العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير جزء تبارك

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 جمادى الأولى 1434هـ/10-04-2013م, 05:52 PM
شيماء رأفت شيماء رأفت غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 1,618
افتراضي تفسير سورة الجن [ من الآية (11) إلى الآية (18) ]

{وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا(15) وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا(16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا(17)وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 30 جمادى الأولى 1434هـ/10-04-2013م, 05:53 PM
شيماء رأفت شيماء رأفت غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 1,618
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر عن قتادة في قوله تعالى طرائق قددا قال أهواء مختلفة). [تفسير عبد الرزاق: 2/322]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأنّا منّا الصّالحون ومنّا دون ذلك كنّا طرائق قددًا (11) وأنّا ظننّا أن لن نعجز اللّه في الأرض ولن نعجزه هربًا (12) وأنّا لمّا سمعنا الهدى آمنّا به فمن يؤمن بربّه فلا يخاف بخسًا ولا رهقًا}.
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيلهم: {وأنّا منّا الصّالحون}.
وهم المسلمون العاملون بطاعة اللّه. {ومنّا دون ذلك} يقول: ومنّا دون الصّالحين. {كنّا طرائق قددًا}. يقول: قلوا: كنّا أهواء مختلفةً، وفرقًا شتّى، منّا المؤمن والكافر. والطّرائق: جمع طريقةٍ، وهي طريقة الرّجل ومذهبه. والقدد: جمع قدّةٍ، وهي الضّروب والأجناس المختلفة.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن حميدٍ الرّازيّ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، في قوله: {طرائق قددًا}. يقول: أهواءٌ مختلفةٌ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وأنّا منّا الصّالحون ومنّا دون ذلك كنّا طرائق قددًا} يقول: أهواءٌ شتّى، منّا المسلم، ومنّا المشرك.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {كنّا طرائق قددًا} كان القوم على أهواءٍ شتّى.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {طرائق قددًا} قال: أهواءٌ مختلفةٌ.
- حدّثني محمد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {كنّا طرائق قددًا}. قال: مسلمين وكافرين.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، {كنّا طرائق قددًا} قال: شتّى، مؤمنٌ وكافرٌ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {كنّا طرائق قددًا} قال: صالحٌ وكافرٌ؛ وقرأ قول اللّه: {وأنّا منّا الصّالحون ومنّا دون ذلك}). [جامع البيان: 23 / 329-331]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 12 - 18.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك} يقول: منا المسلم ومنا المشرك {كنا طرائق قددا} قال: أهواء شتى). [الدر المنثور: 15 / 21]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله تعالى: {طرائق قددا} قال: المنقطعة في كل وجه، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت الشاعر وهو يقول:
ولقد قلت وزيد حاسر = يوم ولت خيل زيد قددا). [الدر المنثور: 15 / 22]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة في قوله: {كنا طرائق قددا} قال: أهواء مختلفة). [الدر المنثور: 15 / 22]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {كنا طرائق قددا} قال: مسلمين وكافرين). [الدر المنثور: 15 / 22]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن السدي في قوله: {كنا طرائق قددا} يعني الجن هم مثلكم قدرية ومرجئة ورافضة وشيعة). [الدر المنثور: 15 / 22]

تفسير قوله تعالى: (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وأنّا ظننّا أن لن نعجز اللّه في الأرض}. يقول: وأنّا علمنا أن لن نعجز اللّه في الأرض إن أراد بنا سوءًا {ولن نعجزه هربًا} إن طلبنا فنفوته. وإنّما وصفوا اللّه بالقدرة عليهم حيث كانوا). [جامع البيان: 23 / 331]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض} الآية قالوا: لن نمتنع منه في الأرض ولا هربا). [الدر المنثور: 15 / 22]

تفسير قوله تعالى: (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قوله: {فلا يخاف بخسا ولا رهقا} قال: يبخس حقّه كلّه {ولا رهقا}: يبخس بعض حقه [الآية: 13 من الجن]). [تفسير الثوري: 197]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({وأنّا لمّا سمعنا الهدى آمنّا به} يقول: قالوا: وأنّا لمّا سمعنا القرآن الّذي هدانا الله به إلى الطّريق المستقيم آمنّا به، يقول: صدّقنا به، وأقررنا أنّه حقٌّ من عند اللّه {فمن يؤمن بربّه فلا يخاف بخسًا ولا رهقًا} يقول: فمن يصدّق بربّه {فلا يخاف بخسًا}: يقول: لا يخاف أن ينقص من حسناته، فلا يجازى عليها؛ ولا رهقًا: ولا إثمًا يحمل عليه من سيّئات غيره، أو سيّئةٍ لم يعملها.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فلا يخاف بخسًا ولا رهقًا}. يقول: لا يخاف نقصًا من حسناته، ولا زيادةً في سيّئاته.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فلا يخاف بخسًا ولا رهقًا} يقول: ولا يخاف أن ينقص من عمله شيئًا.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {فلا يخاف بخسًا}. أي ظلمًا، أن يظلم من حسناته فينقص منها شيئًا، أو يحمل عليه ذنب غيره {ولا رهقًا}: ولا مأثمًا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فلا يخاف بخسًا ولا رهقًا}. قال: لا يخاف أن يبخس من أجره شيئًا {ولا رهقًا}، فيظلم ولا يعطى شيئًا). [جامع البيان: 23 / 331-332]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (بخسا نقصا
أشار به إلى قوله تعالى: {فلا يخاف بخسا ولا رهقا} (الجنّ: 13) وفسّر البخس بالنّقص، والرهق في كلام العرب الإثم وغشيان المحارم، وهذا لم يثبت إلاّ للنسفي وحده). [عمدة القاري: 19 / 263]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فلا يخاف بخسا ولا رهقا} قال: لا يخاف نقصا من حسناته {ولا رهقا} ولا أن يحمل عليه ذنب غيره). [الدر المنثور: 15 / 23]

تفسير قوله تعالى: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأنّا منّا المسلمون ومنّا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحرّوا رشدًا (14) وأمّا القاسطون فكانوا لجهنّم حطبًا}.
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل النّفر من الجنّ: {وأنّا منّا المسلمون} الّذين قد خضعوا للّه بالطّاعة {ومنّا القاسطون} وهم الجائرون عن الإسلام وقصد السّبيل.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وأنّا منّا المسلمون ومنّا القاسطون} قال: العادلون عن الحقّ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {القاسطون}. قال: الظّالمون.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: {القاسطون}: الجائرون.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، في قوله: {القاسطون}. قال: الجائرون.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: المقسط: العادل، والقاسط: الجائر. وذكر بيت شعرٍ:
قسطنا على الأملاك في عهد تبّع = ومن قبل ما أدرى النّفوس عقابها
وقال: وهذا مثل التّرب والمترب؛ قال: والتّرب: المسكين، وقرأ: {أو مسكينًا ذا متربةٍ}. قال: والمترب: الغنيّ.
وقوله: {فمن أسلم فأولئك تحرّوا رشدًا}. يقول: قالوا: {فمن أسلم} وخضع للّه بالطّاعة، فأولئك تعمّدوا وتوخّوا رشدًا في دينهم). [جامع البيان: 23 / 332-334]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {ومنا القاسطون} قال: العادلون عن الحق). [الدر المنثور: 15 / 23]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {ومنا القاسطون} قال: هم الظالمون). [الدر المنثور: 15 / 23]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {ومنا القاسطون} قال: هم الجائرون وفي قوله: {وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا} قال: لو آمنوا كلهم {لأسقيناهم} لأوسعنا لهم من الدنيا). [الدر المنثور: 15 / 23]

تفسير قوله تعالى: (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر عن قتادة في قوله تعالى وأما القاسطون قال هم الجبارون). [تفسير عبد الرزاق: 2/322]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({وأمّا القاسطون}. يقول: وأمّا الجائرون عن الإسلام، {فكانوا لجهنّم حطبًا} توقد بهم). [جامع البيان: 23 / 334]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله القاسطون قال هم الظالمون.
- ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا شيبان عن جابر عن عكرمة مثله). [تفسير مجاهد: 2/697-698]

تفسير قوله تعالى: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر عن قتادة في قوله تعالى وألو استقاموا على الطريقة لأسقينهم ماء غدقا قال لو آمنوا لوسع الله عليهم في الرزق). [تفسير عبد الرزاق: 2/321]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن إسرائيل عن ثوير بن أبي فاختة قال سألت سعيد بن جبير عن قوله تعالى لأسقيناهم ماء غدقا قال هو المال). [تفسير عبد الرزاق: 2/322]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأن لو استقاموا على الطّريقة لأسقيناهم ماءً غدقًا (16) لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربّه يسلكه عذابًا صعدًا}.
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يقول تعالى ذكره: وأن لو استقام هؤلاء القاسطون على طريقة الحقّ والاستقامة {لأسقيناهم ماءً غدقًا} يقول: لوسّعنا عليهم في الرّزق، وبسطنا لهم في الدّنيا {لنفتنهم فيه}. يقول لنختبرهم فيه.
واختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم نحو الّذي قلنا فيه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وأن لو استقاموا على الطّريقة لأسقيناهم ماءً غدقًا} يعني بالاستقامة: الطّاعة. فأمّا الغدق فالماء الطّاهر الكثير {لنفتنهم فيه}. يقول: لنبتليهم به.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن عبيد اللّه بن أبي زيادٍ، عن مجاهدٍ، {وأن لو استقاموا على الطّريقة}: طريقة الإسلام، {لأسقيناهم ماءً غدقًا}. قال: نافعًا كثيرًا، لأعطيناهم ماءًا كثيرًا {لنفتنهم فيه}: حتّى يرجعوا لما كتبه عليهم من الشّقاء.
- حدّثنا إسحاق بن زيدٍ الخطّابيّ، قال: حدّثنا الفريابيّ، عن سفيان، عن عبيد اللّه بن أبي زيادٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن عبيد اللّه بن أبي زيادٍ، عن مجاهدٍ {وأن لو استقاموا على الطّريقة} قال: طريقة الحقّ {لأسقيناهم ماءً غدقًا} يقول: ماءًا كثيرًا {لنفتنهم فيه} قال: لنبتليهم به حتّى يرجعوا إلى ما كتب عليهم من الشّقاء.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن علقمة بن مرثدٍ، عن مجاهدٍ {وأن لو استقاموا على الطّريقة}. قال: الإسلام {لأسقيناهم ماءً غدقًا}. قال: الكثير {لنفتنهم فيه}. قال: لنبتليهم به.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن أبي سنانٍ، عن غير واحدٍ، عن مجاهدٍ {ماءً غدقًا}. قال المال، والغدق: الكثير، {لنفتنهم فيه}: حتّى يرجعوا إلى علمي فيهم.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى؛ وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {لأسقيناهم ماءً غدقًا}. قال: لأعطيناهم مالاً كثيرًا. وقوله: {لنفتنهم فيه} قال: لنبتليهم.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن بعض أصحابه، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {وأن لو استقاموا على الطّريقة}. قال: الدّين {لأسقيناهم ماءً غدقًا}. قال: مالاً كثيرًا {لنفتنهم فيه}. يقول: لنبتليهم فيه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وأن لو استقاموا على الطّريقة لأسقيناهم ماءً غدقًا}. قال: لو آمنوا كلّهم لأوسعنا عليهم من الدّنيا. قال اللّه: {لنفتنهم فيه}. يقول: لنبتليهم بها.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {لأسقيناهم ماءً غدقًا} قال: لو آمنوا لوسّع عليهم في الرّزق {لنفتنهم فيه} قال: لنبتليهم فيه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، {ماءً غدقًا} قال: عيشًا رغدًا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وأن لو استقاموا على الطّريقة لأسقيناهم ماءً غدقًا} قال: الغدق الكثير: ماءًا كثيرًا {لنفتنهم فيه}: لنختبرهم فيه
- حدّثنا عمرو بن عبد الحميد الآمليّ، قال: حدّثنا المطّلب بن زيادٍ، عن السّديّ، قال: قال عمر رضي اللّه عنه في قوله: {وأن لو استقاموا على الطّريقة لأسقيناهم ماءً غدقًا}. قال: أينما كان الماء كان المال وأينما كان المال كانت الفتنة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأن لو استقاموا على الضّلالة لأعطيناهم سعةً من الرّزق لنستدرجهم بها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت عمران بن حديرٍ، عن أبي مجلزٍ، {وأن لو استقاموا على طريقة}. قال: على الضّلالة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأن لو استقاموا على طريقة الحقّ وآمنوا لوسّعنا عليهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {وأن لو استقاموا على الطّريقة} قال: هذا مثلٌ ضربه اللّه كقوله: {ولو أنّهم أقاموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربّهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} وقوله تعالى: {ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السّماء والأرض} والماء الغدق يعني: المال الكثير {لنفتنهم فيه}. لنبتليهم فيه). [جامع البيان: 23 / 334-338]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {ومنا القاسطون} قال: هم الجائرون وفي قوله: {وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا} قال: لو آمنوا كلهم {لأسقيناهم} لأوسعنا لهم من الدنيا). [الدر المنثور: 15 / 23] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {وأن لو استقاموا على الطريقة} قال: أقاموا ما أمروا به {لأسقيناهم ماء غدقا} قال: معينا). [الدر المنثور: 15 / 24]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في قوله: {وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم} الآية قال: يقول لو استقاموا على طاعة الله وما أمروا به لأكثر الله لهم من الأموال حتى يغتنوا بها ثم يقول الحسن: والله إن كان أصحاب محمد لكذلك كانوا سامعين لله مطيعين له فتحت عليهم كنوز كسرى وقيصر فتنوا بها فوثبوا بإمامهم فقتلوه). [الدر المنثور: 15 / 24]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {وأن لو استقاموا على الطريقة} قال: طريقة الإسلام {لأسقيناهم ماء غدقا} قال: لأعطيناهم مالا كثيرا). [الدر المنثور: 15 / 24]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله: {ماء غدقا} قال: كثيرا جاريا، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت الشاعر يقول:
تدني كراديس ملتفا حدائقها * كالنبت جادت به أنهارها غدقا). [الدر المنثور: 15 / 24]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن السري قال: قال عمر {وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا} قال: لأعطيناهم مالا كثيرا). [الدر المنثور: 15 / 24-25]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن أبي مالك {لأسقيناهم ماء غدقا} قال: كثيرا والماء المال.
وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس في قوله: {ماء غدقا} قال: عيشا رغدا). [الدر المنثور: 15 / 25]

تفسير قوله تعالى: (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى عذابا صعدا قال صعودا من عذاب الله لا راحة فيه). [تفسير عبد الرزاق: 2/322]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ومن يعرض عن ذكر ربّه يسلكه عذابًا صعدًا}. يقول عزّ وجلّ: ومن يعرض عن ذكر ربّه الّذي ذكّره به، وهو هذا القرآن؛ ومعناه: ومن يعرض عن استماع القرآن واستعماله. {يسلكه عذابًا صعدًا}. يقول: يسلكه اللّه عذابًا شديدًا شاقًّا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ومن يعرض عن ذكر ربّه يسلكه عذابًا صعدًا}. يقول: شقّةً من العذاب يصعد فيها.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثني أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {عذابًا صعدًا} قال: مشقّةً من العذاب.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن إسرائيل، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، {عذابًا صعدًا} قال: جبلٌ في جهنّم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يسلكه عذابًا صعدًا} عذابًا لا راحة فيه.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {عذابًا صعدًا}. قال: صعودًا من عذاب اللّه، لا راحة فيه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {يسلكه عذابًا صعدًا}. قال: الصّعد: العذاب المتعب.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {يسلكه} فقرأه بعض قرأة مكّة والبصرة: (نسلكه) بالنّون اعتبارًا بقوله: {لنفتنهم فيه} أنّها بالنّون، وقرأ ذلك عامّة قرأة الكوفة بالياء، بمعنى: يسلكه اللّه، ردًّا على الرّبّ في قوله: {ومن يعرض عن ذكر ربّه}). [جامع البيان: 23 / 338-340]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثني محمّد بن صالح بن هانئٍ، ثنا الحسين بن الفضل، ثنا محمّد بن سابقٍ، ثنا إسرائيل، عن سماك بن حربٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، {ومن يعرض عن ذكر ربّه يسلكه عذابًا صعدًا} [الجن: 17] قال: «جبلًا في جهنّم» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2 / 547]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {لنفتنهم فيه} قال: لنبتليهم به، وفي قوله: {ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا} قال: مشقة العذاب يصعد فيها). [الدر المنثور: 15 / 25]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {لنفتنهم فيه} قال: لنبتليهم حتى يرجعوا إلى ما كتب عليهم وفي قوله: {عذابا صعدا} قال: مشقة من العذاب). [الدر المنثور: 15 / 25-26]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج هناد، وعبد بن حميد، وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: {يسلكه عذابا صعدا} قال: جبلا في جهنم). [الدر المنثور: 15 / 26]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {عذابا صعدا} قال: صعودا من عذاب الله ل اراحة فيه). [الدر المنثور: 15 / 26]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة في قوله: {عذابا صعدا} قال: صعودا من عذاب الله لا راحة فيه). [الدر المنثور: 15 / 26]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج هناد عن مجاهد وعكرمة في قوله: {عذابا صعدا} قال: مشقة من العذاب). [الدر المنثور: 15 / 26]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ يسلكه بالياء). [الدر المنثور: 15 / 26]

تفسير قوله تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى فلا تدعوا مع الله أحدا قال كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله فأمر الله تعالى نبيه أن يخلص الدعوة له إذا دخل المسجد). [تفسير عبد الرزاق: 2/323]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأنّ المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحدًا (18) وأنّه لمّا قام عبد اللّه يدعوه كادوا يكونون عليه لبدًا}.
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجنّ} {وأنّ المساجد للّه فلا تدعوا} أيّها النّاس {مع اللّه أحدًا} ولا تشركوا به فيها شيئًا، ولكن أفردوا له التّوحيد، وأخلصوا له العبادة.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وأنّ المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحدًا}. كانت اليهود والنّصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا باللّه، فأمر اللّه نبيّه أن يوحّد اللّه وحده.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن محمودٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، {وأنّ المساجد للّه}. قال: قالت الجنّ لنبيّ اللّه: كيف لنا نأتي المسجد، ونحن ناءون عنك؟ أو كيف نشهد معك الصّلاة ونحن ناءون عنك؟ فنزلت: {وأنّ المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحدًا}.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {وأنّ المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحدًا}. قال: كانت اليهود والنّصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا باللّه، فأمر اللّه نبيّه أن يخلص له الدّعوة إذا دخل المسجد.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن خصيفٍ، عن عكرمة، {وأنّ المساجد للّه}. قال: المساجد كلّها). [جامع البيان: 23 / 340-341]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وأن المساجد لله} قال: لم يكن يوم نزلت هذه الآية في الأرض مسجد إلا المسجد الحرام ومسجد إيليا بيت المقدس). [الدر المنثور: 15 / 27]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الاعمش قال: قالت الجن: يا رسول الله ائذن لنا فنشهد معك الصلوات في مسجدك فأنزل الله {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} يقول: صلوا لا تخالطوا الناس). [الدر المنثور: 15 / 27]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: قالت الجن للنبي صلى الله عليه وسلم: كيف لنا أن نأتي المسجد ونحن ناؤون عنك أو كيف نشهد الصلاة ونحن ناؤون عنك فنزلت {وأن المساجد لله} الآية). [الدر المنثور: 15 / 27]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {وأن المساجد لله} الآية قال: إن اليهود والنصارى إذا دخلوا بيعهم وكنائسهم أشركوا بربهم فأمرهم أن يوحدوه). [الدر المنثور: 15 / 27]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} قال: كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا بيعهم وكنائسهم أشركوا بالله فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخلص الدعوة لله إذا دخل المسجد). [الدر المنثور: 15 / 27-28]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 30 جمادى الأولى 1434هـ/10-04-2013م, 05:56 PM
شيماء رأفت شيماء رأفت غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 1,618
Post

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {كنّا طرائق قدداً...} كنا فرقا مختلفةً أهواؤنا، والطريقة طريقة الرجل، ويقال أيضا للقوم هم طريقة قومهم إذا كانوا رؤساءهم، والواحد أيضا: طريقة قومه، وكذلك يقال للواحد: هذا نظورة قومه للذين ينظرون إليه منهم، وبعض العرب يقول: نظيرة قومه، ويجمعان جميعا: نظائر). [معاني القرآن: 3/193]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({كنّا طرائق قدداً} واحد الطرائق الطريقة ؛ واحد القدد قدة أي ضروباً أو أجناساً). [مجاز القرآن: 2/272]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({كنتا طرائق قددا}: واحد الطرائق طريقة، وواحد القدد قدة. أي ضروبا وأجناسا). [غريب القرآن وتفسيره: 393]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({كنّا طرائق قدداً} أي كنا فرقا مختلفة أهواؤنا.و«القدد»: جمع «قدة»، وهي بمنزلة قطعة وقطع [في التقدير والمعنى] ). [تفسير غريب القرآن: 490]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ثم قالت الجن: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ} بعد استماع القرآن: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} أي: منّا بررة أتقياء، ومنا دون البررة، وهم مسلمون و{كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} أي: أصنافا، وكلّ فرقة قدّة، وهي مثل قطعة في التقدير وفي المعنى، فكأنّهم قالوا: نحن أصناف وقطع). [تأويل مشكل القرآن: 431]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وأنّا منّا الصّالحون ومنّا دون ذلك كنّا طرائق قددا (11)}
(قددا) متفرقون، أي كنا جماعات، متفرقين، مسلمين وغير مسلمين). [معاني القرآن: 5/235]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ( (طرائق قددا) الطرائق: الجماعات، والقدد: الفرق، واحدتها: قدة). [ياقوتة الصراط: 535]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({قِدَداً} أي فِرَقاً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 282]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({طَرَائِقَ}: ضروباً وأجناساً {قِدَدًا}: فرقاً). [العمدة في غريب القرآن: 318]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله تبارك وتعالى: {وأنّا ظننّا أن لّن نّعجز اللّه في الأرض...} على اليقين علمنا.وقد قرأ بعض القراء: "أن لن تقوّل الإنس والجنّ" ولست أسميه). [معاني القرآن: 3/193]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وأنّا ظننّا أن لن نعجز اللّه} أي استيقنا). [تفسير غريب القرآن: 490]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {فلا يخاف بخساً ...} لا ينقص من ثواب عمله.
{ولا رهقاً...} ولا ظلماً). [معاني القرآن: 3/193]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {فلا يخاف بخساً}، أي نقصا من الثواب، {ولا رهقاً} أي ظلما. وأصل «الرهق»: ما رهق الإنسان من عيب أو ظلم). [تفسير غريب القرآن: 490]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بَخْساً} أي نقصاً من الثواب.
{رَهَقاً} أي ظلما، وأصل الرهق: العيب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 282]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {ومنّا القاسطون...} وهم: الجائرون الكفار، والمقسطون: العادلون المسلمون). [معاني القرآن: 3/193]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {فمن أسلم فأولئك تحرّوا رشداً...} يقول: أمّوا الهدى واتبعوه). [معاني القرآن: 3/193]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({تحرّوا رشداً} توخوا وعمدوا قال امرؤ القيس:
ديمةٌ هطلاء فيها وطفٌ = طبق الأرض تحرّى وتدر). [مجاز القرآن: 2/272]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( و{القاسطون}: الجائرون. يقال: قسط، إذا جاز.وأقسط: إذا عدل.{فأولئك تحرّوا رشداً} أي توخّوه وأمّوه). [تفسير غريب القرآن: 490]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ثم قالت الجن: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ} أي: الكافرون، الآية. وانقطع كلام الجن). [تأويل مشكل القرآن: 431]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله: {وأنّا منّا المسلمون ومنّا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحرّوا رشدا (14)} هذا تفسير قولهم: {كنّا طرائق قددا}، والقاسطون: الجائرون.
وقوله {فأولئك تحرّوا رشدا} يعني قصدوا طريق الحق والرشد، ولا أعلم أحدا قرأ في هذه السورة رشدا، والرّشد والرّشد يجوز في العربية، إلا أن أواخر الآي فيما قبل الرّشد وبعده على الفتح، مبني على فعل، فأواخر الآي أن يكون على هذا اللفظ وتستوي أحسن، فإن ثبتت في القراءة بها رواية فالقراءة بها جائزة.
ولا يجوز أن تقرأ بما يجوز في العربية إلا أن تثبت بذلك رواية وقراءة عن إمام يقتدى بقراءته، فإن اتباع القراءة السنة، وتتبع الحروف الشواذ والقراءة بها بدعة). [معاني القرآن: 5/235]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ):{الْقَاسِطُونَ} الجـائـرون. يقال: قسط يَقْسِط، وأَقْسَطَ يُقْسِطُ. قَسَطَ: إذا جار، وأقسط: إذا عدل.
{تَحَرَّوْا رَشَداً} أي توخَّوه وأَمُّوه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 282]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله: {وأمّا القاسطون فكانوا لجهنّم حطبا (15)} يقال قسط الرجل إذا جار، وأقسط إذا عدل). [معاني القرآن: 5/235]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وكان عاصم يكسر ما كان من قول الجن، ويفتح ما كان من الوحي. فأما الذين فتحوا كلها فإنهم ردّوا "أنّ" في كل سورة على قوله: فآمنا به، وآمنا بكل ذلك، ففتحت "أن" لوقوع الإيمان عليها، وأنت مع ذلك تجد الإيمان يحسن في بعض ما فتح، ويقبح في بعض، ولا يمنعك ذلك من إمضائهن على الفتح، فإن الذي يقبح من ظهور الإيمان قد يحسن فيه فعلٌ مضارعٌ للإيمان يوجب فتح أنّ كما قالت العرب:
إذا ما الغانيات برزن يوماً = وزجّجن الحواجب والعيونا
فنصب العيون باتباعها الحواجب، وهي لا تزجج إنما تكحّل، فأضمر لها الكحل، وكذلك يضمر في الموضع الذي لا يحسن فيه آمنّا، ويحسن: صدقنا، وألهمنا، وشهدنا، ويقوّي النصب قوله: {وأن لّو استقاموا على الطّريقة}، فينبغي لمن كسر أن يحذف (أن) من (لو)؛ لأنّ (أن) إذا خففت لم تكن في حكايةٍ، ألا ترى أنك تقول: أقول لو فعلت لفعلت، ولا تدخل (أن).
وأمّا الذين كسروا كلها فهم في ذلك يقولون: {وأن لو استقاموا} فكأنهم أضمروا يميناً مع لو، وقطعوها عن النسق على أول الكلام، فقالوا: والله أن لو استقاموا. والعرب تدخل أن في هذا الموضع مع اليمين وتحذفها، قال الشاعر:
فأقسم لو شيء أتانا رسوله = سواك، ولكن لم نجد لك مدفعا
وأنشدني آخر:
أما والله أن لو كنت حرًّا = وما بالحرّ أنت ولا العتيق
ومن كسر كلها ونصب: {وأن المساجد لله} خصّه بالوحي، وجعل: وأن لو مضمرة فيها اليمين على ما وصفت لك). [معاني القرآن: 3/191-192](م)
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {وألّو استقاموا على الطّريقة...}: على طريقة الكفر {لأسقيناهم مّاء غدقاً} يكون زيادة في أموالهم ومواشيهم، ومثلها قوله: {ولولا أن يكون النّاس أمّةً واحدةً لّجعلنا لمن يكفر بالرّحمن لبيوتهم سقفاً مّن فضّةٍ} يقول: تفعل ذلك بهم ليكون فتنة عليهم في الدنيا، وزيادة في عذاب الآخرة). [معاني القرآن: 3/193-194]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ماءً غدقاً} الغدق الكثير). [مجاز القرآن: 2/272]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ماء غدقا}: الغدق الكثير). [غريب القرآن وتفسيره: 393]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وأن لو استقاموا على الطّريقة} يقال: طريقة الكفر، {لأسقيناهم ماءً غدقاً}. و«الغدق»: الكثير. وهذا مثل «لزدناهم في أموالهم ومواشيهم». ومثله: {ولولا أن يكون النّاس أمّةً}، أي كفرة كلهم. هذا بمعنى قول الفراء.وقال غيرة: «وأن لو استقاموا على الهدى جميعا: لأوسعنا عليهم»). [تفسير غريب القرآن: 490]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال الله تعالى: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} أي: لو آمنوا جميعا لوسّعنا عليهم في الدنيا. وضرب الماء الغدق، وهو الكثير، لذلك مثلا، لأنّ الخير والرّزق كلّه بالمطر يكون، فأقيم مقامه إذ كان سببه، على ما أعلمتك في المجاز.
{لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} أي لتختبرهم فنعلم كيف شكرهم.
وفيه قول آخر، يقول: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا} جميعا على طريقة الكفر: لوسّعنا عليهم وجعلنا ذلك فتنة لهم و(أن) منصوبة منسوقة على ما تقدّم من قوله سبحانه.
ثم قال: {وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا} أي يدخله عذابا شاقا.
يقال: سلكت الخيط في الحبّة وأسلكته: إذا أدخلته، ومنه سمّي الخيط سلكا، تقول: سلكته سلكا، فتفتح أوّل المصدر. وتقول للخيط: هذا السّلك، فتكسر أوّل الاسم، مثل القطف والقطف.
ومن الصّعد قيل: تصعّدني هذا الأمر، أي شقّ علي. والصّعود: العقبة الشّاقة.
ومنه قوله: {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا}). [تأويل مشكل القرآن: 431-432]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وألّو استقاموا على الطّريقة لأسقيناهم ماء غدقا (16) لنفتنهم فيه..} وهذا تفسيره لو استقاموا على الطريقة التي هي طريق الهدي لأسقيناهم ماء غدقا غدقا. والغدق الكثير، ودليل هذا التفسير قوله عزّ وجلّ: {ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السّماء والأرض}, وكقوله: {لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} وقد قيل إنه يعني به: لو استقاموا على طريقة الكفر.
ودليل هذا التفسير عندهم قوله تعالى: {ولولا أن يكون النّاس أمّة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرّحمن لبيوتهم سقفا من فضّة ومعارج عليها يظهرون}.
والذي يختار وهو أكثر التفسير أن يكون يعنى بالطريقة طريق الهدى؛ لأن الطريقة معرفة بالألف واللام. والأوجب أن يكون طريقة الهدى. واللّه أعلم). [معاني القرآن: 5/235-236]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ويقرأ (لأسقيناهم ماء غدقا)، والغدق المصدر، والغدق اسم الفاعل، تقول: غدق يغدق غدقا فهو غدق، إذا كثر الندى في المكان أو الماء). [معاني القرآن: 5/236]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً} يعني بالماء: الرزق، إذ الرزق وكلّ شيء بسببه، كما قال تبارك وتعالى: {وجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ}). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 282]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({غَدَقًا}: كثيراً). [العمدة في غريب القرآن: 318]

تفسير قوله تعالى: {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {ومن يعرض عن ذكر ربّه يسلكه عذاباً صعداً...} نزلت في وليد بن المغيرة المخزومي، وذكروا أن الصّعد: صخرة ملساء في جهنم يكلّف صعودها، فإذا انتهى إلى أعلاها حدر إلى جهنم، فكان ذلك دأبه، ومثلها في سورة المدثر: {سأرهقه صعوداً}). [معاني القرآن: 3/194]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({عذاباً صعداً} مصدر الصعود وهو أشد العذاب). [مجاز القرآن: 2/272]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({لّنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربّه يسلكه عذاباً صعداً} وقال: {لّنفتنهم فيه} لأنك تقول "فتنته" وبعض العرب يقول "أفتنه" فتلك على تلك اللغة). [معاني القرآن: 4/36]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({لنفتنهم فيه}: لنخبرهم حتى يرجعوا إلى ما فرض عليهم.
{عذابا صعدا}: قالوا شقة من العذاب وقالوا جبل في جهنم). [غريب القرآن وتفسيره: 393]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({لنفتنهم فيه} أي لنختبرهم، فنعلم كيف شكرهم.
{يسلكه عذاباً صعداً}، أي عذابا شاقا. يقال: تصعدني الأمر، إذا شقّ عليّ. ومنه قول عمر: «ما تصعّدني شيء ما تصعّدتني خطبة النكاح».
ومنه قوله: {سأرهقه صعوداً} أي عقبة شاقة. ونرى أصل هذا كلّه من «الصّعود»: لأنه شاقّ، فكنّي به عن المشقات). [تفسير غريب القرآن: 491]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال الله تعالى: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} أي: لو آمنوا جميعا لوسّعنا عليهم في الدنيا. وضرب الماء الغدق، وهو الكثير، لذلك مثلا، لأنّ الخير والرّزق كلّه بالمطر يكون، فأقيم مقامه إذ كان سببه، على ما أعلمتك في المجاز.
{لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ}. أي لتختبرهم فنعلم كيف شكرهم.
وفيه قول آخر، يقول: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا} جميعا على طريقة الكفر: لوسّعنا عليهم وجعلنا ذلك فتنة لهم و(أن) منصوبة منسوقة على ما تقدّم من قوله سبحانه.
ثم قال: {وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا} أي يدخله عذابا شاقا.
يقال: سلكت الخيط في الحبّة وأسلكته: إذا أدخلته، ومنه سمّي الخيط سلكا، تقول: سلكته سلكا، فتفتح أوّل المصدر. وتقول للخيط: هذا السّلك، فتكسر أوّل الاسم، مثل القطف والقطف.
ومن الصّعد قيل: تصعّدني هذا الأمر، أي شقّ علي. والصّعود: العقبة الشّاقة.
ومنه قوله: {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} ). [تأويل مشكل القرآن: 431-432](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربّه يسلكه عذابا صعدا} لنختبرهم بذلك.
وقوله: {ومن يعرض عن ذكر ربّه يسلكه عذابا صعدا} معناه -واللّه أعلم- عذابا شاقّا، وقيل صخرة في جهنم، وهي في اللغة -واللّه أعلم- طريقة شاقّة من العذاب. يقال: قد وقع القوم في صعود وهبوط، إذا كانوا في غير استواء وكانوا في طريقة شاقّة). [معاني القرآن: 5/236]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لِنَفْتِنَهُمْ فيه} أي لنختبرهم في الشكر.
{عَذَاباً صَعَداً} أي شاقاً، ومنه {صَعُوداً} أي عقبة شاقّة، وأصله من الصُّعود وهو المشقّة والتعب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 282]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لِنَفْتِنَهُمْ}: لنختبرهم). [العمدة في غريب القرآن: 319]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({صَعَدًا}: جبلاً). [العمدة في غريب القرآن: 319]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {وأنّ المساجد للّه فلا تدعوا...}.فلا تشركوا فيها صنما ولا شيئا مما يعبد، ويقال: هذه المساجد، ويقال: وأن المساجد لله، يريد: مساجد الرجل: ما يسجد عليه من: جبهته، ويديه، وركبتيه، وصدور قدميه). [معاني القرآن: 3/194]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {وأنّ المساجد للّه} أي السّجود للّه. هو جمع «مسجد»، يقال: سجدت سجودا ومسجدا، كما يقال: ضربت في البلاد ضربا ومضربا. ثم يجمع فيقال: المساجد للّه. كما يقال: المضارب في الأرض لطلب الرزق). [تفسير غريب القرآن: 491]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ثم قال سبحانه: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}
بنصب (أنّ) نسق على ما تقدّم من قوله: يريد أنّ السجود لله، ولا يكون لغيره، جمع مسجد، كما تقول: ضربت في البلاد مضربا بعيدا، وهذا مضرب بعيد). [تأويل مشكل القرآن: 432-433]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ):
(وقوله: {وأنّ المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحدا} معناه الأمر بتوحيد الله في الصلوات.
وقيل المساجد مواضع السجود من الإنسان، الجبهة والأنف واليدان والركبتان والرجلان.
و "أن" ههنا يصلح أن يكون في موضع نصب ويصلح أن يكون في موضع جرّ.والمعنى لأن المساجد للّه. فلا تدعوا مع الله أحدا، فلما حذفت اللام صار الموضع موضع نصب.ويجوز أن يكون جرّا وإن لم تظهر اللام، كما تقول العرب: وبلد ليس به أنيس. تريد ربّ بلد). [معاني القرآن: 5/236]



رد مع اقتباس
  #4  
قديم 30 جمادى الأولى 1434هـ/10-04-2013م, 06:02 PM
شيماء رأفت شيماء رأفت غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 1,618
Post

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]




تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11) }

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12) }
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (والظن يكون بمعنى الشك والعلم، لأن المشكوك فيه قد يُعْلَم.
كما قيل راج للطمع في الشيء، وراج للخائف، لأن الرجاء يقتضي الخوف إذ لم يكن صاحبه منه على يقين.
...
فأول ذلك الظن. يقع على معان أربعة: معنيان متضادات: أحدهما الشك، والآخر اليقين الذي لا شك فيه.
فأما معنى الشك فأكثر من أن تحصى شواهده. وأما معنى اليقين فمنه قول الله عز وجل: {وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا}، معناه علمنا. وقال جل اسمه: {ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها}، معناه فعلموا بغير شك، قال دريد، وأنشدناه أبو العباس:
فقلت لهم ظنوا بألفى مقاتل = سراتهم في الفارسي المسرد
معناه تيقنوا ذلك، وقال الآخر:
بأن تغتزوا قومي وأقعد فيكم = وأجعل مني الظن غيبا مرجما
معناه: وأجعل مني اليقين غيبا. وقال عدي بن زيد:
أسمد ظني إلى المليك ومن = يلجأ إليه فلم ينله الضر
معناه أسند علمي ويقيني. وقال الآخر:
رب هم فرجته بعزيم = وغيوب كشفتها بظنون
معناه كشفتها بيقين وعلم ومعرفة؛ والبيت لأبي داود.
وقال أوس بن حجر:
فأرسلته مستيقن الظن أنه = مخالط ما بين الشراسيف جائف
معناه: مستيقن العلم.
والمعنيان اللذان ليسا متضادين: أحدهما الكذب، والآخر التهمة، فإذا كان الظن بمعنى الكذب قلت: ظن فلان، أي كذب، قال الله عز وجل: {إن هم إلا يظنون}، فمعناه: إن هم إلا يكذبون؛ ولو كان على معنى الشك لاستوفى منصوبيه، أو ما يقوم مقامهما.
وأما معنى التهمة فهو أن تقول: ظننت فلانا، فتستغني عن الخبر، لأنك اتهمته، ولو كان بمعنى الشك المحض لم يقتصر به على منصوب واحد.
ويقال: فلان عندي ظنين، أي متهم، وأصله «مظنون»، فصرف عن «مفعول» إلى «فعيل»، كما قالوا: مطبوخ وطبيخ، قال الشاعر:
وأعصي كل ذي قربى لحاني = بجنبك فهو عندي كالظنين
وقال الله عز وجل: (وما هو على الغيب بظنين)، فيجوز أن يكون معناه «بمتهم». ويجوز أن يكون معناه «بضعيف»، من قول العرب: وصل فلان ظنون، أي ضعيف، فيكون الأصل فيه: وما هو على الغيب بظنون، فقلبوا الواو ياء، كما قالوا: ناقة طعوم وطعيم، للتي بين الغثة والسمينة؛ في حروف كثيرة يطول تعديدها وإحصاؤها.
وقال أبو العباس: إنما جاز أن يقع الظن على الشك واليقين؛ لأنه قول بالقلب؛ فإذا صحت دلائل الحق، وقامت أماراته كان يقينا، وإذا قامت دلائل الشك وبطلت دلائل اليقين كان كذبا، وإذا اعتدلت دلائل اليقين والشك كان على بابه شكا لا يقينا ولا كذبا). [كتاب الأضداد: 14-16]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (فإن قال قائل: إن معنى قول الله عز وجل: {قال
الذين يظنون أنهم ملاقو الله}، يظنون أنهم ملاقو ثواب الله، كان ذلك جائزا. والظن بمعنى الشك.
ولا يبطل بهذا التأويل قول من جعل الظن يقينا، لأن قوله: {أنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض}، لا يحتمل معنى الشك، والظنة عند العرب الشك، ولا تجعل في الموضع الذي يراد به اليقين، قال الشاعر:
إن الحماة أولعت بالكنه = وأبت الكنة إلا ظنه
والظنون أيضا لا يستعمل إلا في معنى التهمة والضعف، قال الشاعر:
ألا أبلغ لديك بني تميم = وقد يأتيك بالرأي الظنون
أي المتهم أو الضعيف. ويقال في جمع الظنة الظنائن، قال الشاعر:
تفرق منا من نحب اجتماعه = وتجمع منا بين أهل الظنائن
ويروى:
تباعد منا من نحب اجتماعه = وتجمع منا ... ... ...
ولا يجمع من هذا الباب على «فعائل» إلا ما كان فيه إدغام أو اعتلال؛ كقولهم: حاجة وحوائج؛ قال الشاعر، أنشده الفراء:
بدأن بنا لا راجيات لرجعة = ولا يائسات من قضاء الحوائج
وأنشد أبو العباس:
إن الحوائج ربما أزرى بها = عند الذي تقضي به تطويلها
وأكثر ما تقول العرب في جمع الحاجة: حاجات وحاج وحوج، أنشد الفراء:
إلا ليت سوقا بالكناسة لم يكن = إليها لحاج المسلمين طريق
أراد لحوائج المسلمين. وأنشد أبو عبيدة:
ومرسل ورسول غير متهم = وحاجة غير مزجاة من الحاج
أراد غير ناقصة من الحوائج، والمزجاة المسوقة، تقول: أزجيت مطيتي أي سقتها، قال الله عز وجل: {ببضاعة مزجاة}. وقال الآخر: يهجو عبد الله بن الزبير:
أرى الحاجات عند أبي خبيب = نكدن ولا أمية بالبلاد
وقال الآخر:
تموت مع المرء حاجاته = وتبقى له حاجة ما بقي
وأنشد الفراء:
لقد طال ما ثبطتني عن صحابتي = وعن حوج قضاؤها من شفائيا
قضاؤها مصدر، من القضاء، بمنزلة الكذاب من الكذب). [كتاب الأضداد: 18-21] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وقال ذو الرمة:
وأنّي متى أشرف على الجانب الذي = به أنت من بين الجوانب ناظر
أي ناظرٌ متى أشرف فجاز هذا في الشعر وشبهوه بالجزاء إذا كان جوابه منجزماً لأن المعنى واحد كما شبه الله يشكرها وظالم فإذا هم يقنطون جعله بمنزلة يظلم ويشكرها الله كما كان هذا بمنزلة قنطوا وكما قالوا في اضطرارٍ إن تأتني أنا صاحبك يريد معنى الفاء فشبهه ببعض ما يجوز في الكلام حذفه وأنت تعنيه.
وقد يقال إن أتيتني آتك وإن لم تأتني أجزك لأن هذا في موضع الفعل المجزوم وكأنه قال إن تفعل أفعل.
ومثل ذلك قوله عز وجل: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها} فكان فعل وقال الفرزدق
دسّت رسولاً بأنًّ القوم إن قدروا = عليك يشفوا صدوراً ذات توغير
وقال الأسود بن يعفر:
ألا هل لهذا الدّهر من متعلّل = عن النّاس مهما شاء بالناس يفعل
وقال إن تأتني فأكرمك أي فأنا أكرمك فلا بد من رفع فأكرمك إذا سكت عليه لأنه جواب وإنما ارتفع لأنه مبني على مبتدأ.
ومثل ذلك قوله عز وجل: {ومن عاد فينتقم الله منه} ومثله: {ومن كفر فأمتعه قليلا} ومثله: {فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا}). [الكتاب: 3/68-69] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وكل بابٍ فأصله شيءٌ واحدٌ، ثم تدخل عليه دواخل؛ لاجتماعها في المعنى. وسنذكر إن كيف صارت أحق بالجزاء? كما أن الألف أحق بالاستفهام، وإلا أحق بالاستثناء، والواو أحق بالعطف مفسراً إن شاء الله في هذا الباب الذي نحن فيه.
فأما إن فقولك: إن تأتني آتك، وجب الإتيان الثاني بالأول، وإن تكرمني أكرمك، وإن تطع الله يغفر لك، كقوله عز وجل: {إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} {وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم} {وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم}.
والمجازاة ب إذما قولك: إذما تأتني آتك؛ كما قال الشاعر:
إذ ما أنيت على الرسول فقل له = حقاً عليك إذا اطمأن المجلـس
ولا يكون الجزاء في إذ ولا في حيث بغير ما؛ لأنهما ظرفان يضافان إلى الأفعال. وإذا زدت على كل واحد منهما ما منعتا الإضافة فعملتا. وهذا في آخر الباب يشرح بأكثر من هذا الشرح إن شاء الله.
وأما المجازاة بـ (من) فقوله عز وجل: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً} وقوله: {فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً}.
وبـ (ما) قوله: {ما يفتح الله للناس من رحمةٍ فلا ممسك لها}.
وبـ أين قوله عز وجل: {أينما تكونوا يدرككم الموت}. وقال الشاعر:

أين تضرب بنا العداة تجـدنـا = نصرف العيس نحوها للتلاقي
وبـ أنى قوله:
فأصبحت أنى تأتها تلتبس بـهـا = كلا مركبيها تحت رجليك شاجر
ومن حروف المجازاة مهما. وإنما أخرنا ذكرها؛ لأن الخليل زعم أنها ما مكررة، وأبدلت من الألف الهاء. وما الثانية زائدة على ما الأولى؛ كما تقول: أين وأينما، ومتى ومتى ما، وإن وإما، وكذلك حروف المجازاة إلا ما كان من حيثما وإذما. فإن ما فيهما لازمة. لا يكونان للمجازاة إلا بها، كما تقع رب على الأفعال إلا بـ ما في قوله: {ربما يود الذين كفروا}، ولو حذفت منها ما لم تقع إلا على الأسماء النكرات، نحو: رب رجل يا فتى.
والمجازاة بـ(أي) قوله: {أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} ). [المقتضب: 2/45-48] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وما تكون لغير الآدميين؛ نحو ما تركب أركب، وما تصنع أصنع. فإن قلت: ما يأتني آته تريد: الناس لم يصلح.
فإن قيل: فقد قال الله عز وجل: {والسماء وما بناها}. ومعناه: ومن بناها، وكذلك {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم}.
قيل: قد قيل ذلك. والوجه الذي عليه النحويون غيره، إنما هو والسماء وبنائها، وإلا على أزواجهم أو ملك أيمانهم. فهي مصادر وإن دلت على غيرها ممن يملك. كقولك: هذا ملك يمينك، وهذا الثوب نسج اليمن وهذا الدرهم ضرب الأمير. ولو كان على ما قالوا لكان على وضع النعت في موضع المنعوت لأن ما إنما تكون لذوات غير الآدميين. ولصفات الآدميين. تقول: من عندك? فيقول: زيدٌ. فتقول: ما زيدٌ? فيقول: جوادٌ أو بخيلٌ أو نحو ذلك، فإنما هو لسؤال عن نعت الآدميين. والسؤال عن كل ما يعقل ب من كما قال عز وجل: {أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض}. فـ من لله عز وجل؛ كما قال: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه} وهذا في القرآن أكثر. وقال تبارك اسمه: {ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته}. يعني الملائكة. وكذلك في الجن في قوله: {فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً} فهذا قولي لك: إنها لما يخاطب ويعقل). [المقتضب: 2/51-52] (م)
تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) }
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : (*قسط* وقسط جار، وأقسط بالألف عدل لا غير، قال الله جل ثناؤه: {وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} أي: العادلين، وقال في الجائرين: {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا}، وقال القطامي (الوافر):
أليسوا بالألى قسطوا قديما = على النعمان وابتدروا السطاعا).
[كتاب الأضداد: 19-20] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (وقالوا: القَاسِط: الجائر. قال الله جل وعز: {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا}. ويقال: قد قَسَط عن الحق قُسوطا، أي: عدل عنه). [الأضداد: 107]
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : ( *قسط* وقسط جار، وأقسط بالألف عدل لا غير، قال الله جل ثناؤه: {وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} أي: العادلين، وقال في الجائرين: {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا}، وقال القطامي (الوافر):

أليسوا بالألى قسطوا قديما = على النعمان وابتدروا السطاعا).
[كتاب الأضداد: 19-20] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (والقسوط: العصيان. يقال: قسط يقسط إذا جار وخالف. قال الله عز وجل: {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا}. ويقال: أقسط يقسط إذا عدل، {والله يحب المقسطين} ). [التعازي والمراثي: 75]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله: قسطوا أي جاروا، يقال قسط فهو قاسط، إذا جار، قال الله جل ثناؤه: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا}. ويقال: أقسط يقسط فهو مقسط، إذا عدل، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} ). [الكامل: 3/1330]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (المقسط: العادل. والقاسط: الجائر). [مجالس ثعلب: 175] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (وَقَسَطَ حرف من الأضداد. يقال: قسط الرجل إذا عدل، وقسط إذا جار، والجور أغلب على (قسط)؛ قال الله جل وعز: {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا}، أراد الجائرون. وقال القطامي:
أليسوا بالألى قسطوا جميعا = على النعمان وابتدروا السطاعا
وقال الآخر:
قسطوا على النعمان وابن محرق = وابن قطام بعزة وتناول
ويقال: أقسط الرجل، بالألف إذا عدل، لا غير، قال الله عز وجل: {إن الله يحب المقسطين}. وقال الحارث بن حلزة:
ملك مقسط وأكمل من يمـ = ـشي ومن دون ما لديه الثناء).
[كتاب الأضداد: 58]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) }
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (فأما التأويل بالقرآن:
فكالبيض، يعبر بالنساء، لقول الله عز وجل: {كأنهن بيض مكنون}.
وكالخشب، يعبر بالنفاق؛ بقول الله عز وجل: {كأنهم خشب مسندة}.
وكالحجارة، تعبر بالقسوة، بقول الله عز وجل: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة}.
وكالسفينة، تعبر بالنجاة؛ لأن الله تعالى نجى بها نوحا عليه السلام ومن كان معه.
وكالماء، يعبر في بعض الأحوال بالفتنة؛ لقول الله تعالى: {لأسقيناهم ماء غدقا * لنفتنهم فيه}.
وكاللحم الذي يؤكل، يعبر بالغيبة؛ لقول الله عز وجل: {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا}.
وكالمستفتح بابا بمفتاح، يعبر بالدعاء؛ لقول الله عز وجل: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} يريد: أن تدعوا.
وكالمصيب مفتاحا في المنام –أو مفاتيح- يعبر بأنه يكسب مالا، لقوله عز وجل في قارون: {ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة} يريد: أمواله؛ سميت أموال الخزائن مفاتيح، لأن بالمفاتيح يوصل إليها.
وكالملك يرى في المحلة أو البلدة أو الدار، وقدرها يصغر عن قدره، وتنكر دخول مثلها مثله؛ يعبر ذلك بالمصيبة والذل ينال أهل ذلك الموضع، لقوله عز وجل: {إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون}.
وكالحبل، يعبر بالعهد، لقوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا}.
ولقوله تعالى: {ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس} أي: بأمان وعهد.
والعرب تسمي العهد حبلا؛ قال الشاعر:
وإذا تجوزها حبال قبيلة = أخذت من الأخرى إليك حبالها
وكاللباس، يعبر بالنساء؛ لقوله جل وعز: {هم لباس لكم وأنتم لباس لهن} ). [تعبير الرؤيا: 35-37] (م)

تفسير قوله تعالى: {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) }

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وسألت الخليل عن قوله جل ذكره: {وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون} فقال إنما هو على حذف
اللام كأنه قال ولأن هذه أمتكم أمةً واحدةً وأنا ربكم فاتقون وقال ونظيرها: {لإيلاف قريش} لأنه إنما هو لذلك فليعبدوا فإن حذفت اللام من أن فهو نصبٌ كما أنك لو حذفت اللام من لإيلاف كان نصباً هذا قول الخليل ولو قرءوها: (وإن هذه أمتكم أمة واحدة) كان جيداً وقد قرئ.
ولو قلت جئتك إنك تحب المعروف مبتدأ كان جيداً.
وقال سبحانه وتعالى: {فدعا ربه أني مغلوب فانتصر} وقال: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين} إنما أراد بأني مغلوبٌ وبأني لكم نذيرٌ مبين ولكنه حذف الباء وقال أيضاً: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} بمنزلة: {وأن هذه أمتكم أمة واحدة} والمعنى ولأن هذه أمتكم فاتقون ولأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً.
وأما المفسرون فقالوا على أوحي كما كان: {وأنه لما قام عبد الله يدعوه} على أوحي ولو قرئت: (وإن المساجد لله) كان حسناً.
واعلم أن هذا البيت ينشد على وجهين على إرادة اللام وعلى الابتداء قال الفرزدق:
منعتٌ تميماً منك أنّي أنا ابنها = وشاعرها المعروف عند المواسم
وسمعنا من العرب من يقول إني أنا ابنها. وتقول لبيك إن الحمد والنعمة لك وإن شئت قلت أن ولو قال إنسان إن أن في موضع جر في هذه الأشياء ولكنه حرفٌ كثر استعماله في كلامهم فجاز فيه حذف الجار كما حذفوا رب في قولهم:
وبلدٍ تحسبه مكسوحاً
لكان قولاً قوياً وله نظائر نحو قوله لاه أبوك والأول قول الخليل ويقوي ذلك قوله: {وأن المساجد لله} لأنهم لا يقدمون أن
ويبتدئونها ويعملون فيها ما بعدها إلا أنه يحتج الخليل بأن المعنى معنى اللام فإذا كان الفعل أو غيره موصلاً إليه باللام جاز تقديمه وتأخيره لأنه ليس هو الذي عمل فيه في المعنى فاحتملوا هذا المعنى كما قال حسبك ينم الناس إذ كان فيه معنى الأمر وسترى مثله ومنه ما قد مضى). [الكتاب: 3/126-129] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب إن المكسورة ومواقعها
اعلم أن مكانها في الكلام في أحد ثلاثة مواضع ترجع إلى موضع واحد وهو الابتداء؛ لأنه موضع لا يخلص للاسم دون الفعل.
وإنما تكون المفتوحة في الموضع الذي لا يجوز أن يقع فيه الاسم. وذلك قولك: إن زيداً منطلق، وإن عمراً قائم، لا يكون في هذا الموضع إلا الكسر. فأما قوله: (وأن هذه أمتكم أمةً واحدةً) فإنما المعنى معنى اللام، والتقدير: ولأن هذه أمتكم أمةً واحدة، وأنا ربكم فاعبدون.
وكذلك قوله عند الخليل: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً} أي: ولأن.
وأما المفسرون فقالوا: هو على أوحي. وهذا وجهٌ حسن جميل وزعم قوم من النحويين موضع أن خفض في هاتين الآيتين وما أشبههما، وأن اللام مضمره وليس هذا بشيء. واحتجوا بإضمار رب في قوله:
وبلدٍ ليس به أنيس
وليس كما قالوا؛ لأن الواو بدل من رب كما ذكرت لك، والواو في قوله تبارك وتعالى: {وأن المساجد لله} واو عطف. ومحالٌ أن يحذف حرف الخفض ولا يأتي منه بدلٌ.
واحتج هؤلاء بأنك لا تقول: أنك منطلق بلغني أو علمت.
فقيل لهم: هي لا تتقدم إلا مكسورةٌ، وإنما كانت هاهنا بعد الواو منصوبة لأن المعنى معنى اللام؛ كما تقول: جئتك ابتغاء الخير، فتنصب والمعنى معنى اللام، وكذلك قال الشاعر:
وأغفر عوراء الكريم ادخـاره = وأعرض عن شتم اللئيم تكرما
فإذا قلت: جئتك أنك تحب المعروف فالمعنى معنى اللام، فعلى هذا قدمت، وهذا قد مر. فهذا قول الخليل.
والموضع الآخر للمكسورة: أن تدخل اللام في الخبر. وقد مضى قولنا في هذا، لأن اللام تقطعها مما قبلها، فتكون مبتدأة. فهذا مما ذكرت لك أنها ترجع إلى الابتداء.
والموضع الثالث: أن تقع بعد القول حكايةً فتكون مبتدأة. كما تقول: قال زيد: عمروٌ منطلقٌ، وقلت: الله أكبر. وقد مضى هذا في باب الحكاية.
فعلى هذا تقول: قال زيد: إن عمراً منطلق، وقال عبد الله: إنك خير منه. من ذلك قوله عز وجل: {قال الله إني منزلها عليكم}. وقال: {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك} وقال: {قال يا قوم إني لكم نذيرٌ مبين} ). [المقتضب: 2/346-348] (م)

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17 ذو القعدة 1435هـ/11-09-2014م, 10:14 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 17 ذو القعدة 1435هـ/11-09-2014م, 10:15 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 17 ذو القعدة 1435هـ/11-09-2014م, 10:16 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 17 ذو القعدة 1435هـ/11-09-2014م, 10:16 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: وأنّا منّا الصّالحون ومنّا دون ذلك كنّا طرائق قدداً (11) وأنّا ظننّا أن لن نعجز اللّه في الأرض ولن نعجزه هرباً (12) وأنّا لمّا سمعنا الهدى آمنّا به فمن يؤمن بربّه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً (13) وأنّا منّا المسلمون ومنّا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحرّوا رشداً (14) وأمّا القاسطون فكانوا لجهنّم حطباً (15)
وقولهم ومنّا دون ذلك، أي غير الصالحين كأنه قال: ومنا قوم أو فرقة دون صالحين، وهي لفظة تقع أحيانا موقع غير. والطرائق: السير المختلفة، والقدد كذلك هي الأشياء المخالفة، كأنه قد قدّ بعضها من بعض وفصل. قال ابن عباس وعكرمة وقتادة: طرائق قدداً أهواء مختلفة. قال غيره فرق مختلفون.
قال الكميت: [البسيط]
جمعت بالرأي منهم كل رافضة = إذ هم طرائق في أهوائهم قدد
). [المحرر الوجيز: 8/ 432]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقولهم وأنّا ظننّا أن لن نعجز الظن هنا بمعنى العلم. وهذا إخبار منهم عن حالهم بعد إيمانهم بما سمعوا من محمد صلى الله عليه وسلم). [المحرر الوجيز: 8/ 432]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والهدى، يريد القرآن، سموه هدى من حيث هو سبب الهدى، والبخس: النقص، والرهق: تحميل ما لا يطاق وما يثقل من الأنكاد ويقرح. قال ابن عباس: البخس: نقص الحسنات، والرهق: الزيادة في السيئات. وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب «فلا يخف» بالجزم دون ألف). [المحرر الوجيز: 8/ 432]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقسم الله تعالى بعد ذلك حال الناس في الآخرة على نحو ما قسم قائل الجن، فقوله: وأنّا منّا المسلمون ومنّا القاسطون والقاسط: الظالم، قاله مجاهد وقتادة والناس، ومنه قول الشاعر: [الكامل]
قوم هم قتلوا ابن هند عنوة = عمرا وهم قسطوا على النعمان
والمقسط: العادل، وإنما هذا التقسيم ليذكر حال الطريقين من النجاة والهلكة، ويرغب في الإسلام من لم يدخل فيه، فالوجه أن يكون فمن أسلم، مخاطبة من الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم، ويؤيده ما بعده من الآيات، وتحرّوا: معناه طلبوا باجتهادهم، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها»). [المحرر الوجيز: 8/ 432-433]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) :
(وقوله تعالى: لجهنّم حطباً نظير قوله تعالى: وقودها النّاس والحجارة [البقرة: 24، التحريم: 6]). [المحرر الوجيز: 8/ 433]


تفسير قوله تعالى: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16)}

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (
قوله عز وجل: وأن لو استقاموا على الطّريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً (16) لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربّه يسلكه عذاباً صعداً (17) وأنّ المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحداً (18) وأنّه لمّا قام عبد اللّه يدعوه كادوا يكونون عليه لبداً (19) قل إنّما أدعوا ربّي ولا أشرك به أحداً (20) قل إنّي لا أملك لكم ضرًّا ولا رشداً (21) قل إنّي لن يجيرني من اللّه أحدٌ ولن أجد من دونه ملتحداً (22)

الضمير في قوله استقاموا قال أبو مجلز والفراء والربيع بن أنس وزيد بن أسلم والضحاك بخلاف عنه: الضمير عائد على قوله من أسلم [الجن: 14]، والطّريقة طريقة الكفر، لو كفر من أسلم من الناس لأسقيناهم إملاء لهم واستدراجا. وقال قتادة وابن جبير وابن عباس ومجاهد الضمير عائد على «القاسطين». والمعنى على طريقة الإسلام والحق، وهذا المعنى نحو قوله: ولو أنّ أهل الكتاب آمنوا واتّقوا لكفّرنا عنهم سيّئاتهم [المائدة: 65]، وقوله لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم [المائدة: 66]. وهذا قول أبين لأن استعارة الاستقامة للكفر قلقة. وقرأ الأعمش وابن وثاب «وأن لو» بضم الواو. وقال أبو الفتح هذا تشبيه بواو الجماعة اشتروا الضلالة، والماء الغدق: هو الماء الكثير. وقرأ جمهور الناس «غدقا» بفتح الدال، وقرأ عاصم في رواية الأعشى عنه بكسرها). [المحرر الوجيز: 8/ 433-434]

تفسير قوله تعالى: {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)}

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) :
(وقوله تعالى: لنفتنهم إن كان المسلمون فمعناه لنختبرهم، وإن كان القاسطون فمعناه لنمتحنهم ونستدرجهم، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حيث يكون الماء فثم المال، وحيث يكون المال فثم الفتنة، ونزع بهذه الآية، وقال الحسن وابن المسيب وجماعة من التابعين: كانت الصحابة سامعين مطيعين، فلما فتحت كنوز كسرى وقيصر وثب بعثمان فقتل وثارت الفتن. ويسلكه معناه يدخله، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بفتح الياء أي «يسلكه» الله، وقرأ بعض التابعين «يسلكه» بضم الياء من أسلك وهما بمعنى، وقرأ باقي السبعة «نسلكه» بنون العظمة، وقرأ ابن جبير «نسلكه» بنون مضمومة ولام مكسورة. وصعداً معناه شاقا، تقول فلان في صعد من أمره أي في مشقة، وهذا أمر يتصعدني، وقال عمر: ما تصعدني شيء كما تصعدني خطبة النكاح، وقال أبو سعيد الخدري وابن عباس: صعد جبل في النار، وقرأ قوم «صعودا» بضم الصاد والعين، وقرأ الجمهور بفتح الصاد والعين، وقرأ ابن عباس والحسن بضم الصاد وفتح العين، وقال الحسن: معناه لا راحة فيه). [المحرر الوجيز: 8/ 434]


تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)}

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) :
(ومن فتح الألف من أنّ المساجد للّه جعلها عطفا على قوله قل أوحي إليّ أنّه [الجن: 1]، ذكره سيبويه، والمساجد قيل أراد بها البيوت التي هي للعبادة والصلاة في كل ملة.

وقال الحسن: أراد كل موضع سجد فيه كان مخصوصا لذلك أو لم يكن، إذ الأرض كلها مسجد لهذه الأمة. وروي أن هذه الآية نزلت بسبب تغلب قريش على الكعبة، حينئذ فقيل لمحمد صلى الله عليه وسلم: المواضع كلها لله فاعبده حيث كان وقال ابن عطاء: «المساجد»: الآراب التي يسجد عليها، واحدها مسجد بفتح الجيم، وقال سعيد بن جبير: نزلت الآية لأن الجن قالت يا رسول الله: كيف نشهد الصلاة معك على نأينا عنك: فنزلت الآية يخاطبهم بها على معنى أن عبادتكم حيث كنتم مقبولة. وقال الخليل بن أحمد: معنى الآية، ولأن المساجد للّه فلا تدعوا أي لهذا السبب، وكذلك عنده لإيلاف قريشٍ [قريش: 1] ليعبدوا[قريش: 3] وكذلك عنده وإنّ هذه أمّتكم أمّةً [الأنبياء: 92، المؤمنون: 52]. و «المساجد» المخصوصة بينة التمكن في كونها لله تعالى فيصح أن تفرد للصلاة والدعاء وقراءة العلم، وكل ما هو خالص لله تعالى، وأن لا يتحدث بها في أمور الدنيا. ولا يتخذ طريقا، ولا يجعل فيها لغير الله نصيب، ولقد قعدت للقضاء بين المسلمين في المسجد الجامع بالمرية مدة، ثم رأيت فيه من سوء المتخاصمين وأيمانهم وفجور الخصام وعائلته ودخول النسوان ما رأيت تنزيه البيت عنه فقطعت القعود للأحكام فيه). [المحرر الوجيز: 8/ 434-435]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 17 ذو القعدة 1435هـ/11-09-2014م, 10:17 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 17 ذو القعدة 1435هـ/11-09-2014م, 10:17 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11)}

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأنّا منّا الصّالحون ومنّا دون ذلك كنّا طرائق قددًا (11) وأنّا ظننّا أن لن نعجز اللّه في الأرض ولن نعجزه هربًا (12) وأنّا لمّا سمعنا الهدى آمنّا به فمن يؤمن بربّه فلا يخاف بخسًا ولا رهقًا (13) وأنّا منّا المسلمون ومنّا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحرّوا رشدًا (14) وأمّا القاسطون فكانوا لجهنّم حطبًا (15) وأن لو استقاموا على الطّريقة لأسقيناهم ماءً غدقًا (16) لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربّه يسلكه عذابًا صعدًا (17)}
يقول مخبرًا عن الجنّ: أنّهم قالوا مخبرين عن أنفسهم: {وأنّا منّا الصّالحون ومنّا دون ذلك} أي: غير ذلك، {كنّا طرائق قددًا} أي: طرائق متعدّدةً مختلفةً وآراء متفرّقةً.
قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ وغير واحدٍ: {كنّا طرائق قددًا} أي: منّا المؤمن ومنّا الكافر.
وقال أحمد بن سليمان النّجاد في أماليه، حدّثنا أسلم بن سهلٍ بحشل، حدّثنا عليّ بن الحسن بن سليمان -هو أبو الشّعثاء الحضرميّ، شيخ مسلمٍ-حدّثنا أبو معاوية قال: سمعت الأعمش يقول: تروّح إلينا جنّيٌّ، فقلت له: ما أحبّ الطّعام إليكم؟ فقال الأرز. قال: فأتيناهم به، فجعلت أرى اللّقم ترفع ولا أرى أحدًا. فقلت: فيكم من هذه الأهواء الّتي فينا؟ قال: نعم. قلت: فما الرّافضة فيكم ؟ قال شرّنا. عرضت هذا الإسناد على شيخنا الحافظ أبي الحجّاج المزّي فقال: هذا إسنادٌ صحيحٌ إلى الأعمش.
وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة العبّاس بن أحمد الدّمشقيّ قال سمعت بعض الجنّ وأنا في منزلٍ لي باللّيل ينشد:
قلوبٌ براها الحبّ حتى تعلّقت = مذاهبها في كلّ غرب وشارق
تهيم بحبّ اللّه، والله ربّها = معلّقةٌ باللّه دون الخلائق). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 241-242]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وأنّا ظننّا أن لن نعجز اللّه في الأرض ولن نعجزه هربًا} أي: نعلم أنّ قدرة اللّه حاكمةٌ علينا وأنّا لا نعجزه في الأرض، ولو أمعنّا في الهرب، فإنّه علينا قادرٌ لا يعجزه أحدٌ منّا). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 242]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأنّا لمّا سمعنا الهدى آمنّا به} يفتخرون بذلك، وهو مفخرٌ لهم، وشرفٌ رفيعٌ وصفةٌ حسنةٌ.
وقولهم: {فمن يؤمن بربّه فلا يخاف بخسًا ولا رهقًا} قال ابن عبّاسٍ، وقتادة، وغيرهما: فلا يخاف أن ينقص من حسناته أو يحمل عليه غير سيّئاته، كما قال تعالى: {فلا يخاف ظلمًا ولا هضمًا} [طه: 112]). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 242]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأنّا منّا المسلمون ومنّا القاسطون} أي: منّا المسلم ومنّا القاسط، وهو: الجائر عن الحقّ النّاكب عنه، بخلاف المقسط فإنّه العادل، {فمن أسلم فأولئك تحرّوا رشدًا} أي: طلبوا لأنفسهم النّجاة). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 242]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأمّا القاسطون فكانوا لجهنّم حطبًا} أي: وقودًا تسعّر بهم). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 242]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وأن لو استقاموا على الطّريقة لأسقيناهم ماءً غدقًا لنفتنهم فيه} اختلف المفسّرون في معنى هذا على قولين:
أحدهما: وأن لو استقام القاسطون على طريقة الإسلام وعدلوا إليها واستمرّوا عليها، {لأسقيناهم ماءً غدقًا} أي: كثيرًا. والمراد بذلك سعة الرّزق. كقوله تعالى: {ولو أنّهم أقاموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربّهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} [المائدة: 66] وكقوله: {ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السّماء والأرض} [الأعراف: 96] وعلى هذا يكون معنى قوله: {لنفتنهم فيه} أي: لنختبرهم، كما قال مالكٌ، عن زيد بن أسلم: {لنفتنهم} لنبتليهم، من يستمرّ على الهداية ممّن يرتدّ إلى الغواية؟.
ذكر من قال بهذا القول: قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {وأن لو استقاموا على الطّريقة} يعني بالاستقامة: الطّاعة. وقال مجاهدٌ: {وأن لو استقاموا على الطّريقة} قال: الإسلام. وكذا قال سعيد بن جبيرٍ، وسعيد بن المسيّب، وعطاءٌ، والسّدّيّ، ومحمّد بن كعبٍ القرظيّ.
وقال قتادة: {وأن لو استقاموا على الطّريقة} يقول: لو آمنوا كلّهم لأوسعنا عليهم من الدّنيا.
وقال مجاهدٌ: {وأن لو استقاموا على الطّريقة} أي: طريقة الحقّ. وكذا قال الضّحّاك، واستشهد على ذلك بالآيتين اللّتين ذكرناهما، وكلّ هؤلاء أو أكثرهم قالوا في قوله: {لنفتنهم فيه} أي لنبتليهم به.
وقال مقاتلٌ: فنزلت في كفّار قريشٍ حين منعوا المطر سبع سنين.
والقول الثّاني: {وأن لو استقاموا على الطّريقة} الضّلالة {لأسقيناهم ماءً غدقًا} أي: لأوسعنا عليهم الرّزق استدراجًا، كما قال: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون} [الأنعام: 44] وكقوله: {أيحسبون أنّما نمدّهم به من مالٍ وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون} [المؤمنون: 55، 56] وهذا قول أبي مجلز لاحق بن حميد؛ فإنّه في قوله: {وأن لو استقاموا على الطّريقة} أي: طريقة الضّلالة. رواه ابن جريرٍ، وابن أبي حاتمٍ، وحكاه البغويّ عن الرّبيع بن أنسٍ، وزيد بن أسلم، والكلبي، وابن كيسان. وله اتجاه، وتيأيد بقوله: {لنفتنهم فيه}
وقوله: {ومن يعرض عن ذكر ربّه يسلكه عذابًا صعدًا} أي: عذابًا شاقًّا شديدًا موجعًا مؤلمًا.
قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وعكرمة، وقتادة، وابن زيدٍ: {عذابًا صعدًا} أي: مشقّةً لا راحة معها.
وعن ابن عبّاسٍ: جبلٌ في جهنّم. وعن سعيد بن جبيرٍ: بئرٌ فيها). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 242-243]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأنّ المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحدًا (18) وأنّه لمّا قام عبد اللّه يدعوه كادوا يكونون عليه لبدًا (19) قل إنّما أدعو ربّي ولا أشرك به أحدًا (20) قل إنّي لا أملك لكم ضرًّا ولا رشدًا (21) قل إنّي لن يجيرني من اللّه أحدٌ ولن أجد من دونه ملتحدًا (22) إلّا بلاغًا من اللّه ورسالاته ومن يعص اللّه ورسوله فإنّ له نار جهنّم خالدين فيها أبدًا (23) حتّى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرًا وأقلّ عددًا (24)}
يقول تعالى آمرًا عباده أن يوحّدوه في مجال عبادته، ولا يدعى معه أحدٌ ولا يشرك به كما قال قتادة في قوله: {وأنّ المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحدًا} قال: كانت اليهود والنّصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم، أشركوا باللّه، فأمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يوحّدوه وحده.
وقال ابن أبي حاتمٍ: ذكر عليّ بن الحسين: حدثنا إسماعيل بن بنت السّدّيّ، أخبرنا رجلٌ سمّاه، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ -أو أبي صالحٍ-عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وأنّ المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحدًا} قال: لم يكن يوم نزلت هذه الآية في الأرض مسجدٌ إلّا المسجد الحرام، ومسجد إيليّا: بيت المقدس.
وقال الأعمش: قالت الجنّ: يا رسول اللّه، ائذن لنا نشهد معك الصّلوات في مسجدك. فأنزل اللّه: {وأنّ المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحدًا} يقول: صلّوا، لا تخالطوا النّاس.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن حميدٍ، حدّثنا مهران، حدّثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن محمودٍ عن سعيد بن جبيرٍ،: {وأنّ المساجد للّه} قال: قالت الجنّ لنبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: كيف لنا أن نأتي المسجد ونحن ناءون [عنك] ؟، وكيف نشهد الصّلاة ونحن ناءون عنك؟ فنزلت: {وأنّ المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحدًا}
وقال سفيان، عن خصيف، عن عكرمة: نزلت في المساجد كلّها.
وقال سعيد بن جبيرٍ. نزلت في أعضاء السّجود، أي: هي للّه فلا تسجدوا بها لغيره. وذكروا عند هذا القول الحديث الصّحيح، من رواية عبد اللّه بن طاوسٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " أمرت أن أسجد على سبعة أعظمٍ: على الجبهة -أشار بيديه إلى أنفه-واليدين والرّكبتين وأطراف القدمين"). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 244]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:53 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة