العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الكهف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 جمادى الآخرة 1434هـ/22-04-2013م, 08:26 PM
الصورة الرمزية منى بكري
منى بكري منى بكري غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 1,049
افتراضي تفسير سورة الكهف [ من الآية (23) إلى الآية (26) ]

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (23) إلى الآية (26) ]

{ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۚ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا (24) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12 جمادى الآخرة 1434هـ/22-04-2013م, 08:27 PM
الصورة الرمزية منى بكري
منى بكري منى بكري غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 1,049
افتراضي

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن الكلبي في قوله تعالى ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله قال إن نسيت فقل ذلك إذا ذكرت وذلك قوله واذكر ربك إذا نسيت). [تفسير عبد الرزاق: 1/400-401]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تقولنّ لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلك غدًا (23) إلاّ أن يشاء اللّه واذكر ربّك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربّي لأقرب من هذا رشدًا}
وهذا تأديبٌ من اللّه عزّ ذكره نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم عهد إليه أن لا يجزم على ما يحدث من الأمور أنّه كائنٌ لا محالة، إلاّ أن يصله بمشيئة اللّه، لأنّه لا يكون شيءٌ إلاّ بمشيئة اللّه.
وإنّما قيل له ذلك فيما بلغنا من أجل أنّه وعد سائليه عن المسائل الثّلاث اللّواتي قد ذكرناها فيما مضى، اللّواتي إحداهنّ المسألة عن أمر الفتية من أصحاب الكهف أن يجيبهم عنهنّ غد يومهم، ولم يستثن، فاحتبس الوحي عنه فيما قيل من أجل ذلك خمس عشرة، حتّى حزّنه إبطاؤه، ثمّ أنزل اللّه عليه الجوّاب عنهنّ، وعرف نبيّه سبب احتباس الوحي عنه، وعلّمه ما الّذي ينبغي له أن يستعمل في عداته وخبره عمّا يحدث من الأمور الّتي لم يأته من اللّه بها تنزيلٌ، فقال: {ولا تقولنّ} يا محمّد {لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلك غدًا} كما قلت لهؤلاء الّذين سألوك عن أمر أصحاب الكهف، والمسائل الّتي سألوك عنها، سأخبركم عنها غدًا). [جامع البيان: 15/223-224]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 23 - 24.
أخرج ابن المنذرعن مجاهد أن قريشا اجتمعت فقالوا: يا محمد قد رغبت عن ديننا ودين آبائنا فما هذا الدين الذي جئت به قال: هذا دين جئت به من الرحمن، فقالوا: إنا لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة - يعنون مسيلمة الكذاب - ثم كاتبوا اليهود فقالوا: قد نبغ فينا رجل يزعم أنه نبي وقد رغب عن ديننا ودين آبائنا ويزعم أن الذي جاء به من الرحمن، قلنا: لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة وهو أمين لا يخون، وفي لا يغدر، صدوق لا يكذب وهو في حسب وثروة من قومه فاكتبوا إلينا بأشياء نسأله عنها، فاجتمعت يهود فقالوا: إن هذا لوصفه وزمانه الذي يخرج فيه، فكتبوا إلى قريش: أن سلوه عن أمر أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح فإن يكن الذي أتاكم به من الرحمن فإن الرحمن هو الله عز وجل وإن يكن من رحمن اليمامة فينقطع، فلما أتى ذلك قريشا أتى الظفر في أنفسها فقالوا: يا محمد قد رغبت عن ديننا ودين آبائنا، فحدثنا عن أمر أصحاب الكهف وذي القرنين والروح، قال: ائتوني غدا، ولم يستثن فمكث جبريل عنه ما شاء الله لا يأتيه ثم أتاه فقال: سألوني عن أشياء لم يكن عندي بها علم فأجيب حتى شق ذلك علي، قال: ألم ترنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة - وكان في البيت جرو كلب - ونزلت {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا (23) إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا} من علم الذي سألتموني عنه أن يأتي قبل غد ونزل ما ذكر من أصحاب الكهف ونزل (ويسألونك عن الروح) (الإسراء 85) الآية). [الدر المنثور: 9/514-516]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم حلف على يمين فمضى له أربعون ليلة فأنزل الله {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا (23) إلا أن يشاء الله} واستثنى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد أربعين ليلة). [الدر المنثور: 9/516]

تفسير قوله تعالى: (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين أن أبا هريرة كان يحدث أن سليمان بن داود كانت له مائة امرأة فقال لأطيفن الليلة بهن فلتلدن كل امرأة منهن غلاما يقاتل فارسا في سبيل الله ولم يستثن قال فلم تلد منهن امرأة إلا امرأة ولدت شطر رجل ولو استثنى لولد له مائة غلام كل غلام يقاتل فارسا). [تفسير عبد الرزاق: 1/401]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال سليمان بن داود لأطيفن الليلة على سبعين امرأة تلد كل امرأة منهن غلاما يقاتل في سبيل الله فقيل له قل إن شاء الله فلم يقل فأطاف بهن فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان قال فقال رسول الله لو قال إن شاء الله لم يحنث وكان دركا لحاجته). [تفسير عبد الرزاق: 1/401]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا حكّام الرّازيّ، عن أبي سنانٍ، عن ثابتٍ، عن عكرمة {واذكر ربّك إذا نسيت} قال: إذا عصيت، وقال بعضهم: إذا غضبت). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 436-437]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ولا تقولنّ لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلك غدًا إلّا أن يشاء الله}
- أخبرنا إبراهيم بن محمّدٍ، حدّثنا ابن داود، عن هشام بن عروة، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: " قال سليمان بن داود عليهما السّلام: لأطوفنّ اللّيلة على مائة امرأةٍ، فتأتي كلّ امرأةٍ برجلٍ يضرب بالسّيف، ولم يقل: إنّ شاء الله، فطاف عليهنّ، فجاءت واحدةٌ بنصف ولدٍ، ولو قال سليمان: إنّ شاء الله لكان ما قال "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/157]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({إلاّ أن يشاء اللّه} ومعنى الكلام: إلاّ أن تقول معه: إن شاء اللّه، فترك ذكر تقول اكتفاءً بما ذكر منه، إذ كان في الكلام دلالةٌ عليه.
وكان بعض أهل العربيّة يقول: جائزٌ أن يكون معنى قوله: {إلاّ أن يشاء اللّه} استثناءٌ من القول، لا من الفعل كأنّ معناه عنده: لا تقولنّ قولاً إلاّ أن يشاء اللّه ذلك القول.
وهذا وجهٌ بعيدٌ من المفهوم بالظّاهر من التّنزيل مع خلافه تأويل أهل التّأويل.
وقوله: {واذكر ربّك إذا نسيت} اختلف أهل التّأويل في معناه، فقال بعضهم: واستثن في يمينك إذا ذكرت أنّك نسيت ذلك في حال اليمين
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن هارون الحربيّ، قال: حدّثنا نعيم بن حمّادٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، في الرّجل يحلف، قال له: أن يستثني ولو إلى سنةٍ، وكان يقول: {واذكر ربّك إذا نسيت} في ذلك قيل للأعمش سمعته من مجاهدٍ، فقال: حدّثني به ليث بن أبي سليمٍ، ترى ذهب كسائي هذا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، في قوله {ولا تقولنّ لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلك غدًا إلاّ أن يشاء اللّه واذكر ربّك إذا نسيت} يقول: إذا نسيت الاستثناء، ثمّ ذكرت فاستثن.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر، عن أبيه، في قوله: {واذكر ربّك إذا نسيت} قال: بلغني أنّ الحسن، قال: إذا ذكر أنّه لم يقل: إن شاء اللّه، فليقل: إن شاء اللّه.
وقال آخرون: بل معناه: واذكر ربّك إذا غضبت.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني نصر بن عبد الرّحمن، قال: حدّثنا حكّام بن سلمٍ، عن أبي سنانٍ، عن ثابتٍ، عن عكرمة، في قول اللّه: {واذكر ربّك إذا نسيت} قال: اذكر ربّك إذا غضبت.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن أبي سنانٍ، عن ثابتٍ، عن عكرمة، مثله.
وأولى القولين في ذلك بالصّواب، قول من قال: معناه: واذكر ربّك إذا تركت ذكره، لأنّ أحد معاني النّسيان في كلام العرب التّرك، وقد بيّنّا ذلك فيما مضى قبل.
فإن قال قائلٌ: أفجائزٌ للرّجل أن يستثني في يمينه إذ كان معنى الكلام ما ذكرت بعد مدّةٍ من حال حلفه؟
قيل: بل الصّواب أن يستثني ولو بعد حنثه في يمينه، فيقول: إن شاء اللّه ليخرج بقيله ذلك ممّا ألزمه اللّه في ذلك بهذه الآية، فيسقط عنه الحرج بتركه ما أمره بقيله من ذلك، فأمّا الكفّارة فلا تسقط عنه بحالٍ، إلاّ أن يكون استثناؤه موصولاً بيمينه.
فإن قال: فما وجه قول من قال: له ثنياه ولو بعد سنةٍ، ومن قال: له ذلك ولو بعد شهرٍ، وقول من قال: ما دام في مجلسه؟
قيل: إنّ معناهم في ذلك نحو معنانا في أنّ ذلك له، ولو بعد عشر سنين، وأنّه باستثنائه وقيله إن شاء اللّه بعد حينٍ من حال حلفه، يسقط عنه الحرج الّذي لو لم يقله كان له لازمًا، فأمّا الكفّارة فله لازمةٌ بالحنث بكلّ حالٍ، إلاّ أن يكون استثناؤه كان موصولاً بالحلف، وذلك أنّا لا نعلم قائلاً قال ممّن قال له الثّنيا بعد حينٍ يزعم أنّ ذلك يضع عنه الكفّارة إذا حنث، ففي ذلك أوضح الدّليل على صحّة ما قلنا في ذلك، وأنّ معنى القوم فيه، كان نحو معنانا فيه.
وقوله: {وقل عسى أن يهدين ربّي لأقرب من هذا رشدًا} يقول عزّ ذكره لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قل ولعلّ اللّه أن يهديني فيسدّدني لأسد ممّا وعدتكم وأخبرتكم أنّه سيكون، إن هو شاء.
وقد قيل: إنّ ذلك ممّا أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقوله إذا نسي الاستثناء في كلامه، الّذي هو عنده في أمرٍ مستقبلٍ مع قوله: إن شاء اللّه، إذا ذكر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر، عن أبيه، عن محمّدٍ رجلٍ من أهل الكوفة كان يفسّر القرآن، وكان يجلس إليه يحيى بن عبّادٍ، قال: {ولا تقولنّ لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلك غدًا (23) إلاّ أن يشاء اللّه واذكر ربّك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربّي لأقرب من هذا رشدًا} قال فقال: وإذا نسي الإنسان أن يقول: إن شاء اللّه، قال: فتوبته من ذلك، أو كفّارة ذلك أن يقول: {عسى أن يهدين ربّي لأقرب من هذا رشدًا} ). [جامع البيان: 15/224-228]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {ولا تقولنّ لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلك غدًا إلّا أن يشاء اللّه} [الكهف: 23].
- عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يرى الاستثناء ولو بعد سنةٍ، ثمّ قرأ: {ولا تقولنّ لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلك غدًا - إلّا أن يشاء اللّه واذكر ربّك إذا نسيت} [الكهف: 23 - 24] يقول: إذا ذكرت.
رواه الطّبرانيّ في الأوسط والكبير، ورجاله ثقاتٌ.
- وعن ابن عبّاسٍ في قوله: {واذكر ربّك إذا نسيت} [الكهف: 24] قال: إذا نسيت الاستثناء فاستثن إذا ذكرت، قال: هي خاصّةٌ لرسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - وليس لأحدنا أن يستثني إلّا في حلفه بيمينه.
رواه الطّبرانيّ في الثّلاثة، وفيه عبد العزيز بن حصينٍ وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/53]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال سعيد عن ابن عبّاس الرقيم اللّوح من رصاص كتب عاملهم أسماءهم ثمّ طرحه في خزانته فضرب الله على آذانهم فناموا
هذا طرف من حديث طويل قال عبد بن حميد في تفسيره ثنا عيسى بن الجنيد ثنا يزيد بن هارون ح وقال لابن أبي حاتم في تفسيره ثنا أبي ثنا عمرو بن عوف ثنا يزيد بن هارون والسياق لعبد أنا سفيان بن حسين عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال غزونا مع معاوية غزوة المصيف فمروا بالكهف الّذي فيه أصحاب الكهف الّذين ذكر الله في القرآن فقال معاوية لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال ابن عبّاس ليس ذلك لك قد منع الله ذلك من هو خير منك فقال {لو اطّلعت عليهم لولّيت منهم فرارًا ولملئت منهم رعبًا} 18 الكهف قال معاوية لا أنتهي حتّى أعلم علمهم قال فبعث ناسا فقال اذهبوا فانظروا فلمّا دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحًا فأخرجتهم فبلغ ذلك ابن عبّاس فأنشأ يحدّثهم عنهم فقال إنّهم كانوا في مملكة ملك من هذه الجبابرة فجعلوا يعبدون حتّى عبدة الأوثان قال وهؤلاء الفتية بالمدينة فلمّا رأوا ذلك خرجوا من تلك المدينة على غير ميعاد فجمعهم الله عزّ وجلّ على غير ميعاد فجعل بعضهم يقول لبعض أين تريدون أين تذهبون قال فجعل بعضهم يخفي من بعض لأنّه لا يدري هذا على ما خرج هذا فأخذ بعضهم على بعض المواثيق أن يخبر بعضهم بعضًا فإن اجتمعوا على شيء وإلّا كتم بعضهم على بعض قال فاجتمعوا على كلمة واحدة {فقالوا ربنا رب السّماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلهًا لقد قلنا إذا شططا هؤلاء قومنا اتّخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممّن افترى على الله كذبا وإذ اعتزلتموهم} إلى قوله {من أمركم مرفقا} 14 16 الكهف قال فهذا قول الفتية قال ففقدوا فجاء أهل هذا يطلبونه لا يدرون أين ذهب وجاء أهل هذا يطلبونه لا يدرون أين ذهب فطلبهم أهلوهم لا يدرون أين ذهبوا فرفع ذلك إلى الملك فقال ليكونن لهؤلاء شأن بعد اليوم قوم خرجوا ولا يدرى أين توجهوا في غير جناية ولا شيء يعرف فدعا بلوح من رصاص فكتب فيه أسماءهم وطرحه في خزانته فذلك قول الله تبارك وتعال 9 الكهف {أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا} والرقيم هو اللّوح الّذي كتبوا قال فانطلقوا حتّى دخلوا الكهف فضرب الله على آذانهم فناموا قال فقال ابن عبّاس والله لو أن الشّمس تطلع عليهم لأحرقتهم ولولا أنهم يقلبون لأكلتهم الأرض فذلك قول الله تبارك وتعالى 17 18 الكهف {وترى الشّمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال} {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} يقول بالفناء {ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} ثمّ إن ذلك الملك ذهب وجاء ملك آخر فكسر تلك الأوثان وعبد الله وعدل في النّاس فبعثهم الله لما يريد فقال بعضهم لبعض {كم لبثتم} قال بعضهم {يومًا} وقال بعضهم {بعض يوم} وقال بعضهم أكثر من ذلك فقال كبيرهم لا تختلفوا فإنّه لم يختلف قوم قطّ إلّا هلكوا قال فقالوا {فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف} يعني بأزكى بأطهر إنّهم كانوا يذبحون الخنازير قال فجاء إلى المدينة فرأى شارة أنكرها وبنيانا أنكره ثمّ دنا إلى خباز فرمى إليه بدرهم فأنكر الخباز الدّرهم وكانت دراهمهم كخفاف الرّبع يعني والرّبع الفصيل قال فأنكر الخباز وقال من أين لك هذا الدّرهم لقد وجدت كنزا لتدلني على هذا الكنز أو لأرفعنك إلى الأمير قال أتخوفني بالأمير وإنّي لدهقان الأمير فقال من أبوك قال فلان فلم يعرفه فقال من الملك فقال فلان فلم يعرفه قال فاجتمع النّاس ورفع إلى عاملهم فسأله فأخبره فقال علّي باللوح قال فجيء به فسمّى أصحابه فلان وفلان وهم في اللّوح مكتوبون قال فقال النّاس قد دلكم الله على إخوانكم قال فانطلقوا فركبوا حتّى أتوا الكهف فقال الفتى مكانكم أنتم حتّى أدخل على أصحابي لا تهجموا عليهم فيفزعوا منكم وهو لا يعلمون إن الله قد أقبل بكم وتاب عليكم فقالوا آلله لتخرجن إلينا قال إن شاء الله فلم يدر أين ذهب وعمي عليهم المكان قال فطلبوا وحرصوا فلم يقدروا على الدّخول عليهم فقالوا أكرموا إخوانكم قال فنظروا في أمرهم فقالوا 21 الكهف {لنتخذن عليهم مسجدا} فجعلوا يصلون عليهم ويستغفرون لهم ويدعون لهم فذلك قول الله تعالى 22 الكهف {فلا تمار فيهم إلّا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا} يعني اليهود {ولا تقولن لشيء إنّي فاعل ذلك غدا (23) إلّا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت} 22 24 الكهف فكان ابن عبّاس يقول إذا قلت شيئا فلم تقل إن شاء الله فقل إذا ذكرت إن شاء الله
هذا إسناد صحيح قد رواه عن سفيان بن حسين أيضا هشيم وغيره وسفيان ابن حسين ثقة حجّة في غير الزّهريّ وإنّما ضعفه من ضعفه في حديث الزّهريّ لأنّه لم يضبط عنه
وقد أخرج البخاريّ ليعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس عدّة أحاديث وعلق هذه القطعة منه فأوردته بتمامه للفائدة
ورويناه من طريق أخرى عن عمر بن قيس عن سعيد بن جبير مختصرا لكنه لم يذكر ابن عبّاس). [تغليق التعليق: 4/244-246] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 23 - 24.
أخرج ابن المنذرعن مجاهد أن قريشا اجتمعت فقالوا: يا محمد قد رغبت عن ديننا ودين آبائنا فما هذا الدين الذي جئت به قال: هذا دين جئت به من الرحمن، فقالوا: إنا لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة - يعنون مسيلمة الكذاب - ثم كاتبوا اليهود فقالوا: قد نبغ فينا رجل يزعم أنه نبي وقد رغب عن ديننا ودين آبائنا ويزعم أن الذي جاء به من الرحمن، قلنا: لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة وهو أمين لا يخون، وفي لا يغدر، صدوق لا يكذب وهو في حسب وثروة من قومه فاكتبوا إلينا بأشياء نسأله عنها، فاجتمعت يهود فقالوا: إن هذا لوصفه وزمانه الذي يخرج فيه، فكتبوا إلى قريش: أن سلوه عن أمر أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح فإن يكن الذي أتاكم به من الرحمن فإن الرحمن هو الله عز وجل وإن يكن من رحمن اليمامة فينقطع، فلما أتى ذلك قريشا أتى الظفر في أنفسها فقالوا: يا محمد قد رغبت عن ديننا ودين آبائنا، فحدثنا عن أمر أصحاب الكهف وذي القرنين والروح، قال: ائتوني غدا، ولم يستثن فمكث جبريل عنه ما شاء الله لا يأتيه ثم أتاه فقال: سألوني عن أشياء لم يكن عندي بها علم فأجيب حتى شق ذلك علي، قال: ألم ترنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة - وكان في البيت جرو كلب - ونزلت {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا (23) إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا} من علم الذي سألتموني عنه أن يأتي قبل غد ونزل ما ذكر من أصحاب الكهف ونزل (ويسألونك عن الروح) (الإسراء 85) الآية). [الدر المنثور: 9/514-516] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم حلف على يمين فمضى له أربعون ليلة فأنزل الله {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا (23) إلا أن يشاء الله} واستثنى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد أربعين ليلة). [الدر المنثور: 9/516] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم، وابن مردويه عن ابن عباس أنه كان يرى الاستثناء ولو بعد سنة ثم قرأ {واذكر ربك إذا نسيت} قال: إذا ذكرت). [الدر المنثور: 9/516]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس في هذه الآية قال: إذا نسيت أن تقول لشيء، إني أفعله فنسيت أن تقول إن شاء الله فقل إذا ذكرت: إن شاء الله). [الدر المنثور: 9/516]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن أبي العالية في قوله: {واذكر ربك إذا نسيت} قال: تستثني إذا ذكرت). [الدر المنثور: 9/517]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير في رجل حلف ونسي أن يستثني قال له: ثنياه إلى شهر وقرأ {واذكر ربك إذا نسيت}). [الدر المنثور: 9/517]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عمرو بن دينار عن عطاء أنه قال: من حلف على يمين فله الثنيا حلب ناقة، وكان طاووس يقول: ما دام في مجلسه). [الدر المنثور: 9/517]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم قال: يستثني مادام في كلامه.
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {واذكر ربك إذا نسيت} قال: إذا نسيت الاستثناء فاستثن إذا ذكرت، قال: هي خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لأحدنا أن يستثني إلا في صلة يمينه). [الدر المنثور: 9/517]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر قال: كل استثناء موصول فلا حنث على صاحبه وإذا كان غير موصول فهو حانث). [الدر المنثور: 9/517]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف فقال: إن شاء الله، فإن شاء مضى وإن شاء رجع غير حانث). [الدر المنثور: 9/518]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال سليمان بن داود عليهما السلام: لأطوقن الليلة على تسعين امرأة تلد كل امرأة منهن غلاما يقاتل في سبيل الله، فقال له الملك: قل إن شاء الله فلم يقل، فطاف فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسأن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو قال إن شاء الله لم يحنث وكان دركا لحاجته). [الدر المنثور: 9/518]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن عكرمة في قوله: {واذكر ربك إذا نسيت} قال: إذا غضبت). [الدر المنثور: 9/518]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن الحسن في قوله: {واذكر ربك إذا نسيت} قال: إذا لم تقل إن شاء الله). [الدر المنثور: 9/518]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي من طريق المعتمر بن سليمان قال: سمعت أبا الحارث عن رجل من أهل الكوفة كان يقرأ القرآن في الآية قال: إذا نسي الإنسان أن يقول إن شاء الله فتوبته من ذلك أن يقول: {عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا} ). [الدر المنثور: 9/519]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن ابن عباس قال: بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة فقالوا: سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته وأخبروهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء فخرجا حتى أتيا المدينة فسألا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفا لهم أمره وبعض قوله وقالا: إنكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، فقالوا لهما: سلوه عن ثلاث فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل وإن لم يفعل فالرجل متقول، فروا فيه رأيكم، سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم فإنه قد كان لهم حديث عجيب، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه وسلوه عن الروح ما هو فإن أخبركم بذلك فإنه نبي فاتبعوه وإلا فهو متقول، فأقبل النضر وعقبة حتى قدما قريش فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور - فأخبراهم بها - فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أخبرنا - فسألوه عما أمروهم به - فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبركم غدا بما سألتم عنه - ولم يستثن - فانصرفوا عنه ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا ولا يأتيه جبريل حتى أرجف أهل مكة وأحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة ثم جاء جبريل من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف وقول الله: (ويسألونك عن الروح) (الإسراء الآية 85) الآية). [الدر المنثور: 9/479-480] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: أن قريشا بعثوا خمسة رهط - منهم عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث - يسألون اليهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفوا لهم صفته فقالوا لهم: نجد نعته وصفته ومبعثه في التوراة فإن كان كما وصفتم لنا فهو نبي مرسل وأمره حق فاتبعه ولكن سلوه عن ثلاث خصال فإنه يخبركم بخصلتين ولا يخبركم بالثالثة، إن كان نبيا فإنا قد سألنا مسيلمة الكذاب عن هؤلاء الثلاث فلم يدر ما هي، فرجعت الرسل إلى قريش بهذا الخبر من اليهود فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أخبرنا عن ذي القرنين الذي بلغ المشرق والمغرب وأخبرنا عن الروح وأخبرنا عن أصحاب الكهف، فقال: أخبركم بذلك غدا، ولم يقل إن شاء الله، فأبطأ عليه جبريل خمسة عشر يوما فلم يأته لترك الاستثناء فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتاه جبريل عليه السلام بما سألوه فقال: يا جبريل أبطأت علي، فقال: بتركك الاستثناء ألا تقول: إن شاء الله قال: (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) (الكهف آية 23) ثم أخبره عن حديث ذي القرنين وخبر الروح وأصحاب الكهف ثم أرسل إلى قريش فأتوه فأخبرهم عن حديث ذي القرنين وقال لهم: الروح من أمر ربي يقول: من علم ربي لا علم لي به فلما وافق قول اليهود أنه لا يخبركم بالثالث (قالوا: سحران تظاهرا) (القصص آية 48) تعاونا - يعني التوراة والفرقان - (وقالوا: إنا بكل كافرون) (القصص آية 48) وحدثهم بحديث أصحاب الكهف). [الدر المنثور: 9/480-481] (م)

تفسير قوله تعالى: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ولبثوا في كهفهم قال في حرف ابن مسعود وقالوا ولبثوا يعني أنه قاله الناس ثلاث مائة سنة وازدادوا تسعا ألا ترى أنه يقول قل الله أعلم بما لبثوا). [تفسير عبد الرزاق: 1/402]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا (25) قل اللّه أعلم بما لبثوا له غيب السّموات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من وليٍّ ولا يشرك في حكمه أحدًا}.
اختلف أهل التّأويل في معنى قوله {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا} فقال بعضهم: ذلك خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن أهل الكتاب أنّهم يقولون ذلك كذلك، واستشهدوا على صحّة قولهم ذلك بقوله: {قل اللّه أعلم بما لبثوا} وقالوا: لو كان ذلك خبرًا من اللّه عن قدر لبثهم في الكهف، لم يكن لقوله {قل اللّه أعلم بما لبثوا} وجهٌ مفهومٌ، وقد أعلم اللّه خلقه مبلغ لبثهم فيه وقدره.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا} هذا قول أهل الكتاب، فردّه اللّه عليهم فقال: {قل اللّه أعلم بما لبثوا له غيب السّموات والأرض}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله {ولبثوا في كهفهم} قال: في حرف ابن مسعودٍ: " وقالوا ولبثوا " يعني أنّه قال النّاس، ألا ترى أنّه قال: {قل اللّه أعلم بما لبثوا}.
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذبٍ، عن مطرٍ الورّاق، في قول اللّه: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين} قال: إنّما هو شيءٌ قالته اليهود، فردّه اللّه عليهم وقال: {قل اللّه أعلم بما لبثوا}.
وقال آخرون: بل ذلك خبرٌ من اللّه عن مبلغ ما لبثوا في كهفهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا قال: عدد ما لبثوا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ بنحوه، وزاد فيه {قل اللّه أعلم بما لبثوا}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن عبد العزيز بن أبي روّادٍ، عن عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ، قال: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا} قال: وتسع سنين.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق بنحوه.
- حدّثنا موسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ، قال: حدّثنا أبو أسامة، قال: حدّثني الأجلح، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ، قال: نزلت هذه الآية {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ} فقالوا: أيّامًا أو أشهرًا أو سنين؟ فأنزل اللّه: {سنين وازدادوا تسعًا}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، ولبثوا في كهفهم قال: بين جبلين.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال كما قال اللّه عزّ ذكره: ولبث أصحاب الكهف في كهفهم رقودًا إلى أن بعثهم اللّه، ليتساءلوا بينهم، وإلى أن أعثر عليهم من أعثر، ثلاث مائةٍ سنين وتسع سنين، وذلك أنّ اللّه بذلك أخبر في كتابه. وأمّا الّذي ذكر عن ابن مسعودٍ أنّه قرأ " وقالوا: ولبثوا في كهفهم " وقول من قال: ذلك من قول أهل الكتاب، وقد ردّ اللّه ذلك عليهم، فإنّ معناهم في ذلك: إن شاء اللّه كان أنّ أهل الكتاب قالوا فيما ذكر على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ للفتية من لدن دخلوا الكهف إلى يومنا ثلاث مائةٍ سنين وتسع سنين، فردّ اللّه ذلك عليهم، وأخبر نبيّه أنّ ذلك قدر لبثهم في الكهف من لدن أووا إليه إلى أن بعثهم ليتساءلوا بينهم، ثمّ قال جلّ ثناؤه لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد: اللّه أعلم بما لبثوا بعد أن قبض أرواحهم، من بعد أن بعثهم من رقدتهم إلى يومهم هذا، لا يعلم ذلك غير اللّه، وغير من أعلمه اللّه ذلك.
فإن قال قائلٌ: وما يدلّ على أنّ ذلك كذلك؟
قيل: الدّالّ على ذلك أنّه جلّ ثناؤه ابتدأ الخبر عن قدر لبثهم في كهفهم ابتداءً، فقال: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا} ولم يضع دليلاً على أنّ ذلك خبرٌ منه عن قول قومٍ قالوه، وغير جائزٍ أن يضاف خبره عن شيءٍ إلى أنّه خبرٌ عن غيره بغير برهانٍ، لأنّ ذلك لو جاز في شىءٍ جاز في كلّ أخباره، وإذا جاز ذلك في أخباره جاز في أخبار غيره أن يضاف إليه أنّها أخباره، وذلك قلب أعيان الحقائق وما لا يخيّل فساده.
فإن ظنّ ظانٌّ أنّ قوله: {قل اللّه أعلم بما لبثوا} دليلٌ على أنّ قوله: {ولبثوا في كهفهم} خبرٌ منه عن قومٍ قالوه، فإنّ ذلك كان يجب أن يكون كذلك لو كان لا يحتمل من التّأويل غيره، فأمّا وهو محتملٌ ما قلنا من أن يكون معناه: قل اللّه أعلم بما لبثوا إلى يوم أنزلنا هذه السّورة، وما أشبه ذلك من المعاني فغير واجبٍ أن يكون ذلك دليلاً على أنّ قوله: {ولبثوا في كهفهم} خبرٌ من اللّه عن قومٍ قالوه، وإذا لم يكن دليلاً على ذلك، ولم يأت خبرٌ بأنّ قوله: {ولبثوا في كهفهم} خبرٌ من اللّه عن قومٍ قالوه، ولا قامت بصحّة ذلك حجّةٌ يجب التّسليم لها، صحّ ما قلنا، وفسد ما خالفه.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ثلاث مائةٍ سنين} فقرأت ذلك عامّة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيّين {ثلاث مائةٍ سنين} بتنوين: ثلاث مائةٍ، بمعنى: ولبثوا في كهفهم سنين ثلاثمائةٍ.
وقرأته عامّة قرّاء أهل الكوفة: ( ثلاث مائة سنين ) بإضافة ثلاث مائةٍ إلى السّنين، غير منوّنٍ.
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصّواب قراءة من قرأه: {ثلاث مائةٍ} بالتّنوين {سنين} وذلك أنّ العرب إنّما تضيف المائة إلى ما يفسّرها إذا جاء تفسيرها بلفظ الواحد، وذلك كقولهم: عندى ثلاث مائة درهمٍ، وعندي مائة دينارٍ، لأنّ المائة والألف عددٌ كثيرٌ، والعرب لا تفسّر ذلك إلاّ بما كان بمعناه في كثرة العدد، والواحد يؤدّي عن الجنس، وليس ذلك للقليل من العدد، وإن كانت العرب ربّما وضعت الجمع القليل موضع الكثير، وليس ذلك بالكثير. وأمّا إذا جاء تفسيرها بلفظ الجميع، فإنّها تنوّن، فتقول: عندي ألف دراهم، وعندي مائة دنانير، على ما قد وصفت). [جامع البيان: 15/228-232]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ولبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين وازدادوا تسعا يعني عدد ما لبثوا). [تفسير مجاهد: 375]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 25 - 26.
أخرج الخطيب في تاريخه عن حكيم بن عقال قال: سمعت عثمان بن عفان يقرأ: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين} منونة). [الدر المنثور: 9/519]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس قال: إن الرجل ليفسر الآية يرى أنها كذلك فيهوي أبعد ما بين السماء والأرض ثم تلا {ولبثوا في كهفهم} الآية، ثم قال: كم لبث القوم قالوا: ثلاثمائة وتسع سنين، قال: لو كانوا لبثوا كذلك لم يقل الله: {قل الله أعلم بما لبثوا} ولكنه حكى مقالة القوم فقال: {سيقولون ثلاثة} إلى قوله: {رجما بالغيب} وأخبر أنهم لا يعلمون قال: سيقولون {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا} ). [الدر المنثور: 9/519]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في حرف ابن مسعود وقالوا لبثوا في كهفهم الآية، يعني إنما قاله الناس، ألا ترى أنه قال: {قل الله أعلم بما لبثوا} ). [الدر المنثور: 9/519-520]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا} قال: هذا قول أهل الكتاب فرد الله عليهم {قل الله أعلم بما لبثوا} ). [الدر المنثور: 9/520]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك قال: لما نزلت هذه الآية {في كهفهم ثلاث مائة} قيل: يا رسول الله أياما أم شهورا أم سنين فأنزل الله {سنين وازدادوا تسعا}.
وأخرج ابن مردويه من وجه آخر عن الضحاك عن ابن عباس موصولا). [الدر المنثور: 9/520]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا} يقول: عدد ما لبثوا). [الدر المنثور: 9/520]

تفسير قوله تعالى: (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) )

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا (25) قل اللّه أعلم بما لبثوا له غيب السّموات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من وليٍّ ولا يشرك في حكمه أحدًا}.
اختلف أهل التّأويل في معنى قوله {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا} فقال بعضهم: ذلك خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن أهل الكتاب أنّهم يقولون ذلك كذلك، واستشهدوا على صحّة قولهم ذلك بقوله: {قل اللّه أعلم بما لبثوا} وقالوا: لو كان ذلك خبرًا من اللّه عن قدر لبثهم في الكهف، لم يكن لقوله {قل اللّه أعلم بما لبثوا} وجهٌ مفهومٌ، وقد أعلم اللّه خلقه مبلغ لبثهم فيه وقدره.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا} هذا قول أهل الكتاب، فردّه اللّه عليهم فقال: {قل اللّه أعلم بما لبثوا له غيب السّموات والأرض}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله {ولبثوا في كهفهم} قال: في حرف ابن مسعودٍ: " وقالوا ولبثوا " يعني أنّه قال النّاس، ألا ترى أنّه قال: {قل اللّه أعلم بما لبثوا}.
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذبٍ، عن مطرٍ الورّاق، في قول اللّه: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين} قال: إنّما هو شيءٌ قالته اليهود، فردّه اللّه عليهم وقال: {قل اللّه أعلم بما لبثوا}.
وقال آخرون: بل ذلك خبرٌ من اللّه عن مبلغ ما لبثوا في كهفهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا قال: عدد ما لبثوا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ بنحوه، وزاد فيه {قل اللّه أعلم بما لبثوا}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن عبد العزيز بن أبي روّادٍ، عن عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ، قال: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا} قال: وتسع سنين.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق بنحوه.
- حدّثنا موسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ، قال: حدّثنا أبو أسامة، قال: حدّثني الأجلح، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ، قال: نزلت هذه الآية {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ} فقالوا: أيّامًا أو أشهرًا أو سنين؟ فأنزل اللّه: {سنين وازدادوا تسعًا}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، ولبثوا في كهفهم قال: بين جبلين.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال كما قال اللّه عزّ ذكره: ولبث أصحاب الكهف في كهفهم رقودًا إلى أن بعثهم اللّه، ليتساءلوا بينهم، وإلى أن أعثر عليهم من أعثر، ثلاث مائةٍ سنين وتسع سنين، وذلك أنّ اللّه بذلك أخبر في كتابه. وأمّا الّذي ذكر عن ابن مسعودٍ أنّه قرأ " وقالوا: ولبثوا في كهفهم " وقول من قال: ذلك من قول أهل الكتاب، وقد ردّ اللّه ذلك عليهم، فإنّ معناهم في ذلك: إن شاء اللّه كان أنّ أهل الكتاب قالوا فيما ذكر على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ للفتية من لدن دخلوا الكهف إلى يومنا ثلاث مائةٍ سنين وتسع سنين، فردّ اللّه ذلك عليهم، وأخبر نبيّه أنّ ذلك قدر لبثهم في الكهف من لدن أووا إليه إلى أن بعثهم ليتساءلوا بينهم، ثمّ قال جلّ ثناؤه لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد: اللّه أعلم بما لبثوا بعد أن قبض أرواحهم، من بعد أن بعثهم من رقدتهم إلى يومهم هذا، لا يعلم ذلك غير اللّه، وغير من أعلمه اللّه ذلك.
فإن قال قائلٌ: وما يدلّ على أنّ ذلك كذلك؟
قيل: الدّالّ على ذلك أنّه جلّ ثناؤه ابتدأ الخبر عن قدر لبثهم في كهفهم ابتداءً، فقال: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا} ولم يضع دليلاً على أنّ ذلك خبرٌ منه عن قول قومٍ قالوه، وغير جائزٍ أن يضاف خبره عن شيءٍ إلى أنّه خبرٌ عن غيره بغير برهانٍ، لأنّ ذلك لو جاز في شىءٍ جاز في كلّ أخباره، وإذا جاز ذلك في أخباره جاز في أخبار غيره أن يضاف إليه أنّها أخباره، وذلك قلب أعيان الحقائق وما لا يخيّل فساده.
فإن ظنّ ظانٌّ أنّ قوله: {قل اللّه أعلم بما لبثوا} دليلٌ على أنّ قوله: {ولبثوا في كهفهم} خبرٌ منه عن قومٍ قالوه، فإنّ ذلك كان يجب أن يكون كذلك لو كان لا يحتمل من التّأويل غيره، فأمّا وهو محتملٌ ما قلنا من أن يكون معناه: قل اللّه أعلم بما لبثوا إلى يوم أنزلنا هذه السّورة، وما أشبه ذلك من المعاني فغير واجبٍ أن يكون ذلك دليلاً على أنّ قوله: {ولبثوا في كهفهم} خبرٌ من اللّه عن قومٍ قالوه، وإذا لم يكن دليلاً على ذلك، ولم يأت خبرٌ بأنّ قوله: {ولبثوا في كهفهم} خبرٌ من اللّه عن قومٍ قالوه، ولا قامت بصحّة ذلك حجّةٌ يجب التّسليم لها، صحّ ما قلنا، وفسد ما خالفه.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ثلاث مائةٍ سنين} فقرأت ذلك عامّة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيّين {ثلاث مائةٍ سنين} بتنوين: ثلاث مائةٍ، بمعنى: ولبثوا في كهفهم سنين ثلاثمائةٍ.
وقرأته عامّة قرّاء أهل الكوفة: ( ثلاث مائة سنين ) بإضافة ثلاث مائةٍ إلى السّنين، غير منوّنٍ.
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصّواب قراءة من قرأه: {ثلاث مائةٍ} بالتّنوين {سنين} وذلك أنّ العرب إنّما تضيف المائة إلى ما يفسّرها إذا جاء تفسيرها بلفظ الواحد، وذلك كقولهم: عندى ثلاث مائة درهمٍ، وعندي مائة دينارٍ، لأنّ المائة والألف عددٌ كثيرٌ، والعرب لا تفسّر ذلك إلاّ بما كان بمعناه في كثرة العدد، والواحد يؤدّي عن الجنس، وليس ذلك للقليل من العدد، وإن كانت العرب ربّما وضعت الجمع القليل موضع الكثير، وليس ذلك بالكثير. وأمّا إذا جاء تفسيرها بلفظ الجميع، فإنّها تنوّن، فتقول: عندي ألف دراهم، وعندي مائة دنانير، على ما قد وصفت). [جامع البيان: 15/228-232]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {له غيب السّموات والأرض} يقول تعالى ذكره: للّه علم غيب السّماوات والأرض وملكه، لا يعزب عنه علم شيءٍ منه، ولا يخفى عليه شيءٌ، يقول: فسلّموا له علم مبلغ ما لبثت الفتية في الكهف إلى يومكم هذا، فإنّ ذلك لا يعلمه سوى الّذي يعلم غيب السّماوات والأرض وليس ذلك إلاّ اللّه الواحد القهّار.
وقوله: {أبصر به وأسمع} يقول: أبصر باللّه وأسمع، وذلك بمعنى المبالغة في المدح، كأنّه قيل: ما أبصره وأسمعه.
وتأويل الكلام: ما أبصر اللّه لكلّ موجودٍ، وأسمعه لكلّ مسموعٍ، لا يخفى عليه من ذلك شيءٌ، كما؛
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {أبصر به وأسمع} فلا أحدٌ أبصر من اللّه ولا أسمع، تبارك وتعالى.
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من وليٍّ} قال: يرى أعمالهم، ويسمع ذلك منهم سميعًا بصيرًا.
وقوله: {ما لهم من دونه من وليٍّ} يقول جلّ ثناؤه: ما لخلقه دون ربّهم الّذي خلقهم وليّ، يلي أمرهم وتدبيرهم، وصرفهم فيما هم فيه مصرّفون. {ولا يشرك في حكمه أحدًا} يقول: ولا يجعل اللّه في قضائه، وحكمه في خلقه أحدًا سواه شريكًا، بل هو المنفرد بالحكم والقضاء فيهم، وتدبيرهم وتصريفهم فيما شاء وأحبّ). [جامع البيان: 15/232-234]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في حرف ابن مسعود وقالوا لبثوا في كهفهم الآية، يعني إنما قاله الناس، ألا ترى أنه قال: {قل الله أعلم بما لبثوا} ). [الدر المنثور: 9/519-520] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا} قال: هذا قول أهل الكتاب فرد الله عليهم {قل الله أعلم بما لبثوا} ). [الدر المنثور: 9/520] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس قال: إن الرجل ليفسر الآية يرى أنها كذلك فيهوي أبعد ما بين السماء والأرض ثم تلا {ولبثوا في كهفهم} الآية، ثم قال: كم لبث القوم قالوا: ثلاثمائة وتسع سنين، قال: لو كانوا لبثوا كذلك لم يقل الله: {قل الله أعلم بما لبثوا} ولكنه حكى مقالة القوم فقال: {سيقولون ثلاثة} إلى قوله: {رجما بالغيب} وأخبر أنهم لا يعلمون قال: سيقولون {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا} ). [الدر المنثور: 9/519] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {أبصر به وأسمع} قال: الله يقوله). [الدر المنثور: 9/521]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {أبصر به وأسمع} قال: لا أحد أبصر من الله ولا أسمع تبارك وتعالى، والله أعلم بالصواب والحمد لله وحده). [الدر المنثور: 9/521]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12 جمادى الآخرة 1434هـ/22-04-2013م, 09:06 PM
الصورة الرمزية منى بكري
منى بكري منى بكري غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 1,049
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا تقولنّ لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلك غداً...}
{إلاّ أن يشاء اللّه...}
إلاّ أن تقول: إن شاء الله (ويكون مع القول: ولا تقولنّه إلا أن يشاء الله) أي إلاّ ما يريد الله). [معاني القرآن: 2/138]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {رجماً بالغيب} والرجم ما لم تستيقنه، وقال: ظن مرجّم لا يدري أحق هو أم باطل؛ قال زهير:
وما الحرب إلاّ ما رأيتم وذقتم.......وما هو عنها بالحديث المرجّم).
[مجاز القرآن: 1/398]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ولا تقولنّ لشيء إنّي فاعل ذلك غدا * إلّا أن يشاء اللّه).
موضع (أن) نصب، المعنى: لا تقولن إني أفعل أبدا إلا بمشيئة اللّه، فإذا قال القائل: إني أفعل ذلك إن شاء اللّه فكأنّه قال: لا أفعل إلا بمشيئة اللّه). [معاني القرآن: 3/278]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله}
روى أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن فتية مضوا في الزمن الأول، وعن رجل طواف وعن الروح؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((غدا أخبركم عن ذلك))، ولم يستثن؛ فمكث عنه جبريل بضع عشرة ليلة، ثم جاءه بسورة الكهف، ونزل في قوله: ((أخبركم به غدا)): {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله}). [معاني القرآن: 4/225-224]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولا تقولنّ لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلك غدًا * إلا أن يشاء اللّه}، يقول: إلا أن تستثني.
قال يحيى: بلغنا أنّ اليهود لمّا سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن أصحاب الكهف قال لهم رسول اللّه: ((أخبركم عنهم غدًا))، فلم يستثن، فأنزل اللّه هذه الآية.
قال: {واذكر ربّك إذا نسيت} إذا نسيت الاستثناء.
{وقل عسى أن يهدين ربّي لأقرب من هذا رشدًا} ومتى ما ذكر الّذي حلف فليقل: إن شاء اللّه؛ لأنّ اللّه أمره أن يقول: إن شاء اللّه.
ومن حلف على يمينٍ فاستثنى قبل أن يتكلّم بين اليمين وبين الاستثناء بشيءٍ فله ثنياه، ولا كفّارة عليه، وإن كان استثنى بعد ما تكلّم بعد اليمين قبل الاستثناء، متى ما استثنى فالكفّارة لازمةٌ له، ويسقط عنه المأثم حيث استثنى؛ لأنّه كان ركب ما نهي عنه من تركه ما أمر به من الاستثناء، أي: لا يقول: إنّي أفعل حتّى يقول: إن شاء اللّه، ولا يقول: لا أفعل حتّى يقول:إن شاء اللّه.
عمّارٌ، عن عمرٍو، عن الحسن، قال: (أمر ألا يقول لشيءٍ في الغيب: {إنّي فاعلٌ ذلك غدًا} دون أن يستثني، إلا أن ينسى الاستثناء، وأمر أن يستثني إذا ذكره).
فكان الحسن يقول: ( إذا حلف الرّجل على شيءٍ وهو ذاكرٌ للاستثناء فلم يستثن فلا ثنيا له، وإن حلف على شيءٍ وهو ناسٍ للاستثناء فله ثنياه، ما دام في مجلسه ذلك، تكلّم أو لم يتكلّم ما لم يقم).
- ابن لهيعة، عن بكر بن سوادة أنّ ابن عبّاسٍ قال: (إذا حلف ثمّ قال: إن شاء اللّه فليس عليه كفّارةٌ).
- حمّادٌ، عن أيّوب، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((من حلف ثمّ قال: إن شاء اللّه فهو بالخيار، إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل)).
- حدّثني محلٌّ، عن إبراهيم، قال: ليس الاستثناء بشيءٍ حتّى تجهر به كما تجهر باليمين.
قال يحيى: يعني أنّ استثناءه في قلبه ليس بشيءٍ حتّى يتكلّم به لسانه.
الرّبيع بن صبيحٍ، عن الحسن قال: (من حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الّذي هو خيرٌ، وليكفّر يمينه، الإطلاق أو عتاقٌ) ). [تفسير القرآن العظيم: 1/178-180]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {واذكر رّبّك إذا نسيت} قال ابن عبّاس: إذا حلفت فنسيت أن تستثنى فاستثن متى ما ذكرت ما لم تحنث).
[معاني القرآن: 2/138]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({إلاّ أن يشاء اللّه واذكر رّبّك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربّي لأقرب من هذا رشداً}
وقال: {إلاّ أن يشاء اللّه} أي: إلاّ أن تقول: "إن شاء الله" فأجزأ من ذلك هذا، وكذلك إذا طال الكلام أجزأ فيه شبيه بالإيماء لأنّ بعضه يدل على بعض). [معاني القرآن: 2/76]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ولا تقولنّ لشيء إنّي فاعل ذلك غدا * إلّا أن يشاء اللّه}.
موضع (أن) نصب، المعنى: لا تقولن إني أفعل أبدا إلا بمشيئة اللّه، فإذا قال القائل: إني أفعل ذلك إن شاء اللّه فكأنّه قال: لا أفعل إلا بمشيئة اللّه). [معاني القرآن: 3/278] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {واذكر ربّك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربّي لأقرب من هذا رشدا}
أي أي وقت ذكرت أنك لم تستثن، فاستثن، وقل: إن شاء اللّه.
{وقل عسى أن يهدين ربّي لأقرب من هذا رشدا} أي قل عسى أن يعطيني من الآيات والدلالات على النبوة ما يكون أقرب في الرشد وأدل من قصة أصحاب الكهف). [معاني القرآن: 3/278]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله}
روى أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن فتية مضوا في الزمن الأول وعن رجل طواف وعن الروح؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((غدا أخبركم عن ذلك))، ولم يستثن؛ فمكث عنه جبريل بضع عشرة ليلة، ثم جاءه بسورة الكهف ونزل في قوله: ((أخبركم به غدا)): {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله} ). [معاني القرآن: 4/225-224] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( ثم قال جل وعز: {وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا} أي عسى أن يعطيني من الآيات والدلائل ما هو أرشد وأبين من خبر أصحاب الكهف). [معاني القرآن: 4/225]

تفسير قوله تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ} ثمّ أخبر ما تلك الثّلاث مائةٍ، فقال: {سنين وازدادوا تسعًا}، أي: تسع سنين.
تفسير قتادة قال: هذا قول أهل الكتاب، رجع إلى أوّل الكلام: {سيقولون ثلاثةٌ رابعهم كلبهم ويقولون خمسةٌ سادسهم كلبهم رجمًا بالغيب ويقولون سبعةٌ وثامنهم} ....
ويقولون: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/180]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ثلاث مئةٍ سنين...}

مضافة. وقد قرأ كثير من القراء (ثلاث مئةٍ سنين) يريدون ولبثوا في كهفهم سنين فينصبونها بالفعل.
ومن العرب من يضع السنين في موضع سنة فهي حينئذ في موضع خفض لمن أضاف. ومن نوّن على هذا المعنى يريد الإضافة نصب السّنين بالتفسير للعدد كقول عنترة:
فيها اثنتان وأربعون حلوبةً.......سودا كخافية الغراب الأسحم
فجعل (سوداً) وهي جمع مفسّرة كما يفسّر الواحد). [معاني القرآن: 2/138]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ( {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً}
وقال: (ثلاث مائة سنين) على البدل من (ثلاث) ومن "المائة" أي: لبثوا ثلاث مائة" فإن كانت السنون تفسير للمائة فهي جرّ وإن كانت تفسيرا للثّلاث فيه نصب). [معاني القرآن: 2/76]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة عثمان بن عفان {ثلاث مائة سنين} وهي قراءة الحسن وأبي عمرو وأهل المدينة وأهل مكة.
وقراءة أصحاب عبد الله {ثلاث مائة سنين} على الإضافة.
قراءة أبي "ثلاث مائة سنة" وهي أسهلها، لولا مخالفة الكتاف.
[معاني القرآن لقطرب: 848]
فأما {ثلاث مائة سنين} فكقولك: ثلاثمئة رجال، أو حسان، على الوصف إذا كان وصفًا، أو على العطف كالوصف إذا كان اسمًا؛ وليس مما يبين به الجنس من أي نوع هو؛ لأن ذلك إنما يبين بالواحد، تقول: عشرون درهمًا، ومئة درهمًا، فتبين من أي نوع الجنس بالواحد.
وأما من أضاف {ثلاث مائة سنين} فإنما جاء به على الأصل؛ لأن المعنى ذلك، إذا قال: مئة درهم؛ فالمعنى: مئة من الدراهم، ومئة من السنين، واللغة إنما تستعمل الواحد فيما يبين به من أي نوع العدد). [معاني القرآن لقطرب: 849]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين} ولم يقل: سنة. كأنه قال: ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة.
ثم قال: (سنين). أي ليست شهورا ولا أياما. ولم يخرج مخرج ثلاثمائة درهم.
وروي ابن فضيل عن الأجلح، عن الضحاك، قال: نزلت ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة. فقالوا: أيام أو أشهر أو سنين؟ فنزلت: سنين. {وازدادوا تسعاً} ). [تفسير غريب القرآن: 266]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا }
جائز أن يكون (سنين) نصبا، وجائز أن تكون جرّا.
فأما النصب فعلى معنى فلبثوا في كهفهم سنين ثلاثمائة، ويكون على تقدير آخر "سنين" معطوفا على ثلاث عطف البيان والتوكيد، وجائز أن تكون (سنين) من نعت المائة،
وهو راجع في المعنى إلى ثلاث كما قال الشاعر:
فيها اثنتان وأربعون حلوبة.......سودا كخافية الغراب الأسحم
فجعل سودا نعتا لحلوبة، وهو في المعنى نعت لجملة العدد، فجائز أن يكون: ولبثوا في كهفهم، محمولا على قوله: سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون لبثوا في كهفهم وهذا القول دليله قوله: {قل اللّه أعلم بما لبثوا}.
ويجوز - وهو الأجود عندي - أنه إخبار عن الله أخبرهم بطول لبثهم.
وأعلم أنّه أعلم بذلك.
وكان هذا أبلغ في الآية فيهم أن يكون الصحيح أنهم قد لبثوا هذا العدد كلّه.
فأمّا قوله: {وازدادوا تسعا}.
فلا يكون على معنى وازدادوا تسع ليال، ولا تسع ساعات، لأن العدد يعرف تفسيره، وإذا تقدم تفسيره استغنى بما تقدم عن إعادة ذكر التفسير.
تقول: عندي مائة درهم وخمسة فيكون الخمسة قد دل عليها ذكر الدرهم
وكذلك قوله: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشرا}.
قال أبو العباس محمد بن يزيد: (وعشرا) معناه وعشر مدد، وتلك المدد كل مدة منها يوم وليلة، والعرب تقول: ما رأيته منذ عشر.
وأتيته لعشر خلون، فيغلّبون الليالي على ذكر الأيام، والأيام داخلة في الليالي والليالي مع اليوم مدة معلومة من الدهر، فتأنيث عشر يدل على أنه لا يراد به أشهر فهذا أحسن ما فسّر في هذه الآية). [معاني القرآن: 3/279-278]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا} في معناه ثلاثة أقوال:
أ- قال مجاهد: هذا عدد ما لبثوا.
ب- وقال قتادة: في قراءة ابن مسعود (وقالوا لبثوا في كهفهم).
ج- والقول الثالث: أن الله خبر بما لبثوا إلى أن بعثوا من الكهف ولا نعلم كم مذ بعثوا إلى هذا الوقت؛ فقال سبحانه: {قل الله أعلم بما لبثوا} أي من أي وقت مبعثهم إلى هذا الوقت.
قال أبو جعفر: وأحسن هذه الأقوال الأول وإنما يقع الإشكال فيه لقوله جل وعز: {قل الله أعلم بما لبثوا} ففر قوم إلى أن قالوا هو معطوف على قوله تعالى: {سيقولون}.
قال أبو جعفر: وإنما اخترنا القول الأول لأنه أبلغ وأن ابن فضيل روى عن الأجلح عن الضحاك قال لما أنزلت ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة قالوا أسنين أم شهروا أم أياما فأنزل الله جل وعز: {سنين}.
قال أبو جعفر: فأما ما أشكل من قوله تعالى: {قل الله أعلم بما لبثوا} فنحن نبينه يجوز أن يكون لما اختلفوا في مقدار ما لبثوا ثم أخبر الله جل وعز به؛ فقال: {قل الله أعلم بما لبثوا} أي هو أعلم به من المختلفين فيه.
وقول آخر أحسن من هذا: أن يكون اعلم بمعنى عالم وذلك كثير موجود في كلام العرب قال الله جل وعز: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه}
أجود الأقوال فيه أن معناه هو هين عليه وهو اختيار أبي العباس ومنه الله أكبر بمعنى كبير ومنه قول الفرزدق:
إن الذي سمك السماء بنى لنا.......بيتا دعائمه أعز وأطول
وقول الآخر:
أصبحت أمنحك الصدود وإنني.......قسما إليك مع الصدود لأميل
وقول الآخر:
لعمرك ما أدري وإني لأوجل.......على أينا تعدو المنية أول).
[معاني القرآن: 4/228-225]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ({ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين} قال ثعلب: وهذا كله وبعده أخبار عمن عدهم في القرآن، لأنه
قال: {قل الله أعلم بما لبثوا} . قال: وقوله - عز وجل: {وازدادوا تسعا} هو - أيضا - إخبار عمن عدهم، ولم يصب. قال الشيخ أبو عمر: سنين بمعنى: سنة،
وهذا لفظ جمع بمعنى واحد، كما جاء لفظ الواحد بمعنى الجمع، وهو قوله - جل وعز: {إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا} والإنسان بمعنى: الناس - هاهنا -؛ لأن الجماعة لا تستثني من واحد،
ومن قرأ: (ثَلاثمِائَةٍ سِنِينَ) جعله على البدل، ومن قراء: (ثَلاثمائةَ سِنِينَ) جعله على الترجمة). [ياقوتة الصراط: 323-322]

تفسير قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال قتادة: فردّ اللّه على نبيّه فقال: {قل اللّه أعلم بما لبثوا له غيب السّموات والأرض} يعلم غيب السّموات والأرض.
{أبصر به وأسمع}، يقول: ما أبصره وأسمعه، كقول الرّجل للرّجل: أفقه به، وأشباه ذلك.
سعيدٌ، عن قتادة قال: لا أحد أبصر من اللّه ولا أسمع من اللّه.
قوله: {ما لهم من دونه من وليٍّ} يمنعهم من عذاب اللّه.
{ولا يشرك في حكمه أحدًا} وهي تقرأ بالياء والتّاء.
يقولون: ولا تشرك يا محمّد في حكمه أحدًا، يقول: حتّى تجعله معه شريكًا في حكمه وقضائه وأموره.
ومن قرأها بالياء يقول: ولا يشرك اللّه في حكمه أحدًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/180]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أبصر به وأسمع...}

يريد الله تبارك وتعالى كقولك في الكلام: أكرم بعبد الله ومعناه: ما أكرم عبد الله وكذلك قوله: {أسمع بهم وأبصر}: ما أسمعهم ما أبصرهم. وكلّ ما كان فيه معنى من المدح والذمّ فإنك تقول فيه: أظرف به وأكرم به، ومن الياء والواو: أطيب به طعاماً، وأجود به ثوباً، ومن المضاعف تظهر فيه التضعيف ولا يجوز الإدغام، كما لم يجز نقص الياء ولا الواو؛ لأن أصله ما أجوده وما أشدّه وأطيبه فترك على ذلك، وأما أشدد به فإنه ظهر التضعيف لسكون اللام من الفعل، وترك فيه التضعيف فلم يدغم لأنه لا يثنّى ولا يؤنّث، لا تقول للاثنين: أشدّا بهما، ولا للقوم أشدّوا بهم. وإنما استجازت العرب أن يقولوا مدّ في موضع امدد لأنهم قد يقولون في الاثنين: مدّا وللجميع: مدّوا، فبنى الواحد على الجميع.
وقوله: {ولا يشرك في حكمه أحداً} ترفع إذا كان بالياء على: وليس يشرك. ومن قال {لا تشرك} جزمها لأنها نهي). [معاني القرآن: 2/139]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ((ثلثمائةٍ سنين) مقدّم ومؤخّر، مجازه: سنين ثلثمائة). [مجاز القرآن: 1/398]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قل اللّه أعلم بما لبثوا له غيب السّماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم مّن دونه من وليٍّ ولا يشرك في حكمه أحداً}
وقال: {أبصر به وأسمع} أي: ما أبصره وأسمعه كما تقول: "أكرم به" أي: ما أكرمه. وذلك أن العرب تقول: "يا أمة الله أكرم بزيدٍ" فهذا معنى ما أكرمه ولو كان يأمرها أن تفعل لقال "أكرمي زيداً). [معاني القرآن: 2/76]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الأعرج وأبو عمرو والأعمش وأبو جعفر وشيبة ونافع {ولا يشرك في حكمه أحدا} يرفع على الخبر.
إلا أن الحسن كان يقرأها {ولا تشرك} على النهي؛ كأنه قال: يا محمد لا تشرك). [معاني القرآن لقطرب: 849]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {أبصر به وأسمع} فيكون على مثل: أطرف به رجلاً؛ يريد التعجب ما أطرفه؛ وما أسمعه وأبصره يومئذ؛ قال {فبصرك اليوم حديد} ). [معاني القرآن لقطرب: 882]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({أبصر به واسمع}: ما أبصرهم وأسمعهم). [غريب القرآن وتفسيره: 227]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( ثم قال: {قل اللّه أعلم بما لبثوا} وقد بيّن لنا قبل هذا كم لبثوا. والمعنى أنهم اختلفوا في مدة لبثهم.
فقال اللّه عز وجل: {ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا}. وأنا أعلم بما لبثوا من المختلفين.
{أبصر به وأسمع} أي ما أبصره وأسمعه!). [تفسير غريب القرآن: 266]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل اللّه أعلم بما لبثوا له غيب السّماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من وليّ ولا يشرك في حكمه أحدا}
(أبصر به وأسمع} أجمعت العلماء أن معناه ما أسمعه وأبصره. أي هو عالم بقصة أصحاب الكهف وغيرهم:
وقوله: {ولا يشرك في حكمه أحدا}.
قرئت: {ولا يشرك} على النهي.
والآية - واللّه أعلم - تدل على أحد معنيين:
أحدهما أنه أجرى ذكر علمه وقدرته، فأعلم عزّ وجلّ أنه لا يشرك في حكمه مما يخبر به من الغيب أحدا، كما قال: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا}
وكذلك إذا قرئت: ولا تشرك - بالتاء - في حكمه أحدا، أي لا تنسبنّ أحدا إلى علم الغيب، ويكون - واللّه أعلم، وهو جيد بالغ - على معنى أنه لا يجوز أن يحكم حاكم إلا بما حكم اللّه، أو بما يدل عليه حكم اللّه، وليس لأحد أن يحكم من ذات نفسه، فيكون شريكا للّه في حكمه، يأمر بحكم كما أمر اللّه عزّ وجلّ). [معاني القرآن: 3/280-279]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {أبصر به وأسمع} المعنى ما أبصره وأسمعه أي هو عالم بقصة أصحاب الكهف وغيرهم). [معاني القرآن: 4/228]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( ثم قال رجل وعز: {ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا}
نظيره قوله تعالى: {فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول}
ومن قرأ {ولا تشرك في حكمه أحدا} فمعناه عنده لا تنسب أحدا إلى أنه يعلم الغيب). [معاني القرآن: 4/229]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَبْصِرْ به}: ما أبصره.
{وأَسْمِع}: ما أسمعه). [العمدة في غريب القرآن: 188]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 12 جمادى الآخرة 1434هـ/22-04-2013م, 10:37 PM
الصورة الرمزية منى بكري
منى بكري منى بكري غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 1,049
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23)}
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (فمما جاء فيه النون في كتاب الله عز وجل: {ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون} {ولا تقولن لشيءٍ إني فاعلٌ ذلك غداً} وقوله تعالى: {ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله} و: {ليسجنن وليكونن من الصاغرين} وليكونن خفيفة
وأما الخفيفة فقوله تعالى: {لنسفعن بالناصية} ). [الكتاب: 3/509-510] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب النونين الثقيلة والخفيفةومعرفة مواقعها من الأفعال
اعلم أنهما لا تدخلان من الأفعال إلا على ما لم يجب، ولا يكون من ذلك إلا في الفعل الذي يؤكد ليقع.
وذلك ما لم يكن خبراً فيما ضارع القسم. فأما القسم فإحداهما فيه واجبةٌ لا محالة. وأما ما ضارعه فأنت فيه مخير. وذلك قولك في القسم: والله لأقومن، وحق زيد لأمضين، فيلحق النون إما خفيفة وإما ثقيلةً، لا يكون القسم إلا كذاك. وقد شرحنا ذلك في باب القسم: لم كانت فيه واجبة؟ وأما الثقيلة فكقوله عز وجل: (ليسجنن وليكوننّ من الصاغرين). وأما الخفيفة فعلى قراءة من قرأ: {وليكونن من الصاغرين}، وكقوله: {كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية}، وقال الشاعر:

وفي ذمتي لئن فعلت ليفعلا
فمن مواضعها: الأمر، والنهي؛ لأنهما غير واجبين. وذلك قولك - إذا لم تأت بهما -:اضرب، ولا تضرب، فإذا أتيت بها قلت: اضربن زيدا، ولا تضربن زيدا، وإن شئت ثقلت النون، وإن شئت خففتها. وهي - إذا خففت - مؤكدة، وإذا ثقلت فهي أشد توكيدا، وإن شئت لم تأت بها فقلت: اضرب، ولا تضرب.
قال الله عز وجل: {ولا تقولن لشيءٍ إني فاعلٌ ذلك غدًا}، وقال: {ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون}، وقال: {فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}. وقال الشاعر في الخفيفة:

فـــــإيـــــاك والــمـــيـــتـــات لا تــقــربــنــهـــا.......ولا تأخذن سهماً حديداً لتفصدا
وقال الآخر:
فأنزلن سكينةً علينا
والطلب يجري مجرى الأمر والنهي، وقد مضى القول في هذا.
ومن مواضعهما: الاستفهام؛ لأنه غير واجب. وذلك قولك: هل تضربن زيداً، وهل يقومن زيد يا فتى.
وتدخل الخفيفة كما دخلت الثقيلة؛ لأنهما في التوكيد على ما ذكرت لك ومن مواضعها: الجزاء إذا لحقت ما زائدةً في حرف الجزاء؛ لأنها تكون كاللام التي تلحق في القسم في قولك: لأفعلن، وذلك قولك: إما تأتيني آتك، ومتى ما تقعدن أقعد. فمن ذلك قول الله عز وجل: {فإما ترين من البشر أحداً}، وقال: {وإما تعرضن عنهم}.
فإن كان الجزاء بغير ما قبح دخولها فيه، لأنه خبر يجب آخره بوجوب أوله. وإنما يجوز دخولها الجزاء بغير ما في الشعر للضرورة؛ كما يجوز ذلك في الخبر. فمن ذلك قوله:
من تثقفن منهم فليس بآئبٍ.......أبـداً، وقتـل بنـي قتيبـة شـافـي
فهذا يجوز؛ كما قال في الخبر:

ربما أوفيـت فـي علـمٍ.......ترفعن ثوبي شمالات
ومن أمثال العرب: بعينٍ ما أرينك وبألمٍ ما تختننه. فإنما أدخل النون من أجل ما الزائدة كاللام كما ذكرت لك). [المقتضب: 3/11-15] (م)

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)}

تفسير قوله تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)}
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فأما قولك: مائة درهم، ومائة جارية، وألف غلام، وألف جارية فلا يكون فيه غلا هذا؛ لأنه ليس بمنزلة ثلاثة وما بعدها إلى عشرة ولا ثلاث عشر؛ لأن الثلاث والثلاثة على مئين وقع، أو على ألوف، أو غير ذلك. ففيهن أقل العدد مما وقعن عليه.
ومجاز مائة وألف في أنه لا يكون لأدنى العدد مجاز أحد عشر درهماً فما فوق.
فأما قوله عز وجل: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين} فإنه على البدل لأنه لما قال: ثلاثمائة ثم ذكر السنين ليعلم ما ذلك العدد? ولو قال قائل: أقاموا سنين يا فتى، ثم قال: مئين أو ثلاثمائة لكان على البدل، ليبين: كم مقدار تلك السنين?
قد قرأ بعض القراء بالإضافة فقال: ثلاث مائة سنين وهذا خطأ في الكلام غير جائز. وإنما يجوز مثله في الشعر للضرورة، وجوازه في الشعر أنا نحمله على المعنى؛ لأنه في المعنى جماعة وقد جاز في الشعر أن تفرد وأنت تريد الجماعة إذا كان في الكلام دليل على الجمع فمن ذلك قوله:
كلوا في نصف بطنكم تعيشوا.......فــــــإن زمــانــكــم زمــــــنٌ خــمــيـــص
وقال آخر:
إن تـقـتـلـوا الــيــوم فــقـــد سـبـيـنــا.......في حلقكم عظمٌ وقد شجينا
وينشد: شربنا.
وقال علقمة بن عبدة:
بها جيف الحسرى فأما عظامها.......فـبــيــضٌ وأمـــــا جـلــدهــا فـصـلـيــب
وأما قوله عز وجل: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم} فليس من هذا؛ لأن السمع مصدر، والمصدر يقع للواحد والجمع.
وكذلك قول الشاعر، وهو جرير:
إن العيون التي في طرفها مرضٌ.......قـتـلـنـنــا ثــــــم لــــــم يـحـيــيــن قــتــلانــا
لأن الطرف مصدر.
وأما قول الله عز وجل: {ثم يخرجكم طفلاً} وقوله: {فإن طبن لكم عن شيءٍ منه نفساً} فإنه أفرد هذا، لأن مخرجهما مخرج التمييز؛ كما تقول: زيد أحسن الناس ثوباً، وأفره الناس مركباً. وإنه ليحسن ثوباً، ويكثر أمةً وعبداً). [المقتضب: 2/168-171]

قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (قال أبو العباس: من قال: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ} فهو الاختيار؛ لأن السنين جمع، ولا تخرج مفسرة، كأنه قال: ولبثوا في كهفهم سنين ثلثمائة، فالسنون تابعة للثلثمائة، والثلثمائة تابعة للسنون. وإذا قال ثلثمائة سنين فأضاف، فإن السنين فيها لغات، يقال هذه سنون فاعلم، ومررت بسنين فاعلم. هذا جمع على ما فسرنا. ولغة يقولون هذه سنينك، ومرت سنينك، فيثبتون النون، فيجعلونها كالواحد، فعلى هذه أضافوا. قال: وأنشد الفراء وأصحابنا:
ذراني من نجد فإن سنينه.......لعبـن بناشيبًـا وشيبننـا مـردا
فعلى هذا أضافوا. وأنشد:
سنيني كلها لا قيـت حربـا.......أعد من الصلادمة الذكور
ينون ولا ينون، فمن نون جعله كالواحد ومن لم ينون قال: هو معدول عن الجميع إلى الواحد). [مجالس ثعلب: 265-266]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328هـ): (ومما يفسر من كتاب الله جل اسمه تفسيرين متضادين، قوله جل وعز: {ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا}، يقال، هذا ما أخبر الله جل وعز به، ودل العالم فيه على حقيقة لبثهم.
وقال آخرون: هذا مما حكاه الله عز وجل عن نصارى نجران، ولم يصحح قولهم وما ادعوه فيه، واحتجوا بقراءة عبد الله بن مسعود: (قالوا ولبثوا في كهفهم)، واحتجوا أيضا بقوله جل وعز: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم}، فقوله: {لبثوا} منعطف على قولهم الأول، وغير خارجمن معناه.
وقالوا: الدليل على أنه من كلام نصارى نجران، قوله عز وجل: {قل الله أعلم بما لبثوا}، أي لا تقبل ذا القول منهم؛ وهذا من المبهمات التي لا يعلمها راسخ في في العلم، بل ينفرد الله عز وجل بعلمها دون خلقه.
وقال أصحاب القول الأول: قوله جل وعز: {قل الله أعلم بما لبثوا}، معناه: الله أعلم بلبثهم مذ يوم أميتوا إلى هذا الوقت، ومقدار لبثهم مذ يوم ضرب على آذانهم في الكهف إلى وقت انتباههم ثلاثمائة سنة وتسع سنين؛ وقد استقصينا تفسير هذه المسألة في كتاب (الرد على أهل الإلحاد في القرآن) ). [كتاب الأضداد: 367-368]

تفسير قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)}
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ (ت: 328هـ): (ومما يفسر من كتاب الله جل اسمه تفسيرين متضادين، قوله جل وعز: {ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا}، يقال، هذا ما أخبر الله جل وعز به، ودل العالم فيه على حقيقة لبثهم.
وقال آخرون: هذا مما حكاه الله عز وجل عن نصارى نجران، ولم يصحح قولهم وما ادعوه فيه، واحتجوا بقراءة عبد الله بن مسعود: (قالوا ولبثوا في كهفهم)، واحتجوا أيضا بقوله جل وعز: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم}، فقوله: {لبثوا} منعطف على قولهم الأول، وغير خارجمن معناه.
وقالوا: الدليل على أنه من كلام نصارى نجران، قوله عز وجل: {قل الله أعلم بما لبثوا}، أي لا تقبل ذا القول منهم؛ وهذا من المبهمات التي لا يعلمها راسخ في في العلم، بل ينفرد الله عز وجل بعلمها دون خلقه.
وقال أصحاب القول الأول: قوله جل وعز: {قل الله أعلم بما لبثوا}، معناه: الله أعلم بلبثهم مذ يوم أميتوا إلى هذا الوقت، ومقدار لبثهم مذ يوم ضرب على آذانهم في الكهف إلى وقت انتباههم ثلاثمائة سنة وتسع سنين؛ وقد استقصينا تفسير هذه المسألة في كتاب (الرد على أهل الإلحاد في القرآن) ). [كتاب الأضداد:367- 368] (م)

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 08:59 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 09:00 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 09:12 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا (23)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولا تقولن لشيء} الآية. عاتب الله تعالى فيها نبيه صلي الله عليه وسلم على قوله للكفار: غدا أخبركم بجواب أسئلتكم، ولم يستثني في ذلك، فاحتبس عنه الوحي خمسة عشر يوما حتى شق ذلك عليه، وأرجف الكفار به، فنزلت عليه هذه السورة مفرجة، وأمر في هذه الآية ألا يقول في أمر من الأمور: إني أفعل غدا كذا وكذا إلا وأن يعلق ذلك بمشيئة الله عز وجل. واللام في قوله تعالى: "لشيء" بمنزلة "في"، أو كأنه قال: لأجل شيء). [المحرر الوجيز: 5/590]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۚ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا (24)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {إلا أن يشاء الله}، في الكلام حذف يقتضيه الظاهر ويحسنه الإيجاز، تقديره: إلا أن تقول "إلا أن يشاء الله"، أو إلا أن تقول "إن شاء الله". فالمعنى: إلا أن تذكر مشيئة الله، فليس إلا أن يشاء الله من القول الذي نهي عنه. وقالت فرقة: قوله: {إلا أن يشاء الله} استثناء من قوله: "ولا تقولن".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا قول حكاه الطبري ورد عليه، وهو من الفساد بحيث كان الواجب ألا يحكى.
وقوله تعالى: {واذكر ربك إذا نسيت} قال ابن عباس، والحسن: معناه والإشارة به إلى الاستثناء، أي: ولتستثن بعد مدة إذا نسيت الاستثناء أولا لتخرج من جملة من لم يعلق فعله بمشيئة الله، وقال عكرمة: المعنى: واذكر ربك إذا غضبت.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وتكلم الناس في هذه الآية في الاستثناء في اليمين، والآية ليست في الأيمان، وإنما هي في سنة الاستثناء في غير اليمين، ولكن من حيث تكلم الناس فيها ينبغي أن نذكر شيئا من ذلك.
[المحرر الوجيز: 5/590]
أما مالك رحمه الله وجميع أصحابه -فيما علمت- وكثير من العلماء فيقولون: لا ينفع الاستثناء ويسقط الكفارة إلا أن يكون متصلا باليمين. وقال عطاء: له أن يستثني في قدر حلب الناقة الغزيرة.
وقال قتادة: إن استثنى قبل أن يقوم فله ثنياه. وقال ابن حنبل: له الاستثناء ما دام في ذلك الأمر، وقاله ابن راهويه. وقال طاوس، والحسن: ينفع الاستثناء ما دام الحالف في مجلسه. وقال ابن جبير: ينفع الاستثناء بعد أربعة أشهر فقط، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ينفع الاستثناء ولو بعد سنة. وقال مجاهد: بعد سنتين، وقال أبو العالية: ينفع أبدا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
واختلف الناس في التأويل على ابن عباس رضي الله عنهما، فقال الطبري وغيره: إنما أراد ابن عباس أنه ينفع في أن يجعل الحالف في رتبة المستثنين بعد سنة من حلفه، وأما الكفارة فلا تسقط عنه، قال الطبري: ولا أعلم أحدا يقول (ينفع الاستثناء بعد مدة) يقول بسقوط الكفارة، قال ويرد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين ثم رأى غيرها خيرا منها فليكفر وليأت الذي هو خير"، فلو كان الاستثناء يسقط الكفارة لكان أخف على الأمة، ولم يكن لذكر الكفارة فائدة.
وقال الزهراوي: إنما تكلم ابن عباس رضي الله عنهما في أن الاستثناء بعد سنة لمن قال: أنا أفعل كذا، لا لحالف أراد حل يمينه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وذهبت فرقة من الفقهاء إلى أن مذهب ابن عباس رضي الله عنهما سقوط الكفارة، وألزموا كل من يقول (ينفع الاستثناء بعد مدة) إسقاط الكفارة، وردوا على القول بعدم إلزامه، وليس الاستثناء إلا في اليمين بالله، لا يكون في طلاق ونحوه، ولا في مشي إلى مكة، هذا قول مالك وجماعة.
وقال الشافعي رحمه الله، وأصحاب الرأي، وطاوس وحماد: الاستثناء في ذلك
[المحرر الوجيز: 5/591]
جائز، وليس في اليمين الغموس استثناء ينفع، ولا يكون الاستثناء بالقلب، وإنما يكون قولا ونطقا.
وقوله تعالى: {وقل عسى أن يهديني ربي} الآية. قال محمد الكوفي المفسر: إنها بألفاظها مما أمر أن يقولها كل من لم يستثن، وإنها كفارة لنسيان الاستثناء. وقال الجمهور: هو دعاء مأمور به دون هذا التخصيص.
وقرأ الجمهور: "يهديني" بإثبات الياء، وهي قراءة ابن كثير، ونافع، وأبي عمرو. وقرأ طلحة بن مصرف: "يهدين" دون ياء في الوصل، وهي قراءة ابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي.
والإشارة بـ "هذا" إلى الاستدراك الذي يقع من ناسي الاستثناء وقال الزجاج: المعنى: عسى أن ييسر الله من الأدلة على نبوتي أقرب من دليل أصحاب الكهف.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وما قدمته أصوب، أي: عسى أن يرشدني فيما استقبل من أمري. وهذه الآية مخاطبة للنبي صلي الله عليه وسلم، وهي بعد تعم جميع أمته، لأنه حكم يتردد الناس بكثرة وقوعه، والله الموفق). [المحرر الوجيز: 5/592]

تفسير قوله تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا}
قال قتادة، ومطر الوراق، وغيرهما: ولبثوا في كهفهم الآية حكاية عن بني إسرائيل أنهم قالوا ذلك، واحتجا بأن قراءة عبد الله بن مسعود وفي مصحفه: "وقالوا لبثوا في كهفهم"، وذلك عند قتادة -على غير قراءة عبد الله- عطف على سيقولون ثلاثة، ذكره الزهراوي). [المحرر الوجيز: 5/592]

تفسير قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أمر الله تعالى نبيه صلي الله عليه وسلم بأن يرد العلم إليه ردا على مقالهم وتفنيدا لهم، قال الطبري: "وقال بعضهم: لو كان ذلك خبرا من الله، لم يكن لقوله: {قل الله أعلم بما لبثوا} وجه مفهوم".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
أين ذهب بهذا القائل؟ وما الوجه المفهوم البارع إلا أن تكون الآية خبرا عن لبثهم، ثم قيل لمحمد صلى الله عليه وسلم قل الله أعلم بما لبثوا بخبره، هذا هو الحق من عالم الغيب، فليزل اختلافكم أيها المتخرصون.
وقال المحققون: بل قوله تعالى: {ولبثوا في كهفهم} الآية خبر من الله تعالى عن مدة لبثهم، ثم اختلف في معنى قوله بعد الإخبار: {قل الله أعلم بما لبثوا} -فقال الطبري: إن بني إسرائيل اختلفوا فيما مضى لهم من المدة بعد الإعثار عليهم إلى مدة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: إنهم لبثوا ثلاثمائة سنة وتسع سنين، وأخبر الله تعالى نبيه أن هذه المدة في كونهم نياما، وأن ما بعد ذلك مجهول للبشر، فأمره الله تعالى أن يرد علم ذلك إليه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فقوله تعالى -على هذا التأويل-: "لبثوا" الأول يريد: في نوم الكهف، و"لبثوا" الثاني يريد: بعد الإعثار موتى إلى مدة محمد صلي الله عليه وسلم، أو إلى وقت عدمهم بالبلى، على الاختلاف الذي سنذكره بعد. وقال بعضهم: إنه لما قال: وازدادوا تسعا لم تدر الناس أهي ساعات أم أيام أم جمع أم شهور أم أعوام، واختلف بنو إسرائيل بحسب ذلك، فأمره الله تعالى برد العلم إليه، يريد: في التسع، فهي -على هذا- مبهمة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وظاهر كلام العرب والمفهوم منه أنها أعوام، والظاهر من أمرهم أنهم قاموا ودخلوا الكهف بعد عيسى عليه السلام بيسير، وقد بقيت من الحواريين بقية. وحكى النقاش ما معناه أنهم لبثوا ثلاثمائة سنة شمسية بحساب الأمم، فلما كان الإخبار هنا للنبي العربي صلى الله عليه وسلم ذكرت التسع; إذ المفهوم عنده من السنين القمرية، فهذه الزيادة هي ما بين الحسابين.
[المحرر الوجيز: 5/593]
وقرأ الجمهور: "ثلاث مائة سنين" بتنوين "مائة" ونصب "سنين" على البدل من "ثلاثمائة"، أوعطف البيان، وقيل: على التفسير والتمييز، وقرأ حمزة، والكسائي، ويحيى، وطلحة، والأعمش بإضافة "مائة" إلى "السنين" وترك التنوين، وكأنهم جعلوا "سنين" بمنزلة "سنة"; إذ المعنى بهما واحد. قال أبو علي: إذ هذه الأعداد التي تضاف في الشهور إلى الآحاد نحو ثلاثمائة رجل أو ثوب قد تضاف إلى الجموع، وانحى أبو حاتم على هذه القراءة، وفي مصحف عبد الله بن مسعود: "ثلاثمائة سنة"، وقرأ الضحاك: "ثلاثمائة سنون"، بالواو. وقرأ أبو عمرو بخلاف-: "تسعا" بفتح التاء، وقرأ الجمهور: "تسعا" بكسر التاء.
وقوله تعالى: {أبصر به وأسمع}، أي: ما أبصره وأسمعه، قال قتادة: لا أحد أبصر من الله تعالى ولا أسمع.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذه عبارات عن الإدراك، ويحتمل أن يكون المعنى: أبصر به أي: بوحيه وإرشاده، هداك وحججك والحق من الأمور، وأسمع به العالم، فتكونان أمرين لا على وجه التعجب. وقوله تعالى: {ما لهم من دونه من ولي} يحتمل أن يعود الضمير في "لهم" على أصحاب الكهف، أي: هذه قدرته وحده، لم يوالهم غيره بتلطف لهم، ولا اشترك معه أحد في هذا الحكم. ويحتمل أن يعود الضمير في "لهم" على معاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكفار ومشاقيه، وتكون الآية اعتراضا بتهديد.
وقرأ الجمهور: "ولا يشرك في حكمه أحدا" بالياء من تحت، على معنى الخبر عن الله تبارك وتعالى، وقرأ ابن عامر، والحسن، وأبو رجاء، وقتادة، والجحدري: "ولا تشرك" بالتاء من فوق، على جهة النهي للنبي صلى الله عليه وسلم، ويكون قوله: "ولا تشرك" عطفا على قوله سبحانه: {أبصر به وأسمع}. وقرأ مجاهد: "ولا يشرك" بالياء من
[المحرر الوجيز: 5/594]
تحت وبالجزم، قال يعقوب: لا أعرف وجهه.
وحكى الطبري عن الضحاك بن مزاحم أنه قال: نزلت هذه الآية: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة} فقط، قال الناس: أهي أشهر أم أيام أم أعوام؟ فنزلت {سنين وازدادوا تسعا}.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وأما هل دام أهل الكهف وبقيت أشخاصهم محفوظة بعد الموت؟ فاختلفت الروايات في ذلك -فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه مر بالشام في بعض غزواته مع ناس على موضع الكهف وجبله، فمشى الناس إليه فوجدوا عظاما، فقالوا: هذه عظام أصحاب الكهف، فقال لهم ابن عباس رضي الله عنهما: لا، أولئك قوم فنوا وعدموا منذ مدة طويلة فسمعه راهب فقال: ما كنت أحسب أن أحدا من العرب يعرف هذا، فقيل له: هذا ابن عم نبينا صلي الله عليه وسلم. وقالت فرقة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليحجن عيسى بن مريم ومعه أصحاب الكهف فإنهم لم يحجوا بعد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وبالشام -على ما سمعت من ناس كثير- كهف كان فيه موتى يزعم مجاوروه أنهم أصحاب الكهف، وعليهم مسجد وبناء يسمى الرقيم، ومعهم كلب رمة، وبالأندلس في جهة غرناطة بقرب قرية تسمى لوشة كهف فيه موتى ومعهم كلب رمة، وأكثرهم قد انجرد لحمه، وبعضهم متماسك، وقد مضت القرون السالفة ولم نجد من علم شأنهم إثارة، ويزعم ناس أنهم أصحاب الكهف، دخلت إليهم فرأيتهم سنة أربع وخمسمائة، وهم بهذه الحالة، وعليهم مسجد، وقريب منهم بناء رومي يسمى الرقيم مما يلي القبلة، وآثار مدينة قديمة رومية يقال لها مدينة دقنيوس، وجدنا في آثارها غرائب في قبور ونحوها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وإنما استسهلت ذكر هذا مع بعده لأنه عجب يتخلد ذكره ما شاء الله عز وجل). [المحرر الوجيز: 5/595]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م, 06:27 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م, 06:29 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولا تقولنّ لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلك غدًا (23) إلّا أن يشاء اللّه واذكر ربّك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربّي لأقرب من هذا رشدًا (24)}
هذا إرشادٌ من الله لرسوله الله صلوات اللّه وسلامه عليه، إلى الأدب فيما إذا عزم على شيءٍ ليفعله في المستقبل، أن يردّ ذلك إلى مشيئة اللّه، عزّ وجلّ، علّام الغيوب، الّذي يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، كما ثبت في الصّحيحين عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه [قال] قال سليمان بن داود عليهما السّلام: لأطوفن الليلة على سبعين امرأةً -وفي رواية تسعين امرأةً. وفي روايةٍ: مائة امرأةٍ- تلد كلّ امرأةٍ منهنّ غلامًا يقاتل في سبيل اللّه، فقيل له -وفي روايةٍ: فقال له الملك- قل: إن شاء اللّه. فلم يقل فطاف بهنّ فلم يلد منهنّ إلّا امرأةٌ واحدةٌ نصف إنسانٍ"، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "والّذي نفسي بيده، لو قال: "إن شاء اللّه" لم يحنث، وكان دركًا لحاجته"، وفي روايةٍ: "ولقاتلوا في سبيل اللّه فرسانًا أجمعون
وقد تقدّم في أوّل السّورة ذكر سبب نزول هذه الآية في قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، لـمّا سئل عن قصّة أصحاب الكهف: "غدًا أجيبكم". فتأخّر الوحي خمسة عشر يومًا، وقد ذكرناه بطوله في أوّل السّورة، فأغنى عن إعادته.
وقوله: {واذكر ربّك إذا نسيت} قيل: معناه إذا نسيت الاستثناء، فاستثن عند ذكرك له. قاله أبو العالية، والحسن البصريّ.
وقال هشيمٌ، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ في الرّجل يحلف؟ قال: له أن يستثني ولو إلى سنةٍ، وكان يقول: {واذكر ربّك إذا نسيت} في ذلك. قيل للأعمش: سمعته عن مجاهدٍ؟ قال حدّثني به ليث بن أبي سليمٍ، يرى ذهب كسائي هذا.
ورواه الطّبرانيّ من حديث أبي معاوية، عن الأعمش، به.
ومعنى قول ابن عبّاسٍ: "أنّه يستثني ولو بعد سنةٍ" أي: إذا نسي أن يقول في حلفه أو كلامه "إن شاء اللّه" وذكر ولو بعد سنةٍ، فالسّنة له أن يقول ذلك، ليكون آتيًا بسنّة الاستثناء، حتّى ولو كان بعد الحنث، قال ابن جريرٍ، رحمه اللّه، ونصّ على ذلك، لا أن يكون [ذلك] رافعًا لحنث اليمين ومسقطًا للكفّارة. وهذا الّذي قاله ابن جريرٍ، رحمه اللّه، هو الصّحيح، وهو الأليق بحمل كلام ابن عبّاسٍ عليه، واللّه أعلم.
وقال عكرمة: {واذكر ربّك إذا نسيت} أي: إذا غضبت. وهذا تفسيرٌ باللّازم.
وقال الطّبرانيّ: حدّثنا أحمد بن يحيى الحلواني، حدّثنا سعيد بن سليمان، عن عبّاد بن العوّام، عن سفيان بن حسينٍ، عن يعلى بن مسلمٍ، عن جابر بن زيدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ولا تقولنّ لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلك غدًا إلا أن يشاء اللّه واذكر ربّك إذا نسيت} أن تقول: إن شاء اللّه [وهذا تفسيرٌ باللّازم].
وقال الطّبرانيّ: حدّثنا محمّد بن الحارث الجبيلي حدّثنا صفوان بن صالحٍ، حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، عن عبد العزيز بن حصين، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ولا تقولنّ لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلك غدًا إلا أن يشاء اللّه واذكر ربّك إذا نسيت} أن تقول: إن شاء اللّه.
وروى الطّبرانيّ، أيضًا عن ابن عبّاسٍ في قوله: {واذكر ربّك إذا نسيت} الاستثناء، فاستثن إذا ذكرت. وقال: هي خاصّةٌ برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وليس لأحدٍ منّا أن يستثني إلّا في صلةٍ من يمينه ثمّ قال: تفرّد به الوليد، عن عبد العزيز بن الحصين .
ويحتمل في الآية وجهٌ آخر، وهو أن يكون اللّه، عزّ وجلّ، قد أرشد من نسي الشّيء في كلامه إلى ذكر اللّه تعالى؛ لأنّ النّسيان منشؤه من الشّيطان، كما قال فتى موسى: {وما أنسانيه إلا الشّيطان أن أذكره} [الكهف: 63] وذكر اللّه تعالى يطرد الشّيطان، فإذا ذهب الشّيطان ذهب النّسيان، فذكر اللّه سببٌ للذّكر ؛ ولهذا قال: {واذكر ربّك إذا نسيت}.
وقوله: {وقل عسى أن يهدين ربّي لأقرب من هذا رشدًا} أي: إذا سئلت عن شيءٍ لا تعلمه، فاسأل اللّه فيه، وتوجّه إليه في أن يوفّقك للصّواب والرّشد [في ذلك] وقيل في تفسيره غير ذلك في تفسيره، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 148-150]

تفسير قوله تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا (25) قل اللّه أعلم بما لبثوا له غيب السّماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من وليٍّ ولا يشرك في حكمه أحدًا (26)}
هذا خبر من اللّه تعالى لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم بمقدار ما لبث أصحاب الكهف في كهفهم، منذ أرقدهم اللّه إلى أن بعثهم وأعثر عليهم أهل ذلك الزّمان، وأنّه كان مقداره ثلاثمائة [سنةٍ] وتسع سنين بالهلاليّة، وهي ثلاثمائة سنةٍ بالشّمسيّة، فإنّ تفاوت ما بين كلّ مائة [سنةٍ] بالقمريّة إلى الشّمسيّة ثلاث سنين؛ فلهذا قال بعد الثّلاثمائةٍ: {وازدادوا تسعًا}
وقوله: {قل اللّه أعلم بما لبثوا} أي: إذا سئلت عن لبثهم وليس عندك [علمٌ] في ذلك وتوقيفٌ من اللّه، عزّ وجلّ فلا تتقدّم فيه بشيءٍ، بل قل في مثل هذا: {اللّه أعلم بما لبثوا له غيب السّماوات والأرض} أي: لا يعلم ذلك إلّا هو أو من أطلعه اللّه عليه من خلقه، وهذا الّذي قلناه، عليه غير واحدٍ من علماء التّفسير كمجاهدٍ، وغير واحدٍ من السّلف والخلف.
وقال قتادة في قوله: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا} هذا قول أهل الكتاب،
وقد ردّه اللّه تعالى بقوله: {قل اللّه أعلم بما لبثوا} قال: وفي قراءة عبد اللّه: "وقالوا: ولبثوا"، يعني أنّه قاله النّاس
وهكذا قال -كما قال قتادة- مطرف بن عبد اللّه.
وفي هذا الّذي زعمه قتادة نظرٌ، فإنّ الّذي بأيدي أهل الكتاب أنّهم لبثوا ثلاثمائة سنةٍ من غير تسعٍ، يعنون بالشّمسيّة، ولو كان اللّه قد حكى قولهم لما قال: {وازدادوا تسعًا} وظاهرٌ من الآية إنّما هو إخبارٌ من اللّه، لا حكاية عنهم. وهذا اختيار ابن جريرٍ، رحمه اللّه. ورواية قتادة قراءة ابن مسعودٍ منقطعةٌ، ثمّ هي شاذّةٌ بالنّسبة إلى قراءة الجمهور فلا يحتجّ بها، واللّه أعلم.
وقوله: {أبصر به وأسمع} أي: إنّه لبصيرٌ بهم سميعٌ لهم.
قال ابن جريرٍ: وذلك في معنى المبالغة في المدح، كأنّه قيل: ما أبصره وأسمعه، وتأويل الكلام: ما أبصر اللّه لكلّ موجودٍ، وأسمعه لكلّ مسموعٍ، لا يخفى عليه من ذلك شيءٌ.
ثمّ روي عن قتادة في قوله: {أبصر به وأسمع} فلا أحد أبصر من اللّه ولا أسمع.
وقال ابن زيدٍ: {أبصر به وأسمع} يرى أعمالهم، ويسمع ذلك منهم سميعًا بصيرًا.
وقوله: {ما لهم من دونه من وليٍّ ولا يشرك في حكمه أحدًا} أي: أنّه تعالى هو الّذي له الخلق والأمر، الّذي لا معقّب لحكمه، وليس له وزيرٌ ولا نصيرٌ ولا شريكٌ ولا مشيرٌ، تعالى وتقدّس). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 150-151]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:39 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة