العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 02:08 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة هود
[ من الآية (69) إلى الآية (73) ]

{ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) }

قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (11- وقوله تعالى: {قالوا سلاما قال سلام} [69].
قرأ حمزة والكسائي {قال سلم} بكسر السين وجزم اللام.
وكذلك في (الذاريات) جعلاه من السلم وهو الصلح: {وإن جنحوا للسلم} مثله.
وقرأ الباقون: {قالوا سلاما قال سلام} بالألف جميعا جعلوه من التسليم والتسلم، ومعناه: قالوا: تسلمنا منكم تسلما كما تقول: لا يكن من فلان إلا سلامًا بسلامٍ أي: مباينًا له متاركًا، فالأول: نصب على المصدر، والثاني: رفع بالابتداء والتقدير: قالوا إنا سلام). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/288]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: قالوا سلاما قال سلام [هود/ 69، الذاريات/ 25]، فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم: قالوا سلاما قال سلام بألف في السورتين جميعا.
وقرأ حمزة والكسائي: قالوا سلاما قال سلم بكسر السين وتسكين اللام في السورتين جميعا، هاهنا وفي سورة الذاريات [25].
قال أبو علي: أخبرنا أبو إسحاق: قال سمعت محمد بن يزيد يقول: السلام في اللغة أربعة أشياء: فمنها مصدر سلّمت، ومنها: السلام جمع سلامة، ومنها السلام: اسم من أسماء الله تعالى، ومنها السلام: شجرة، ومنه قول الأخطل:
إلّا سلام وحرمل قال أبو علي: فقوله: دار السلام، يجوز أن يكون أضيفت إلى الله سبحانه تعظيما لها. ويجوز أن يكون: دار السلامة من العذاب، فمن جعل فيها كان على خلاف من وصف بقوله: ويأتيه الموت من كل مكان [إبراهيم/ 17].
[الحجة للقراء السبعة: 4/359]
فأما انتصاب قوله سلاما فلأنّه لم يحك شيء تكلّموا به، فيحكى كما تحكى الجمل، ولكن هو معنى ما تكلّمت به الرسل، كما أنّ القائل إذا قال: لا إله إلا الله، فقلت: حقا، أو قلت: إخلاصا، اختلف القول في المصدرين لأنّك ذكرت معنى ما قال، ولم تحك نفس الكلام الذي هو جملة تحكى، فكذلك نصب سلاما في قوله: قالوا سلاما لمّا كان معنى ما قيل، ولم يكن نفس المقول بعينه.
وأما قوله: وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما [الفرقان/ 63]، فقال سيبويه: زعم أبو الخطّاب أن مثله يريد:
مثل قولك: سبحان الله، تفسيره: براءة الله من السوء- قولك للرجل: سلاما تريد: تسلّما منك، لا التبس بشيء من أمرك. فعلى هذا المعنى وجه ما في الآية، قال: وزعم أن قول أميّة:
سلامك ربّنا في كلّ فجر... بريئا ما تغنّثك الذموم
[الحجة للقراء السبعة: 4/360]
على قوله: براءتك ربّنا من كلّ سوء.
فزعم سيبويه أن من العرب من يرفع سلاما إذا أراد معنى المبارأة، كما رفعوا حنان. قال: سمعنا بعض العرب يقول لرجل: لا تكوننّ منّي في شيء إلا سلام بسلام، أي: أمري وأمرك المبارأة والمتاركة، يريد أن حنانا في أكثر الأمر منصوب كما أن سلاما كذلك، فمن ذلك قوله:
حنانك ربّنا وله عنونا وقد رفع في قوله:
فقالت: حنان ما أتى بك هاهنا فإذا نصب سلاما بعد إلا، فانتصابه على ما كان ينتصب عليه قبل، وقوله: بسلام، صفة لسلام المنصوب، فإذا رفع كانت الجملة بعد إلا كقوله: ما أفعل كذا إلا حلّ ذاك أن أفعل، وتركوا إظهار الرافع. كما ترك إظهاره في قوله: حنان والمعنى:
أمرنا حنان وشأننا سلام.
وأما قوله: قال سلام فما لبث [هود/ 69] فقوله:
سلام مرفوع لأنه من جملة الجملة المحكيّة، والتقدير فيه:
سلام عليكم، فحذف الخبر كما حذف من قوله: فصبر جميل [يوسف/ 18] أي: صبر جميل أمثل، أو يكون المعنى: أمري سلام، وشأني سلام كما أن قوله: فصبر
[الحجة للقراء السبعة: 4/361]
جميل يصلح أن يكون المحذوف منه المبتدأ، ومثل ذلك قوله: فاصفح عنهم، وقل سلام [الزخرف/ 89] على حذف الخبر أو المبتدأ الذي سلام خبره.
وأكثر ما يستعمل سلام بغير ألف ولام، وذاك أنّه في معنى الدعاء، فهو مثل قولهم: «خير بين يديك، وأمت في حجر لا فيك» لما كان في معنى المنصوب استجيز فيه الابتداء بالنكرة، فمن ذلك قوله: قال سلام عليك سأستغفر لك ربي [مريم/ 47]، وقال: والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم [الرعد/ 23].
وقال: سلام على نوح في العالمين [الصافات/ 79]، سلام على إبراهيم [الصافات/ 109] وسلام على عباده الذين اصطفى [النمل/ 59]، ومما جاء في الشعر من ذلك:
.. لا سلام على عمرو
[الحجة للقراء السبعة: 4/362]
وقد جاء بالألف واللام، قال: والسلام على من اتبع الهدى [طه/ 47]، والسلام علي يوم ولدت [مريم/ 33].
وزعم أبو الحسن أن من العرب من يقول: سلام عليكم، ومنهم من يقول: السلام عليكم، فالذين ألحقوا الألف واللام حملوه على المعهود، والذين لم يلحقوه حملوه على غير المعهود، وزعم أن منهم من يقول: سلام عليكم، فلا ينوّن، وحمل ذلك على وجهين: أحدهما: أنه حذف الزيادة من الكلمة كما يحذف الأصل من نحو: لم يك، ولا أدر، ويوم يأت لا تكلم [هود/ 105]، والآخر: أنه لما كثر استعمال هذه الكلمة وفيها الألف واللام، حذفا منه لكثرة الاستعمال كما حذف من:
اللهم، فقالوا:
لا همّ إنّ عامر الفجور... قد حبس الخيل على معمور
وأمّا من قرأ: قالوا سلاما قال سلم [هود/ 69] فإن سلما، يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون بمعنى سلام، فيكون المعنى: أمرنا سلم، أو سلم عليكم، ويكون سلم* في أنه بمعنى سلام، لقولهم: حلّ وحلال وحرم وحرام، فيكون على هذا قراءة من قرأ: قال سلم وسلام بمعنى واحد وإن اختلف اللفظان.
والآخر: أن يكون سلم خلاف العدوّ والحرب، كأنّهم لمّا كفّوا عن تناول ما قدّمه إليهم، فنكرهم وأوجس منهم خيفة
[الحجة للقراء السبعة: 4/363]
[هود/ 70] قال: أنا سلم ولست بحرب ولا عدوّ، فلا تمتنعوا من تناول طعامي، كما يمتنع من تناول طعام العدو.
وقرأ حمزة والكسائيّ في الذاريات أيضا سلم* والقول فيه كما ذكرناه في هذا الموضع سواء. ألا ترى أن ثمّ إيجاس خيفة وامتناعا من تناول ما قدّم إليهم مثل ما هاهنا). [الحجة للقراء السبعة: 4/364]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا سلاما قال سلام}
[حجة القراءات: 345]
قرأ حمزة والكسائيّ (قالوا سلاما قال سلم) بكسر السّين وفي الذاريات مثله جعلاه من السّلم وهو الصّلح أي أمري سلم لست مريدا غير السّلامة والصّلح قال الفراء المعنى نحن سلم لأن التّسليم لا يكون من عدو وكأن الفراء ذهب إلى أن الملائكة لما سلموا عليه كان ذلك دليلا على براءتهم ممّا وقع في نفسه من أنهم عدو فقال لهم حينئذٍ نحن متسالمون آمنون إذ سلمتم علينا ويكون معنى قوله في الذاريات {قوم منكرون} أي غير معروفين في بلدنا وإن التّسليم منكم منكر لأنّه لا يعهده إلّا ممّن هو على دينه ولم يتقرّر عنده أنهم منهم قالوا والدّليل على أن الثّاني بخلاف معنى الأول أن إعرابهما مختلف فلو كانت الثّانية مخرجها مخرج الأولى نصبت كما نصبت الأولى وقال قوم يجوز أن يكون معنى قوله {سلم} في معنى سلام كما قالوا حل وحلال وحرم وحرام قالوا والدّليل على صحة ذلك أن التّفسير ورد بأنّهم سلموا عليه فرد عليهم
وقرأ الباقون {قال سلام} جعلوه من التّسليم وحجتهم في ذلك أنه مجمعون على الأول أنه بألف وهو تسليم الملائكة فردّوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه الأول نصب على المصدر على معنى سلمنا سلاما والثّاني رفع على إضمار عليكم سلام ومن قرأ {سلم} أي أمري سلم). [حجة القراءات: 346]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (20- قوله: {قال سلامٌ} قرأه حمزة والكسائي بكسر السين وسكون اللام من غير ألف، ومثله في الذاريات، وقرأهما الباقون {سلام} بفتح السين وبألف بعد اللام، وهما لغتان بمعنى التحية كقولهم: هو حِل وحلال، وحِرْم وحرام، ويجوز أن يكون {سلام} بمعنى المسالمة التي هي خلاف الحرب، كان إبراهيم صلى الله عليه وسلم لما رآهم لا يأكلون طعامه أوجس في نفسه خوفًا منهم، فقال لهم: سِلْم، أي أنا سِلْم لكم ولست بحرب لكم، فلا تمتنعوا من أكل طعامي كما يُمتنع من أكل طعام العدو، ومعنى {سلام} أي سلام عليكم، فالخبر محذوف، وهو رد السلام عليهم، إذ سلموا عليه وهو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه، وهو أبين في التحية ورد السلام، وقوله: {قالوا سلاما} نصب بإعمال القول فيه وليس بحكاية، وهو بمنزلة قولك: قلت حقا. فسلام هو معنى ما قالوا، وليس هو ما قالوا بعينه، ولو كان هو ما قالوا لحكيته كما قالوه، فأما قوله {قال سلام} فهو حكاية ما قال} فلذلك لم يعمل فيه القول ورفع. وروي عن النبي عليه السلام أمر أن يُقرأ: «قال سلم» بغير ألف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/534]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {قَالَ سِلْمٌ} [آية/ 69] بكسر السين من غير ألف:
قرأها حمزة والكسائي، وكذلك في الذاريات {قَالَ سِلْمٌ}.
والوجه أن السِّلْمَ هو الصلح، والمعنى: نحن سلمٌ لكم ولسنا بحربٍ فتمتنعوا من تناول طعامنا، وهو خبر مبتدأ محذوف، والتقدير نحن سلمٌ أي ذوو سلمٍ.
ويجوز أن يكون أراد السلام، فإن السلم والسلام واحد، كما يقال حرمٌ وحرامٌ وحل وحلالٌ، والتقدير: أمرنا سلامٌ أو عليكم سلامٌ.
وقرأ الباقون {قَالَ سَلَامٌ} بالألف، مفتوحة السين في السورتين.
والوجه أنه جواب تسليمهم، فقوله {سَلَامٌ} أي سلام عليكم، فحُذف الخبر، أو أمرنا سلام، فحُذف المبتدأ). [الموضح: 654]

قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70)}

قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (12- وقوله تعالى: {ومن وراء إسحاق يعقوب} [71]. قرأ حمزة وابن عامر وحفص عن عاصم {يعقوب} بالنصب.
وقرأ الباقون بالرفع. فمن نصب جعله عطفًا على {وبشرناه} كأنه جعل الكلام بمعنى الهبة، أي: وهبنا له يعقوب.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/288]
وقال بعض النحويين: من قرأ: {ومن وراء إسحاق يعقوب} فموضعه خفض إلا أنه لا ينصرف. وهذا غلط عند البصريين؛ لأنك لا تعطف على عاملين، محال أن تقول: مررت بزيد في الدار والحجرة عمرو، ومن رفع جعله ابتداء.
والوراء هاهنا -: ولد الولد. قال: أقبل الشعبي ومعه ابن ابن له فقيل: أهذا ابنك؟ فقال: هو ابني من الوراء، أي: هو ولد ولدي. فالوراء يكون قداما وخلفا قال الله عز وجل: {وكان وراءهم ملك} أي: أمامهم. أما الورى مقصور فالخلق، تقول العرب: لا أدري أي الورى هو؟ وأي الطمش هو؟ وأي الطبل؟ وأي ترحم هو؟، أي: أي الخلق؟
والورى مقصور أيضًا داء في الجوف عند الفراء. وقال غيره: هو الورى. ساكن مثل الدمي، وينشد:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/289]
قالت له وريا إذا تنحنح
يا ليته يسقى عن الذرحرح
فخطأه سائر النحويين. وقد وجدت للفراء حجة، وذلك أن العرب تقول في مثل لها: «بفيه البرى ورماه الله بالورى» بفتح الراء. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلىء شعرًا» وقال عبد بني الحسحاس.
وراهن ربي مثل ما قد ورينني = وأحمى على أكبادهن المكاويا
فلو كنت وردا لونه لعشقنني = ولكن ربي شانني بسواديا
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/290]
تقول العرب للشيخ إذا سنعل: وريا وقحايا، وللصبي إذا عطس: عمرا وشبابا، يدعون له بالبقاء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/291]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الباء وضمّها من قوله: يعقوب* [71].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي: ومن وراء إسحاق يعقوب رفعا.
وقرأ ابن عامر وحمزة: يعقوب نصبا.
واختلف عن عاصم، فروى عنه أبو بكر بالرفع، وروى حفص عنه بالنصب.
قال أبو علي: من رفع فقال: ومن وراء إسحاق يعقوب كان رفعه بالابتداء أو بالظرف في قول من رفع به، وكان بيّن الوجه.
ومن فتح فقال يعقوب: احتمل ثلاثة أضرب. أحدها: أن يكون يعقوب في موضع جرّ، المعنى: فبشّرناها بإسحاق ويعقوب، قال أبو الحسن: وهو أقوى في المعنى، لأنها قد بشّرت به، قال:
وفي إعمالها ضعف، لأنّك فصلت بين الجار والمجرور بالظرف. والآخر: أن تحمله على موضع الجار والمجرور كقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 4/364]
إذا ما تلاقينا من اليوم أو غدا وبقراءة من قرأ: وحورا عينا [الواقعة/ 22] بعد:
يطاف عليهم بكذا، ومثله:
فلسنا بالجبال ولا الحديدا والثالث: أن تحمله على فعل مضمر، كأنه: فبشّرناها بإسحاق، ووهبنا له يعقوب، فأمّا الأوّل فقد نصّ سيبويه على قبح مثله نحو: مررت بزيد أول من أمس، وأمس عمرو، وكذلك قال أبو الحسن: قال: لو قلت: مررت بزيد اليوم، وأمس عمرو؛ لم يحسن، فأما الحمل على الموضع على حدّ:
مررت بزيد وعمرا، فالفصل فيه أيضا قبيح، كما قبح الحمل على الجر، وغير الجر في هذا في القياس مثل الجر في القبح، وذلك أن الفعل يصل بحرف العطف، وحرف العطف هو الذي يشرك في الفعل، وبه يصل الفعل إلى المفعول به، كما يصل بحرف الجر، ولو قال: مررت بزيد قائما، فجعل الحال من المجرور، لم يجز التقديم عند سيبويه، لأن الجارّ هو الموصل للفعل، فكما قبح التقديم عنده لضعف الجارّ والعامل، كذلك الحرف العاطف مثل الجار في أنه يشرك في الفعل، كما يوصل الجارّ الفعل، وليس نفس الفعل العامل في الموضعين جميعا، وإذا كان كذلك قبح الفصل بالظرف في العطف على الموضع، وقبح أيضا الفصل في حروف الرفع
[الحجة للقراء السبعة: 4/365]
والنصب، كما قبح [.....] إن العاطف فيهما مثله في الجار، وليس العامل نفس الرافع والناصب، كما أن العامل فيما بعد حرف العطف ليس الجارّ، إنّما يشركه فيه العاطف، وقد جاء ذلك في الشعر. قال ابن أحمر:
أبو حنش يؤرّقنا وطلق... وعبّاد وآونة أثالا
ففصل بالظرف في العطف على الرافع، وقال الأعشى:
[الحجة للقراء السبعة: 4/366]
يوما تراها كشبه أردية ال... عصب ويوما أديمها نغلا
ففصل بالظرف بين المشترك في النصب، وما أشركه فيه، فإذا قبح الفصل في الحمل على الموضع كما قبح الفصل في الحمل على الجار؛ فينبغي أن تحمل قراءة من قرأ: يعقوب بالنصب على فعل آخر مضمر، يدلّ عليه بشرنا كما تقدم، ولا يحمل على الوجهين الآخرين لاستوائهما في القبح). [الحجة للقراء السبعة: 4/367]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة محمد بن زياد الأعرابي: [فَضَحَكَتْ] فتحًا.
قال أبو الفتح: روى ابن مجاهد قال: قال أبو عبد الله بن الأعرابي: الضَّحْك: هو الحيض، وأنشد:
ضَحْكُ الأرانب فوق الصفا ... كمثل دم الجوف يوم اللِّقا
[المحتسب: 1/323]
قال: وأنشد:
فجاءت بِمَزْج لم يَرَ الناس مثله ... هو الضّحْك إلا أنه عمَل النحل
وبعد، فليس في اللغة ضحَكَت؛ وإنما هو ضَحِكت؛ أي: حاضت. قال أحمد بن يحيى: ضحِكت وطَمِثت لوقتها، والضَّحك: الشهد؛ وهو الثلج، وقال أحمد بن يحيى: وهو الطلع، قال محمد بن الحسن: قلت لأبي حاتم في قوله:
تضحك الضبْع لِقتلي هذيلٍ
قال: من أين لهم أن الضبُع تحيض؟ وقال: يا بني، إنما تكشِر للقتلى إذا رأتهم، كما قالوا: يضحك العَيْر إذا انتزع الصلِّيَانَة.
ويقال فيه:
تضحك الضبْع لقتلَى هذيل
أي: تستبشر لقتلاهم لتأكلهم، فيهِرُّ بعضها على بعض، فجلعه ضحِكًا.
وترى الذئب لها يستهلُّ
أي: يعوي، فيستدعي الذئاب فرحًا بذلك). [المحتسب: 1/324]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب}
[حجة القراءات: 346]
قرأ حمزة وابن عامر وحفص ومن وراء إسحاق يعقوب بالنّصب وقرأ الباقون بالرّفع
قال الزّجاج فأما من قرأ {ومن وراء إسحاق يعقوب} في موضع نصب فمحمول على المعنى، المعنى وهبنا لها إسحاق ووهبنا لها يعقوب ومن قرأ {يعقوب} فرفعه على ضربين أحدهما ابتداء مؤخر معناه التّقديم والمعنى ويعقوب يحدث لها من وراء إسحاق ويجوز أن يكون مرفوعا بالفعل الّذي يعمل في قوله {من وراء} كأنّه قال ويثبت لها من وراء إسحاق يعقوب). [حجة القراءات: 347]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (21- قوله: {يعقوب}، {قالت} قرأه ابن عامر وحمزة وحفص بالنصب، ورفعه الباقون.
وحجة من رفع أنه جعل {يعقوب} ابتداء، والظرف المقدّم خبره، وهو {من وراء إسحاق}، ويحتمل رفعه بالظرف الذي قبله.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/534]
22- وحجة من نصب أنه جعله في موضع خفض، لكن لا ينصرف للعجمة والتعريف، وهو معطوف على {إسحاق} والتقدير: فبشرناها بإسحاق ويعقوب. وفيه غمز عن سيبويه والأخفش للتفرقة بين {يعقوب} وبين حرف العطف بالظرف فكأنما فصلت بين الجار والمجرور بالظرف؛ لأن حق حرف الجر، أن يكون ملاصقًا لحرف العطف في اللفظ أو في المعنى، ولو قلت: ومن وراء إسحاق يعقوب، فجئت بحرف الجر ملاصقًا لحرف العطف لم يجز، كما أنك لو قلت: مررت بزيد وبفي الدار عمرو، لم يجز، ويقبح «وفي الدار عمرو» للتفرقة بالظرف، ولكن يجوز نصب {يعقوب} بحمله على موضع {بإسحاق} لأن {بإسحاق} في موضع نصب؛ لأنه مفعول به في المعنى، وفيه بعد أيضًا للفصل بين الناصب والمنصوب بالطرف، ألا ترى أنك لو قلت: رأيت زيدًا وفي الدار عمرًا، قبح للتفرقة بالظرف، ويجوز أن تنصب {يعقوب} وهو حسن، والرفع هو الاختيار لصحة إعرابه ولأن الأكثر من القراء عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/535]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [آية/ 71] بالنصب:
قرأها ابن عامر وحمزة و-ص- عن عاصم.
والوجه أن {يعقوبَ} منصوبٌ بفعل مضمر يدل عليه: بشرنا، كأنه قال بشرناها بإسحق ووهبنا له من وراء إسحق يعقوب.
ولا يجوز أن يكون عطفًا على قوله {بِإِسْحَاقَ}، فيكون مفتوحًا في موضع الجر، للفصل بينه وبين ما عُطف (به) بالجار والمجرور، ولو نصبته أيضًا على موضع {بِإِسْحَاقَ} لم يجز أيضًا لذلك.
وقرأ الباقون {يَعْقُوبُ} بالرفع.
والوجه أن {يَعْقُوبُ} مرفوع بالابتداء، والظرف الذي قبله خبره، وهو قوله تعالى {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ}.
ويجوز أن يكون مرفوعًا بأنه فاعٌ للظرف المقدم عند من يرى الظرف عاملًا في جميع المواضع، كأنه قال وحصل له من وراء إسحق يعقوب). [الموضح: 655]

قوله تعالى: {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعمش: [وَهَذَا بَعْلِي شَيخ].
قال أبو الفتح: الرفع في [شيخ] من أربعة أوجه:
أحدها: أن يكون [شيخ] خبر مبتدأ محذوف؛ كأنه قال: هذا شيخ، والوقف إذن على قوله: {وَهَذَا بَعْلِي} ؛ لأن الجملة هناك قد تمت، ثم استأنف جملة ثانية فقال: [هذا شيخ].
والثاني: أن يكون [بعلي] بدلًا من [هذا]، و[شيخ] هو الخبر.
[المحتسب: 1/324]
والثالث: أن يكون "شيخ" بدلًا من "بعلي"، وكأنه قال: هذا شيخ، كما كان التقدير فيما قبله: بعلي شيخ.
والرابع: أن يكون "بعلي" و"شيخ" جميعًا خبرًا عن هذا؛ كقولك: هذا حُلو حامض؛ أي: قد جمع الحلاوة والحموضة، وكذلك هذا: أي قد جمع البعولة والشيخوخة.
فإن قلت: فهل تجيز أن يكون "بعلي" وصفًا "لـ"هذا"؟ قيل: لا؛ وذلك أن هذا ونحو من أسماء الإشارة لا يوصف بالمضاف، ألا تراهم لم يجيزوا مررت بهذا ذي المال، كما أجاوزا مررت بهذا الغلام؟ وإذا لم يجز أن يكون "بعلي" وصفًا لـ"هذا" من حيث ذكرنا لم يجز أيضًا أن يكون عطف بيان له؛ لأن صورة عطف البيان صورة الصفة، فافهم ذلك.
وهنا وجه خامس: لكنه على قياس مذهب الكسائي؛ وذلك أنه يعتقد في خبر المبتدأ أبدًا أن فيه ضميرًا وإن لم يكن مشتقًّا من الفعل، نحو: زيد أخوك، وهو يريد النسب، فإذا كان كذلك فقياس مذهبه أن يكون "شيخ" بدلًا من الضمير في "بعلي"؛ لأنه خبر عن "هذا".
فإن قلت: فإن الكوفيين لا يُجيزون إبدال النكرة من المعرفة إلا إذا كان من لفظها، نحو قول الله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ}، وليس قبل "شيخ" معرفة من لفظه، قيل: أجل، إلا أن هذا اعتبار في الاسمين الملفوظ بكل واحد منهما، فأما الضمير فيه فعلى قياس قول من استودعه إياه فلا لفظ له أيضًا فيعتبر خلافُه أو وفاقُه، وإذا سقط ذلك ساغ، وجاز إبدال النكرة منه لِما ذكرنا من تقديم لفظه المخالف للفظها). [المحتسب: 1/325]

قوله تعالى: {قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 02:09 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة هود
[ من الآية (74) إلى الآية (77) ]

{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)}

قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74)}

قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75)}

قوله تعالى: {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)}

قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 02:11 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة هود
[ من الآية (78) إلى الآية (83) ]

{ وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) }

قوله تعالى: {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة سعيد بن جبير والحسن بخلاف ومحمد بن مروان وعيسى الثقفي وابن أبي إسحاق: [هُنَّ أَطْهَرَ لَكُمْ] بالنصب.
قال أبو الفتح: ذكر سيبويه هذه القراءة وضعفها، وقال فيها: احتَبى ابن مروان في لحنه، وإنما قبح ذلك عنده؛ لأنه ذهب إلى أنه جعل "هن" فصلًا، وليست بين أحد الجزأين
[المحتسب: 1/325]
اللذين هما مبتدأ وخبر ونحو ذلك، كقولك: ظننت زيدًا هو خيرًا منك، وكان زيد هو القائم.
وأنا من بعدُ أرى أن لهذه القراءة وجهًا صحيحًا؛ وهو أن تجعل "هن" أحد جزأي الجملة، وتجعلها خبرًا لـ[بناتي]، كقولك: زيد أخوك هو، وتجعل [أطهر] حالًا من "هن" أو من "بناتي"، والعامل فيه معنى الإشارة، كقولك: هذا زيد هو قائمًا أو جالسًا، أو نحو ذلك. فعلى هذا مجازه، فأما على ما ذهب إليه سيبويه ففاسد كما قال). [المحتسب: 1/326]

قوله تعالى: {قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79)}

قوله تعالى: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه الحلواني عن قالون عن شيبة: [أو آوِيَ] بفتح الياء. ورُوي أيضًا عن أبي جعفر مثله. قال ابن مجاهد: ولا يجوز تحريك الياء هاهنا.
قال أبو الفتح: هذا الذي أنكره ابن مجاهد عندي سائغ جائز؛ وهو أن تعطف [آوِيَ] على "قوة" فكأنه قال: لو أن لي بكم قوة أو أُوِيًّا إلى ركن شديد. فإذا صرت إلى اعتقاد المصدر فقد وجب إضمار أن ونصب الفعل بها، ومثله قول مَيْسُون بنت بَحْدَل الكليبية:
للبسُ عباءة وتقرَّ عيني ... أحب إلى من لُبس الشفوف
فكأنها قالت: للبس عباءة وأن تقر عيني؛ أي: لأن ألبس عباءة وتقر عيني أحب إلي من كذا، وعليه بيت الكتاب أيضًا:
فلولا رجالٌ من رِزَامٍ أعزَّةٌ ... وآلُ سُبيع أو أَسُوءك عَلْقَمَا
[المحتسب: 1/326]
أي: أو أن أسوءَك، فكأن قال: أو مساءَتي إياك، فكذلك هذه القراءة: لو أن لي بكم قوة أو أُوِيًّا؛ أي: أن آوِيَ إلى ركن شديد، وهذا واضح). [المحتسب: 1/327]

قوله تعالى: {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (13- وقوله تعالى: {فأسر بأهلك} [81].
قرأ ابن كثير ونافع {فآسر بأهلك} بوصل الألف في كل القرآن من سرى يسري.
وقرأ الباقون {فأسر بأهلك} بقطع الألف من أسرى يسري وهما لغتان فصيحتان نزل بهما القرآن، قال الله تعالى: {سبحان الذي اسرى بعبده} وهذه حجة لمن قطع. وقال: {والليل إذا يسر} هذا حجة لمن وصل. وهذا البيت ينشد على وجهين:
أسرت عليه من الجوزاء سارية = تزجي الشمال عليها جامد البرد
ويروى: (سَرَتْ إليه) والسُّرى: سير الليل خاصة، ولا يكون بالنهار وهي مؤنثه، يقال: هذه سرى.
وأخبرني بذلك أبو بكر بن دريد عن أبي حاتم. وقال آخر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/291]
سريت بهم حتى تكل مطيهم = وحتى الجياد ما يقدن بأرسان
وقال آخر:
سرى ليلاً خيالا من سليمى = فأرقني وأصحابي هجود
وقد فرق قوم بين سرى وأسرى منهم أبو عمرو الشيباني فقال: سرى من أول الليل وأسرى من آخره). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/292]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (14- وقوله تعالى: {إلا امرأتك} [81].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالرفع {إلا امرأتك} على معنى: ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك فإنها ستلتفت، فعلى هذه القراءة المرأة من أهل لوط، وإنما أمطر عليها الحجارة لأنها خالفت فالتفتت.
وقرأ الباقون: {إلا امرأتك} جعلوها استثناء من قوله: {فأسر بأهلك ... إلا امرأتك} فعلى هذه القراءة المرأة ليست من أهل لوط. و{قطع من الليل} ساعة من الليل تقول العرب: جاءنا زيد بعدما هدأت الرجل، وبعد هزيع من الليل، وبعد سعواء من الليل، وبعد ميناء من الليل، وبعد قطع من الليل، وبعد طبيق من الليل، قال الشاعر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/292]
عميرة ما يدريك أن رب مهجع = تركت ومن ليل التمام طبيق
وقد غار لحم بعد لحم وقد دنت = أواخر أخرى فاستقل فريق). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/293]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في همز الألف وإسقاطها في الوصل في قوله: فأسر بأهلك [هود/ 81].
فقرأ ابن كثير ونافع: فاسر بأهلك* من سريت بغير همز.
وقرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ:
فأسر من: أسريت.
قال أبو علي: حجّة [من] قرأ بوصل الهمزة قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 4/367]
سرت عليه من الجوزاء سارية فسارية تدلّ على سرت، وقول الآخر:
أقلّ به ركب أتوه تئيّة... وأخوف إلّا ما وقى الله ساريا
وقول الآخر:
سرى بعد ما غار الثريا وبعد ما... كأنّ الثّريّا حلّة الغور منخل
وحجّة من قطع: ما في التنزيل من قوله: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا [الإسراء/ 1] ). [الحجة للقراء السبعة: 4/368]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في نصب التاء ورفعها من قوله: إلا امرأتك [هود/ 81].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: إلا امرأتك* برفع التاء.
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ: إلا امرأتك نصبا.
قال أبو علي: الوجه في قولهم: ما أتاني أحد إلا زيد، الرفع على البدل من أحد، وهو الأشيع في استعمالهم، والأقيس، وقوته من جهة القياس أن معنى: ما أتاني أحد إلا زيد ومعنى: ما أتاني إلا زيد، واحد. فكما اتفقوا في: ما أتاني إلا زيد، على الرفع، وكان: ما أتاني أحد إلا زيد، بمنزلته وبمعناه؛ اختاروا الرفع مع ذكر أحد، وأجروا ذلك مجرى: يذر، ويدع، في أنّ يذر لما كان في معنى يدع، فتح كما فتح يدع، وإن كان لم يكن في يذر حرف من حروف الحلق، وممّا يقوّي ذلك، أنّهم في الكلام وأكثر الاستعمال يقولون: ما جاءني إلا امرأة، فيذكّرون حملا على المعنى، ولا يكادون يؤنثون ذلك فيما زعم أبو الحسن إلا في الشعر كقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 4/369]
برى النّحز والأجرال ما في غروضها... فما بقيت إلّا الضلوع الجراشع
وقال:
... وما بقيت... إلا النّحيزة والألواح والعصب
فكما أجروه على المعنى في هذا الموضع، فلم يلحقوا الفعل علامة التأنيث، كذلك أجروه عليه في نحو: ما جاءني أحد إلا زيد، فرفعوا الاسم الواقع بعد الاستثناء.
وأما من نصب فقال: ما جاءني أحد إلا زيدا، فإنه جعل النفي بمنزلة الإيجاب، وذلك أن قوله: ما جاءني أحد، كلام
[الحجة للقراء السبعة: 4/370]
مستقلّ، كما أنّ: جاءني القوم، كذلك، فنصب مع النفي كما نصب مع الإيجاب من حيث اجتمعا في أن كل واحد منهما كلام مستقل، فأما قوله: ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك فإذا جعلت قوله إلا امرأتك مستثنى من لا يلتفت كان الوجهان:
الرفع، والنصب، والوجه الرفع، وإن جعلت الاستثناء في هذه من قوله: فاسر بأهلك* لم يكن إلا النصب. وزعموا أن في حرف عبد الله أو أبيّ: فاسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك وليس فيه: ولا يلتفت منكم أحد فهذا تقوية لقول من نصب، لأنه في هذه القراءة استثناء من قوله: فأسر بأهلك فكما أن الاستثناء من قوله: فاسر بأهلك دون أحد، كذلك إذا ذكرت أحدا يكون منه، ولا يكون على البدل من أحد.
قال سيبويه: ومن قال: أقول: ما أتاني القوم إلا أباك، لأنه بمنزلة قول: أتاني القوم إلا أباك، فإنه ينبغي له أن يقول:
ما فعلوه إلا قليل منهم [النساء/ 66]. وحدثني يونس أن أبا عمرو كان يقول: الوجه: ما أتاني القوم إلا عبد الله، ولو كان هذا بمنزلة قوله: أتاني القوم، لما جاز أن تقول: ما أتاني أحد، كما لا يجوز: أتاني أحد، ولكنّ المستثنى بدل من الاسم الأول. فهذا الكلام يعلم منه قدحه على قول من سوّى بين الإيجاب والنفي، واعتذر استقلال الكلام في
[الحجة للقراء السبعة: 4/371]
الموضعين، وقد تقدم ذكر الحجة على ذلك. فقول من رفع في الآية إلا امرأتك* أنه جعله بدلا من أحد* الثابت في قراءة العامة، وإذا ثبت أحد* لم يمتنع البدل منه، ولم يكن في ذلك كقراءة من لم يثبت في قراءته: ولا يلتفت منكم أحد، ومما يقوّي الرفع في قوله: ما جاءني أحد إلا زيد، أنه يحمل على المعنى، والمعنى: ما جاءني إلا زيد، كما حمل سيبويه قولهم: ما جاءني أحد إلا قد قال ذاك إلا زيدا، وعلى المعنى فلم يجز فيه إلا النصب في زيد، لمّا كان المعنى على: قال ذاك كلّ من جاءني إلا زيدا، فكما تحمل هذه المسألة على المعنى، ولم يجز فيه إلا النصب، كذلك قوله: ما جاءني أحد إلا زيد، ينبغي أن يحمل على المعنى، فيضعف النصب فيه، كما لم يجز إلا النصب في: ما جاءني أحد إلا قد قال ذاك إلا زيدا، لأن الاستثناء فيه من القائلين لا من أحد عنده.
قال أبو عمرو: وقد أجاز غير سيبويه فيها الرفع، قال: وهو يجوز ضعيفا أو على بعد، ألا ترى أنك تقول: ما رأيت أحدا ضرب أحدا، يريد أن الرفع يجوز، لأن الكلام في تقدير النفي، بدلالة جواز وقوع أحد فيه، وأحد إنما يقع في النفي، فكما جاز وقوع أحد فيه بعد الصفة، كذلك يجوز فيه الرفع، وكان ذلك أيضا للحمل على المعنى، لأن الصفة هي الموصوف، فإذا نفي الموصوف، فكأنّ الصفة أيضا قد نفيت من حيث كان هو هو، ومن ثمّ جاز البدل من الضمير الذي في الصفة، لما كان الموصوف في المعنى في نحو قول عديّ:
[الحجة للقراء السبعة: 4/372]
في ليلة لا نرى بها أحدا... يحكي علينا إلا كواكبها
فأبدل من الضمير الذي في صفة المنفي وإن كان الكلام الذي فيه هذا الضمير موجبا في المعنى). [الحجة للقراء السبعة: 4/373]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فأسر بأهلك بقطع من اللّيل ولا يلتفت منكم أحد إلّا امرأتك}
قرأ نافع وابن كثير {فأسر بأهلك} بوصل الألف في كل القرآن من سرى يسري
وقرأ الباقون {فأسر} بقطع الألف وهما لغتان فصيحتان نزل بهما القرآن قال الله تعالى {سبحان الّذي أسرى بعبده} وقال (واللّيل إذ يسري) يقال سريت وأسريت إذا سرت ليلًا وقال آخرون منهم أبو عمرو الشّيبانيّ يقال سرى في أول اللّيل وأسرى من آخره
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {ولا يلتفت منكم أحد إلّا امرأتك} بالرّفع على معنى ولا يلتفت منكم أحد إ لا امرأتك فإنّها ستلتفت فقوله {امرأتك} بدل من قوله {أحد} كقولك ما قام أحد إلّا
[حجة القراءات: 347]
أبوك وما رأيت أحدا إلّا أخاك وكان أبو عمرو يتأوّل أن لوطا كان سار بها في أهله وحجته ما روي عن ابن عبّاس أنه قال إنّها سمعت الوجبة فالتفتت فأصابها العذاب
وقرأ الباقون {امرأتك} بالنّصب استثناء من الإسراء وحجتهم ما روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال {فأسر بأهلك بقطع من اللّيل} {إلّا امرأتك} فدلّ ذلك ان الاستثناء كان من أهله الّذين أمر بالإسراء بهم لا من {أحد} والمعنى في هذه القراءة أنه لم يخرج امرأته مع أهله وفي القراءة الأخرى أنه خرج بها فالتفتت فأصابتها الحجارة). [حجة القراءات: 348]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (23- قوله: {فأسر بأهلك} قرأه الحرميان بوصل الألف من «سرى» كما قال: {والليل إذا يسر} «الفجر 4» وذلك حين وقع، وقرأ الباقون بالهمز من «أسرى» كما قال: {سبحان الذي أسرى} «الإسراء 1» فهما لغتان مشهورتان). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/535]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (24- قوله: {إلا امرأتك} قرأه ابن كثير وأبو عمرو بالرفع على البدل من {أحد}؛ لأنه نهي، والنهي نفي، والبدل في النفي وجه الكلام، لأنه بمعنى: ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك، وقرأ الباقون بالنصب، على الاستثناء من الإيجاب في قوله: {فأسر بأهلك} ويجوز أن يكون على الاستثناء من النهي؛ لأن الكلام قد تم قبله، والأول أحسن، وقد تقدم ذكر {أصلواتك} في براءة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/536]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {فَاسْرِ بِأَهْلِكَ} [آية/ 81] موصولة الألف:
قرأها ابن كثير ونافع، وكذلك {أَنِ اسْرِ} حيث وقع في القرآن.
[الموضح: 655]
وقرأ الباقون {فَأَسْر} و{أَنْ أَسْرِ} مقطوعة الألف حيث وقع.
والوجه أنهما لغتان، يقال سرى وأسرى بمعنى واحد، فمن وصل الألف فمن سرى، ومن قطعها فمن أسرى). [الموضح: 656]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (15- {إِلَّا امْرَأَتُكَ} [آية/ 81] بالرفع:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو.
والوجه أن {امرأتك} بدل من قوله {أَحَدٌ}، وهو قوله {وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ}، كما تقول: ما جاءني أحدٌ إلا زيدٌ، فالاستثناء من النفي، فيكون بدلًا عما قبل إلا، وهو مرفوعٌ، فالبدل عنه مرفوع.
وقرأ الباقون {إِلَّا امْرَأَتَكَ} بالنصب.
والوجه أنه مستثنىً من قوله {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ}، فالاستثناء من الموجب، فلذلك صار نصبًا، والمعنى: فأسر بأهلك إلا امرأتك، كما تقول: قام القوم إلا زيدًا). [الموضح: 656]

قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82)}

قوله تعالى: {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 02:19 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة هود
[ من الآية (84) إلى الآية (88) ]

{ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) }

قوله تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84)}

قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85)}

قوله تعالى: {بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86)}

قوله تعالى: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87)}
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا}
قرأ حمزة والكسائيّ وحفص {أصلاتك} بغير واحد وحجتهم إجماع الجميع على التّوحيد في قوله {إن صلاتي ونسكي}
وقرأ الباقون (أصلواتك) على الجمع وحجتهم أنّها مكتوبة في المصحف بواو وكذلك في سورة براءة). [حجة القراءات: 348]

قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 02:22 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة هود
[ من الآية (89) إلى الآية (95) ]

{ وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92) وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95) }

قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة يحيى والأعمش: [يُجْرِمَنَّكُمْ].
قال أبو الفتح: جَرَم الرجل ذنبًا إذا كسَب الْجُرْم، ثم ينقل فيقال: أَجْرَمْتُه ذنبًا إذا كسبته إياه، فعليه جاء: [لَا يُجْرِمَنَّكُم] أي: لا يَكْسِبَنَّكم بُغْضُ القوم تركَ العدل، كما يدعو الإنسان الحِفْظَة والغضب إلى ما يَحوب فيه وينال من دينه). [المحتسب: 1/327]

قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90)}

قوله تعالى: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91)}

قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92)}

قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (20- {عَلَى مَكَانَاتِكُمْ} [آية/ 93 و121] على الجمع:
قرأها عاصم وحده ياش-.
وقرأ الباقون {مَكَانَتِكُمْ} على الوحدة.
وقد سبق الكلام في نحو ذلك). [الموضح: 661] (م)

قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94)}

قوله تعالى: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة السلمي: [بَعُدَتْ ثَمُودُ] بضم العين.
قال أبو الفتح: أما بَعُدَ فيكون مع الخير والشر، تقول: بَعُدَ عن الشر، وبَعُدَ عن الخير، ومصدرها البُعْدُ، وأما بَعِدَ ففي
الشر خاصة، يقال: بَعِدَ يَبْعَدُ بَعَدًا، ومنه قولهم: أَبْعَدَه الله، فهو منقول من بَعِدَ؛ لأنه دعاء عليه، فهو من بَعِدَ الموضوعة للشر. فقراءة السلمي هذه: [أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعُدَتْ ثَمُودُ] متفقة الفعل مع مصدره، وإنما السؤال عن قراءة الجماعة: {أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} .
وطريق ذلك أن يكون البُعْدُ بمعنى اللعنة، فيكون أبعده الله في معنى لعنه الله، ومنه قوله:
ذَعَرْتُ به القَطَا وَنَفَيْتُ عنه ... مُقَام الذئب كالرجل اللَّعِين
أي: مقام اللعين؛ أي: الْمُبْعَد، وعلى كل حال فالإبعاد للشيء نقص له وابتذال منه، فقد يلتقي معنى بَعِدَ مع معنى بَعُدَ من هذا الموضع، ألا ترى أنهم إذا أَدْنَوْا شيئًا من نفوسهم قالوا: هو الحبيب القريب، فالقرب على كل حال من صفات المدح، فنقيضه إذن من صفات الذم،
[المحتسب: 1/327]
ولهذا قالوا: حبذا زيد، ولم يقولوا: حبذاك؛ لأنه موضع بِشَارَة وتَحَفٍّ به، فالقرب أولى به من البعد؛ ولهذ قالوا فيمن يُصطفى: قد أدناه منه، وقد قرُب من قلبه، وعليه قال:
ودارٌ أنت ساكنها حبيب ... تَوَددُهَا إلى قلبي قريب
فهذا طريق قراءة الجماعة: {أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ}، وإن شئت كان من هذا الطَّرْز، وإن شئت كان من معنى اللعنة). [المحتسب: 1/328]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (19- {بَعِدَت ثَّمُود} [آية/ 95] بالإدغام:
قرأها أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي، وكذلك {كَذَّبَت ثّمُود} و{رَحُبَت ثُّمَّ} وما أشبهها.
والوجه أن التاء أُدغمت في الثاء لقربها منها في المخرج.
وقرأ الباقون بالإظهار فيهن أجمع.
والوجه أنه هو الأصل، والتاء والثاء، وإن تقاربتا في المخرج فإنهما من كلمتين). [الموضح: 661]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 02:24 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة هود
[ من الآية (96) إلى الآية (99) ]

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99) }

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96)}

قوله تعالى: {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97)}

قوله تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98)}

قوله تعالى: {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 02:25 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة هود
[ من الآية (100) إلى الآية (105) ]

{ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101) وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) }

قوله تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100)}

قوله تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101)}

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)}

قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103)}

قوله تعالى: {وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104)}

قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105)}
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إثبات الياء وإسقاطها في الوصل والوقف من قوله عز وجل: يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه [هود/ 105].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائيّ: يوم يأتي بياء في الوصل، ويحذفونها في الوقف. غير ابن كثير فإنه كان يقف بالياء ويصل بالياء فيما أحسب.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة بغير ياء في وصل ولا وقف.
قال أبو علي: اعلم أن فاعل يأتي في قوله: يوم يأتي لا تكلم نفس لا يخلو من أن يكون اليوم الذي أضيف إلى يأتي، أو اليوم المتقدم ذكره، فلا يجوز أن يكون فاعله ضمير اليوم
[الحجة للقراء السبعة: 4/373]
الذي أضيف إلى يأتي، وذلك أنك لو قلت: أزيدا يوم يوافقك توافقه؛ لم يجز، لأنه لا يجوز أن تضيف يوم إلى يوافقك، لأن اليوم هو الفاعل، فلا يجوز أن يضاف إلى فعل نفسه، ألا ترى أنك لا تقول: جئتك يوم يسرّك، وذلك أنك إذا قلت: جئتك يوم يخرج زيد، فإنّما المعنى: يوم خروج زيد، فإنما تضيف المصدر إلى الفاعل فإذا قال: يوم يسرّك، فمعناه يوم سروره إياك، فإنّما حدّ هذا أن يكون اليوم معرّفا بفعل مسند إلى فاعل معرّف بذلك الفاعل، فإذا كان الفعل مضافا إلى اليوم فكأنك إنما عرّفت اليوم بنفسه، لأن الفعل يعرفه الفاعل، واليوم مضاف إلى الفعل المعرف باليوم، فصار هذا نظير قولك: هذا يوم حرّه ويوم برده، والهاء لليوم، وليس هذا مثل: سيّد قومه، وهذا مولى أخيه، فتضيفه إلى ما هو مضاف إليه، لأن أخاه وقومه وما أشبه ذلك شيء معروف، يقصد إليه، وقولك: يوم سروره زيدا، ويوم يسرّك، إنما هو مضاف إلى فعل، وإنما يقوم الفعل بفاعله، ليس أن الفعل شيء منفصل يقصد إليه في نفسه، وواحد أمّه، وعبد بطنه مضافان إلى الأم والبطن، وكلّ واحد منهما ظاهر يقوم بنفسه،
وكذلك لا يجوز أن تضيف الظرف إلى جملة معرفة بضميره، وإن كانت ابتداء وخبرا، لا يجوز أن تقول: آتيك يوم ضحوته باردة، ولا: ليلة أولها مطير. فإن نوّنت في هذا وفي الأول حتى يخرج من حدّ الإضافة جاز فقلت:
أتيتك يوما بكرته حارّة، وأتيتك يوما يسرّك ويوما يوافقك. وهذا
[الحجة للقراء السبعة: 4/374]
قول أبي عثمان، فإذا لم يجز أن يكون قوله: يوم* في قوله:
يوم يأتي لا تكلم مضافا إلى يأتي* وفيه ضميره، ثبت أن في يأتي* ضمير اليوم المتقدم ذكره في قوله: ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود* وما نؤخره أي: ما نؤخّر أحداثه إلا لأجل معدود* يوم يأتي هذا اليوم الذي تقدّم ذكره لا تكلم نفس، فاليوم في قوله: يوم يأتي* يراد به الحين والبرهة، وليس على وضح النهار.
فأما قوله: لا تكلم نفس إلا بإذنه فإنه يحتمل ضربين، يجوز أن يكون حالا من الذكر الذي في يأتي*، ويحتمل أن يكون صفة لليوم المضاف إلى يأتي* لأن اليوم في يوم يأتي مضاف إلى الفعل، والفعل نكرة، فإذا كان كذلك لم يمتنع أن يوصف به اليوم كما توصف النكرات بالجمل من الفعل والفاعل، والمعنى: لا تكلّم فيه نفس، فحذف فيه، أو حذف الحرف، وأوصل الفعل إلى المفعول به، ثم حذف الضمير من الفعل الذي هو صفة كما يحذف من الصّلة، ومثل ذلك قولهم: الناس رجلان: رجل أكرمت، ورجل أهنت. فإذا جعلته حالا من الضمير الذي في يأت، وجب أن تقدّر فيه أيضا ضميرا يرجع إلى ذي الحال، وتقديره: يوم يأتي لا تكلّم نفس، أي:
غير متكلّم فيه نفس، فيكون الضمير المقدّر المحذوف يرجع إلى الضمير الذي في يأتي* لأنّ الحال لا بدّ فيه من ذكر يعود إلى ذي الحال متى كانت جملة، كما لا بد من ذلك في الصفة، ومن قدّره حالا كان أجدر بأن تحذف الياء من يأتي لأنه كلام مستقلّ، فيشبه من أجل ذلك الفواصل، وإن لم يكن
[الحجة للقراء السبعة: 4/375]
فاصلة، كما أنّ حذف الياء من قوله: ذلك ما كنا نبغ [الكهف/ 64]، لما كان كلاما تامّا فأشبه الفاصلة، فحسن الحذف له، كما يحسن الحذف من الفواصل، وإن جعلته صفة لم يمتنع ذلك معها أيضا، لأن الصفة قد يستغني عنها الموصوف، كما أن الحال كذلك، إلا أنّ من الصفات ما لا يحسن أن يحذف منه، فذلك أشبه بغير الكلام التام.
فأما إثبات الياء وإسقاطها في الوصل والوقف، فمن أثبتها في الوصل فهو القياس البيّن، لأنّه لا شيء هاهنا يوجب حذف الياء إذا وصل، فأمّا حذفها في الوقف إذا قال: يوم يأت فلأنها، وإن لم تكن في فاصلة، أمكن أن تشبّهها بالفاصلة، ومن الحجة في حذفها في الوقف أن هذه الياء تشبه الحركات المحذوفة في الوصل، بدلالة أنهم قد حذفوها كما حذفوا الحركة، فكما أن الحركة تحذف في الوقف، فكذلك ما أشبهها من هذه الحروف، فكان في حكمها.
فإن قلت: فقد حذفوا الألف في نحو: لم يخش، كما حذفوا الياء من: لم يرم، فهلّا حذفت الألف، قيل: إنّ الألف قد حذفت كما حذفت الياء، وإن كان حذفهم لها أقلّ منه في الياء لاستخفافهم لها، وذلك في قولهم: أصاب الناس جهد، ولو تر ما أهل مكة، وقولهم: حاش لله [يوسف/ 31 - 51] وقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 4/376]
ورهط ابن المعلّ فحذفها في الوقف للقافية كما حذفت الياء.
وأمّا وقف ابن كثير بالياء فهو حسن، لأنها أكثر من الحركة في الصوت، فلا ينبغي إذا حذفت الحركة للوقف أن تحذف الياء له، كما لا تحذف سائر الحروف. ويقوّي ترك الحذف للياء في الوقف أن الكلام لم يتمّ في قوله: يوم يأت، ويدلّ على أنها تنزّل عندهم منزلة سائر الحروف تقديرهم إياه في نحو:
ألم يأتيك، والأنباء تنمي وفي نحو قوله:
هجوت زبّان ثم جئت معتذرا... من هجو زبان لم تهجو ولم تدع
وتحريكهم لها في الشعر نحو:
[الحجة للقراء السبعة: 4/377]
لا بارك الله في الغواني هل..
وقال:
فيوما يوافيني الهوى غير ماضي وأمّا حذف عاصم لها في الوصل والوقف فلأنه جعلها في الوصل والوقف بمنزلة ما استعمل محذوفا مما لم يكن ينبغي في القياس أن يحذف نحو: لم يك، ولا أدر، فلما حذفوا هذا ونحوه في الوصل والوقف، فكذلك حذفوا الياء من يأت فيهما). [الحجة للقراء السبعة: 4/378]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يوم يأت لا تكلم نفس إلّا بإذنه}
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو والكسائيّ {يوم يأتي} بالياء في الوصل وأثبتها ابن كثير في الوقف أيضا وحجتهم أنّها مثبتة في المصحف
[حجة القراءات: 348]
وقرأ الباقون بحذف الياء قال الخليل إن العرب تقول لا أدر فتحذف الياء وتجتزئ بالكسر إلّا أنهم يزعمون أن ذلك لكثرة الاستعمال والأجود في النّحو إثبات الياء). [حجة القراءات: 349]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (16- {يَوْمَ يَأْتِي} [آية/ 105] بالياء:
قرأها يعقوب بالياء في الوصل والوقف.
والوجه أنه هو الأصل؛ لأنه لا موجب ههنا لحذف الياء؛ لأنه لام الفعل.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي {يَأْتِي} بالياء في الوصل، فأما في الوقف فإن ابن كثير يقف بالياء مثل يعقوب، وأبو عمرو ونافع (والكسائي يقفون) بغير ياء.
ولم يُثبت ابن عامر وعاصم وحمزة (الياء) في الحالين.
والوجه في إثبات الياء في الوصل وحذفها في الوقف، فهو إن إثباتها أصلٌ، والوقف في موضع تغيير، فأُجري في الوصل على الأصل وفي الوقف على الحذف لما ذكرنا؛ ولأن حرف العلة يشبه الحركة، فكما تُحذف الحركة في الوقف فكذلك حُذفت هذه الياء في الوقف تشبيهًا لها بالحركة؛ ولأنه وإن لم يكن فاصلة فإنه يشبه الفاصلة.
ووجه حذف الياء في الحالين أنها جُعلت مشبهة بما استُعمل محذوفًا ولم يكن حقه الحذف نحو لم يك، ولا أدر، ولو تر أهل مكة). [الموضح: 657]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 02:27 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة هود
[ من الآية (106) إلى الآية (108) ]

{ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) }

قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106)}

قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)}

قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (15- وقوله تعالى: {أما الذين سعدوا} [108].
قرأ حمزة والكسائي وحفص {سعدوا} بضم السين على ما لم يُسم فاعله. جعلاه من الفعل الذي يصلح للفاعل والمفعول كقولك: نزحت البئر ونزحتها، وجبر الله فلانا فجبر هو [وينشد] قول العجاج:
قد جبر الدين الإله فجبر
وعور الرحمن من ولى العور
فكذلك: سعد زيد، وسعده الله، ومن ذلك قيل: رجل مسعود من سعد.
وقرأ الباقون {سعدوا} بفتح السين. وحجتهم: {أما الذين شقوا} [106] ولم يقل اشقو، والاختيار إذا رددت سعد إلى ما لم يُسم فاعله أن تقول:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/293]
اسعد فلان، لأنك تقول: سعد زيد وأسعده الله، كما تقول: قام زيد وأقامه الله). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/294]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ السين وفتحها من قوله: سعدوا [هود/ 108].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: سعدوا بفتح السين.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: سعدوا بضم السين.
قال أبو علي: حكى سيبويه: سعد يسعد سعادة فهو سعيد، وينبغي أن يكون غير متعدّ، كما أنّ خلافه الذي هو شقي كذلك، وإذا لم يكن متعدّيا لم يجز أن يبنى للمفعول به، لأنك إنما تبني الفعل للمفعول به إذا تعلّق به مفعول به، فأما إذا لم يكن له مفعول فلا يجوز أن تبنيه له، وإذا كان كذلك
[الحجة للقراء السبعة: 4/378]
كان ضمّ السين من سعدوا مستثقلا إلّا أن يكون سمع فيه لغة خارجة عن القياس، أو يكون من باب فعل وفعلته، نحو:
غاض الماء وغضته، وحزن وحزنته، ولعلهم استشهدوا فيه بقولهم: مسعود، وأن مسعودا على سعدوا، ولا دلالة قاطعة على هذا، لأنه يجوز أن يكون مثل: أجنّه الله فهو مجنون، فالمفعول حاء في هذا على أنه حذفت الزيادة منه كما حذف من اسم الفاعل من نحو قوله:
يكشف عن جمّاته دلو الدّال إنّما هو: دلو المدلي.
وكذلك:
ومهمه هالك من تعرّجا في أحد القولين، والقول الآخر: أنهم زعموا أنهم يقولون: هلكني زيد، وأنه من لغة تميم. ومن الحذف قوله:
يخرجن من أجواز ليل غاض
[الحجة للقراء السبعة: 4/379]
يريد: مغض، وكذلك: وأرسلنا الرياح لواقح [الحجر/ 22]، وهي تلقح الشجر، فإذا ألقحتها وجب أن يكون في الجمع: ملاقح، فجاء على حذف الزيادة، فأما قول الطرمّاح:
قلق لأفنان الرّيا... ح للاقح منها وحائل
فإن قوله للاقح ليس على: ألقحتها الريح، فحذفت منها الزيادة كما حذف من قوله:
يخرجن من أجواز ليل غاض ولكنه على معنى النسب تقديره: ذات لقاح منها، وكذلك: حائل ذات حيال، ولذلك حذفت منه التاء لأنها لم تجر على الفعل. ولو كانت الجارية على الفعل لثبتت العلاقة، كما ثبتت في قوله: ولسليمان الريح عاصفة [الأنبياء/ 81] والنسب كقوله: جاءتها ريح عاصف [يونس/ 22] والريح الجنوب تثير السحاب فينبسط ثم ينحلّ، والشمال بعكس هذا، وكذلك مسعود يجوز أن يكون على حذف الزيادة). [الحجة للقراء السبعة: 4/380]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وأما الّذين سعدوا ففي الجنّة}
قرأ حمزة والكسائيّ وحفص {وأما الّذين سعدوا} بضم السّين على ما لم يسم فاعله تقول سعد زيد لازما وسعده الله متعدّيا قال الكسائي سعد واسعد لغتان ومن ذلك رجل مسعود من سعد اعلم أن سعده الله قليل في الاستعمال ومصدره ومفعوله كثير لأن مسعودا في كلام العرب أكثر من مسعد وأسعده الله في كلامهم أكثر من سعده الله فقول مسعود يدل على جواز سعده الله وقراءتهم لا تكون إلّا من سعده الله فغالب الاستعمال في المفعول على الفعل الّذي لا زيادة فيه هو سعد وغالب الاستعمال في الفعل هو اللّفظ الّذي بزيادة الميم وهو أسعد ومثله يقال أحب والاسم منه محب إلّا أنه قل الاسم من أحب وإنّما يقولون محبوب وكثر الفعل منه فيقال أحب وكثر الاسم من حب فيقولون محبوب وقل الفعل منه فلا يقال حب وكذلك سعد قل الفعل منه وكثر الاسم منه وقل الاسم من أسعد فلا يقال مسعد وكثر الفعل منه فيقال أسعد
وقرأ أهل الحجاز والبصرة والشّام وأبو بكر {وأما الّذين سعدوا} بفتح السّين وحجتهم ذكرها اليزيدي فقال يقال ما سعد زيد حتّى أسعده الله وهذه القراءة هي المختارة عند أهل اللّغة يقال
[حجة القراءات: 349]
سعد فلان وأسعده الله وأخرى وهي أنهم أجمعوا على فتح الشين في {شقوا} ولم يقل شقوا فكان رد ما اختلفوا فيه إلى حكم ما أجمعوا عليه أولى ولو كانت بضم السّين كان الأفصح أن يقال أسعدوا). [حجة القراءات: 350]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (25- قوله: {سُعدوا} قرأه حفص وحمزة والكسائي بضم السين، وفتحها الباقون.
وحجة من فتح أن {سعدوا} فعل لا يتعدى، وإذا لم يتعد إلى مفعول لم يردّ إلى ما لم يسمّ فاعله، إذ لا مفعول في الكلام يقوم مقام الفاعل، فهو وجه الكلام والاختيار، وقد قال: {فأما الذين شقوا}، ولم يقل: «أشقوا» ولا «شُقوا» فحمل {سعدوا} على {شقوا} أحسن وأولى.
26- وحجة من ضم السين أنه حمله على لغة حُكيت عن العرب خارجة عن القياس حُكي: سعده الله، بمعنى: أسعده الله، وذلك قليل، وقولهم: مسعود، يدل على «سعده الله» حكى الكسائي: سعدوا وأسعدوا، اللغتان بمعنى). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/536]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (17- {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا} [آية/ 108] بضم السين:
قرأها حمزة والكسائي و-ص- عن عاصم.
والوجه أنه مبنيٌّ للمفعول به من قولهم: سعدت الرجل أسعده سعدًا فهو مسعودٌ، فيكون متعديًّا لسعد كما يقال حزنته فحزن هو.
وقرأ الباقون {سَعِدُوا} بفتح السين.
والوجه أنه فعل لازمٌ مبني للفاعل على وزن فعل، يُقال سعد فلانٌ يسعد سعادةً فهو سعيدٌ، كما يُقال شقي يشقى فهو شقيٌّ). [الموضح: 658]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 02:28 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة هود
[ من الآية (109) إلى الآية (111) ]

{ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آَبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110) وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111) }

قوله تعالى: {فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آَبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109)}

قوله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110)}

قوله تعالى: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (16- وقوله تعالى: {وإن كلا لما ليوفينهم} [111]. قرأ أبو عمرو والكسائي {وإن} مشددًا {لما} خفيفًا.
وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص عن عاصم {وإن كلا لما} شددوا {إن} و{لما} كليهما.
وقرا ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر {وإن} خفيفًا و{لما} خفيفًا إلا عاصمًا فإنه شدد {لما}. فمن خفف {إن} جعله مخففًا من مشدد فلذلك نصب {كلا} به. كما تقول العرب: إن زيدًا قائم، يريدون: إن زيدًا، قال الشاعر:
وصدر مشرق اللون = كأن ثدييه حقان
أراد: «كأن» فخفف، هذا مذهب البصريين، والكوفيون إذا خففوا «إن» لم يعملوا، فعلى هذا نصب {كلا} بــ {ليوفينهم}.
وقال آخر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/294]
فلو أنك في يوم الرخاء سألتني = فراقك لم أبخل وأنت صديق
أراد: أنك فخفف.
فإن قال قائل: إنما نصبته بـ «أن» تشبيهًا بالفعل فإذا خففت زال شبه الفعل فلم نصبت بها؟
فالجواب: أن من الأفعال ما يحذف منه فيعمل عمل التام كقولك: خذ المال، وقل الحق، ومر زيدًا، وسل عمرًا وع كلامي، وش ثوبك، وق زيدًا فكذلك «إن» جاز حذفها وإعمالها.
وأما من شدد «لما» ففيه وجهان:
قال البصريون: «لما» بمعنى «إلا»، ومثله: {إن كل نفس لما عليها حافظ} أي جمالاً عليها حافظ.
وحدثني ابن مجاهد قال: حدثنا الصغاني عن عبد الوهاب عن هارون قال في حرف عبد الله {وإن كل} بالرفع {إلا ليوفينهم}، وقال الفراء: الأصل: وإن كلا لمن ما، فقلبوا من النون ميمًا فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفوا إحداهن اختصارًا.
ومن خفف فيه وجهان أيضًا:
قال البصريون: «ما» صلة و[التقدير]: وإن كلاً ليوفينهم، وإن كل
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/295]
نفس لعليها حافظ. وقال الفراء: «ما» صفة عن ذات الآدميين كما تقول: عندي لما غيره خير منه.
وقرأ الزهري: {وإن كلا لما ليوفينهم} [«لما»] منونًا بمعنى جميعًا وكله). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/296]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد الميم والنون من قوله: وإن كلا لما [هود/ 111].
فقرأ ابن كثير ونافع: وإن* خفيفة، كلا لما* مخفّفتان.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر ونافع: وإن كلا خفيفة، لما مشدّدة.
[الحجة للقراء السبعة: 4/380]
وقرأ حمزة والكسائيّ: وإن مشدّدة النون، واختلفا في الميم من لما، فشدّدها حمزة، وخفّفها الكسائيّ.
وقرأ أبو عمرو مثل قراءة الكسائيّ، حفص عن عاصم وإن مشدّدة النون. لما مشدّدة أيضا.
وقرأ ابن عامر مثل قراءة حمزة.
قال أبو علي: قال سيبويه: هذه كلمة تكلّم بها العرب في حال اليمين، وليس كلّ العرب يتكلّم بها، تقول: لهنّك لرجل صدق، يريدون: إنّ، ولكنّهم أبدلوا الهاء مكان الألف لقولهم: هرقت، ولحقت هذه اللام إنّ كما لحقت ما حين قلت: إن زيدا لما لينطلقنّ.
قال أبو علي: اعلم أن أبا زيد قوله في ذلك خلاف ما ذهب إليه سيبويه، وذلك أنه قال: قال أبو أدهم الكلابي: «له ربّي لا أقول» فتح اللام وكسر الهاء في الإدراج، قال أبو زيد:
ومعناه: والله ربي لا أقول. وأنشد أبو زيد:
لهنّي لأشقى الناس إن كنت غارما... لدومة بكرا ضيّعته الأراقم
[الحجة للقراء السبعة: 4/381]
وأنشد أبو زيد أيضا:
أبائنة حبّي نعم وتماضر... لهنّا لمقضيّ علينا التهاجر
قال: يقول لله أنا، وأنشد:
وأمّا لهنّك من تذكّر عهدها* لعلى شفا يأس وإن لم تيأس انتهى كلام أبي زيد. فاللام في له على قول أبي زيد، هي اللام التي هي عين الفعل، من إله. وكان الأصل لله فحذفت الجارة التي للتعريف فبقيت: له يا هذا.
فأما ألف فعال، فحذفت كما حذفت في الممدود إذا قصر، وقد قالوا: الحصد والحصاد وقد حذفت من هذا الاسم في غير هذا الموضع، قال:
ألا لا بارك الله في سهيل* إذا ما الله بارك في الرجال
[الحجة للقراء السبعة: 4/382]
وقد وافق سيبويه أبا زيد في حذف هاتين اللامين، فذهب في قولهم: «لاه أبوك» إلى أن الألف واللام التي للتعريف حذفتا، وممّا يرجّح قول أبي زيد في المسألة أنه لو كانت الهاء في لهنّك بدلا من همزة إنّ لكان اللفظ: لإنك، فجمع بين إنّ واللام، ولم يجمع بينهما، ألا ترى أنهما إذا اجتمعتا فصل بينهما بأن تؤخر اللام في الخبر في نحو: إن الإنسان ليطغى [العلق/ 6]، أو إلى الاسم في نحو: إن في ذلك لآية [الحجر/ 77 والنحل/ 11 - 13 - 65 - 67 - 69] فإن قلت: يكون قلبها هاء بمنزلة الفصل بينهما فيما ذكرت، فإذا قلبت لم يمتنع الجمع بينهما، كما أنه إذا فصل لم يمتنع؛ قيل:
هذا لا يسوغ تقديره، ألا ترى أن سيبويه جعل الهاء إذا كانت بدلا من الهمزة في حكم الهمزة، فذهب إلى أنك لو سمّيت رجلا بهرق، كان بمنزلة أن تسمّيه: بأرق، فجعل الهاء إذا أبدلت من الهمزة في حكم الهمزة، فكذلك يكون في لهنّك لو كانت بدلا من الهمزة، لم يجز دخول اللام عليها، كما لم يجز دخول اللام قبل أن تبدل، وكذلك فعلت العرب في هذا النحو فلم يصرفوا صحراء وطرفاء لما أبدلوا الهمزة من ألف التأنيث، كما لم يصرفوا نحو: رضوى وتترى، وكذلك قال أبو الحسن: لو أبدلت اللام من النون في أصيلان، فقلت: أصيلال ثم سمّيت به لم تصرف كما لم تصرف أصيلان في التسمية، فكذلك
[الحجة للقراء السبعة: 4/383]
تمتنع اللام من أن تدخل على الراء إذا أبدلت همزتها هاء، كما تمتنع من الدخول قبل أن تبدل، وشيء آخر يرجح له قول أبي زيد: وهو أن اللام في لهنك إذا حمل على أنه لإنك، كما قال سيبويه، لم يخل من أن تكون متلقّية قسما أو غير متلقّية له، فلا يجوز أن تكون متلقّية لقسم، وإنّ تغني عنها، كما تغني هي عن إنّ فلا يجوز إذا أن تكون لتلقّي قسم، ولا يجوز أن تكون غير متلقّية له لأنها حينئذ تكون زائدة ولم تجىء اللام زائدة في هذا الموضع، وإنما جاءت زائدة في غير هذا، وهو فيما أنشده أحمد بن يحيى:
مرّوا سراعا فقالوا كيف صاحبكم* قال الذي سألوا أمسى لمجهودا وهي قليلة وليس يدخل هذا على قول أبي زيد، فأما قول سيبويه: ولحقت هذه اللام إنّ كما لحقت ما حين قلت: إنّ زيدا لما لينطلقنّ؛ فالقول فيه أن اللام التي في: لما لينطلقن، ليست كاللام في: لهنّك، على قول سيبويه، ألا ترى أن اللام التي في: لما لينطلقنّ، هي اللام التي تقتضيه إنّ، واللام الأخرى هي التي لتلقي القسم، ودخلت ما لتفصل بين
[الحجة للقراء السبعة: 4/384]
اللامين، لأنه إذا كره أن تجتمع اللام وإنّ، مع اختلاف لفظيهما لاتفاقهما في بعض المعنى، ففصل بينهما، فأن يفصل بين اللامين مع اتفاق اللفظين وبعض المعنيين أجدر، فليس اللام في لما لينطلقنّ وفق اللام في لهنّك، لأنها في: لما لينطلقنّ لام إنّ والثانية لام القسم، ولا تكون في قوله: لهنّك، لام يمين لأن إنّ يستغنى بها عن اللام، كما يستغنى باللام عن إنّ فتحصل اللام زائدة، والحكم بزيادتها ليس بالمتّجه، وليست كذلك التي في: لما لينطلقنّ، والتي في قوله: وإن كلا لما ليوفينهم.
ومن قرأ: وإن كلا لما بتشديد إن، وتخفيف لما*، وهي قراءة أبي عمرو والكسائي، فوجهه بيّن، وهو أنّه نصب كلّا بإنّ، وإنّ تقتضي أن يدخل على خبرها أو اسمها لام كما مثلتها قبلها في ذلك هذه اللام وهي لام الابتداء على الخبر في قوله: وإن كلا لما وقد دخلت في الخبر لام أخرى وهي التي يتلقّى بها القسم، وتختصّ بالدخول على الفعل، ويلزمها في أكثر الأمر إحدى النونين، فلما اجتمعت اللامان، واتفقا في تلقّي القسم، واتفقا في اللفظ، فصل بينهما بما، كما فصل بين إنّ واللام، فدخلت ما لهذا المعنى، وإن كانت زائدة لتفصل، وكما جلبت النون، وإن كانت زائدة في نحو: فإما ترين من البشر [مريم/ 26]، وكما صارت عوضا من الفعل في قولهم: إمّا لي، وفي قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 4/385]
أبا خراشة إمّا أنت ذا نفر فهذا بيّن. ويلي هذا الوجه في البيان قول من خفف إن ونصب كلا وخفّف لما*، وهي قراءة ابن كثير ونافع، قال سيبويه: حدثنا من نثق به أنه سمع من العرب من يقول:
إن عمرا لمنطلق، قال: وأهل المدينة يقرءون: وإن كلا لما ليوفينهم ربك يخففون وينصبون، كما قالوا:
كأن ثدييه حقان ووجه النصب بها مع التخفيف من القياس أنّ إنّ مشبهة في نصبها بالفعل، والفعل يعمل محذوفا، كما يعمل غير محذوف، وذلك في نحو: لم يك زيد منطلقا و: فلا تك في مرية [هود/ 109] وكذلك: لا أدر.
فأما من خفف إن* ونصب كلا* وثقّل لما* فقراءته
[الحجة للقراء السبعة: 4/386]
مشكلة، وذلك أنّ إن* إذا نصب بها وإن كانت مخفّفة، كانت بمنزلتها مثقّلة، ولما* إذا شدّدت كانت بمنزلة إلّا.
وكذلك قراءة من شدّد لما وثقّل إن مشكلة، وهي قراءة حمزة وابن عامر وحفص عن عاصم، وذلك أنّ إن إذا ثقّلت وإذا خففت ونصبت، فهي في معنى الثقيلة، فكما لا يحسن: إنّ زيدا إلا منطلق، فكذلك لا يحسن تثقيل إن وتثقيل لما، فأمّا مجيء لما في قولهم: نشدتك الله لما فعلت، وإلّا فعلت، فقال الخليل: الوجه: لتفعلنّ، كما تقول:
أقسمت عليك، لتفعلنّ، وأما دخول إلا، ولما، فلأن المعنى الطلب، فكأنه أراد: ما أسألك إلا فعل كذا، فلم يذكر حرف النفي في اللفظ، وإن كان مرادا، كما كان مرادا في:
قولهم: «أهرّ ذا ناب » أي ما أهرّه إلا شرّ، وليس في الآية معنى نفي ولا طلب.
فإن قال قائل: يكون المعنى: لمن ما، فأدغم النون في الميم بعد ما قلبها ميما؛ فإن ذلك لا يسوغ، ألا ترى أن الحرف المدغم إذا كان قبله ساكن نحو: قرم مالك، لم يقو الإدغام فيه على أن يحرّك الساكن الذي قبل الحرف المدغم، فإذا لم يجز ذلك فيه، وكان تغييرا أسهل الحذف؛ فأن لا يجوز الحذف الذي هو أذهب في باب التغيير من تحريك الساكن أجدر. على أنّ في هذه السورة ميمات اجتمعت في الإدغام،
[الحجة للقراء السبعة: 4/387]
أكثر ممّا كان يجتمع في: لمن ما، ولم يحذف منها شيء، وذلك قوله: على أمم ممن معك [هود/ 48]، فإذا لم يحذف شيء من هذا، فأن لا يحذف ثمّ أجدر.
وقد روي أنّه قد قرئ: وإن كلا لما منوّنا، كما قال:
وتأكلون التراث أكلا لما [الفجر/ 19]، فوصف بالمصدر، فإن قال: إنّ لما فيمن ثقّل إنّما هي لمّا هذه وقف عليها بالألف ثم أجرى الوصل مجرى الوقف، فذلك ممّا يجوز في الشعر، ووجه الإشكال فيه أبين من هذا الوجه.
وحكي عن الكسائيّ. أنه قال: لا أعرف وجه التثقيل في لمّا. ولم يبعد في ما قال، ولو خفّف مخفّف إن* ورفع كلّا بعدها، لجاز تثقيل لما* مع ذلك، على أن يكون المعنى: ما كلّ: إلّا ليوفّينّهم، فيكون ذلك كقوله: وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا [الزخرف/ 35]، لكان ذلك أبين من النصب في كلّ والتثقيل للمّا، وينبغي أن يقدّر المضاف إليه كلّ نكرة، ليحسن وصفه بالنكرة، ولا يقدّر إضافته إلى معرفة فيمتنع أن يكون لمّا وصفا له، ولا يجوز أن يكون حالا لأنه لا شيء في الكلام عاملا في الحال). [الحجة للقراء السبعة: 4/388]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الزهري وسليمان بين أرقم: [لَمًّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ] بالتنوين. ابن مسعود والأعمش: [إِنْ كُلٌّ إِلَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ].
قال أبو الفتح: أما [لَمًّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ] بالتنوين، فإنه مصدر كالذي في قوله سبحانه: {وَيأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا} أي: أكلًا جامعًا لأجزاء المأكول، فكذلك تقدير هذا: وإنَّ كلا ليوفينهم ربك أعمالهم لَمًّا؛ أي: توفية جامعة لأعمالهم جميعًا، ومحصلة لأعمالهم تحصيلًا، فهو كقولك: قيامًا لأقومن، وقعودًا لأقعدن.
وأما [إِنْ كُلٌّ إِلَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ] فمعناه: ما كُلٌّ إلا والله ليوفينهم، كقولك: ما زيد إلا لأضربنه؛ أي: ما زيد إلا مستحق لأن يقال فيه هذا، ويجوز فيه وجه ثانٍ؛ وهو أن تكون "إن" مخففة من الثقيلة، وتجعل "إلا" زائدة، وقد جاء عنهم ذلك، قال:
أرى الدهر إلا منجنونا بأهله ... وما طلب الحاجات إلا مُعَلَّلا
[المحتسب: 1/328]
أي: أرى الدهر منجنونًا بأهله يتقلب بهم، فتارة يرفعهم، وتارة يخفضهم. وعلى ذلك أيضًا تأولوا قول ذي الرمة:
حَراجيجُ ما تنفك إلا مُنَاخَةً ... على الْخَسف أو تَرْمي بها بلدًا فقرا
أي: ما تنفك مناخة، وإلا زائدة). [المحتسب: 1/329]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم}
وقرأ أبو عمرو والكسائيّ {وإن كلا لما} بتشديد {إن} وتخفيف {لما} وجهه بين وهو أنه نصب {كلا} ب {إن} و{إن} تقتضي أن تدخل على خبرها اللّام أو على اسمه إذا حل محل الخبر فدخلت هذه اللّام وهي لام الابتداء على الخبر في قوله {وإن كلا لما} وقد دخلت في الخبر لام أخرى وهي لام القسم وتختص بالدّخول على الفعل ويلزمها في أكثر الأمر إحدى النونين فلمّا اجتمعت اللامان فصل بينهما ب ما فلام لما لام إن وما دخلت للتوكيد ولم تغير المعنى ولا العمل واللّام الّتي في {ليوفينهم} لام القسم
وقال أهل الكوفة في ما الّتي في {لما} وجهان أحدهما أن يكون بمعنى من أي {وإن كلا لما ليوفينهم ربك} كما قال سبحانه {فانكحوا ما طاب لكم من النّساء} وإن أكثر استعمال العرب لها في غير بني آدم والوجه الآخر أن يجعل ما الّتي في لما بمعنى ما الّتي تدخل صلة في الكلام ويلي هذا الوجه في البيان قراءة نافع وابن كثير
فأما تخفيف {إن} وترك النصب على حاله فلأن إن مشبهة بالفعل فإذا حذف التّشديد بقي العمل على حاله وهي مخفّفة من
[حجة القراءات: 350]
إن قال سيبويهٍ حدثني من أثق به أنه سمع من العرب من يقول إن عمرا لمنطلق
فإن سأل سائل فقال إنّما نصبت ب إن تشبيها بالفعل فإذا خففت زال شبه الفعل فلم نصبت بها
فالجواب أن من الأفعال ما يحذف منه فيعمل عمل التّام كقولك لم يك زيد منطلقًا فكذلك إن جاز حذفها وإعمالها
وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص {كلا لما} بالتّشديد فيها قال الكسائي من شدد {إن} و{لما} فالله أعلم بذلك وليس لي به علم وقال الفراء أما الّذين شدّدوا فإنّه والله أعلم لمما ثعلب يروي بكسر الميم لمن أراد لمن ما ليوفينهم فلمّا اجتمعت الميمات حذفت واحدة فبقيت ثنتان أدغمت واحدة في الأخرى كما قال الشّاعر:
وإنّي لمما أصدر الأمر وجهه ... إذا هو أعيا بالسبيل مصادره
وقال آخرون معنى ذلك وإن كلا لما بالتّشديد أراد لما بالتّنوين ولكن حذف منه التّنوين كما حذف من قوله {أرسلنا رسلنا تترا}
قال الفراء وحدثت أن الزّهريّ قرأ {وإن كلا لما} بالتّنوين يجعل اللم شديدا كقوله {أكلا لما} أي شديدا فيكون
[حجة القراءات: 351]
المعنى وإن كلا شديدا وحقا ليوفينهم أعمالهم بمنزلة قولك في الكلام وإن كلا حقًا ليوفينهم
وقال آخرون منهم المازني إن أصلها لمما ثمّ شددت الميمين زيادة للتوكيد وكيلا يحذفها الإنسان ويشبهها بقوله {فبما رحمة من الله} فيقول وإن كلا ليوفينهم فيجتمع لامان فلهذا شددت
قال الفراء وأما من جعل لما بمنزلة إلّا فإنّه وجه لا نعرفه كما لا يحسن إن زيدا إلّا منطلق فكذلك لا يحسن وإن كلا إلّا ليوفينهم شرح هذا أن إن إثبات للشّيء وتحقيق له وإلّا تحقيق أيضا وإيجاب وإنّما تدخل نقضا لجحد قد تقدمها كقولك ما زيد إلّا منطلق وكقوله {إن كل نفس لما عليها حافظ} أي ما كل نفس إلّا عليها حافظ وفي قوله تعالى {وإن كلا لما} لم يتقدمه حرف جحد فيقول إن لما بمعنى إلّا كما ذكرنا وإنّما تقدم ها هنا إن الّتي للتحقيق فقد بطل قول من قال إن لما بمعنى إلّا ووجهها ما قد ذكرنا عن أهل النّحو
وقرأ أبو بكر {وإن كلا} خفيفة {لما} مشدّدة و{إن} مخفّفة من إن وقد ذكرنا أن العرب تقول إن عمرا لمنطلق ولا يجوز أن يجعل إن بمعنى الّتي تكون بمعنى الجحد لأنّها قد نصبت وإن إذا كانت بمعنى الجحد لا تنصب
قال الكسائي من خفف إن وشدد لما لست أدري
[حجة القراءات: 352]
والله أعلم بوجهه إنّما نقرأ كما أقرئنا قال وذلك أن إن إذا نصبت بها وإن كانت مخفّفة كانت بمنزلتها مثقلة ولما إذا شددت كانت بمنزلة إلّا قلت وجه هذه القراءة ما قد ذكرنا في قراءة حمزة وابن عامر والله أعلم). [حجة القراءات: 353]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (27- قوله: {وإن كلاً} قرأه الحرميان وأبو بكر: وإن كلا بتخفيف {إن} وشدد الباقون، وقرأ عاصم وحمزة وابن عامر {لما} بالتشديد،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/536]
وخفف الباقون.
وحجة من شدد {إن} أنه أتى بها على أصلها، وأعملها في «كل ولما» وما بعد الخبر.
28- وحجة من خفف أنه استثقل التضعيف، فخفف وحذف النون الثانية وأعمل {إن} مخففة عملها مثقلة كما أعمل «يك» محذوفًا عمله غير محذوف.
29- وحجة من خفف {لما} أنه جعل اللام لام توكيد، دخلت على «ما» التي هي خبر «إن» ولام {ليوفينهم} جواب القسم، والتقدير: وإن كلا لخلق أو لبشر ليوفينهم ربك أعمالهم والمضاف إليه كل محذوف، والتقدير: وإن كل مخلوق، ولا يحسن أن تكون «ما» زائدة، كما يحسن ذلك في قوله: {إن كل نفسٍ لما عليها} «الطارق 4» لأنك إذا قدّرت حذف «ما» في سورة الطارق صارت اللام داخلة على «كل» وذلك حسن، ولو قدّرت زيادة «ما» في هذه السورة صارت اللام داخلة على اللام في {ليوفينهم} وذلك لا يحسن، وقد قيل: إن «ما» زائدة، دخلت لتفصل بين اللامين الداخلتين على الخبر، وهو «يوفينهم» فكلا اللامين تكون جوابًا للقسم، فلما اتفقا في اللفظ فصل بينهما بـ «ما» والقول الأول أحسن.
30- وحجة من شدد {لما} أنه على تقدير حذف ميم، والأصل «لمن ما» فلما أدغمت النون في الميم اجتمع ثلاث ميمات فحذفت إحداهن، وهي الأولى المكسورة، لاجتماع الأمثال، والتقدير: وإن كلا لمن خلق ليوفينهم ربك، ويجوز أن يكون الأصل «لمن ما» بفتح الميم، على أن «ما» زائدة، ثم يقع الإدغام والحذف على ما ذكرنا، والتقدير: وإن كلا لخلق ليوفينهم ربك فيرجع إلى معنى القراءة الأولى التي بالتخفيف، وقد قيل: إن «لما» بالتشديد مصدر «لم» أجري في الوصل مجرى الوقف، وهو قول ضعيف في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/537]
الإعراب، لا يجوز إلا في الشعر، وضعيف في المعنى، وحكي عن الكسائي أنه قال: لا أعرف وجه التثقيل في {لما}، ولو خففت {إن} ورفعت {كلا} لحسن معنى {لما} بالتشديد على معنى {إلا} كالذي في سورة الطارق وسورة يس). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/538]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (18- {وَإِنْ كُلًّا لَمَا} [آية/ 111] مخففة في الحرفين {إنْ} و{لَمَا}:
قرأها ابن كثير ونافع.
والوجه أن {أنْ} مخففة من الثقيلة، وأصله: إنَّ، أُعملت مخففة كعملها مشددة؛ لأنها تعمل لشبهها بالفعل، والفعل يعمل وإن حُذف منه للجزم وغيره.
واللام في {لَمَا} هي لام التأكيد التي تدخل على خبر إنّ، واللام التي في {لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} لام القسم، والقسم مضمر، والتقدير: والله ليوفينهم، و{ما} زائدة، زيدت بين اللامين ليُفصل بينهما كراهة اجتماعهما.
[الموضح: 658]
وقرأ أبو عمر والكسائي ويعقوب {وَإِنَّ} مشددة {لَمَا} مخففة.
والوجه أنها كالقراءة الأولى، وتشديد {إنَّ} أصل للتخفيف، والمشددة أولى بأن تعمل؛ لأنها إذا خُفّفت ضعف عملها؛ لأن الفتحة التي بها أشبهت الفعل قد زالت، فالقياس أن لا تعمل، إلا أنها قد أُعملت مخففة في مواضع كثيرة، والحجة فيها ما تقدم، فمن تلك المواضع قول الشاعر:
56- ووجهٌ زانه النحر = كأن ثدييه حقّان
وقول الآخر:
57- فيومًا توافينا بوجهٍ مقسمٍ = كأن ظبيةٌ تعطو إلى وراق السلم
[الموضح: 659]
وإعمالها مخففة في الظاهر والمضمر جائز عند سيبويه.
وقال الفراء: هي لا تعمل مخففة إلا في المضمر؛ لأنه لا يتبين فيه الإعراب، كما قال:
58- فلو أنك في يوم اللقاء سألتني = فراقك لم أبخل وأنت صديق
وقرأ ابن عامر وحمزة و-ص- عن عاصم {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا} مشددةً في الحرفين.
والوجه أن الأصل فيه: وإن كلّا لمن ما ليوفينهم، فوصل من الجارة بما، فانقلبت النون أيضًا ميمًا للإدغام، فاجتمعت ثلاث ميماتٍ، فحُذفت إحداهن فبقي لما بالتشديد، وما ههنا بمعنى مَنْ، وهو اسم لجماعة الناس، كما قال تعالى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} أي من طاب.
والمعنى: وإن كلّا من الذين يوفيهم ربك أعمالهم، وأو من جماعةٍ ليوفينهم ربك أعمالهم.
وروى ياش- عن عاصم {وَإِنْ} بالتخفيف و{لَمَّا} بالتشديد.
[الموضح: 660]
والوجه أن {إِنْ} بالتخفيف على ما سبق من أنها مخففة من الشديدة، و{لما} على ما ذكرنا من أن أصله مِنْ ما، واللام هي التي تدخل في خبر إن، واللام في {ليوفينهم} هي لام القسم على ما سبق في الجميع، والتقدير: وإن كلّا لمن ما والله ليوفينهم ربك أعمالهم). [الموضح: 661]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:08 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة