3: أول ما نزل بعد فترة الوحي الأولى
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ): (حدثنا محمد بن كثير، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر بن عبد الله، قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي فقال: ((بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا، فرفعت رأسي، فإذا الملك الذي جاءني بحراء على كرسي بين السماء والأرض، فجئثت منه رعبا، فأتيت خديجة فقلت: زملوني زملوني قال فزملوني، فأنزل الله عز وجل{ يا أيها المدثر، قم فأنذر }).[فضائل القرآن : ]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ): (حدثنا خالد بن عمرو، عن هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن إبراهيم أن جابر بن عبد الله أخبره : (أن أول شيء نزل من القرآن :{ يا أيها المدثر، قم فأنذر } )). [فضائل القرآن:؟؟]
قالَ محمَّدُ بنُ أيُّوبَ بنِ الضُّرَيسِ البَجَلِيُّ (ت: 294هـ): (أخبرنا هدبة بن خالد، قال: حدثنا أبان، قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير، قال: «سألت أبا سلمة قلت: أي القرآن أنزل أول ؟ قال: يا أيها المدثر قال: قلت: فأي آيتين أول سورة نزلت ؟ قال: اقرأ باسم ربك الذي خلق قال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله الأنصاري قلت: أي القرآن أنزل أول ؟ قال: يا أيها المدثر قلت: أي آيتين أول سورة نزلت ؟ قال: اقرأ باسم ربك الذي خلق قال جابر: قال: ألا أحدثك ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((جاورت في حراء، فلما قضيت جواري، نزلت فاستبطنت الوادي، فنوديت فنظرت أمامي، وخلفي، وعن يميني وعن شمالي، فلم أر شيئا، قال: فنظرت فوقي، فإذا أنا به قاعد على عرش بين السماء والأرض قال: فانطلقت إلى خديجة، فقلت دثروني، فدثروني وصبوا علي ماء باردا فنزلت علي يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر)) ). [فضائل القرآن:1/38]
توجيه العلماء لخبر جابر بن عبد الله رضي الله عنهما
قال أبو حاتم محمد بن حبّان البستي (ت:354هـ): (في خبر جابرٍ هذا: إنّ أوّل ما أنزل من القرآن {يا أيها المدثر}، وفي خبر عائشة: {اقرأ باسم ربك} وليس بين هذين الخبرين تضادٌّ إذ الله عزّ وجلّ أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم {اقرأ باسم ربك} وهو في الغار بحراء فلمّا رجع إلى بيته دثّرته خديجة وصبّت عليه الماء البارد، وأنزل عليه في بيت خديجة {يا أيها المدثر قم} من غير أن يكون بين الخبر ين تهاترٌ أو تضادّ) [صحيح ابن حبان:؟؟]
قال أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحرّاني (ت:728هـ): (فإنّ أوّل ما أنزل من القرآن {اقرأ باسم ربّك} عند جماهير العلماء، وقد قيل: {يا أيّها المدّثّر}. روي ذلك عن جابرٍ، والأوّل أصحّ، فإنّ ما في حديث عائشة الّذي في الصّحيحين يبيّن أنّ أوّل ما نزل {اقرأ باسم ربّك} نزلت عليه وهو في غار حراءٍ وأنّ المدّثّر نزلت بعد، وهذا هو الّذي ينبغي، فإنّ قوله: {اقرأ} أمرٌ بالقراءة لا بتبليغ الرّسالة، وبذلك صار نبيًّا، وقوله: {قم فأنذر} أمرٌ بالإنذار، وبذلك صار رسولاً منذراً، ففي الصحيحين من حديث الزهريّ عن عروة، عن عائشة قالت: ( أوّل ما بدىء به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصادقة في النوم.-ثم ساق الحديث إلى قول عائشة: (ثمّ لم ينشب ورقة أنّ توفّي , وفتر الوحي).
قال ابن شهابٍ الزّهريّ: سمعت أبا سلمة بن عبد الرّحمن قال: أخبرني جابر بن عبد اللّه أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحدّث عن فترة الوحي: ((فبينما أنا أمشي سمعت صوتاً فرفعت بصري قبل السّماء , فإذا الملك الّذي جاءني بحراءٍ قاعدٌ على كرسيٍّ بين السّماء والأرض، فجثثت حتّى هويت إلى الأرض، فجئت أهلى فقلت: زمّلوني زمّلوني. فزمّلوني، فأنزل اللّه تعالى: {يا أيّها المدّثّر قم فأنذر}. إلى قوله: {والرّجز فاهجر})).
فهذا يبيّن أنّ (المدّثّر) نزلت بعد تلك الفترة، وأنّ ذلك كان بعد أن عاين الملك الّذي جاءه بحراءٍ أوّلاً، فكان قد رأى الملك مرّتين.
وهذا يفسّر حديث جابرٍ الّذي روي من طريقٍ آخر كما أخرجاه من حديث يحيى بن أبي كثيرٍ قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرّحمن عن أوّل ما نزّل من القرآن، قال: {يا أيّها المدّثّر}.
قلت: يقولون: {اقرأ باسم ربّك الّذي خلق}.
فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد اللّه عن ذلك وقلت له مثل ما قلت؛ فقال جابرٌ: لا أحدّثك إلاّ ما حدّثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ((جاورت بحراءٍ، فلمّا قضيت جواري هبطت فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئاً ونظرت عن شمالي فلم أر شيئاً، ونظرت أمامي فلم أر شيئاً، ونظرت خلفي فلم أر شيئاً، فرفعت رأسي فرأيت شيئاً فأتيت خديجة فقلت: دثّروني وصبّوا عليّ ماءً بارداً. فدثّروني وصبّوا عليّ ماءً بارداً، قال: فنزلت {يا أيّها المدّثّر قم فأنذر وربّك فكبّر})).
فهذا الحديث يوافق المتقدّم , وأنّ (المدّثّر) نزلت بعد أن هبط من الجبل، وهو يمشي , وبعد أن ناداه الملك حينئذٍ، وقد بيّن في الرواية الأخرى أنّ هذا الملك هو الّذي جاءه بحراءٍ، وقد بيّنت عائشة أنّ (اقرأ) نزلت حينئذٍ في غار حراءٍ، لكن كأنّه لم يكن علم أنّ (اقرأ) نزلت حينئذٍ، بل علم أنّه رأى الملك قبل ذلك، وقد يراه ولا يسمع منه، لكن في حديث عائشة زيادة علمٍ، وهو أمره بقراءة (اقرأ).
وفي حديث الزّهريّ أنّه سمّى هذا (فترة الوحي), وكذلك في حديث عائشة (فترة الوحي)، فقد يكون الزّهريّ روى حديث جابرٍ بالمعنى , وسمّى ما بين الرّؤيتين (فترة الوحي) كما بيّنته عائشة، وإلاّ فإن كان جابرٌ سمّاه (فترة الوحي) فكيف يقول: إنّ الوحي لم يكن نزل؟
وبكلّ حالٍ فالزّهريّ عنده حديث عروة عن عائشة وحديث أبي سلمة عن جابرٍ، وهو أوسع علماً وأحفظ من يحيى بن أبي كثيرٍ لو اختلفا، لكنّ يحيى ذكر أنّه سأل أبا سلمة عن الأولى فأخبر جابرٌ بعلمه، ولم يكن علم ما نزل قبل ذلك، وعائشة أثبتت وبيّنت.
والآيات - آيات {اقرأ} و {المدّثّر} - تبيّن ذلك، والحديثان متصادقان مع القرآن , ومع دلالة العقل على أنّ هذا الترتيب هو المناسب). [مجموع الفتاوى:؟؟]