العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأحزاب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 جمادى الأولى 1434هـ/18-03-2013م, 12:16 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة الأحزاب [ من الآية (28) إلى الآية (31) ]

تفسير سورة الأحزاب
[ من الآية (28) إلى الآية (31) ]

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15 جمادى الأولى 1434هـ/26-03-2013م, 08:53 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدّنيا وزينتها فتعالين أمتّعكنّ وأسرّحكنّ سراحًا جميلًا} [الأحزاب: 28]). [صحيح البخاري: 6/117]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيبٌ، عن الزّهريّ، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرّحمن، أنّ عائشة رضي اللّه عنها، زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أخبرته أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم جاءها حين أمره اللّه أن يخيّر أزواجه، فبدأ بي رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّي ذاكرٌ لك أمرًا، فلا عليك أن لا تستعجلي حتّى تستأمري أبويك» وقد علم أنّ أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت: ثمّ قال: " إنّ اللّه قال: {يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك} [الأحزاب: 28] " إلى تمام الآيتين، فقلت له: ففي أيّ هذا أستأمر أبويّ؟ فإنّي أريد اللّه ورسوله والدّار الآخرة). [صحيح البخاري: 6/117]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدّنيا وزينتها فتعالين أمتّعكنّ وأسرّحكنّ سراحًا جميلا)
في رواية أبي ذرٍّ أمتّعكنّ الآية قوله وقال معمرٌ كذا لأبي ذرٍّ وسقط هذا العزو من رواية غيره). [فتح الباري: 8/519]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جاءها حين أمر اللّه أن يخيّر أزواجه سيأتي الكلام عليه في الباب الّذي بعده). [فتح الباري: 8/520]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب: {يا أيّها النبيّ قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدّنيا وزينتها فتعالين أمتّعكنّ وأسرّحكنّ سراحاً جميلاً} (الأحزاب: 28)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {يا أيها النّبي} إلى آخر الآية في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر إلى: {أمتعكن} ... الآية. قال المفسّرون: كان نساء النّبي صلى الله عليه وسلم، يسألنه من عروض الدّنيا والزّيادة في النّفقة ويتأذى بغيرة بعضهنّ على بعض فهجرهن وآلى منهنّ شهرا ولم يخرج إلى أصحابه، فنزلت آية التّخيير. قوله: (إن كنتن تردن الحيوة الدّنيا) أي: السعة في الدّنيا وكثرة الأموال: {وزينتها فتعالين} أي: أقبلن بإرادتكن واختياركن أمتعكن متعة الطّلاق، والكلام في المتعة في النّفقة. قوله: {وأسرحكن} يعني: الطّلاق {سراحاً جميلاً} من غير إضرار.
واختلفوا في تخييره صلى الله عليه وسلم، فقيل: إنّه خيرهن بين اختيارهن الدّنيا فيفارقهن واختيار الآخرة فيمسكهن ولم يخيّرهنّ في الطّلاق، قاله الحسن وقتادة، وقيل: بل بين الطّلاق والمقام معه، قالته عائشة ومجاهد والشعبيّ ومقاتل، وكان تحته يومئذٍ تسع نسوة خمس من قريش: عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة بنت أبي أميّة وصفيّة بنت حييّ بن أخطب الخيبرية، وميمونة بنت الحارث الهلاليّة، وزينب بنت جحش الأسدية، وجويرية بنت الحارث المصطلقيّة. واختلفوا في سبب التّخيير، فقيل: لأن الله تعالى خيره بين ملك الدّنيا ونعيم الآخرة فأمر أن يخيّر بين نسائه ليكن على مثل حاله، وقيل: لأنّهنّ تغايرن عليه فآلى منهنّ شهرا، وقيل: لأنّهنّ اجتمعن يومًا فقلن: نريد ما تريد النّساء من الحليّ حتّى قال بعضهنّ: لو كنّا عند غير النّبي صلى الله عليه وسلم لكان لنا شأن وثياب وحلي، وقيل: لأن كل واحدة طلبت منه شيئا فكان غير مستطيع فطلبت أم سلمة معلما، وميمونة حلّة يمانية، وزينب ثوبا مخططاً وهو البرد اليمانيّ. وأم حبيبة ثوبا سحولياً، وحفصة ثوبا من ثياب مصر، وجويرية معجراً، وسودة قطيفة خيبرية، إلاّ عائشة رضي الله عنها، فلم تطلب شيئا). [عمدة القاري: 19/116-117]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثنا أبو اليمان أخبرنا شعيبٌ عن الزّهريّ قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرّحمان أنّ عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم أخبرته أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمر الله أن يخبّر أزواجه فبدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنّي ذاكرٌ لك أمرا فلا عليك أن تستعجلي حتّى تستأمري أبويك وقد علم أنّ أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه قالت ثمّ قال إنّ الله قال: {يا أيّها النبيّ قل لأزواجك} إلى تمام الآيتين فقلت له ففي أيّ هاذا أستأمر أبويّ فإنّي أريد الله ورسوله والدّار الآخرة..
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. ورجاله قد مضوا عن قريب، والحديث رواه البخاريّ أيضا في الطّلاق عن أبي اليمان، وأخرجه مسلم في النّكاح عن أبي الطّاهر وحرملة وأخرجه التّرمذيّ في التّفسير عن عبد بن حميد، وأخرجه النّسائيّ في النّكاح عن محمّد بن يحيى وفي الطّلاق عن يونس بن عبد الأعلى.
قوله: (فلا عليك) أي: لا بأس عليك في عدم الاستعجال حتّى تستأمري حتّى تشاوري. قوله: (ففي أي هذا) ويروى: ففي أي شيء). [عمدة القاري: 19/117-118]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدّنيا وزينتها فتعالين أمتّعكنّ وأسرّحكنّ سراحًا جميلًا} [الأحزاب: 28] وقال معمرٌ التّبرّج: أن تخرج محاسنها. سنّة اللّه استنّها: جعلها
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (قوله: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا}) السعة والتنعم فيها وذلك أنهن سألنه من عرض الدنيا وطلبن منه زيادة في النفقة وآذينه بغيرة بعضهن ({وزينتها}) أي زخارفها ({فتعالين أمتعكن}) متعة الطلاق ({وأسرحكن سراحًا جميلًا)} [الأحزاب: 28] أطلقكنّ طلاق السنة من غير إضرار، وفي قوله: ({فتعالين أمتعكن وأسرحكن}) إشعار بأنها لو اختارت واحدة الفراق لا يكون طلاقًا. وقوله: {أمتعكن وأسرحكن} جزم جواب الشرط وما بين الشرط وجزائه معترض ولا يضر دخول الفاء جملة الاعتراض أو الجواب قوله: "فتعالين" و"أمتعكن" جواب لهذا الأمر، وسقط لأبي ذر: وأسرحكن الخ وقال بعد أمتعكن الآية). [إرشاد الساري: 7/294]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيبٌ عن الزّهريّ قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرّحمن أنّ عائشة رضي الله عنها زوج النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- أخبرته أنّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- جاءها حين أمر اللّه أن يخيّر أزواجه، فبدأ بي رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقال: «إنّي ذاكرٌ لك أمرًا، فلا عليك أن تستعجلي حتّى تستأمري أبويك»، وقد علم أنّ أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه. قالت ثمّ قال: «إنّ اللّه قال: {يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك}» إلى تمام الآيتين فقلت له: ففي أيّ هذا أستأمر أبويّ؟ فإنّي أريد اللّه ورسوله والدّار الآخرة. [الحديث 4785 - طرفه في: 4786]
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- أخبرته أن رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- جاءها حين أمر الله) بإسقاط ضمير المفعول ولأبي ذر أمره الله (أن يخيّر أزواجه) بين الدنيا والآخرة أو بين الإقامة والطلاق قال الماوردي الأشبه يقول الشافعي الثاني وهو الصحيح. وقال القرطبي: والنافع الجمع بين القولين لأن أحد الأمرين ملزوم بالآخر وكأنهن خيرن بين الدنيا فيطلقهن وبين الآخرة فيمسكهن (فبدأ بي رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-) في التخيير قبلهن (فقال):
(إني ذاكرٌ لك أمرًا، فلا عليك أن تستعجلي) أي لا يلزمك الاستعجال ولأبي ذر أن لا تستعجلي أي لا بأس عليك في التأني وعدم العجلة (حتى تستأمري أبويك) أي تطلبي منهما المشورة.
وفي حديث جابر عند مسلم: حتى تستشيري أبويك. وعند أحمد: إني عارض عليك أمرًا فلا تفتاتي فيه بشيء حتى تعرضيه على أبويك أبي بكر وأم رومان وهو يرد على من زعم أن أم رومان ماتت سنة ست من الهجرة فإن التخيير كان في سنة تسع قالوا: وإنما أمرها عليه السلام باستشارتهما خشية أن يحملها صغر السن على اختيار الفراق فإذا استشارت أبويها أرشداها لما فيه المصلحة. ولذا لما فهمت عائشة ذلك قالت:
(وقد علم) عليه السلام (أن أبوي) بالتشديد (لم يكونا يأمراني بفراقه. قالت: ثم قال) عليه السلام: (إن الله قال: {يا أيها النبي قل لأزواجك} إلى تمام الآيتين) [الأحزاب: 28، 29] وهو قوله فإن الله أعدّ للمحسنات منكنّ أجرًا عظيمًا وهل كان هذا التخيير واجبًا عليه -صلّى اللّه عليه وسلّم- ولا ريب أن القول واجب عليه لأنه إبلاغ للرسالة لقوله تعالى: ({قل}) وأما التخيير؛ (فقلت له) عليه
السلام: (ففي أي هذا) ولأبي ذر عن المستملي ففي أي شيء (أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة) زاد محمد بن عمرو عند أحمد والطبراني، ولا أوامر أبوي أبا بكر، وأم رومان فضحك وأي اسم معرب يستفهم به نحو {فبأي حديث بعده يؤمنون} [المرسلات: 50] {وأيكم زادته هذه إيمانًا} [التوبة: 124].
وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في الطلاق وكذا مسلم، وأخرجه النسائي في النكاح والطلاق والترمذي في التفسير). [إرشاد الساري: 7/295]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب {قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً}
قوله: ({وأسرحكن سراحاً جميلاً}) زاد في نسخة الآية، واقتصر على قوله: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن} الآية.
قوله: (حتى تستأمري أبويك) أي: تطلبي منهما المشورة اهـ شيخ الإسلام). [حاشية السندي على البخاري: 3/64]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدّنيا وزينتها فتعالين أمتّعكنّ وأسرّحكنّ سراحًا جميلاً (28) وإن كنتنّ تردن اللّه ورسوله والدّار الآخرة فإنّ اللّه أعدّ للمحسنات منكنّ أجرًا عظيمًا}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل} يا محمّد {لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدّنيا وزينتها فتعالين أمتّعكنّ} يقول فإنّي أمتّعكنّ ما أوجب اللّه على الرّجال للنّساء من المتعة عند فراقهم إيّاهنّ بالطّلاق بقوله: {ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعًا بالمعروف حقًّا على المحسنين} وقوله: {وأسرّحكنّ سراحًا جميلاً} يقول: وأطلّقكنّ على ما أذن اللّه به، وأدّب به عباده بقوله: {إذا طلّقتم النّساء فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} ). [جامع البيان: 19/84]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم ثنا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها قال اعتزلهن رسول الله ثم خيرهن وذلك في زينب بنت جحش وكراهيتها لنكاح زيد بن حارثة حين أمرها به رسول الله). [تفسير مجاهد: 517-518]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: يا أيها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما * يا نساء النّبيّ من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا.
أخرج أحمد ومسلم والنسائي، وابن مردويه من طريق أبي الزبير، عن جابر قال: أقبل أبو بكر رضي الله عنه يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ببابه جلوس والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فلم يؤذن له ثم أذن لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فدخلا والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه وهو ساكت فقال عمر رضي الله عنه: لأكلمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعله يضحك فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله لو رأيت ابنة زيد امرأة عمر سألتني النفقة آنفا فوجأت عنقها فضحك النّبيّ صلى الله عليه وسلم حتى بدا ناجذه وقال: هن حولي يسألنني النفقة، فقام أبو بكر رضي الله عنه إلى عائشة رضي الله عنها ليضربها وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقولان: تسألان النّبيّ صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده، فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا فقلن نساؤه: والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا المجلس ما ليس عنده.
وأنزل الله الخيار فبدأ بعائشة رضي الله عنها فقال اني ذاكر لك أمرا ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك، قالت: ما هو فتلا عليها {يا أيها النّبيّ قل لأزواجك}، قالت عائشة رضي الله عنها: أفيك استأمر أبوي بل اختار الله ورسوله وأسألك أن لا تذكر إلى امرأة من نسائك امرأة ما اخترت فقال: ان الله لم يبعثني متعنتا وإنما بعثني معلما مبشرا لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها). [الدر المنثور: 12/19-20]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد عن أبي سلمة الحضرمي قال جلست مع أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما وهما يتحدثان وقد ذهب بصر جابر رضي الله عنه فجاء رجل فجلس ثم قال: يا أبا عبد الله أرسلني اليك عروة بن الزبير أسألك فيم هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه فقال جابر رضي الله عنه: تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة لم يخرج إلى الصلاة فأخذنا ما تقدم وما تأخر فاجتمعنا ببابه يسمع كلامنا ويعلم مكاننا فاطلنا الوقوف فلم يأذن لنا ولم يخرج الينا فقلنا: قد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانكم ولو أراد أن يأذن لكم لأذن فتفرقوا لا تؤذوه فتفرقوا غير عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتنحنح ويتكلم ويستأذن حتى أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر رضي الله عنه: فدخلت عليه وهو واضع يده على خده أعرف به الكآبة فقلت له: أي نبي الله - بأبي وأمي يا رسول الله - ما الذي رابك وما الذي لقي الناس بعدكم من فقدهم لرؤيتك فقال: يا عمر سألتني الاماء ما ليس عندي - يعني نساءه - فذاك الذي بلغ بي ما ترى، فقلت: يا نبي الله قد صككت جميلة بنت ثابت صكة ألصقت خدها منها بالأرض لأنها سألتني ما ليس عندي وأنت يا رسول الله على موعد من ربك وهو جاعل بعد العسر يسرا، قال: فلم أزل أكلمه حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تحلل عنه بعض ذلك فخرجت فلقيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه فحدثته الحديث فدخل أبو بكر على عائشة رضي الله عنها قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخر عنكن شيئا فلا تسأليه ما لا يجد انظري حاجتك فاطلبيها الي وانطلق عمر رضي الله عنه إلى حفصة فذكر لها مثل ذلك ثم اتبعا أمهات المؤمنين فجعلا يذكران لهن مثل ذلكن فأنزل الله تعالى في ذلك {يا أيها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا} يعني متعة الطلاق ويعني بتسريحهن: تطليقهن طلاقا جميلا {وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما}، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ بعائشة رضي الله عنها فقال: ان الله قد أمرني ان أخيركن بين أن تخترن الله ورسوله والدار الآخرة وبين أن تخترن الدنيا وزينتها وقد بدأت بك وأنا أخيرك قالت: وهل بدأت بأحد قبلي منهن قال: لا، قالت: فاني أختار الله ورسوله والدار الآخرة فاكتم علي ولا تخبر بذاك نساءك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أخبرهن بهن فأخبرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة فكان خياره بين الدنيا والآخرة، اتخترن الآخرة أو الدنيا قال {وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما} فاخترن أن لا يتزوجن بعده ثم قال {يا نساء النّبيّ من يأت منكن بفاحشة مبينة} يعني الزنا {يضاعف لها العذاب ضعفين} يعني في الآخرة {وكان ذلك على الله يسيرا ومن يقنت منكن لله ورسوله} يعني تطيع الله ورسوله {وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين} مضاعفا لها في الآخرة {وأعتدنا لها رزقا كريما} {يا نساء النّبيّ لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض} يقول فجور {وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن} يقول لا تخرجن من بيوتكن {ولا تبرجن} يعني القاء القناع فعل الجاهلية الأولى ثم قال جابر رضي الله عنه: ألم يكن الحديث هكذا قال: بلى). [الدر المنثور: 12/20-22]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمره الله أن يخير أزواجه قالت: فبدأ بي فقال: اني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن تستعجلي حتى تستأمري أبويك قد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقة فقال: ان الله قال {يا أيها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها} إلى تمام الآيتين، فقلت له: ففي أي هذا استأمر أبوي فاني أريد الله ورسوله والدار الآخرة وفعل أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت). [الدر المنثور: 12/22-23]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد عن عمرو بن سعيد عن أبيه عن جده قال لما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه بدأ بعائشة رضي الله عنها قال: ان الله خيرك فقالت: اخترت الله ورسوله ثم خير حفصة رضي الله عنها فقلن جميعا: اخترنا الله ورسوله غير العامرية اختارت قومها فكانت بعد تقول: أنا الشقية ن وكانت تلقط البعر وتبيعه وتستأذن على أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم وتقول: أنا الشقية). [الدر المنثور: 12/23]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد عن أبي جعفر رضي الله عنه قال: قال نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نساء أغلى مهورا منا فغار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم فأمره أن يعتزلهن فاعتزلهن تسعة وعشرين يوما ثم أمره أن يخيرهن فخيرهن). [الدر المنثور: 12/23]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد عن أبي صالح قال: اخترنه صلى الله عليه وسلم جميعا غير العامرية كانت ذاهبة العقل حتى ماتت). [الدر المنثور: 12/24]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ليهجرنا شهرا فدخل علي صبيحة تسعة وعشرين فقلت: يا رسول الله ألم تكن حلفت لتهجرنا شهرا قال: ان الشهر هكذا وهكذا وهكذا، وضرب بيده جميعا وخنس يقبض أصبعا في الثالثة ثم قال: يا عائشة اني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن تعجلي حتى تستشيري أبويك وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم حداثة سني قلت: وما ذاك يا رسول الله قال: اني أمرت أن أخيركن ثم تلا هذه الآية {يا أيها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها} إلى قوله {أجرا عظيما} قالت: فيم استشير أبوي يا رسول الله بل أختار الله ورسوله فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وسمع نساؤه فتواترن عليه). [الدر المنثور: 12/24]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه بين الدنيا والآخرة). [الدر المنثور: 12/24]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة والحسن رضي الله عنهما قالا: أمره الله أن يخيرهن بين الدنيا والآخرة والجنة والنار قال الحسن رضي الله عنه: في شيء كن أردنه من الدنيا، وقال قتادة رضي الله عنه: في غيرة كانت غارتها عائشة رضي الله عنها وكان تحته يومئذ تسع نسوة خمس من قريش، عائشة، وحفصة، وأمر حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة بنت أبي أمية، وكانت تحته صفية بنت حي الخيبرية، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وزينب بنت جحش الأسدية، وجويرية بنت الحارث من بني المصطلق، وبدأ بعائشة رضي الله عنها فلما أختارت الله ورسوله والدار الآخرة رؤي الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتتابعن كلهن على ذلك فلما خيرهن واخترن الله ورسوله والدار الآخرة شكرهن الله تعالى على ذلك ان قال {لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن} فقصره الله تعالى عليهن وهن التسع اللاتي اخترن الله ورسوله). [الدر المنثور: 12/25]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله {يا أيها النّبيّ قل لأزواجك}، قال أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ان يخبر نساءه في هذه الآية فلم تختر واحدة منهن نفسا غير الحميرية). [الدر المنثور: 12/25]

تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت لما نزلت إن كنتن تردن الله ورسوله الآية دخل علي النبي بدأني فقال يا عائشة إني ذاكر لك أمرا فلا تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك قالت قد علم والله أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه قالت فقرأ علي يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا الآية فقلت أفي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة). [تفسير عبد الرزاق: 2/115]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {وإن كنتنّ تردن اللّه ورسوله والدّار الآخرة فإنّ اللّه أعدّ للمحسنات منكنّ أجرًا عظيمًا} [الأحزاب: 29] ). [صحيح البخاري: 6/117]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال اللّيث: حدّثني يونس، عن ابن شهابٍ، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرّحمن، أنّ عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قالت لمّا أمر رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بتخيير أزواجه بدأ بي، فقال: «إنّي ذاكرٌ لك أمرًا فلا عليك أن لا تعجلي حتّى تستأمري أبويك» قالت: وقد علم أنّ أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت: ثمّ قال: " إنّ اللّه جلّ ثناؤه قال: {يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدّنيا وزينتها} [الأحزاب: 28] إلى {أجرًا عظيمًا} [النساء: 40] " قالت: فقلت: ففي أيّ هذا أستأمر أبويّ، فإنّي أريد اللّه ورسوله والدّار الآخرة، قالت: ثمّ فعل أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثل ما فعلت تابعه موسى بن أعين، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، قال: أخبرني أبو سلمة، وقال عبد الرّزّاق، وأبو سفيان المعمريّ: عن معمرٍ، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة). [صحيح البخاري: 6/117]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله وإن كنتنّ تردن اللّه ورسوله ساقوا كلّهم الآية)
إلى عظيمًا). [فتح الباري: 8/520]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال اللّيث حدّثني يونس وصله الذّهليّ عن أبي صالحٍ عنه وأخرجه بن جرير والنّسائيّ والإسماعيلي من رواية بن وهبٍ عن يونس كذلك قوله لمّا أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بتخيير أزواجه ورد في سبب هذا التّخيير ما أخرجه مسلمٌ من حديث جابرٍ قال دخل أبو بكرٍ يستأذن على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الحديث في قوله صلّى الله عليه وسلم هن حولي كما ترى يسألنني النّفقة يعني نساءه وفيه أنّه اعتزلهنّ شهرًا ثمّ نزلت عليه هذه الآية يا أيها النّبي قل لأزواجك حتّى بلغ أجرا عظيما قال فبدأ بعائشة فذكر نحو حديث الباب وقد تقدّم في المظالم من طريق عقيلٍ ويأتي في النّكاح أيضًا من طريق شعيبٍ كلاهما عن بن شهابٍ عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن أبي ثور عن بن عبّاسٍ عن عمر في قصّة المرأتين اللّتين تظاهرتا بطوله وفي آخره حين أفشته حفصة إلى عائشة وكان قد قال ما أنا بداخلٍ عليهنّ شهرًا من شدّة موجدته عليهنّ حتّى عاتبه اللّه فلمّا مضت تسعٌ وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها فقالت له إنّك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرًا وقد أصبحنا لتسعٍ وعشرين ليلةً أعدّها عدًّا فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الشّهر تسعٌ وعشرون وكان ذلك الشّهر تسعًا وعشرين قالت عائشة فأنزلت آية التّخيير فبدأ بي أوّل امرأةٍ فقال إنّي ذاكرٌ لك أمرًا فلا عليك أن لا تعجلي الحديث وهذا السّياق ظاهره أنّ الحديث كلّه من رواية بن عبّاسٍ عن عمر وأمّا المرويّ عن عائشة فمن رواية بن عبّاسٍ عنها وقد وقع التّصريح بذلك فيما أخرجه بن أبي حاتم وبن مردويه من طريق أبي صالحٍ عن اللّيث بهذا الإسناد إلى بن عبّاسٍ قال قالت عائشة أنزلت آية التّخيير فبدأ بي الحديث لكن أخرج مسلمٌ الحديث من رواية معمرٍ عن الزّهريّ ففصّله تفصيلًا حسنًا وذلك أنّه أخرجه بطوله إلى آخر قصّة عمر في المتظاهرتين إلى قوله حتّى عاتبه ثمّ عقّبه بقوله قال الزّهريّ فأخبرني عروة عن عائشة قالت لمّا مضى تسعٌ وعشرون فذكر مراجعتها في ذلك ثمّ عقّبه بقوله قال يا عائشة إنّي ذاكرٌ لك أمرًا فلا عليك أن لا تعجلي حتّى تستأمري أبويك الحديث فعرف من هذا أنّ قوله فلمّا مضت تسعٌ وعشرون إلخ في رواية عقيلٍ هو من رواية الزّهريّ عن عائشة بحذف الواسطة ولعلّ ذلك وقع عن عمدٍ من أجل الاختلاف على الزّهريّ في الواسطة بينه وبين عائشة في هذه القصّة بعينها كما بيّنه المصنّف هنا وكأنّ من أدرجه في رواية بن عبّاسٍ مشى على ظاهر السّياق ولم يفطن للتّفصيل الّذي وقع في رواية معمرٍ وقد أخرج مسلمٌ أيضًا من طريق سماك بن الوليد عن بن عبّاسٍ حدّثني عمر بن الخطّاب قال لمّا اعتزل النّبي صلى الله عليه وسلم نساءه دخلت المسجد الحديث بطوله وفي آخره قال وأنزل اللّه آية التّخيير فاتّفق الحديثان على أنّ آية التّخيير نزلت عقب فراغ الشّهر الّذي اعتزلهنّ فيه ووقع ذلك صريحًا في رواية عمرة عن عائشة قالت لمّا نزل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى نسائه أمر أن يخيّرهنّ الحديث أخرجه الطّبريّ والطّحاويّ واختلف الحديثان في سبب الاعتزال ويمكن الجمع بأن يكون القضيّتان جميعًا سبب الاعتزال فإنّ قصّة المتظاهرتين خاصّةً بهما وقصّة سؤال النّفقة عامّةٌ في جميع النّسوة ومناسبة آية التّخيير بقصّة سؤال النّفقة أليق منها بقصّة المتظاهرتين وسيأتي في باب من خيّر نساءه من كتاب الطّلاق بيان الحكم فيمن خيّرها زوجها إن شاء اللّه تعالى وقال الماورديّ اختلف هل كان التّخيير بين الدّنيا والآخرة أو بين الطّلاق والإقامة عنده على قولين للعلماء أشبههما بقول الشّافعيّ الثّاني ثمّ قال إنّه الصّحيح وكذا قال القرطبيّ اختلف في التّخيير هل كان في البقاء والطّلاق أو كان بين الدّنيا والآخرة انتهى والّذي يظهر الجمع بين القولين لأنّ أحد الأمرين ملزومٌ للآخر وكأنّهنّ خيّرن بين الدّنيا فيطلّقهنّ وبين الآخرة فيمسكهنّ وهو مقتضى سياق الآية ثمّ ظهر لي أنّ محلّ القولين هل فوّض إليهنّ الطّلاق أم لا ولهذا أخرج أحمد عن عليٍّ قال لم يخيّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نساءه إلّا بين الدّنيا والآخرة قوله فلا عليك أن لا تعجلي أي فلا بأس عليك في التّأنّي وعدم العجلة حتّى تشاوري أبويك قوله حتّى تستأمري أبويك أي تطلبي منهما أن يبيّنا لك رأيهما في ذلك ووقع في حديث جابرٍ حتّى تستشيري أبويك زاد محمّد بن عمرٍو عن أبي سلمة عن عائشة إنّي عارضٌ عليك أمرًا فلا تفتاتي فيه بشيءٍ حتّى تعرضيه على أبويك أبي بكرٍ وأمّ رومان أخرجه أحمد والطّبريّ ويستفاد منه أنّ أمّ رومان كانت يومئذٍ موجودةٌ فيردّ به على من زعم أنّها ماتت سنة ستٍّ من الهجرة فإنّ التّخيير كان في سنة تسعٍ قوله قالت فقلت ففي أيّ هذا أستأمر أبويّ في رواية محمّد بن عمرٍو فقلت فإنّي أريد اللّه ورسوله والدّار الآخرة ولا أؤامر أبويّ أبا بكرٍ وأمّ رومان فضحك وفي رواية عمر بن أبي سلمة عن أبيه عند الطّبريّ ففرح قوله ثمّ فعل أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مثل ما فعلت في رواية عقيلٍ ثمّ خيّر نساءه فقلن مثل ما قالت عائشة زاد بن وهبٍ عن يونس في روايته فلم يكن ذلك طلاقًا حين قاله لهنّ فاخترنه أخرجه الطّبريّ وفي رواية محمّد بن عمرٍو المذكورة ثمّ استقرى الحجر يعني حجر أزواجه فقال إنّ عائشة قالت كذا فقلن ونحن نقول مثل ما قالت وقوله استقرى الحجر أي تتبّع والحجر بضمّ المهملة وفتح الجيم جمع حجرةٍ بضمٍّ ثمّ سكونٍ والمراد مساكن أزواجه صلّى اللّه عليه وسلّم وفي حديث جابرٍ المذكور أنّ عائشة لمّا قالت بل أختار اللّه ورسوله والدّار الآخرة قالت يا رسول اللّه وأسألك أن لا تخبر امرأةً من نسائك بالّذي قلت فقال لا تسألني امرأةٌ منهنّ إلّا أخبرتها إنّ اللّه لم يبعثني متعنّتًا وإنّما بعثني معلّمًا ميسّرًا وفي رواية معمرٍ عند مسلمٍ قال معمرٌ فأخبرني أيّوب أنّ عائشة قالت لا تخبر نساءك أنّي اخترتك فقال إنّ اللّه أرسلني مبلّغًا ولم يرسلني متعنّتًا وهذا منقطعٌ بين أيّوب وعائشة ويشهد لصحّته حديث جابرٍ واللّه أعلم وفي الحديث ملاطفة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لأزواجه وحلمه عنهنّ وصبره على ما كان يصدر منهنّ من إدلالٍ وغيره ممّا يبعثه عليهنّ الغيرة وفيه فضل عائشة لبداءته بها كذا قرّره النّوويّ لكن روى بن مردويه من طريق الحسن عن عائشة أنّها طلبت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثوبًا فأمر اللّه نبيّه أن يخيّر نساءه أما عند اللّه تردن أم الدّنيا فإن ثبت هذا وكانت هي السّبب في التّخيير فلعلّ البداءة بها لذلك لكنّ الحسن لم يسمع من عائشة فهو ضعيفٌ وحديث جابرٍ في أنّ النّسوة كنّ يسألنه النّفقة أصحّ طريقًا منه وإذا تقرّر أنّ السّبب لم يتّحد فيها وقدّمت في التّخيير دلّ على المراد لا سيّما مع تقديمه لها أيضًا في البداءة بها في الدّخول عليها وفيه أنّ صغر السّنّ مظنّةٌ لنقص الرّأي قال العلماء إنّما أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عائشة أن تستأمر أبويها خشية أن يحملها صغر السّنّ على اختيار الشّقّ الآخر لاحتمال أن لا يكون عندها من الملكة ما يدفع ذلك العارض فإذا استشارت أبويها أوضحا لها ما في ذلك من المفسدة وما في مقابله من المصلحة ولهذا لمّا فطنت عائشة لذلك قالت قد علم أنّ أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه ووقع في رواية عمرة عن عائشة في هذه القصّة وخشي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حداثتي وهذا شاهدٌ للتّأويل المذكور وفيه منقبةٌ عظيمةٌ لعائشة وبيان كمال عقلها وصحّة رأيها مع صغر سنّها وأنّ الغيرة تحمل المرأة الكاملة الرّأي والعقل على ارتكاب ما لا يليق بحالها لسؤالها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أن لا يخبر أحدًا من أزواجه بفعلها ولكنّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا علم أنّ الحامل لها على ذلك ما طبع عليه النّساء من الغيرة ومحبّة الاستبداد دون ضرائرها لم يسعفها بما طلبت من ذلك تنبيهٌ وقع في النّهاية والوسيط التّصريح بأنّ عائشة أرادت أن يختار نساؤه الفراق فإن كانا ذكراه فيما فهماه من السّياق فذاك وإلّا فلم أر في شيءٍ من طرق الحديث التّصريح بذلك وذكر بعض العلماء أنّ من خصائصه صلّى اللّه عليه وسلّم تخيير أزواجه واستند إلى هذه القصّة ولا دلالة فيها على الاختصاص نعم ادّعى بعض من قال إنّ التّخيير طلاقٌ أنّه في حقّ الأمّة واختصّ هو صلّى اللّه عليه وسلّم بأنّ ذلك في حقّه ليس بطلاقٍ وسيأتي مزيد بيانٍ لذلك في كتاب الطّلاق إن شاء تعالى واستدلّ به بعضهم على ضعف ما جاء أنّ من الأزواج حينئذٍ من اختارت الدّنيا فتزوّجها وهي فاطمة بنت الضّحّاك لعموم قوله ثمّ فعل إلخ قوله تابعه موسى بن أعين عن معمرٍ عن الزّهريّ أخبرني أبو سلمة يعني عن عائشة وصله النّسائيّ من طريق محمّد بن موسى بن أعين حدّثنا أبي فذكره قوله وقال عبد الرّزّاق وأبو سفيان المعمري عن معمرٍ عن الزّهريّ عن عروة عن عائشة أمّا رواية عبد الرّزّاق فوصلها مسلم وبن ماجه من طريقه وأخرجها أحمد وإسحاق في مسنديهما عنه وقصّر من قصر تخريجها على بن ماجه وأمّا رواية أبي سفيان المعمريّ فأخرجها الذّهليّ في الزّهريّات وتابع معمرًا على عروة جعفر بن برقان ولعلّ الحديث كان عند الزّهريّ عنهما فحدّث به تارةً عن هذا وتارةً عن هذا وإلى هذا مال التّرمذيّ وقد رواه عقيلٌ وشعيبٌ عن الزّهريّ عن عائشة بغير واسطةٍ كما قدّمته واللّه أعلم). [فتح الباري: 8/520-523]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
- وقال اللّيث حدثني يونس عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرّحمن أن عائشة زوج النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم قالت لما أمر رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال إنّي ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي حتّى تستأمري أبويك قالت وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه الحديث
تابعه موسى بن أعين عن معمر عن الزّهريّ
وقال عبد الرّزّاق وأبو سفيان المعمري عن معمر عن الزّهريّ عن عروة عن عائشة رضي اللّه عنها
أما حديث اللّيث فقال الذهلي في الزهريات ثنا أبو صالح وهو عبد الله ابن صالح كاتب اللّيث ثنا اللّيث به
وأما حديث موسى بن أعين فأخبرناه إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد أنا أيّوب بن نعمة النابلسي أنا عثمان بن علّي عن الحافظ أبي طاهر السلفي أنا عبد الرّحمن بن حمد الدوني أنا أحمد بن الحسين ثنا أحمد بن محمّد بن إسحاق أنا أحمد بن شعيب أنا محمّد بن يحيى بن عبد الله بن خالد النّيسابوري ثنا محمّد بن موسى بن أعين ثنا ابي عن معمر عن الزّهريّ أنا أبو سلمة بن عبد الرّحمن عن عائشة زوج النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنّها أخبرته أن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم جاءها حين أمر أن يخيّر أزواجه قالت عائشة فبدأ بي رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فقال إنّي ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي حتّى تستأمري أبويك قالت وقد علم أن أبوي لا يأمراني بفراقه ثمّ قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم {يا أيها النّبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدّنيا وزينتها فتعالين} فقلت في هذا أستأمر أبوي فإنّي أريد الله ورسوله والدّار الآخرة
وأما حديث عبد الرّزّاق فأخبرنا به أبو المعالي السعودي أنا أبو العبّاس الحلبي أنا أبو الفرج الحرّاني أنا أبو محمّد الحربيّ أنا أبو القاسم الشّيبانيّ أنا أبو علّي التّميمي أنا أبو بكر المالكي ثنا عبد الله بن أحمد بن محمّد حدثني أبي ثنا عبد الرّزّاق أنا معمر عن الزّهريّ عن عروة عن عائشة قالت لما نزلت {وإن كنتن تردن الله ورسوله والدّار الآخرة} بدأ بي رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم الحديث
ورواه ابن ماجه عن محمّد بن يحيى عن عبد الرّزّاق به
وهو عند مسلم في النّكاح في آخر حديث ابن عبّاس عن عمر في قصّة المتظاهرين من رواية عبد الرّزّاق أيضا
وأما حديث أبي سفيان المعمري). [تغليق التعليق: 4/283-285]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله تعالى: {وإن كنتنّ تردن الله ورسوله والدّار الآخرة فإنّ الله أعدّ للمحسنات منكنّ أجرا عظيما} (الرحمان: 29)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {وإن كنتن} الآية). [عمدة القاري: 19/118]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثنا وقال اللّيث حدّثني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرّحمان أنّ عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت لمّا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأني فقال إنّي ذاكرٌ لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي حتّى تستأمري أبويك قالت وقد علم أنّ أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه قالت ثمّ قال إنّ الله جلّ ثناؤه قال: {يا أيّها النبيّ قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدّنيا وزينتها} (الأحزاب: 28، 29) إلى {أجرا عظيما} قالت فقلت ففي أيّ هاذا أستأمر أبويّ فإنّي أريد الله ورسوله الدار الآخرة قالت ثمّ فعل أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت..
هذا طريق آخر في الحديث المذكور، ولكنه معلّق ووصله الذهلي عن أبي صالح عن اللّيث.
قوله: (قال اللّيث) : يجوز أن يكون أخذه عن أبي صالح عبد الله بن صالح كاتب اللّيث فإن الحديث عنده، وليس هو عند البخاريّ ممّن يخرج له في الأصول إلاّ في موضع واحد في البيوع صرح بسماعه منه وروايته عنه، والله أعلم.

تابعه موسى بن أعين عن معمرٍ عن الزّهريّ. قال: أخبرني أبو سلمة
أي: تابع اللّيث موسى بن أعين الجزري، بالجيم والزّاي: أبو سعيد الحرّاني عن معمر بن راشد عن محمّد بن مسلم الزّهريّ عن أبي سلمة عن عائشة، ووصله النّسائيّ من طريق موسى بن أعين، حدثنا أبي فذكره.
وقال عبد الرّزّاق وأبو سفيان المعمريّ عن معمرٍ عن الزّهريّ عن عروة عن عائشة رضي الله عنها.
عبد الرّزّاق بن همام اليمانيّ، وأبو سفيان محمّد بن حميد السكري المعمري: بفتح الميمين نسبه إلى معمر لأنّه رحل إليه وروى له مسلم والنّسائيّ أيضا أما رواية عبد الرّزّاق فوصلها مسلم وابن ماجه من طريقه، وقال بعضهم: وقصر من قصر تخريجها على ابن ماجه. قلت: هذا الّذي ذكره لا طائل تحته وغمز به على صاحب (التّلويح) وعدم ذكره مسلما مع ابن ماجه ليس بتقصير على ما لا يخفى، وأما رواية أبي سفيان فأخرجها الذهلي في الزهريات). [عمدة القاري: 19/118]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله [تعالى]: {وإن كنتنّ تردن اللّه ورسوله والدّار الآخرة فإنّ اللّه أعدّ للمحسنات منكنّ أجرًا عظيمًا} [الأحزاب: 29] وقال قتادة: {واذكرن ما يتلى في بيوتكنّ من آيات اللّه والحكمة} [الأحزاب: 29] القرآن والسّنّة
(باب قوله) تعالى: ({وإن كنتن تردن الله ورسوله}) رضا الله ورسوله ({والدار الآخرة}) نعيم الجنة ({فإن الله أعد للمحسنات منكنّ أجرًا عظيمًا}) [الأحزاب: 29] ثوابًا جزيلًا في الجنة تستحقر دونه الدنيا وزينتها ومن للبيان لأنهن كلهن كن محسنات وسقط باب قوله لغير أبي ذر). [إرشاد الساري: 7/295]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقال اللّيث:
- حدّثني يونس عن ابن شهابٍ، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرّحمن، أنّ عائشة زوج النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قالت: لمّا أمر رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: «إنّي ذاكرٌ لك أمرًا، فلا عليك أن لا تعجلي حتّى تستأمري أبويك». قالت: وقد علم أنّ أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه. قالت: ثمّ قال: «إنّ اللّه جلّ ثناؤه قال: {يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدّنيا وزينتها} -إلى- {أجرًا عظيمًا}» قالت فقلت: ففي أيّ هذا أستأمر أبويّ فإنّي أريد اللّه ورسوله والدّار الآخرة. قالت: ثمّ فعل أزواج النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- مثل ما فعلت تابعه. موسى بن أعين عن معمرٍ عن الزّهريّ قال: أخبرني أبو سلمة وقال عبد الرّزّاق وأبو سفيان المعمرىّ عن معمرٍ، عن الزّهريّ عن عروة عن عائشة.
(وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله الذهلي عن أبي صالح عنه (حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن عائشة زوج النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- قالت لما أمر رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-) أمر وجوب (بتخيير أزواجه) وكن يومئذ تسع نسوة خمسة من قريش عائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر وأم حبيبة بنت أبي سفيان وسودة بنت زمعة وأم سلمة بنت أبي أمية وصفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية وميمونة بنت الحارث الهلالية وزينب بنت جحش الأسدية وجويرية بنت الحارث المصطلقة (بدأ بي) إنما بدأ بها -رضي الله عنها- على غيرها من أزواجه -صلّى اللّه عليه وسلّم- لفضلها كما قاله النووي أو لأنها كانت السبب في التخيير لأنها طلبت منه ثوبًا فأمره الله بالتخيير رواه ابن مردويه من طريق الحسن عن عائشة لكن الحسن لم يسمع من عائشة فهو مرسل (فقال):
(إني ذاكرٌ لك أمرًا، فلا عليك أن لا تعجلي) بفتح الجيم وإسقاط السين أي لا بأس عليك في عدم العجلة (حتى تستأمري أبويك) فيه وزاد في رواية عمرة عن عائشة عند الطبري والطحاوي وخشي رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- حداثتي لأن الصغر مظنة لنقص الرأي، فإذا استشارت أبويها أوضحا لها ما فيه المصلحة (قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه قالت: ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (إن الله جل ثناؤه) ولأبي ذر عز وجل (قال: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها -إلى- أجرًا عظيمًا}) فيه أن سبب التخيير سؤالهن - رضي الله عنهن - منه عليه الصلاة والسلام الدنيا وزينتها فقيل أنهن اجتمعن يومًا فقلن نريد ما تريد النساء من الحلي، وطلبت أم سلمة سترًا معلمًا، وميمونة حلة يمانية، وزينب ثوبًا مخططًا، وأم حبيبة ثوبًا سحوليًّا وسألته كل واحدة منهن شيئًا.
قال النقاش: إلا عائشة وآلمن قلبه عليه السلام بمطالبتهن له بتوسعة الحال فأنزل الله التخيير لئلا يكون لأحد منهن منّة عليه في الصبر على ما اختاره عليه الصلاة والسلام من خشونة العيش.
وعند الإمام أحمد -رضي الله عنه- من حديث جابر: أقبل أبو بكر -رضي الله عنه- يستأذن على رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- والناس ببابه جلوس والنبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- جالس فلم يؤذن له، ثم أقبل عمر فاستأذن فلم يؤذن له، ثم أذن لأبي بكر وعمر فدخلا والنبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- جالس وحوله نساؤه وهو ساكت فقال عمر: لأكلمن رسول الله-صلّى اللّه عليه وسلّم- لعله يضحك فقال عمر: يا رسول الله لو رأيت ابنة زيد امرأة عمر سألتني النفقة آنفًا فوجأت عنقها، فضحك النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- حتى بدا ناجذه وقال: هن حولي يسألنني النفقة، فقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقولان تسألان النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- ما ليس عنده، فنهاهما رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقلن نساؤه والله لا نسأل رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- بعد هذا المجلس ما ليس عنده قال: وأنزل الله عز وجل الخيار فبدأ بعائشة. ورواه مسلم منفردًا به دون البخاري وزاد: ثم اعتزلهن شهرًا أو تسعًا وعشرين ثم نزلت عليه هذه الآية: {يا أيها النبي قل لأزواجك إلى عظيمًا} قال فبدأ بعائشة.
وسبق في المظالم من طريق عقيل عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن ابن عباس عن عمر في قصة المرأتين اللتين تظاهرتا الحديث بطوله وفيه: فاعتزل النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة: وكان قد قال ما أنا بداخل عليهن شهرًا من شدّة موجدته حين عاتبه الله فلما مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها فقالت له عائشة: إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرًا وإنا أصبحنا لتسع وعشرين ليلة أعدّها عدًا فقال النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-: "الشهر تسع وعشرون" وكان ذلك الشهر تسعًا وعشرين. قالت عائشة: فأنزل الله آية التخيير فبدأ بي أول امرأة.
قال في الفتح: فاتفق الحديثان على أن آية التخيير نزلت عقب فراغ الشهر الذي اعتزلهن فيه، لكن اختلفا في سبب الاعتزال ويمكن الجمع بأن يكونا جميعًا سبب الاعتزال فإن قصة المتظاهرتين خاصة بهما وقصة سؤال النفقة عامة في جميع النسوة ومناسبة آية التخيير بقصة سؤال النفقة أليق منها بقصة المتظاهرتين اهـ.
(قالت) عائشة: (فقلت ففي أي) الأمرين من (هذا) الذي ذكرته (أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة) وهذا يدل على كمال عقلها وصحة رأيها مع صغر سنها (قالت: ثم فعل أزواج النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- مثل ما فعلت) من اختيار الله ورسوله والدار الآخرة بعد أن خيرهن (تابعه) أي تابع الليث (موسى بن أعين) بفتح الهمزة والتحتية بينهما عين ساكنة الجزري بالجيم والزاي والراء الحراني فيما وصله النسائي
(عن معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (وقال، عبد الرزاق) بن همام فيما وصله مسلم وابن ماجة (وأبو سفيان) محمد بن حميد السكري (المعمري) بفتح الميمين بينهما عين ساكنة مما وصله الذهلي في الزهريات (عن معمر) هو ابن راشد (عن الزهري عن عروة) بن الزبير (عن عائشة). وفيه إشارة إلى ما وقع من الاختلاف على الزهري في الواسطة بينه وبين عائشة في هذه القصة، ولعل الحديث كان عند الزهري عنهما فحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا، وإلى هذا جنح الترمذي، وقد رواه عقيل وشعيب عن الزهري عن عائشة بغير واسطة ولو اختارت المخيرة نفسها وقعت طلقة رجعية عندنا وبائنة عند الحنفية. وفي هذا المبحث زيادة تأتي إن شاء الله تعالى في الطلاق بعون الله وقوّته). [إرشاد الساري: 7/295-297]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: حدّثنا عثمان بن عمر، عن يونس بن يزيد، عن الزّهريّ، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: لمّا أمر رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: يا عائشة، إنّي ذاكرٌ لك أمرًا فلا عليك أن لا تستعجلي حتّى تستأمري أبويك، قالت: وقد علم أنّ أبواي لم يكونا ليأمراني بفراقه، قالت: ثمّ قال: إنّ اللّه تعالى يقول: {يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدّنيا وزينتها فتعالين}، حتّى بلغ، {للمحسنات منكنّ أجرًا عظيمًا}. فقلت: في أيّ هذا أستأمر أبويّ؟ فإنّي أريد اللّه ورسوله والدّار الآخرة. وفعل أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مثل ما فعلت.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد روي هذا أيضًا عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة). [سنن الترمذي: 5/204]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {وإن كنتنّ تردن اللّه ورسوله} يقول: وإن كنتنّ تردن رضا اللّه ورضا رسوله وطاعتهما فأطعنهما {فإنّ اللّه أعدّ للمحسنات منكنّ} وهنّ العاملات منهنّ بأمر اللّه وأمر رسوله {أجرًا عظيمًا}.
وذكر أنّ هذه الآية نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من أجل أنّ عائشة سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شيئًا من عرض الدّنيا، إمّا زيادةً في النّفقة، أو غير ذلك، فاعتزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نساءه شهرًا فيما ذكر، ثمّ أمره اللّه أن يخيّرهنّ بين الصّبر عليه والرّضا بما قسم لهنّ والعمل بطاعة اللّه، وبين أن يمتّعهنّ ويفارقهنّ إن لم يرضين بالّذي يقسم لهنّ. وقيل: كان سبب ذلك غيرةٌ كانت عائشة غارتها.
ذكر الرّواية بقول من قال: كان ذلك من أجل شيءٍ من النّفقة وغيرها:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أيّوب، عن أبي الزّبير: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يخرج صلواتٍ، فقالوا: ما شأنه؟ فقال عمر: إن شئتم لأعلمنّ لكم شأنه؛ فأتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فجعل يتكلّم ويرفع صوته، حتّى أذن له. قال: فجعلت أقول في نفسي: أيّ شيءٍ أكلّم به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لعلّه يضحك، أو كلمةً نحوها؟ فقلت: يا رسول اللّه، لو رأيت فلانة وسألتني النّفقة فصككتها صكّةً، فقال: ذلك حبسني عنكم؛ قال: فأتى حفصة، فقال: لا تسألي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شيئًا، ما كانت لك من حاجةٍ فإليّ؛ ثمّ تتبّع نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فجعل يكلّمهنّ، فقال لعائشة: أيغرّك أنّك امرأةٌ حسناء، وأنّ زوجك يحبّك؟ لتنتهينّ أو لينزلنّ فيك القرآن قال: فقالت أمّ سلمة: يا ابن الخطّاب، أو ما بقي لك إلاّ أن تدخل بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وبين نسائه، ولن تسأل المرأة إلاّ لزوجها قال: ونزل القرآن {يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدّنيا وزينتها}. إلى قوله {أجرًا عظيمًا} قال: فبدأ بعائشة فخيّرها، وقرأ عليها القرآن، فقالت: هل بدأت بأحدٍ من نسائك قبلي؟ قال: لا، قالت: فإنّي أختار اللّه ورسوله والدّار الآخرة، ولا تخبرهنّ بذلك؛ قال: ثمّ تتبّعهنّ فجعل يخيّرهنّ ويقرأ عليهنّ القرآن، ويخبرهنّ بما صنعت عائشة، فتتابعن على ذلك.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدّنيا وزينتها فتعالين أمتّعكنّ وأسرّحكنّ سراحًا جميلاً}. إلى قوله: {أجرًا عظيمًا} قال: قال الحسن وقتادة: خيّرهنّ بين الدّنيا والآخرة، والجنّة والنّار، في شيءٍ كنّ أردنه من الدّنيا.
وقال عكرمة: في غيرةٍ كانت غارتها عائشة، وكان تحته يومئذٍ تسع نسوةٍ، خمسٌ من قريشٍ: عائشة، وحفصة، وأمّ حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وأمّ سلمة بنت أبي أميّة، وكانت تحته صفيّة ابنة حييٍّ الخيبريّة، وميمونة بنت الحارث الهلاليّة، وزينب بنت جحشٍ الأسديّة، وجويرية بنت الحارث من بني المصطلق، وبدأ بعائشة، فلمّا اختارت اللّه ورسوله والدّار الآخرة، رئي الفرح في وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فتتابعن كلّهنّ على ذلك واخترن اللّه ورسوله والدّار الآخرة.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن، وهو قول قتادة، في قول اللّه {يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدّنيا وزينتها}. إلى قوله {عظيمًا} قالا: أمره اللّه أن يخيّرهنّ بين الدّنيا والآخرة والجنّة والنّار.
قال قتادة: وهي غيرةٌ من عائشة في شيءٍ أرادته من الدّنيا، وكان تحته تسع نسوةٍ: عائشة، وحفصة، وأمّ حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وأمّ سلمة بنت أبي أميّة، وزينب بنت جحشٍ، وميمونة بنت الحارث الهلاليّة، وجويرية بنت الحارث من بني المصطلق، وصفيّة بنت حييّ بن أخطب؛ فبدأ بعائشة، وكانت أحبّهنّ إليه؛ فلمّا اختارت اللّه ورسوله والدّار الآخرة، رئي الفرح في وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فتتابعن على ذلك.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن، وهو قول قتادة قال: لمّا اخترن اللّه ورسوله شكرهنّ اللّه على ذلك فقال {لا يحلّ لك النّساء من بعد ولا أن تبدّل بهنّ من أزواجٍ ولو أعجبك حسنهنّ} فقصره اللّه عليهنّ، وهنّ التّسع اللاّتي اخترن اللّه ورسوله.
ذكر من قال ذلك من أجل الغيرة:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قول اللّه: {ترجي من تشاء منهنّ وتؤوي إليك من تشاء} الآية، قال: كان أزواجه قد تغايرن على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فهجرهنّ شهرًا، نزل التّخيير من اللّه له فيهنّ {يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدّنيا وزينتها} فقرأ حتّى بلغ {ولا تبرّجن تبرّج الجاهليّة الأولى} فخيّرهنّ بين أن يخترن أن يخلّي سبيلهنّ ويسرّحهنّ، وبين أن يقمن إن أردن اللّه ورسوله على أنّهنّ أمّهات المؤمنين، لا ينكحن أبدًا، وعلى أنّه يؤوي إليه من يشاء منهنّ، لمن وهب نفسه له حتّى يكون هو يرفع رأسه إليها، ويرجي من يشاء حتّى يكون هو يرفع رأسه إليها، ومن ابتغى ممّن هي عنده وعزل فلا جناح عليه، {ذلك أدنى أن تقرّ} أعينهنّ ولا يحزنّ ويرضين إذا علمن أنّه من قضائي عليهنّ، إيثار بعضهنّ على بعضٍ، أدنى أن يرضين؛ قال: {ومن ابتغيت ممّن عزلت} من ابتغى أصابه، ومن عزل لم يصبه، فخيّرهنّ بين أن يرضين بهذا، أو يفارقهنّ، فاخترن اللّه ورسوله، إلاّ امرأةٌ واحدةٌ بدويّةٌ ذهبت؛ وكان على ذلك، وقد شرط له هذا الشّرط، ما زال يعدل بينهنّ حتّى لقي اللّه.
- حدّثنا أحمد بن عبدة الضّبّيّ، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، قال: قالت عائشة: لمّا نزل الخيار، قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّي أريد أن أذكر لك أمرًا، فلا تقضي فيه شيئًا حتّى تستأمري أبويك؛ قالت: قلت: وما هو يا رسول اللّه؟ قال: فردّه عليها، فقالت: ما هو يا رسول اللّه؟ قال: فقرأ عليهنّ {يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدّنيا وزينتها} إلى آخر الآية؛ قالت: قلت: بل نختار اللّه ورسوله؛ قالت: ففرح بذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بشرٍ، عن محمّد بن عمرٍو، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: لمّا نزلت آية التّخيير، بدأ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعائشة، فقال: يا عائشة، إنّي عارضٌ عليك أمرًا فلا تفتاتي فيه بشيءٍ حتّى تعرضيه على أبويك، أبي بكرٍ وأمّ رومان فقلت: يا رسول اللّه، وما هو؟ قال: قال اللّه {يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدّنيا وزينتها} إلى {عظيمًا}، فقلت: إنّي أريد اللّه ورسوله والدّار الآخرة، ولا أؤامر في ذلك أبويّ أبا بكرٍ وأمّ رومان، فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ استقرأ الحجر فقال: إنّ عائشة قالت كذا وكذا، فقلن: ونحن نقول مثل ما قالت عائشة.
- حدّثنا سعيد بن يحيى الأمويّ، قال: حدّثنا أبي، عن ابن إسحاق، عن عبد اللّه بن أبي بكرٍ، عن عمرة، عن عائشة، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا نزل إلى نسائه أمر أن يخيّرهنّ، فدخل عليّ فقال: سأذكر لك أمرًا ولا تعجلي حتّى تستشيري أباك، فقلت: وما هو يا نبيّ اللّه؟ قال: إنّي أمرت أن أخيّركنّ، وتلا عليها آية التّخيير إلى آخر الآيتين؛ قالت: قلت: وما الّذي تقول؟ لا تعجلي حتّى تستشيري أباك، فإنّي أختار اللّه ورسوله؛ فسرّ بذلك، وعرض على نسائه، فتتابعن كلّهنّ، فاخترن اللّه ورسوله.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني موسى بن عليٍّ، ويونس بن يزيد، عن ابن شهابٍ، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرّحمن، أنّ عائشة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قالت: لمّا أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بتخيير أزواجه، بدأ بي، فقال: إنّي ذاكرٌ لك أمرًا، فلا عليك أن لا تعجلي حتّى تستأمري أبويك؛ قالت: قد علم أنّ أبويّ لم يكونا ليأمراني بفراقه؛ قالت: ثمّ تلا هذه الآية: {يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدّنيا وزينتها فتعالين أمتّعكنّ وأسرّحكنّ سراحًا جميلاً} قالت: فقلت: ففي أيّ هذا أستأمر أبويّ؟ فإنّي أريد اللّه ورسوله والدّار الآخرة؛ قالت عائشة: ثمّ فعل أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مثل ما فعلت، فلم يكن ذلك حين قاله لهنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فاخترنه طلاقًا من أجل أنّهنّ اخترنه). [جامع البيان: 19/84-90]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد عن أبي سلمة الحضرمي قال جلست مع أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما وهما يتحدثان وقد ذهب بصر جابر رضي الله عنه فجاء رجل فجلس ثم قال: يا أبا عبد الله أرسلني اليك عروة بن الزبير أسألك فيم هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه فقال جابر رضي الله عنه: تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة لم يخرج إلى الصلاة فأخذنا ما تقدم وما تأخر فاجتمعنا ببابه يسمع كلامنا ويعلم مكاننا فاطلنا الوقوف فلم يأذن لنا ولم يخرج الينا فقلنا: قد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانكم ولو أراد أن يأذن لكم لأذن فتفرقوا لا تؤذوه فتفرقوا غير عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتنحنح ويتكلم ويستأذن حتى أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر رضي الله عنه: فدخلت عليه وهو واضع يده على خده أعرف به الكآبة فقلت له: أي نبي الله - بأبي وأمي يا رسول الله - ما الذي رابك وما الذي لقي الناس بعدكم من فقدهم لرؤيتك فقال: يا عمر سألتني الاماء ما ليس عندي - يعني نساءه - فذاك الذي بلغ بي ما ترى، فقلت: يا نبي الله قد صككت جميلة بنت ثابت صكة ألصقت خدها منها بالأرض لأنها سألتني ما ليس عندي وأنت يا رسول الله على موعد من ربك وهو جاعل بعد العسر يسرا، قال: فلم أزل أكلمه حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تحلل عنه بعض ذلك فخرجت فلقيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه فحدثته الحديث فدخل أبو بكر على عائشة رضي الله عنها قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخر عنكن شيئا فلا تسأليه ما لا يجد انظري حاجتك فاطلبيها الي وانطلق عمر رضي الله عنه إلى حفصة فذكر لها مثل ذلك ثم اتبعا أمهات المؤمنين فجعلا يذكران لهن مثل ذلكن فأنزل الله تعالى في ذلك {يا أيها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا} يعني متعة الطلاق ويعني بتسريحهن: تطليقهن طلاقا جميلا {وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما}، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ بعائشة رضي الله عنها فقال: ان الله قد أمرني ان أخيركن بين أن تخترن الله ورسوله والدار الآخرة وبين أن تخترن الدنيا وزينتها وقد بدأت بك وأنا أخيرك قالت: وهل بدأت بأحد قبلي منهن قال: لا، قالت: فاني أختار الله ورسوله والدار الآخرة فاكتم علي ولا تخبر بذاك نساءك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أخبرهن بهن فأخبرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة فكان خياره بين الدنيا والآخرة، اتخترن الآخرة أو الدنيا قال {وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما} فاخترن أن لا يتزوجن بعده ثم قال {يا نساء النّبيّ من يأت منكن بفاحشة مبينة} يعني الزنا {يضاعف لها العذاب ضعفين} يعني في الآخرة {وكان ذلك على الله يسيرا ومن يقنت منكن لله ورسوله} يعني تطيع الله ورسوله {وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين} مضاعفا لها في الآخرة {وأعتدنا لها رزقا كريما} {يا نساء النّبيّ لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض} يقول فجور {وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن} يقول لا تخرجن من بيوتكن {ولا تبرجن} يعني القاء القناع فعل الجاهلية الأولى ثم قال جابر رضي الله عنه: ألم يكن الحديث هكذا قال: بلى). [الدر المنثور: 12/20-22] (م)

تفسير قوله تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى يضاعف لها العذاب ضعفين قال عذاب الدنيا وعذاب الآخرة). [تفسير عبد الرزاق: 2/115]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا نساء النّبيّ من يأت منكنّ بفاحشةٍ مبيّنةٍ يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على اللّه يسيرًا}.
يقول تعالى ذكره لأزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {يا نساء النّبيّ من يأت منكنّ بفاحشةٍ مبيّنةٍ} يقول: من يزن منكنّ الزّنا المعروف أنّه الزّنا الّذي أوجب اللّه عليه الحدّ، يضاعف لها العذاب على فجورها في الآخرة ضعفين على فجور أزواج النّاس غيرهم.
- كما حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {يضاعف لها العذاب ضعفين} قال: يعني عذاب الآخرة.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الأمصار: {يضاعف لها العذاب} بالألف، غير أبي عمرٍو، فإنّه قرأ ذلك: (يضعّف) بتشديد العين تأوّلاً منه في قراءته ذلك أنّ يضعّف، بمعنى: تضعيف الشّيء مرّةً واحدةً، وذلك أن يجعل الشّيء شيئينٍ، فكأنّ معنى الكلام عنده: أن يجعل عذاب من يأتي من نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بفاحشةٍ مبيّنةٍ في الدّنيا والآخرة، مثلي عذاب سائر النّساء غيرهنّ، ويقول: إنّ {يضاعف} بمعنى أن يجعل إلى الشّيء مثلاه، حتّى يكون ثلاثة أمثاله فكأنّ معنى من قرأ {يضاعف} عنده كان: أنّ يجعل عذابها ثلاثة أمثال عذاب غيرها من النّساء من غير أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فلذلك اختار (يضعّف) على {يضاعف}. وأنكر الآخرون الّذين قرءوا ذلك {يضاعف} ما كان يقول في ذلك، ويقولون: لا نعلم بين يضاعف ويضعّف فرقًا.
والصّواب من القراءة في ذلك ما عليه قرّاء الأمصار، وذلك {يضاعف} وأمّا التّأويل الّذي ذهب إليه أبو عمرٍو، فتأويلٌ لا نعلم أحدًا من أهل العلم ادّعاه غيره، وغير أبي عبيدة معمر بن المثنّى، ولا يجوز خلاف ما جاءت به الحجّة مجمعةٌ عليه بتأويلٍ لا برهان له من الوجه الّذي يجب التّسليم له.
وقوله: {وكان ذلك على اللّه يسيرًا} يقول تعالى ذكره: وكانت مضاعفة العذاب على من فعل ذلك منهنّ على اللّه يسيرًا، واللّه أعلم). [جامع البيان: 19/90-91]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد عن أبي سلمة الحضرمي قال جلست مع أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما وهما يتحدثان وقد ذهب بصر جابر رضي الله عنه فجاء رجل فجلس ثم قال: يا أبا عبد الله أرسلني اليك عروة بن الزبير أسألك فيم هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه فقال جابر رضي الله عنه: تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة لم يخرج إلى الصلاة فأخذنا ما تقدم وما تأخر فاجتمعنا ببابه يسمع كلامنا ويعلم مكاننا فاطلنا الوقوف فلم يأذن لنا ولم يخرج الينا فقلنا: قد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانكم ولو أراد أن يأذن لكم لأذن فتفرقوا لا تؤذوه فتفرقوا غير عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتنحنح ويتكلم ويستأذن حتى أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر رضي الله عنه: فدخلت عليه وهو واضع يده على خده أعرف به الكآبة فقلت له: أي نبي الله - بأبي وأمي يا رسول الله - ما الذي رابك وما الذي لقي الناس بعدكم من فقدهم لرؤيتك فقال: يا عمر سألتني الاماء ما ليس عندي - يعني نساءه - فذاك الذي بلغ بي ما ترى، فقلت: يا نبي الله قد صككت جميلة بنت ثابت صكة ألصقت خدها منها بالأرض لأنها سألتني ما ليس عندي وأنت يا رسول الله على موعد من ربك وهو جاعل بعد العسر يسرا، قال: فلم أزل أكلمه حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تحلل عنه بعض ذلك فخرجت فلقيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه فحدثته الحديث فدخل أبو بكر على عائشة رضي الله عنها قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخر عنكن شيئا فلا تسأليه ما لا يجد انظري حاجتك فاطلبيها الي وانطلق عمر رضي الله عنه إلى حفصة فذكر لها مثل ذلك ثم اتبعا أمهات المؤمنين فجعلا يذكران لهن مثل ذلكن فأنزل الله تعالى في ذلك {يا أيها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا} يعني متعة الطلاق ويعني بتسريحهن: تطليقهن طلاقا جميلا {وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما}، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ بعائشة رضي الله عنها فقال: ان الله قد أمرني ان أخيركن بين أن تخترن الله ورسوله والدار الآخرة وبين أن تخترن الدنيا وزينتها وقد بدأت بك وأنا أخيرك قالت: وهل بدأت بأحد قبلي منهن قال: لا، قالت: فاني أختار الله ورسوله والدار الآخرة فاكتم علي ولا تخبر بذاك نساءك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أخبرهن بهن فأخبرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة فكان خياره بين الدنيا والآخرة، اتخترن الآخرة أو الدنيا قال {وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما} فاخترن أن لا يتزوجن بعده ثم قال {يا نساء النّبيّ من يأت منكن بفاحشة مبينة} يعني الزنا {يضاعف لها العذاب ضعفين} يعني في الآخرة {وكان ذلك على الله يسيرا ومن يقنت منكن لله ورسوله} يعني تطيع الله ورسوله {وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين} مضاعفا لها في الآخرة {وأعتدنا لها رزقا كريما} {يا نساء النّبيّ لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض} يقول فجور {وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن} يقول لا تخرجن من بيوتكن {ولا تبرجن} يعني القاء القناع فعل الجاهلية الأولى ثم قال جابر رضي الله عنه: ألم يكن الحديث هكذا قال: بلى). [الدر المنثور: 12/20-22] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في السنن عن مقاتل بن سليمان رضي الله عنه في قوله {يا نساء النّبيّ من يأت منكن بفاحشة مبينة} يعني العصيان للنبي صلى الله عليه وسلم: {يضاعف لها العذاب ضعفين} في الآخرة {وكان ذلك على الله يسيرا} يقول: وكان عذابها عند الله هينا {ومن يقنت} يعني من يطع منكن الله ورسوله {وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين} في الآخرة بكل صلاة أو صيام أو صدقة أو تكبيرة أو تسبيحة باللسان مكان كل حسنة تكتب عشرين حسنة {وأعتدنا لها رزقا كريما} يعني حسنا، وهي الجنة). [الدر المنثور: 12/25-26]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {يضاعف لها العذاب ضعفين} قال: عذاب الدنيا وعذاب الآخرة). [الدر المنثور: 12/26]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله {يضاعف لها العذاب ضعفين} قال: يجعل عذابهن ضعفين ويجعل على من قذفهن الحد ضعفين). [الدر المنثور: 12/26]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس رضي الله عنه في قوله {يا نساء النبي} قال: ان الحجة على الأنبياء أشد منها على الأتباع في الخطيئة وان الحجة على العلماء أشد منها على غيرهم فان الحجة على نساء النّبيّ صلى الله عليه وسلم أشد منها على غيرهن فقال: انه من عصى منكن فانه يكون عليها العذاب الضعف منه على سائر نساء المؤمنين ومن عمل صالحا فان الأجر لها الضعف على سائر نساء المسلمين). [الدر المنثور: 12/26-27]

تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله ومن يقنت منكن لله ورسوله قال كل قنوت في القرآن طاعة). [تفسير عبد الرزاق: 2/116]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن يقنت منكنّ للّه ورسوله وتعمل صالحًا نؤتها أجرها مرّتين وأعتدنا لها رزقًا كريمًا}.
يقول تعالى ذكره: ومن يطع اللّه ورسوله منكنّ، وتعمل بما أمر اللّه به {نؤتها أجرها مرّتين} يقول: يعطها اللّه ثواب عملها، مثلي ثواب عمل غيرهنّ من سائر نساء النّاس {وأعتدنا لها رزقًا كريمًا} يقول: وأعتدنا لها في الآخرة عيشًا هنيئًا في الجنّة.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ومن يقنت منكنّ للّه ورسوله}. الآية، يعني: تطع اللّه ورسوله {وتعمل صالحًا} تصوم وتصلّي.
- حدّثني سلم بن جنادة، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن ابن عونٍ، قال: سألت عامرًا عن القنوت، قال: وما هو؟ قال: قلت {وقوموا للّه قانتين} قال: مطيعين؛ قال: قلت {ومن يقنت منكنّ للّه ورسوله} قال: يطعن.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {ومن يقنت منكنّ للّه ورسوله} أي من يطع منكنّ للّه ورسوله {وأعتدنا لها رزقًا كريمًا} وهي الجنّة.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {وتعمل صالحًا} فقرأ عامّة قرّاء الحجاز والبصرة: {وتعمل} بالتّاء ردًّا على تأويل من إذ جاء بعد قوله {منكنّ} وحكى بعضهم عن العرب أنّها تقول: كم بيع لك جاريةٌ؟ وأنّهم إن قدّموا الجارية قالوا: كم جاريةٌ بيعت لك؟ فأنّثوا الفعل بعد الجارية، والفعل في الوجهين لكم لا للجارية.
وذكر الفرّاء أنّ بعض العرب أنشده:
أيا أمّ عمرٍو من يكن عقر داره = جواء عديٍّ يأكل الحشرات
ويسودّ من لفح السّموم جبينه = ويعرو إن كان ذوي بكرات
فقال: وإن كانوا، ولم يقل: وإن كان، وهو لمن، فردّه على المعنى.
وأمّا أهل الكوفة، فقرأت ذلك عامّة قرّائها: (ويعمل) بالياء عطفًا على يقنت، إذ كان الجميع على قراءة الياء.
والصّواب من القول في ذلك أنّهما قراءتان مشهورتان، ولغتان معروفتان في كلام العرب، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ؛ وذلك أنّ العرب تردّ خبر من أحيانًا على لفظها، فتوحّد وتذكّر، وأحيانًا على معناها كما قال جلّ ثناؤه: {ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصّمّ ولو كانوا لا يعقلون. ومنهم من ينظر إليك} فجمع مرّةً للمعنى، ووحّد أخرى للّفظ). [جامع البيان: 19/92-93]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد عن أبي سلمة الحضرمي قال جلست مع أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما وهما يتحدثان وقد ذهب بصر جابر رضي الله عنه فجاء رجل فجلس ثم قال: يا أبا عبد الله أرسلني اليك عروة بن الزبير أسألك فيم هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه فقال جابر رضي الله عنه: تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة لم يخرج إلى الصلاة فأخذنا ما تقدم وما تأخر فاجتمعنا ببابه يسمع كلامنا ويعلم مكاننا فاطلنا الوقوف فلم يأذن لنا ولم يخرج الينا فقلنا: قد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانكم ولو أراد أن يأذن لكم لأذن فتفرقوا لا تؤذوه فتفرقوا غير عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتنحنح ويتكلم ويستأذن حتى أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر رضي الله عنه: فدخلت عليه وهو واضع يده على خده أعرف به الكآبة فقلت له: أي نبي الله - بأبي وأمي يا رسول الله - ما الذي رابك وما الذي لقي الناس بعدكم من فقدهم لرؤيتك فقال: يا عمر سألتني الاماء ما ليس عندي - يعني نساءه - فذاك الذي بلغ بي ما ترى، فقلت: يا نبي الله قد صككت جميلة بنت ثابت صكة ألصقت خدها منها بالأرض لأنها سألتني ما ليس عندي وأنت يا رسول الله على موعد من ربك وهو جاعل بعد العسر يسرا، قال: فلم أزل أكلمه حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تحلل عنه بعض ذلك فخرجت فلقيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه فحدثته الحديث فدخل أبو بكر على عائشة رضي الله عنها قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخر عنكن شيئا فلا تسأليه ما لا يجد انظري حاجتك فاطلبيها الي وانطلق عمر رضي الله عنه إلى حفصة فذكر لها مثل ذلك ثم اتبعا أمهات المؤمنين فجعلا يذكران لهن مثل ذلكن فأنزل الله تعالى في ذلك {يا أيها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا} يعني متعة الطلاق ويعني بتسريحهن: تطليقهن طلاقا جميلا {وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما}، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ بعائشة رضي الله عنها فقال: ان الله قد أمرني ان أخيركن بين أن تخترن الله ورسوله والدار الآخرة وبين أن تخترن الدنيا وزينتها وقد بدأت بك وأنا أخيرك قالت: وهل بدأت بأحد قبلي منهن قال: لا، قالت: فاني أختار الله ورسوله والدار الآخرة فاكتم علي ولا تخبر بذاك نساءك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أخبرهن بهن فأخبرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة فكان خياره بين الدنيا والآخرة، اتخترن الآخرة أو الدنيا قال {وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما} فاخترن أن لا يتزوجن بعده ثم قال {يا نساء النّبيّ من يأت منكن بفاحشة مبينة} يعني الزنا {يضاعف لها العذاب ضعفين} يعني في الآخرة {وكان ذلك على الله يسيرا ومن يقنت منكن لله ورسوله} يعني تطيع الله ورسوله {وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين} مضاعفا لها في الآخرة {وأعتدنا لها رزقا كريما} {يا نساء النّبيّ لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض} يقول فجور {وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن} يقول لا تخرجن من بيوتكن {ولا تبرجن} يعني القاء القناع فعل الجاهلية الأولى ثم قال جابر رضي الله عنه: ألم يكن الحديث هكذا قال: بلى). [الدر المنثور: 12/20-22] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في السنن عن مقاتل بن سليمان رضي الله عنه في قوله {يا نساء النّبيّ من يأت منكن بفاحشة مبينة} يعني العصيان للنبي صلى الله عليه وسلم: {يضاعف لها العذاب ضعفين} في الآخرة {وكان ذلك على الله يسيرا} يقول: وكان عذابها عند الله هينا {ومن يقنت} يعني من يطع منكن الله ورسوله {وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين} في الآخرة بكل صلاة أو صيام أو صدقة أو تكبيرة أو تسبيحة باللسان مكان كل حسنة تكتب عشرين حسنة {وأعتدنا لها رزقا كريما} يعني حسنا، وهي الجنة). [الدر المنثور: 12/25-26] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما * يا نساء النّبيّ لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا.
أخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا} قال: يقول من يطع الله منكن وتعمل صالحا لله ورسوله بطاعته). [الدر المنثور: 12/27]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد عن عطاء بن يسار رضي الله عنه في قوله {ومن يقنت منكن لله ورسوله} يعني تطيع الله ورسوله {وتعمل صالحا} تصوم وتصلي). [الدر المنثور: 12/27]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة يؤتون أجرهم مرتين، منهم أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 12/27]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 جمادى الأولى 1434هـ/4-04-2013م, 12:48 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) }
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدّنيا وزينتها فتعالين أمتّعكنّ وأسرّحكنّ سراحا جميلا (28)}
وكن أردن شيئا من أمر الدّنيا، فأمر اللّه رسول صلى الله عليه وسلم أن يخيّر نساءه بين الإقامة معه على طلب ما عند اللّه، أو التسريح إن أردن الحياة الدنيا وزينتها، فاخترن الآخرة على الدنيا , والجنّة على الزينة.).[معاني القرآن: 4/224]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا}
روى يونس , عن الزهري , عن أبي سلمة , عن عائشة , ومعمر , عن عروة , عن عائشة قالت : (لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه , بدأ بي , فقال: ((إني ذاكر لك أمرا , ولا عليك أن لا تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك.)).
قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه , ثم تلا {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها } , فقلت : أو في هذا استأمر أبوي ؟!, فإني أختار الله جل وعز , ورسوله , والدار الآخرة .
قال يونس في حديثه : (وفعل أزواجه كما فعلت , فلم يكن ذلك طلاقا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرهن , فاخترنه).). [معاني القرآن: 5/342-343]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وإن كنتنّ تردن اللّه ورسوله والدّار الآخرة فإنّ اللّه أعدّ للمحسنات منكنّ أجرًا عظيمًا {29}} [الأحزاب: 29] الجنّة.
- قال: وحدّثني مندل بن عليٍّ، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، عن عائشة قالت: خيّرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فاخترناه، فلم يكن ذلك طلاقًا.
- عمّارٌ، عن أبي هلالٍ الرّاسبيّ، عن داود بن أبي هندٍ، عن الشّعبيّ قال: خيّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نساءه، فلم يك ذلك طلاقًا، فذكرت ذلك لقتادة، فقال: إنّما خيّرهنّ بين الدّنيا والآخرة ولم يخيّرهنّ الطّلاق، وكان عليّ بن أبي طالبٍ يجعل الخيار إذا اختارت المرأة نفسها إذا خيّرها الرّجل تطليقةً بائنةً.
قال يحيى: أحسبه قال ذلك من هذه الآية في قوله: {أمتّعكنّ وأسرّحكنّ سراحًا جميلا} [الأحزاب: 28].
[تفسير القرآن العظيم: 2/713]
وقال في هذه السّورة بعد هذا الموضع: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ} [الأحزاب: 49]، يعني: تجامعوهنّ، تفسير السّدّيّ: {فما لكم عليهنّ من عدّةٍ تعتدّونها فمتّعوهنّ وسرّحوهنّ سراحًا جميلا} [الأحزاب: 49] فإذا طلّقها قبل أن يدخل بها تطليقةً فإنّها تبين بها، وهي أملك بنفسها، وهو خاطبٌ، إن تزوّجها كانت عنده على تطليقتين.
وقال في سورة البقرة: {وإذا طلّقتم النّساء فبلغن أجلهنّ فأمسكوهنّ بمعروفٍ} [البقرة: 231] وهذا عند انقضاء العدّة قبل أن ينقضي ما لم تغتسل من الحيضة الثّالثة إذا كانت ممّن يحيض، فإن كانت ممّن لا تحيض وليست بحاملٍ فما لم تنقض ثلاثة أشهرٍ، وإن كانت حاملا ما لم تضع حملها، فإن كان في بطنها اثنان أو ثلاثةٌ فما لم تضع الآخر فهو يراجعها قبل ذلك إن شاء، فإن
انقضت العدّة ولم يراجعها فهي تطليقةٌ بائنةٌ.
قال: {أو سرّحوهنّ بمعروفٍ} [البقرة: 231] فالتّسريح في كتاب اللّه واحدةٌ بائنةٌ، وكان زيد بن ثابتٍ يقول: إن اختارت نفسها فثلاثٌ، وكان ابن عمر وابن مسعودٍ يقولان: واحدةٌ وهو أحقّ بها، وإن اختارته فلا شيء لها كأنّهما يقولان: إنّما يكون في طلاق السّنّة على الواحدة، ولا ينبغي للرّجل أن يطلّق ثلاثًا جميعًا فإنّما خيّرها على وجه ما ينبغي له أن يطلّقها، وأمّا إذا قال: أمرك
بيدك ففي قولهما: إذا طلّقت نفسها ثلاثًا فهي واحدةٌ على هذا الكلام الأوّل، وكان عليٌّ ورجالٌ معه من أصحاب النّبيّ عليه السّلام، يقولون: القول ما قالت، غير أنّ ابن عمر قال: إلا أن يقول: إنّما ملكتها في واحدةٍ، فيحلف على ذلك ويكون قضاؤها في واحدةٍ، وبه يأخذ يحيى، ذكره عن مالكٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر). [تفسير القرآن العظيم: 2/714]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله:{وإن كنتنّ تردن اللّه ورسوله والدّار الآخرة فإنّ اللّه أعدّ للمحسنات منكنّ أجرا عظيما (29)}

أي : من آثر ت منكن الآخرة , فأجرها أجر عظيم.).[معاني القرآن: 4/224]

تفسير قوله تعالى:{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يا نساء النّبيّ من يأت منكنّ بفاحشةٍ مبيّنةٍ} [الأحزاب: 30]
[تفسير القرآن العظيم: 2/714]
يعني الزّنا: تفسير السّدّيّ.
قال: {يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على اللّه يسيرًا} [الأحزاب: 30] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/715]
قالَ مُحمدُ بنُ الجَهْمِ السُّمَّرِيُّ (ت: 277هـ):
(وقوله: {من يأت منكنّ...}
اجتمعت القراء على قراءة: {من يأت}, بالياء , واختلفوا في قوله: {ويعمل صالحاً} .
فقرأها عاصم , والحسن , وأهل المدينة بالتاء, وقرأها الأعمش , وأبو عبد الرحمن السلميّ بالياء, فالذين قرءوا بالياء , أتبعوا الفعل الآخر بـ {يأت} إذ كان مذكّرا, والذين أنّثوا , قالوا لمّا جاء الفعل بعدهنّ علم أنه للأنثى، فأخرجناه على التأويل.
والعرب تقول: كم بيع لك جاريةً، فإذا قالوا: كم جاريةً بيعت لك , أنّثوا, والفعل في الوجهين جميعاً لكم، إلاّ أن الفعل لمّا أتى بعد الجارية ذهب به إلى التأنيث، ولو ذكّر كان صواباً، لأنّ الجارية مفسّرةٌ ليس الفعل لها، وأنشدني بعض العرب:
أيام أم عمرٍو من يكن عقر داره = جواءٌ عديّ يأكل الحشرات
ويسود من لفح السّموم جبينه = ويعر وإن كانوا ذوي بكرات
وجواء عدي.
قال الفراء: سمعتها أيضاً نصباً , ولو قال: {وإن كان}, كان صواباً , وكل حسنٌ.).[معاني القرآن للفراء: 2/341]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ يضاعف لها العذاب ضعفين } أي : يجعل لها العذاب ثلاثة أعذبة لأن ضعف الشيء مثله، وضعفي الشيء مثلا الشيء , ومجاز " يضاعف " أي : يجعل الشيء، شيئين حتى يكون ثلاثة فأما قوله , ويضعف أي: يجعل الشيء شيئين.). [مجاز القرآن: 2/136-137]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يضاعف لها العذاب ضعفين}
قال أبو عبيدة: يجعل الواحد ثلاثة لا اثنين, هذا معنى قول أبي عبيدة, ولا أراه كذاك، لأنه يقول بعد: {ومن يقنت منكنّ للّه ورسوله}, أي: يطعهما: {وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرّتين}، فهذا يدلّ على أن «الضّعفين» , ثم أيضا: مثلان, وكأنه أراد: يضاعف لها العذاب، فيجعل ضعفين، أي: مثلين، كلّ واحد منهما ضعف الآخر, وضعف الشيء: مثله, ولذلك قرأ أبو عمرو:
(يضعف) : لأنه رأى أن «يضعف» للمثل، و«يضاعف» لما فوق ذلك.
وهذا كما يقول الرجل: إن أعطيتني درهما كافأتك بضعفين - أي : بدرهمين - , فإن أعطيتني فردا , أعطيتك زوجين، يريد اثنين. ومثله:
{ربّنا آتهم ضعفين من العذاب} : أي : مثلين.). [تفسير غريب القرآن: 350]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين}
فرق أبو عمرو بين يضعف , ويضاعف , قال : يضاعف للمرار الكثيرة , ويضعف مرتين , وقرأ يضعف لهذا .
وقال أبو عبيدة : يضاعف لها العذاب : يجعل ثلاثة أعذبة
قال أبو جعفر : التفريق الذي جاء به أبو عمرو, لا يعرفه أحد من أهل اللغة علمته , والمعنى في يضاعف , ويضعف واحد , أي : يجعل ضعفين , أي : مثلين , كما تقول : إن دفعت إلي درهما , دفعت إليك ضعفيه , أي: مثليه , يعني : درهمين , ويدل على هذا :{نؤتها أجرها مرتين }, فلا يكون العذاب أكثر من الأجر .
وقال في موضع آخر : ربنا آتهم ضعفين من العذاب , أي : مثلين .
وروى معمر , عن قتادة , يضاعف لها العذاب ضعفين , قال : (عذاب الدنيا , وعذاب الآخرة) .
وقوله جل وعز: {ومن يقنت منكن لله ورسوله}
ومعناه : من يطع .
قال قتادة : (كل قنوت في القرآن طاعة, وقال: وأعتدنا لها رزقا كريما الجنة)). [معاني القرآن: 5/344-345]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ}
قال أبو عبيدة: ثلاثة أضعاف, ولو قال ضعفاً, لكان الواحد اثنين, وقيل: إن معناه مرتين بدليل قوله: {نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 194]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({ومن يقنت منكنّ للّه ورسوله} [الأحزاب: 31]، أي: ومن يطع منكنّ اللّه ورسوله فيما حدّثني قباث ابن رزينٍ اللّخميّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، وليس فيه اختلافٌ.
قال: {وتعمل صالحًا} [الأحزاب: 31]، يعني: الّتي تقنت منهنّ للّه ورسوله.
{نؤتها أجرها مرّتين} [الأحزاب: 31] قال يحيى: بلغني أنّ رجلا سأل الحسن قال: أين يضاعف لها العذاب ضعفين؟ قال: حيث تؤتى أجرها مرّتين.
قال يحيى: تؤتى أجرها مرّتين، يعني: في الآخرة.
قال: {وأعتدنا لها} [الأحزاب: 31]، أي: وأعددنا لها.
{رزقًا كريمًا} [الأحزاب: 31] الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 2/715]
قالَ مُحمدُ بنُ الجَهْمِ السُّمَّرِيُّ (ت: 277هـ):
(وقوله: {من يأت منكنّ...}
اجتمعت القراء على قراءة: {من يأت} بالياء , واختلفوا في قوله: {ويعمل صالحاً}, فقرأها عاصم , والحسن , وأهل المدينة بالتاء, وقرأها الأعمش , وأبو عبد الرحمن السلميّ بالياء.
فالذين قرءوا بالياء , أتبعوا الفعل الآخر بـ {يأت} إذ كان مذكّرا, والذين أنّثوا , قالوا لمّا جاء الفعل بعدهنّ علم أنه للأنثى، فأخرجناه على التأويل.
والعرب تقول: كم بيع لك جاريةً، فإذا قالوا: كم جاريةً بيعت لك, أنّثوا، والفعل في الوجهين جميعاً لكم، إلاّ أن الفعل لما أتى بعد الجارية ذهب به إلى التأنيث، ولو ذكّر كان صواباً، لأنّ الجارية مفسّرةٌ ليس الفعل لها، وأنشدني بعض العرب:
أيام أم عمرٍو من يكن عقر داره = جواءٌ عديّ يأكل الحشرات
ويسود من لفح السّموم جبينه = ويعر وإن كانوا ذوي بكرات
وجواء : عدي.
قال الفراء: سمعتها أيضاً نصباً ولو قال: وإن كان, كان صواباً , وكل حسنٌ.). [معاني القرآن للفراء: 2/341] (م)
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن يقنت...}
بالياء لم يختلف القراء فيها.
وقوله: {نؤتها}: قرأها أهل الحجاز بالنون., وقرأها يحيى بن وثّاب , والأعمش , وأبو عبد الرحمن السلميّ بالياء.). [معاني القرآن: 2/341-342]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ نؤتها أجرها }: أي: نعطها ثوابها.). [مجاز القرآن: 2/137]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يضاعف لها العذاب ضعفين}
قال أبو عبيدة: يجعل الواحد ثلاثة لا اثنين, هذا معنى قول أبي عبيدة, ولا أراه كذاك؛ لأنه يقول بعد: {ومن يقنت منكنّ للّه ورسوله} أي: يطعهما, {وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرّتين}، فهذا يدلّ على أن «الضّعفين» ثم أيضا: مثلان.
وكأنه أراد: يضاعف لها العذاب، فيجعل ضعفين، أي : مثلين، كلّ واحد منهما ضعف الآخر. وضعف الشيء: مثله, ولذلك قرأ أبو عمرو:
(يضعف) ؛ لأنه رأى أن «يضعف» للمثل، و«يضاعف» لما فوق ذلك.
وهذا كما يقول الرجل: إن أعطيتني درهما , كافأتك بضعفين - أي : بدرهمين - فإن أعطيتني فردا , أعطيتك زوجين، يريد اثنين. ومثله:
{ربّنا آتهم ضعفين من العذاب}: أي : مثلين.). [تفسير غريب القرآن: 350] (م)
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ}
قال أبو عبيدة: ثلاثة أضعاف, ولو قال ضعفا , لكان الواحد اثنين, وقيل: إن معناه مرتين بدليل قوله: {نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ}.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 194] (م)

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 24 جمادى الأولى 1434هـ/4-04-2013م, 12:49 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) }
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (وتقول هي زوجه وهو زوجها قال الله جل وعز: {أمسك عليك زوجك} وقال أيضا: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج} أي امرأة مكان امرأة والجميع أزواج وقال: {يا أيها النبي قل لأزواجك} وقد يقال زوجته قال الفرزدق:
(وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي = كساع إلى أسد الشرى يستبيلها)
وقال الآخر:
(يا صاح بلغ ذوي الزوجات كلهم = أن ليس وصل إذا انحلت عرى الذنب)
وقال يونس: تقول العرب زوجته امرأة وتزوجت امرأة وليس من كلام العرب تزوجت بامرأة قال وقول الله جل ثناؤه: {وزوجناهم بحور عين} أي قرناهم وقال: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} أي وقرناءهم وقال
الفراء: هي لغة في أزد شنوءة وتقول عندي زوجا نعال وزوجا حمام وزوجا خفاف وإنما تعني ذكرا وأنثى قال الله جل ثناؤه: {فاسلك فيها من كل زوجين اثنين} ويقال للنمط زوج قال لبيد:
(من كل محفوف يظل عصيه = زوج عليه كلة وقرامها)
وتقول سوء الاستمساك خير من حسن الصرعة). [إصلاح المنطق: 331-332] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) }

تفسير قوله تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) }
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (وضِعْف حرف من الأضداد عند بعض أهل اللغة، يكون ضعف الشيء مثله، ويكون مثليه، قال الله عز وجل: {يضاعف لها العذاب ضعفين}؛ قال أبو العباس، عن الأثرم، عن أبي عبيدة: معناه يجعل العذاب ثلاثة أعذبة، قال: وضعف الشيء: مثله، وضعفاه: مثلاه.
وقال أبو عبد الله هشام بن معاوية: إذا قال الرجل: إن أعطيتني درهما فلك ضعفاه؛ معناه فلك مثلاه؛ قال: والعرب لا تفرد واحدهما، إنما تتكلم بهما بالتثنية. وقال غير هشام وأبي عبيدة: يقع الضعف على المثلين.
قال أبو بكر: وفي كلام الفراء دلالة على هذا). [كتاب الأضداد: 131]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب إجرائهم صلة من وخبره إذا عنيت اثنين
كصلة اللذين وإذا عنيت جميعا كصلة الذين
فمن ذلك قوله عز وجل: {ومنهم من يستمعون إليك}. ومن ذلك قول العرب فيما حدثنا يونس من كانت أمّك وأيّهنّ كانت أمّك ألحق تاء التأنيث لما عنى مؤنثا كما قال يستمعون إليك حين عنى جميعا.
وزعم الخليل رحمه الله أن بعضهم قرأ: (ومن تقنت منكنّ لله ورسوله) فجعلت كصلة التي حين عنيت مؤنثا. فإذا ألحقت التاء
في المؤنث ألحقت الواو والنون في الجميع). [الكتاب: 2/415-416] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (
الحرب أول ما تكون فتيةً = تسعى بزينتها لكل جهول
منهم من ينشد: الحرب أول ما تكون فتيةً يجعل أول ابتداءً ثانياً، ويجعل الحال يسد مسد الخبر وهو فتيةً فيكون هذا كقولك: الأمير أخطب ما يكون قائماً، وقد بينا نصب هذا في قول سيبويه، ودللنا على موضع الخبر في مذاهبهم وما كان الأخفش يختار، وهو الذي لا يجوز غيره. فأما تصييره فتية حالاً لأول، أول مذكر، وفتية مؤنثة، فلأن المعنى مشتمل عليها. فخرج هذا مخرج قول الله عز وجل: {ومنهم من يستمعون إليك}؛ لأن من وإن كان موحد اللفظ فإن معناه هاهنا الجمع، وكذلك: {فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين}، وهذا كثيرٌ جداً. ومنه قول الشاعر:
تعش فإن عاهدتني لا تخوننـي = نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
أراد مثل اثنين ومثل اللذين. وقرأ القراء: (ومن تقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً). وأما أبو عمرو فقرأ: {ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً}، فحمل ما يلي على اللفظ، وما تباعد منها على المعنى، ونظير ذلك قوله عز وجل: {بلى من أسلم وجهه لله وهو محسنٌ فله أجره عند ربه} فهذا على لفظ من، ثم قال: {ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} على المعنى. وهذا كثيرٌ جداً). [المقتضب: 3/252-253] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله:
نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
فـ"من" تقع للواحد والاثنين والجميع والمؤنث على لفظ واحد، فإن شئت حملت خبرها على لفظها فقلت: من في الدار يحبك، عنيت جميعًا أو اثنين أو واحدًا أو مؤنثًا، وإن شئت حملته على المعنى فقلت: يحبانك، وتحبك إذا عنيت امرأة ويحبونك إذا عنيت جميعًا كل ذلك جائز جيد، وقال الله عز وجل: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ}. {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي}. وقال فحمل على المعنى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ}. وقرأ أبو عمرو: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا} فحمل الأول على اللفظ والثاني على المعنى. وفي القرآن: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ}.
فهذا كله على اللفظ، ثم قال: {وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} على المعنى). [الكامل: 1/478] (م)

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 29 محرم 1440هـ/9-10-2018م, 06:01 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 29 محرم 1440هـ/9-10-2018م, 06:01 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
...


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29 محرم 1440هـ/9-10-2018م, 06:01 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما}
اختلف الناس في سببها، فقال قتادة: سببها غيرة غارتها عائشة رضي الله تعالى عنها، وقال ابن زيد: وقع بين أزواجه تغاير ونحوه مما شقي هو به صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية بسبب ذلك، وبشره الله أن يصرف إرادته في أن يؤوي إليه من يشاء، وقال ابن الزبير: نزل ذلك بسبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله أزواجه النفقة، وتشططن في تكليفه منها فوق وسعه، وقالت فرقة: بل سبب ذلك أنهن طلبن منه ملابس وثيابا، وقالت واحدة: لو كنا عند غير النبي لكان لنا الحلي والمتاع. وقال بعض الناس: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلاوة هذه الآية عليهن، وتخييرهن بين الدنيا والآخرة وأمر الطلاق مرجا، فلو اخترن أنفسهن نظر كيف يسرحهن هو، وليس فيها تخييرهن في الطلاق; لأن التخيير يتضمن ثلاث تطليقات وهو قد قال: وأسرحكن سراحا جميلا، وليس مع بت الطلاق سراح جميل. وقالت فرقة: بل هي آية تخيير، واخترنه عليه الصلاة والسلام، ولم يعد ذلك طلاقا، وهو قول عائشة أيضا.
واختلف الناس في التخيير إذا اختارت المرأة نفسها، فقال مالك: هي طالق ثلاثا، ولا مناكرة للزوج، بخلاف التمليك. وقال غيره: هي طلقة بائنة. وقال بعض الصحابة رضوان الله عليهم: إذا خير الرجل امرأته فاختارته فهي طلقة، وهذا مخالف جدا.
وقوله: {إن كنتن تردن الحياة الدنيا}، أي: إن كانت عظيم همتكن ومطلبكن، أي التعمق فيها والنيل من نعمتها. و"زينة الدنيا": المال والبنون، و"تعالين" دعاء، و"أمتعكن" معناه أعطيكن المتاع الذي ندب الله تعالى له في قوله: "ومتعوهن"، وأكثر الناس على أنها من المندوبات، وقالت فرقة: هي واجبة، والسراح الجميل: يحتمل أن يكون ما دون بت الطلاق، ويحتمل أن يكون في بقاء جميل المعتقد وحسن العشرة وجميل الثناء وإن كان الطلاق باتا.
و"أعد" معناه: يسر وسنى، و"المحسنات": الطائعات لله والرسول.
وأزواج النبي اللواتي نزلت فيهن تسع، خمس قرشيات: عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنه، وحفصة بنت عمر رضي الله عنه، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة بنت أبي أمية. وأربع غير قرشيات: ميمونة بنت الحارث الهلالية، وصفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية، وزينب بنت جحش الأسدية، وجويرية بنت الحارث المصطلقية. رضي الله عن أزواج رسول الله أجمعين.
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من إيلائه الشهر، ونزلت عليه هذه الآية، بدأ بعائشة فقال: "إني ذاكر لك أمرا، ولا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك"، ثم تلا عليها الآية، فقالت له: وفي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، قالت: "وقد علم أن أبوي لا يأمراني بفراقه"، ثم تتابع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على مثل قول عائشة رضي الله عنها، فاخترن الله ورسوله). [المحرر الوجيز: 7/ 111-112]

تفسير قوله تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا * ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما * يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا}
قال أبو رافع: كان عمر رضي الله عنه كثيرا ما يقرأ سورة يوسف وسورة الأحزاب في الصبح، فكان إذا بلغ "يا نساء النبي" رفع بها صوته، فقيل له، فقال: أذكرهن العهد.
وقرأ الجمهور: "من يأت" بياء وتاء، "ومن يقنت" بياء حملا على اللفظ، وقرأ عمرو بن فايد، الجحدري، ويعقوب: "تأت" بتاءين و"تقنت" بالتاء من فوق حملا على المعنى. وقال قوم: الفاحشة إذا وردت معرفة فهي الزنى واللواط، وإذا وردت منكرة فهي سائر المعاصي وكل مستفحش، وإذا وردت منعوتة بالبيان فهي عقوق الزوج وفساد عشرته، ولذلك يصفها بالبيان إذ لا يمكن سترها، والزنى وغيره هو مما يتستر به ولا يكون مبينا، ولا محالة أن الوعيد واقع على ما خفي منه وما ظهر. وقالت فرقة: بل قوله: {بفاحشة مبينة} يعم جميع المعاصي، وكذلك الفاحشة كيف وردت. ولما كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في مهبط الوحي وفي منزل أوامر الله ونواهيه قوي الأمر عليهن ولزمهن بسبب مكانتهن أكثر مما يلزم غيرهن، فضوعف لهن الأجر والعذاب، والإشارة بالفاحشة إلى الزنى وغيره.
وقرأ ابن كثير، وشبل، وعاصم: "مبينة" بفتح الياء، وقرأ نافع، وأبو عمرو، وقتادة بكسرها وقرأت فرقة: "يضاعف" بالياء على إسناد الفعل إلى الله تعالى، وقرأ أبو عمرو فيما روي عنه: "نضاعف" بنون مضمومة "العذاب" نصبا، وهي قراءة ابن محيصن، وهذه مفاعلة من واحد كطارقت النعل وعاقبت اللص. وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي: "يضاعف" بالياء وعين مفتوحة "العذاب" رفعا، وقرأ أبو عمرو: "يضعف" بتشديد العين على بناء المبالغة "العذاب" رفعا، وهي قراءة الحسن، وابن كثير، وعيسى. وقرأ ابن كثير، وابن عامر: "نضعف" بالنون وكسر العين المشددة "العذاب" نصبا، وهي قراءة الجحدري.
وقوله: "ضعفين" معناه: أن يكون العذاب عذابين، أي: يضاف إلى عذاب سائر الناس عذاب آخر مثله. وقال أبو عبيدة، وأبو عمرو - فيما حكى الطبري عنهما -: بل يضاعف إليه عذابان مثله فيكون ثلاثة أعذبة، وضعفه الطبري، وكذلك هو غير صحيح وإن كان له باللفظ تعلق احتمال، ويكون الأجر مرتين مما يفسد هذا القول; لأن العذاب في الفاحشة بإزاء الأجر في الطاعة، والإشارة بذلك إلى تضعيف العذاب.
و"يقنت" معناه: يطيع ويخضع بالعبودية، قاله الشعبي وقتادة. وقرأ نافع، وابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: "يقنت" بالياء، و"تعمل" بالتاء، "نؤتها" بالنون، وهي قراءة الجمهور. قال أبو علي: أسند "يقنت" إلى ضمير، فلما تبين أنه المؤنث حمل فيما "تعمل" على المعنى، وقرأ حمزة، والكسائي كل الثلاثة المواضع بالياء حملا في الأولين على لفظ "من"، وهي قراءة الأعمش، وأبي عبد الرحمن، وابن وثاب، وقرأ الأعمش أيضا: "فسوف يؤتها الله أجرها".
و"الاعتاد": التيسير والإعداد، و"الرزق الكريم": الجنة، ويجوز أن يكون في ذلك وعد دنياوي، أي أن رزقها في الدنيا على الله، وهو كريم من حيث ذلك هو حلال وقصد وبرضى من الله في نيله، وقال بعض المفسرين: العذاب الذي توعد به ضعفين هو عذاب الدنيا ثم عذاب الآخرة، وكذلك الأجر، وهذا ضعيف اللهم إلا أن يكون أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا تدفع عنهن حدود الدنيا عذاب الآخرة، على ما هي حال الناس عليه، بحكم حديث عبادة بن الصامت، وهذا أمر لم يرو في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولا حفظ تقرره). [المحرر الوجيز: 7/ 113-114]


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29 محرم 1440هـ/9-10-2018م, 08:29 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 29 محرم 1440هـ/9-10-2018م, 08:32 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدّنيا وزينتها فتعالين أمتّعكنّ وأسرّحكنّ سراحًا جميلا (28) وإن كنتنّ تردن اللّه ورسوله والدّار الآخرة فإنّ اللّه أعدّ للمحسنات منكنّ أجرًا عظيمًا (29)}.
هذا أمرٌ من اللّه لرسوله، صلوات اللّه وسلامه عليه، بأن يخيّر نساءه بين أن يفارقهنّ، فيذهبن إلى غيره ممّن يحصل لهنّ عنده الحياة الدّنيا وزينتها، وبين الصّبر على ما عنده من ضيق الحال، ولهنّ عند اللّه في ذلك الثّواب الجزيل، فاخترن، رضي اللّه عنهنّ وأرضاهنّ، اللّه ورسوله والدّار الآخرة، فجمع اللّه لهنّ بعد ذلك بين خير الدّنيا وسعادة الآخرة.
قال البخاريّ: حدّثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيبٌ، عن الزّهريّ، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرّحمن، أنّ عائشة، رضي اللّه عنها، زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أخبرته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمره اللّه أن يخيّر أزواجه، فبدأ بي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "إنّي ذاكرٌ لك أمرًا، فلا عليك أن لا تستعجلي حتّى تستأمري أبويك"، وقد علم أنّ أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه. قالت: ثمّ قال: "وإنّ اللّه قال: {يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك} إلى تمام الآيتين، فقلت له: ففي أيّ هذا أستأمر أبويّ؟ فإنّي أريد اللّه ورسوله والدّار الآخرة.
وكذا رواه معلّقًا عن اللّيث: حدّثني يونس، عن الزّهريّ، عن أبي سلمة، عن عائشة، فذكره وزاد: قالت: ثمّ فعل أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مثل ما فعلت.
وقد حكى البخاريّ أنّ معمرًا اضطرب، فتارةً رواه عن الزّهريّ، عن أبي سلمة، وتارةً رواه عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا أحمد بن عبدة الضّبّي، حدّثنا أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه قال: قالت عائشة: لمّا نزل الخيار قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّي أريد أن أذكر لك أمرًا، فلا تقضي فيه شيئًا حتّى تستأمري أبويك". قالت: قلت: وما هو يا رسول اللّه؟ قال: فردّه عليها. فقالت: فما هو يا رسول اللّه؟ قالت: فقرأ عليها: {يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدّنيا وزينتها} إلى آخر الآية. قالت: فقلت: بل نختار اللّه ورسوله والدّار الآخرة. قالت: ففرح بذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلم
وحدّثنا ابن وكيع، حدّثنا محمّد بن بشرٍ، عن محمّد بن عمرٍو، عن أبي سلمة، عن عائشة، رضي اللّه عنها، قالت: لمّا نزلت آية التّخيير، بدأ بي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: "يا عائشة، إني عارض عليك أمرًا، فلا تفتياني فيه [بشيءٍ] حتّى تعرضيه على أبويك أبي بكرٍ وأمّ رومان". فقلت: يا رسول اللّه، وما هو؟ قال: "قال اللّه عزّ وجلّ: {يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدّنيا وزينتها فتعالين أمتّعكنّ وأسرّحكنّ سراحًا جميلا. وإن كنتنّ تردن اللّه ورسوله والدّار الآخرة فإنّ اللّه أعدّ للمحسنات منكنّ أجرًا عظيمًا}.قالت: فإنّي أريد اللّه ورسوله والدّار الآخرة، ولا أؤامر في ذلك أبويّ أبا بكرٍ وأمّ رومان، فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ استقرأ الحجر فقال: "إنّ عائشة قالت كذا وكذا". فقلن: ونحن نقول مثل ما قالت عائشة، رضي اللّه عنهنّ كلّهنّ.
ورواه ابن أبي حاتمٍ، عن أبي سعيدٍ الأشجّ، عن أبي أسامة، عن محمّد بن عمرٍو، به.
قال ابن جريرٍ: وحدّثنا سعيد بن يحيى الأمويّ، حدّثنا أبي، عن محمّد بن إسحاق، عن عبد اللّه بن أبي بكرٍ، عن عمرة، عن عائشة؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا نزل إلى نسائه أمر أن يخيّرهنّ، فدخل عليّ فقال: "سأذكر لك أمرًا فلا تعجلي حتّى تستشيري أباك". فقلت: وما هو يا نبيّ اللّه؟ قال: "إنّي أمرت أن أخيّركنّ"، وتلا عليها آية التّخيير، إلى آخر الآيتين. قالت: فقلت: وما الّذي تقول لا تعجلي حتّى تستشيري أباك؟ فإنّي اختار اللّه ورسوله، فسرّ بذلك، وعرض على نسائه فتتابعن كلّهن، فاخترن اللّه ورسوله.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا يزيد بن سنانٍ البصريّ، حدّثنا أبو صالحٍ عبد اللّه بن صالحٍ، حدّثني اللّيث، حدّثني عقيل، عن الزّهريّ، أخبرني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن أبي ثور، عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، قال: قالت عائشة، رضي اللّه عنها: أنزلت آية التّخيير فبدأ بي أوّل امرأةٍ من نسائه، فقال: "إنّي ذاكرٌ لك أمرًا، فلا عليك ألّا تعجلي حتّى تستأمري أبويك". قالت: قد علم أنّ أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه. قالت: ثمّ قال: "إنّ اللّه قال: {يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك} الآيتين. قالت عائشة: فقلت: أفي هذا أستأمر أبويّ؟ فإنّي أريد اللّه ورسوله والدّار الآخرة. ثمّ خيّر نساءه كلّهنّ، فقلن مثل ما قالت عائشة، رضي اللّه عنهنّ.
وأخرجه البخاريّ ومسلمٌ جميعًا، عن قتيبة، عن اللّيث، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة مثله.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الأعمش، عن مسلم بن صبيح، عن مسروقٍ، عن عائشة قالت: خيّرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فاخترناه، فلم يعدّها علينا شيئًا. أخرجاه من حديث الأعمش
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو عامرٍ عبد الملك بن عمرٍو، حدّثنا زكريّا بن إسحاق، عن أبي الزّبير، عن جابرٍ قال: أقبل أبو بكرٍ، رضي اللّه عنه، يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ببابه جلوسٌ، والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم جالسٌ: فلم يؤذن له. ثمّ أقبل عمر فاستأذن فلم يؤذن له. ثمّ أذن لأبي بكرٍ وعمر فدخلا والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم جالسٌ وحوله نساؤه، وهو ساكتٌ، فقال عمر: لأكلّمنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لعلّه يضحك، فقال عمر: يا رسول اللّه، لو رأيت ابنة زيدٍ -امرأة عمر -سألتني النّفقة آنفًا، فوجأت عنقها. فضحك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى بدا ناجذه وقال: "هنّ حولي يسألنني النّفقة". فقام أبو بكرٍ، رضي اللّه عنه، إلى عائشة ليضربها، وقام عمر، رضي اللّه عنه، إلى حفصة، كلاهما يقولان: تسألان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ما ليس عنده. فنهاهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقلن نساؤه: واللّه لا نسأل رسول اللّه بعد هذا المجلس ما ليس عنده. قال: وأنزل اللّه، عزّ وجلّ، الخيار، فبدأ بعائشة فقال: "إنّي أذكر لك أمرًا ما أحبّ أن تعجلي فيه حتّى تستأمري أبويك". قالت: وما هو؟ قال: فتلا عليها: {يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك} الآية، قالت عائشة، رضي اللّه عنها: أفيك أستأمر أبويّ؟ بل أختار اللّه ورسوله، وأسألك ألّا تذكر لامرأةٍ من نسائك ما اخترت. فقال: "إنّ اللّه تعالى لم يبعثني معنّفًا، ولكن بعثني معلّمًا ميسّرًا، لا تسألني امرأةٌ منهنّ عمّا اخترت إلّا أخبرتها".
انفرد بإخراجه مسلمٌ دون البخاريّ، فرواه هو والنّسائيّ، من حديث زكريّا بن إسحاق المكّيّ، به.
وقال عبد اللّه بن الإمام أحمد: حدّثنا سريج بن يونس، حدّثنا عليّ بن هاشم بن البريد، عن محمّد بن عبيد [اللّه بن عليّ] بن أبي رافعٍ، عن عثمان بن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم خيّر نساءه الدّنيا والآخرة، ولم يخيّرهنّ الطّلاق.
وهذا منقطعٌ، وقد روي عن الحسن وقتادة وغيرهما نحو ذلك. وهو خلاف الظّاهر من الآية، فإنّه قال: {فتعالين أمتّعكنّ وأسرّحكنّ سراحًا جميلا} أي: أعطيكن حقوقكنّ وأطلق سراحكنّ.
وقد اختلف العلماء في جواز تزويج غيره لهنّ لو طلّقهنّ، على قولين، وأصحّهما نعم لو وقع، ليحصل المقصود من السّراح، واللّه أعلم.
قال عكرمة: وكان تحته يومئذٍ تسع نسوةٍ، خمسٌ من قريشٍ: عائشة، وحفصة، وأمّ حبيبة، وسودة، وأمّ سلمة، وكانت تحته صلّى اللّه عليه وسلّم صفيّة بنت حييّ النّضريّة، وميمونة بنت الحارث الهلاليّة، وزينب بنت جحشٍ الأسديّة، وجويرية بنت الحارث المصطلقيّة، رضي اللّه عنهنّ وأرضاهنّ.
[ولم يتزوّج واحدةً منهنّ، إلّا بعد أن توفّيت خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ بن كلابٍ، تزوّجها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمكّة، وهو ابن خمسٍ وعشرين سنةً، وبقيت معه إلى أن أكرمه اللّه برسالته فآمنت به ونصرته، وكانت له وزير صدقٍ، وماتت قبل الهجرة بثلاث سنين، رضي اللّه عنها، في الأصحّ، ولها خصائص منها: أنّه لم يتزوّج عليها غيرها، ومنها أنّ أولاده كلّهم منها، إلّا إبراهيم، فإنّه من سرّيّته مارية، ومنها أنّها خير نساء الأمة.
واختلف في تفضيلها على عائشة على ثلاثة أقوالٍ، ثالثها الوقف.
وسئل شيخنا أبو العبّاس بن تيميّة عنهما فقال: اختصّت كلّ واحدةٍ منهما بخاصّيّةٍ، فخديجة كان تأثيرها في أوّل الإسلام، وكانت تسلّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وتثبّته، وتسكّنه، وتبذل دونه مالها، فأدركت غرة الإسلام، واحتملت الأذى في اللّه وفي رسوله وكان نصرتها للرّسول في أعظم أوقات الحاجة، فلها من النّصرة والبذل ما ليس لغيرها. وعائشة تأثيرها في آخر الإسلام، فلها من التّفقّه في الدّين وتبليغه إلى الأمّة، وانتفاع بنيها بما أدّت إليهم من العلم، ما ليس لغيرها. هذا معنى كلامه، رضي اللّه عنه.
ومن خصائصها: أنّ اللّه، سبحانه، بعث إليها السّلام مع جبريل، فبلّغها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذلك. روى البخاريّ في صحيحه عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: أتى جبريل، عليه السّلام، النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، هذه خديجة، قد أتت معها إناءٌ فيه إدامٌ أو طعامٌ أو شراب، فإذا هي أتتك فأقرأها السّلام من ربّها ومنّي، وبشّرها ببيتٍ في الجنّة، من قصب، لا صخب فيه ولا نصب وهذه لعمر اللّه خاصّةٌ، لم تكن لسواها. وأمّا عائشة، رضي اللّه عنها، فإنّ جبريل سلّم عليها على لسان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فروى البخاريّ بإسناده أنّ عائشة قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومًا: "يا عائشة، هذا جبريل يقرئك السّلام". فقلت: وعليه السّلام ورحمة اللّه وبركاته، ترى ما لا أرى، تريد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. ومن خواصّ خديجة، رضي الله عنها: أنه لم تسوءه قطّ، ولم تغاضبه، ولم ينلها منه إيلاءٌ، ولا عتبٌ قطّ، ولا هجرٌ، وكفى بهذه منقبةٌ وفضيلةٌ.
ومن خواصّها: أنّها أوّل امرأةٍ آمنت باللّه ورسوله من هذه الأمّة.
فصلٌ:
فلمّا توفّاها اللّه تزوّج بعدها سودة بنت زمعة، رضي اللّه عنها، وهي سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن جبل بن عامر بن لؤيٍّ، وكبرت عنده، وأراد طلاقها فوهبت يومها لعائشة، فأمسكها. وهذا من خواصّها: أنّها آثرت بيومها حبّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم تقرّبًا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وحبًّا له، وإيثارًا لمقامها معه، فكان يقسم لعائشة يومها ويوم سودة، ويقسم لنسائه، ولا يقسم لها وهي راضيةٌ بذلك مؤثرةٌ، لترضي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وتزوّج الصّدّيقة بنت الصّدّيق عائشة بنت أبي بكرٍ، رضي اللّه عنهما، وهي بنت ستّ سنين قبل الهجرة بسنتين، وقيل: بثلاثٍ، وبنى بها بالمدينة أوّل مقدمه في السّنة الأولى، وهي بنت تسعٍ، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة، وتوفّيت بالمدينة، ودفنت بالبقيع، وأوصت أن يصلّي عليها أبو هريرة سنة ثمانٍ وخمسين، ومن خصائصها: أنّها كانت أحبّ أزواج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إليه، كما ثبت ذلك عنه في البخاريّ وغيره، أنّه سئل أيّ النّاس أحبّ إليك؟ قال: "عائشة". قيل: فمن الرّجال؟ قال: "أبوها".
ومن خصائصها أيضًا: أنّه لم يتزوّج بكرًا غيرها، ومن خصائصها: أنّه كان ينزل عليه الوحي وهو في لحافها دون غيرها.
ومن خصائصها: أنّ اللّه، عزّ وجلّ، لمّا أنزل عليه آية التّخيير بدأ بها فخيّرها، فقال: "ولا عليك ألّا تعجلي حتّى تستأمري أبويك". فقالت: أفي هذا أستأمر أبويّ، فإنّي أريد اللّه ورسوله والدّار الآخرة. فاستنّ بها بقيّة أزواجه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقلن كما قالت.
ومن خصائصها: أنّ اللّه، سبحانه، برّأها ممّا رماها به أهل الإفك، وأنزل في عذرها، وبراءتها، وحيًا يتلى في محاريب المسلمين، وصلواتهم إلى يوم القيامة، وشهد لها أنّها من الطّيّبات، ووعدها المغفرة والرّزق الكريم، وأخبر سبحانه، أنّ ما قيل فيها من الإفك كان خيرًا لها، ولم يكن بذلك الّذي قيل فيها شرٌّ لها، ولا عيبٌ لها، ولا خافضٌ من شأنها، بل رفعها اللّه بذلك، وأعلى قدرها وعظّم شأنها، وأصار لها ذكرًا بالطّيب والبراءة بين أهل الأرض والسّماء، فيا لها من منقبةٍ ما أجلّها. وتأمّل هذا التّشريف والإكرام النّاشئ عن فرط تواضعها واستصغارها لنفسها، حيث قالت: ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلّم اللّه فيّ بوحيٍ يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رؤيا يبرّئني اللّه بها، فهذه صّدّيقة الأمّة، وأمّ المؤمنين، وحبّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهي تعلم أنّها بريئةٌ مظلومةٌ، وأنّ قاذفيها ظالمون مفترون عليها، قد بلغ أذاهم إلى أبويها، وإلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهذا كان احتقارها لنفسها وتصغيرها لشأنها، فما ظنّك بمن قد صام يومًا أو يومين، أو شهرًا أو شهرين، قد قام ليلةً أو ليلتين، فظهر عليه شيءٌ من الأحوال، ولاحظوا أنفسهم بعين استحقاق الكرامات، وأنّهم ممّن يتبرّك بلقائهم، ويغتنم بصالح دعائهم، وأنّهم يجب على النّاس احترامهم وتعظيمهم وتعزيزهم وتوقيرهم، فيتمسّح بأثوابهم، ويقبّل ثرى أعتابهم، وأنّهم من اللّه بالمكانة الّتي تنتقم لهم لأجلها من تنقّصهم في الحال، وأن يؤخذ من أساء الأدب عليهم من غير إمهالٍ، وإنّ إساءة الأدب عليهم ذنبٌ لا يكفّره شيءٌ إلّا رضاهم.
ولو كان هذا من وراء كفايةٍ لهان، ولكنّ من وراء تخلّفٍ، وهذه الحماقات والرّعونات نتاج الجهل الصّميم، والعقل غير المستقيم، فإنّ ذلك إنّما يصدر من جاهلٍ معجبٍ بنفسه، غافلٍ عن جرمه وعيوبه وذنوبه، مغترٍّ بإمهال اللّه له عن أخذه بما هو فيه من الكبر والازدراء على من لعلّه عند اللّه خيرٌ منه. نسأل اللّه العافية في الدّنيا والآخرة. وينبغي للعبد أن يستعيذ باللّه أن يكون عند نفسه عظيمًا، وهو عند اللّه حقيرٌ، ومن خصائص عائشة، رضي اللّه عنها: أنّ الأكابر من الصّحابة، رضي اللّه عنهم، كان إذا أشكل الأمر عليهم من الدّين، استفتوها فيجدون علمه عندها.
ومن خصائصها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفّي في بيتها. ومن خصائصها: أنّ الملك أرى صورتها للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قبل أن يتزوّجها في خرقة حريرٍ، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ يكن هذا من عند اللّه يمضه". ومن خصائصها: أنّ النّاس كانوا يتحرّون هداياهم يومها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تقرّبًا إلى الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم، فيتحفونه بما يحبّ في منزل أحبّ نسائه إليه، رضي اللّه عنهم أجمعين، وتكنّى أمّ عبد اللّه، وروي أنّها أسقطت من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم سقطًا، ولا يثبت ذلك.
وتزوّج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حفصة بنت عمر بن الخطّاب، وكانت قبله عند حبيش بن حذافة، وكان من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وممّن شهد بدرًا، توفّيت سنة سبعٍ، وقيل: ثمانٍ وعشرين، ومن خواصّها: ما ذكره الحافظ أبو محمّدٍ المقدسيّ في مختصره في السّيرة: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم طلّقها، فأتاه جبريل فقال: إنّ اللّه يأمرك أن تراجع حفصة، فإنّها صوّامةٌ قوّامةٌ وإنّها زوجتك في الجنّة.
وقال الطّبرانيّ في المعجم الكبير: حدّثنا أحمد بن طاهر بن حرملة بن يحيى، حدّثنا جدّي حرملة، حدّثنا ابن وهبٍ، حدّثنا عمرو بن صالحٍ الحضرميّ، عن موسى بن عليّ بن رباحٍ، عن أبيه، عن عقبة بن عامرٍ، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم طلّق حفصة، فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب، فوضع التّراب على رأسه، وقال: ما يعبأ اللّه بابن الخطّاب بعد هذا. فنزل جبريل، عليه السّلام، على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: إنّ اللّه يأمرك أن تراجع حفصة رحمةً لعمر.
وتزوّج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمّ حبيبة بنت أبي سفيان، واسمها رملة بنت صخر بن حرب بن أميّة بن عبد شمس بن عبد منافٍ، هاجرت مع زوجها عبد اللّه بن جحشٍ إلى أرض الحبشة، فتنصّر بالحبشة، وأتمّ اللّه لها الإسلام، وتزوّجها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهي بأرض الحبشة، وأصدقها عند النّجاشيّ أربعمائة دينارٍ، وبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عمرو بن أميّة الضّمريّ بها إلى أرض الحبشة، وولّى نكاحها عثمان بن عفّان، وقيل: خالد بن سعيد بن العاص، وهي الّتي أكرمت فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إن يجلس عليه أبوها لمّا قدم أبو سفيان المدينة، وقالت له: إنّك مشركٌ، ومنعته الجلوس عليه.
وتزوّج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمّ سلمة واسمها هند بنت أبي أمّيّة بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مرّة بن كعب بن لؤيّ بن غالبٍ، وكانت قبله عند أبي سلمة بن عبد الأسد، توفّيت سنة اثنتين وستّين، ودفنت بالبقيع، وهي آخر أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم موتًا، وقيل: بل ميمونة، ومن خصائصها: أنّ جبريل دخل على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وهي عنده فرأته في صورة دحية الكلبيّ. ففي صحيح مسلمٍ عن أبي عثمان قال: أنبئت أنّ جبريل أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وعنده أمّ سلمة، فقال: فجعل يتحدّث، ثمّ قام فقال نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأمّ سلمة: "من هذا؟ " أو كما قال. قالت: هذا دحية الكلبيّ. قالت: وايم اللّه، ما حسبته إلّا إيّاه، حتّى سمعت خطبة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، يخبر أنّه جبريل، أو كما قال، قال سليمان التّيميّ: فقلت لأبي عثمان: ممّن سمعت هذا الحديث؟ قال: من أسامة بن زيدٍ وزوّجها ابنها-عمر-من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وردّت طائفةٌ ذلك بأنّ ابنها لم يكن له من السّنّ حينئذٍ ما يعقد التّزويج، وردّ الإمام أحمد ذلك، وأنكر على من قاله، ويدلّ على صحّة قول أحمد ما رواه مسلمٌ في صحيحه أنّ عمر بن أبي سلمة-ابنها-سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن القبلة للصّائم؟ فقال: "سل هذه" يعني: أمّ سلمة فأخبرته أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يفعله، فقال: لسنا كرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، يحلّ اللّه لرسوله ما شاء. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّي أتقاكم للّه وأعلمكم به" أو كما قال. ومثل هذا لا يقال لصغيرٍ جدًّا، وعمر ولد بأرض الحبشة قبل الهجرة. وقال البيهقيّ: وقول من زعم أنه كان صغيرا، دعوى ولم يثبت صغره بإسنادٍ صحيحٍ.
وتزوّج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم زينب بنت جحشٍ من بني خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، وهي بنت عمّته أميمة بنت عبد المطّلب، وكانت قبل عند مولاه زيد بن حارثة، فطلّقها فزوّجه اللّه إياها من فوق سبع سموات، وأنزل عليه: {فلمّا قضى زيدٌ منها وطرًا زوّجناكها} فقام فدخل عليها بلا استئذانٍ، وكانت تفخر بذلك على سائر أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وتقول: زوّجكن أهاليكنّ وزوّجني الله من فوق سبع سمواته، وهذا من خصائصها. توفّيت بالمدينة سنة عشرين، ودفنت بالبقيع.
وتزوّج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم زينب بنت خزيمة الهلاليّة، وكانت تحت عبد اللّه بن جحشٍ، تزوّجها سنة ثلاثٍ من الهجرة، وكانت تسمّى أمّ المساكين، ولم تلبث عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلّا يسيرًا، شهرين أو ثلاثةً، وتوفّيت، رضي اللّه عنها.
وتزوّج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جويرية بنت الحارث من بني المصطلق، وكانت سبيت في غزوة بني المصطلق، فوقعت في سهم ثابت بن قيسٍ، فكاتبها، فقضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كتابتها، وتزوّجها سنة ستٍّ من الهجرة، وتوفّيت سنة ستٍّ وخمسين، وهي الّتي أعتق المسلمون بسببها مائة أهل بيتٍ من الرّقيق، وقالوا: أصهار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وكان ذلك من بركتها على قومها.
وتزوّج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صفيّة بنت حييٍّ، من ولد هارون بن عمران أخي موسى، سنة سبعٍ، فإنّها سبيت من خيبر، وكانت قبله تحت كنانة بن أبي الحقيق، فقتله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، توفّيت سنة ستٍّ وثلاثين، وقيل: سنة خمسين. ومن خصائصها: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أعتقها وجعل عتقها صداقها. قال أنسٌ: أمهرها نفسها، وصار ذلك سنّةً للأمة إلى يوم القيامة، ويجوز للرّجل أن يجعل عتق جاريته صداقها، وتصير زوجته على منصوص الإمام أحمد، رحمه اللّه. قال التّرمذيّ: حدّثنا إسحاق بن منصورٍ، وعبد بن حميدٍ، قالا حدّثنا عبد الرّزّاق، حدّثنا معمرٌ، عن ثابتٍ، عن أنسٍ قال: بلغ صفيّة أنّ حفصة قالت: صفيّة بنت يهوديٍّ، فبكت، فدخل عليها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهي تبكي فقال: "ما يبكيك؟ " قالت: قالت لي حفصة: إنّي ابنة يهوديٍّ. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّك لابنة نبيٍّ وإنّ عمّك لنبيٌّ، وإنّك لتحت نبيٍّ، فبما تفخر عليك؟ " ثمّ قال: "اتّق اللّه يا حفصة". قال التّرمذيّ: هذا حديثٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجه. وهذا من خصائصها، رضي اللّه عنها.
وتزوّج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ميمونة بنت الحارث الهلاليّة، تزوّجها بسرف وهو على تسعة أميالٍ من مكّة، وهي آخر من تزوّج من أمّهات المؤمنين، توفّيت سنة ثلاثٍ وستّين، وهي خالة خالد بن الوليد، وخالة ابن عبّاسٍ، فإنّ أمّه أمّ الفضل بنت الحارث وهي الّتي اختلف في نكاح النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لها. هل نكحها حلالًا أو محرمًا؟ والصّحيح إنّما تزوّجها حلالًا كما قال أبو رافعٍ الشّفير في نكاحها.
قال الحافظ أبو محمّدٍ المقدسيّ وغيره: وعقد على سبعٍ ولم يدخل بهنّ، فالصّلاة على أزواجه تابعةٌ لاحترامهنّ وتحريمهنّ على الأمّة، وأنّهنّ نساؤه صلّى اللّه عليه وسلّم في الدّنيا والآخرة، فمن فارقها في حياتها ولم يدخل، لا يثبت لها أحكام زوجاته اللّاتي دخل بهنّ صلّى اللّه عليه وعلى أزواجه وآله وذريته وسلم تسليما]). [تفسير ابن كثير: 6/ 401-407]

تفسير قوله تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا نساء النّبيّ من يأت منكنّ بفاحشةٍ مبيّنةٍ يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على اللّه يسيرًا (30) ومن يقنت منكنّ للّه ورسوله وتعمل صالحًا نؤتها أجرها مرّتين وأعتدنا لها رزقًا كريمًا (31)}
يقول تعالى واعظًا نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، اللّاتي اخترن اللّه ورسوله والدّار الآخرة، واستقرّ أمرهنّ تحت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يخبرهنّ بحكمهنّ [وتخصيصهنّ] دون سائر النّساء، بأنّ من يأت منهنّ بفاحشةٍ مبيّنةٍ -قال ابن عبّاسٍ: وهي النّشوز وسوء الخلق. وعلى كلّ تقديرٍ فهو شرطٌ، والشّرط لا يقتضي الوقوع كقوله تعالى: {ولقد أوحي إليك وإلى الّذين من قبلك لئن أشركت ليحبطنّ عملك} [الزّمر:65]، وكقوله: {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} [الأنعام: 88]، {قل إن كان للرّحمن ولدٌ فأنا أوّل العابدين} [الزّخرف:81]، {لو أراد اللّه أن يتّخذ ولدًا لاصطفى ممّا يخلق ما يشاء سبحانه هو اللّه الواحد القهّار} [الزّمر:4]، فلمّا كانت محلّتهن رفيعةً، ناسب أن يجعل الذّنب لو وقع منهنّ مغلّظًا، صيانةً لجنابهنّ وحجابهنّ الرّفيع؛ ولهذا قال: {من يأت منكنّ بفاحشةٍ مبيّنةٍ يضاعف لها العذاب ضعفين}.
قال مالكٌ، عن زيد بن أسلم: {يضاعف لها العذاب ضعفين} قال: في الدّنيا والآخرة.
وعن ابن أبي نجيحٍ [عن مجاهدٍ] مثله.
{وكان ذلك على اللّه يسيرًا} أي: سهلًا هيّنًا). [تفسير ابن كثير: 6/ 408]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ ذكر عدله وفضله في قوله: {ومن يقنت منكنّ للّه ورسوله} أي: يطع اللّه ورسوله ويستجب {نؤتها أجرها مرّتين وأعتدنا لها رزقًا كريمًا} أي: في الجنّة، فإنّهنّ في منازل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، في أعلى علّيّين، فوق منازل جميع الخلائق، في الوسيلة الّتي هي أقرب منازل الجنة إلى العرش). [تفسير ابن كثير: 6/ 408]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:37 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة