التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى:{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ووصّينا الإنسان} [العنكبوت: 8]، يعني: جميع النّاس.
{بوالديه حسنًا} [العنكبوت: 8]، يعني: برًّا، تفسير السّدّيّ كقوله: {بوالديه إحسانًا} [الأحقاف: 15]، يعني: برًّا.
قال: {وإن جاهداك لتشرك بي} [العنكبوت: 8] إن أراداك على أن تشرك بي.
{ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما} [العنكبوت: 8]، أي: أنّك لا تعلم أنّ معي شريكًا،
[تفسير القرآن العظيم: 2/617]
يعني بذلك المؤمنين.
{إليّ مرجعكم} [العنكبوت: 8] يوم القيامة.
{فأنبّئكم بما كنتم تعملون} [العنكبوت: 8]). [تفسير القرآن العظيم: 2/618]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وإن جاهداك}: مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير كقوله: وقلنا له , وإن جاهداك.). [مجاز القرآن: 2/113]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ووصّينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما إليّ مرجعكم فأنبّئكم بما كنتم تعملون}
قال: {ووصّينا الإنسان بوالديه حسناً} , على "ووصّيناه حسناً" , وقد يقول الرجل: "وصّيته خيراً" أي: بخيرٍ.). [معاني القرآن: 3/25]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ووصّينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إليّ مرجعكم فأنبّئكم بما كنتم تعملون (8)}
القراءة : {حسنا}, وقد رويت : {إحسان}, و{حسناً}: أجود لموافقة المصحف، فمن قال: حسنا , فهو مثل وصّينا، إلا أن يفعل بوالديه ما يحسن.
ومن قرأ {إحسان}:فمعناه: ووصينا الإنسان أن يحسن إلى والديه إحسانا، وكأنّ (حسنا) أعمّ في البر.
وقوله: {وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما}
معناه: وإن جاهداك أيها الإنسان والداك؛ لتشرك بي، وكذلك على أن تشرك بي.
ويروى أن رجلا خرج من مكة مهاجرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فحلفت أمه أن لا يظلها بيت حتى يرجع، فأعلم اللّه أن برّ الوالدين واجب، ونهى أن يتابعا على معصية اللّه والشرك به، وإن كان ذلك عند الوالدين برّا.). [معاني القرآن: 4/161]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا}
أي: ما يحسن
ثم قال جل وعز: {وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما}
قال أبو إسحاق : المعنى : وإن جاهداك أيها الإنسان, والداك لتشرك بي ما ليس لك به علم , فلا تطعهما.). [معاني القرآن: 5/212-213]
تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} [العنكبوت: 9]، يعني: أطاعوا اللّه فيما أمرهم به وفرض عليهم تفسير السّدّيّ.
{لندخلنّهم في الصّالحين} [العنكبوت: 9] مع الصّالحين، يعني: أهل الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 2/618]
تفسير قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس} [العنكبوت: 10] تفسير السّدّيّ: جعل عذاب النّاس في الدّنيا كعذاب اللّه في الآخرة، وهذه الآية نزلت في عيّاش بن أبي ربيعة أخي أبي جهلٍ، تفسير السّدّيّ.
قال يحيى: رجعت القصّة إلى الكلام الأوّل: {أحسب النّاس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون {2} ولقد فتنّا الّذين من قبلهم فليعلمنّ اللّه الّذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين {3}} [العنكبوت: 2-3] فوصف المنافقين في هذه الآية الآخرة، فقال: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه} [العنكبوت: 10] إذا أمر بالجهاد في سبيل اللّه، فدخل عليه فيه أذًى، رفض ما أمر به،
يعني: المنافق، واجترأ على عذاب اللّه وأقام عن الجهاد، فتبيّن نفاقه، أي: {جعل فتنة النّاس} [العنكبوت: 10]، يعني: ما يدخل عليه من البليّة في القتال إذا كانت بليّةً.
{كعذاب اللّه} [العنكبوت: 10] في الآخرة، فترك القتال في سبيل اللّه، واجترأ على عذاب اللّه في الآخرة لأنّ اللّه تبارك وتعالى قد خوّفه عذاب الآخرة
[تفسير القرآن العظيم: 2/618]
وهو لا يقرّ به.
وقال مجاهدٌ: أناسٌ يؤمنون بألسنتهم، فإذا أصابهم بلاءٌ من النّاس أو مصيبةٌ في أنفسهم وأموالهم افتتنوا وجعلوا ذلك في الدّنيا كعذاب اللّه في الآخرة.
قال: {ولئن جاء نصرٌ من ربّك} [العنكبوت: 10] على المشركين فجاءت غنيمةً.
{ليقولنّ} [العنكبوت: 10]، يعني: جماعتهم.
{إنّا كنّا معكم} [العنكبوت: 10] يطلبون الغنيمة، فيظنّ المؤمن أنّ المنافق عارفٌ، وليس بعارفٍ؛ لأنّه ليس بموقنٍ بالآخرة.
قال اللّه تبارك وتعالى: {أوليس اللّه بأعلم بما في صدور العالمين} [العنكبوت: 10].
والعالمون الخلق كلّهم، أي: أنّه يعلم أنّ هؤلاء المنافقين في صدورهم التّكذيب باللّه ورسله وهم يظهرون الإيمان). [تفسير القرآن العظيم: 2/619]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ فإذا أذوي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله " مجازه: جعل أذى الناس " وليعلمنّ الله الّذين آمنوا وليعلّمنّ المنافقين }, مجازه: وليميزن الله هؤلاء من هؤلاء.). [مجاز القرآن: 2/114]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والفتنة: التعذيب. قال: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} أي عذّبوهم بالنار.
وقال عز وجل: { يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} أي يعذبون. {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} أي يقال لهم: ذوقوا فتنتكم، يراد هذا العذاب بذاك.
وقال عز وجل: {فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} أي: جعل عذاب الناس وأذاهم كعذاب الله). [تأويل مشكل القرآن: 472] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة النّاس كعذاب اللّه ولئن جاء نصر من ربّك ليقولنّ إنّا كنّا معكم أوليس اللّه بأعلم بما في صدور العالمين (10)}
أي : فإذا ناله أذى, أو عذاب بسبب إيمانه جزع من ذلك ما يجزع من عذاب اللّه, وينبغي للمؤمن أن يصبر على الأذيّة في اللّه عزّ وجلّ.). [معاني القرآن: 4/161]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله}
قال مجاهد : (فإذا أوذي في الله , أي : عذب خاف من عذاب الناس كما يخاف من عذاب الله جل وعز).
قال الضحاك : (هؤلاء قوم قالوا : آمنا , فإذا أوذي أحدهم أشرك).
وروى ابن عيينة , عن عمرو بن دينار , عن عكرمة قال: (كان قوم بمكة قد شهدوا أن لا إله إلا الله , فلما خرج المشركون إلى بدر , أكرهوهم على الخروج معهم , فقتل بعضهم فأنزل الله
جل وعز فيهم: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم} إلى قوله: {فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا} , فكتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى المسلمين الذين بمكة , فخرج مسلمون من مكة , فلحقهم المشركون , فافتتن بعضهم , فأنزل الله جل وعز فيهم:
{ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله})
قال الشعبي : (نزلت فيهم عشر آيات من قوله تعالى: {الم أحسب الناس أن يتركوا}).
قال عكرمة : (فكتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى المسلمين الذين كانوا بمكة , قال رجل من بني ضمرة : كان مريضا أخرجوني إلى الروح , فأخرجوه , فمات , فأنزل الله جل وعز فيه: {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله} إلى آخر الآية, وأنزل في المسلمين الذين كانوا افتتنوا , ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة , ثم تابوا إلى آخر الآية)). [معاني القرآن: 5/213-215]
تفسير قوله تعالى: (وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وليعلمنّ اللّه الّذين آمنوا وليعلمنّ المنافقين} [العنكبوت: 11] وهذا علم الفعال.
وهو مثل قوله الأوّل: {فليعلمنّ اللّه الّذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين} [العنكبوت: 3] وما بعد هذه العشر آياتٍ مكّيٌّ، وهذه العشر مدنيّةٌ نزلت بعدها من هذه السّورة وهي قبل ما بعدها في التّأليف). [تفسير القرآن العظيم: 2/619]
تفسير قوله تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وقال الّذين كفروا للّذين آمنوا اتّبعوا سبيلنا} [العنكبوت: 12] الّتي نحن عليها.
{ولنحمل خطاياكم} [العنكبوت: 12] فيما اتّبعتمونا فيه، أي: ما كان فيه من إثمٍ فهو علينا.
وهذا منهم إنكارٌ للبعث والحساب.
[تفسير القرآن العظيم: 2/619]
قال اللّه تبارك وتعالى: {وما هم} [العنكبوت: 12]، يعني: الكفّار.
{بحاملين من خطاياهم} [العنكبوت: 12] المؤمنين.
{من شيءٍ} [العنكبوت: 12] لو اتّبعوهم.
{إنّهم لكاذبون} [العنكبوت: 12] لا يحملون خطاياهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/620]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {اتّبعوا سبيلنا ولنحمل...}
هو أمر فيه , تأويل جزاءٍ، كما أن قوله: {ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم} , نهى فيه تأويل الجزاء, وهو كثير في كلام العرب.
قال الشاعر:
فقلت ادعي وأدع فإنّ أندى = لصوتٍ أن ينادى داعيان
أراد: ادعي ولأدع , فإن أندى؛ فكأنه قال: إن دعوت دعوت.). [معاني القرآن: 2/314]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ اتّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم }, مجازه: اتبعوا ديننا.). [مجاز القرآن: 2/114]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وقال الّذين كفروا للّذين آمنوا اتّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم مّن شيءٍ إنّهم لكاذبون}
وقال: {ولنحمل خطاياكم} على الأمر , كأنهم أمروا أنفسهم.). [معاني القرآن: 3/25]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {اتّبعوا سبيلنا}, أي: ديننا, {ولنحمل خطاياكم}, أي: لنحمل عنكم ذنوبكم, والواو زائدة.). [تفسير غريب القرآن: 337]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(واو النّسق) قد تزاد حتى يكون الكلام كأنه لا جواب له، كقوله:
[تأويل مشكل القرآن: 252]
{حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا}. والمعنى: قال لهم خزنتها.
وقوله: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ}.
وقوله سبحانه: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ}.
وكقوله: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ}.
وقوله: {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [العنكبوت: 12] أي: لنحمل خطاياكم عنكم.
قال امرؤ القيس:
فلما أجزنا ساحة الحيِّ وانتحَى = بنا بطن خَبْتٍ ذي قِفَافٍ عَقَنْقَلِ
أراد انتحى.
وقال آخر:
حتَّى إذا قَمِلَتْ بطونُكم = ورأيتمُ أبناءَكمْ شَبُّوا
وَقَلَبْتمُ ظَهْرَ المجَنِّ لَنَا = إِنَّ اللَّئيمَ العَاجِزَ الخَبُّ
أراد: قلبتم). [تأويل مشكل القرآن: 253-254] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقال الّذين كفروا للّذين آمنوا اتّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنّهم لكاذبون (12)}
يقرأ {ولنحمل} بسكون اللام وبكسرها, في قوله {ولنحمل}.
وهو أمر في تأويل الشرط والجزاء, والمعنى : إن تتبعوا سبيلنا , حملنا خطاياكم.
والمعنى : إن كان فيه إثم , فنحن نحتمله.
ومعنى {سبيلنا}: الطريق في ديننا الذي نسلكه، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أنهم لا يحملون شيئا من خطاياهم , فقال:{وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء}
معناه : من شيء يخفف عن المحمول عنه العذاب.). [معاني القرآن: 4/161-162]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم}
قال الضحاك : (هؤلاء القادة من المشركين) .
قال مجاهد : (هم مشركو أهل مكة ,قالوا: لمن آمن منهم نحن , وأنتم لا نبعث , فاتبعونا , فإن كان عليكم وزر , فهو علينا) .
قال أبو جعفر : هذا كما تقول: قلدني هذا إن كان فيه وزر , أي : ليس فيه وزر .
قال الفراء : وفيه معنى المجازاة وأنشد:
فقلت ادعي وادع فإن أندى = لصوت أن ينادي داعيان
قال المعنى : ادعي , ولأدع , أي :إن دعوت دعوت
وقوله جل وعز: {وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء}
المعنى : وما هم بحاملين عنهم شيئا يخفف ثقلهم.). [معاني القرآن: 5/215-216]
تفسير قوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وليحملنّ أثقالهم} [العنكبوت: 13]، يعني: آثامهم، آثام أنفسهم {وأثقالا مع أثقالهم} [العنكبوت: 13] مع آثام أنفسهم يحملون من ذنوب من اتّبعهم على الضّلالة، ولا ينقص ذلك من ذنوب الّذين اتّبعوهم شيئًا.
- أبو الأشهب، عن الحسن، وخالدٍ، عن الحسن، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أيّما داعٍ دعا إلى هدًى، فاتّبع عليه كان له مثل أجر من اتّبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، وأيّما
[تفسير القرآن العظيم: 2/620]
داعٍ دعا إلى ضلالةٍ فاتّبع عليها كان له مثل أوزار من اتّبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيئًا».
الفرات بن سلمان، عن عبد الكريم، عن أبي عبيدة بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعودٍ، عن أبيه في قوله: {علمت نفسٌ ما قدّمت وأخّرت} [الانفطار: 5] قال: ما قدّمت من خيرٍ وما أخّرت، يعني: ما أخّرت من سنّةٍ صالحةٍ فعمل بها، قال: فإنّ له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيئًا، أو سنّةٍ سيّئةٍ فإنّ عليه مثل وزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيئًا.
ابن لهيعة، عن بكر بن سوادة، عن أبي سلمة، قال: من استنّ سنّةً في الإسلام ثمّ عمل بها، فإنّ له مثل أجور من عمل بها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن ابتدع بدعةً في الإسلام فعمل بها، فإنّ عليه مثل أوزار من اتّبعه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا.
قال: {وليسألنّ يوم القيامة عمّا كانوا يفترون} [العنكبوت: 13] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/621]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وليحملنّ أثقالهم...}: يعني أوزارهم .
{وأثقالاً مّع أثقالهم}, يقول: أوزار من أضلّوا.). [معاني القرآن: 2/314]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ وليحملنّ أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم }, مجازها: وليحملن أوزارهم , وخطاياهم , وأوزاراً , وخطايا مع أوزارهم , وخطاياهم.
{ عمّا كانوا يفترون }, أي: يكذبون , ويخترعون.). [مجاز القرآن: 2/114]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وليحملنّ أثقالهم} : أي : أوزارهم.
{وأثقالًا مع أثقالهم}: أوزارا مع أوزارهم.
قال قتادة: «من دعا قوما إلى ضلالة، فعليه مثل أوزارهم من غير أن ينقض من أوزارهم شيء»). [تفسير غريب القرآن: 337]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13] يريد آثامهم). [تأويل مشكل القرآن: 140]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم أعلم أنهم يحملون أثقالهم , أثقالا مع أثقالهم , كما قال عزّ وجلّ:
{ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الّذين يضلّونهم بغير علم}
فقال في هذه السورة:{وليحملنّ أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألنّ يوم القيامة عمّا كانوا يفترون (13)}
وجاء في الحديث تفسير هذا أنه من سنّ سنة ظلم، أو من سنّ سنّة سيئة , فعليه إثمها و إثم من عمل بها، ولا ينتقص من أوزار الّذين عملوا بها شيء.
ومن سنّ سنّة حسنة , كان له أجرها , وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة , ولا ينتقص من أجورهم شيء.
وعلى قوله: {علمت نفس ما قدّمت وأخّرت}, أي: علمت ما قدّمت من عمل، وما سنّت من سنة خير أو شرّ، فإن ذلك مما أخّرت.
ويجوز أن يكون {ما قدّمت وأخّرت}: ما قدّمت من عمل , وما أخّرت مما كان يجب أن تقدّمه.
ثم أعلم اللّه عز وجل أنه يوبّخهم فقال: {وليسألنّ يوم القيامة عمّا كانوا يفترون}, فذلك سؤال توبيخ, كما قال:{وقفوهم إنّهم مسئولون (24)}
فأما سؤال استعلام , فقد أعلم اللّه عزّ وجلّ -أنّه لا يسأل سؤال استعلام في
قوله: {فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جانّ (39)}. ). [معاني القرآن: 4/162-163]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم}
قال أبو أمامة الباهلي : (( يؤتى بالرجل يوم القيامة , وهو كثير الحسنات , فلا يزال يقتص منه حتى تفنى حسناته , ثم يطالب , ثم يقول الله جل وعز : اقتصوا من عبدي .
فتقول الملائكة: ما بقيت له حسنات .
فيقول : خذوا من سيئات المظلوم , فاجعلوها عليه
قال أبو أمامة :ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم :{وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم }.)).
وقال قتادة في قوله عز وجل: {وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم}, قال : (من دعا إلى ضلالة , كتب عليه وزرها , ووزر من يعمل بها , ولا ينقص ذلك منها شيئا ..)
قال أبو جعفر : وأهل التفسير على أن معنى الآية , كما قال قتادة , ومثله قوله جل وعز: {ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم} ). [معاني القرآن: 5/216-217]