العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنعام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 01:30 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأنعام [ من الآية (91) إلى الآية (92) ]

{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 12:13 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)}
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {وما قدروا الله حقّ قدره}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معشر، عن محمّد بن كعبٍ - في قوله عزّ وجلّ: {وما قدروا الله حقّ قدره} -، قال: لم يدروا كنه اللّه عز وجل).[سنن سعيد بن منصور: 5/ 43]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما قدروا اللّه حقّ قدره إذ قالوا ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيءٍ}.
يقول تعالى ذكره: {وما قدروا اللّه حقّ قدره}: وما أجلّوا اللّه حقّ إجلاله، ولا عظّموه حقّ تعظيمه. {إذ قالوا ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيءٍ} يقول: حين قالوا: لم ينزل اللّه على آدميٍّ كتابًا ولا وحيًا.
واختلف أهل التّأويل في المعنيّ بقوله: {إذ قالوا ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيءٍ}، وفي تأويل ذلك، فقال بعضهم: كان قائل ذلك رجلاً من اليهود.
ثمّ اختلفوا في اسم ذلك الرّجل، فقال بعضهم: كان اسمه مالك بن الصّيف. وقال بعضهم: كان اسمه فنحاص.
واختلفوا أيضًا في السّبب الّذي من أجله قال ذلك.
ذكر من قال: كان قائل ذلك مالك بن الصّيف.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب القمّيّ، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: جاء رجلٌ من اليهود يقال له مالك بن الصّيف يخاصم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أنشدك بالّذي أنزل التّوراة على موسى، أما تجد في التّوراة أنّ اللّه يبغض الحبر السّمين؟ وكان حبرًا سمينًا، فغضب فقال: واللّه ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيءٍ، فقال له أصحابه الّذين معه: ويحك، ولا موسى؟ فقال: واللّه ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيءٍ، فأنزل اللّه: {وما قدروا اللّه حقّ قدره إذ قالوا ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيءٍ قل من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى ... الآية}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة، قوله: {وما قدروا اللّه حقّ قدره إذ قالوا ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيءٍ} قال: نزلت في مالك بن الصّيف، كان من قريظة من أحبار اليهود، قل يا محمّد {من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى نورًا وهدًى للنّاس ... الآية}.
ذكر من قال: نزلت في فنحاص اليهوديّ.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وما قدروا اللّه حقّ قدره إذ قالوا ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيءٍ} قال: قال فنحاص اليهوديّ: ما أنزل اللّه على محمّدٍ من شيءٍ.
وقال آخرون: بل عنى بذلك جماعةً من اليهود سألوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم آياتٍ مثل آيات موسى.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا يونس، قال: حدّثنا أبو معشرٍ المدنيّ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، قال: جاء ناسٌ من يهود إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو محتبٍ، فقالوا: يا أبا القاسم، ألا تأتينا بكتابٍ من السّماء كما جاء به موسى ألواحًا يحملها من عند اللّه، فأنزل اللّه: {يسألك أهل الكتاب أن تنزّل عليهم كتابًا من السّماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا اللّه جهرةً ... الآية}، فجثا رجلٌ من يهود فقال: ما أنزل اللّه عليك، ولا على موسى، ولا على عيسى، ولا على أحدٍ شيئًا، فأنزل اللّه: {وما قدروا اللّه حقّ قدره}. قال محمّد بن كعبٍ: ما علموا كيف اللّه {إذ قالوا ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيءٍ قل من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى نورًا}، فحلّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حبوته، وجعل يقول: «ولا على أحدٍ؟».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وما قدروا اللّه حقّ قدره إذ قالوا ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيءٍ} إلى قوله: {في خوضهم يلعبون}: هم اليهود والنّصارى، قومٌ آتاهم اللّه علمًا فلم يهتدوا به، ولم يأخذوا به، ولم يعملوا به، فذمّهم اللّه في عملهم ذلك، ذكر لنا أنّ أبا الدّرداء كان يقول: إنّ من أكثر ما أنا مخاصمٌ به غدًا أن يقال: يا أبا الدّرداء، قد علمت، فماذا عملت فيما علمت؟.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وما قدروا اللّه حقّ قدره إذ قالوا ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيءٍ} يعني: من بني إسرائيل. قالت اليهود: يا محمّد، أنزّل اللّه عليك كتابًا؟ قال:« نعم»، قالوا: واللّه ما أنزل اللّه من السّماء كتابًا، فأنزل اللّه: {قل} يا محمّد {من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى نورًا وهدًى للنّاس} إلى قوله: {ولا آباؤكم} قال:« اللّه أنزله».
وقال آخرون: هذا خبرٌ من اللّه جلّ ثناؤه عن مشركي قريشٍ أنّهم قالوا: ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيءٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: قال عبد اللّه بن كثيرٍ: إنّه سمع مجاهدًا، يقول: {وما قدروا اللّه حقّ قدره إذ قالوا ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيءٍ}، قالها مشركو قريشٍ، قال: وقوله: {قل من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى نورًا وهدًى للنّاس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرًا}، قال: هم يهود الّذين يبدونها ويخفون كثيرًا. قال: وقوله: {وعلّمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم}، قال: هذه للمسلمين.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وما قدروا اللّه حقّ قدره} قال: هم الكفّار لم يؤمنوا بقدرة اللّه عليهم، فمن آمن أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ فقد قدر اللّه حقّ قدره، ومن لم يؤمن بذلك فلم يقدر اللّه حقّ قدره.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وما قدروا اللّه حقّ قدره} يقول: مشركو قريشٍ.
وأولى هذه الأقوال بالصّواب في تأويل ذلك قول من قال: عني بقوله: {وما قدروا اللّه حقّ قدره} مشركو قريشٍ. وذلك أنّ ذلك في سياق الخبر عنهم أوّلاً، فأن يكون ذلك أيضًا خبرًا عنهم أشبه من أن يكون خبرًا عن اليهود، ولمّا يجر لهم ذكرٌ يكون هذا به متّصلاً، مع ما في الخبر عمّن أخبر اللّه عنه في هذه الآية من إنكاره أن يكون اللّه أنزل على بشرٍ شيئًا من الكتب وليس ذلك ممّا تدين به اليهود، بل المعروف من دين اليهود الإقرار بصحف إبراهيم وموسى، وزبور داود. وإذا لم يكن بما روي من الخبر بأنّ قائل ذلك كان رجلاً من اليهود خبرٌ صحيحٌ متّصل السّند، ولا كان على أنّ ذلك كان كذلك من أهل التّأويل إجماعٌ، وكان الخبر من أوّل السّورة ومبتدئها إلى هذا الموضع، خبرًا عن المشركين من عبدة الأوثان، وكان قوله: {وما قدروا اللّه حقّ قدره} موصولاً بذلك غير مفصولٍ منه، لم يجز لنا أنّ ندّعي أنّ ذلك مصروفٌ عمّا هو به موصولٌ إلاّ بحجّةٍ يجب التّسليم لها من خبرٍ أو عقلٍ.
ولكنّي أظنّ أنّ الّذين تأوّلوا ذلك خبرًا عن اليهود وجدوا قوله: {قل من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى نورًا وهدًى للنّاس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرًا وعلّمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم}، فوجّهوا تأويل ذلك إلى أنّه لأهل التّوراة، فقرءوه على وجه الخطاب لهم: {تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرًا وعلّمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم}، فجعلوا ابتداء الآية خبرًا عنهم، إذ كانت خاتمتها خطابًا لهم عندهم. وغير ذلك من التّأويل والقراءة أشبه بالتّنزيل لما وصفت قبل من أنّ قوله: {وما قدروا اللّه حقّ قدره} في سياق الخبر عن مشركي العرب وعبدة الأوثان، وهو به متّصلٌ، فالأولى أن يكون ذلك خبرًا عنهم.
والأصوب من القراءة في قوله: (يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرًا) أن يكون بالياء لا بالتّاء، على معنى أنّ اليهود يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرًا، ويكون الخطاب بقوله: {قل من أنزل الكتاب} لمشركي قريشٍ. وهذا هو المعنى الّذي قصده مجاهدٌ إن شاء اللّه في تأويل ذلك، وكذلك كان يقرأ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن أيّوب، عن مجاهدٍ، أنّه كان يقرأ هذا الحرف: (يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرًا) ).[جامع البيان: 9/ 393-398]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى نورًا وهدًى للنّاس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرًا}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل} يا محمّد لمشركي قومك القائلين لك: ما أنزل على بشرٍ من شيءٍ، قل: {من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى نورًا} يعني: جلاءً وضياءً من ظلمة الضّلالة {وهدًى للنّاس} يقول: بيانًا للنّاس، يبيّن لهم به الحقّ من الباطل فيما أشكل عليهم من أمر دينهم، يجعلونه قراطيس يبدونها.
فمن قرأ ذلك: {تجعلونه} جعله خطابًا لليهود على ما بيّنت من تأويل من تأوّل ذلك كذلك، ومن قرأه بالياء: (يجعلونه) فتأويله في قراءته: يجعله أهله قراطيس.
وجرى الكلام في (يبدونها) بذكر القراطيس، والمراد منه: المكتوب في القراطيس، يراد يبدون كثيرًا ممّا يكتبون في القراطيس، فيظهرونه للنّاس ويخفون كثيرًا ممّا يثبتونه في القراطيس فيسرّونه ويكتمونه النّاس.
وممّا كانوا يكتمونه إيّاهم ما فيها من أمر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ونبوّته.
- كالّذي حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {قراطيس يبدونها ويخفون كثيرًا}: اليهود.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة: {قل} يا محمّد: (من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى نورًا وهدًى للنّاس يجعلونه قراطيس يبدونها)، يعني يهود لما أظهروا من التّوراة. (وتخفون كثيرًا) ممّا أخفوا من ذكر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وما أنزل عليه.
قال ابن جريجٍ: وقال عبد اللّه بن كثيرٍ: إنّه سمع مجاهدًا يقول: (يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرًا)، قال: هم يهود الّذين يبدونها ويخفون كثيرًا). [جامع البيان: 9/ 398-399]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وعلّمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل اللّه ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون}.
يقول تعالى ذكره: وعلّمكم اللّه جلّ ثناؤه الكتاب الّذي أنزله إليكم ما لم تعلموا أنتم من أخبار من قبلكم ومن أنباء من بعدكم وما هو كائنٌ في معادكم يوم القيامة، {ولا آباؤكم} يقول: ولم يعلمه آباؤكم أيّها المؤمنون باللّه من العرب وبرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم.
- كالّذي حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن أيّوب، عن مجاهدٍ: {وعلّمتم} معشر العرب {ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال عبد اللّه بن كثيرٍ: إنّه سمع مجاهدًا، يقول، في قوله: {وعلّمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم}، قال: هذه للمسلمين.
وأمّا قوله: {قل اللّه} فإنّه أمرٌ من اللّه جلّ ثناؤه نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم أن يجيب استفهامه هؤلاء المشركين عمّا أمره باستفهامهم عنه بقوله: {قل من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى نورًا وهدًى للنّاس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرًا} بقيله: اللّه، كأمره إيّاه في موضعٍ آخر في هذه السّورة بقوله: {قل من ينجّيكم من ظلمات البرّ والبحر تدعونه تضرّعًا وخفيةً لئن أنجانا من هذه لنكوننّ من الشّاكرين}، فأمره باستفهام المشركين عن ذلك، كما أمره باستفهامهم {إذ قالوا ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيءٍ} عمّن أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى نورًا وهدًى للنّاس. ثمّ أمره بالإجابة عنه هنالك بقيله: {قل اللّه ينجّيكم منها ومن كلّ كربٍ ثمّ أنتم تشركون}، كما أمره بالإجابة ههنا عن ذلك بقيله: اللّه أنزله على موسى.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {قل من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى نورًا وهدًى للنّاس} قال: اللّه أنزله.
ولو قيل: معناه: (قل هو اللّه) على وجه الأمر من اللّه له بالخبر عن ذلك لا على وجه الجواب إذ لم يكن قوله: {قل من أنزل الكتاب} مسألةً من المشركين لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فيكون قوله: {قل اللّه} جوابًا لهم عن مسألتهم، فإنّما هو أمرٌ من اللّه لمحمّدٍ بمسألة القوم: من أنزل الكتاب، فيجب أن يكون الجواب منهم غير الّذي قاله ابن عبّاسٍ من تأويله كان جائزًا من أجل أنّه استفهامٌ، ولا يكون للاستفهام جوابٌ، وهو الّذي اخترنا من القول في ذلك لما بيّنّا.
وأمّا قوله: {ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون} فإنّه يقول لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: ثمّ ذر هؤلاء المشركين العادلين بربّهم الأوثان والأصنام بعد احتجاجك عليهم في قيلهم: {ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيءٍ} بقولك: {من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى نورًا وهدًى للنّاس}، وإجابتك ذلك بأنّ الّذي أنزله اللّه الّذي أنزل عليك كتابه {في خوضهم} يعني: فيما يخوضون فيه من باطلهم وكفرهم باللّه وآياته، يقول: يستهزئون ويسخرون.
وهذا من اللّه وعيدٌ لهؤلاء المشركين وتهديدٌ لهم، يقول اللّه جلّ ثناؤه: ثمّ دعهم لاعبين يا محمّد، فإنّي من وراء ما هم فيه من استهزائهم بآياتي بالمرصاد وأذيقهم بأسي، وأحلّ بهم إن تمادوا في غيّهم سخطي).[جامع البيان: 9/ 399-401]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وما قدروا اللّه حقّ قدره إذ قالوا ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيءٍ قل من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى نورًا وهدًى للنّاس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرًا وعلّمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل اللّه ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون (91)}
قوله تعالى: {وما قدروا اللّه حقّ قدره}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {وما قدروا اللّه حقّ قدره} قال: هم الكفّار الّذين لم يؤمنوا بقدرة اللّه عليهم، فمن آمن أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ فقد قدر اللّه حقّ قدره، ومن لم يؤمن بذلك فلم يؤمن باللّه حقّ قدره.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: قوله: {وما قدروا اللّه حقّ قدره} يقول له: قريشٌ.
- حدّثنا أبي، ثنا قطبة بن العلاء الغنويّ ثنا أبو معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ في قوله: وما قدروا اللّه حقّ قدره قال: ما علموا كيف هو حيث كذبوا.
- حدّثنا محمّد بن يحيى ثنا ابن أبي، جعفرٍ، هو محمّد بن عبد اللّه بن جعفرٍ- عن يحيى بن الضّريس، عن ميكائيل قال: قوله: {وما قدروا اللّه حقّ قدره} قال: ما عظّموا اللّه حقّ عظمته.
قوله تعالى: {حقّ قدره}
- حدّثنا أبو بكر بن أبي، موسى الأنصاريّ، ثنا هارون بن حاتمٍ ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ: قوله: {وما قدروا اللّه حقّ قدره}، يعني: ما عظّموه حقّ عظمته.
قوله تعالى: {إذ قالوا ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيء}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {إذ قالوا ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيءٍ} يعني من بني إسرائيل، قالت اليهود: أنزل اللّه عليك كتابًا؟ قال: نعم.
قالوا: واللّه ما أنزل اللّه من السّماء كتابًا. فأنزل اللّه: قل يا محمّد: من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى نورًا وهدًى للنّاس.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسين بن الحسن، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه، ثنا حجّاجٌ قال: قال ابن جريجٍ: أخبرني ابن كثيرٍ أنّه سمع مجاهدًا يقول: ما قدروا اللّه حقّ قدره إذ قالوا ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيءٍ قال: قالها مشركو قريشٍ.
قوله: {على بشرٍ}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله: إذ قالوا ما أنزل اللّه على بشر من شيء يعني من بني إسرائيل.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قوله: {إذ قالوا ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيءٍ} قال فنحاص اليهوديّ: ما أنزل اللّه على محمّدٍ من شيءٍ.
قوله: {من شيءٍ}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيءٍ} قالت اليهود: واللّه ما أنزل اللّه من السّماء كتابًا.
قوله عزّ وجلّ: {قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى}
- وبه عن ابن عبّاسٍ قال: قالت اليهود: يا محمّد، أنزل اللّه عليك كتابًا؟
قال نعم. قالوا واللّه ما أنزل من السّماء كتابًا. فأنزل اللّه: قل يا محمّد: من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى،... قل اللّه أنزله.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو الرّبيع ثنا يعقوب، أنبأ جعفرٌ عن سعيد ابن جبيرٍ قال: جاء رجلٌ من اليهود يقال له مالك بن الصّيف فخاصم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أنشدك بالّذي أنزل التّوراة على موسى، هل تجد في التّوراة أنّ اللّه يبغض الحبر السّمين؟ »قال: وكان حبرًا سمينًا فغضب وقال: ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيءٍ. فقال له أصحابه الّذين معه: ويحك! ولا على موسى؟ قال: ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيءٍ. فأنزل اللّه عزّ وجلّ: وما قدروا اللّه حقّ قدره إذ قالوا ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيءٍ، قل من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى نورًا وهدًى للنّاس؟.
قوله: نورا
- قرأت على محمد الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان: قوله: نورًا قال: نورًا من العمى.
قوله: وهدى للناس
الوجه الأول:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، ثنا عبد الرّزّاق ثنا الثّوريّ، عن بيانٍ، عن الشّعبيّ في قوله: {هدًى}، قال: هدًى من الضّلالة.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمر بن حمّاد بن طلحة، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ:
قوله: {هدًى}، قال: نورٌ.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثنا ابن لهيعة حدّثنا عطاء ابن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ قوله (هدًى) قال تبيانٌ.
قوله: {تجعلونه قراطيس}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: قوله: قراطيس تبدونها وتخفون كثيرًا قال: اليهود.
- حدّثنا محمّد بن يحيى ثنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: {تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرًا}، هم اليهود والنّصارى.
قوله تعالى: {وعلّمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان بن صالحٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: {وعلّمتم ما لم تعلموا} قال: هؤلاء مشركوا العرب.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: {وعلّمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم} قال: هم اليهود والنّصارى قومًا آتاهم اللّه علمًا فلم يقتدوا به، ولم يأخذوا به، ولم يعملوا به، فذمّهم اللّه في عملهم ذلك.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسين بن الحسن، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه الهرويّ، ثنا حجّاجٌ قال: قال ابن جريجٍ: أخبرني ابن كثيرٍ، عن مجاهدٍ: {وعلّمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم} قال مجاهدٌ: هذه للمسلمين.
- حدّثنا الحسين بن الحسن ثنا إبراهيم بن عبد اللّه الهرويّ ثنا حجّاجٌ قال: ابن جريجٍ، أخبرني ابن كثيرٍ عن مجاهدٍ: قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا قال مجاهدٌ: يهود الّذين تبدونها وتخفون كثيرًا.
قوله تعالى: {قل اللّه}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله: وعلّمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل اللّه قال: اللّه أنزله.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا العبّاس ثنا يزيد ثنا سعيدٌ عن قتادة: قوله: ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون قال: فذمّهم اللّه في عملهم ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1341-1344]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وما قدروا الله حق قدره}، قال: هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة
الله عليهم فمن آمن أن الله على كل شيء قدير فقد قدر الله حق قدره ومن لم يؤمن بذلك فلم يؤمن بالله حق قدره {إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء} يعني من بني إسرائيل قالت اليهود يا محمد أنزل الله عليك كتابا قال: نعم، قالوا: والله ما أنزل الله من السماء كتابا، فأنزل الله قل يا محمد: {من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس} إلى قوله: {ولا آباؤكم قل الله} أنزله.
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله: {وما قدروا الله حق قدره} قال: وما علموا كيف هو حيث كذبوه.
- وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك في قوله: {وما قدروا الله حق قدره} قال: ما عظموه حق عظمته.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء} قال: قالها مشركوا قريش.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء}، قال: قال فنحاص اليهودي: ما أنزل الله على محمد من شيء.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن عكرمة في قوله: {إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء}، قال: نزلت في مالك بن الصيف.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف فخاصم النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال له النبي:« أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى هل تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين وكان حبرا سمينا» فغضب وقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء، فقال له أصحابه: ويحك، ولا على موسى قال: ما أنزل الله على بشر من شيء فأنزل الله: {وما قدروا الله حق قدره ... الآية}.
- وأخرج ابن جريرعن محمد بن كعب القرظي قال: جاء ناس من يهود إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو محتب فقالوا: يا أبا القاسم ألا تأتينا بكتاب من السماء كما جاء به موسى ألواحا فأنزل الله تعالى: {يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء ...} [النساء: 153] فجثا رجل من اليهود فقال: ما أنزل الله عليك ولا على موسى ولا على عيسى ولا على أحد شيئا فأنزل الله: {وما قدروا الله حق قدره} الآية.
- وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي قال: أمر الله محمدا أن يسأل أهل الكتاب عن أمره وكيف يجدونه في كتبهم فحملهم حسدهم أن يكفروا بكتاب الله ورسله فقالوا: {ما أنزل الله على بشر من شيء} فأنزل الله: {وما قدروا الله حق قدره} الآية، ثم قال: يا محمد هلم لك إلى الخبير ثم أنزل: {الرحمن فاسأل به خبيرا} [الفرقان: 59]، {ولا ينبئك مثل خبير} [فاطر: 14].
- وأخرج البيهقي في الشعب عن كعب قال: إن الله يبغض أهل البيت اللحمين والحبر السمين.
- وأخرج البيهقي عن جعدة الجشمي قال: رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم ورجل يقص عليه رؤيا فرأى رجلا سمينا فجعل بطنه بشيء في يده ويقول لو كان بعض هذا في غير هذا لكان خير الملك.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا} قال: هم اليهود {وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم} قال: هذه للمسلمين.
- وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا} في يهود فيما أظهروا من التوراة وأخفوا من محمد صلى الله عليه وسلم.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي شيبة، وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد أنه قرأ: {تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا} وعلمتم معشر العرب: {ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم}.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم} قال: هم اليهود آتاهم الله علما فلم يقتدوا به ولم يأخذوا به ولم يعملوا به فذمهم الله في عملهم ذلك). [الدر المنثور: 6/ 125-129]

تفسير قوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92)}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {ولتنذر أم القرى}، قال: هي مكة.
قال معمر، وقال قتادة: بلغني أن الأرض دحيت من مكة). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 213]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ مصدّق الّذي بين يديه ولتنذر أمّ القرى ومن حولها}.
يقول تعالى ذكره: {وهذا} القرآن يا محمّد {كتابٌ} وهو اسمٌ من أسماء القرآن قد بيّنته وبيّنت معناه فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته. ومعناه: مكتوبٌ، فوضع الكتاب مكان المكتوب.
{أنزلناه} يقول: أوحيناه إليك، {مباركٌ} وهو مفاعلٌ من البركة، {مصدّق الّذي بين يديه} يقول: صدّق هذا الكتاب ما قبله من كتب اللّه الّتي أنزلها على أنبيائه قبلك، لم يخالفها ولا بنبأٍ، وهو معنى {نورًا وهدًى للنّاس}، يقول: هو الّذي أنزل إليك يا محمّد هذا الكتاب مباركًا مصدّقًا كتاب موسى وعيسى وغير ذلك من كتب اللّه، ولكنّه جلّ ثناؤه ابتدأ الخبر عنه، إذ كان قد تقدّم الخبر عن ذلك ما يدلّ على أنّه به متّصلٌ، فقال: وهذا {كتابٌ أنزلناه إليك مباركٌ}، ومعناه: وكذلك أنزلت إليك كتابي هذا مباركًا، كالّذي أنزلت من التّوراة إلى موسى هدًى ونورًا.
وأمّا قوله: {ولتنذر أمّ القرى ومن حولها} فإنّه يقول: أنزلنا إليك يا محمّد هذا الكتاب مصدّقًا ما قبله من الكتب، ولتنذر به عذاب اللّه وبأسه من في أمّ القرى وهي مكّة ومن حولها شرقًا وغربًا من العادلين بربّهم غيره من الآلهة والأنداد، والجاحدين برسله وغيرهم من أصناف الكفّار.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولتنذر أمّ القرى ومن حولها} يعني بأمّ القرى: مكّة ومن حولها من القرى إلى المشرق والمغرب.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولتنذر أمّ القرى ومن حولها}: وأمّ القرى: مكّة، ومن حولها: الأرض كلّها.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، قال: حدّثنا معمرٌ، عن قتادة: {ولتنذر أمّ القرى} قال: هي مكّة.
- وبه عن معمرٍ، عن قتادة قال: بلغني أنّ الأرض دحيت من مكّة.
- حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولتنذر أمّ القرى ومن حولها}: كنّا نحدّث أنّ أمّ القرى: مكّة، وكنّا نحدّث أنّ منها دحيت الأرض.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولتنذر أمّ القرى ومن حولها}: أما أمّ القرى فهي مكّة، وإنّما سمّيت أمّ القرى لأنّها أوّل بيتٍ وضع بها.
وقد بيّنّا فيما مضى العلّة الّتي من أجلها سمّيت مكّة أمّ القرى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع).[جامع البيان: 9/ 401-403]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون}.
يقول تعالى ذكره: ومن كان يؤمن بقيام السّاعة والمعاد في الآخرة إلى اللّه، ويصدّق بالثّواب والعقاب، فإنّه يؤمن بهذا الكتاب الّذي أنزلناه إليك يا محمّد، ويصدّق به ويقرّ بأنّ اللّه أنزله، ويحافظ على الصّلوات المكتوبات الّتي أمره اللّه بإقامتها لأنّه منذرٌ من بلغه وعيد اللّه على الكفر به وعلى معاصيه، وإنّما يجحد به وبما فيه ويكذّب أهل التّكذيب بالمعاد والجحود لقيام السّاعة، لأنّه لا يرجو من اللّه إن عمل بما فيه ثوابًا، ولا يخاف إن لم يجتنب ما يأمره باجتنابه عقابًا). [جامع البيان: 9/ 404]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ مصدّق الّذي بين يديه ولتنذر أمّ القرى ومن حولها والّذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون (92)}
قوله: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ}
- وبإسناده في قوله: وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ قال: هو القرآن الّذي أنزله اللّه على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله: {مصدّق}
- أخبرنا محمّد بن سعد بن عطيّة فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي، حدّثني أبي، عن أبيه عن عبد اللّه بن عبّاسٍ: قوله: {مصدّق}، قال شاهدٌ.
قوله: {مصدّق الّذي بين يديه}
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن العلاء ثنا عثمان بن سعيدٍ ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ: مصدّق يقول مصدّق الّذي بين يديه يقول: لما قبله من الكتب الّتي أنزلها اللّه والآيات والرّسل الّذين بعثهم اللّه بالآيات، نحو موسى وعيسى ونوحٍ وهودٍ وشعيبٍ وصالحٍ وأشباههم من المرسلين: مصدّق يقول: وأنت تتلو عليهم يا محمّد وتخبرهم به غدوةً وعشيًّا وبين ذلك، وأنت عندهم أمياً لم تقرأ كتابًا ولم تبعث رسولا، وأنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه وصدقه، يقول اللّه، في ذلك لهم عبرةٌ وبيان عليهم حجّةٌ لو كانوا يعقلون.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم عن أبي جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع عن أبي العالية: مصدّق الّذي بين يديه يعني من التّوراة والإنجيل.
قوله: {ولتنذر أمّ القرى}
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {لتنذر أمّ القرى} يعني بأمّ القرى مكّة.
- حدّثنا أبي حدّثني الأنصاريّ حدّثني ابن جريجٍ قال عطاءٌ وعمرو بن دينارٍ يزيد أحدهما على الآخر: فبعث اللّه رياحًا فشقّقت الماء فأبرزت موضع البيت على حشفةٍ بيضاء، فمدّ اللّه الأرض منها فلذلك هي أمّ القرى.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: قوله: {لتنذر أمّ القرى ومن حولها}، أمّا أمّ القرى فهي مكّة، وإنّما سمّيت أمّ القرى لأنّ أوّل بيتٍ وضع بها.
- وروي عن مجاهدٍ والضّحّاك والحسن وقتادة ويحيى بن يعمر وأبي فاختة نحو ذلك.
قوله: {ومن حولها}
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن أبي صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: لتنذر أمّ القرى ومن حولها يعني وما حولها من القرى إلى المشرق والمغرب.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن العلاء ثنا أبو خالدٍ الأحمر ثنا جويبرٌ عن الضّحّاك في قوله: ومن حولها: القرى كلّها.
قوله تعالى: {والّذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به}
- أخبرنا محمود بن آدم المروزيّ فيما كتب إليّ قال سمعت النّضر بن شميلٍ يقول في تفسير المؤمن: أنّه أمنٌ من عذاب اللّه عز وجل.
قوله: {وهم على صلاتهم يحافظون}
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا حفصٌ عن الأعمش عن أبي الضّحى عن مسروقٍ على صلاتهم يحافظون قال: على مواقيت الصّلاة.
- حدّثنا محمّد بن يحيى ثنا العبّاس بن الوليد النّرسيّ ثنا يزيد ثنا سعيدٌ عن قتادة: قوله: {على صلاتهم يحافظون}، أي على وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1344-1346]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك} قال: هو القرآن الذي أنزله الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم.
- وأخرج عبد بن حميد عن قتادة: {مصدق الذي بين يديه} أي من الكتب التي قد خلت قبله.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: {ولتنذر أم القرى} قال: مكة ومن حولها، قال: يعني ما حولها من القرى إلى المشرق والمغرب.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء وعمرو بن دينار قالا: بعث الله رياحا فشققت الماء فأبرزت موضع البيت على حشفة بيضاء فمد الله الأرض منها فذلك هي أم القرى.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {أم القرى} قال: مكة وإنما سميت أم القرى لأنها أول بيت وضع بها.
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {ولتنذر أم القرى} قال: هي مكة، قال: وبلغني أن الأرض دحيت من مكة.
- وأخرج ابن مردويه عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أم القرى مكة). [الدر المنثور: 6/ 129-130]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 ربيع الثاني 1434هـ/6-03-2013م, 12:08 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92)}


تفسير قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وما قدروا اللّه حقّ قدره...}
ما عظّموه حقّ تعظيمه. وقوله: {تجعلونه قراطيس} يقول: كيف قلتم: لم ينزل الله على بشر من شيء وقد أنزلت التوراة على موسى {تجعلونه قراطيس} والقرطاس في هذا الموضع صحيفة. وكذلك قوله: {ولو نزّلنا عليك كتاباً في قرطاسٍ} يعني: في صحيفة.
{تبدونها وتخفون كثيراً} يقول: تبدون ما تحبون، وتكتمون صفة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله: {قل اللّه ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون} أمر محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول {قل اللّه} أي: أنزله الله عليكم. وإن شئت قلت: قل (هو) الله. وقد يكون قوله: {قل اللّه} جوابا لقوله: {من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى}، {قل اللّه} أنزله. وإنما اخترت رفع {اللّه} بغير الجواب لأن الله تبارك وتعالى الذي أمر محمدا صلى الله عليه وسلم أن يسألهم: {من أنزل الكتاب} وليست بمسألة منهم فيجابوا، ولكنه جاز لأنه استفهام، والاستفهام يكون له جواب.
وقوله: {ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون} لو كانت جزما لكان صوابا؛ كما قال {ذرهم يأكلوا ويتمتّعوا} ). [معاني القرآن: 1/ 343]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وما قدروا الله حقّ قدره} أي ما عرفوا الله حقّ معرفته). [مجاز القرآن: 1/ 200]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا} بالتاء.
أبو عمرو {يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرا} بالياء). [معاني القرآن لقطرب: 519]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {وما قدروا الله حق قدره} و"قدره" لغة؛ وكان ابن عباس يقول: {وما قدروا الله حق قدره} أي ما عظموه حق عظمته.
وقالوا: قد قدر القوم أمرهم، يقدرونه قدرًا؛ وقدرت الشيء بالشيء، أقدره قدرًا، وقدرت على الأمر، قدرة وقدارة؛ وقد ذكرنا ك لما فيها في سورة البقرة.
[معاني القرآن لقطرب: 545]
ويقال: احمل قدر ما تطيق، وقدر ما تطيق). [معاني القرآن لقطرب: 546]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ما قدروا الله حق قدره}: ما عرفوا الله حق معرفته). [غريب القرآن وتفسيره: 139]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وما قدروا اللّه حقّ قدره} أي ما وصفوه حقّ صفته، ولا عرفوه حقّ معرفته. يقال: قدرت الشيء وقدّرته. وقدرت فيك كذا وكذا، وقدرته). [تفسير غريب القرآن: 156]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وما قدروا اللّه حقّ قدره إذ قالوا ما أنزل اللّه على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى نورا وهدى للنّاس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلّمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل اللّه ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون}
معناه ما عظّموا اللّه حق عظمته إذ جحدوا تنزيله، وذلك أن جماعة من اليهود -من منافقيهم- جاءوا وهم يعاندون النبي -صلى الله عليه وسلم- يجادلونه ويصدّون عنه.
وكان سمتهم سمة الأحبار، وكانوا يتنعّمون ولا يتعبدون، فأعلمهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن في التوراة أن الله جلّ وعزّ لا يحب الحبر السّمين، فجحدوا التوراة، وقالوا: {ما أنزل اللّه على بشر من شيء}، فقال الله عزّ وجل: {قل من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى نورا وهدى للنّاس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا} يظهرون ما يحبون من ذلك ويخفون كثيرا.
{وعلّمتم ما لم تعلموا} أي علّمتم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم {ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل اللّه ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون}.
يقال لكل من كان في عمل لا يجدي إنما أنت لاعب). [معاني القرآن: 2/ 270-271]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وما قدروا الله حق قدره} قال أبو عبيدة أي ما عرفوا الله حق معرفته هذا قول حسن لأن معنى قدرت الشيء وقدّرتُه عرفت مقداره ويدل عليه قوله جل وعلا: {إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء} أي لم يعرفوه حق معرفته إذ أنكروا أن يرسل رسولا وقال غير أبي عبيدة المعنى وما عظموا الله حق عظمته ومن هذا لفلان قدر
والمعنيان متقاربان ويروى أن هذا نزل في بعض اليهود ممن كان يظهر العبادة ويتنعم في السر فقيل له إن في الكتاب أن الله لا يحب الحبر السمين فقال {ما أنزل الله على بشر من شيء}). [معاني القرآن: 2/ 456-457]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} أي ما عرفوه حق معرفته، ولا وصفوه حق صفته). [تفسير المشكل من غريب القرآن:77]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَا قَدَرُواْ اللّهَ}: ما عرفوا الله
{حق قدره}: حق معرفته). [العمدة في غريب القرآن: 128]

تفسير قوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولتنذر أمّ القرى...}
يقال في التفسير: إنّ أمّ القرى مكّة.
وقوله: {والّذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به} الهاء تكون لمحمد صلى الله عليه وسلم وللتنزيل). [معاني القرآن: 1/ 344]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ مّصدّق الّذي بين يديه ولتنذر أمّ القرى ومن حولها والّذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون}
وقال: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ مّصدّق الّذي} رفع على الصفة، ويجعل نصبا حالا لـ{أنزلناه}). [معاني القرآن: 1/ 245]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (القراء {ولتنذر أم القرى}.
عاصم {ولينذر أم القرى} بالياء). [معاني القرآن لقطرب: 519]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {ولتنذر أم القرى}، وكان قتادة يقول: مكة؛ لأن الأرض منها دحيت دحيا؛ وقد ذكرناها في صدر الكتاب). [معاني القرآن لقطرب: 546]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أمّ القرى}: مكة لأنها أقدمها). [تفسير غريب القرآن: 156]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدّق الّذي بين يديه ولتنذر أمّ القرى ومن حولها والّذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون}
{ولتنذر أمّ القرى ومن حولها} تقرأ بالتاء والياء جميعا في لتنذر المعنى أنزلناه للبركة والإنذار.
ومعنى {أم القرى} أي أهل أم القرى، و {من حولها} عطف عليهم.
وأمّ القرى مكة سميت أمّ القرى لأنها كانت أعظم القرى شأنا). [معاني القرآن: 2/ 271]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولتنذر أم القرى ومن حولها} المعنى ولتنذر أهل أم القرى قال قتادة:كنا نتحدث أنها مكة؛ لأن الأرض منها دحيت.
وقيل: إنما سميت أم القرى؛ لأنها تقصد من كل قرية). [معاني القرآن: 2/ 457-458]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 10:41 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) }

قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): ( وبعض النحويين من غير البصريين يجيز النصب على إضمار أن. والبصريون يأبون ذلك إلا أن يكون منها عوض؛ نحو: الفاء والواو وما ذكرناه معهما. ونظير هذا الوجه قول طرفة:
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغـى ....... وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
ومن رأى النصب هناك رأى نصب أحضر.
فأما قول الله عز وجل: {قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون} فتقديره والله أعلم: قل أفغير الله أعبد فيما تأمروني. ف غير منصوب ب أعبد.
وقد يجوز وهو بعيد على قولك: ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى، فكأن التقدير: قل أفغير الله تأمروني أعبد. فتنصب غير ب تأمروني. وقد أجازه سيبويه على هذا، وهذا قول آخر وهو حذف الباء، كما قال:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ....... فقد تركتك ذا مالٍ وذا نـشـب
وأنا أكره هذا الوجه الثاني لبعده. ولا يجوز على هذا القول أن ينصب غيراً بأعبد؛ لأن أعبد على هذا في صلة أن.
وأما قوله عز وجل: {ذرهم يأكلوا ويتمتعوا} فعلى الجواب.
فإن قال قائل: أفأمر الله بذلك ليخوضوا ويلعبوا? قيل: مخرجه من الله عز وجل على الوعيد؛ كما قال عز وجل: {اعملوا ما شئتم} {ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}.
أما قوله: {ذرهم في خوضهم يلعبون} فإنه ليس بجواب، ولكن المعنى: ذرهم لاعبين، أي ذرهم في حال لعبهم). [المقتضب: 2/ 82-84] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله: فيا قوم هل من حيلة تعرفونها
موضع "تعرفونها" خفضٌ، لأنه نعت للحيلة وليس بجواب، ولو كان ههنا شرط يوجب جوابًا لا نجزم، تقول: ائتني بدابة أركبها، أي بدابةٍ مركوبة، فإذا أردت معنى: فإنك إن أتيتني بدابة ركبتها قلت: "أركبها"، لأنه جواب الأمر، كما أن الأول جواب الاستفهام، وفي القرآن: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}، أي مطهرة لهم، وكذلك: {أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا} أي كائنة لنا عيدًا، وفي الجواب: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا}، أي إن تركوا خاضوا ولعبوا، وأما قوله عز وجل: {ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} فإنما هو فذرهم في هذه الحال لأنهم كانوا يلعبون، وكذلك: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}، إنما هو ولا تمنن مستكثرًا فمعنى ذا: هل معروفة عندكم?). [الكامل: 1/ 373-374] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92) }


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 12:46 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 12:46 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 12:46 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 12:46 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وما قدروا اللّه حقّ قدره إذ قالوا ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيءٍ قل من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى نوراً وهدىً للنّاس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً وعلّمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل اللّه ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون (91)}
الضمير في قدروا وقالوا قيل يراد به العرب قاله مجاهد وغيره، وقيل يراد به بنو إسرائيل، قاله ابن عباس، وقيل رجل مخصوص منهم يقال له مالك بن الصيف قاله سعيد بن جبير، وقيل في فنحاص قاله السدي، قدروا هو من توفية القدر والمنزلة فهي عامة يدخل تحتها من لم يعرف ومن لم يعظم وغير ذلك، غير أن تعليله بقولهم ما أنزل اللّه يقضي بأنهم جهلوا ولم يعرفوا الله حق معرفته إذ أحالوا عليه بعثه الرسل وحقّ نصب على المصدر، ومن قال إن المراد كفار العرب فيجيء الاحتجاج عليهم بقوله: من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى احتجاجا بأمر مشهور منقول بكافة قوم لم تكن العرب مكذبة لهم، ومن قال إن المراد بني إسرائيل فيجيء الاحتجاج عليهم مستقيما لأنهم يلتزمون صحة نزول الكتاب على موسى عليه السلام، وروي أن مالك بن الصيف كان سمينا فجاء يخاصم النبي صلى الله عليه وسلم بزعمه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنشدك الله ألست تقرأ فيما أنزل على موسى أن الله يبغض الحبر السمين» فغضب وقال والله ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيءٍ والآية على قول من قال نزلت في قول بني إسرائيل تلزم أن تكون مدنية، وكذلك حكى النقاش أنها مدنية، وقرأ الحسن وعيسى الثقفي وغيرهما «وما قدّروا» بتشديد الدال «الله حق قدره» بفتح الدال، وقرأ الجمهور في الأول بالتخفيف وفي الثاني بإسكانه.
وقوله تعالى: {قل من أنزل الكتاب ... الآية}، أمره الله تعالى أن يستفهم على جهة التقرير على موضع الحجة، والمراد ب الكتاب التوراة، ونوراً وهدىً اسمان في موضع الحال بمعنى نيرا وهاديا، فإن جعلناه حالا من الكتاب فالعامل فيه أنزل، وإن جعلناه حالا من الضمير في به فالعامل فيه جاء، وقرأ جمهور الناس «تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون» بالتاء من فوق في الأفعال الثلاثة، فمن رأى أن الاحتجاج على بني إسرائيل استقامت له هذه القراءة وتناسقت مع قوله: وعلّمتم ما لم تعلموا ومن رأى أن الاحتجاج إنما هو على كفار العرب فيضطر في هذه القراءة إذ لا يمكن دفعها إلى أن يقول إنه خرج من مخاطبة قريش في استفهامهم وتقريرهم إلى مخاطبة بني إسرائيل بتوبيخهم وتوبيخ أفعالهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا مع بعده أسهل من دفع القراءة، فكأنه على هذا التأويل قال لقريش من أنزل الكتاب على موسى، ثم اعترض على بني إسرائيل فقال لهم خلال الكلام تجعلونه أنتم يا بني إسرائيل قراطيس، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرا» بالياء في الأفعال الثلاثة، فمن رأى الاحتجاج على قريش رآه إخبارا من الله عز وجل بما فعلته اليهود في الكتاب، ويحتمل أن يكون الإخبار بذلك لقريش أو للنبي صلى الله عليه وسلم وحده، وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن فأمته متلقية ذلك، وقراطيس جمع قرطاس أي بطائق وأوراقا والمعنى يجعلونه ذا قراطيس من حيث يكتب فيها، وتوبيخهم بالإبداء والإخفاء هو على إخفائهم آيات محمد عليه السلام والإخبار بنبوته وجميع ما عليهم فيه حجة
وقوله: {وعلّمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم} قال مجاهد وغيره: هي مخاطبة للعرب، فالمعنى على هذا قصد ذكر منة الله عليهم بذلك أي علمتم يا معشر العرب من الهدايات والتحيد والإرشاد إلى الحق ما لم تكونوا عالمين به ولا آباؤكم.
-قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقوله: وعلّمتم ما لم تعلموا يصلح على هذا المعنى لمخاطبة من انتفع بالتعليم ومن لم ينتفع به، ويصح الامتنان بتعليم الصنفين، وليس من شرط من علم أن يعلم ولا بد، اما أن التعليم الكامل هو الذي يقع معه التعلم، وقالت فرقة بل هي مخاطبة لبني إسرائيل، والمعنى على هذا يترتب على وجهين، أحدهما أن يقصد به الامتنان عليهم وعلى آبائهم بأن علموا من دين الله وهداياته ما لم يكونوا عالمين به، لأن آباء المخاطبين من بني إسرائيل كانوا علموا أيضا وعلم بعضهم، وليس ذلك في آباء العرب، والوجه الآخر أن يكون المقصود منهم أي وعلمتم أنتم وآباؤكم ما لم تعلموه بعد التعليم ولا انتفعتم به لإعراضكم وضلالكم ثم أمره تعالى بالمبادرة إلى موضع الحجة أي قل: الله هو الذي أنزل الكتاب على موسى ويحتمل أن يكون المعنى فإن جهلوا أو تحيروا أو سألوا أو نحو هذا فقل الله ثم أمره بترك من كفر وأعرض، وهذه آية منسوخة بآية القتال إن تأولت موادعة، وقد يحتمل أن لا يدخلها نسخ إذا جعلت تتضمن تهديدا ووعيدا مجردا من موادعة، و «الخوض» الذهاب فيما لا تسبر حقائقه، وأصله في الماء ثم يستعمل في المعاني المشكلة الملتبسة، ويلعبون في موضع الحال). [المحرر الوجيز: 3/ 415-417]

تفسير قوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ مصدّق الّذي بين يديه ولتنذر أمّ القرى ومن حولها والّذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون (92)}
قوله هذا إشارة إلى القرآن، ومباركٌ صفة له، ومصدّق كذلك، وحذف التنوين من مصدّق للإضافة وهي إضافة غير محضة لم يتعرف بها مصدق ولذلك ساغ أن يكون وصفا لنكرة، والّذي في موضع المفعول، والعامل فيه مصدر، ولا يصلح أن يكون مصدّق مع حذف التنوين منه يتسلط على الّذي، ويقدر حذف التنوين للالتقاء وإنما جاء ذلك شاذا في الشعر في قوله: [المتقارب]
فألفيته غير مستعتب ....... ولا ذاكر الله إلّا قليلا
ولا يقاس عليه، وبين يديه هي حال التوراة والإنجيل لأن ما تقدم فهو بين يدي ما تأخر، وقالت فرقة الّذي بين يديه القيامة.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا غير صحيح لأن القرآن هو بين يدي القيامة، وقرأ الجمهور «ولتنذر أم القرى» أي أنت يا محمد، وقرأ أبو بكر عن عاصم «ولينذر» أي القرآن بمواعظه وأوامره، واللام في لتنذر متعلقة بفعل متأخر تقديره ولتنذر أم القرى أو من حولها أنزلناه، وأمّ القرى مكة سميت بذلك لوجوه أربعة، منها أنها منشأ الدين والشرع ومنها ما روي أن الأرض منها دحية ومنها أنها وسط الأرض وكالنقطة للقرى، ومنها ما لحق عن الشرع من أنها قبلة كل قرية فهي لهذا كله أم وسائر القرى بنات، وتقدير الآية لتنذر أهل أم القرى، ومن حولها يريد أهل سائر الأرض، وحولها ظرف العامل فيه فعل مضمر تقديره ومن استقر حولها، ثم ابتدأ تبارك وتعالى بمدح وصفهم وأخبر عنهم أنهم يؤمنون بالآخرة والبعث والنشور، ويؤمنون بالقرآن ويصدقون بحقيقته، ثم قوى عز وجل مدحهم بأنهم «يحافظون على صلاتهم» التي هي قاعدة العبادات وأم الطاعات، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وأبو بكر عن عاصم «صلواتهم» بالجمع، ومن قرأ بالإفراد فإنه مفرد يدل على الجميع وإذا انضافت الصلاة إلى ضمير لم تكتب إلا بالألف ولا تكتب في المصحف بواو إلا إذا لم تنضف إلى ضمير). [المحرر الوجيز: 3/ 417-418]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 12:46 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 12:46 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وما قدروا اللّه حقّ قدره إذ قالوا ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيءٍ قل من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى نورًا وهدًى للنّاس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرًا وعلّمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل اللّه ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون (91) وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ مصدّق الّذي بين يديه ولتنذر أمّ القرى ومن حولها والّذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون (92)}
يقول تعالى: وما عظّموا اللّه حقّ تعظيمه، إذ كذّبوا رسله إليهم، قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وعبد اللّه بن كثيرٍ: نزلت في قريشٍ. واختاره ابن جريرٍ، وقيل: نزلت في طائفةٍ من اليهود؛ وقيل: في فنحاص رجلٌ منهم، وقيل: في مالك بن الصّيف.
{قالوا ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيءٍ} والأوّل هو الأظهر؛ لأنّ الآية مكّيّةٌ، واليهود لا ينكرون إنزال الكتب من السّماء، وقريشٌ -والعرب قاطبةً -كانوا يبعدون إرسال رسولٍ من البشر، كما قال [تعالى] {أكان للنّاس عجبًا أن أوحينا إلى رجلٍ منهم أن أنذر النّاس وبشّر الّذين آمنوا أنّ لهم قدم صدقٍ عند ربّهم} [يونس: 2]، وقال تعالى: {وما منع النّاس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث اللّه بشرًا رسولا * قل لو كان في الأرض ملائكةٌ يمشون مطمئنّين لنزلنا عليهم من السّماء ملكًا رسولا} [الإسراء: 94، 95]، وقال هاهنا: {وما قدروا اللّه حقّ قدره إذ قالوا ما أنزل اللّه على بشرٍ من شيءٍ} قال اللّه تعالى: {قل من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى نورًا وهدًى للنّاس}؟ أي: قل يا محمّد لهؤلاء المنكرين لإنزال شيءٍ من الكتب من عند اللّه، في جواب سلبهم العامّ بإثبات قضيّةٍ جزئيّةٍ موجبةٍ: {من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى} يعني: التّوراة الّتي قد علمتم -وكلّ أحدٍ -أنّ اللّه قد أنزلها على موسى بن عمران نورًا وهدًى للنّاس، أي: ليستضاء بها في كشف المشكلات، ويهتدى بها من ظلم الشّبهات.
وقوله: {تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرًا} أي: يجعلها حملتها قراطيس، أي: قطعًا يكتبونها من الكتاب الأصليّ الّذي بأيديهم ويحرّفون فيها ما يحرّفون ويبدّلون ويتأوّلون، ويقولون: {هذا من عند اللّه} [البقرة: 79]، أي: في كتابه المنزّل، وما هو من عند اللّه؛ ولهذا قال: {تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرًا}
وقوله: {وعلّمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم} أي: ومن أنزل القرآن الّذي علّمكم اللّه فيه من خبر ما سبق، ونبأ ما يأتي ما لم تكونوا تعلمون ذلك أنتم ولا آباؤكم.
قال قتادة: هؤلاء مشركو العرب. وقال مجاهدٌ: هذه للمسلمين.
وقوله: {قل اللّه} قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: أي: قل: اللّه أنزله. وهذا الّذي قاله ابن عبّاسٍ هو المتعيّن في تفسير هذه الكلمة، لا ما قاله بعض المتأخّرين، من أنّ معنى {قل اللّه} أي: لا يكون خطابٌ لهم إلّا هذه الكلمة، كلمة: "اللّه".
وهذا الّذي قاله هذا القائل يكون أمرًا بكلمةٍ مفردةٍ من غير تركيبٍ، والإتيان بكلمةٍ مفردةٍ لا يفيد في لغة العرب فائدةً يحسن السّكوت عليها.
وقوله: {ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون} أي: ثمّ دعهم في جهلهم وضلالهم يلعبون، حتّى يأتيهم من اللّه اليقين فسوف يعلمون ألهم العاقبة، أم لعباد اللّه المتّقين؟). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 300-301]

تفسير قوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وهذا كتابٌ} يعني: القرآن {أنزلناه مباركٌ مصدّق الّذي بين يديه ولتنذر أمّ القرى} يعني: مكّة {ومن حولها} من أحياء العرب، ومن سائر طوائف بني آدم من عربٍ وعجمٍ، كما قال في الآية الأخرى: {قل يا أيّها النّاس إنّي رسول اللّه إليكم جميعًا} [الأعراف: 158]، وقال {لأنذركم به ومن بلغ} [الأنعام: 19]، وقال: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنّار موعده} [هودٍ: 17]، وقال {تبارك الّذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا} [الفرقان: 1]، وقال: {وقل للّذين أوتوا الكتاب والأمّيّين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ واللّه بصيرٌ بالعباد} [آل عمران: 20]، وثبت في الصّحيحين أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «أعطيت خمسًا لم يعطهنّ أحدٌ من الأنبياء قبلي» وذكر منهنّ: «وكان النّبيّ يبعث إلى قومه، وبعثت إلى النّاس عامّةً» ؛ ولهذا قال: {والّذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به} أي: كلّ من آمن باللّه واليوم الآخر آمن بهذا الكتاب المبارك الّذي أنزلناه إليك يا محمّد، وهو القرآن، {وهم على صلاتهم يحافظون} أي: يقومون بما افترض عليهم، من أداء الصّلوات في أوقاتها). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 301]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:46 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة