العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنعام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 10:18 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأنعام [ من الآية (122) إلى الآية (124) ]

{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 10:02 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)}


قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معشر، عن محمّد بن كعب - في قوله عزّ وجلّ: {أومن كان ميتًا فأحييناه} - يقول: أو من كان كافرًا فهديناه). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 86]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها}.
وهذا الكلام من اللّه جلّ ثناؤه يدلّ على نهيه المؤمنين برسوله يومئذٍ عن طاعة بعض المشركين الّذين جادلوهم في أكل الميتة بما ذكرنا عنهم من جدالهم إيّاهم به، وأمره إيّاهم بطاعة مؤمنٍ منهم كان كافرًا فهداه جلّ ثناؤه لرشده ووفّقه للإيمان، فقال لهم: إطاعة من كان ميتًا يقول: من كان كافرًا. فجعله جلّ ثناؤه لانصرافه عن طاعته، وجهله بتوحيده وشرائع دينه، وتركه الأخذ بنصيبه من العمل للّه بما يؤدّيه إلى نجاته، بمنزلة الميّت الّذي لا ينفع نفسه بنافعةٍ ولا يدفع عنها من مكروه نازلةٍ، {فأحييناه} يقول: فهديناه للإسلام، فأنعشناه، فصار يعرف مضارّ نفسه ومنافعها، ويعمل في خلاصها من سخط اللّه وعقابه في معاده، فجعل إبصاره الحقّ تعالى ذكره بعد عماه عنه، ومعرفته بوحدانيّته وشرائع دينه بعد جهله بذلك، حياةً وضياءً يستضيء به، فيمشي على قصد السّبيل ومنهج الطّريق في النّاس. {كمن مثله في الظّلمات} لا يدري كيف يتوجّه وأيّ طريقٍ يأخذ لشدّة ظلمة اللّيل وإضلاله الطّريق، فكذلك هذا الكافر الضّالّ في ظلمات الكفر لا يبصر رشدًا ولا يعرف حقًّا، يعني في ظلمات الكفر. يقول: أفطاعة هذا الّذي هديناه للحقّ، وبصّرناه الرّشاد كطاعة من مثله مثل من هو في الظّلمات متردّدٌ لا يعرف المخرج منها، في دعاء هذا إلى تحريم ما حرّم اللّه وتحليل ما أحلّ، وتحليل هذا ما حرّم اللّه وتحريمه ما أحلّ؟.
وقد ذكر أنّ هذه الآية نزلت في رجلين بأعيانهما معروفين، أحدهما مؤمنٌ، والآخر كافرٌ.
ثمّ اختلف أهل التّأويل فيهما، فقال بعضهم: أمّا الّذي كان ميتًا فأحياه اللّه فعمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه، وأمّا الّذي مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها: فأبو جهل بن هشامٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: أخبرنا سليمان بن أبي هوذة، عن شعيبٍ السّرّاج، عن أبي سنانٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس}، قال: عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه، {كمن مثله في الظّلمات} قال: أبو جهل بن هشامٍ.
وقال آخرون: بل الميت الّذي أحياه اللّه عمّار بن ياسرٍ رضي اللّه عنه، وأمّا الّذي مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها: فأبو جهل بن هشامٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن بشر بن تيمٍ، عن رجلٍ، عن عكرمة: {أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس} قال: نزلت في عمّار بن ياسرٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن الزّبير، عن ابن عيينة، عن بشرٍ، عن تيمٍ، عن عكرمة: {أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس}: عمّار بن ياسرٍ. {كمن مثله في الظّلمات}: أبو جهل بن هشامٍ.
وبنحو الّذي قلنا في الآية قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {أومن كان ميتًا فأحييناه} قال: ضالًّا فهديناه، {وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس} قال: هدًى، {كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها} قال: في الضّلالة أبدًا.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {أومن كان ميتًا فأحييناه}: هديناه، {وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات}: في الضّلالة أبدًا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ: {أومن كان ميتًا فأحييناه}، قال: ضالًّا فهديناه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {أومن كان ميتًا فأحييناه} يعني: من كان كافرًا فهديناه، {وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس} يعني بالنّور: القرآن، من صدّق به وعمل به، {كمن مثله في الظّلمات} يعني بالظّلمات: الكفر والضّلالة.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس} يقول: الهدى يمشي به في النّاس يقول: فهو الكافر يهديه اللّه للإسلام يقول: كان مشركًا فهديناه، {كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها}.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {أومن كان ميتًا فأحييناه}: هذا المؤمن معه من اللّه نورٌ وبيّنةٌ يعمل بها ويأخذ وإليها ينتهي: كتاب اللّه. {كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها}: وهذا مثل الكافر في الضّلالة متحيّرٌ فيها متسكّعٌ، لا يجد مخرجًا ولا منفذًا.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس} يقول: من كان كافرًا فجعلناه مسلمًا وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس وهو الإسلام، يقول: هذا كمن هو في الظّلمات، يعني الشّرك.
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس}، قال: الإسلام الّذي هداه اللّه إليه. {كمن مثله في الظّلمات}: ليس من أهل الإسلام. وقرأ: {اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور}، قال: والنّور يستضيء به ما في بيته ويبصره، وكذلك الّذي آتاه اللّه هذا النّور يستضيء به في دينه ويعمل به في نوره كما يستضيء صاحب هذا السّراج. قال: {كمن مثله في الظّلمات} لا يدري ما يأتي، ولا ما يقع عليه). [جامع البيان: 9/ 532-536]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كذلك زيّن للكافرين ما كانوا يعملون}.
يقول تعالى ذكره: كما خذلت هذا الكافر الّذي يجادلكم أيّها المؤمنون باللّه ورسوله في أكل ما حرّمت عليكم من المطاعم عن الحقّ، فزيّنت له سوء عمله، فرآه حسنًا ليستحقّ به ما أعددت له من أليم العقاب، كذلك زيّنت لغيره ممّن كان على مثل ما هو عليه من الكفر باللّه وآياته ما كانوا يعملون من معاصي اللّه، ليستوجبوا بذلك من فعلهم ما لهم عند ربّهم من النّكال.
وفي هذا أوضح البيان على تكذيب اللّه الزّاعمين أنّ اللّه فوّض الأمور إلى خلقه في أعمالهم فلا صنع له في أفعالهم، وأنّه قد سوّى بين جميعهم في الأسباب الّتي بها يصلون إلى الطّاعة والمعصية، لأنّ ذلك لو كان كما قالوا، لكان قد زيّن لأنبيائه وأوليائه من الضّلالة والكفر نظير ما زيّن من ذلك لأعدائه وأهل الكفر به. وزيّن لأهل الكفر به من الإيمان به نظير الّذي زيّن منه لأنبيائه وأوليائه. وفي إخباره جلّ ثناؤه أنّه زيّن لكلّ عاملٍ منهم عمله ما ينبئ عن تزيين الكفر والفسوق والعصيان، وخصّ أعداءه وأهل الكفر بتزيين الكفر لهم والفسوق والعصيان، وكرّه إليهم الإيمان به والطّاعة). [جامع البيان: 9/ 536-537]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها كذلك زيّن للكافرين ما كانوا يعملون (122)}
قوله تعالى: {أومن كان ميتا}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله:
{أومن كان ميتا}، يعني كان كافرًا ضالا.
وروي عن مجاهدٍ والسّدّيّ وأبي سنانٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أبي ثنا عمرو بن رافعٍ أبو الحجر ثنا شعيب بن العلاء قال أبو محمّدٍ- يعني يكنّى بأبي هريرة- عن أبي سنانٍ عن الضّحّاك في قوله:
{أومن كان ميتا فأحييناه} قال: عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يونس بن عبد الأعلى، أنا عبد اللّه بن وهبٍ أنا خالد ابن حميدٍ، عمّن من حدّثه، عن زيد بن أسلم أنّه قال في قول اللّه:
{أومن كان ميتا فأحييناه} فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: «اللّهمّ أعزّ الإسلام بأبي جهل بن هشامٍ أو بعمر بن الخطّاب». قال: وكانا ميتين في ضلالتهما، فأحيا اللّه عمر بالإسلام، وأعزّه، وأقرّ أبا جهلٍ في ضلالته وموته، قال: ففيهما أنزلت هذه الآية.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا سفيان بن عيينة عن بشر ابن تيمٍ عن رجلٍ عن عكرمة:
{أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس} قال: نزلت في عمّار بن ياسرٍ.
قوله: {فأحييناه}
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله:
{أومن كان ميتا فأحييناه}، يعني فهديناه.
وروي عن مجاهدٍ والسّدّيّ وأبي سنان نحو ذلك.
قوله: {وجعلنا له نورًا}
- وبه عن ابن عبّاسٍ: قوله: {وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس} يعني بالنّور: القرآن، من صدّق به وعمل به.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ حدّثني أبي حدّثني عمّي عن أبيه عن عطيّة عن ابن عباس: قوله:
{أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس} قال: يقول: الهدى يمشي به في النّاس، وهو الكافر يهديه اللّه إلى الإسلام. يقول: كان مشركًا فهديناه. وروي عن مجاهدٍ نحو قول عطيّة.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: قوله: {وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس} وهو الإسلام.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنا العبّاس بن الوليد ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا سعيدٌ عن قتادة: قوله: {أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس} هذا المؤمن، معه من اللّه بيّنةٌ بها يعمل وبها يأخذ وإليها ينتهي، وهو كتاب اللّه.
قوله: {يمشي به في النّاس}
- حدّثنا أبي حدّثنا عبيد اللّه بن حمزة ثنا يحيى بن الضّريس عن أبي سنانٍ الشّيبانيّ في قوله: {وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس}، قال: يعمل به في النّاس: قال: نزلت في عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه.
قوله: {كمن مثله في الظلمات}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {كمن مثله في الظّلمات}، يعني بالظّلمات الكفر والضّلالة.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ:
قوله: {كمن مثله في الظّلمات} قال: في الضّلالة أبدًا. وروي عن عمر بن عبد العزيز نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثني أبي ثنا عمرو بن رافعٍ ثنا شعيب بن العلاء عن أبي سنانٍ عن الضّحّاك: قوله: {كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها} قال: أبو جهل بن هشامٍ. وروي عن عكرمة وزيد بن أسلم وأبي سنانٍ نحو ذلك.
الوجه الثّالث:
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول: في قوله: كمن مثله في الظّلمات قال: لا يدري ما يأتي وما يقع عليه.
قوله: {ليس بخارجٍ منها}
- حدّثنا محمّد بن يحيى ثنا عبّاس بن الوليد النّرسيّ ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا سعيدٌ عن قتادة: قوله: كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها قال: مثل الكافر في ضلالته، متحيّرٌ فيها متسكّعٌ فيها لا يجد منها مخرجًا ولا منفذا). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1381-1383]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: {أومن كان ميتا فأحييناه}، قال: ضالا فهديناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس فهو الإيمان كمن مثله في الظلمات يعني في الضلال ليس بخارج منها أبدا). [تفسير مجاهد: 222-223]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس: {أو من كان ميتا فأحييناه}
قال: كان كافرا ضالا فهديناه {وجعلنا له نورا} هو القرآن {كمن مثله في الظلمات} الكفر والضلالة.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {أو من كان ميتا}، قال: ضالا، {فأحييناه}: فهديناه، {وجعلنا له نورا يمشي به في الناس}: قال: هدى، {كمن مثله في الظلمات}، قال: في الضلالة أبدا.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله: {أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس}، قال: نزلت في عمار بن ياسر
- وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس}، قال: عمر بن الخطاب {كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها}، يعني أبا جهل بن هشام.
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن زيد بن أسلم في قوله: {أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات}، قال: أنزلت في عمر بن الخطاب وأبي جهل بن هشام كانا ميتين في ضلالتهما فأحيا الله عمر بالإسلام وأعزه وأقر أبا جهل في ضلالته وموته وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا فقال: اللهم أعز الإسلام بأبي جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {أو من كان ميتا فأحييناه}، قال: عمر بن الخطاب رضي الله عنه، {كمن مثله في الظلمات}؛ قال: أبو جهل بن هشام.
- وأخرج أبو الشيخ عن أبي سنان {أو من كان ميتا فأحييناه}، قال: نزلت في عمر بن الخطاب.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس} قال: هذا المؤمن معه من الله بينه وبها يعمل وبها يأخذ وإليها ينتهي وهو كتاب الله: {كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها} قال: مثل الكافر في ضلالته متحير فيها متسكع فيها لا يجد منها مخرجا ولا منفذا.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس {وجعلنا له نورا يمشي به في الناس} قال: القرآن). [الدر المنثور: 6/ 192-194]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) }

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وكذلك جعلنا في كلّ قريةٍ أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلاّ بأنفسهم وما يشعرون}.
يقول جلّ ثناؤه: وكما زيّنّا للكافرين ما كانوا يعملون، كذلك جعلنا بكلّ قريةٍ عظماءها مجرميها، يعني: أهل الشّرك باللّه والمعصية له، {ليمكروا فيها} بغرورٍ من القول أو بباطلٍ من الفعل بدين اللّه وأنبيائه. {وما يمكرون}: أي ما يحيق مكرهم ذلك {إلاّ بأنفسهم}، لأنّ اللّه تعالى ذكره من وراء عقوبتهم على صدّهم عن سبيله. وهم لا يشعرون يقول: لا يدرون ما قد أعدّ اللّه لهم من أليم عذابه، فهم في غيّهم وعتوّهم على اللّه يتمادون.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {أكابر مجرميها} قال: عظماءها.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {أكابر مجرميها} قال: عظماءها.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة: نزلت في المستهزئين. قال ابن جريجٍ: عن عمرٍو، عن عطاءٍ، عن عكرمة: {أكابر مجرميها} إلى قوله: {بما كانوا يمكرون} بدين اللّه وبنبيّه عليه الصّلاة والسّلام وعباده المؤمنين.
والأكابر: جمع أكبر، كما الأفاضل: جمع أفضل. ولو قيل: هو جمع كبيرٍ، فجمع أكابر، لأنّه قد يقال أكبر، كما قيل: {قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالاً} [الكهف]، واحدهم الخاسر لكان صوابًا. وحكي عن العرب سماعًا: الأكابرة والأصاغرة، والأكابر والأصاغر بغير الهاء على نيّة النّعت، كما يقال: هو أفضل منك. وكذلك تفعل العرب بما جاء من النّعوت على (أفعل) إذا أخرجوها إلى الأسماء، مثل جمعهم الأحمر والأسود: الأحامر والأحامرة، والأساود والأساودة، ومنه قول الشّاعر:
إنّ الأحامرة الثّلاثة أهلكت ....... مالي وكنت بهنّ قدمًا مولعا
الخمر واللّحم السّمين أديمه ....... والزّعفران فلن أزال مبقّعا

وأمّا المكر: فإنّه الخديعة والاحتيال للممكور به بالقدر ليورّطه الماكر به مكروهًا من الأمر). [جامع البيان: 9/ 537-538]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وكذلك جعلنا في كلّ قريةٍ أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلّا بأنفسهم وما يشعرون (123)}
قوله تعالى: {وكذلك جعلنا في كلّ قريةٍ أكابر مجرميها}
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس: قوله: أكابر مجرميها قال: سلطانًا، شرارها، فعصوا فيها، فإذا فعلوا ذلك أهلكناهم بالعذاب، وهو قوله: وكذلك جعلنا في كلّ قريةٍ أكابر مجرميها ليمكروا فيها.
- حدّثنا حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: قوله: أكابر مجرميها قال: عظماؤها.
قوله تعالى: {ليمكروا فيها، وما يمكرون إلا بأنفسهم ... الآية}.
- حدّثنا أبي ثنا ابن أبي عمر ثنا سفيان قال: كلّ مكرٍ في القرآن فهو عملٌ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1383]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {أكابر مجرميها} قال عظماؤها). [تفسير مجاهد: 223]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله: {وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها} قال: نزلت في المستهزئين.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس: {جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها}، قال: سلطنا شرارها فعصوا فيها فإذا ذلك أهلكناهم بالعذاب.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {أكابر مجرميها}، قال: عظماؤها). [الدر المنثور: 6/ 194]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا جاءتهم آيةٌ قالوا لن نؤمن حتّى نؤتى مثل ما أوتي رسل اللّه اللّه أعلم حيث يجعل رسالته}.
يقول تعالى ذكره: وإذا جاءت هؤلاء المشركين الّذين يجادلون المؤمنين بزخرف القول فيما حرّم اللّه عليهم ليصدّوا عن سبيل اللّه {آيةٌ} يعني: حجّةٌ من اللّه على صحّة ما جاءهم به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم من عند اللّه وحقيقته، قالوا لنبيّ اللّه وأصحابه: {لن نؤمن} يقول: يقولون: لن نصدّق بما دعانا إليه محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم من الإيمان به، وبما جاء به من تحريم ما ذكر أنّ اللّه حرّمه علينا، {حتّى نؤتى} يعنون: حتّى يعطيهم اللّه من المعجزات مثل الّذي أعطى موسى من فلق البحر، وعيسى من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص. يقول تعالى ذكره: {اللّه أعلم حيث يجعل رسالته} يعني بذلك جلّ ثناؤه: أنّ آيات الأنبياء والرّسل لم يعطها من البشر إلاّ رسولٌ مرسلٌ، وليس العادلون بربّهم الأوثان والأصنام منهم فيعطوها. يقول جلّ ثناؤه: فأنا أعلم بمواضع رسالاتي ومن هو لها أهلٌ، فليس لكم أيّها المشركون أن تتخيّروا ذلك عليّ أنتم، لأنّ تخيّر الرّسول إلى المرسل دون المرسل إليه، واللّه أعلم إذا أرسل رسالةً بموضع رسالاته). [جامع البيان: 9/ 539]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {سيصيب الّذين أجرموا صغارٌ عند اللّه وعذابٌ شديدٌ بما كانوا يمكرون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، معلّمه ما هو صانعٌ بهؤلاء المتمرّدين عليه: سيصيب يا محمّد الّذي اكتسبوا الإثم بشركهم باللّه وعبادتهم غيره {صغارٌ}، يعني: ذلّةٌ وهوانٌ.
- كما حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {سيصيب الّذين أجرموا صغارٌ عند اللّه} قال: الصّغار: الذّلّة.
وهو مصدرٌ من قول القائل: صغر يصغر صغارًا وصغرًا، وهو أشدّ الذّلّ.
وأمّا قوله: {صغارٌ عند اللّه} فإنّ معناه: سيصيبهم صغارٌ من عند اللّه، كقول القائل: سيأتيني رزقي عند اللّه، بمعنى: من عند اللّه، يراد بذلك: سيأتيني الّذي لي عند اللّه. وغير جائزٍ لمن قال: (سيصيبهم صغارٌ عند اللّه) أن يقول: (جئت عند عبد اللّه) بمعنى: جئت من عند عبد اللّه، لأنّ معنى (سيصيبهم صغارٌ عند اللّه): سيصيبهم الّذي عند اللّه من الذّلّ بتكذيبهم رسوله فليس ذلك بنظير (جئت من عند عبد اللّه).
وقوله: {وعذابٌ شديدٌ بما كانوا يمكرون} يقول: يصيب هؤلاء المكذّبين باللّه ورسوله المستحلّين ما حرّم اللّه عليهم من الميتة مع الصّغار، عذابٌ شديدٌ بما كانوا يكيدون للإسلام وأهله بالجدال بالباطل والزّخرف من القول غرورًا لأهل دين اللّه وطاعته). [جامع البيان: 9/ 540]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وإذا جاءتهم آيةٌ قالوا لن نؤمن حتّى نؤتى مثل ما أوتي رسل اللّه اللّه أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الّذين أجرموا صغارٌ عند اللّه وعذابٌ شديدٌ بما كانوا يمكرون (124)}
قوله عزّ وجلّ: {وإذا جاءتهم آيةٌ} إلى قوله: {رسالته}
- ذكر عن محمّد بن منصورٍ الجوّاز ثنا سفيان عن ابن أبي حسين قال: أبصر رجلٌ ابن عبّاسٍ وهو يدخل من باب المسجد، فلمّا نظر إليه راعه فقال: من هذا؟ قالوا: ابن عبّاسٍ، ابن عمّ رسول اللّه. قال: اللّه أعلم حيث يجعل رسالته.
قوله عزّ وجلّ: {سيصيب الّذين أجرموا صغارٌ عند اللّه}
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: قوله: سيصيب الّذين أجرموا صغارٌ عند اللّه والصغار والذلة.
قوله: {وعذابٌ شديدٌ بما كانوا يمكرون}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ، في قوله: عذاب قال: نكالٌ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1383-1384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن المنذر وأبو الشيخ ابن جريج :{وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله} وذلك أنهم قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم حين دعاهم إلى ما دعاهم إليه من الحق: لو كان هذا حقا لكان فينا من هو أحق أن يأتي به من محمد {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} [الزخرف: 31]، أما قوله تعالى: {الله أعلم حيث يجعل رسالته}.
- أخرج أحمد عن ابن مسعود قال: إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رأوه سيئا فهو عند الله سيء.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن أبي حسن قال: أبصر رجل ابن عباس وهو يدخل من باب المسجد فلما نظر إليه راعه فقال: من هذا قالوا: ابن عباس بن عم رسول الله، قال: {الله أعلم حيث يجعل رسالته}.
- وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {سيصيب الذين أجرموا} قال: أشركوا {صغار} قال: هوان
- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {صغار} قال: ذلة.
- وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله :{بما كانوا يمكرون} قال: بدين الله ونبيه وعباده المؤمنين). [الدر المنثور: 6/ 194-196]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 ربيع الثاني 1434هـ/6-03-2013م, 11:01 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)}

تفسير قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أو من كان ميتاً فأحييناه...}
أي كان ضالاّ فهديناه.
وقوله: {نوراً يمشي به في النّاس} يعني إيمانه). [معاني القرآن: 1/ 354]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {أو من كان ميتا} يثقل الياء.
أبو عمرو {ميتا} يخفف؛ وقد فسرنا ذلك في سورة آل عمران). [معاني القرآن لقطرب: 526]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أومن كان ميتاً فأحييناه} أي كان كافرا فهديناه.
{وجعلنا له نوراً}: إيمانا.
{يمشي به في النّاس} أي: يهتدي به.
{كمن مثله في الظّلمات} أي في الكفر). [تفسير غريب القرآن: 159]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (قوله عز وجل: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} أي كان كافرا فهديناه وجعلنا له إيمانا يهتدى به سبل الخير والنّجاة {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} أي في الكفر. فاستعار الموت مكان الكفر، والحياة مكان الهداية، والنّور مكان الإيمان). [تأويل مشكل القرآن: 140]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات ليس بخارج منها كذلك زيّن للكافرين ما كانوا يعملون}
جاء في التفسير أنه يعني به النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو جهل بن هشام فالنبي -صلى الله عليه وسلم- هدي وأعطي نور الإسلام والنبوة والحكمة، وأبو جهل في ظلمات الكفر.
ويجوز أن تكون هذه الآية عامة لكل من هداه الله ولكل من أضلّه اللّه. فأعلم اللّه جلّ وعزّ أن مثل المهتدي مثل الميت الذي أحيي وجعل مستضيئا يمشي في الناس بنور الحكمة والإيمان، ومثل الكافر مثل من هو في الظلمات لا يتخلص منها). [معاني القرآن: 2/ 288]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {أومن كان ميتا فأحييناه} قال مجاهد المعنى {أومن كان ضالا فهديناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس} أي هدى {كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها}، قال مجاهد: أي في الضلالة. قال السدي: هذا نزل في عمر بن الخطاب رحمة الله عليه وأبي جهل، والذي يوجب المعنى أن يكون عاما إلا أن تصح فيه رواية). [معاني القرآن: 2/ 483]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} أي كافرا فهديناه).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 79]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:2 10هـ): ({أكابر مجرميها} أي العظماء.
{ليمكروا فيها} مصدره المكر، وهو الخديعة والحيلة بالفجور والغدو والخلاف). [مجاز القرآن: 1/ 206]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وكذلك جعلنا في كلّ قريةٍ أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلاّ بأنفسهم وما يشعرون}
وقال: {وكذلك جعلنا في كلّ قريةٍ أكابر مجرميها ليمكروا فيها} فبناه على "أفاعل"، وذلك أنه يكون على وجهين يقول "هؤلاء الأكابر" و"الأكبرون" وقال: {ننبّئكم بالأخسرين أعمالاً} وواحدهم "أخسر" مثل "الأكبر"). [معاني القرآن: 1/ 249]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وكذلك جعلنا في كلّ قريةٍ أكابر مجرميها} أي جعلنا في كل قرية مجرميها أكابر. وأكابر لا ينصرف، وهم العظماء). [تفسير غريب القرآن: 159]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وكذلك جعلنا في كلّ قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلّا بأنفسهم وما يشعرون}
موضع الكاف نصب معطوفة على ما قبلها، وهو قوله: {كذلك زيّن للكافرين ما كانوا يعملون} المعنى: مثل ذلك الذي قصصنا عليك زيّن للكافرين عملهم.
{وكذلك جعلنا} أي ومثل ذلك {جعلنا في كلّ قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها}، لأن الأكابر ما هم فيه من الرياسة والسّعة أدعى لهم
إلى المكر والكفر، والدليل على ذلك قوله: {ولو بسط اللّه الرزق لعباده لبغوا في الأرض} وقوله: {ولولا أن يكون النّاس أمّة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرّحمن لبيوتهم سقفا من فضّة}.
ومعنى: {وما يمكرون إلّا بأنفسهم} أي ذلك المكر يحيق بهم، لأنهم بمكرهم يعذبون). [معاني القرآن: 2/ 288]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها} قال مجاهد أي عظماءهم وقال غيره وخص العظماء والرؤساء لأنهم أقدر على الفساد). [معاني القرآن: 2/ 484]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {وما يمكرون إلا بأنفسهم} أي إن وبال ذلك يرجع عليهم). [معاني القرآن: 2/ 484]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {الّذين أجرموا صغارٌ عند اللّه...}
أي من عند الله، كذلك قال المفسرون. وهو في العربية؛ كما تقول: سيأتيني رزق عندك، كقولك: سيأتيني الذي عند الله. سيصيبهم الصغار الذي عنده، ولمحمد صلى الله عليه وسلم أن ينزله بهم. ولا يجوز في العربية أن تقول: جئت عند زيد، وأنت تريد: من عند زيد.
وقد يكون قوله: {صغارٌ عند اللّه} أنهم اختاروا الكفر تعزّزا وأنفة من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، فجعل الله ذلك صغارا عنده). [معاني القرآن: 1/ 354]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({صغارٌ} الصغار: هو أشدّ الذّلّ). [مجاز القرآن: 1/ 206]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو عمرو والحسن وسائر القراء {يجعل رسالاته} جمعًا.
عاصم {رسالته} واحدة ورسالاته). [معاني القرآن لقطرب: 526]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {صغار عند الله} فالفعل فيه: صغر يصغر صغارا وصغرا؛ وقالوا: لا صغرى لك ولا صغرانك؛ وقالوا: صغر صغارة، على فعل). [معاني القرآن لقطرب: 552]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ( (والصغار): الذل). [غريب القرآن وتفسيره: 142]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({صغارٌ عند اللّه}: أي ذلة). [تفسير غريب القرآن: 159]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتّى نؤتى مثل ما أوتي رسل اللّه اللّه أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الّذين أجرموا صغار عند اللّه وعذاب شديد بما كانوا يمكرون}
هذه الهاء والميم تعودان على الأكابر الذين جرى ذكرهم لأنهم قالوا: لن نؤمن حتى نعطى من الآيات مثل ما أعطي الأنبياء وأعلم اللّه
عزّ وجلّ أنه أعلم من يصلح، فقال جلّ وعزّ: {ولقد اخترناهم على علم على العالمين}.
وقوله: {اللّه أعلم حيث يجعل رسالته} أي هو أعلم بمن يختصّ للرسالة.
وقال بعضهم: لا يبلغ في تصديق الرسل إلا أن يكونوا قبل مبعثهم مطاعين في قومهم، لأن الطعن كان يتسع عليهم، ويقال إنما كانوا أكابر ورؤساء فاتبعوا.
{سيصيب الّذين أجرموا صغار عند اللّه} أي هم وإن كانوا أكابر في الدنيا سيصيبهم صغار عند اللّه أي مذلّة.
و"عند" متصلة بـ (سيصيبهم) عند اللّه صغار.
وجائز أن تكون "عند" متصلة بصغار فيكون المعنى سيصيب الذين أجرموا صغار ثابت لهم عند، للّه.
ولا تصلح أن تكون "من" محذوفة من (عند) إنما المحذوف (في) من (عند) في المعنى إذا قلت: زيد عند عمرو والمعنى زيد في حضرة عمرو). [معاني القرآن: 2/ 288-289]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله} وإن كانوا أعزاء في الدنيا فستلحقهم الذلة يوم القيامة وفي الآية ثلاثة أقوال:

- أحدهما: أن المعنى سيصيب الذين أجرموا عند الله صغار على التقديم والتأخير.
- والقول الثاني: أن المعنى سيصيب الذين أجرموا صغار ثابت عند الله وهذا أحسن الأقوال لأن عند في موضعها.
- والقول الثالث: ذكره الفراء أنه يجوز أن يكون المعنى سيصيب الذين أجرموا صغار من عند الله وهذا خطأ عند البصريين لأن من لا تحذف في مثل هذا). [معاني القرآن: 2/ 484-485]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({صغار عند الله} أي: ذل). [ياقوتة الصراط: 224]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({صَغَارٌ}: ذله). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 79]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الصَغَار): الذل). [العمدة في غريب القرآن: 130]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 11:00 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)}

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن رأى أنه مات ورأى مع ذلك هيئة الأموات، من البكاء والغسل والجنازة: فهو فساد في الدين؛ قال الله عز وجل: {أو من كان ميتا فأحييناه}. أي: كافرا فهديناه). [تعبير الرؤيا: 126]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإن كان الاسم على فعلة ففيه ثلاثة أوجه: إن شئت قلت: فعلات، وأتبعت الضمة الضمة؛ كما أتبعت الفتحة الفتحة.
وإن شئت جمعته على فعلات، فأبدلت من الضمة الفتحة لخفتها.
وإن شئت أسكنت فقلت: فعلات؛ كما تقول في عضد: عضد؛ وفي رسل: رسل. قال الله عز وجل: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان}. وواحدها خطوة. وقال الشاعر:
ولما رأونا بـادياً ركـبـاتـنـا ....... على موطنٍ لا نخلط الجد بالهزل
ينشدون: ركباتنا وركباتنا. وهذه الآية تقرأ على الأوجه الثلاثة. وذلك قوله: "في الظُلمات، والظلَمات، والظلْمات"). [المقتضب: 2/ 186-187] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123)}


تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)}


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 05:47 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 05:47 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 05:48 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 05:48 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها كذلك زيّن للكافرين ما كانوا يعملون (122) وكذلك جعلنا في كلّ قريةٍ أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلاّ بأنفسهم وما يشعرون (123)}
تقدم في هذه الآية السالفة ذكر قوم مؤمنين أمروا بترك الإثم وباطنه وغير ذلك، وذكر قوم كافرين يضلون بأهوائهم وغير ذلك، فمثل الله عز وجل في الطائفتين بأن شبه الذين آمنوا بعد كفرهم بأموات أحيوا، هذا معنى قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما، وشبه الكافرين وحيرة جهلهم بقوم في ظلمات يترددون فيها ولا يمكنهم الخروج منها ليبين عز وجل الفرق بين الطائفتين والبون بين المنزلتين.
وقرأ جمهور الناس «أو من» بفتح الواو فهي ألف استفهام دخلت على واو عطف جملة على جملة، ومن بمعنى الذي، وقرأ طلحة بن مصرف: «أفمن» بالفاء، والمعنى قريب من معنى الواو، والفاء في قوله فأحييناه عاطفة، ونوراً أمكن ما يعنى به الإيمان ويمشي به يراد به جميع التصرف في الأفعال والأقوال، قال أبو علي: ويحتمل أن يراد النور الذي يؤتاه المؤمنون يوم القيامة، وفي النّاس متعلق ب يمشي، ويصح أن يتعلق ب كان ميتاً وقوله تعالى: كمن مثله بمنزلة كمن هو، والكاف في قوله كذلك زيّن متعلقة بمحذوف يدل ظاهر الكلام عليه، تقديره وكما أحيينا المؤمنين وجعلنا لهم نورا كذلك زين للكافرين، ويحتمل أن يتعلق بقوله كمن مثله أي كهذه الحال هو التزيين، وقرأ نافع وحده «ميّتا» بكسر الياء وشدها، وقرأ الباقون «ميتا» بسكون الياء، قال أبو علي: التخفيف كالتشديد، والياء المحذوفة هي الثانية المنقلبة عن واو أعلت بالحذف كما أعلت بالقلب، وقالت طائفة إن هذه الألفاظ التي مثل بها وإن كانت تعم كل مؤمن وكل كافر فإنما نزلت في مخصوصين، فقال الضحاك: المؤمن الذي كان ميتا فأحيي عمر بن الخطاب، وحكى المهدوي عن بعضهم أنه حمزة بن عبد المطلب، وقال عكرمة: عمار بن ياسر، وقال الزجاج: جاء في التفسير أنه يعني به النبي عليه السلام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
واتفقوا على أن الذي في الظلمات أبو جهل بن هشام، إلى حاله وحال أمثاله هي الإشارة والتشبيه بقوله وكذلك جعلنا في كلّ قريةٍ وهذه الآية تتضمن إنذارا بفساد حال الكفرة المتقدم ذكرهم، لأنه مقتضى حال من تقدمهم من نظرائهم، وقال عكرمة: نزلت هذه الآية في المستهزئين). [المحرر الوجيز: 3/ 452-453]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123)}

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
واتفقوا على أن الذي في الظلمات أبو جهل بن هشام، إلى حاله وحال أمثاله هي الإشارة والتشبيه بقوله وكذلك جعلنا في كلّ قريةٍ وهذه الآية تتضمن إنذارا بفساد حال الكفرة المتقدم ذكرهم، لأنه مقتضى حال من تقدمهم من نظرائهم، وقال عكرمة: نزلت هذه الآية في المستهزئين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
يعني أن التمثيل لهم، وجعلنا في هذه الآية بمعنى صيرنا، فهي تتعدى إلى مفعولين الأول مجرميها والثاني أكابر وفي الكلام على هذا تقديم وتأخير تقديره وكذلك جعلنا في كل قرية مجرميها أكابر، وقدم الأهم إذ لعلة كبرهم أجرموا، ويصح أن يكون المفعول الأول أكابر ومجرميها مضاف والمفعول الثاني قوله في كلّ قريةٍ وليمكروا نصب بلام الصيرورة، والأكابر جمع أكبر كما الأفاضل جمع أفضل، ويقال أكابرة كما يقال أحمر وأحامرة، ومنه قول الشاعر [الأعشى]: [الكامل]
إنّ الأحامرة الثّلاثة أتلفت ....... مالي وكنت بهنّ قدما مولعا
يريد الخمر واللحم والزعفران، و «المكر» التخيل بالباطل والخديعة ونحوهما، وقوله وما يمكرون إلّا بأنفسهم يريد لرجوع وبال ذلك عليهم، وما يشعرون أي ما يعلمون، وهي لفظة مأخوذة من الشعار وهو الشيء الذي يلي البدن، فكأن الذي لا يشعر نفي عنه أن يعلم علم حس، وفي ذلك مبالغة في صفة جهله، إذ البهائم تعلم علوم الحس وأما هذه الآية فإنما نفي فيها الشعور في نازلة مخصوصة). [المحرر الوجيز: 3/ 453-454]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)}

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإذا جاءتهم آيةٌ قالوا لن نؤمن حتّى نؤتى مثل ما أوتي رسل اللّه اللّه أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الّذين أجرموا صغارٌ عند اللّه وعذابٌ شديدٌ بما كانوا يمكرون (124) فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقاً حرجاً كأنّما يصّعّد في السّماء كذلك يجعل اللّه الرّجس على الّذين لا يؤمنون (125)}
هذه الآية آية ذم للكفار وتوعد لهم، يقول وإذا جاءتهم علامة ودليل على صحة الشرع تشططوا وتسحبوا وقالوا إنما يقلق لنا البحر إنما يحيي لنا الموتى ونحو ذلك، فرد الله عز وجل عليهم بقوله: اللّه أعلم حيث يجعل رسالته أي فيمن اصطفاه وانتخبه لا فيمن كفر وجعل يتشطط على الله، قال الزجاج: قال بعضهم: الأبلغ في تصديق الرسل أن لا يكونوا قبل المبعث مطاعين في قومهم، وأعلم معلق العمل، والعامل في حيث فعل تقديره: يعلم حيث، ثم توعد تعالى بأن هؤلاء المجرمين الأكابر في الدنيا سيصيبهم عند الله صغار وذلة، وعند اللّه متعلقة ب سيصيب، ويصح أن تتعلق ب صغارٌ لأنه مصدر، قال الزجّاج: التقدير صغار ثابت عند الله، قال أبو علي: وهو متعلق ب صغارٌ دون تقدير ثابت ولا شيء غيره). [المحرر الوجيز: 3/ 454-455]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 05:48 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 05:48 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها كذلك زيّن للكافرين ما كانوا يعملون (122)}
هذا مثلٌ ضربه اللّه تعالى للمؤمن الّذي كان ميتًا، أي: في الضّلالة، هالكًا حائرًا، فأحياه اللّه، أي: أحيا قلبه بالإيمان، وهداه له ووفّقه لاتّباع رسله. {وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس} أي: يهتدي [به] كيف يسلك، وكيف يتصرّف به. والنّور هو: القرآن، كما رواه العوفي وابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ. وقال السّدّي: الإسلام. والكلّ صحيحٌ.
{كمن مثله في الظّلمات} أي: الجهالات والأهواء والضّلالات المتفرّقة، {ليس بخارجٍ منها} أي: لا يهتدي إلى منفذٍ، ولا مخلصٍ ممّا هو فيه، [وفي مسند الإمام أحمد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «إنّ اللّه خلق خلقه في ظلمةٍ ثمّ رشّ عليهم من نوره فمن أصابه ذلك النّور اهتدى ومن أخطأه ضلّ»] كما قال تعالى: {اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت يخرجونهم من النّور إلى الظّلمات أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون} [البقرة: 257]. و [كما] قال تعالى: {أفمن يمشي مكبًّا على وجهه أهدى أمّن يمشي سويًّا على صراطٍ مستقيمٍ} [الملك: 22]، وقال تعالى: {مثل الفريقين كالأعمى والأصمّ والبصير والسّميع هل يستويان مثلا أفلا تذكّرون} [هودٍ: 24]، وقال تعالى: {وما يستوي الأعمى والبصير * ولا الظّلمات ولا النّور * ولا الظّلّ ولا الحرور * وما يستوي الأحياء ولا الأموات إنّ اللّه يسمع من يشاء وما أنت بمسمعٍ من في القبور * إن أنت إلا نذيرٌ}[فاطر: 19 -23]. والآيات في هذا كثيرةٌ، ووجه المناسبة في ضرب المثلين هاهنا بالنّور والظّلمات، ما تقدّم في أوّل السّورة: {وجعل الظّلمات والنّور} [الأنعام: 1].
وزعم بعضهم أنّ المراد بهذا المثل رجلان معيّنان، فقيل: عمر بن الخطّاب هو الّذي كان ميتًا فأحياه اللّه، وجعل له نورًا يمشي به في النّاس. وقيل: عمّار بن ياسرٍ. وأمّا الّذي في الظّلمات ليس بخارجٍ منها: أبو جهلٍ عمرو بن هشامٍ، لعنه اللّه. والصّحيح أنّ الآية عامّةٌ، يدخل فيها كل مؤمن وكافر.
وقوله تعالى: {كذلك زيّن للكافرين ما كانوا يعملون} أي: حسّنّا لهم ما هم فيه من الجهالة والضّلالة، قدرًا من اللّه وحكمةً بالغةً، لا إله إلّا هو [ولا ربّ سواه] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 330-331]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وكذلك جعلنا في كلّ قريةٍ أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون (123) وإذا جاءتهم آيةٌ قالوا لن نؤمن حتّى نؤتى مثل ما أوتي رسل اللّه اللّه أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الّذين أجرموا صغارٌ عند اللّه وعذابٌ شديدٌ بما كانوا يمكرون (124)}
يقول تعالى: وكما جعلنا في قريتك -يا محمّد -أكابر من المجرمين، ورؤساء ودعاةً إلى الكفر والصّدّ عن سبيل اللّه، وإلى مخالفتك وعداوتك، كذلك كانت الرّسل من قبلك يبتلون بذلك، ثمّ تكون لهم العاقبة، كما قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكلّ نبيٍّ عدوًّا من المجرمين [وكفى بربّك هاديًا ونصيرًا]} [الفرقان: 31]، وقال تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها ففسقوا فيها [فحقّ عليها القول فدمّرناها تدميرًا]} [الإسراء: 16]، قيل: معناه: أمرناهم بالطّاعات، فخالفوا، فدمّرناهم. وقيل: أمرناهم أمرًا قدريًّا، كما قال هاهنا: {ليمكروا فيها}
وقال ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: {أكابر مجرميها} قال: سلّطنا شرارها فعصوا فيها، فإذا فعلوا ذلك أهلكناهم بالعذاب.
وقال مجاهدٌ وقتادة: {أكابر مجرميها} قال عظماؤها.
قلت: وهذا كقوله تعالى: {وما أرسلنا في قريةٍ من نذيرٍ إلا قال مترفوها إنّا بما أرسلتم به كافرون * وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادًا وما نحن بمعذّبين} [سبأٍ: 34، 35]، وقال تعالى: {وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قريةٍ من نذيرٍ إلا قال مترفوها إنّا وجدنا آباءنا على أمّةٍ وإنّا على آثارهم مقتدون} [الزّخرف: 23].
والمراد بالمكر هاهنا دعاؤهم إلى الضّلالة بزخرفٍ من المقال والفعال، كما قال تعالى إخبارًا عن قوم نوحٍ: {ومكروا مكرًا كبّارًا} [نوحٍ: 22]، وقال تعالى: {ولو ترى إذ الظّالمون موقوفون عند ربّهم يرجع بعضهم إلى بعضٍ القول يقول الّذين استضعفوا للّذين استكبروا لولا أنتم لكنّا مؤمنين * قال الّذين استكبروا للّذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين * وقال الّذين استضعفوا للّذين استكبروا بل مكر اللّيل والنّهار إذ تأمروننا أن نكفر باللّه ونجعل له أندادًا [وأسرّوا النّدامة لمّا رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الّذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون]} [سبأ: 31 -33].
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا ابن أبي عمر، حدّثنا سفيان قال: كلّ مكرٍ في القرآن فهو عملٌ.
وقوله: {وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون} أي: وما يعود وبال مكرهم ذلك وإضلالهم من أضلّوه إلّا على أنفسهم، كم قال تعالى: {وليحملنّ أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم} [العنكبوت: 13]، وقال: {ومن أوزار الّذين يضلّونهم بغير علمٍ ألا ساء ما يزرون} [النّحل: 25]). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 331-332]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإذا جاءتهم آيةٌ قالوا لن نؤمن حتّى نؤتى مثل ما أوتي رسل اللّه} أي: إذا جاءتهم آيةٌ وبرهانٌ وحجّةٌ قاطعةٌ، قالوا: {لن نؤمن حتّى نؤتى مثل ما أوتي رسل اللّه} أي: حتّى تأتينا الملائكة من اللّه بالرّسالة، كما تأتي إلى الرّسل، كقوله، جلّ وعلا: {وقال الّذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربّنا [لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوًّا كبيرًا]} [الفرقان: 21].
وقوله: {اللّه أعلم حيث يجعل رسالته} أي: هو أعلم حيث يضع رسالته ومن يصلح لها من خلقه، كما قال تعالى: {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيمٍ أهم يقسمون رحمة ربّك} الآية [الزّخرف: 31، 32] يعنون: لولا نزّل هذا القرآن على رجلٍ عظيمٍ كبيرٍ مبجّلٍ في أعينهم {من القريتين} أي: مكّة والطّائف. وذلك لأنّهم -قبّحهم اللّه -كانوا يزدرون بالرّسول، صلوات اللّه وسلامه عليه، بغيًا وحسدًا، وعنادًا واستكبارًا، كما قال تعالى مخبرًا عنهم: {وإذا رآك الّذين كفروا إن يتّخذونك إلا هزوًا أهذا الّذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرّحمن هم كافرون} [الأنبياء: 36]، وقال تعالى: {وإذا رأوك إن يتّخذونك إلا هزوًا أهذا الّذي بعث اللّه رسولا} [الفرقان: 41]، وقال تعالى: {ولقد استهزئ برسلٍ من قبلك فحاق بالّذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون} [الأنعام: 10]. هذا وهم يعترفون بفضله وشرفه ونسبه. وطهارة بيته ومرباه ومنشئه، حتّى أنّهم كانوا يسمّونه بينهم قبل أن يوحى إليه: "الأمين"، وقد اعترف بذلك رئيس الكفّار "أبو سفيان" حين سأله "هرقل" ملك الرّوم: كيف نسبه فيكم؟ قال: هو فينا ذو نسبٍ. قال: هل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: لا الحديث بطوله الّذي استدلّ به ملك الرّوم بطهارة صفاته، عليه السّلام، على صدقه ونبوّته وصحّة ما جاء به.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن مصعب، حدّثنا الأوزاعيّ، عن شدّاد أبي عمّارٍ، عن واثلة بن الأسقع، رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ اللّه اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشًا، واصطفى من قريشٍ بني هاشمٍ، واصطفاني من بني هاشمٍ».
انفرد بإخراجه مسلمٌ من حديث الأوزاعيّ -وهو عبد الرّحمن بن عمرٍو إمام أهل الشّام، به نحوه.
وفي صحيح البخاريّ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «بعثت من خير قرون بني آدم قرنًا فقرنًا، حتّى بعثت من القرن الّذي كنت فيه».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو نعيم، عن سفيان، عن يزيد بن أبي زيادٍ، عن عبد اللّه بن الحارث ابن نوفلٍ، عن المطّلب بن أبي وداعة قال: قال العبّاس: بلغه صلّى اللّه عليه وسلّم بعض ما يقول النّاس، فصعد المنبر فقال: «من أنا؟». قالوا: أنت رسول اللّه. قال: «أنا محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب، إنّ اللّه خلق الخلق فجعلني في خير خلقه، وجعلهم فرقتين فجعلني في خير فرقةٍ، وخلق القبائل فجعلني في خير قبيلةٍ. وجعلهم بيوتًا فجعلني في خيرهم بيتًا، فأنا خيركم بيتًا وخيركم نفسًا». صدق صلوات اللّه وسلامه عليه.
وفي الحديث أيضًا المرويّ عن عائشة، رضي اللّه عنها، قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «قال لي جبريل: قلّبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد رجلًا أفضل من محمّدٍ، وقلّبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد بني أبٍ أفضل من بني هاشمٍ». رواه الحاكم والبيهقيّ. وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو بكرٍ، حدّثنا عاصمٌ، عن زرّ بن حبيش، عن عبد اللّه بن مسعودٍ [رضي اللّه عنه] قال:« إنّ اللّه نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته. ثمّ نظر في قلوب العباد بعد قلب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيّه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنًا فهو عند اللّه حسنٌ، وما رأوا سيّئًا فهو عند اللّه سيّئٌ».
وقال أحمد: حدّثنا شجاع بن الوليد قال: ذكر قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن سلمان قال: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يا سلمان، لا تبغضني فتفارق دينك». قلت: يا رسول اللّه، كيف أبغضك وبك هدانا اللّه؟ قال: «تبغض العرب فتبغضني».
وذكر ابن أبي حاتمٍ في تفسير هذه الآية: ذكر عن محمّد بن منصورٍ الجواز، حدّثنا سفيان، عن ابن أبي حسينٍ قال: أبصر رجلٌ ابن عبّاسٍ وهو يدخل من باب المسجد فلمّا نظر إليه راعه، فقال: من هذا؟ قالوا: ابن عبّاسٍ ابن عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قال: {اللّه أعلم حيث يجعل رسالته}
وقوله تعالى: {سيصيب الّذين أجرموا صغارٌ عند اللّه وعذابٌ شديدٌ [بما كانوا يمكرون]} هذا وعيدٌ شديدٌ من اللّه وتهديدٌ أكيدٌ، لمن تكبّر عن اتباع رسله والانقياد لهم فيما جاؤوا به، فإنّه سيصيبه يوم القيامة بين يدي اللّه {صغارٌ} وهو الذّلّة الدّائمة، لمّا أنّهم استكبروا أعقبهم ذلك ذلا كما قال تعالى: {إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين} [غافرٍ: 60] أي: صاغرين ذليلين حقيرين.
وقوله: {وعذابٌ شديدٌ بما كانوا يمكرون} لمّا كان المكر غالبًا إنّما يكون خفيًّا، وهو التّلطّف في التّحيّل والخديعة، قوبلوا بالعذاب الشّديد جزاءً وفاقًا، {ولا يظلم ربّك أحدًا} [الكهف: 49]، كما قال تعالى: {يوم تبلى السّرائر} [الطّارق: 9] أي: تظهر المستترات والمكنونات والضّمائر. وجاء في الصّحيحين، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «ينصب لكلّ غادرٍ لواءٌ عند استه يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلانٍ ابن فلانٍ».
والحكمة في هذا أنّه لمّا كان الغدر خفيّا لا يطّلع عليه النّاس، فيوم القيامة يصير علمًا منشورًا على صاحبه بما فعل). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 332-334]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:44 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة