العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م, 06:56 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (159) إلى الآية (162) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (159) إلى الآية (162) ]


{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 09:53 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) }
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني مسلم بن خالد عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: «{أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون} اللاعنون البهائم: الإبل والبقر والغنم، تلعن عصاة بني آدم إذا أجذبت الأرض
»). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 13-14]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني من سمع أبا الأحوص يقول عن أبي جعفر في قول الله: {ويلعنهم اللاعنون} قال: «حتى الخنفس في جحرها» ). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 101]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (سعيد بن منصور عن إسماعيل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {ويلعنهم اللاعنون} قال:«البهائم، إذا اشتد الأرض قالت البهائم هذا من أجل عصاة بني آدم لعن الله عصاتهم».

نا معمر وأخبرني الحكيم بن أبان عن القاسم بن أبي بزة عن ابن عباس مثله.
نا الثوري عن محمد بن المسيب عن أبي صالح عن ابن عباس مثله.). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 57-58]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن الزهري عن الأعوج في قوله تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بينه للناس في الكتب} قال: «قال أبو هريرة إنكم لتقولون أكثر أبو هريرة عن النبي والله الموعد وإنكم لتقولون ما بال المهاجرين لا يحدثون عن رسول الله بهذه الأحاديث وما بال الأنصار لا يحدثون عن رسول الله بهذه الأحاديث إن أصحابي من المهاجرين كانت تشغلهم صفقاتهم في الأسواق وإن أصحابي من الأنصار كانت تشغلهم أرضوهم والقيام عليها وإني كنت امرءا مسكينا وكنت أكثر مجالسة النبي أحضر إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا وإن النبي حدثنا يوما فقال: «من يبسط ثوبه حتى أفرغ من حديثي ثم يقبضه إليه فإنه لن ينسى شيئا سمعه مني أبدا»، قال: فبسطت ثوبي أو قال نمرتي فحدثنا فقبضت إلي فوالله ما نسيت شيئا سمعته منه وايم الله لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم بشيء أبدا ثم تلا: {أن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى} الآية كلها» ). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 64]

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر قال بلغني عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة قال: «من سئل عن علم عنده فكتمه أتى به يوم القيامة ملجما بلجام من نار»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 64]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى: {ويلعنهم اللاعنون} قال: «الملائكة»).
[تفسير عبد الرزاق: 1/ 65]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن مجاهدٍ في قوله: {ويلعنهم اللّاعنون} قال: «العقارب والخنافس والدّوابّ يقولون: حبس عنّا المطر بذنوب بني آدم»). [تفسير الثوري: 53-54]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {ويلعنهم اللّاعنون}:

- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن إبراهيم، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ويلعنهم اللّاعنون} قال: «البهائم؛ إذا أسنتت الأرض، قالت البهائم: هذا من أجل عصاة بني آدم، لعن اللّه عصاة بني آدم».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو الأحوص، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، في قوله تعالى: {ويلعنهم اللّاعنون} قال: «دوابّ الأرض».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن عبد الملك بن أبي بكرٍ، عن عطاءٍ، في قوله تعالى: {ويلعنهم اللّاعنون} قال: «الجنّ والإنس وكلّ دابّةٍ»). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 638-640]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا غندرٌ، عن شعبة، عن يعلى بن عطاءٍ، قال: حدّثني تميم بن غيلان بن سلمة، قال: جاء رجلٌ إلى أبي الدّرداء وهو مريضٌ، فقال: يا أبا الدّرداء، إنّك قد أصبحت على جناح فراق الدّنيا، فمرني بأمرٍ ينفعني اللّه به، وأذكرك به، فقال: إنّك من أمّةٍ معافاةٍ، فأقم الصّلاة وأدّ الزّكاة إن كان لك مالٌ، وصم رمضان واجتنب الفواحش، ثمّ أبشر،
فأعاد الرّجل على أبي الدّرداء، فقال له أبو الدّرداء مثل ذلك، فنفض الرّجل رداءه، ثمّ قال: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّنّاه للنّاس} إلى قوله: {ويلعنهم اللاعنون} فقال أبو الدّرداء: عليّ بالرّجل، فجاء، فقال أبو الدّرداء: ما قلت؟ قال: كنت رجلاً معلّمًا عندك من العلم ما ليس عندي، فأردت أن تحدّثني بما ينفعني اللّه به، فلم تردّ عليّ إلاّ قولاً واحدًا،
فقال له أبو الدّرداء: اجلس، ثمّ اعقل ما أقول لك: أين أنت من يومٍ ليس لك من الأرض إلاّ عرض ذراعين في طول أربع أذرعٍ، أقبل بك أهلك الّذين كانوا لا يحبّون فراقك وجلساؤك وإخوانك فأتقنوا عليك البنيان وأكثروا عليك التّراب، وتركوك لمتلّك ذلك، وجاءك ملكان أسودان أزرقان جعدان، أسماهما منكرٌ ونكيرٌ، فأجلساك، ثمّ سألاك: ما أنت وعلى ماذا كنت؟ وما تقول في هذا الرّجل فإن قلت: والله ما أدري، سمعت النّاس، قالوا: قولاً، فقلت قول النّاس، فقد والله رديت وهويت، وإن قلت محمّدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنزل اللّه عليه كتابه، فآمنت به، وبما جاء به فقد والله نجوت وهديت، ولن تستطيع ذلك إلاّ بتثبيتٍ من الله مع ما ترى من الشّدّة والتّخويف، ثمّ أين أنت من يومٍ ليس لك من الأرض إلاّ موضع قدميك، ويومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ، النّاس فيه قيامٌ لربّ العالمين، ولا ظلّ إلاّ ظلّ عرش ربّ العالمين، وأدنيت الشّمس، فإن كنت من أهل الظّلّ فقد والله نجوت وهديت، وإن كنت من أهل الشّمس فقد والله رديت وهويت، ثمّ أين أنت من يومٍ جيء بجهنّم قد سدّت ما بين الخافقين وقيل: لن تدخل الجنّة حتّى تخوض النّار، فإن كان معك نورٌ استقام بك الصّراط فقد والله نجوت وهديت، وإن لم يكن معك نورٌ تشبّثت بك بعض خطاطيف جهنّم، أو كلاليبها، أو شبابيثها فقد والله رديت وهويت، فوربّ أبي الدّرداء إنّ ما أقول حقٌّ فاعقل ما أقول). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 184-186]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {ويلعنهم اللاعنون} قال: «الإبل والغنم تلعن عصاة بني آدم إذا أجدبت الأرض»). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 70]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّنّاه للنّاس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاّعنون}:
وإنما يعنى بقوله: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات} علماء اليهود وأحبارها، وعلماء النّصارى، لكتمانهم النّاس أمر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وتركهم اتّباعه، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة، والإنجيل.
والبيّنات الّتي أنزلها اللّه ما بين من أمر نبوّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ومبعثه وصفته في الكتابين اللّذين أخبر اللّه تعالى ذكره أنّ أهلهما يجدون صفته فيهما.
ويعني تعالى ذكره بالهدى ما أوضح لهم من أمره في الكتب الّتي أنزلها على أنبيائهم، فقال تعالى ذكره: إنّ الّذين يكتمون النّاس الّذي أنزلنا في كتبهم من البيان من أمر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ونبوّته وصحّة الملّة الّتي أرسلته بها وحقيّتها فلا يخبرونهم به وهم يعلمون تبييني ذلك للنّاس وإيضاحي لهم في الكتاب الّذي أنزلته إلى أنبيائهم {أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاّعنون إلاّ الّذين تابوا} الآية.
- كما حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ،؛ وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قالا جميعًا: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ، أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «سأل معاذ بن جبلٍ أخو بني سلمة، وسعد بن معاذٍ أخو بني عبد الأشهل، وخارجة بن زيدٍ أخو بني الحارث بن الخزرج، نفرًا من أحبار يهود، قال أبو كريبٍ: عمّا في التّوراة، وقال ابن حميدٍ عن بعض، ما في التّوراة فكتموهم إيّاه، وأبوا أن يخبروهم، عنه، فأنزل اللّه تعالى ذكره فيهم: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّنّاه للنّاس في الكتاب أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاّعنون}».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنى عيسى، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، جميعا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى} قال: «هم أهل الكتاب».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى} قال :«كتموا محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم وهم يجدونه مكتوبًا عندهم، فكتموه حسدًا، وبغيًا».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «{إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّنّاه للنّاس في الكتاب} أولئك أهل الكتاب كتموا الإسلام وهو دين اللّه، وكتموا محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة، والإنجيل».

- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّنّاه للنّاس في الكتاب} زعموا أنّ رجلاً من اليهود كان له صديقٌ من الأنصار يقال له ثعلبة بن عنمة، قال له: هل تجدون محمّدًا عندكم؟ قال: لا. قال: محمّدٌ البيّنات».
ويعنى بقوله: {من بعد ما بيّنّاه للنّاس في الكتاب} بعض النّاس؛ لأنّ العلم بنبوّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وصفته ومبعثه لم يكن إلاّ عند أهل الكتاب دون غيرهم، وإيّاهم عنى تعالى ذكره بقوله: {للنّاس في الكتاب} ويعني بذلك التّوراة والإنجيل. وهذه الآية وإن كانت نزلت في خاصٍّ من النّاس، فإنّها معنيٌّ بها كلّ كاتمٍ علمًا فرض اللّه تعالى بيانه للنّاس. وذلك نظير الخبر الّذي روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «من سئل عن علمٍ يعلمه فكتمه ألجم يوم القيامة بلجامٍ من نارٍ».
- وكان أبو هريرة يقول ما حدّثنا به، نصر بن عليٍّ الجهضميّ، قال: حدّثنا حاتم بن وردان، قال: حدّثنا أيّوب السّختيانيّ، عن محمد، عن أبي هريرة قال: «لولا آيةٌ من كتاب اللّه ما حدّثتكم، وتلا: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّنّاه للنّاس في الكتاب أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاّعنون}».
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدّثنا أبو زرعة وهب اللّه بن راشدٍ، عن يونس، قال: قال ابن شهابٍ، قال ابن المسيّب، قال أبو هريرة: «لولا آيتان أنزلهما اللّه في كتابه ما حدّثت شيئًا: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات} إلى آخر الآية، والآية الأخرى: {وإذ أخذ اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للنّاس} إلى آخر الآية»). [جامع البيان: 2/ 729-732]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاّعنون}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {أولئك يلعنهم اللّه} هؤلاء الّذين يكتمون ما أنزله اللّه من أمر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وصفته وأمر دينه أنّه الحقّ من بعدما بيّنه اللّه لهم في كتبهم، يلعنهم بكتمانهم ذلك وتركهم تبيينه للنّاس. واللّعنة الفعلة، من لعنه اللّه بمعنى: أقصاه وأبعده، وأسحقه. وأصل اللّعن: الطّرد، كما قال الشّمّاخ بن ضرارٍ، وذكر ماءً ورد عليه:


ذعرت به القطا ونفيت عنه ....... مقام الذّئب كالرّجل اللّعين

يعني مقام الذّئب الطّريد. واللّعين من نعت الذّئب، وإنّما أراد مقام الذّئب اللّعين كالرّجل.
فمعنى الآية إذًا: أولئك يبعدهم اللّه منه ومن رحمته، ويسأل ربّهم اللاّعنون أن يلعنهم؛ لأنّ لعنة بني آدم وسائر خلق اللّه ما لعنوا أن يقولوا: اللّهمّ العنه، إذ كان معنى اللّعن هو ما وصفنا من الإقصاء والإبعاد وأما من الله فالإبعاد بعد رحمته.
وإنّما قلنا إنّ لعنة اللاّعنين هي ما وصفنا: من مسألتهم ربّهم أن يلعنهم، وقولهم: لعنه اللّه، أو عليه لعنة اللّه؛ لأنّ.
- محمّد بن خالد بن خداشٍ، ويعقوب بن إبراهيم، حدّثاني قالا حدّثنا إسماعيل ابن عليّة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاّعنون} قال: «اللاعنون البهائم، قال: إذا أسنتت السّنة، قالت البهائم: هذا من أجل عصاة بني آدم، لعن اللّه عصاة بني آدم».
اختلف أهل التّأويل فيمن عنى اللّه تعالى ذكره باللاّعنين، فقال بعضهم: عنى بذلك دوابّ الأرض وهوامّها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، قال: «تلعنهم دوابّ الأرض وما شاء اللّه من الخنافس والعقارب تقول: نمنع القطر بذنوبهم».
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاّعنون} قال دوابّ الأرض: «العقارب والخنافس يقولون: منعنا القطر بخطايا بني آدم».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرٍو، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {ويلعنهم اللاّعنون} قال: «تلعنهم الهوامّ ودوابّ الأرض تقول: أمسك القطر عنّا بخطايا بني آدم».
- حدّثنا مشرف بن أبان الخطّاب، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن خصيفٍ، عن عكرمة، في قوله: {أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاّعنون} قال: «يلعنهم كلّ شيءٍ حتّى الخنافس والعقارب يقولون: منعنا القطر بذنوب بني آدم».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {ويلعنهم اللاّعنون} قال: «اللاّعنون: البهائم».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: «{ويلعنهم اللاّعنون} البهائم تلعن عصاة بني آدم حين أمسك اللّه عنهم بذنوب بني آدم القطر فتخرج البهائم فتلعنهم».
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني مسلم بن خالدٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: «{أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاّعنون} البهائم: الإبل، والبقر، والغنم، فتلعن عصاة بني آدم إذا أجدبت الأرض».
فإن قال لنا قائلٌ: وما وجه قول هؤلاء الّذين وجّهوا تأويل قوله: {ويلعنهم اللاّعنون} إلى أنّ اللاّعنين هم الخنافس والعقارب ونحو ذلك من هوامّ الأرض، وقد علمت أنّ العرب إذا جمعت ما كان من نوع البهائم وغير بني آدم، فإنّما تجمعه بغير الياء والنّون وغير الواو والنّون، وإنّما تجمعه بالتّاء، وما خالف ما ذكرنا، فتقول اللاّعنات ونحو ذلك؟
قيل: إن الأمر وإن كان كذلك، فإنّ من شأن العرب إذا وصفت شيئًا من البهائم أو غيرها ممّا حكم جمعه أن يكون بالتّاء أو بغير صورة جمع ذكران بني آدم بما هو من صفة الآدميّين أن يجمعوه جمع ذكورهم، كما قال تعالى ذكره: {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا} فأخرج خطابها على مثال خطاب ذكور بني آدم إذ كلّمتهم وكلّموها، وكما قال: {يا أيّها النّمل ادخلوا مساكنكم} وكما قال: {والشّمس والقمر رأيتهم لي ساجدين}.
وقال آخرون: عنى اللّه تعالى ذكره بقوله: {ويلعنهم اللاّعنون} الملائكة والمؤمنين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {ويلعنهم اللاّعنون} قال: «يقول اللاّعنون من ملائكة اللّه ومن المؤمنين».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {ويلعنهم اللاّعنون} قال: «اللاّعنون الملائكة».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ، قال: «اللاّعنون من ملائكة اللّه والمؤمنين».
وقال آخرون: يعني باللاّعنين: كلّ ما عدا بني آدم والجنّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {ويلعنهم اللاّعنون} قال: قال البراء بن عازبٍ: «إنّ الكافر إذا وضع في قبره أتته دابّةٌ كأنّ عينيها قدران من نحاس معها عمودٌ من حديدٍ، فتضربه ضربةً بين كتفيه فيصيح فلا يسمع أحدٌ صوته إلاّ لعنه، ولا يبقى شيءٌ إلاّ سمع صوته، إلاّ الثّقلين الجنّ والإنس».
- حدّثنا المثنّى، قال، حدّثنا إسحاق، قال، حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاّعنون} قال: «الكافر إذا وضع في حفرته ضرب ضربةً بمطرقٍ فيصيح صيحة يسمع صوته كلّ شيءٍ إلاّ الثّقلين الجنّ، والإنس فلا يسمع صيحته شيءٌ إلاّ لعنه».
وأولى هذه الأقوال بالصّحّة عندنا قول من قال: اللاّعنون: الملائكة والمؤمنون؛ لأنّ اللّه تعالى ذكره قد وصف الكفّار بأنّ اللّعنة الّتي تحلّ بهم إنّما هي من اللّه والملائكة والنّاس أجمعين، فقال تعالى ذكره: {إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين} فكذلك اللّعنة الّتي أخبر اللّه جل ذكره أنّها نازلّةٌ بالفريق الآخر {الّذين يكتمون ما أنزل اللّه من البيّنات والهدى من بعد ما بيّنّه للنّاس} هي لعنة اللّه الّذين أخبر أنّ لعنتهم حالّة بالّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ، وهم اللاّعنون، لأنّ الفريقين جميعًا أهل كفرٍ.
وأمّا قول من قال: إنّ اللاّعنين هم الخنافس والعقارب وما أشبه ذلك من دبيب الأرض وهوّامها، فإنّه قولٌ لا تدرك حقيقته إلاّ بخبرٍ عن اللّه أنّ ذلك من فعلها وقيلها تقوم به الحجّة، ولا خبر بذلك عن نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فيجوز أن يقال إنّ ذلك كذلك.
وإذ كان ذلك كذلك، فالصّواب من القول فيما قالوه أن يقال: إنّ الدّليل من ظاهر كتاب اللّه موجودٌ بخلاف هذا التّأويل، وهو ما وصفنا. فإن كان جائزًا أن تكون البهائم وسائر خلق اللّه تلعن الّذين يكتمون ما أنزل اللّه في كتابه من صفة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ونعته ونبوّته، بعد علمهم به، وتلعن معهم جميع الظّلمة، غير أنه غير جائزٍ قطع الشّهادة بأنّ اللّه عنى باللاّعنين البهائم والهوامّ ودبيب الأرض، إلاّ بخبرٍ للعذر قاطعٍ، ولا خبر بذلك وظاهر كتاب اللّه الّذي ذكرناه دالٌّ على خلافه). [جامع البيان: 2/ 732-738]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّنّاه للنّاس في الكتاب أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللّاعنون (159)}:
قوله تعالى: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى}:
اختلف في تفسيره على أوجهٍ، فأحد ذلك:
الوجه الأول:
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا محمّد بن سلمة، عن محمّد بن إسحاق قال: وحدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «سأل معاذ بن جبلٍ أخو بني سلمة، وسعد بن معاذٍ أخو بني الأشهل، وخارجة بن زيدٍ، أخو بلحارث ابن خزرجٍ، نفرًا من أحبار يهود، عن بعض ما في التّوراة، فكتموهم إيّاه، وأبوا أن يخبروهم، فأنزل اللّه فيهم: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّنّاه للنّاس في الكتاب}».
والوجه الثّاني:
حدّثنا محمّد بن عزيزٍ الأيليّ، حدّثني سلامة، عن عقيلٍ، قال: قال ابن شهابٍ، قال ابن المسيّب، قال أبو هريرة: «لولا آيتان أنزلهما اللّه في كتابه ما حدّثت بشيءٍ أبدًا {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى} إلى آخر الآية».
والوجه الثّالث:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية قوله: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى} قال: «هم أهل الكتاب، كتموا محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم ونعته، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم، فكتموه حسدًا وبغيًا، وكتموا ما أنزل اللّه عليهم من أمره وصفته». وروي عن قتادة، والسّدّيّ والرّبيع بن أنسٍ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 268]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {الكتاب}:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا أسباط بن محمّدٍ، عن الهذليّ يعني: أبا بكرٍ عن الحسن في قول اللّه عزّ وجلّ: {الكتاب} قال: «الكتاب: القرآن» وروي عن ابن عبّاسٍ مثل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 269]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {البيّنات}:
- حدّثنا سهل بن بحرٍ العسكريّ، ثنا سويد بن حسين الأسود، ثنا عمرو ابن محمّدٍ، ثنا أسباط بن نصرٍ، عن السّدّيّ، عن أصحابه في قول اللّه عزّ وجلّ: {البيّنات} قال: «الحلال والحرام»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 269]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله عزّ وجلّ: {أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاعنون}
اختلف في تفسيره على أوجهٍ فأحد ذلك:
الوجه الأول:
- حدّثنا الحسن بن عرفة، ثنا عمّار بن محمّدٍ، عن ليث بن أبي سليمٍ عن المنهال بن عمرو، عن باذان أبي عمرو، عن البراء بن عازبٍ، قال: كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في جنازةٍ، فجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: «إنّ الكافر يضرب ضربةً بين عينيه فيسمعه كلّ دابّةٍ غير الثّقلين، فتلعنه كلّ دابّةٍ سمعت صوته، فذلك قول اللّه عزّ وجلّ: {أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاعنون} يعني:
دوابّ الأرض».
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قال: «قال اللّه: {أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاعنون} يعني: ملائكة اللّه والمؤمنين». وروي عن قتادة، والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا إسماعيل بن عليّة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ويلعنهم اللاعنون} قال: «البهائم إذا أسنتت الأرض قالت البهائم: هذا من أجل عصاة بني آدم، لعن اللّه عصاة بني آدم».
- حدّثنا أحمد بن عصامٍ، ثنا مؤمّلٌ، ثنا سفيان عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، نحوه، قال: «الخنافس والعقارب والدّوابّ، تقول: حبس عنّا المطر بذنوب بني آدم». وروي عن عكرمة نحوه.
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهبٍ، أخبرني مسلم بن خالدٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاعنون} قال: «البهائم، الإبل والبقر والغنم، تلعن عصاة بني آدم إذا أجدبت الأرض».
الوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو عمر الحوضيّ، ثنا خالد بن عبد اللّه الواسطيّ، عن عبد الملك، عن عطاءٍ في قول اللّه: {أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاعنون} قال: «كلّ دابّةٍ والجنّ والإنس»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 269-270]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى} قال: «هم أهل الكتاب كتموا نعت محمد صلى الله عليه وسلم وصفته»). [تفسير مجاهد: 93]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا الحسن بن عليّ بن عفّان العامريّ، ثنا أبو أسامة، ثنا طلحة بن عمرو، أخبرني عطاء بن أبي رباحٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، أنّه قال: «لولا آيةٌ من كتاب اللّه ما أخبرت أحدًا شيئًا، قيل: وما هي يا أبا هريرة؟ قال: آية {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّنّاه للنّاس في الكتاب أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللّاعنون (159) إلّا الّذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا}». هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه ). [المستدرك: 2/ 298]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون * إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم}:
أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «سأل معاذ بن جبل أخو بني سلمة وسعد بن معاذ أخو بني الأشهل وخارجة بن زيد أخو الحرث بن الخزرج نفرا من أحبار اليهود عن بعض ما في التوراة فكتموهم إياه وأبوا أن يخبروهم فأنزل الله فيهم {إن
الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى} الآية».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى} قال: «هم أهل الكتاب».
وأخرج ابن سعد، وعبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى} الآية، قال: «أولئك أهل الكتاب كتموا الإسلام وهو دين الله وكتموا محمدا وهم {يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنحيل} [الأعراف : 157] {ويلعنهم اللاعنون} قال: من ملائكة الله المؤمنين».
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال: «هم أهل الكتاب كتموا محمدا ونعته وهم يجدونه مكتوبا عندهم حسدا وبغيا».
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال: «زعموا أن رجلا من اليهود كان له صديق من الأنصار يقال له ثعلبة بن غنمة قال له: هل تجدون محمدا عندكم قال: لا».
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء في قوله: {أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون} قال: «الجن والإنس وكل دابة».
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {ويلعنهم اللاعنون} قال: «إذا أجدبت الهائم دعت على فجار بني آدم، فقالت: تحبس عنا الغيث بذنوبهم».
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير عن مجاهد في قوله: {ويلعنهم اللاعنون} قال: «إن البهائم إذا اشتدت عليهم السنة قالت: هذا من أجل عصاة بني آدم لعن الله عصاة بني آدم».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد في قوله: {ويلعنهم اللاعنون} قال: «دواب الأرض العقارب والخنافس يقولون: إنما منعنا القطر بذنوبهم فيلعنونهم».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن عكرمة في قوله: {ويلعنهم اللاعنون} قال: «يلعنهم كل شيء حتى الخنافس والعقارب يقولون: منعنا القطر بذنوب بني آدم».
وأخرج عبد بن حميد عن أبي جعفر في قوله: {ويلعنهم اللاعنون} قال: «كل شيء حتى الخنفساء».
وأخرج ابن ماجه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب قال: كنا في جنازة مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الكافر يضرب ضربتين بين عينيه فيسمعه كل دابة غير الثقلين فتلعنه كل دابة سمعت صوته فذلك قول الله: {ويلعنهم اللاعنون} يعني دواب الأرض».
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: {ويلعنهم اللاعنون} قال: قال البراء ابن عازب: «إن الكافر إذا وضع في قبره أتته دابة كأن عينيها قدران من نحاس معها عمود من حديد فتضربه ضربة بين كتفيه فيصيح لا يسمع أحد صوته إلا لعنه ولا يبقى شيء إلا سمع صوته إلا الثقلين الحن والإنس».
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله: {ويلعنهم اللاعنون} قال: «الكافر إذا وضع في حفرته ضرب ضربة بمطرق فيصيح صيحة يسمع صوته كل شيء إلا الثقلين الجن والإنس فلا يسمع صيحته شيء إلا لعنه».
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عبد الوهاب بن عطاء في قوله: {إن الذين يكتمون} الآية، قال: سمعت الكلبي يقول: «هم اليهود، قال: ومن لعن شيئا ليس هو بأهل رجعت اللعنة على يهودي، فذلك قوله: {ويلعنهم اللاعنون}».
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق محمد بن مروان أخبرني الكلبي عن أبي صالح عن ابن مسعود في هذه الآية قال: «هو الرجل يلعن صاحبه في أمر يرى أن قد أتى إليه فترتفع اللعنة في السماء سريعا فلا تجد صاحبها التي قيلت له أهلا فترجع إلى الذي تكلم بها فلا تجد لها أهلا فتنطلق فتقع على اليهود فهو قوله: {ويلعنهم اللاعنون} فمن تاب منهم ارتفعت عنهم اللعنة فكانت فيمن بقي من اليهود وهو قوله: {إلا الذين تابوا} الآية».
وأخرج عبد بن حميد والترمذي، وابن ماجه والحاكم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من سئل عن علم عنده فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة».
وأخرج ابن ماجه عن أنس بن مالك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سئل عن علم فكتمه ألجمه يوم القيامة بلجام من نار».
وأخرج ابن ماجه والمرهبي في فضل العلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كتم علما مما ينفع الله به الناس في أمر الدين ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار».
وأخرج ابن ماجه، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا لعن آخر هذه الأمة أولها فمن كتم حديثا فقد كتم ما أنزل الله».
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما عبد آتاه الله علما فكتمه لقي الله يوم القيامة ملجما بلجام من نار».

وأخرج أبو يعلى والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سؤل عن علم فكتمه جاء يوم القيامه ملجما بلجام من نار».
وأخرج الطبراني من حديث ابن عمر، وابن عمرو مثله.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مثل الذي يتعلم العلم ثم لا يحدث به كمثل الذي يكنز الكنز فلا ينفق منه».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن سلمان قال: «علم لا يقال به ككنز لا ينفق منه».
وأخرج ابن سعد، وعبد بن حميد والبخاري، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم عن أبي هريرة قال: «لولا آية في كتاب الله ما حدثت أحدا بشيء أبدا ثم تلا هذه الآية {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى} الآية»). [الدر المنثور: 2/ 99-105]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) }

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إلاّ الّذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التّوّاب الرّحيم} يعني تعالى ذكره بذلك أنّ اللّه واللاّعنين يلعنون الكاتمين النّاس ما علموا من أمر نبوّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وصفته ونعته في الكتاب الّذي أنزله اللّه وبيّنه للنّاس، إلاّ من أناب من كتمانه ذلك منهم وراجع التّوبة بالإيمان بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، والإقرار به وبنبوّته، وتصديقه فيما جاء به من عند اللّه وبيان ما أنزل اللّه في كتبه الّتي أنزل إلى أنبيائه من الأمر باتّباعه، وأصلح حال نفسه بالتّقرّب إلى اللّه من صالح الأعمال بما يرضيه عنه، وبين الّذي علم من وحي اللّه الّذي أنزله إلى أنبيائه وعهد إليهم في كتبه فلم يكتمه وأظهره فلم يخفه. فأولئك، يعني هؤلاء الّذين فعلوا هذا الّذي وصفت منهم، هم الّذين أتوب عليهم، فأجعلهم من أهل الإياب إلى طاعتي والإنابة إلى مرضاتي.
ثمّ قال تعالى ذكره: {وأنا التّوّاب الرّحيم} يقول: وأنا الّذي أرجع بقلوب عبيدي المنصرفة عنّي إليّ، والرّادّها بعد إدبارها عن طاعتي إلى طلب محبّتي، والرّحيم بالمقبلين بعد إقبالهم إليّ أتغمّدهم منّي بعفو وأصفح عنهم عظيم ما كانوا اجترموا فيما بيني وبينهم بفضل رحمتي لهم.
فإن قال قائلٌ: وكيف يتاب على من تاب؟ وما وجه قوله: {إلاّ الّذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التّوّاب الرّحيم} وهل يكون تائبٌ إلاّ وهو متوبٌ عليه أو متوبٌ عليه إلاّ وهو تائبٌ؟ قيل: ذلك ممّا لا يكون أحدهما إلاّ والآخر معه، فسواءٌ قيل: إلاّ الّذين تيب عليهم فتابوا، أو قيل: إلاّ الّذين تابوا فإنّي أتوب عليهم؛ وقد بيّنّا وجه ذلك فيما جاء من الكلام هذا المجيء في نظيره فيما مضى من كتابنا هذا، فكرهنا إعادته في هذا الموضع.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {إلاّ الّذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا} يقول: «أصلحوا فيما بينهم وبين اللّه، وبيّنوا الّذي جاءهم من اللّه، فلم يكتموه، ولم يجحدوا به: {فأولئك أتوب عليهم وأنا التّوّاب الرّحيم}».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {إلاّ الّذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا} قال: «بيّنوا ما في كتاب اللّه للمؤمنين، وما سألوهم عنه من أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وهذا كلّه في يهود».
وقد زعم بعضهم أنّ معنى قوله: {وبيّنوا} إنّما هو: وبيّنوا التّوبة بإخلاص العمل.
ودليل ظاهر الكتاب والتّنزيل بخلافه، لأنّ القوم إنّما عوتبوا فى هذه الآية على كتمانهم ما أنزل اللّه تعالى ذكره وبيّنه في كتابه من أمر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ودينه. ثمّ استثنى منهم تعالى ذكره الّذين يبيّنون أمر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ودينه فيتوبون ممّا كانوا عليه من الجحود والكتمان، فأخرجهم من عداد من يلعنه اللّه ويلعنه اللاّعنون. ولم يكن العتاب على تركهم تبيين التّوبة بإخلاص العمل.
والّذين استثنى اللّه من الّذين يكتمون ما أنزل اللّه من البيّنات والهدى من بعد ما بيّنه للنّاس في الكتاب: عبد اللّه بن سلاّم وذووه من أهل الكتاب الّذين أسلموا فحسن إسلامهم واتّبعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم). [جامع البيان: 2/ 738-740]

قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {إلّا الّذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التّوّاب الرّحيم (160)}:
قوله: {إلا الّذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا}:
- أخبرنا محمّد بن عبيد اللّه بن المنادي فيما كتب إليّ، ثنا يونس بن محمّدٍ المؤدّب، ثنا شيبان النّحويّ، عن قتادة: «{إلا الّذين تابوا وأصلحوا} ما بينهم وبين اللّه ورسوله {وبيّنوا} الّذي جاءهم من اللّه ولم يكتموه ولم يجحدوا به {فأولئك أتوب عليهم وأنا التّوّاب الرحيم}»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 270]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا}:
- حدّثنا عليّ بن الحسن الهرثميّ، قال: سمعت مقاتل بن محمّدٍ يحكي عن ابن غمزان الصوفي قال: «تحضر هؤلاء الذين أحدثوا بدع فبيّن لهم التّوبة».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه ابن لهيعة عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: «{إلا الّذين تابوا} يعني من الشّرك»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 270]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فأولئك أتوب عليهم وأنا التّوّاب الرّحيم}:
- حدّثنا عليّ بن الحسن، ثنا محمّد بن عيسى، ثنا جريرٌ، عن عمارة، عن أبي زرعة، قال: «إنّ أوّل شيءٍ كتب: أنا التّوّاب أتوب على من تاب».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: «{أتوب عليهم} يعني: يتجاوز عنهم».
وبه عن سعيدٍ في قوله: «{التّوّاب} يعني: على من تاب»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 270-271]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا الحسن بن عليّ بن عفّان العامريّ، ثنا أبو أسامة، ثنا طلحة بن عمرو، أخبرني عطاء بن أبي رباحٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، أنّه قال: «لولا آيةٌ من كتاب اللّه ما أخبرت أحدًا شيئًا، قيل: وما هي يا أبا هريرة؟ قال: آية {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّنّاه للنّاس في الكتاب أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللّاعنون (159) إلّا الّذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا}» هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه.). [المستدرك: 2/ 298] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن عباس في قوله: «{إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى} إلى قوله: {اللاعنون} ثم استثنى فقال: {إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا} الآية».
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء {إلا الذين تابوا وأصلحوا} قال: «ذلك كفارة له».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {إلا الذين تابوا وأصلحوا} قال: «أصلحوا ما بينهم وبين الله {وبينوا} الذي جاءهم من الله ولم يكتموا ولم يجحدوا به».
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: «{أتوب عليهم} يعني أتجاوز عنهم»). [الدر المنثور: 2/ 105-106]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {وأنا التواب}:
أخرج سعيد بن منصور، وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن أبي زرعة عمرو بن جرير قال: «إن أول شيء كتب أنا التواب أتوب على من تاب»). [الدر المنثور: 2/ 106]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {إنّ الّذين كفروا} إنّ الّذين جحدوا نبوّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وكذّبوا به من اليهود، والنّصارى، وسائر أهل الملل والمشركين من عبدة الأوثان {وماتوا وهم كفّارٌ} يعني وماتوا وهم على جحودهم ذلك وتكذيبهم محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم؛ أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة، يعني: بأولئك الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ عليهم لعنة اللّه؛ يقول: أبعدهم اللّه وأسحقهم من رحمته {والملائكة} يعني ولعنهم الملائكة والنّاس أجمعون. ولعنة الملائكة والنّاس إيّاهم قولهم: عليهم لعنة اللّه، وقد بيّنّا معنى اللّعنة فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته.
فإن قال قائلٌ: وكيف تكون على الّذي يموت كافرًا بمحمّدٍ لعنه جميع الناس، وقد علمت أن من يكفر بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم من أصناف الأمم، أكثر ممّن يؤمن به ويصدّقه؟ قيل: إنّ معنى ذلك على خلاف ما ذهبت إليه.
وقد اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم: عنى اللّه بقوله: {والنّاس أجمعين} أهل الإيمان به وبرسوله خاصّةً دون سائر البشر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: «{والنّاس أجمعين} يعني بالنّاس أجمعين: المؤمنين».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: «{والنّاس أجمعين} يعني بالنّاس أجمعين: المؤمنين».
وقال آخرون: بل ذلك يوم القيامة يوقف على رءوس الأشهاد الكافر فيلعنه النّاس كلّهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، عن أبي العالية: «أنّ الكافر، يوقف يوم القيامة فيلعنه اللّه، ثمّ تلعنه الملائكة، ثمّ يلعنه النّاس أجمعون».
وقال آخرون: بل ذلك قول القائل كائنًا من كان: لعن اللّه الظّالم، فيلحق ذلك كلّ كافرٍ لأنّه من الظّلمة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: «{أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين} فإنّه لا يتلاعن اثنان مؤمنان ولا كافران فيقول أحدهما: لعن اللّه الظّالم إلاّ وجبت تلك اللّعنة على الكافر لأنّه ظالمٌ، فكلّ أحدٍ من الخلق يلعنه».
وأولى هذه الأقوال بالصّواب عندنا قول من قال: عنى اللّه بذلك جميع النّاس بمعنى لعنهم إيّاه بقولهم: لعن اللّه الظّالم أو الظّالمين، فإنّ كلّ أحدٍ من بني آدم لا يمتنع من قيل ذلك كائنًا من كان، ومن أيّ أهل ملّةٍ كان، فيدخل بذلك في لعنته كلّ كافرٍ كائنًا من كان،
وذلك بمعنى ما قاله أبو العالية، لأنّ اللّه تعالى ذكره أخبر عمّن شهدهم يوم القيامة أنّهم يلعنونهم، فقال: {ومن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا أولئك يعرضون على ربّهم ويقول الأشهاد هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة اللّه على الظّالمين}.
وأمّا ما قاله قتادة من أنّه عنى به بعض النّاس، فقول ظاهر التّنزيل بخلافه، ولا برهان على حقيقته من خبرٍ ولا نظر. فإن كان ظنٌّ أنّ المعنيّ به المؤمنون من أجل أنّ الكفّار لا يلعنون أنفسهم ولا أولياءهم، فإنّ اللّه تعالى ذكره قد أخبر أنّهم يلعنونهم في الآخرة، ومعلومٌ منهم أنّهم يلعنون الظّلمة، وداخلٌ في الظّلمة كلّ كافرٍ بظلمه نفسه، وجحوده نعمة ربّه، ومخالفته أمره). [جامع البيان: 2/ 740-743]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين (161) خالدين فيها لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون (162)}:
قوله: {إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين}:
الوجه الأول:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محلّمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ، قال: «سألت الحكم عن قوله: {إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ} قال: وكلّ كافرٍ».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ عن أبي العالية: {إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين يعني بالنّاس أجمعين المؤمنين} قال أبو جعفرٍ: وحدّثني الرّبيع: قال: «سمعت أبا العالية يقول: إنّ الكافر يوقف يوم القيامة، فيلعنه اللّه، ثمّ تلعنه الملائكة، ثمّ يلعنه النّاس أجمعون». وروي عن قتادة نحو قول أبي العالية.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: «أمّا لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين فإنّه لا يتلاعن اثنان مؤمنان ولا كافران، فيقول أحدهما: لعن اللّه الظّالم، إلا وجبت تلك اللّعنة على الكافر لأنّه ظالمٌ، فكلّ أحدٍ يلعنه من الخلق»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 271]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين * خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون}:
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: «إن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه الله ثم تلعنه الملائكة ثم يلعنه الناس أجمعون».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله: {أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين} قال: «يعني الناس أجمعين المؤمنين».
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال: «لا يتلاعن اثنان مؤمنان ولا كافران فيقول أحدهما: لعن الله الظالم إلا رجعت تلك اللعنة على الكافر لأنه ظالم فكل أحد من الخلق يلعنه».
وأخرج عبد بن حميد عن جرير بن حازم قال: «سمعت الحسن يقرؤها (أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعون)» ). [الدر المنثور: 2/ 106-107]

تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) }

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {خالدين فيها لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون}:
قال أبو جعفرٍ: إن قال لنا قائلٌ: ما الّذي نصب {خالدين فيها} قيل: نصب على الحال من الهاء والميم اللّتين في عليهم. وذلك أنّ معنى قوله: {أولئك عليهم لعنة اللّه} أولئك يلعنهم اللّه فتأويل الكلام: أولئك يلعنهم الله والملائكة والنّاس أجمعون خالدين فيها. ولذلك قرأ ذلك: أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعون من قرأه كذلك توجيهًا منه إلى المعنى الّذي وصفت وذلك وإن كان جائزًا في العربيّة، فغير جائزةٍ القراءة به لأنّه خلافٌ القراءة لمصاحف المسلمين وما جاء به المسلمون من القراءة مستفيضًا فيهم، وغير جائزٍ الاعتراض بالشّاذّ من القول على ما قد ثبتت حجّته بالنّقل المستفيض.
وأمّا الهاء والألف اللّتان في قوله: {فيها} فإنّهما عائدتان على اللّعنة، والمراد بالكلام ما صار إليه الكافر باللّعنة من اللّه ومن ملائكته ومن النّاس والّذي صار إليه بها نار جهنّم. وأجرى الكلام على اللّعنة والمراد بها ما صار إليه الكافر كما قد بيّنّا من نظائر ذلك فيما مضى قبل.
- كما حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، عن أبي العالية:{خالدين فيها} يقول: «خالدين في جهنّم في اللّعنة».
وأمّا قوله: {لا يخفّف عنهم العذاب} فإنّه خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن دوام العذاب لهم أبدًا من غير توقية ولا تخفيفٍ، كما قال تعالى ذكره: {والّذين كفروا لهم نار جهنّم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفّف عنهم من عذابها} وكما قال: {كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها}.
وأمّا قوله: {ولا هم ينظرون} فإنّه يعني ولا هم ينظرون لمعذرةٍ يعتذرون.
- كما حدّثنا عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، عن أبي العالية، {ولا هم ينظرون} يقول: «لا ينظرون فيعتذرون، كقوله: {هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون}» ). [جامع البيان: 2/ 743-744]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {خالدين فيها لا يخفّف عنهم العذاب}:
- حدّثنا عصام بن الرّوّاد، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع عن أبي العالية: «خالدين فيها يعني: في النّار في اللّعنة لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون» وروي عن الرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك).[تفسير القرآن العظيم: 1/ 271]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون}:
وبه عن أبي العالية في قوله: {لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون} قال: «هو كقوله: {هذا يوم لا ينطقون، ولا يؤذن لهم فيعتذرون}» وروي عن الرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا هم ينظرون} قال: «لا يؤخّرون»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 271-272]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله: {خالدين فيها} يقول: «خالدين في جهنم في اللعنة»، وفي قوله: {ولا هم ينظرون} ويقول: «لا ينظرون فيعتذرون».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ولا هم ينظرون} قال: «لا يؤخرون»). [الدر المنثور: 2/ 107]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 10:12 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاّعنون...}
قال ابن عباس: {اللاعنون}:«كلّ شيء على وجه الأرض إلا الثقلين».
قال عبد الله بن مسعود:«إذا تلا عن الرجلان , فلعن أحدهما صاحبه , وليس أحدهما مستحقّ اللعن رجعت اللعنة على المستحقّ لها، فإن لم يستحقّها واحد منهما رجعت على اليهود الذين كتموا ما أنزل الله تبارك وتعالى, فجعل اللعنة من المتلاعنين من الناس على ما فسّر» ). [معاني القرآن: 1/ 95-96]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ويلعنهم اللّاعنون}, قال ابن مسعود: «إذا تلاعن اثنان, وكان أحدهما غير مستحق للعن، رجعت اللعنة على المستحق لها، فإن لم يستحقها أحد منهما رجعت على اليهود» ). [تفسير غريب القرآن: 67]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّنّاه للنّاس في الكتاب أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللّاعنون}:
هذا إخبار عن علماء اليهود الذين كتموا ما علموه من صحة أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: {من بعد ما بيّنّاه للنّاس في الكتاب}, يعني: به القرآن.
ومعنى {ويلعنهم اللّاعنون}: فيه غير قول، أما ما يروى عن ابن عباس فقال: «{اللّاعنون}: كل شيء في الأرض إلا الثقلين».
ويروى عن ابن مسعود أنه قال:«{اللّاعنون}: الاثنان إذا تلاعنا لحقت اللعنة بمستحقها منهما، فإن لم يستحقها واحد منهما , رجعت على اليهود»، وقيل:{اللّاعنون}, هم المؤمنون، فكل من آمن باللّه من الإنس والجن والملائكة فهم اللاعنون لليهود , وجميع الكفرة , فهذا ما روي في قوله: {اللّاعنون}, واللّه عزّ وجلّ أعلم). [معاني القرآن: 1/ 235]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({إلّا الّذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا}, أي: بيّنوا التوبة بالإخلاص ,والعمل).
[تفسير غريب القرآن: 67]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إلّا الّذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التّوّاب الرّحيم}
{الذين} في موضع نصب على الاستثناء، والمعنى: أن من تاب بعد هذا, وتبين منهم أن ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم حق، قبل الله توبته.
فأعلم الله عزّ وجلّ: أنه يقبل التوبة ويرحم , ويغفر الذنب الذي لا غاية بعده). [معاني القرآن: 1/ 235]


تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {إن الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين...}
فـ "الملائكة والناس" في موضع خفض؛ تضاف اللعنة إليهم على معنى: عليهم لعنة الله , ولعنة الملائكة, ولعنة الناس, وقرأها الحسن:{لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعون}, وهو جائز في العربية , وإن كان مخالفاً للكتاب, وذلك أن قولك:{عليهم لعنة الله}, كقولك: يلعنهم الله , ويلعنهم الملائكة والناس,
والعرب تقول: عجبت من ظلمك نفسك، فينصبون النفس؛ لأن تأويل الكاف رففع, ويقولون: عجبت من غلبتك نفسك، فيرفعون النفس؛ لأن تأويل الكاف نصب, فابن على ذا ما ورد عليك.
ومن ذلك قول العرب: عجبت من تساقط البيوت بعضها على بعض، وبعضها على بعض, فمن رفع ردّ البعض إلى تأويل البيوت؛ لأنها رفع؛ ألا ترى أن المعنى: عجبت من أن تساقطت بعضها على بعض, ومن خفض أجراه على لفظ البيوت، كأنه قال: من تساقط بعضها على بعض.
وأجود ما يكون فيه الرفع أن يكون الأوّل الذي في تأويل رفع, أو نصب قد كنى عنه؛ مثل قولك: عجبت من تساقطها, فتقول ها هنا: عجبت من تساقطها بعضها على بعض؛ لأن الخفض إذا كنيت عنه قبح أن ينعت بظاهر، فردّ إلى المعنى الذي يكون رفعا في الظاهر، والخفض جائز, وتعمل فيما تأويله النصب بمثل هذا فتقول: عجبت من إدخالهم بعضهم في إثر بعض؛ تؤثر النصب في (بعضهم)، ويجوز الخفض). [معاني القرآن: 1/ 97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({إن الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين}
قال: {أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين}؛ لأنه أضاف اللعنة , ثم قال: {خالدين فيها}نصب على الحال). [معاني القرآن: 1/ 121]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة الحسن "أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعون" كأنه قال: وتلعنهم الملائكة والناس، فرفع بالفعل؛ ومثله في الكلام: عجبت من قيام زيد وعمرو؛ أي ويقوم عمرو؛ لأنه فاعل في المعنى.
وقراءة الخلق {والملائكة والناس أجمعين} بالخفض، وعليه الكتاب؛ وهي أسهل على خفض الأول). [معاني القرآن لقطرب: 260]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّار أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين} يعني: لم يتوبوا قبل موتهم من كفرهم.
{أولئك عليهم لعنة اللّه}: واللعنة هي إبعاد اللّه، وإبعاده عذابه.
وقوله عزّ وجلّ: {والملائكة والنّاس أجمعين} ا لمعنى: لعنة الملائكة , ولعنة الناس أجمعين.
فإن قال قائل: كيف يلعنه الناس أجمعون، وأهل دينه لا يلعنونه؟, قيل له: إنّهم يلعنونه في الآخرة، كما قال عزّ وجلّ:{ ثمّ يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً}
وقرأ الحسن: {أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين}: وهو جيد في العربية إلا أني أكرهه لمخالفته المصحف، والقراءة، إنما ينبغي أن يلزم فيها السنة، ولزوم السنة فيها أيضًا أقوى عند أهل العربية؛ لأن الإجماع في القراءة إنما يقع على الشيء الجيّد البالغ , ورفع الملائكة في قراءة الحسن على تأويل: أولئك جزاؤهم أن لعنهم اللّه , والملائكة، فعطف الملائكة على موضع إعراب لله في التأويل.
ويجوز على هذا: عجبت من ضرب زيد وعمرو , ومن قيامك وأخوك, المعنى: عجبت من أن ضرب زيد وعمرو , ومن أن قمت أنت وأخوك.
ومعنى {خالدين فيها} أي: في اللعنة, وخلودهم فيها: خلود في العذاب). [معاني القرآن: 1/ 235-236]

تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)}
[لا يوجد]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الآخرة 1434هـ/11-04-2013م, 09:50 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]


تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) }
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) }
[لا يوجد]


تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) }
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) }
[لا يوجد]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 04:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 04:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 04:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 04:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {إنّ الّذين يكتمون} الآية، المراد بالذين أحبار اليهود ورهبان النصارى الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم، قال الطبري: «وقد روي أن معينين منهم سألهم قوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عما في كتبهم من أمره فكتموا فنزلت»، وتتناول الآية بعد كل من كتم علما من دين الله يحتاج إلى بثه، وذلك مفسر في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار»، وهذا إذا كان لا يخاف ولا ضرر عليه في بثه.
وهذه الآية أراد أبو هريرة رضي الله عنه في قوله: «لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم حديثا»، وقد ترك أبو هريرة ذلك حين خاف فقال: «حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين: أما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم».
وهذه الآية أراد عثمان رضي الله عنه في قوله: «لأحدثنكم حديثا لولا آية في كتاب الله ما حدثتكموه»، ومن روى في كلام عثمان «لولا أنه في كتاب الله» فالمعنى غير هذا.
{والبيّنات والهدى}: أمر محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يعم بعد كل ما يكتم من خير، وقرأ طلحة بن صرف «من بعد ما بينه» على الإفراد، وفي الكتاب يراد به التوراة والإنجيل بحكم سبب الآية وأنها في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ثم يدخل القرآن مع تعميم الآية، وقد تقدم معنى اللعنة.
واختلف في اللاعنين فقال قتادة والربيع: «الملائكة والمؤمنون»، وهذا ظاهر واضح جار على مقتضى الكلام، وقال مجاهد وعكرمة: «هم الحشرات والبهائم يصيبهم الجدب بذنوب علماء السوء الكاتمين فيلعنونهم».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:«وذكروا بالواو والنون كمن يعقل لأنهم أسند إليهم فعل من يعقل، كما قال:{رأيتهم لي ساجدين}[يوسف: 4]»، وقال البراء بن عازب: «اللّاعنون كل المخلوقات ما عدا الثقلين الجن والإنس، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الكافر إذا ضرب في قبره فصاح سمعه الكل إلا الثقلين فلعنه كل سامع»، وقال ابن مسعود: «المراد بها ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن كل متلاعنين إن استحقا اللعنة وإلا انصرفت على اليهود»، وهذه الأقوال الثلاثة لا يقتضيها اللفظ ولا تثبت إلا بسند يقطع العذر). [المحرر الوجيز: 1/ 394-395]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم استثنى الله تعالى التائبين وقد تقدم معنى التوبة، {وأصلحوا}أي في أعمالهم وأقوالهم، {وبيّنوا} قال من فسر الآية على العموم: معناه بينوا توبتهم بمبرز العمل والبروع فيه، ومن فسرها على أنها في كاتمي أمر محمد قال: المعنى بينوا أمر محمد صلى الله عليه وسلم فتجيء الآية فيمن أسلم من اليهود والنصارى، وقد تقدم معنى توبة الله على عبده وأنها رجوعه به عن المعصية إلى الطاعة). [المحرر الوجيز: 1/ 395]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله جلت قدرته: {إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين (161) خالدين فيها لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون (162) وإلهكم إلهٌ واحدٌ لا إله إلاّ هو الرّحمن الرّحيم (163) إنّ في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار والفلك الّتي تجري في البحر بما ينفع النّاس وما أنزل اللّه من السّماء من ماءٍ فأحيا به الأرض بعد موتها وبثّ فيها من كلّ دابّةٍ وتصريف الرّياح والسّحاب المسخّر بين السّماء والأرض لآياتٍ لقومٍ يعقلون (164)}
قوله تعالى: {إنّ الّذين كفروا} الآية، محكمة في الذين وافوا على كفرهم، واختلف في معنى قوله والنّاس أجمعين وهم لا يلعنون أنفسهم، فقال قتادة والربيع: «المراد ب النّاس المؤمنون خاصة»، وقال أبو العالية: «معنى ذلك في الآخرة»، وذلك أن الكفرة يلعنون أنفسهم يوم القيامة، وقالت فرقة: معنى ذلك أن الكفرة يقولون في الدنيا: لعن الله الكافرين، فيلعنون أنفسهم من حيث لا يشعرون، وقرأ الحسن بن أبي الحسن: «والملائكة والناس أجمعون» بالرفع على تقدير أولئك يلعنهم الله، واللعنة في هذه الآية تقتضي العذاب، فلذلك قال خالدين فيها، والضمير عائد على اللعنة، وقيل على النار وإن كان لم يجر لها ذكر، لثبوتها في المعنى). [المحرر الوجيز: 1/ 396]

تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقالت فرقة: معنى ذلك أن الكفرة يقولون في الدنيا: لعن الله الكافرين، فيلعنون أنفسهم من حيث لا يشعرون، وقرأ الحسن بن أبي الحسن: «والملائكة والناس أجمعون» بالرفع على تقدير أولئك يلعنهم الله، واللعنة في هذه الآية تقتضي العذاب، فلذلك قال خالدين فيها، والضمير عائد على اللعنة، وقيل على النار وإن كان لم يجر لها ذكر، لثبوتها في المعنى.
ثم أعلم تعالى برفع وجوه الرفق عنهم لأن العذاب إذا لم يخفف ولم يؤخر فهو النهاية، وينظرون معناه يؤخرون عن العذاب، ويحتمل أن يكون من النظر، نحو قوله تعالى: {ولا ينظر إليهم يوم القيامة} [آل عمران: 77]، والأول أظهر، لأن النظر بالعين إنما يعدى بإلى إلا شاذا في الشعر). [المحرر الوجيز: 1/ 396-397]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 04:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 04:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّنّاه للنّاس في الكتاب أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاعنون (159) إلا الّذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التّوّاب الرّحيم (160) إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين (161) خالدين فيها لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون (162)}
هذا وعيدٌ شديدٌ لمن كتم ما جاءت به الرسل من الدّلالات البيّنة على المقاصد الصّحيحة والهدى النّافع للقلوب، من بعد ما بيّنه اللّه -تعالى -لعباده في كتبه، التي أنزلها على رسله.
قال أبو العالية: «نزلت في أهل الكتاب، كتموا صفة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ أخبر أنّهم يلعنهم كلّ شيءٍ على صنيعهم ذلك، فكما أنّ العالم يستغفر له كلّ شيءٍ، حتّى الحوت في الماء والطّير في الهواء، فهؤلاء بخلاف العلماء الّذين يكتمون فيلعنهم اللّه ويلعنهم اللّاعنون». وقد ورد في الحديث المسند من طرقٍ يشدّ بعضها بعضًا، عن أبي هريرة، وغيره: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من سئل عن علمٍ فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجامٍ من نارٍ". والذي في الصّحيح عن أبي هريرة أنّه قال: «لولا آيةٌ في كتاب اللّه ما حدثت أحدًا شيئًا: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى}» الآية.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا الحسن بن عرفة، حدّثنا عمّار بن محمّدٍ، عن ليث بن أبي سليمٍ، عن المنهال بن عمرٍو، عن زاذان أبي عمر عن البراء بن عازبٍ، قال: كنّا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في جنازةٍ، فقال: «إنّ الكافر يضرب ضربةً بين عينيه، فيسمع كلّ دابّةٍ غير الثّقلين، فتلعنه كلّ دابّةٍ سمعت صوته، فذلك قول اللّه تعالى: {أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاعنون} يعني: دوابّ الأرض».
ورواه ابن ماجه عن محمّد بن الصّبّاح عن عمّار بن محمّدٍ به.
وقال عطاء بن أبي رباحٍ: «كلّ دابّةٍ والجنّ والإنس». وقال مجاهدٌ: «إذا أجدبت الأرض قالت البهائم: هذا من أجل عصاة بني آدم، لعن اللّه عصاة بني آدم».
وقال أبو العالية، والرّبيع بن أنسٍ، وقتادة:« {ويلعنهم اللاعنون} يعني تلعنهم ملائكة اللّه، والمؤمنون».
وقد جاء في الحديث، أنّ العالم يستغفر له كلّ شيءٍ حتّى الحيتان، وجاء في هذه الآية: أنّ كاتم العلم يلعنه اللّه والملائكة والنّاس أجمعون، واللّاعنون أيضًا، وهم كلّ فصيحٍ وأعجميٍّ إمّا بلسان المقال، أو الحال، أو لو كان له عقلٌ، أو يوم القيامة، واللّه أعلم ). [تفسير ابن كثير: 1/ 472-473]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ استثنى اللّه تعالى من هؤلاء من تاب إليه فقال: {إلا الّذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا} أي: رجعوا عمّا كانوا فيه وأصلحوا أعمالهم وأحوالهم وبيّنوا للنّاس ما كانوا كتموه {فأولئك أتوب عليهم وأنا التّوّاب الرّحيم} وفي هذا دلالةٌ على أنّ الدّاعية إلى كفرٍ، أو بدعةٍ إذا تاب إلى اللّه تاب اللّه عليه.
وقد ورد أنّ الأمم السّابقة لم تكن التّوبة تقبل من مثل هؤلاء منهم، ولكنّ هذا من شريعة نبيّ التّوبة ونبيّ الرّحمة صلوات اللّه وسلامه عليه). [تفسير ابن كثير: 1/ 473]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ أخبر تعالى عمّن كفر به واستمرّ به الحال إلى مماته بأنّ {عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين * خالدين فيها}).[تفسير ابن كثير: 1/ 473] (م)

تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ أخبر تعالى عمّن كفر به واستمرّ به الحال إلى مماته بأنّ {عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين * خالدين فيها} أي: في اللّعنة التّابعة لهم إلى يوم القيامة ثمّ المصاحبة لهم في نار جهنّم التي {لا يخفّف عنهم العذاب} فيها، أي: لا ينقص عمّا هم فيه {ولا هم ينظرون} أي: لا يغيّر عنهم ساعةً واحدةً، ولا يفتّر، بل هو متواصلٌ دائمٌ، فنعوذ باللّه من ذلك.
وقال أبو العالية وقتادة: «إنّ الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه اللّه، ثمّ تلعنه الملائكة، ثمّ يلعنه النّاس أجمعون».
فصلٌ: لا خلاف في جواز لعن الكفّار، وقد كان عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، وعمن بعده من الأئمّة، يلعنون الكفرة في القنوت وغيره؛ فأمّا الكافر المعيّن، فقد ذهب جماعةٌ من العلماء إلى أنّه لا يلعن لأنّا لا ندري بما يختم له، واستدلّ بعضهم بهذه الآية: {إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين} وقالت طائفةٌ أخرى: بل يجوز لعن الكافر المعيّن. واختار ذلك الفقيه أبو بكر بن العربيّ المالكيّ، ولكنّه احتجّ بحديثٍ فيه ضعفٌ، واستدلّ غيره بقوله، عليه السّلام، في صحيح البخاريّ في قصّة الذي كان يؤتى به سكران فيحدّه، فقال رجلٌ: لعنه اللّه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا تلعنه فإنّه يحبّ اللّه ورسوله» قالوا: فعلّة المنع من لعنه؛ بأنّه يحبّ اللّه ورسوله فدلّ على أنّ من لا يحبّ اللّه ورسوله يلعن، واللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 1/ 473-474]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:46 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة