العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنعام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 10:28 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأنعام [ من الآية (160) إلى الآية (163) ]

{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160) قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 10:12 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)}
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني حفص بن عمر عن يونس بن يزيد عن ابن شهابٍ في قول اللّه: {من جاء بالحسنة فله خيرٌ منها ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار}، يقول: من جاء بشهادة ألا إله إلا اللّه، فهي الحسنة، ومن جاء بالشّرك، فهي السّيّئة، وذكر أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دعا أبا طالبٍ إلى شهادة ألا إله إلا اللّه عند موته، ثمّ ذكر قول النّبيّ لمعاذ بن جبلٍ حين بعثه إلى نجران، فقال: إنّ يهودًا سيأتونك فيسألونك عن مفتاح هذا الأمر، فقل: شهادة ألا إله إلا اللّه). [الجامع في علوم القرآن: 2/ 60]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا ابن أبي عمر، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «قال اللّه عزّ وجلّ وقوله الحقّ: إذا همّ عبدي بحسنةٍ فاكتبوها له حسنةً، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها، وإذا همّ بسيّئةٍ فلا تكتبوها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، فإن تركها، وربّما قال: فإن لم يعمل بها، فاكتبوها له حسنةً» ثمّ قرأ: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/ 115]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}
- أخبرنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا سفيان، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: « قال الله تعالى: إذا همّ عبدي بحسنةٍ فاكتبوها له، فإن عملها فاكتبوها بعشر أمثالها، وإذا همّ بسيّئةٍ فلا تكتبوها، فإن عملها فاكتبوها واحدةً، وإن تركها فاكتبوها حسنةً »).[السنن الكبرى للنسائي: 10/ 98]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسّيّئة فلا يجزى إلاّ مثلها وهم لا يظلمون}.
يقول تعالى ذكره: من وافى ربّه يوم القيامة في موقف الحساب من هؤلاء الّذين فارقوا دينهم وكانوا شيعًا بالتّوبة والإيمان والإقلاع عمّا هو عليه مقيمٌ من ضلالته، وذلك هو الحسنة الّتي ذكرها اللّه فقال: من جاء بها فله عشر أمثالها.
ويعني بقوله: {فله عشر أمثالها} فله عشر حسناتٍ أمثال حسنته الّتي جاء بها. {ومن جاء بالسّيّئة}؛ يقول: ومن وافى يوم القيامة منهم بفراق الدّين الحقّ والكفر باللّه، فلا يجزى إلاّ ما ساءه من الجزاء، كما وافى اللّه به من عمله السّيّئ.
{وهم لا يظلمون}؛ يقول: ولا يظلم اللّه الفريقين: لا فريق الإحسان، ولا فريق الإساءة، بأن يجازي المحسن بالإساءة والمسيء بالإحسان، ولكنّه يجازي كلا الفريقين من الجزاء ما هو له، لأنّه جلّ ثناؤه حكيمٌ لا يضع شيئًا إلاّ في موضعه الّذي يستحقّ أن يضعه فيه، ولا يجازي أحدًا إلاّ بما يستحقّ من الجزاء.
وقد دلّلنا فيما مضى على أنّ معنى الظّلم وضع الشّيء في غير موضعه بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع.
فإن قال قائلٌ: فإن كان الأمر كما ذكرت من أنّ معنى الحسنة في هذا الموضع الإيمان باللّه والإقرار بوحدانيّته والتّصديق برسوله، والسّيّئة فيه الشّرك به والتّكذيب لرسوله، فللإيمان أمثالٌ فيجازى بها المؤمن، وإن كان له مثلٌ فكيف يجازى به، والإيمان إنّما هو عندك قولٌ وعملٌ، والجزاء من اللّه لعباده عليه الكرامة في الآخرة، والإنعام عليه بما أعدّ لأهل كرامته من النّعيم في دار الخلود، وذلك أعيانٌ ترى وتعاين وتحسّ ويلتذّ بها، لا قولٌ يسمع ولا كسب جوارح؟
قيل: إنّ معنى ذلك غير الّذي ذهبت إليه، وإنّما معناه: من جاء بالحسنة فوافى اللّه بها له مطيعًا، فإن له من الثّواب ثواب عشر حسناتٍ أمثالها.
فإن قلت: فهل لقول لا إله إلاّ اللّه من الحسنات مثلٌ؟
قيل: له مثلٌ هو غيره، وليس له مثلٌ هو قول لا إله إلاّ اللّه، وذلك هو الّذي وعد اللّه جلّ ثناؤه من أتاه به أن يجازيه عليه من الثّواب بمثل عشرة أضعاف ما يستحقّه قائله، وكذلك ذلك فيمن جاء بالسّيّئة الّتي هي الشّرك، إلاّ أن لا يجازى صاحبها عليها إلاّ ما يستحقّه عليها من غير إضعافه عليه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب القمّيّ، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: لمّا نزلت: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}؛ قال رجلٌ من القوم: فإنّ (لا إله إلاّ اللّه) حسنةٌ؟ قال: نعم، أفضل الحسنات.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حفص بن غياثٍ، عن الأعمش، والحسن بن عبيد اللّه، عن جامع بن شدّادٍ، عن الأسود بن هلالٍ، عن عبد اللّه: {من جاء بالحسنة}: لا إله إلاّ اللّه.
- حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا حفصٌ، قال: حدّثنا الأعمش، والحسن بن عبيد اللّه، عن جامع بن شدّادٍ، عن الأسود بن هلالٍ، عن عبد اللّه، قال: {من جاء بالحسنة} قال: من جاء بلا إله إلاّ اللّه، قال: {ومن جاء بالسّيّئة} قال: الشّرك.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن الحسن بن عبيد اللّه، عن جامع بن شدّادٍ، عن الأسود بن هلالٍ، عن عبد اللّه: {من جاء بالحسنة}، قال: لا إله إلاّ اللّه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا معاوية بن عمرٍو المعنى عن زائدة، عن عاصمٍ، عن شقيقٍ: {من جاء بالحسنة} قال: لا إله إلاّ اللّه كلمة الإخلاص. {ومن جاء بالسّيّئة} قال: الشّرك.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، عن أشعث، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ، وعن عثمان بن الأسود، عن مجاهدٍ، والقاسم بن أبي بزّة: {من جاء بالحسنة}؛ قالوا: لا إله إلاّ اللّه كلمة الإخلاص. {ومن جاء بالسّيّئة}؛ قالوا: بالشّرك وبالكفر.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، وابن فضيلٍ، عن عبد الملك، عن عطاءٍ: {من جاء بالحسنة}؛ قال: لا إله إلاّ اللّه. {ومن جاء بالسّيّئة} قال: الشّرك.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا جابر بن نوحٍ، قال: حدّثنا موسى بن عبيدة، عن محمّد بن كعبٍ: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}؛ قال: لا إله إلاّ اللّه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي المحجّل، عن إبراهيم: {من جاء بالحسنة}؛ قال: لا إله إلاّ اللّه. {ومن جاء بالسّيّئة}؛ قال: الشّرك.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ قال: حدّثنا سفيان، عن أبي المحجّل، عن أبي معشرٍ، عن إبراهيم، مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن أبي المحجّل، عن إبراهيم، مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا جريرٌ، عن أبي المحجّل، عن أبي معشرٍ قال: كان إبراهيم يحلف باللّه ما يستثني، أنّ {من جاء بالحسنة}: لا إله إلاّ اللّه، {ومن جاء بالسّيّئة}: من جاء بالشّرك.
- حدّثني يعقوب قال: حدّثنا هشيمٌ قال: أخبرنا عبد الملك، عن عطاءٍ، في قوله: {من جاء بالحسنة} قال: كلمة الإخلاص: لا إله إلاّ اللّه {ومن جاء بالسّيّئة} قال: بالشّرك.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، وحدّثنا المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، جميعًا عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ: {من جاء بالحسنة} قال: لا إله إلاّ اللّه. {ومن جاء بالسّيّئة} قال: الشّرك.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن عثمان بن الأسود، عن القاسم بن أبي بزّة، {من جاء بالحسنة} قال: كلمة الإخلاص {ومن جاء بالسّيّئة} قال: الكفر.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سلمة، عن الضّحّاك: {من جاء بالحسنة} قال: لا إله إلاّ اللّه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن أشعث، عن الحسن: {من جاء بالحسنة} قال: لا إله إلاّ اللّه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن سالمٍ، عن سعيدٍ:
{من جاء بالحسنة} قال: لا إله إلاّ اللّه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله:
{من جاء بالحسنة} يقول: من جاء بلا إله إلاّ اللّه. {ومن جاء بالسّيّئة} قال: الشّرك.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسّيّئة فلا يجزى إلاّ مثلها وهم لا يظلمون}: ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: «الأعمال ستّةٌ: موجبةٌ وموجبةٌ، ومضعّفةٌ ومضعّفةٌ، ومثلٌ ومثلٌ. فأمّا الموجبتان: فمن لقي اللّه لا يشرك به شيئًا دخل الجنّة، ومن لقي اللّه مشركًا به دخل النّار، وأمّا المضعّف والمضعّف: فنفقة المؤمن في سبيل اللّه سبع مائة ضعفٍ، ونفقته على أهل بيته عشر أمثالها. وأمّا مثلٌ ومثلٌ: فإذا همّ العبد بحسنةٍ فلم يعملها كتبت له حسنةً، وإذا همّ بسيّئةٍ ثمّ عملها كتبت عليه سيّئةً».
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا الأعمش، عن شمر بن عطيّة، عن شيخٍ، من التّيم، عن أبي ذرٍّ، قال: قلت: يا رسول اللّه، علّمني عملاً يقرّبني إلى الجنّة ويباعدني من النّار، قال:« إذا عملت سيّئةً فاعمل حسنةً، فإنّها عشر أمثالها»، قال: قلت: يا رسول اللّه، لا إله إلاّ اللّه من الحسنات؟ قال: «هي أحسن الحسنات».
وقال قومٌ: عني بهذه الآية: الأعراب، فأمّا المهاجرون، فإنّ حسناتهم سبع مائة ضعفٍ أو أكثر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا معاذ بن هشامٍ، قال: حدّثنا أبي، عن قتادة، عن أبي الصّدّيق النّاجيّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، في قوله: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} قال: هذه للأعراب، وللمهاجرين سبع مائةٍ.
- حدّثنا محمّد بن نشيط بن هارون الحربيّ، قال: حدّثنا يحيى بن أبي بكرٍ، قال: حدّثنا فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة العوفيّ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، قال: نزلت هذه الآية في الأعراب: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}، قال: قال رجلٌ: فما للمهاجرين؟ قال: ما هو أعظم من ذلك: {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا}، وإذا قال اللّه لشيءٍ عظيمٍ، فهو عظيمٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن سعدٍ، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، قال: نزلت هذه الآية: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} وهم يصومون ثلاثة أيّامٍ من الشّهر، ويؤدّون عشر أموالهم، ثمّ نزلت الفرائض بعد ذلك: صوم رمضان والزّكاة.
فإن قال قائلٌ: وكيف قيل عشر أمثالها، فأضيف العشر إلى الأمثال، وهي الأمثال، وهل يضاف الشّيء إلى نفسه؟
قيل: أضيفت إليها لأنّه مرادٌ بها: فله عشر حسناتٍ أمثالها، فالأمثال حلّت محلّ المفسّر، وأضيف العشر إليها، كما يقال: عندي عشر نسوةٍ، فلأنّه أريد بالأمثال الآيات، وأقيمت الأمثال مقامها، فقيل: {عشر أمثالها}، فأخرج العشر مخرج عدد الآيات، والمثل مذكّرٌ لا مؤنّثٌ، ولكنّها لمّا وضعت موضع الآيات، وكان المثل يقع للمذكّر والمؤنّث، فجعلت خلفًا منها، فعل بها ما ذكرت، ومن قال: عندي عشر أمثالها، لم يقل: عندي عشر صالحاتٍ، لأنّ الصّالحات فعلٌ لا يعدّ، وإنّما تعدّ الأسماء والمثل اسمٌ، ولذلك جاز العدد به.
وقد ذكر عن الحسن البصريّ أنّه كان يقرأ ذلك: (فله عشرٌ) بالتّنوين (أمثالها) بالرّفع، وذلك على وجهٍ صحيحٍ في العربيّة، غير أنّ القرّاء في الأمصار على خلافها، فلا نستجيز خلافها فيما هي عليه مجتمعةٌ). [جامع البيان: 10/ 36-44]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسّيّئة فلا يجزى إلّا مثلها وهم لا يظلمون (160)}
قوله تعالى: {من جاء بالحسنة}
- حدثنا عمر والأوديّ ثنا وكيعٌ عن سفيان عن الأعمش عن شمر بن عطيّة عن رجلٍ من التّيم عن أبي ذرٍّ قال: قلت يا رسول اللّه: لا إله إلا اللّه، من الحسنات؟ قال: «هي من أحسن الحسنات».
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا ابن فضيلٍ عن الحسن بن عبيد اللّه عن جامع ابن شدّادٍ عن الأسود بن هلالٍ عن عبد اللّه بن مسعودٍ، في قوله: من جاء بالحسنة قال: لا إله إلا اللّه. وروي عن ابن عبّاسٍ وأبي هريرة وعليّ بن الحسين وسعيد بن جبيرٍ والحسن وعطاءٍ ومجاهدٍ وأبي صالحٍ ذكوان ومحمّد بن كعبٍ القرظيّ والنّخعيّ والضّحّاك والزّهريّ وعكرمة وزيد بن أسلم وقتادة نحو ذلك.
قوله تعالى: {فله عشر أمثالها}.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ ثنا أبو معاوية عن عاصمٍ الأحول عن أبي عثمان عن أبي ذرٍّ- أراه قد رفعه- قال: من صام ثلاثة أيّامٍ من كلّ شهرٍ فذلك صيام الدّهر ، فأنزل اللّه تصديق ذلك: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عبيد اللّه بن عمر القواريريّ، ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا حبيب المعلّم عن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدّه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:« يحضر الجمعة ثلاثة نفرٍ: رجلٌ حضرها يلغو فيها فهو حظّه منها، ورجلٌ حضرها بدعاءٍ فهو رجلٌ دعا اللّه فإن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجلٌ حضرها بإنصاتٍ وسكوتٍ ولم يتخطّ رقبة مسلمٍ ولم يؤذ أحدًا ، فهي كفّارةٌ له إلى الجمعة الّتي تليها وزيادةً ثلاثة أيّامٍ، وذلك لأنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها».
- حدّثنا أبي ثنا عبد اللّه بن صالح العجليّ ثنا فضيل بن مرزوقٍ عن عطيّة العوفيّ حدّثني عبد اللّه بن عمر أنّه قال: نزلت هذه الآية من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها في الأعراب، والأضاعف للمهاجرين.
- حدّثنا أبي ثنا فضل بن سهلٍ الأعرج ثنا عارمٌ ثنا سعيد بن زيدٍ عن سعيد الجريريّ عن المحرّر بن أبي هريرة عن أبيه أبي هريرة قال: «ما تقولون في: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، لمن هي؟» قلنا: للمسلمين. قال: «لا واللّه، ما هي إلا للأعراب خاصّةً، فأمّا المهاجرين فسبعمائةٍ».
قوله تعالى: {ومن جاء بالسيئة}
- حدّثنا محمّد بن عزيزٍ الأيليّ حدّثني سلامة عن عقيلٍ عن ابن شهابٍ قال: قال عقبة بن عامرٍ: تلقّاني أصحابي فقالوا: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {ومن جاء بالسّيّئة}، قال: هي كلمة الإشراك.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {ومن جاء بالسّيّئة}، قال: الشّرك. وروي عن عبد اللّه بن مسعودٍ وأنس بن مالكٍ وأبي وائل وعطاءٍ والحسن وسعيد بن جبيرٍ وعكرمة والنّخعيّ وأبي صالحٍ والزّهريّ وزيد بن أسلم ومحمّد بن كعبٍ القرظيّ والسّدّيّ وقتادة والضّحّاك، مثله.
قوله: {فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون}.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنا العبّاس بن الوليد ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا سعيدٌ عن قتادة: قوله: فلا يجزى إلا مثلها، قال: ذكر لنا أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: {إذا همّ العبد بحسنةٍ فلم يعملها كتبت له حسنةٌ، وإذا همّ بسيّئةٍ ثمّ عملها كتبت له سيّئةٌ}.
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان ثنا أبو نعيمٍ ثنا يحيى بن أيّوب البجليّ قال: سمعت أبا زرعة يقول: ثنا المعرور بن سويدٍ عن أبي ذرٍّ قال: يقول اللّه للعبد يوم القيامة: أيّها العبد إن تأتني بالحسنة أجزك بها عشرًا، وإن تأتني بالسّيّئة أجزك سيّئةً مثلها أو أغفر.
قوله: {وهم لا يظلمون}.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة بن الفضل عن محمّد بن إسحاق:
{وهم لا يظلمون} أي: لا يضيع لهم شيءٌ عند اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1431-1433]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا شيبان عن عاصم بن أبي النجود عن المعرور بن سويد عن أبي ذر الغفاري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق والمصدوق يقول: «قال الله عز وجل: يا ابن آدم الحسنة عشر أو أزيد والسيئة واحدة أو أغفرها»). [تفسير مجاهد: 228]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}.
- عن ابن عمر قال: أنزلت هذه الآية في الأعراب {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}. فقال رجلٌ: فما للمهاجرين يا أبا عبد الرّحمن؟ قال: ما هو أفضل من ذلك {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا} [النساء: 40].
رواه الطّبرانيّ، وفيه عطيّة، وهو ضعيفٌ. ويأتي حديثٌ في مضاعفة الحسنة إلى ألفي ألفٍ في كتاب التّوبة والأذكار، إن شاء اللّه). [مجمع الزوائد: 7/ 23]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} قال رجل من المسلمين: يا رسول الله لا إله إلا الله حسنة قال: «نعم أفضل الحسنات».
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود {من جاء بالحسنة} قال: لا إله إلا الله.
- وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {من جاء بالحسنة} قال: لا إله إلا الله.
- وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة أراه رفعه {من جاء بالحسنة} قال: لا إله إلا الله.
- وأخرج ابن جرير عن الربيع قال: نزلت هذه الآية {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} وهم يصومون ثلاثة أيام من الشهر ويؤدون عشر أموالهم ثم نزلت الفرائض بعد ذلك صوم رمضان والزكاة.
- وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي، وابن حبان عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أقول: «والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت»، فقلت له: قد قلته يا رسول الله، قال: «فإنك لا تستطيع ذلك صم وأفطر ونم وقم وصم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك كصيام الدهر»
- وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي، وابن ماجة، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام ثلاثة أيام من كل شهر فذلك صيام الدهر» فأنزل الله تصديق ذلك في كتابه: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} اليوم بعشرة أيام.
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله علمني عملا يقربني من الجنة ويباعدني من النار قال: «إذا عملت سيئة فاعمل حسنة فإنها عشر أمثالها»، قلت: يا رسول الله لا إله إلا الله من الحسنات قال: «هي أحسن الحسنات».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة أنه قال: «ما تقولون من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها لمن هي؟» قلنا: للمسلمين، قال: «لا والله ما هي إلا للأعراب خاصة فأما المهاجرون فسبعمائة».
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}، قال: إنما هي للأعراب ومضعفة للمهاجرين بسبعمائة ضعف.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عمر قال: نزلت هذه الآية في الأعراب {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} والأضعاف للمهاجرين، وفي لفظ: فقال رجل: يا أبا عبد الرحمن ما للمهاجرين قال: ما هو أفضل من ذلك {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما} [النساء: 41] وإذا قال الله لشيء عظيم فهو عظيم.
- وأخرج أحمد عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اغتسل يوم الجمعة واستاك ومس من طيب إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج حتى يأتي المسجد ولم يتخط رقاب الناس ثم ركع ما شاء الله أن يركع ثم أنصت إذا خرج الإمام فلم يتكلم حتى يفرغ من صلاته كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها» وكان أبو هريرة يقول: ثلاثة أيام زيادة إن الله جعل الحسنة بعشر أمثالها.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {من جاء بالحسنة} الآية، قال: ذكر لنا أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول: «إذا هم العبد بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة وإذا هم بسيئة ثم عملها كتبت له سيئة».
- وأخرج أحمد والبخاري وسلم والنسائي، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه: «من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرا إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له واحدة أو يمحوها الله ولا يهلك على الله إلا هالك».
- وأخرج أحمد ومسلم، وابن ماجة، وابن مردويه والبيهقي عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« يقول الله عز وجل: من عمل حسنة فله عشر أمثالها وأزيد ومن عمل سيئة فجزاؤها مثلها أو اغفر ومن عمل قراب الأرض خطيئة ثم لقيني لا يشرك بي شيئا جعلت له مثلها مغفرة ومن اقترب إلي شبرا اقتربت إليه ذراعا ومن اقترب إلي ذراعا اقتربت إليه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة».
- وأخرج الترمذي وصححه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى وقوله الحق: إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة وإذا عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها وإذا هم بسيئة فلا تكتبوها فإن عملها فاكتبوها بمثلها فإن تركها فاكتبوها له حسنة» ثم قرأ: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}.
- وأخرج أبو يعلى عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب عليه شيء فإن عملها كتبت عليه سيئة».
- وأخرج الطبراني عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الجمعة كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام وذلك لأن الله تعالى قال {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}».
- وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال يحضر الجمعة ثلاثة نفر، رجل حضرها يلغو فهو حظه منها ورجل حضرها يدعو فإن شاء الله أعطاه وإن شاء منعه ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحدا فهي كفارة له إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام وذلك لأن الله يقول {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}
- وأخرج ابن مردويه عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان يجده ثم أتى المسجد فلم يؤذ أحدا ولم يتخط أحدا كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الثانية وزيادة ثلاثة أيام لأن الله تعالى يقول الحسنة بعشر أمثالها».
- وأخرج ابن مردويه عن عثمان بن أبي العاصي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«الحسنة بعشر أمثالها».
- وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام الدهر ثلاثة أيام من كل شهر فإن الحسنة بعشر أمثالها.
- وأخرج ابن مردويه عن علي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر كله يوم بعشرة أيام {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} وأخرجه الخطيب عن علي موقوفا.
- وأخرج أحمد عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إن الله جعل حسنة ابن آدم عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم والصوم لي وأنا أجزي به».
- وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي، وابن حبان عن ابن
عمرو أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:
«خصلتان لا يحافظ عليهما عبد مسلم إلا دخل الجنة هما يسير ومن يعمل بهما قليل يسبح الله دبر كل صلاة عشرا ويحمد عشرا ويكبر عشرا فذلك خمسون ومائة باللسان وألف وخمسمائة في الميزان ويكبر أربعا وثلاثين إذا أخذ مضجعه ويحمد ثلاثا وثلاثين ويسبح ثلاثا وثلاثين فذلك مائة باللسان وألف في الميزان وأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمسمائة سيئة»
- وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عبيدة بن الجراح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
« من عاد مريضا أو أماط أذى عن طريق فحسنة بعشر أمثالها».
- وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال: تعملوا القرآن واتلوه فإنكم تؤجرون به بكل حرف منه عشر حسنات أما إني لا أقول الم عشر ولكن ألف ولام وميم ثلاثون حسنة ذلك بأن الله عز وجل يقول {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}.
- وأخرج أحمد والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن خريم بن فاتك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
« الناس أربعة والأعمال ستة، فموجبتان ومثل بمثل وعشرة أضعاف وسبعمائة ضعف فمن مات كافرا وجبت له النار ومن مات مؤمنا وجبت له الجنة والعبد يعمل بالسيئة فلا يجزى إلا بمثلها والعبد يهم بالحسنة فيكتب له حسنة والعبد يعمل بالحسنة فتكتب له عشرا والعبد ينفق النفقة في سبيل الله فيضاعف له سبعمائة ضعف والناس أربعة، فموسع عليه في الدنيا وموسع عليه في الآخرة وموسع عليه في الدنيا ومقتر عليه في الآخرة ومقتر عليه في الدنيا وموسع عليه في الآخرة ومقتر عليه في الدنيا والآخرة».
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل حسنة يعملها العبد المسلم بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف
- وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له بعشر أمثالها إلى سبعمائة وسبع أمثالها».
- وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« إن الله ليعطي بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة ثم قرأ {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}».
- وأخرج أبو داود الطيالسي، وابن حبان والبيهقي في الشعب عن أبي عثمان قال: كنا مع أبي هريرة في سفر فحضر الطعام فبعثنا إلى أبي هريرة فجاء رسول الله
فذكر أنه صائم فوضع الطعام ليؤكل فجاء أبو هريرة فجعل يأكل فنظروا إلى الرجل الذي أرسلوه فقال: ما تنظرون إلي قد - والله - أخبرني أنه صائم قال: صدق ثم قال أبو هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من الشهر صوم الدهر فأنا صائم في تضعيف الله ومفطر في تخفيفه» ولفظ ابن حبان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صام ثلاثة أيام من كل شهر فقد صام الشهر كله وقد صمت ثلاثة أيام من كل شهر وإني الشهر كله صائم ووجدت تصديق ذلك في كتاب الله {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}».
- وأخرج الطيالسي وأحمد والبيهقي في الشعب عن الأزرق بن قيس عن رجل من بني تميم قال: كنا على باب معاوية ومعنا أبو ذر فذكر أنه صائم فلما دخلنا ووضعت الموائد جعل أبو ذر يأكل فنظرت إليه فقال: مالك قلت: ألم تخبر أنك صائم قال: بلى أقرأت القرآن قلت: نعم، قال: لعلك قرأت المفرد منه ولم تقرأ المضعف {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:« صوم شهر الصبر وثلاثة من كل شهر حسنة، قال: صوم الدهر يذهب مغلة الصدر، قلت: وما مغلة الصدر قال: رجز الشيطان».
- وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجة والبيهقي عن أبي أيوب الأنصاري سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
« من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فذاك صيام الدهر».
- وأخرج أحمد والبيهقي، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«من صام رمضان وستة أيام من شوال فكأنما صام السنة كلها».
- وأخرج البزار والبيهقي عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«صيام شهر بعشرة أشهر وستة أيام بعده بشهرين فذلك تمام السنة يعني رمضان وستة أيام بعده».
- وأخرج ابن ماجة عن ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}.
- وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: كانت أول خطبة خطبها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة أنه قام فيهم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: «أما بعد أيها الناس فقدموا لأنفسكم تعلمن والله ليضعفن أحدكم ثم ليدعن غنمه ليس لها راع ثم ليقولن له ربه ليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه: ألم يأتك رسولي فبلغك وآتيتك مالا وأفضلت عليك فما قدمت لنفسك فينظر يمينا وشمالا فلا يرى شيئا ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم، فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق من تمرة فليفعل ومن لم يجد فبكلمة طيبة فإن بها يجزى الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسلام على رسول الله ورحمة الله وبركاته ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الحمد لله أحمده وأستعينه نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إن أحسن الحديث كتاب الله قد أفلح من زينه الله في قلبه وأدخله في الإسلام بعد الكفر واختاره على ما سواه من أحاديث الناس أنه أحسن الحديث وأبلغه أحبوا من أحب الله أحبوا الله من كل قلوبكم ولا تملوا كلام الله تعالى وذكره ولا تقسوا عنه قلوبكم فإنه من كل يختار الله ويصطفي فقد سماه خيرته من الأعمال ومصطفاه من العباد والصالح من الحديث ومن كل ما أتى الناس من الحلال والحرام فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا واتقوا الله حق تقاته واصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم وتحابوا بروح الله بينكم إن الله يغضب أن ينكث عهده، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته»). [الدر المنثور: 6/ 295-306]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) }
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل إنّني هداني ربّي إلى صراطٍ مستقيمٍ دينًا قيمًا ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل} يا محمّد لهؤلاء العادلين بربّهم الأوثان والأصنام: {إنّني هداني ربّي إلى صراطٍ مستقيمٍ} يقول: قل لهم: إنّني أرشدني ربّي إلى الطّريق القويم، هو دين اللّه الّذي ابتعثه به، وذلك الحنيفيّة المسلمة، فوفّقني له. {دينًا قيمًا} يقول: مستقيمًا. {ملّة إبراهيم} يقول: دين إبراهيم. {حنيفًا} يقول: مستقيمًا. {وما كان من المشركين} يقول: وما كان من المشركين باللّه، يعني إبراهيم صلوات اللّه عليه، لأنّه لم يكن ممّن يعبد الأصنام.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {دينًا قيمًا}، فقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة وبعض البصريّين: {دينًا قيّمًا} بفتح القاف وتشديد الياء إلحاقًا منهم ذلك بقول اللّه: {ذلك الدّين القيّم}، وبقوله: {ذلك دين القيّمة}.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفيّين: {دينًا قيمًا} بكسر القاف وفتح الياء وتخفيفها، وقالوا: القيّم والقيم بمعنًى واحدٍ، وهم لغتان معناهما: الدّين المستقيم.
والصّواب من القول في ذلك عندي أنّهما قراءتان مشهورتان في قراءة الأمصار، متّفقتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فهو للصّواب مصيبٌ، غير أنّ فتح القاف وتشديد الياء أعجب إليّ، لأنّه أفصح اللّغتين وأشهرهما.
ونصب قوله: {دينًا} على المصدر من معنى قوله: {إنّني هداني ربّي إلى صراطٍ مستقيمٍ}، وذلك أنّ المعنى هداني ربّي إلى دينٍ قويمٍ، فاهتديت له دينًا قيمًا، فالدّين منصوبٌ من المحذوف الّذي هو (اهتديت) الّذي ناب عنه قوله: {إنّني هداني ربّي إلى صراطٍ مستقيمٍ}.
وقال بعض نحويّي البصرة: إنّما نصب ذلك لأنّه لمّا قال: {هداني ربّي إلى صراطٍ مستقيمٍ} قد أخبر أنّه عرف شيئًا، فقال: {دينًا قيمًا} كأنّه قال: عرفت دينًا قيمًا ملّة إبراهيم.
وأمّا معنى الحنيف، فقد بيّنته في مكانه في سورة البقرة بشواهده بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع). [جامع البيان: 10/ 44-45]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قل إنّني هداني ربّي إلى صراطٍ مستقيمٍ دينًا قيمًا ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين (161) }
قوله تعالى: {قل إنّني هداني ربّي إلى صراطٍ مستقيمٍ}
تقدّم تفسيره.
قوله تعالى: {دينًا قيمًا ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين}.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس: قوله: {حنيفًا}، قال: حاجًّا وروي عن الحسن والضّحّاك وعطيّة والسّدّيّ، نحو ذلك.
- حدّثنا أبي ثنا قبيصة وعيسى بن جعفرٍ، قالا: ثنا سفيان عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ:
{حنيفًا}، قال: متّبعًا وروي عن الرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أبي ثنا عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن عبد الحكم ثنا عثمان بن صالحٍ ثنا عبد اللّه بن لهيعة عن أبي صخرٍ عن محمّد بن كعبٍ:
{حنيفًا}، قال: الحنيف المستقيم.
- حدّثنا الأحمسيّ ثنا أبو يحيى الحمّانيّ عن أبي قتيبة البصري يعني نعيم ابن ثابتٍ عن أبي قلابة: قوله:
{حنيفًا}، قال: الحنيف الّذي يؤمن بالرّسل كلّهم من أوّلهم إلى آخرهم.
- حدّثنا أبي ثنا النّفيليّ ثنا محمّد بن سلمة عن خصيفٍ، في قوله: حنيفًا، قال: الحنيف المخلص). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1433-1434]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) :( أخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ (دينا قيما) بكسر القاف ونصب الياء مخففة.
- وأخرج أحمد وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن أبزى عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال: «أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص ودين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وملة أبينا إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين واذا أمسى قال مثل ذلك»). [الدر المنثور: 6/ 306]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ونسكي قال وذبيحتي.
عن الثوري عن إسماعيل عن سعيد بن جبير في قوله تعالى صلاتي ونسكي قال ذبيحتي). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 223]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه ربّ العالمين (162) لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أوّل المسلمين}
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل} يا محمّد لهؤلاء العادلين بربّهم الأوثان والأصنام، الّذين يسألونك أن تتّبع أهواءهم على الباطل من عبادة الآلهة والأوثان.
{إنّ صلاتي ونسكي} يقول: وذبحي. {ومحياي} يقول: وحياتي. {ومماتي} يقول: ووفاتي. {للّه ربّ العالمين}: يعني أنّ ذلك كلّه له خالصًا دون ما أشركتم به أيّها المشركون من الأوثان. {لا شريك له} في شيءٍ من ذلك من خلقه، ولا لشيءٍ منهم فيه نصيبٌ، لأنّه لا ينبغي أن يكون ذلك إلاّ له خالصًا. {وبذلك أمرت} يقول: وبذلك أمرني ربّي. {وأنا أوّل المسلمين} يقول: وأنا أوّل من أقرّ وأذعن وخضع من هذه الأمّة لربّه، بأنّ ذلك كذلك.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال: النّسك في هذا الموضع: الذّبح:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ: {إنّ صلاتي ونسكي} قال: النّسك: الذّبائح في الحجّ والعمرة.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {ونسكي}: ذبيحتي في الحجّ والعمرة.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ونسكي}: ذبيحتي في الحجّ والعمرة.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن إسماعيل، وليس، بابن أبي خالدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {صلاتي ونسكي} قال: ذبحي.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا الثّوريّ، عن إسماعيل، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {صلاتي ونسكي} قال: ذبيحتي.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان، عن إسماعيل عن ابن جبيرٍ، قال ابن مهديٍّ: لا أدري من إسماعيل هذا: {صلاتي ونسكي} قال: صلاتي وذبيحتي.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا عبد الرّزّاق قال: حدّثنا الثّوريّ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {صلاتي ونسكي} قال: وذبيحتي.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {ونسكي} قال: ذبحي.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {ونسكي} قال: ذبيحتي.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {صلاتي ونسكي} قال: الصّلاة: الصّلاة، والنّسك: الذّبح.
وأمّا قوله: {وأنا أوّل المسلمين}:
- فإنّ محمّد بن عبد الأعلى حدّثنا قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {وأنا أوّل المسلمين} قال: أوّل المسلمين من هذه الأمّة). [جامع البيان: 10/ 45-48]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه ربّ العالمين (162)}
قوله تعالى: {قل إنّ صلاتي}
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى ثنا محمّد بن عليٍّ ثنا محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان: قوله:
{قل إنّ صلاتي}، قال: صلاتي المفروضة.
قوله: {ونسكي}.
الوجه الأول:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: {صلاتي ونسكي}، قال: ذبيحتي في الحجّ والعمرة. وروي عن سعيد بن جبيرٍ والحسن والسّدّيّ وقتادة مثل ذلك.
والوجه الثّاني:
- قرأت على محمّد بن الفضل ثنا محمّد بن عليٍّ ثنا محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان: قوله: ونسكي يعني: الحجّ.
قوله: {ومحياي ومماتي للّه ربّ العالمين}.
- حدّثنا محمّد بن عوفٍ الحمصيّ ثنا أحمد بن خالدٍ الوهبيّ ثنا محمّد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيبٍ عن أبي عيّاشٍ عن جابر بن عبد اللّه قال: ضحّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في العيد كبشين، وقال حين وجّههما: وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين... إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه ربّ العالمين... إلى آخر الآيتين). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1434]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ونسكي قال النسك يعني به ذبيحتي في الحج والعمرة). [تفسير مجاهد: 229]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( أخرج أبو الشيخ عن قتادة قال: ذكر لنا أن أبا موسى قال: وددت أن كل مسلم يقرأ هذه الآية مع ما يقرأ من كتاب الله {قل إن صلاتي ونسكي...
الآية}
- وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله {قل إن صلاتي} قال: صلاتي المفروضة {ونسكي} قال: يعني الحج.
- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير {إن صلاتي ونسكي} قال: ذبيحتي.
- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة {إن صلاتي ونسكي} قال: حجي ومذبحي.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {ونسكي} قال: ذبيحتي في الحج والعمرة.
- وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {ونسكي} قال ضحيتي، وفي قوله {وأنا أول المسلمين} قال: من هذه الأمة). [الدر المنثور: 6/ 306-307]

تفسير قوله تعالى: {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) }

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ):
(عن معمر عن قتادة في قوله تعالى {وأنا أول المسلمين} قال أول المسلمين من هذه الأمة). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 223]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه ربّ العالمين (162) لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أوّل المسلمين}
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل} يا محمّد لهؤلاء العادلين بربّهم الأوثان والأصنام، الّذين يسألونك أن تتّبع أهواءهم على الباطل من عبادة الآلهة والأوثان.
{إنّ صلاتي ونسكي} يقول: وذبحي. {ومحياي} يقول: وحياتي. {ومماتي} يقول: ووفاتي. {للّه ربّ العالمين}: يعني أنّ ذلك كلّه له خالصًا دون ما أشركتم به أيّها المشركون من الأوثان. {لا شريك له} في شيءٍ من ذلك من خلقه، ولا لشيءٍ منهم فيه نصيبٌ، لأنّه لا ينبغي أن يكون ذلك إلاّ له خالصًا. {وبذلك أمرت} يقول: وبذلك أمرني ربّي. {وأنا أوّل المسلمين} يقول: وأنا أوّل من أقرّ وأذعن وخضع من هذه الأمّة لربّه، بأنّ ذلك كذلك.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال: النّسك في هذا الموضع: الذّبح:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ: {إنّ صلاتي ونسكي} قال: النّسك: الذّبائح في الحجّ والعمرة.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {ونسكي}: ذبيحتي في الحجّ والعمرة.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ونسكي}: ذبيحتي في الحجّ والعمرة.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن إسماعيل، وليس، بابن أبي خالدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {صلاتي ونسكي} قال: ذبحي.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا الثّوريّ، عن إسماعيل، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {صلاتي ونسكي} قال: ذبيحتي.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان، عن إسماعيل عن ابن جبيرٍ، قال ابن مهديٍّ: لا أدري من إسماعيل هذا: {صلاتي ونسكي} قال: صلاتي وذبيحتي.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا عبد الرّزّاق قال: حدّثنا الثّوريّ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {صلاتي ونسكي} قال: وذبيحتي.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {ونسكي} قال: ذبحي.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {ونسكي} قال: ذبيحتي.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {صلاتي ونسكي} قال: الصّلاة: الصّلاة، والنّسك: الذّبح.
وأمّا قوله: {وأنا أوّل المسلمين}:
- فإنّ محمّد بن عبد الأعلى حدّثنا قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {وأنا أوّل المسلمين} قال: أوّل المسلمين من هذه الأمّة). [جامع البيان: 10/ 45-48] (م)
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أوّل المسلمين (163)}
قوله تعالى: {وأنا أوّل المسلمين}.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنا عبد الرّزّاق أنا معمرٌ عن قتادة: في قوله: وأنا أوّل المسلمين، قال: أوّل المسلمين من هذه الأمّة). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1435]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {ونسكي} قال ضحيتي، وفي قوله {وأنا أول المسلمين} قال: من هذه الأمة.
- وأخرج الحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا فاطمة قومي فاشهدي أضحيتك فإنه يغفر لك بأول قطرة تقطر من دمها كل ذنب عملته وقولي: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، قلت: يا رسول الله هذا لك ولأهل بيتك خاصة فأهل ذلك أنتم أم للمسلمين عامة قال: بل للمسلمين عامة
»). [الدر المنثور: 6/ 307-308]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 ربيع الثاني 1434هـ/6-03-2013م, 05:35 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160) قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)}

تفسير قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فله عشر أمثالها...}
من خفض يريد: فله عشر حسناتٍ أمثالها. ولو قال هاهنا: فله عشر مثلها؛ يريد عشر حسنات مثلها كان صوابا.
ومن قال: (عشرٌ أمثالها) جعلهنّ من نعت العشر.
و(مثل) يجوز توحيده: أن تقول في مثله من الكلام: هم مثلكم، وأمثالكم؛ قال الله تبارك وتعالى: {إنكم إذاً مثلهم} فوحّد، وقال: {ثم لا يكونوا أمثالكم} فجمع. ولو قلت: عشرٌ أمثالها كما تقول: عندي خمسةٌ أثوابٌ لجاز.
وقوله: {من جاء بالحسنة}: بلا إله إلا الله، والسيئة: الشّرك). [معاني القرآن: 1/ 367-368]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسّيّئة فلا يجزى إلاّ مثلها وهم لا يظلمون}
وقال: {فله عشر أمثالها} على العدد كما تقول: "عشر سودٍ" فإن قلت كيف قال "عشر" و"المثل" مذكر؟ فإنما أنث لأنه أضاف إلى مؤنث وهو في المعنى أيضاً "حسنةٌ" أو "درجةٌ". فإن أنّث على ذلك فهو وجه.
وقال بعضهم (عشرٌ أمثالها) جعل "الأمثال" من صفة "العشر". وهذا الوجه إلا أنه لا يقرأ. لأنه ما كان من صفة لم تضف إليه العدد. ولكن يقال: "هم عشرةٌ قيامٌ" و"عشرةٌ قعودٌ" لا يقال: "عشرة قيامٍ"). [معاني القرآن: 1/ 254]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو عمرو {فله عشر أمثالها} يضيف.
و{عشر أمثالها} حسن في الإعراب على الصفة). [معاني القرآن لقطرب: 534]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسّيّئة فلا يجزى إلّا مثلها وهم لا يظلمون}
القراءة: (فله عشر أمثالها)، والمعنى فله عشر حسنات أمثالها وكما يجوز عندي خمسة أثوابا، ويجوز فله عشر مثلها في غير القراءة فيكون المثل في لفظ الواحد وفي معنى الجميع، كما قال: {إنكم إذا مثلهم}.
ومن قال أمثالها فهو كقوله: {ثمّ لا يكونوا أمثالكم} وإنما جاء على المثل التوحيد.
وأن يكون في معنى الجميع، لأنه على قدر ما يشبه به، تقول مررت بقوم مثلكم، وبقوم أمثالكم.
فأما معنى الآية فإنه من غامض المعاني التي عند أهل اللغة لأن المجازاة على الحسنة من اللّه جلّ ثناؤه بدخول الجنة شيء لا يبلغ وصف مقداره، فإذا قال: عشر أمثالها.
أو قال: {مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة}.
مع قوله: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة}، فمعنى هذا كله أن جزاء اللّه جلّ ثناؤه على الحسنات على التضعيف للمثل الواحد الذي هو النهاية في التقدير في النفوس، ويضاعف الله ذلك بما بين عشرة أضعاف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
وأجمع المفسرون على قوله: {ومن جاء بالسّيّئة فلا يجزى إلّا مثلها} لأن السيئة ههنا الشرك باللّه.
وقالوا: {من جاء بالحسنة} هي قول لا إله إلا اللّه، وأصل الحسنات التوحيد، وأسوأ السيئات الكفر باللّه جلّ وعزّ). [معاني القرآن: 2/ 309-310]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها} روى الأعمش عن أبي صالح قال: الحسنة لا إله إلا الله والسيئة الشرك
والمعنى أن ما كان عنده هو النهاية في المجازاة أعطي عشرة أمثاله). [معاني القرآن: 2/ 524-525]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ديناً قيماً...}
و{قيّما}...
- حدثني عمرو بن أبي المقدام عن رجل عن عمران بن حذيفة قال: رآني أبي حذيفة راكعا قد صوّبت رأسي، قال ارفع رأسك، دينا قيما.
(دينا قيما) منصوب على المصدر. و(ملة إبراهيم) كذلك). [معاني القرآن: 1/ 368]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ملّة إبراهيم حنيفاً} أي دين إبراهيم؛ يقال من أيّ ملّة أنت، وهم أهل ملتك). [مجاز القرآن: 1/ 208]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قل إنّني هداني ربّي إلى صراطٍ مّستقيمٍ ديناً قيماً مّلّة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين}
وقال: {ديناً قيماً} أي: مستقيما وهي قراءة العامة.
وقال أهل المدينة (قيّما) وهي حسنة، ولم أسمعها من العرب وهي في معنى المفسر). [معاني القرآن: 1/ 254]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وأبو عمرو وأهل المدينة {دينا قيما}.
أصحاب عبد الله {دينا قيما} مخففة؛ وقد فسرنا ذلك في سورة النساء بما فيه). [معاني القرآن لقطرب: 534]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({قل إنّني هداني ربّي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملّة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين}
والصراط الدين الذي دلني على الذين الذي هو دين الحق، ثم فسر ذلك فقال: (دينا قيما).
والقيم هو المستقيم، وقرئت (دينا قيّما) وقيّم مصدر كالصغر والكبر، إلا أنه لم يقل " قوم " مثل قوله: {لا يبغون عنها حولا} لأن قولك قام قيما
كأنه على قوم أو قوم، فلما اعتل فصار قام اعتل قيم، فأما حول فهو على أنه جار على غير فعل.
وأما نصب {دينا قيما ملّة إبراهيم حنيفا} فمحمول على المعنى، لأنه لما قال: هداني إلى صراط مستقيم، دل على عرفني دينا قيما.
ويجوز أن يكون على البدل من معنى هداني إلى صراط مستقيم.
المعنى هداني صراطا مستقيما، دينا قيما، كما قال جلّ وعزّ: {ويهديك صراطا مستقيما}.
و{ملّة إبراهيم} بدل من {دينا قيما}
و{حنيفا} منصوب على الحال من إبراهيم، المعنى هداني وعرفني ملة إبراهيم في حال حنيفيته، وهو ههنا لإبراهيم حسن منه لغيره.
{وما كان من المشركين}.
وقد فسرنا معنى الحنيفية وأنها الميل إلى الإسلام ميلا لا رجوع معه). [معاني القرآن: 2/ 310-311]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم} الصراط الطريق والمعنى عرفني الدين الذي هو الحق). [معاني القرآن: 2/ 525]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا}
و"القيم": المستقيم. ومن قرأ (قيما) فهو مصدر مثل الصغر والكبر). [معاني القرآن: 2/ 525]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ونسكى ومحياي} وهو مصدر نسكت، وهو تقربت بالنسائك، وهي النسيكة، وجمعها أيضا نسك متحركة بالضمة). [مجاز القرآن: 1/ 209]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو عمرو {ونسكي ومحياي ومماتي}.
ابن أبي إسحاق "ومحيي ومماتي".
الأعرج "محياي ومماتي" يسكن الياء، وكذلك "وإياي فارهبون" بإسكان الياء؛ وذلك شاذ قليل؛ لأنه يجمع بين ساكنين ليس أحدهما مثقلاً). [معاني القرآن لقطرب: 534]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({نسكي}: ذبائحي. جمع نسيكة. وأصل النّسك: ما تقربت به إلى اللّه). [تفسير غريب القرآن: 164]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله {قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه ربّ العالمين}
قالوا: النسك الذبح، والنسك ما يتقرب به إلى اللّه جلّ وعزّ.
{ومحياي ومماتي}
الياء ياء الإضافة، فتحت لأن أصلها الفتح، ويجوز إسكانها إذا كان ما قبلها متحركا.
يجوز (مماتي) وإن شئت قرأت (مماتي لله) بفتح الياء، وإن شئت أسكنت.

فأما ياء محياي فلا بدّ من فتحها لأن قبلها ساكن.
ومعنى الآية أنه يخبر بأنه إنما يتقرب بالصلاة وسائر المناسك إلى اللّه جلّ وعزّ لا إلى غيره، كما كان المشركون يذبحون لأصنامهم.
فأعلم أنه اللّه وحده بقوله: {لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أوّل المسلمين}). [معاني القرآن: 2/ 311]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}

"النسك": جمع النسيكة وهي الذبيحة، وأصل هذا من التقرب لله جل وعز، ومنه قيل: رجل ناسك.
وإنما قيل هذا لأنهم كانوا يذبحون لغير الله جل وعز). [معاني القرآن: 2/ 525-526]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَنُسُكِي} أي ذبائحي). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 81]

تفسير قوله تعالى: {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)}:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه عام يراد به خاص:
كقوله سبحانه حكاية عن النبي، صلّى الله عليه وسلم: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}). [تأويل مشكل القرآن: 281]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 11:29 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160) }

قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب ما لا يحسم أن تضيف إليه الأسماء التي تبين بها العدد إذا جاوزت الاثنين إلى العشرة
وذلك الوصف تقول هؤلاء ثلاثةٌ قرشيون وثلاثةٌ مسلمون وثلاثةٌ صالحون فهذا وجه الكلام كراهية أن تجعل الصفة كالاسم إلى أن يضطر شاعر وهذا يدلك على أن النسابات إذا قلت ثلاثة نساباتٍ إنما يجئ كأنه وصف المذكر لأنه ليس موضعاً تحسن فيه الصفة كما يحسن الاسم فلما لم يقع إلا وصفاً صار المتكلم كأنه قد لفظ بمذكرين
ثم وصفهم بها وقال الله جل ثناؤه: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} ). [الكتاب: 3/ 566-567]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب ما يضاف إليه من العدة من الأجناس وما يمتنع من الإضافة اعلم أنه كل ما كان اسماً غير نعت فإضافة العدد إليه جيدة. وذلك قولك: عندي ثلاثة أجمالٍ، وأربع أينقٍ، وخمسة دراهم، وثلاثة أنفسٍ.فإن كان نعتاً قبح ذلك فيه، إلا أن يكون مضارعاً للاسم، واقعاً موقعه. وذلك قولك: عندي ثلاثة قرشيين، وأربعة كرامٍ، وخمسة ظرفاء هذا قبيح حتى تقول: ثلاثة رجالٍ قرشيين. وثلاثة رجالٍ كرام، ونحو ذلك. فأما المضارع للأسماء فنحو: جاءني ثلاثة أمثالك، وأربعة أشباه زيد. كما قال الله عز وجل: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} وقد قرئ: (فله عشرٌ أمثالها). فهذه القراءة المختارة عند أهل اللغة، والتي بدأنا بها حسنةٌ جميلة.
فإن كان الذي يقع عليه العدد اسماً لجنس من غير الآدميين لم يلاقه العدد إلا بحرف الإضافة، وكان مجازه التأنيث، لأن فعله وجمعه على ذلك، إذ كان معناه الجماعة، ألا ترى أنك تقول: الجمال تسير، والجمال يسرن؛ كما قال الله عز وجل عند ذكر الأصنام: {رب إنهن أضللن كثيراً من الناس}. وعلى هذا يجمع؛ كما تقول: حمام وحمامات، وسرادق وسرادقات). [المقتضب: 2/ 183]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله: "ثلاث شخوص" والوجهُ ثلاثةً أشخُصٍ ولكنها لما قصد إلى النساء أنثَ على المعنى، وأبان لما أرادَ بقوله: "كاعبانِ ومعصرُ".
ومثله قولُ الشاعر:
فإن كلابا هذا عشرُ أبطنٍ ....... وأنت بريء من قبائلها العشرِ
فقال: "عشرُ أبطنٍ"، لن البطنَ قبليةٌ، وأبانَ ذلك في قوله: من قبائلها العشرِ، وقال الله جل وعز: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} لأن المعنى حسناتٌ). [الكامل: 2/ 801-802]
تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) }
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
هم ضربوكم حين جرتم عن الهدى ....... بأسيافهم حتى استقمتم على القِيَمْ
الأصمعي: القيم: القصد، يذكره وقعة أصحاب النبي صلى الله عليه. وقال آخر: قيم أي مستقيم؛ قال الله جل وعز: {دينا قيما} أي لا عوج فيه). [شرح ديوان كعب بن زهير: 67]
تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) }


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 08:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 08:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 08:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 08:02 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {من جاء بالحسنة....الآية}. قال أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمر: هذه الآية نزلت في الأعراب الذين آمنوا بعد الهجرة فضاعف الله حسناتهم للحسنة عشر. وكان المهاجرون قد ضوعف لهم الحسنة سبعمائة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا تأويل يحتاج إلى سند يقطع العذر، وقالت فرقة: هذه الآية لجميع الأمة، أي إن الله يضاعف الحسنة بعشرة ثم بعد هذا المضمون قد يزيد ما يشاء، وقد يزيد أيضا على بعض الأعمال كنفقة الجهاد، وقال ابن مسعود ومجاهد والقاسم بن أبي بزة وغيرهم: (الحسنة) لا إله إلا الله (والسيئة) الكفر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذه هي الغاية من الطرفين، وقالت فرقة: ذلك لفظ عام في جميع الحسنات والسيئات، وهذا هو الظاهر. وأنث لفظ (العشر) لأن الأمثال هاهنا بالمعنى حسنات، ويحتمل أن الأمثال أنث لما أضيفت إلى مؤنث، وهو الضمير كما قال الشاعر: [الطويل]
مشين كما اهتزّت رماح تسفّهت ....... أعاليها مرّ الرياح النواسم
فأنث وقرأ الحسن وسعيد بن جبير وعيسى بن عمر والأعمش ويعقوب (فله عشر) بالتنوين (أمثالها) بالرفع.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الأعمال ست موجبة وموجبة ومضعفة ومضعفة ومثل ومثل. فلا إله إلا الله توجب الجنة. والشرك يوجب النار. ونفقة الجهاد تضعف سبعمائة ضعف، والنفقة على الأهل حسنتها بعشرة، والسيئة جزاؤها مثلها، ومن همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة مثلها»، وقوله تعالى: {لا يظلمون} أي لا يوضع في جزائهم شيء في غير موضعه، وتقدير الآية من جاء بالحسنة فله ثواب عشر أمثالها، والمماثلة بين الحسنة والثواب مترتبة إذا تدبرت، وقال الطبري قوله من جاء بالحسنة الآية، يريد من الذين فرقوا دينهم أي من جاء مؤمنا فله الجنة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والقصد بالآية إلى العموم في جميع العالم أليق باللفظ). [المحرر الوجيز: 3/ 502-504]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قل إنّني هداني ربّي إلى صراطٍ مستقيمٍ ديناً قيماً ملّة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين (161) قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه ربّ العالمين (162) لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أوّل المسلمين (163)}
هذا أمر من الله عز وجل نبيه عليه السلام بالإعلان بشريعته والانتباه من سواها من أضاليلهم،
ووصف الشريعة بما هي عليه من الحسن والفضل والاستقامة، وهداني معناه أرشدني بخلق الهدى في قلبي. والرب المالك، ولفظه مصدر من قولك ربه يربه، وإنما هو مثل عدل ورضى في أنه مصدر وصف به وأصله ذو الرب ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فقيل الرب. و (الصراط) الطريق.
وديناً منصوب ب هداني المقدر الذي يدل عليه هداني الأول، وهذا الضمير إنما يصل وحده دون أن يحتاج إلى إضمار إلى. إذ هدى يصل بنفسه إلى مفعوله الثاني وبحرف الجر، فهو فعل متردد.
وقيل نصب ديناً فعل مضمر تقديره عرفني دينا. وقيل تقديره فاتبعوا دينا أو فالزموا دينا، وقيل نصب على البدل من صراطٍ على الموضع، أن تقديره هداني ربي صراطا مستقيما، وقيماً نعت للدين، ومعناه مستقيما معتدلا.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو «قيّما» بفتح القاف وكسر الياء وشدها. وأصله قيوم عللت كتعليل سيد وميت، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي (قيما) بكسر القاف وفتح الياء على وزن فعل، وكأن الأصل أن يجيء فيه قوما كعوض وحول إلا أنه شذ كشذوذ قولهم جياد في جمع جواد وثيرة في جمع ثور، وملّة بدل من الدين، والملة الشريعة وحنيفاً نصب على الحال من إبراهيم، والحنف في كلام العرب الميل فقد يكون الميل إلى فساد كحنف الرجل.
وكقوله: {فمن خاف من موصٍ جنفاً}[البقرة: 182] على قراءة من قرأ بالحاء غير المنقوطة ونحو ذلك. وقد يكون الحنف إلى الصلاح كقوله عليه السلام: «الحنيفية السمحة»، و «الدين الحنيف» ونحوه، وقال ابن قتيبة: الحنف الاستقامة وإنما سمي الأحنف في الرجل على جهة التفاؤل له. وما كان من المشركين نفي للنقيصة عنه صلى الله عليه وسلم). [المحرر الوجيز: 3/ 504-505]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله {قل إنّ صلاتي.....الآية}، أمر من الله عز وجل أن يعلن بأن مقصده في صلاته وطاعته من ذبيحة وغيرها وتصرفه مدة حياته وحاله من الإخلاص والإيمان عند مماته إنما هو لله عز وجل وإرادة وجهه وطلب رضاه، وفي إعلان النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المقالة ما يلزم المؤمنين التأسي به حتى يلتزموا في جميع أعمالهم قصد وجه الله عز وجل، ويحتمل أن يريد بهذه المقالة أن صلاته ونسكه وحياته وموته بيد الله عز وجل، يصرفه في جميع ذلك كيف شاء، وأنه قد هداه من ذلك إلى صراط مستقيم، ويكون قوله بذلك أمرت على هذا التأويل راجعا إلى قوله لا شريك له فقط أو راجعا إلى القول الأول وعلى التأويل الأول يرجع على جميع ما ذكر من صلاة وغيرها، أي أمرت بأن أقصد وجه الله عز وجل في ذلك وأن ألتزم العمل، وقرأ جمهور الناس: {ونسكي}بضم السين، وقرأ أبو حيوة والحسن بإسكان السين، وقالت فرقة (النسك) في هذه الآية الذبائح.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويحسن تخصيص الذبيحة بالذكر في هذه الآية أنها نازلة قد تقدم ذكرها والجدل فيها في السورة، وقالت فرقة: (النسك) في هذه الآية جميع أعمال الطاعات من قولك نسك فلان فهو ناسك إذا تعبد، وقرأ السبعة سوى نافع و {محياي ومماتي} بفتح الياء من «محياي» وسكونها من {مماتي}، وقرأ نافع وحده و {محياي} بسكون الياء من {محياي}، قال أبو علي الفارسي وهي شاذة في القياس لأنها جمعت بين ساكنين، وشاذة في الاستعمال ووجهها أنه قد سمع من العرب التقت حلقتا البطان ولفلان ثلثا المال، وروى أبو خليد عن نافع و {محياي} بكسر الياء، وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى والجحدري و (محيي)، وهذه لغة هذيل ومنه قول أبي ذؤيب:
سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهم....... فتصرعوا ولكل جنب مصرع
وقرأ عيسى بن عمر {صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي} بفتح الياء فيهن وروي ذلك عن عاصم). [المحرر الوجيز: 3/ 505-506]

تفسير قوله تعالى: {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وأنا أوّل المسلمين} أي من هذه الأمة، وقال النقاش من أهل مكة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والمعنى واحد بل الأول أعم وأحسن وقرأت فرقة {وأنا} بإشباع الألف وجمهور القراء على القراءة {وأنا}دون إشباع، وهذا كله في الوصل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وترك الإشباع أحسن لأنها ألف وقف فإذا اتصل الكلام استغنى عنها لا سيما إذا وليتها همزة). [المحرر الوجيز: 3/ 506-507]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 08:02 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 08:02 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ بيّن فضله يوم القيامة في حكمه وعدله فقال:{من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسّيّئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون (160)}
وهذه الآية الكريمة مفصّلةٌ لما أجمل في الآية الأخرى، وهي قوله: {من جاء بالحسنة فله خيرٌ منها} [النّمل: 89]، وقد وردت الأحاديث مطابقةً لهذه الآية، كما قال الإمام أحمد بن حنبلٍ، رحمه اللّه: حدّثنا عفّان، حدّثنا جعفر بن سليمان، حدّثنا الجعد أبو عثمان، عن أبي رجاءٍ العطاردي، عن ابن عباس، رضي اللّه عنهما، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فيما يروي عن ربّه، عزّ وجلّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: «أن ربّكم [عزّ وجلّ] رحيمٌ، من همّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبت له حسنةً، فإن عملها كتبت له عشرًا إلى سبعمائةٍ، إلى أضعافٍ كثيرةٍ. ومن همّ بسيّئةٍ فلم يعملها كتبت له حسنةً، فإن عملها كتبت له واحدةً، أو يمحوها اللّه، عزّ وجلّ، ولا يهلك على اللّه إلّا هالكٌ».
ورواه البخاريّ، ومسلمٌ، والنّسائيّ، من حديث الجعد بن أبي عثمان، به.
وقال [الإمام] أحمد أيضًا: حدّثنا معاوية، حدّثنا الأعمش، عن المعرور بن سويد، عن أبي ذرٍّ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يقول اللّه، عزّ وجلّ: من عمل حسنةً فله عشر أمثالها وأزيد. ومن عمل سيّئةً فجزاؤها مثلها أو أغفر. ومن عمل قراب الأرض خطيئةً ثمّ لقيني لا يشرك بي شيئًا جعلت له مثلها مغفرةً. ومن اقترب إليّ شبرًا اقتربت إليه ذراعًا، ومن اقترب إليّ ذراعًا اقتربت إليه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة».
ورواه مسلمٌ عن أبي كريبٍ، عن أبي معاوية، به. وعن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع، عن الأعمش، به. ورواه ابن ماجه، عن عليّ بن محمّدٍ الطّنافسيّ، عن وكيعٍ، به.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصليّ: حدّثنا شيبان، حدّثنا حمّاد، حدّثنا ثابتٍ، عن أنس بن مالكٍ، رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من همّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبت له حسنةً، فإن عملها كتبت له عشرًا. ومن هم بسيّئةٍ فلم يعملها لم يكتب عليه شيءٌ، فإنّ عملها كتبت عليه سيّئةً واحدةً».
واعلم أنّ تارك السّيّئة الّذي لا يعملها على ثلاثة أقسامٍ: تارةً يتركها للّه [عزّ وجلّ] فهذا تكتب له حسنةٌ على كفّه عنها للّه تعالى، وهذا عملٌ ونيّة؛ ولهذا جاء أنّه يكتب له حسنة، كما جاء في بعض ألفاظ الصّحيح: "فإنّما تركها من جرّائي" أي: من أجلي. وتارةً يتركها نسيانًا وذهولا عنها، فهذا لا له ولا عليه؛ لأنّه لم ينو خيرًا ولا فعل شرًّا. وتارةً يتركها عجزًا وكسلًا بعد السّعي في أسبابها والتّلبّس بما يقرّب منها، فهذا يتنزّل منزلة فاعلها، كما جاء في الحديث، في الصّحيحين: «إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النّار». قالوا: يا رسول اللّه، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: «إنّه كان حريصًا على قتل صاحبه».
قال الإمام أبو يعلى الموصليّ: حدّثنا مجاهد بن موسى، حدّثنا عليٌّ -وحدّثنا الحسن بن الصّبّاح وأبو خيثمة -قالا حدّثنا إسحاق بن سليمان، كلاهما عن موسى بن عبيدة، عن أبي بكر بن عبيد الله ابن أنسٍ، عن جدّه أنسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من همّ بحسنةٍ كتب اللّه له حسنةً، فإن عملها كتبت له عشرًا. ومن همّ بسيّئةٍ لم تكتب عليه حتّى يعملها، فإن عملها كتبت عليه سيّئةً، فإن تركها كتبت له حسنةً. يقول اللّه تعالى: إنّما تركها من مخافتي».
هذا لفظ حديث مجاهدٍ -يعني ابن موسى.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديّ، حدّثنا شيبان بن عبد الرّحمن، عن الرّكين بن الرّبيع، عن أبيه، عن عمّه فلان بن عميلة، عن خريم بن فاتكٍ الأسديّ؛ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «النّاس أربعةٌ، والأعمال ستّةٌ. فالنّاس موسّع له في الدّنيا والآخرة، وموسّعٌ له في الدّنيا مقتور عليه في الآخرة، ومقتورٌ عليه في الدّنيا موسّعٌ له في الآخرة، وشقيٌ في الدّنيا والآخرة. والأعمال موجبتان، ومثلٌ بمثلٍ، وعشرة أضعافٍ، وسبعمائة ضعفٍ؛ فالموجبتان من مات مسلمًا مؤمنًا لا يشرك باللّه شيئًا وجبت له الجنّة، ومن مات كافرًا وجبت له النّار. ومن همّ بحسنةٍ فلم يعملها، فعلم اللّه أنّه قد أشعرها قلبه وحرص عليها، كتبت له حسنةً. ومن همّ بسيّئةٍ لم تكتب عليه، ومن عملها كتبت واحدةً ولم تضاعف عليه. ومن عمل حسنةً كانت عليه بعشرة أمثالها. ومن أنفق نفقةً في سبيل اللّه، عزّ وجلّ، كانت له بسبعمائة ضعفٍ».
ورواه التّرمذيّ والنّسائيّ، من حديث الرّكين بن الرّبيع، عن أبيه، عن بشير بن عميلة، عن خريم بن فاتكٍ، به ببعضه. واللّه أعلم.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا عبيد اللّه بن عمر القواريريّ، حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا حبيبٌ المعلّم، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «يحضر الجمعة ثلاثة نفر: رجلٌ حضرها بلغوٍ فهو حظّه منها، ورجلٌ حضرها بدعاءٍ، فهو رجلٌ دعا اللّه، فإن شاء أعطاه، وإن شاء منعه، ورجلٌ حضرها بإنصاتٍ وسكوتٍ ولم يتخطّ رقبة مسلمٍ ولم يؤذ أحدًا، فهي كفّارةٌ له إلى الجمعة الّتي تليها وزيادة ثلاثة أيّامٍ؛ وذلك لأنّ اللّه يقول: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}».
وقال الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا هاشم بن مرثد، حدّثنا محمّد بن إسماعيل، حدّثني أبي، حدّثني ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيدٍ، عن أبي مالكٍ الأشعريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «الجمعة كفّارةٌ لما بينها وبين الجمعة الّتي تليها وزيادة ثلاثة أيّامٍ؛ وذلك لأنّ اللّه تعالى قال: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}».
وعن أبي ذرٍّ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من صام ثلاثة أيّامٍ من كلّ شهرٍ فقد صام الدّهر كلّه».
رواه الإمام أحمد -وهذا لفظه -والنّسائيّ، وابن ماجه، والتّرمذيّ وزاد: "فأنزل اللّه تصديق ذلك في كتابه: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} اليوم بعشرة أيّامٍ"، ثمّ قال: هذا حديثٌ حسنٌ.
وقال ابن مسعودٍ: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} من جاء ب"لا إله إلّا اللّه"، {ومن جاء بالسّيّئة} يقول: بالشّرك.
وهكذا ورد عن جماعةٍ من السّلف.
وقد ورد فيه حديثٌ مرفوعٌ -اللّه أعلم بصحّته، لكنّي لم أره من وجهٍ يثبت -والأحاديث والآثار في هذا كثيرةٌ جدًّا، وفيما ذكر كفايةٌ، إن شاء اللّه، وبه الثّقة). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 378-380]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {قل إنّني هداني ربّي إلى صراطٍ مستقيمٍ دينًا قيمًا ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين (161) قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه ربّ العالمين (162) لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أوّل المسلمين (163)}
يقول [اللّه] تعالى آمرًا نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم سيّد المرسلين أن يخبر بما أنعم اللّه به عليه من الهداية إلى صراطه المستقيم، الّذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف: {دينًا قيمًا} أي: قائمًا ثابتًا، {ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} كقوله: {ومن يرغب عن ملّة إبراهيم إلا من سفه نفسه} [البقرة: 130]، وقوله: {وجاهدوا في اللّه حقّ جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدّين من حرجٍ ملّة أبيكم إبراهيم} [الحجّ: 78]، وقوله: {إنّ إبراهيم كان أمّةً قانتًا للّه حنيفًا ولم يك من المشركين شاكرًا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراطٍ مستقيمٍ. وآتيناه في الدّنيا حسنةً وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين. ثمّ أوحينا إليك أن اتّبع ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} [النّحل: 120 _ 123].
وليس يلزم من كونه [عليه السّلام] أمر باتّباع ملّة إبراهيم الحنيفيّة أن يكون إبراهيم أكمل منه فيها؛ لأنّه، عليه السّلام قام بها قيامًا عظيمًا، وأكملت له إكمالًا تامًّا لم يسبقه أحدٌ إلى هذا الكمال؛ ولهذا كان خاتم الأنبياء، وسيّد ولد آدم على الإطلاق، وصاحب المقام المحمود الّذي يرهب إليه الخلق حتّى إبراهيم الخليل، عليه السّلام.
وقد قال ابن مردويه: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن حفص، حدّثنا أحمد بن عصام، حدّثنا أبو داود الطّيالسيّ، حدّثنا شعبة، أنبأنا سلمة بن كهيل، سمعت ذرّ بن عبد اللّه الهمداني، يحدّث عن ابن أبزى، عن أبيه قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أصبح قال: «أصبحنا على ملّة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبيّنا محمّدٍ، وملّة [أبينا] إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد، أخبرنا محمّد بن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: قيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أيّ الأديان أحبّ إلى اللّه؟ قال: «الحنيفيّة السّمحة».
وقال [الإمام] أحمد أيضًا: حدّثنا سليمان بن داود، حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي الزّناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، رضي اللّه عنها، قالت: وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذقني على منكبه، لأنظر إلى زفن الحبشة، حتّى كنت الّتي مللت فانصرفت عنه.
قال عبد الرّحمن، عن أبيه قال: قال لي عروة: إنّ عائشة قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومئذٍ: «لتعلم يهود أنّ في ديننا فسحةً، إنّي أرسلت بحنيفيّة سمحة».
أصل الحديث مخرّجٌ في الصّحيحين، والزّيادة لها شواهد من طرقٍ عدّةٍ، وقد استقصيت طرقها في شرح البخاريّ، وللّه الحمد والمنّة). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 380-381]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه ربّ العالمين} يأمره تعالى أن يخبر المشركين الّذين يعبدون غير اللّه ويذبحون لغير اسمه، أنّه مخالفٌ لهم في ذلك، فإنّ صلاته للّه ونسكه على اسمه وحده لا شريك له، وهذا كقوله تعالى: {فصلّ لربّك وانحر} [الكوثر: 2] أي: أخلص له صلاتك وذبيحتك، فإنّ المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها، فأمره اللّه تعالى بمخالفتهم والانحراف عمّا هم فيه، والإقبال بالقصد والنّيّة والعزم على الإخلاص للّه تعالى.
قال مجاهدٌ في قوله: {إنّ صلاتي ونسكي} قال: النّسك: الذّبح في الحجّ والعمرة.
وقال الثّوريّ، عن السّدّي عن سعيد بن جبير: {ونسكي} قال: ذبحي. وكذا قال السّدّي والضّحّاك.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن عوف، حدّثنا أحمد بن خالدٍ الوهبي، حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن زيد بن أبي حبيبٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن جابر بن عبد اللّه قال: ضحّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في يوم عيدٍ بكبشين وقال حين ذبحهما: « وجّهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، {إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه ربّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أوّل المسلمين}»). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 381-382]

تفسير قوله تعالى: {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وأنا أوّل المسلمين} قال قتادة: أي من هذه الأمّة.
وهو كما قال، فإنّ جميع الأنبياء قبله كلّهم كانت دعوتهم إلى الإسلام، وأصله عبادة اللّه وحده لا شريك له، كما قال: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25]، وقد أخبر تعالى عن نوحٍ أنّه قال لقومه: {فإن تولّيتم فما سألتكم من أجرٍ إن أجري إلا على اللّه وأمرت أن أكون من المسلمين} [يونس: 72]، وقال تعالى: {ومن يرغب عن ملّة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدّنيا وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين. إذ قال له ربّه أسلم قال أسلمت لربّ العالمين. ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيّ إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين فلا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون} [البقرة: 130 -132]، وقال يوسف، عليه السّلام: {ربّ قد آتيتني من الملك وعلّمتني من تأويل الأحاديث فاطر السّماوات والأرض أنت وليّي في الدّنيا والآخرة توفّني مسلمًا وألحقني بالصّالحين} [يوسف: 101]، وقال موسى: {يا قوم إن كنتم آمنتم باللّه فعليه توكّلوا إن كنتم مسلمين * فقالوا على اللّه توكّلنا ربّنا لا تجعلنا فتنةً للقوم الظّالمين ونجّنا برحمتك من القوم الكافرين} [يونس: 84 -86]، وقال تعالى: {إنّا أنزلنا التّوراة فيها هدًى ونورٌ يحكم بها النّبيّون الّذين أسلموا للّذين هادوا والرّبّانيّون والأحبار [بما استحفظوا من كتاب اللّه ... الآية} [المائدة: 44]، وقال تعالى: {وإذ أوحيت إلى الحواريّين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنّا واشهد بأنّنا مسلمون} [المائدة: 111].
فأخبر [اللّه] تعالى أنّه بعث رسله بالإسلام، ولكنّهم متفاوتون فيه بحسب شرائعهم الخاصّة الّتي ينسخ بعضها بعضًا، إلى أن نسخت بشريعة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم الّتي لا تنسخ أبد الآبدين، ولا تزال قائمةً منصورةً، وأعلامها مشهورةً إلى قيام السّاعة؛ ولهذا قال عليه [الصلاة والسلام] : «نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحدٌ»؛ فإنّ أولاد العلّات هم الإخوة من أبٍ واحدٍ وأمّهاتٍ شتّى، فالدّين واحدٌ وهو عبادة اللّه وحده لا شريك له، وإن تنوّعت الشّرائع الّتي هي بمنزلة الأمّهات، كما أنّ إخوة الأخياف عكس هذا، بنو الأمّ الواحدة من آباءٍ شتّى، والإخوة الأعيان الأشقّاء من أبٍ واحدٍ وأمٍّ واحدةٍ، واللّه أعلم.
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا أبو سعيدٍ، حدّثنا عبد العزيز بن عبد اللّه الماجشون، حدّثنا عبد الله ابن الفضل الهاشميّ، عن الأعرج، عن عبيد اللّه بن أبي رافعٍ، عن عليٍّ رضي اللّه عنه؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا كبّر استفتح، ثمّ قال: « {وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين} [الأنعام: 79]، {إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه ربّ العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أوّل المسلمين} اللّهمّ أنت الملك، لا إله إلّا أنت، أنت ربّي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا، لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلّا أنت. واصرف عنّي سيّئها لا يصرف عنّي سيّئها إلّا أنت. تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك».
ثمّ ذكر تمام الحديث فيما يقوله في الرّكوع والسّجود والتّشهّد. وقد رواه مسلمٌ في صحيحه). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 382-383]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:48 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة