العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة هود

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 09:25 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي تفسير سورة هود [ من الآية (106) إلى الآية (108) ]

تفسير سورة هود
[ من الآية (106) إلى الآية (108) ]

بسم الله الرحمن الرحيم
{ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) }


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 09:26 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى فأما الذين شقوا ففي النار إلى قوله إلا ما شاء ربك قال الله أعلم بثنياه وذكر لنا أن ناسا يصيبهم سفع من النار بذنوب أصابوها ثم يدخلهم الله الجنة). [تفسير عبد الرزاق: 1/312-313]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال ابن عبّاسٍ: «زفيرٌ وشهيقٌ شديدٌ وصوتٌ ضعيفٌ»). [صحيح البخاري: 6/74] (م)
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله زفيرٌ وشهيقٌ إلخ تقدّم في بدء الخلق). [فتح الباري: 8/355]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال ابن عبّاس زفير وشهيق شديد وصوت ضعيف تقدم الكلام عليه في صفة النّار من بدء الخلق). [تغليق التعليق: 4/227]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال ابن عبّاسٍ زفيرٌ وشهيقٌ صوتٌ شديدٌ وصوتٌ ضعيفٌ
أشار به إلى قوله تعالى: {لهم فيها زفير وشهيق} (هود: 106) أي: اللّذين شقوا في النّار زفير وشهيق، وقال ابن عبّاس: الزّفير صوت شديد، والشهيق صوت ضعيف، وفي التّفسير: الزّفير والشهيق من أصوات المكروبين المحزونين، وحكي عن أهل اللّغة أن الزّفير بمنزلة ابتداء صوت الحمار بالنهيق، والشهيق بمنزلة آخر صوته. وقال بعضهم: الزّفير زفير الحمار، والشهيق شهيق البغال. وقيل: الزّفير ضد الشهيق، لأن الشهيق رد النّفس والزفير إخراج النّفس، وأصل الزّفير الحمل على الظّهر، والشهيق من قولهم: جبل شاهق، وقال أبو العالية: الزّفير في الحلق والشهيق في الصّدر). [عمدة القاري: 18/296]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال ابن عباس: زفير وشهيق) الزفير صوت (شديد و) الشهيق (صوت ضعيف) وقال في الأنوار الزفير إخراج النفس والشهيق ردّه وسقط لأبي ذر قول ابن عباس هذا الخ). [إرشاد الساري: 7/172]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (يقول تعالى ذكره: {فأمّا الّذين شقوا ففي النّار لهم فيها زفيرٌ} لهم، وهو أوّل نهاق الحمار وشبهه، {وشهيقٌ} وهو آخر نهيقه إذا ردّده في الجوف عند فراغه من نهاقه، كما قال رؤبة بن العجّاج:
حشرج في الجوف سحيلاً أو شهق = حتّى يقال ناهقٌ وما نهق
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {لهم فيها زفيرٌ وشهيقٌ} يقول: صوتٌ شديدٌ وصوتٌ ضعيفٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن أبي العالية، في قوله: {لهم فيها زفيرٌ وشهيقٌ} قال: الزّفير في الحلق، والشّهيق في الصّدر.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية بنحوه.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن قتادة، قال: صوت الكافر في النّار صوت الحمار، أوّله زفيرٌ وآخره شهيقٌ.
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، ومحمّد بن معمرٍ البحرانيّ، ومحمّد بن المثنّى، ومحمّد بن بشّارٍ، قالوا: حدّثنا أبو عامرٍ، قال: حدّثنا سليمان بن سفيان، قال: حدّثنا عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر، عن عمر، قال: لمّا نزلت هذه الآية {فمنهم شقيّ وسعيدٌ} سألت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقلت: يا نبيّ اللّه، فعلام عملنا؟ على شيءٍ قد فرغ منه أم على شيءٍ لم يفرغ منه؟ قال: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: على شيءٍ قد فرغ منه يا عمر وجرت به الأقلام، ولكن كلٌّ ميسّرٌ لما خلق له.
اللّفظ لحديث ابن معمرٍ). [جامع البيان: 12/576-577]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فأمّا الّذين شقوا ففي النّار لهم فيها زفيرٌ وشهيقٌ (106) خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض إلّا ما شاء ربّك إنّ ربّك فعّالٌ لما يريد (107)
قوله تعالى: فأمّا الّذين شقوا ففي النّار
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: لهم فيها زفيرٌ وشهيقٌ يقول: صوتٌ شديدٌ.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، ثنا بشرٌ بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قوله: لهم فيها زفيرٌ قال: الزّفير في الحلق وروي، عن الرّبيع بن أنسٍ مثل قول الضّحّاك، عن ابن عبّاس.
قوله: وشهيقٌ
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: وشهيقٌ قال صوتٌ ضعيفٌ.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، ثنا بشرٌ بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: لهم فيها زفيرٌ وشهيقٌ قال: والشّهيق في الصّدر). [تفسير القرآن العظيم: 6/2085]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 106 - 108.
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: هاتان من المخبآت قول الله {فمنهم شقي وسعيد} ويوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا) (المائدة الآية 109) أما قوله {فمنهم شقي وسعيد} فهم قوم من أهل الكبائر من أهل هذه القبلة يعذبهم الله بالنار ما شاء بذنوبهم ثم يأذن في الشفاعة لهم فيشفع لهم المؤمنون فيخرجهم من النار فيدخلهم الجنة فسماهم أشقياء حين عذبهم في النار {فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق (106) خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك} حين أذن في الشفاعة لهم وأخرجهم من النار وأدخلهم الحنة وهم هم {وأما الذين سعدوا} يعني بعد الشقاء الذي كانوا فيه {ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك} يعني الذين كانوا في النار). [الدر المنثور: 8/140-141] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ، وابن مردويه عن قتادة، أنه تلا هذه الآية {فأما الذين شقوا} فقال: حدثنا أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يخرج قوم من النار ولا نقول كما قال أهل حروراء). [الدر المنثور: 8/141]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه، عن جابر رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {فأما الذين شقوا} إلى قوله {إلا ما شاء ربك} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله أن يخرج أناسا من الذين شقوا من النار فيدخلهم الجنة فعل). [الدر المنثور: 8/141]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله {فأما الذين شقوا} قال: فجاء بعد ذلك من مشيئة الله فنسخها فأنزل الله بالمدينة (إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا) (النساء الآية 168) إلى آخر الآية، فذهب الرجاء لأهل النار أن يخرجوا منها وأوجب لهم خلود الأبد، وقوله {وأما الذين سعدوا} الآية، قال: فجاء بعد ذلك من مشيئة الله ما نسخها فأنزل بالمدينة (والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات) (النساء الآية 122) إلى قوله (ظلا ظليلا) فأوجب لهم خلود الأبد). [الدر المنثور: 8/143-144] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {لهم فيها زفير وشهيق} قال: الزفير الصوت الشديد في الحلق والشهيق الصوت الضعيف في الصدر، وفي قوله {غير مجذوذ} قال: غير مقطوع، وفي لفظ: غير منقطع). [الدر المنثور: 8/145] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن الأنباري في الوقف عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله {لهم فيها زفير وشهيق} ما الزفير قال: زفير كزفير الحمار، قال فيه أوس بن حجر:
ولا عذران لاقيت أسماء بعدها * فيغشى علينا إن فعلت وتعذر
فيخبرها أن رب يوم وقفته * على هضبات السفح تبكي وتزفر). [الدر المنثور: 8/145]

تفسير قوله تعالى: (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن ابن التيمي عن أبيه عن أبي نضرة عن جابر بن عبد الله أو أبي سعيد الخدري أو رجل من أصحاب محمد في قوله تعالى إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد قال هذه الآية تأتي على القرآن كله يقول حيث كان في القرآن خالدين فيها تأتي عليه قال وسمعت أبا مجلز يقول هو جزاؤه فإن شاء الله تجاوز عن عذابه). [تفسير عبد الرزاق: 1/313]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن رجلٍ عن الضّحّاك في قوله: {خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربّك إنّ ربّك فعّالٌ لما يريد} قال: إلّا من استثنى من أهل القبلة الّذين أخرجوا من النار [الآية: 107]). [تفسير الثوري: 134]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض إلاّ ما شاء ربّك إنّ ربّك فعّالٌ لما يريد} يعني تعالى ذكره بقوله: {خالدين فيها} لابثين فيها، ويعني بقوله: {ما دامت السّموات والأرض} أبدًا؛ وذلك أنّ العرب إذا أرادت أن تصف الشّيء بالدّوام أبدًا، قالت: هذا دائمٌ دوام السّموات والأرض؛ بمعنى أنّه دائمٌ أبدًا، وكذلك يقولون: هو باقٍ ما اختلف اللّيل والنّهار، وما سمر لنا سميرٌ، وما لألأت العفر بأذنابها يعنون بذلك كلّه أبدًا. فخاطبهم جلّ ثناؤه بما يتعارفون به بينهم، فقال: {خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض} والمعنى في ذلك: خالدين فيها أبدًا.
وكان ابن زيدٍ يقول في ذلك بنحو ما قلنا فيه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض} قال: ما دامت الأرض أرضًا، والسّماء سماءً.
ثمّ قال: {إلاّ ما شاء ربّك} واختلف أهل العلم والتّأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: هذا استثناءٌ استثناه اللّه في أهل التّوحيد أنّه يخرجهم من النّار إذا شاء بعد أن أدخلهم النّار.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن قتادة، في قوله: {فأمّا الّذين شقوا ففي النّار لهم فيها زفيرٌ وشهيقٌ خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض إلاّ ما شاء ربّك} قال: اللّه أعلم بثنياه وذكر لنا أنّ ناسًا يصيبهم سفعٌ من النّار بذنوبٍ أصابوها، ثمّ يدخلهم الجنّة.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض إلاّ ما شاء ربّك} واللّه أعلم بثنيّته؛ ذكر لنا أنّ ناسًا يصيبهم سفعٌ من النّار بذنوبٍ أصابتهم، ثمّ يدخلهم اللّه الجنّة بفضل رحمته، يقال لهم الجهنّميّون.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا شيبان بن فرّوخ، قال: حدّثنا أبو هلالٍ، قال: حدّثنا قتادة، وتلا هذه الآية: {فأمّا الّذين شقوا ففي النّار لهم فيها زفيرٌ وشهيقٌ} إلى قوله: {لما يريد} فقال عند ذلك: حدّثنا أنس بن مالكٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: يخرج قومٌ من النّار قال قتادة: ولا نقول مثل ما يقول أهل حروراء.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب، عن أبي مالكٍ، يعني ثعلبة عن أبي سنانٍ، في قوله: {فأمّا الّذين شقوا ففي النّار لهم فيها زفيرٌ وشهيقٌ خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض إلاّ ما شاء ربّك} قال: استثناءٌ في أهل التّوحيد.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ، {فأمّا الّذين شقوا ففي النّار} إلى قوله: {خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض إلاّ ما شاء ربّك} قال: يخرج قومٌ من النّار فيدخلون الجنّة، فهم الّذين استثنى لهم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال ثني معاوية، عن عامر بن جشيبٍ، عن خالد بن معدان، في قوله: {لابثين فيها أحقابًا} وقوله: {خالدين فيها} {إلاّ ما شاء ربّك} أنّهما في أهل التّوحيد.
وقال آخرون: الاستثناء في هذه الآية في أهل التّوحيد، إلاّ أنّهم قالوا: معنى قوله: {إلاّ ما شاء ربّك} إلاّ أن يشاء ربّك أن يتجاوز عنهم فلا يدخلهم النّار. ووجّهوا الاستثناء إلى أنّه من قوله: {فأمّا الّذين شقوا ففي النّار} - {إلاّ ما شاء ربّك} لا من الخلود.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: حدّثنا ابن التّيميّ، عن أبيه، عن أبي نضرة، عن جابرٍ، أو أبي سعيدٍ يعني الخدريّ أو عن رجلٍ، من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، في قوله: {إلاّ ما شاء ربّك إنّ ربّك فعّالٌ لما يريد} قال: هذه الآية تأتي على القرآن كلّه، يقول: حيث كان في القرآن {خالدين فيها} تأتي عليه. قال: وسمعت أبا مجلزٍ يقول: هو جزاؤه، فإن شاء اللّه تجاوز عن عذابه.
وقال آخرون: عنى بذلك أهل النّار، وكلّ من دخلها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثت عن المسيّب، عمّن ذكره عن ابن عبّاسٍ، {خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض} لا يموتون، ولا هم منها يخرجون ما دامت السّماوات والأرض. {إلاّ ما شاء ربّك} قال: استثناء اللّه. قال: يأمر النّار أن تأكلهم. قال: وقال ابن مسعودٍ: ليأتينّ على جهنّم زمانٌ تخفق أبوابها ليس فيها أحدٌ، وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابًا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن بيانٍ، عن الشّعبيّ، قال: جهنّم أسرع الدّارين عمرانٍا، وأسرعهما خرابًا.
وقال آخرون: أخبرنا اللّه بمشيئته لأهل الجنّة، فعرفنا معنى ثنياه بقوله: {عطاءً غير مجذوذٍ} أنّها في الزّيادة على مقدار مدّة السّماوات والأرض، قال: ولم يخبرنا بمشيئته في أهل النّار، وجائزٌ أن تكون مشيئته في الزّيادة، وجائزٌ أن تكون في النّقصان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض إلاّ ما شاء ربّك} فقرأ حتّى بلغ: {عطاءً غير مجذوذٍ} قال: وأخبرنا بالّذي يشاء لأهل الجنّة، فقال: عطاءً غير مجذوذٍ، ولم يخبرنا بالّذي يشاء لأهل النّار.
وأولى هذه الأقوال في تأويل هذه الآية بالصّواب، القول الّذي ذكرنا عن قتادة والضّحّاك، من أنّ ذلك استثناءٌ في أهل التّوحيد من أهل الكبائر أنّه يدخلهم النّار، خالدين فيها أبدًا إلاّ ما شاء من تركهم فيها أقلّ من ذلك، ثمّ يخرجهم فيدخلهم الجنّة، كما قد بيّنّا في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وإنّما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصّحّة في ذلك؛ لأنّ اللّه جلّ ثناؤه أوعد أهل الشّرك به الخلود في النّار، وتظاهرت بذلك الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فغير جائزٍ أن يكون استثناءٌ في أهل الشّرك، وأنّ الأخبار قد تواترت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ اللّه يدخل قومًا من أهل الإيمان به بذنوبٍ أصابوها النّار، ثمّ يخرجهم منها، فيدخلهم الجنّة، فغير جائزٍ أن يكون ذلك استثناء أهل التّوحيد قبل دخولها مع صحّة الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بما ذكرنا، وأنّا إن جعلناه استثناءً في ذلك كنّا قد دخلنا في قول من يقول: لا يدخل الجنّة فاسقٌ، ولا النّار مؤمنٌ، وذلك خلاف مذاهب أهل العلم، وما جاءت به الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فإذا فسد هذان الوجهان فلا قول قال به القدوة من أهل العلم إلاّ الثّالث. ولأهل العربيّة في ذلك مذهبٌ غير ذلك سنذكره بعد، ونبيّنه إن شاء اللّه تعالى.
وقوله: {إنّ ربّك فعّالٌ لما يريد} يقول تعالى ذكره: إنّ ربّك يا محمّد لا يمنعه مانعٌ من فعل ما أراد فعله بمن عصاه وخالف أمره من الانتقام منه، ولكنّه يفعل ما يشاء، فيمضي فعله فيهم وفيمن شاء من خلقه فعله وقضاءه). [جامع البيان: 12/578-584]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: خالدين فيها
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ خالدين فيها يعني: لا يموتون.
قوله تعالى: ما دامت السماوات والأرض
- ذكر عن سفيان بن حسينٍ، عن الحكم، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قوله: ما دامت السماوات والأرض قال: لكلّ جنّةٍ سماءٌ وأرضٌ.
- ذكر عن مبارك بن فضالة، عن الحسن في قوله: ما دامت السماوات والأرض قال: تبدّل سماءٌ غير هذه وأرضٌ غير هذه فما دامت تلك السّماء وتلك الأرض.
- حدّثنا زكريّا بن أذد بن بكر النّيسابوريّ حدّثني محمّد بن يحيى النّيسابوريّ حدّثني عبد الصّمد بن مسعود بن عبد اللّه، حدّثني بشر بن عبد اللّه، عن سفيان بن حسينٍ، عن الحسن في قوله: فأمّا الّذين شقوا ففي النّار لهم فيها زفيرٌ وشهيقٌ خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض قال: إذا كان يوم القيامة أخذ اللّه السّماوات السّبع والأرضين السّبع فطهّرهنّ من كلّ قذرٍ ودنسٍ فصيّرهنّ أرضًا بيضاء فضّةً نورًا تلألأ فصيّرهنّ أرضًا للجنّة والسّماوات والأرضون اليوم في الجنّة كالجنّة في الدّنيا فصيّرهنّ اللّه على عرض الجنّة ويضع الجنّة عليها وهي اليوم على أرضٍ زعفرانيّةٍ، عن يمين العرش فما دامت أرضًا للجنّة وأهل الشّرك خالدين في جهنّم ما دامت أرض الجنّة.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليّ بن عامر بن الفرات، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربّك قال: أمّا السّماء والأرض فسماء الجنّة وأرضها.
قوله تعالى: إلا ما شاء ربّك
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قوله: إلا ما شاء ربّك يعني الّذين كانوا في النّار حين أذن في الشّفاعة لهم فأخرجهم من النّار وأدخلهم الجنة.
- حدثنا ذكريا بن داود بن بكر النّيسابوريّ حدّثني محمّد بن يحيى النّيسابوريّ حدّثني عبد الصّمد بن مسعود بن عبد اللّه حدّثني مبشّر بن عبد اللّه، عن سفيان بن الحسن، عن الحسن قال: فأمّا الاستثناءان جميعًا ففي أهل التّوحيد الّذين يعذّبون في البراني وهو وادٍ يعذّب الموحّدون فيه ثمّ يشفع فيهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ يردّون إلى الجنة ويقول: الذين شقوا خالدين فيها إلا الموحّدون الّذين يخرجون من البراني.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عامر بن حبيبٍ، عن خالد بن مهران قوله: إلا ما شاء ربّك قال: إنّه في أهل التّوحيد من أهل القبلة.
وروي، عن مقاتل بن حيّان قال: وقع الاستثناء على من في النّار من أهل التّوحيد حتّى يخرجوا منها.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الأعلى الصّنعانيّ، ثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الضّحّاك، بن مزاحمٍ قوله: إلا ما شاء ربّك يقول إلا ما مكثوا في النّار حتّى أدخلوا الجنّة.
- حدّثنا أبي، ثنا هشامٌ، ثنا بن خالدٍ، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا ابن أبي عروبة، عن قتادة قوله: فأمّا الّذين شقوا ففي النّار لهم فيها زفيرٌ وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربّك اللّه أعلم بتثنيته على ما وقعت به.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامر بن الفرات، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ إلا ما شاء ربّك فإنّ هذه الآية يوم نزلت كانوا يطمعون في الخروج فنسختها قوله: خالدين فيها أبدًا.
قوله تعالى: إنّ ربّك فعّالٌ لما يريد
- ذكر، عن جعفر بن سليمان، عن الجريدي، سمعت أبا نضرة يقول ينتهي القرآن كلّه إلى هذه الآية إنّ ربّك فعّالٌ لما يريد). [تفسير القرآن العظيم: 6/2085-2087]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه، عن جابر رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {فأما الذين شقوا} إلى قوله {إلا ما شاء ربك} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله أن يخرج أناسا من الذين شقوا من النار فيدخلهم الجنة فعل). [الدر المنثور: 8/141] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن خالد بن معدان في قوله {إلا ما شاء ربك} قال: إنها في التوحيد من أهل القبلة). [الدر المنثور: 8/141]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك {إلا ما شاء ربك} قال: إلا ما استثنى من أهل القبلة). [الدر المنثور: 8/141]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن الضريس، وابن جرير، وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي نضرة، عن جابر بن عبد الله الأنصاري أو عن أبي سعيد الخدري أو رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله {إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد} قال: هذه الآية قاضية على القرآن كله يقول: حيث كان في القرآن خالدين فيها تأتي عليه). [الدر المنثور: 8/141-142]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عن أبي نضرة قال: ينتهي القرآن كله إلى هذه الآية {إن ربك فعال لما يريد}). [الدر المنثور: 8/142]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن الحسن عن عمر رضي الله عنه قال: لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم يوم على ذلك يخرجون فيه). [الدر المنثور: 8/144]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن راهويه عن أبي هريرة قال: سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد وقرأ {فأما الذين شقوا} الآية). [الدر المنثور: 8/144]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الشعبي قال: جهنم أسرع الدارين عمرانا وأسرعهما خرابا). [الدر المنثور: 8/144]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن أبي وائل، أنه كان إذا سئل عن الشيء من القرآن قال: قد أصاب الله به الذي أراد). [الدر المنثور: 8/145] (م)

تفسير قوله تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن رجلٍ عن الضّحّاك {وأمّا الّذين سعدوا ففي الجنّة خالدين فيها ما دامت} إلّا من استثنى اللّه من أهل القبلة [الآية: 108].
سفيان [الثوري] في قراءة عبد الله (أما الذين سعدوا ففي الجنة)). [تفسير الثوري: 134]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأمّا الّذين سعدوا ففي الجنّة خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض إلاّ ما شاء ربّك عطاءً غير مجذوذٍ}.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء المدينة والحجاز والبصرة وبعض الكوفيّين: (وأمّا الّذين سعدوا) بفتح السّين.
وقرأ ذلك جماعةٌ من قرّاء الكوفة: {وأمّا الّذين سعدوا} بضمّ السّين، بمعنى: رزقوا السّعادة.
والصّواب من القول في ذلك أنّهما قراءتان معروفتان، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصّواب.
فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: {سعدوا} فيما لم يسمّ فاعله، ولم يقل: أسعدوا، وأنت لا تقول في الخبر فيما سمّي فاعله سعده اللّه، بل إنّما تقول: أسعده اللّه؟
قيل: ذلك نظير قولهم: هو مجنونٌ محبوبٌ فيما لم يسمّ فاعله، فإذا سمّوا فاعله، قيل: أجنّه اللّه وأحبّه، والعرب تفعل ذلك كثيرًا. وقد بيّنّا بعض ذلك فيما مضى من كتابنا هذا.
وتأويل ذلك: وأمّا الّذين سعدوا برحمة اللّه، فهم في الجنّة خالدين فيها {ما دامت السّموات والأرض}، يقول: أبدًا، {إلاّ ما شاء ربّك}.
فاختلف أهل التّأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: {إلاّ ما شاء ربّك} من قدر ما مكثوا في النّار قبل دخولهم الجنّة، قالوا: وذلك فيمن أخرج من النّار من المؤمنين فأدخل الجنّة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {وأمّا الّذين سعدوا ففي الجنّة خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض إلاّ ما شاء ربّك} قال: هو أيضًا في الّذين يخرجون من النّار فيدخلون الجنّة، يقول: خالدين في الجنّة ما دامت السّماوات والأرض، {إلاّ ما شاء ربّك} يقول: إلاّ ما مكثوا في النّار حتّى أدخلوا الجنّة.
وقال آخرون: معنى ذلك: إلاّ ما شاء ربّك من الزّيادة على قدر مدّة دوام السّماوات والأرض، قال: وذلك هو الخلود فيها أبدًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب، عن أبي مالكٍ، يعني ثعلبة، عن أبي سنانٍ، {وأمّا الّذين سعدوا ففي الجنّة خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض إلاّ ما شاء ربّك} قال: ومشيئته خلودهم فيها، ثمّ أتبعها فقال: {عطاءً غير مجذوذٍ}.
واختلف أهل العربيّة في وجه الاستثناء في هذا الموضع، فقال بعضهم في ذلك معنيان: أحدهما أن تجعله استثناءً يستثنيه ولا يفعله، كقولك: واللّه لأضربنّك إلاّ أن أرى غير ذلك، وعزمك على ضربه، قال: فكذلك قال: {خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض إلاّ ما شاء ربّك} ولا يشاؤه.
قال: والقول الآخر: أنّ العرب إذا استثنت شيئًا كثيرًا مع مثله، ومع ما هو أكثر منه كان معنى إلاّ ومعنى الواو سوى فمن ذلك قوله: {خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض} سوى ما شاء اللّه من زيادة الخلود، فيجعل إلاّ مكان سوى فيصلح، وكأنّه قال: خالدين فيها ما دامت السّماوات والأرض سوى ما زادهم من الخلود والأبد.
ومثله في الكلام أن تقول: لي عليك ألفٌ إلاّ الألفين اللّذين قبله. قال: وهذا أحبّ الوجهين إليّ لأنّ اللّه لا يخلف وعده. وقد وصل الاستثناء بقوله: {عطاءً غير مجذوذٍ} فدلّ على أنّ الاستثناء لهم بقوله في الخلود غير منقطعٍ عنهم.
وقال آخرون منهم بنحو هذا القول، وقالوا: جائزٌ فيه وجهٌ ثالثٌ، وهو أن يكون استثني من خلودهم في الجنّة احتباسهم عنها ما بين الموت والبعث وهو البرزخ إلى أن يصيروا إلى الجنّة. ثمّ هو خلود الأبد، يقول: فلم يغيّبوا عن الجنّة إلاّ بقدر إقامتهم في البرزخ.
وقال آخرون منهم: جائزٌ أن يكون دوام السّموات والأرض بمعنى الأبد على ما تعرف العرب وتستعمل، وتستثني المشيئة من دوامها؛ لأنّ أهل الجنّة وأهل النّار، قد كانوا في وقتٍ من أوقات دوام السّماوات والأرض في الدّنيا لا في الجنّة، فكأنّه قال: خالدين في الجنّة، وخالدين في النّار دوام السّماء، والأرض إلاّ ما شاء ربّك من تعميرهم في الدّنيا قبل ذلك.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصّواب، القول الّذي ذكرته عن الضّحّاك، وهو {وأمّا الّذين سعدوا ففي الجنّة خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض إلاّ ما شاء ربّك} من قدر مكثهم في النّار، من لدن دخلوها إلى أن أدخلوا الجنّة، وتكون الآية معناها الخصوص؛ لأنّ الأشهر من كلام العرب في إلاّ توجيهها إلى معنى الاستثناء وإخراج معنى ما بعدها ممّا قبلها إلاّ أن يكون معها دلالةٌ تدلّ على خلاف ذلك، ولا دلالة في الكلام، أعني في قوله: {إلاّ ما شاء ربّك} تدلّ على أنّ معناها غير معنى الاستثناء المفهوم في الكلام فيوجّه إليه.
وأمّا قوله: {عطاءً غير مجذوذٍ} فإنّه يعني عطاءً من اللّه غير مقطوعٍ عنهم، من قولهم: جذذت الشّيء أجذّه جذًّا: إذا قطعته، كما قال النّابغة:
تجذّ السّلوقيّ المضاعف نسجه = ويوقدن بالصّفّاح نار الحباحب
يعني بقوله: تجذّ: تقطع.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، {عطاءً غير مجذوذٍ} قال: غير مقطوعٍ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {عطاءً غير مجذوذٍ} يعني: غير منقطعٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، {عطاءً غير مجذوذٍ} يقول: عطاءً غير مقطوعٍ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ {مجذوذٌ} قال: مقطوعٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {عطاءً غير مجذوذٍ} قال: غير مقطوعٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن أبيه، عن الرّبيع، عن أبي العالية، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ. عن ابن جريجٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، قوله: {عطاءً غير مجذوذٍ} قال: أمّا هذه فقد أمضاها، يقول: عطاءً غير منقطعٍ.
- حدّثني يونس، قال أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {عطاءً غير مجذوذٍ} غير منزوعٍ منهم). [جامع البيان: 12/584-590]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وأمّا الّذين سعدوا ففي الجنّة خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض إلّا ما شاء ربّك عطاءً غير مجذوذٍ (108)
قوله تعالى: وأمّا الّذين سعدوا ففي الجنّة
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، ثنا بشرٌ بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قوله: وأمّا الّذين سعدوا يعني بعد الشّقاء الّذي كانوا فيه
قوله تعالى: خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض
قد تقدّم تفسير هذين الحرفين.
- حدّثنا زكريّا بن داود بن بكرٍ حدّثني محمّد بن يحيى حدّثني عبد الصّمد بن مسعود بن عبد اللّه حدّثني مبشّر بن عبد اللّه، عن حسن بن الحسين، عن الحسن
قوله: وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربّك يقول أهل السّعادة في الجنّة خالدين فيها إلا ما شاء الله يقول إلا الموحّدون الّذين يعودون إليهم من البراني فالاستثناءان جميعًا في أهل التّوحيد لأنّه لا يكون في أهل الشّرك استثناءٌ وأهل الشّرك في جهنّم خالدين لا يفنون ولا يخرجوا.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن الوليد بن مهران المداينيّ، ثنا بشّار بن قيراطٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان في قوله: وأمّا الّذين سعدوا ففي الجنّة خالدين فيها وقع الاستثناء على من بقي في النّار حتّى يخرجون منها.
- حدّثنا أبي، ثنا سعيد بن عبد الحميد، ثنا يعقوب القمّيّ، عن أبي مالكٍ، عن أبي سنانٍ في قوله: وأمّا الّذين سعدوا ففي الجنّة خالدين فيها... إلا ما شاء ربّك ومشيئته خلودهم فيها ثمّ أتبعها عطاءً غير مجذوذ
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الأعلى الصّنعانيّ، ثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الضّحّاك، بن مزاحمٍ قوله: إلا ما شاء ربّك قال وهي أيضًا في الّذين يخرجون من النّار فيدخلون الجنّة. يقول خالدين في الجنّة ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربّك يقول: إلا ما مكثوا في النّار حتّى أدخلوا الجنّة.
قوله تعالى: عطاءً غير مجذوذٍ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: عطاءً غير مجذوذٍ يقول: عطاءٌ غير مقطوعٍ وروي، عن أبى العالية ومجاهدٍ والرّبيع بن أنسٍ والنّضر بن عربيٍّ وقتادة نحو ذلك.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل، ثنا مباركٌ، عن الحسن عطاءً غير مجذوذٍ قال: لا ينقص منه شيءٌ). [تفسير القرآن العظيم: 6/2087-2088]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عطاء غير مجذوذ يعني مقطوع). [تفسير مجاهد: 2/308]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 106 - 108.
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: هاتان من المخبآت قول الله {فمنهم شقي وسعيد} ويوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا) (المائدة الآية 109) أما قوله {فمنهم شقي وسعيد} فهم قوم من أهل الكبائر من أهل هذه القبلة يعذبهم الله بالنار ما شاء بذنوبهم ثم يأذن في الشفاعة لهم فيشفع لهم المؤمنون فيخرجهم من النار فيدخلهم الجنة فسماهم أشقياء حين عذبهم في النار {فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق (106) خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك} حين أذن في الشفاعة لهم وأخرجهم من النار وأدخلهم الحنة وهم هم {وأما الذين سعدوا} يعني بعد الشقاء الذي كانوا فيه {ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك} يعني الذين كانوا في النار). [الدر المنثور: 8/140-141] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله {وأما الذين سعدوا} الآية، قال: هو في الذين يخرجون من النار فيدخلون الجنة يقول: خالدين في الجنة {ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك} يقول: إلا ما مكثوا في النار حتى أدخلوا الجنة). [الدر المنثور: 8/142]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن سنان قال: استثنى في أهل التوحيد ثم قال {عطاء غير مجذوذ}). [الدر المنثور: 8/142]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ما دامت السماوات والأرض} قال: لكل جنة سماء وأرض). [الدر المنثور: 8/142]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله {ما دامت السماوات والأرض} قال: سماء الجنة وأرضها). [الدر المنثور: 8/142]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه في قوله {ما دامت السماوات والأرض} قال: تبدل سماء غير هذه السماء وأرض غير هذه الأرض فما دامت تلك السماء وتلك الأرض). [الدر المنثور: 8/143]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: إذا كان يوم القيامة أخذ الله السموات السبع والأرضين السبع فطهرهن من كل قذر ودنس وفصيرهن أرضا بيضاء فضة نورا يتلألأ فصيرهن أرضا للجنة والسموات والأرض اليوم في الجنة كالجنة في الدنيا يصيرهن الله على عرض الجنة ويضع الجنة عليها وهي اليوم على أرض زعفرانية عن يمين العرش فأهل الشرك خالدين في جهنم ما دامت أرضا للجنة). [الدر المنثور: 8/143]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في البعث والنشور عن ابن عباس في قوله {إلا ما شاء ربك} قال: فقد شاء ربك أن يخلد هؤلاء في النار وأن يخلد هؤلاء في الجنة). [الدر المنثور: 8/143]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله {فأما الذين شقوا} قال: فجاء بعد ذلك من مشيئة الله فنسخها فأنزل الله بالمدينة (إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا) (النساء الآية 168) إلى آخر الآية، فذهب الرجاء لأهل النار أن يخرجوا منها وأوجب لهم خلود الأبد، وقوله {وأما الذين سعدوا} الآية، قال: فجاء بعد ذلك من مشيئة الله ما نسخها فأنزل بالمدينة (والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات) (النساء الآية 122) إلى قوله (ظلا ظليلا) فأوجب لهم خلود الأبد). [الدر المنثور: 8/143-144]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {إلا ما شاء ربك} قال: استثنى الله أمر النار أن تأكلهم). [الدر المنثور: 8/144]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن الحسن عن عمر رضي الله عنه قال: لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم يوم على ذلك يخرجون فيه). [الدر المنثور: 8/144]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن راهويه عن أبي هريرة قال: سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد وقرأ {فأما الذين شقوا} الآية). [الدر المنثور: 8/144]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن إبراهيم قال: ما في القرآن آية أرجى لأهل النار من هذه الآية {خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك} قال: وقال ابن مسعود ليأتين عليها زمانا تخفق أبوابها). [الدر المنثور: 8/144]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الشعبي قال: حهنم أسرع الدارين عمرانا وأسرعهما خرابا). [الدر المنثور: 8/144]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {إلا ما شاء ربك} قال: الله أعلم بمشيئته على ما وقعت). [الدر المنثور: 8/144]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: قد أخبر الله بالذي شاء لأهل الجنة فقال {عطاء غير مجذوذ} ولم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار). [الدر المنثور: 8/145]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن أبي وائل، أنه كان إذا سئل عن الشيء من القرآن قال: قد أصاب الله به الذي أراد). [الدر المنثور: 8/145]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {لهم فيها زفير وشهيق} قال: الزفير الصوت الشديد في الحلق والشهيق الصوت الضعيف في الصدر، وفي قوله {غير مجذوذ} قال: غير مقطوع، وفي لفظ: غير منقطع). [الدر المنثور: 8/145]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 09:27 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لهم فيها زفيرٌ وشهيقٌ...}
فالزفير أوّل نهيق الحمار وشبهه، والشهيق من آخره). [معاني القرآن: 2/28]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {لهم فيها زفير وشهيق} فقالوا في المصدر: يشهق شهيقًا، وقال الأغلب:
فشهقت وأبرقت عن لثم.
فصيرها فعلت.
وقال أوس:
وفي صدره مثل جيب الفتاة تشهق حينا وحينا تهر
وأما الزفير: فكزفير الحمار أول ما ينهق؛ والشهيق: كشهيق الحمار في الحلق؛ وهو آخر ما يفرغ من نهيقه.
[وقال محمد بن صالح]:
الشهيق من الحلق، والزفير من الجوف، ومنه قول الله عز وجل {لهم فيها زفير} ). [معاني القرآن لقطرب: 698]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فأمّا الّذين شقوا ففي النّار لهم فيها زفير وشهيق}
من شديد الأنين وقبيحه.
{وشهيق} والشهيق الأنين الشديد المرتفع جدا.
وزعم أهل اللغة من البصريين والكوفيين أن الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمار في النهيق، والشهيق بمنزلة آخر صوته في النهيق). [معاني القرآن: 3/79]

تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {خالدين فيها ما دامت السّماوات والأرض إلاّ ما شاء ربّك...}
يقول القائل: ما هذا الاستثناء وقد وعد الله أهل النار الخلود وأهل الجنّة الخلود؟ ففي ذلك مضيان أحدهما أن تجعله استثناء يستثنيه ولا يفعله؛ كقولك: والله لأضربنّك إلاّ أن أرى غير ذلك، وعزيمتك على ضربه، فكذلك قال {خالدين فيها ما دامت السّماوات والأرض إلاّ ما شاء ربّك} ولا يشاؤه والله أعلم، والقول الآخر أن العرب إذا استثنت شيئاً كبيراً مع مثله أو مع ما هو أكبر منه كان معنى إلاّ ومعنى الواو سواء، فمن ذلك قوله: {خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض} سوى ما يشاء من زيادة الخلود فيجعل (إلاّ) مكان (سوى) فيصلح. وكأنّه قال: خالدين فيها مقدار ما كانت السّموات وكانت الأرض سوى ما زادهم من الخلود (و) الأبد. ومثله في الكلام أن تقول: لي عليك ألف إلاّ الألفين اللذين من قبل فلان؛ أفلا ترى أنه في المعنى: لي عليك سوى الألفين. وهذا أحبّ الوجهين إليّ، لأنّ الله عزّ وجل لا خلف لوعده، فقد وصل الاستثناء بقوله: {عطاء غير مجذوذٍ} فاستدل على أن الاستثناء لهم بالخلود غير منقطع عنهم). [معاني القرآن: 2/28]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {خالدين فيها ما دامت السّماوات والأرض إلّا ما شاء ربّك} مبين في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 210]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} فإن للعرب في معنى (الأبد) ألفاظا يستعملونها في كلامهم، يقولون: لا أفعل ذلك ما اختلف الليل والنهار، وما طمى البحر، أي ارتفع، وما أقام الجبل، وما دامت السموات والأرض، في أشباه لهذا كثيرة، يريدون لا أفعله أبدا، لأن هذه المعاني عندهم لا تتغير عن أحوالها أبدا، فخاطبهم الله بما يستعملونه فقال: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ} أي مقدار دوامهما، وذلك مدة العالم. وللسماء وللأرض وقت يتغيّران فيه عن هيئتهما، يقول الله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ} ويقول: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ}.
أراد أنهم خالدون فيها مدة العالم، سوى ما شاء الله أن يزيدهم من الخلود على مدة العالم.
ثم قال: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} أي غير مقطوع.
و(إلّا) في هذا الموضع بمعنى (سوى) ومثله من الكلام: لأسكننّ في هذه الدار حولا إلا ما شئت. تريد سوى ما شئت أن أزيد على الحول.
هذا وجه.
وفيه قول آخر، وهو: أن يجعل دوام السماء والأرض بمعنى الأبد، على ما تعرف العرب وتستعمل، وإن كانتا قد تتغيّران، وتستثنى المشيئة من دوامهما، لأن أهل الجنة وأهل النار قد كانوا في وقت من أوقات دوام السماء والأرض في الدنيا لا في الجنة، فكأنه قال: خالدين في الجنة وخالدين في النار دوام السماء والأرض، إلا ما شاء ربك من تعميرهم في الدنيا قبل ذلك.
وفيه وجه ثالث: وهو أن يكون الاستثناء من الخلود مكث أهل الذنوب من المسلمين في النار حتى تلحقهم رحمة الله، وشفاعة رسوله، فيخرجوا منها إلى الجنة.
فكأنه قال سبحانه: خالدين في النار ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك من إخراج المذنبين من المسلمين إلى الجنة،
وخالدين في الجنة ما دامت السموات والأرض، إلا ما شاء ربك من إدخال المذنبين النار مدة من المدد، ثم يصيرون إلى الجنة). [تأويل مشكل القرآن: 76-77]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {خالدين فيها ما دامت السّماوات والأرض إلّا ما شاء ربّك إنّ ربّك فعّال لما يريد}
{إلّا ما شاء ربّك}.
فيها أربعة أقوال. قولان منها لأهل اللغة البصريين والكوفيين جميعا.
قالوا: المعنى خالدين فيها إلا ما شاء ربك بمعنى سوى ما شاء ربّك.
كما تقول: لو كان معنا رجل إلا زيدا أي رجل سوى زيد ولك عندي ألف درهم سوى الألفين، وإلا الألفين اللذين لك عندي.
فالمعنى على هذا خالدين فيها مقدار دوام السّماوات والأرض سوى ما شاء ربك من الخلو والزيادة كما قلت سوى الألفين اللتين عليّ.
وقالوا قولا آخر: {إلّا ما شاء ربّك} ولا يشاء أن يخرجهم منها، كما تقول أنا أفعل كذا وكذا إلا أن أشاء غير ذلك ثم تقيم على ذلك الفعل وأنت قادر على غير ذلك، فتكون الفائدة في هذا الكلام أن لو شاء يخرجهم لقدر، ولكنه قد أعلمنا أنهم خالدون أبدا.
فهذان المذهبان من مذاهب أهل اللغة.
وقولان آخران:
قال بعضهم إذا حشروا وبعثوا فهم في شروط القيامة فالاستثناء وقع من الخلود بمقدار موقفهم للحساب.
والمعنى خالدين فيها ما دامت السّماوات والأرض إلا مقدار موقفهم للمحاسبة.
وفيها قول رابع: أن الاستثناء وقع على أن لهم فيها زفيرا وشهيقا إلا ما شاء ربك من أنواع العذاب التي لم تذكر.
وكذلك لأهل الجنة نعيم ما ذكر ولهم ما لم يذكر مما شاء ربك.
ويدل عليه - واللّه أعلم - عطاء غير مجذوذ) ). [معاني القرآن: 3/80-79]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك}
في هذا أجوبة منها أن العرب خوطبت على ما تعرف وتستعمل وهم يقولون لا أكلمك ما اختلف الليل والنهار وما دامت السماوات والأرض يريدون بذلك الأبد
ويكون معنى إلا ما شاء ربك سوى ما شاء ربك من زيادة أهل النار في العذاب وأهل الجنة في النعيم وقد صح أنهم يزادون
روى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((قال الله جل وعز أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)) بله ما أطلعتم ثم قرأ أبو هريرة فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين
وقيل معنى إلا معنى سوى أيضا إلا أن المعنى سوى ما شاء ربك من الزيادة في الخلود
وهذان قولان حسنان لأنه معروف في اللغة أن يقال لك عندي كذا وكذا إلا كذا وسوى كذا وغير كذا
وحكى سيبويه لو كان معي رجل إلا زيد فهذا بمعنى سوى وغير
وحكى الكوفيون لك عندي ألف إلا ألفين ويعبر عن إلا في مثل هذا أنها بمعنى سوى وغير ولكن والمعاني متقاربة
وقيل هذا استثناء لأنهم يقيمون في قبورهم فالمعنى على هذا إلا ما شاء ربك من مقامهم في قبورهم
وقيل هذا استثناء لأن قوما من الموحدين يدخلون النار ثم تخرجون منها
فالمعنى على هذا خالدين في النار ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك من إخراج من شاء برحمته وشفاعة
النبي صلى الله عليه وسلم
وقال جابر بن عبد الله في قوله عز وجل: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} إنه الشفاعة
ويكون المعنى في أهل الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك من دخول قوم النار وخروجهم إلى الجنة
حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا أحمد بن داود بن موسى البصري المعروف بالمكي قال نا شيبان بن فروخ قال نا أبو هلال قال نا قتادة في هذه الآية وأما الذين شقوا ففي النار إلى قوله: {فعال لما يريد}
فقال عند هذا حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يخرج قوم من النار قال قتادة لا نقول كما يقول أهل حروراء
وقيل في هذا قول خامس وهو أن المعنى خالدين فيها أبدا ثم قال إلا ما شاء ربك فخاطبهم على ما يعرفون من الاستثناء ورد الأمر إلى الله جل جلاله كما قال تعالى:
{لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين} وقد بين هذا بقوله: {عطاء غير مجذوذ} قال مجاهد أي غير مقطوع
قال أبو جعفر وذلك معروف في اللغة يقال جذذت الشيء أي قطعته
وقد قيل في هذه الآية قول سادس يكون الاستثناء لمقامهم في عرصة القيامة
وقال قتادة تبدل هذه السماء وهذه الأرض
فالمعنى خالدين فيها ما دامت تلمك السماء وتلك الأرض المبدلتان من هاتين). [معاني القرآن: 3/384-381]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {عطاءً غير مجذوذٍ} أي غير مقطوع، ويقال: جذذت اليمين أي الحلف، (جذّ الصّليّانة) أي حلف فقطعها ومنه جذذت الحبل إذ قطعته، ويقال: جذّ الله دابرهم، أي قطع أصلهم وبقيّتهم). [مجاز القرآن: 1/299]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وأبو عمرو وأهل المدينة {وأما الذين سعدوا}.
وأصحاب عبد الله {سعدوا} بالضم صيروها فعلوا، وعليها قالوا: مسعود؛ كأنها مثل قولهم: محبوب ومجنون، وقد حبه وأحبه؛ وكذلك أسعده، وقالوا: سعده أيضًا بالتثقيل؛ وهو مسعد.
أنشد بعضهم بيت ذي الرمة:
أرمي بها الفقر بعد الفقر ناجية = هوجاء راكبها وسنان مسقوم
والفعل أسقمه الله؛ ويروى: "وسنان مسهوم"). [معاني القرآن لقطرب: 678]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {عطاء غير مجذوذ}، فقال في الفعل: جذه يجذه جذا وجذاذا؛ وقال: هو الجذاذ أيضًا، والجذاذ؛ وأما الجذاذ فالقطع بغير سيوف.
وقال النابغة:
تجذ السلوقي المضاعف نسجه = ويوقدن بالصفاح نار الحباحب). [معاني القرآن لقطرب: 698]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {غير مجذوذ}: غير مقطوع). [غريب القرآن وتفسيره: 178]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {غير مجذوذٍ} أي غير مقطوع. يقال: جذذت وجددت وجذفت وجدفت، إذا قطعت). [تفسير غريب القرآن: 210]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} أي غير مقطوع). [تأويل مشكل القرآن: 76-77] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {خالدين فيها ما دامت السّماوات والأرض إلّا ما شاء ربّك إنّ ربّك فعّال لما يريد}
{إلّا ما شاء ربّك}.
فيها أربعة أقوال. قولان منها لأهل اللغة البصريين والكوفيين جميعا.
قالوا: المعنى خالدين فيها إلا ما شاء ربك بمعنى سوى ما شاء ربّك.
كما تقول: لو كان معنا رجل إلا زيدا أي رجل سوى زيد ولك عندي ألف درهم سوى الألفين، وإلا الألفين اللذين لك عندي.
فالمعنى على هذا خالدين فيها مقدار دوام السّماوات والأرض سوى ما شاء ربك من الخلو والزيادة كما قلت سوى الألفين اللتين عليّ.
وقالوا قولا آخر: {إلّا ما شاء ربّك} ولا يشاء أن يخرجهم منها، كما تقول أنا أفعل كذا وكذا إلا أن أشاء غير ذلك ثم تقيم على ذلك الفعل وأنت قادر على غير ذلك،
فتكون الفائدة في هذا الكلام أن لو شاء يخرجهم لقدر، ولكنه قد أعلمنا أنهم خالدون أبدا.
فهذان المذهبان من مذاهب أهل اللغة.
وقولان آخران:
قال بعضهم إذا حشروا وبعثوا فهم في شروط القيامة فالاستثناء وقع من الخلود بمقدار موقفهم للحساب.
والمعنى خالدين فيها ما دامت السّماوات والأرض إلا مقدار موقفهم للمحاسبة.
وفيها قول رابع: أن الاستثناء وقع على أن لهم فيها زفيرا وشهيقا إلا ما شاء ربك من أنواع العذاب التي لم تذكر.
وكذلك لأهل الجنة نعيم ما ذكر ولهم ما لم يذكر مما شاء ربك.
ويدل عليه - واللّه أعلم - عطاء غير مجذوذ).
أي غير مقطوع.
قال النابعة
تقدّ السّلوقيّ المضاعف نسجه= وتوقد بالصّفّاح نار الحباحب
يصف السيوف وأنها تقطع الدّروع). [معاني القرآن: 3/80-79] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( {عطاء غير مجذوذ} قال مجاهد أي غير مقطوع
قال أبو جعفر وذلك معروف في اللغة يقال جذذت الشيء أي قطعته
وقد قيل في هذه الآية قول سادس يكون الاستثناء لمقامهم في عرصة القيامة
وقال قتادة تبدل هذه السماء وهذه الأرض
فالمعنى خالدين فيها ما دامت تلمك السماء وتلك الأرض المبدلتان من هاتين). [معاني القرآن: 3/384] (م)
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {غَيْرَ مَجْذُوذ} أي: غير مقطوع). [ياقوتة الصراط: 271]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {غير مجذوذ} أي مقطوع). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 109]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَجْذُوذٍ}: مقطوع). [العمدة في غريب القرآن: 157]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 09:28 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) }

تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) }

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) }
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (باب الممدود المفتوح أوله
من ذلك العطاء والثناء والغناء والسماء والبلاء والسواء والبواء). [المقصور والممدود: 86]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب من أبواب أن مكررةً

وذلك قولك: قد علمت أن زيداً إذا أتاك أنه سيكرمك، وذلك أنك قد أردت: قد علمت أن زيداً إذا أتاك سيكرمك، فكررت الثانية توكيداً، ولست تريد بها إلا ما أردت بالأولى. فمن ذلك قوله عز وجل: {أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجون} فهذا أحسن الأقاويل عندي في هذه الآية، وقد قيل فيها غير هذا. ونحن ذاكروه في آخر الباب إن شاء الله.
ونظير تكرير أن هاهنا قوله تبارك وتعالى: {وهم بالآخرة هم كافرون} وقوله عز وجل: {فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها}. وكذلك قوله عز وجل: {وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها}.
ومن هذا الباب عندنا وهو قول أبي عمر الجرمي {ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم}. فالتقدير: والله أعلم فله نار جهنم، وردت أن توكيداً. وإن كسرها كاسر جعلها مبتدأة بعد الفاء؛ لأن ما بعد فاء المجازاة ابتداء، كقوله عز وجل: {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم} فـ إن في هذا الموضع يجوز أن تكون الأولى التي وقعت بعد الحكاية كررت، ويجوز أن تكون وقعت مبتدأة بعد الفاء، كقولك: من يأتني فإني سأكرمه.
وأما أبو الحسن الأخفش فقال في قوله تبارك وتعالى: {ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم} قال: المعنى: فوجوب النار له، ثم وضع أن في موضع المصدر.
فهذا قول ليس بالقوي، لأنه يفتحها مبتدأة، ويضمر الخبر.
وكذلك قال في قوله: {كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بجهالةٍ ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفورٌ رحيمٌ}، أي فوجوب الرحمة له.
والقول فيه عندنا التكرير على ما ذكرت لك.
فأما ما قيل في الآية التي ذكرنا قبل سوى القول الذي اخترناه وهي {أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجون} فأن يكون {أنكم مخرجون} مرتفعاً بالظرف. كأنه في التقدير: أيعدكم أنكم إذا متم إخراجكم. فهذا قول حسن جميل.
وأما سيبويه فكان يقول: المعنى: أن يعد وقعت على أن الثانية وذكر أن الأولى ليعلم بعد أي شيءٍ يكون الإخراج?.
وهذا قول ليس بالقوي). [المقتضب: 2/354-357] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قيل: الحال على ضربين: فأحدهما: التنقل، والآخر: الحال اللازمة. وإنما هي مفعول فاللزوم يقع لما في اسمها، لا لما عمل فيها. فمن اللازم قوله عز وجل: {فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها} فالخلود معناه: البقاء. وكذلك: {وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها} فهذا الاسم لا لما عمل فيه). [المقتضب: 3/260] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وتقول: إن زيداً في الدار قائماً على الحال، وعلى القول الآخر: إن زيداً في الدار قائم. وكذلك ظننت زيداً في الدار قائماً. وإن كررت الظرف فكذلك تقول: إن زيداً في الدار قائم فيها، وكان زيد في الدار قائماً فيها.
وإن شئت قلت: إن زيداً في الدار قائماً فيها. يجري مجراه قبل التثنية. قال الله جل وعز: {فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها} وقال {وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها} فكان ذلك بمنزلة هذا في الابتداء). [المقتضب: 4/317] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (والجد: الحظ، والجد والجدة، مفتوحان، فإذا أردت المصدر من جددت في الأمر، قلت: أجد جدًا مكسور الجيم، ويقال: جددت النخل أجده جدًا وجدادًا إذا صرمته. ويقال: جذذته جذًا. وتركت الشيء جذاذًا، إذا قطعته قعًا. ويروى هذا البيت لجرير على وجهين:
آل المهلب جذ الله دابرهم = أضحوا رمادًا فلا أصل ولا طرف
ويروى جد، وقرأ بعض القراء: (عَطَاءً غَيْرَ مَجْدُودٍ) فأما قوله: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} فلم يقرأ بغيره. ويقال: كم جذاذ نخلك. أي كم تصرم منها. ويروى من قول الله جل وعز: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} عن أنس بن مالك: "غنى ربنا". وقرأ سعيد بن جبير: (جدًّا رَبُّنا). وهذا الشعر ينشد بالكسر:
أجدك لم تغتمض ليلة = فترقدها مع رقادها
ومثله:
أجدك لم تسمع وصاة محمد = رسول الإله حين أوصى وأشهدا
لأن معناه أجدًا منك، على التوقيف، وتقديره في النصب: أتجد جدًا، ويقال: امرأة جداء، إذا كانت لا ثدي لها، فكأنه قطع منها، لأن أصل الجد القطع، ويقال: بلدة جداء، إذا لم تكن بها مياه. قال الشاعر:
وجداء ما يرجى بها ذو هوادة = لعرف ولا يخشى السماة ربيبها
قال أبو الحسن: السماة هم الصادة نصف النهار، وروي عن بعض أصحابنا، عن المازني قال: إنما سمي ساميًا بالمسماة، وهو خف يلبسه لئلا يسمع الوحض وطأه، وهو عندي من سما للصيد.
ينشد هذا البيت:
أبى حبي سليمى أن يبيدا = وأصبح حبلها خلقًا جديد
يقول: أصبح خلقًا مقطوعًا، لأن جديدًا في معنى مجدود أي مقطوع، كما تقول: قتيل ومقتول وجريح ومجروح.
ويقال في غير هذا المعنى: رجل مجدود، إذا كان ذا خطر وحظ، وفي الدعاء "ولا ينفع ذا الجد منك الجد"، أي من كان له حظ في دنياه لم يدفع ذلك عنه ما يريد الله به. ولو قال قائل: ولا ينفع ذا الجد منك الجد - يريد الاجتهاد - لكان وجهًا). [الكامل: 2/1040-1042]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ({وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ} قال: مقدار ما كانت السموات والأرض. قال: بمقدار ما كانت السموات والأرض. {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} أن ينقص أو يزيد. عطاء غير مجذود قال: غير مقطوع). [مجالس ثعلب: 321]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 09:28 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري
...


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 09:28 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:58 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:58 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري
تفسير قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ}
قوله تعالى: {الذين شقوا} -على بعض التأويلات في الاستثناء الذي في آخر الآية -يراد به كل من يعذب من كافر وعاص، وعلى بعضها- كل من يخلد، وذلك لا يكون إلا في الكفرة خاصة.
والزفير: صوت شديد خاص بالمحزون أو الوجع أو المعذب ونحوه، والشهيق كذلك، كما يفعل الباكي الذي يصيح خلال بكائه. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الزفير: صوت حاد. والشهيق: صوت ثقيل، وقال أبو العالية: الزفير من الصدر، والشهيق من الحلق، وقيل: بالعكس، وقال قتادة: الزفير: أول صوت الحمار، والشهيق: آخره، فصياح أهل النار كذلك، وقيل: الزفير: مأخوذ من الزفر وهو الشدة، والشهيق: من قولهم: جبل شاهق أي عال، فهما -على هذا المعنى- واحد أو متقارب، والظاهر ما قال أبو العالية، فإن الزفرة هي التي يعظم معها الصدر والجوف، والشهقة هي الوقعة الأخيرة من الصوت المندفع معها النفس أحيانا، فقد يشهق المحتضر ويشهق المغشي عليه). [المحرر الوجيز: 5/19]

تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وأما قوله: {ما دامت السماوات والأرض} فقيل: معناه أن الله تبارك وتعالى يبدل السموات والأرض يوم القيامة، ويجعل الأرض مكانا لجهنم والسماء مكانا للجنة، ويتأبد ذلك، فقرنت الآية خلود هؤلاء ببقاء هذه، ويروى عن ابن عباس أنه قال: إن الله خلق السماوات والأرض من نور العرش ثم يردهما إلى هنالك في الآخرة، فلهما ثم بقاء دائم". وقيل: معنى قوله: {ما دامت السماوات والأرض} العبارة عن
[المحرر الوجيز: 5/19]
التأبيد: بما تعهده العرب، وذلك أن من فصيح كلامها إذا أرادت أن تخبر عن تأبيد شيء أن تقول: "لا أفعل كذا وكذا مدى الدهر، وما ناح الحمام، وما دامت السماوات والأرض"، ونحو هذا مما يريدون به طولا من غير نهاية، فأفهمهم الله تعالى تخليد الكفرة بذلك، وإن كان قد أخبر بزوال السماوات والأرض.
وأما قوله: {إلا ما شاء ربك} فقيل فيه: إن ذلك على طريق الاستثناء الذي ندب الشرع إلى استعماله في كل كلام، فهو على نحو قوله تعالى: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين} استثناء في واجب، وهذا الاستثناء في حكم الشرط، كأنه قال: "إن شاء الله"، فليس يحتاج إلى أن يوصف بمتصل ولا بمنقطع، ويؤيد هذا قوله تعالى: {عطاء غير مجذوذ}، وقيل: هو استثناء من طول المدة، وذلك على ما روي من أن جهنم تخرب ويعدم أهلها وتغلق أبوابها، فهم -على هذا- يخلدون حتى يصير أمرهم إلى هذا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا قول مختل، والذي روي ونقل عن ابن مسعود وغيره إنما هو الدرك الأعلى المختص بعصاة المؤمنين، وهو الذي يسمى جهنم، وسمي الكل به تجوزا.
وقيل: إنما استثنى ما يلطف الله تعالى به للعصاة من المؤمنين في إخراجهم بعد مدة من النار، فيجيء قوله تعالى: {إلا ما شاء ربك} أي: لقوم ما، وهذا قول قتادة، والضحاك، وأبي سنان، وغيرهم، وعلى هذا فيكون قوله: {فأما الذين شقوا} عاما في الكفرة والعصاة كما قدمنا، ويكون الاستثناء من خالدين، وقيل: "إلا" بمعنى الواو، فمعنى الآية: "وما شاء الله زائدا على ذلك"، ونحو هذا قول الشاعر:
[المحرر الوجيز: 5/20]
وكل أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدان
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا البيت يصح الاستشهاد به على معتقدنا في فناء الفرقدين وغيرهما من العالم، وأما إن كان قائله من دهرية العرب فلا حجة فيه، إذ يرى ذلك مؤبدا فأجرى "إلا" على بابها.
وقيل: "إلا" في هذه الآية بمعنى سوى، والاستثناء منقطع، كما تقول: "لي عندك ألفا درهم، إلا الألف التي كنت أسلفتك "، بمعنى: سوى تلك، فكأنه قال: خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض سوى ما شاء الله زائدا على ذلك"، ويؤيد هذا التأويل قوله بعد: {عطاء غير مجذوذ}، وهذا قول الفراء، فإنه يقدر الاستثناء المنقطع ب "سوى"، وسيبويه يقدره بـ "لكن"، وقيل: "سوى ما أعده لهم من أنواع العذاب مما لا يعرف كالزمهرير ونحوه"، وقيل: استثناء من مدة السماوات والأرض، المدة التي فرطت لهم في الحياة الدنيا، وقيل: في البرزخ بين الدنيا والآخرة، وقيل: في المسافات التي بينهم في دخول النار، إذ دخولهم إنما هو زمرا بعد زمر، وقيل: الاستثناء من قوله: {ففي النار}، كأنه قال: "إلا ما شاء ربك من تأخير عن ذلك"، وهذا قول رواه أبو نضرة عن جابر أو عن أبي سعيد الخدري، ثم أخبر منبها على قدرة الله تعالى بقوله: {إن ربك فعال لما يريد}). [المحرر الوجيز: 5/21]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم -في رواية أبي بكر- "سعدوا" بفتح السين، وهو فعل لا يتعدى، وقرأ حمزة، والكسائي، وعاصم في
[المحرر الوجيز: 5/21]
رواية حفص-: "سعدوا" بضم السين، وهي شاذة ولا حجة في قولهم: "مسعود"، لأنه مفعول من أسعد على حذف الزيادة، كما يقال: محبوب، من أحب، ومجنون من أجنه الله، وقد قيل في مسعود: إنما أصله الوصف للمكان، يقال: مكان مسعود فيه ثم نقل إلى التسمية به، وذكر أن الفراء حكى أن هذيلا تقول: سعده الله، بمعنى: أسعده، وبضم السين قرأ ابن مسعود، وطلحة بن مصرف، وابن وثاب، والأعمش.
والأقوال المترتبة في استثناء التي قبل هذه تترتب هاهنا إلا تأويل من قال: "هو استثناء المدة التي تخرب فيها جهنم"، فإنه لا يترتب مثله في هذه الآية، ويزيد هنا قول أن يكون الاستثناء في المدة التي يقيمها العصاة في النار، ولا يترتب أيضا تأويل من قال في تلك: إن الاستثناء هو من قوله تعالى: {ففي النار}.
وقوله: {عطاء غير مجذوذ}، نصب على المصدر، والمجذوذ: المقطوع، والجذ: القطع، وكذلك الجد، وكذلك (الحز) ). [المحرر الوجيز: 5/22]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:58 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:58 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ بيّن تعالى حال الأشقياء وحال السّعداء، فقال:
{فأمّا الّذين شقوا ففي النّار لهم فيها زفيرٌ وشهيقٌ (106) خالدين فيها ما دامت السّماوات والأرض إلا ما شاء ربّك إنّ ربّك فعّالٌ لما يريد (107)}
يقول تعالى: {لهم فيها زفيرٌ وشهيقٌ} قال ابن عبّاسٍ: الزّفير في الحلق، والشّهيق في الصّدر أي: تنفّسهم زفيرٌ، وأخذهم النّفس شهيقٌ، لما هم فيه من العذاب، عياذًا باللّه من ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 351]

تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({خالدين فيها ما دامت السّماوات والأرض} قال الإمام أبو جعفر بن جريرٍ: من عادة العرب إذا أرادت أن تصف الشّيء بالدّوام أبدًا قالت: "هذا دائمٌ دوام السّموات والأرض"، وكذلك يقولون: هو باقٍ ما اختلف الليل والنّهار، وما سمّر ابنًا سمير، وما لألأت العفر بأذنابها. يعنون بذلك كلمة: "أبدًا"، فخاطبهم جلّ ثناؤه بما يتعارفونه بينهم، فقال: {خالدين فيها ما دامت السّماوات والأرض}.
قلت: ويحتمل أنّ المراد بما دامت السّموات والأرض: الجنس؛ لأنّه لا بدّ في عالم الآخرة من سمواتٍ وأرضٍ، كما قال تعالى: {يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسّماوات} [إبراهيم:48]؛ ولهذا قال الحسن البصريّ في قوله: {ما دامت السّماوات والأرض} قال: تبدّل سماءٌ غير هذه السّماء، وأرضٌ غير هذه الأرض، فما دامت تلك السّماء وتلك الأرض.
وقال ابن أبي حاتمٍ: ذكر عن سفيان بن حسينٍ، عن الحكم، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قوله: {ما دامت السّماوات والأرض} قال: لكلّ جنّة سماءٌ وأرضٌ.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: ما دامت الأرض أرضًا، والسّماء سماءً.
وقوله: {إلا ما شاء ربّك إنّ ربّك فعّالٌ لما يريد} كقوله تعالى: {النّار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء اللّه إنّ ربّك حكيمٌ عليمٌ} [الأنعام: 128].
وقد اختلف المفسّرون في المراد من هذا الاستثناء، على أقوالٍ كثيرةٍ، حكاها الشّيخ أبو الفرج بن الجوزيّ في كتابه "زاد المسير" وغيره من علماء التّفسير، ونقل كثيرًا منها الإمام أبو جعفر بن جريرٍ، رحمه اللّه، في كتابه واختار هو ما نقله عن خالد بن معدان، والضّحّاك، وقتادة، وأبي سنان، ورواه ابن أبي حاتمٍ عن ابن عبّاسٍ والحسن أيضًا: أنّ الاستثناء عائدٌ على العصاة من أهل التّوحيد، ممّن يخرجهم اللّه من النّار بشفاعة الشافعين، من الملائكة والنبيين والمؤمنين، حين يشفعون في أصحاب الكبائر، ثمّ تأتي رحمة أرحم الرّاحمين، فتخرج من النّار من لم يعمل خيرًا قطّ، وقال يومًا من الدّهر: لا إله إلّا اللّه. كما وردت بذلك الأخبار الصّحيحة المستفيضة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمضمون ذلك من حديث أنسٍ، وجابرٍ، وأبي سعيدٍ، وأبي هريرة، وغيرهم من الصّحابة، ولا يبقى بعد ذلك في النّار إلّا من وجب عليه الخلود فيها ولا محيد له عنها. وهذا الّذي عليه كثيرٌ من العلماء قديمًا وحديثًا في تفسير هذه الآية الكريمة. وقد روي في تفسيرها عن أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب، وابن عبّاسٍ، وابن مسعودٍ، وأبي هريرة، وعبد اللّه بن عمرٍو، وجابرٍ، وأبي سعيدٍ، من الصّحابة. وعن أبي مجلز، والشّعبيّ، وغيرهما من التّابعين. وعن عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، وإسحاق بن راهويه وغيرهما من الأئمّة -أقوالٌ غريبةٌ. وورد حديثٌ غريبٌ في معجم الطّبرانيّ الكبير، عن أبي أمامة صدىّ بن عجلان الباهليّ، ولكنّ سنده ضعيفٌ، واللّه أعلم.
وقال قتادة: اللّه أعلم بثنياه.
وقال السّدّيّ: هي منسوخةٌ بقوله: {خالدين فيها أبدًا} [النّساء:57] ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 351-352]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأمّا الّذين سعدوا ففي الجنّة خالدين فيها ما دامت السّماوات والأرض إلا ما شاء ربّك عطاءً غير مجذوذٍ (108)}
يقول تعالى: {وأمّا الّذين سعدوا} وهم أتباع الرّسل، {ففي الجنّة} أي: فمأواهم الجنّة، {خالدين فيها} أي: ماكثين مقيمين فيها أبدًا، {ما دامت السّماوات والأرض إلا ما شاء ربّك} معنى الاستثناء هاهنا: أن دوامهم فيما هم فيه من النّعيم، ليس أمرًا واجبًا بذاته، بل هو موكولٌ إلى مشيئة اللّه تعالى، فله المنّة عليهم [دائمًا]، ولهذا يلهمون التّسبيح والتّحميد كما يلهمون النّفس.
وقال الضّحّاك، والحسن البصريّ: هي في حقّ عصاة الموحّدين الّذين كانوا في النّار، ثمّ أخرجوا منها. وعقّب ذلك بقوله: {عطاءً غير مجذوذٍ} أي: غير مقطوعٍ -قاله ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وأبو العالية وغير واحدٍ، لئلّا يتوهّم متوهّمٌ بعد ذكره المشيئة أنّ ثمّ انقطاعًا، أو لبسًا، أو شيئًا بل ختم له بالدّوام وعدم الانقطاع. كما بيّن هنا أنّ عذاب أهل النّار في النّار دائمًا مردودٌ إلى مشيئته، وأنّه بعدله وحكمته عذّبهم؛ ولهذا قال: {إنّ ربّك فعّالٌ لما يريد} [هودٍ:107] كما قال {لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون} [الأنبياء:23]، وهنا طيّب القلوب وثبّت المقصود بقوله: {عطاءً غير مجذوذٍ}.
يا أهل الجنّة، خلود فلا موت، ويا أهل النّار، خلودٌ فلا موت.
وفي الصّحيحين أيضًا: "فيقال يا أهل الجنّة، إن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبدًا، وإنّ لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تصحّوا فلا تسقموا أبدًا، وإنّ لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا"). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 352-353]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:49 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة