنُوا...}.
ومعناه: ليؤمن بك من آمن، ولو قيل: ليؤمنوا؛ لأن المؤمن غير المخاطب، فيكون المعنى: إنا أرسلناك ليؤمنوا بك، والمعنى في الأول يراد به مثل هذا، وإن كان كالمخاطب؛ لأنك تقول للقوم: قد فعلتم وليسوا بفاعلين كلهم، أي فعل بعضكم، فهذا دليل على ذلك.
وقوله: {وَتُعَزِّرُوهُ...}.
تنصروه بالسيف كذلك ذكره عن الكلبي). [معاني القرآن: 3/65]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( "وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ" تعزروه: تعظموه). [مجاز القرآن: 2/217]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وتعزروه}: تسودوه وتشرفوه). [غريب القرآن وتفسيره: 341]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وَتُعَزِّرُوهُ} أي تعظموه. وفي تفسير أبي صالح: تنصروه). [تفسير غريب القرآن: 412]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يخاطب الرجل بشيء ثم يجعل الخطاب لغيره:
كقوله: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} [هود: 14]، الخطاب للنبي، صلّى الله عليه وسلم، ثم قال للكفار: {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [هود: 14] يدلك على ذلك قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [هود: 14].
وقال: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى}؟ [طه: 49].
وقال: {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه: 117].
وقال: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الفتح: 8]، ثم قال: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: 9].
[تأويل مشكل القرآن: 290]
وقال: {إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [النجم: 32]، يريد أباكم آدم، صلّى الله عليه وسلم). [تأويل مشكل القرآن: 291] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)}
الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - وخطاب للناس ولأمّته ، والمعنى يدل على ذلك.
ويجوز {ليؤمنوا باللّه ورسوله}وقد قرئ بهما جميعا.
وجائز أن يكون {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} خطابا للمومنين وللنّبي جميعا.
لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد آمن بالله وبآياته وكتبه ورسله.
وقوله {شَاهِدًا} حال مقدرة، أي يكون يوم القيامة، والبشارة والإنذار حال يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - ملابسا لها في الدنيا لمن شاهده فيها من أمّته، وحال مقدرة لمن يأتي بعده من أمّته إلى يوم القيامة ممن لم يشاهده.
يعني بقوله مقدّرة أن الحال عنده في وقت الإخإر على ضربين.
حال ملابسة يكون المخبر ملابسا لها في حين إخباره.
وحال مقدّرة لأن تلابس في ثان من الزمان.
وقوله عزّ وجلّ: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} معنى {وَتُعَزِّرُوهُ} تنصروه، يقال: عزّرته أعزّره، أي نصرته مرة بعد مرة.
وجاء في التفسير لتنصروه بالسيف ويجوز ولتعزروه، يقال: عزرته أعزره عزرا، وعزّرته أعزّره عزرا وتعزيرا. ونصرة النبي - صلى الله عليه وسلم - هي نصرة الله عزّ وجلّ.
{وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} فهذه الهاء ترجع على اللّه عزّ وجلّ.
ومعنى يسبحون اللّه، أي يصلّون له. والتسبيح في اللغة تعظيم الله وتنزيهه عن السوء). [معاني القرآن: 5/21-22]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [آية: 9]
روى شعبة عن أبي بشر عن عكرمة في قوله تعالى: {وَتُعَزِّرُوهُ} قال وتقاتلوا معه بالسيف
قال قتادة وتنصروه
وقرأ جويبر أي وتفخموه
وقرأ عاصم الجحدري وتعزروه
وأصله في اللغة من التبجيل والتطهير ومنه التعزير الذي هو دون الحد
وقرأ محمد اليماني وتعززوه بزاءين معجمتين يقال عززه أي جعله عزيزا وقواه ومنه قوله تعالى: {فعززنا بثالث}
ويجوز أن يكون وتعزروه وتوقروه لله جل وعز وحده ويجوز أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم
9 - فأما قوله تعالى: {وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [آية: 9]
فلا يجوز أن تكون إلا لله جل وعز لأنه ليس يخلو من أن يكون معناه كما قال جويبر وتصلوا له
أو يكون معناه وتعظموه وتنزهوه). [معاني القرآن: 6/499-500]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ} قال: التعزير: النصرة بالسيف واللسان). [ياقوتة الصراط: 471]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ويُعَزِّرُوه}: أي تعظموه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 233]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وتُعَزِّرُوه}: تعظموه). [العمدة في غريب القرآن: 276]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ...} بالوفاء والعهد). [معاني القرآن: 3/65]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)}
أي أخذك عليهم البيعة عقد للّه عزّ وجلّ عليهم.
ومعنى {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} يحتمل ثلاثة أوجه:
منها وجهان جاءا في التفسير، أحدهما يد اللّه في الوفاء فوق أيديهم.
وجاء أيضا يد اللّه في الثواب فوق أيديهم.
والتفسير - واللّه أعلم - يد الله في المنّة عليهم في الهداية فوق أيديهم في الطاعة.
وقوله: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} والنكث في اللغة نقض ما تعقده، وما تصلحه.
وجاء في التفسير: ثلاثة أشياء ترجع على أهلها.
أحدها النكث. والبغي والمكر.
قال اللّه - عزّ وجلّ - {إنّما بغيكم على أنفسكم}.
والمكر قال اللّه عزّ وجلّ: {ولا يحيق المكر السّيّئ إلّا بأهله}
وقوله: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.
{فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}
ويقرأ {فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.
ويقرأ عليه اللّه، وعليه اللّه.
وقد فسرنا مثل هذا فيما سلف). [معاني القرآن: 5/22]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} [آية: 10]
أي عقدك عليهم البيعة عقد لله جل وعز
ثم قال جل وعز: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [آية: 10]
أي يد الله في الثواب ، وقيل في الوفاء ، وقيل في المنة عليهم بالهداية
{ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } في الطاعة
{فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} يقال نكث إذا نقض ما اعتقده). [معاني القرآن: 6/501-502]
تفسير قوله تعالى: (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ...}.
الذين تخلفوا عن الحديبية: شغلتنا أموالنا وأهلونا، وهم أعراب: أسلم، وجهينة، ومزينة، وغفار ـ ظنوا أن لن ينقلب رسول الله صلى الله عليه، فتخلفوا.
وقوله: {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا...}.
ضم يحيى بن وثاب وحده الضاد، ونصبها عاصم، وأهل المدينة والحسن "ضراً"). [معاني القرآن: 3/65]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( ({سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11)}
(فَاسْتَغْفِرْ لَنَا) بإظهار الراء عند اللام، وقد رويت عن أبي عمرو فاستغفلّنا بالإدغام، وكذلك في قوله يغفلّكم.
ولا يجيز سيبويه والخليل إدغام الراء في اللام.
ولا يحكون هذه اللغة عن أحد من العرب -، ويذكرون أن إدغام الراء في اللام غير جائز لأن الراء عندهم حرف مكرر، فإذا أدغم في اللام بطل هذا الإشباع الذي فيه.
وأعلم الله عزّ وجلّ أن هؤلاء منافقون فقال: {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ}) ). [معاني القرآن: 5/22-23]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا} [آية: 11]
قال مجاهد هم أعراب المدينة وجهينة ومزينة
ثم قال تعالى: {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} أي ليس لنا من يحفظ أموالنا ويقوم بأهالينا). [معاني القرآن: 6/502]
تفسير قوله تعالى: (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: { أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا...} وفي قراءة عبد الله: "{إلى أهلهم}" بغير ياء، والأهل جمع وواحد.
وقوله: {وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا ...}.
[حدثنا محمد قال]: حدثنا الفراء قال: حدثني حبان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: البور في لغة أزد عمان: الفاسد، (وكنتم قَوْمًا بُورًا)، قوما فاسدين، والبور في كلام العرب: لاشيء يقال: أصبحت أعمالهم بورا، ومساكنهم قبورا). [معاني القرآن: 3/66]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( "وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا " هلكى). [مجاز القرآن: 2/217]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا} أي هلكى.
قال ابن عباس: «البور - في لغة أزد عمان -: الفاسد».
و«البور» - في كلام العرب -: لا شيء، يقال: أصبحت أعمالهم بورا، أي مبطلة. وأصبحت ديارهم بورا، أي معطلة خرابا). [تفسير غريب القرآن: 412]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أنهم تخلفوا عن الخروج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بظنهم ظن السّوء، فأطلع الله نبيه على ذلك، قال اللّه عزّ وجلّ: ({بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12)}
أي هالكين عند اللّه - عزّ وجلّ - فاسدين في علمه.
وقوله عزّ وجلّ: {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا} أي ليس لنا من يقوم بها.
{وَأَهْلُونَا} أي وشغلتنا أهلونا، ليس لنا من يخلفنا فيهم، ويجوز وأهلنا، ولكن القراءة المشهورة بالواو، فمن قال وأهلونا فهو جمع أهل وأهلون، ومن قال وأهلنا فهو يتضمّن الجماعة كلها). [معاني القرآن: 5/23]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {قَوْمًا بُورًا}: أي هلكى). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 233]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بُورًا}: فاسدين). [العمدة في غريب القرآن: 276]
تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13) )
تفسير قوله تعالى: (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (14) )