تفسير قوله تعالى: (قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {قال نوحٌ ربّ إنّهم عصوني}. يقول تعالى ذكره: قال نوحٌ: ربّ إنّ قومي عصوني فخالفوا أمري، وردّوا عليّ ما دعوتهم إليه من الهدى والرّشاد. {واتّبعوا من لم يزده ماله وولده إلاّ خسارًا}. يقول: واتّبعوا في معصيتهم إيّاي من دعاهم إلى ذلك، ممّن كثر ماله وولده، فلم تزده كثرة ماله وولده إلاّ خسارًا، بعدًا من اللّه، وذهابًا عن محجّة الطّريق.
واختلفت القرأة في قراءة قوله: {وولده} فقرأته عامّة قرأة المدينة: {وولده} بفتح الواو واللاّم، وكذلك قرءوا ذلك في جميع القرآن. وقرأ ذلك عامّة قرأة الكوفة بضمّ الواو وسكون اللاّم، وكذلك كلّ ما كان من ذكر الولد من سورة مريم إلى آخر القرآن. وقرأ أبو عمرٍو كلّ ما في القرآن من ذلك بفتح الواو واللاّم غير هذا الحرف الواحد في سورة نوحٍ، فإنّه كان يضمّ الواو منه.
والصّواب من القول عندنا في ذلك، إنّ كلّ هذه القراءات قراءاتٌ معروفاتٌ، متقاربات المعاني، فبأيّ ذلك قرأ القارئ فمصيبٌ). [جامع البيان: 23 / 301-302]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي أنه كان يقرأ {ماله وولده}.
وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن وأبي رجاء أنهما كانا يقرآن {ماله وولده}.
وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش أنه كان يقرؤها في نوح والزخرف وما بعد السجدة من مريم ولد وقال: الولد الكبير والولد الواحد). [الدر المنثور: 14 / 709-710]
تفسير قوله تعالى: (وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (والكبّار أشدّ من الكبار، وكذلك جمّالٌ وجميلٌ لأنّها أشدّ مبالغةً، وكبّارٌ الكبير، وكبارًا أيضًا بالتّخفيف، والعرب تقول: رجلٌ حسّانٌ وجمّالٌ وحسانٌ، مخفّفٌ، وجمالٌ، مخفّفٌ). [صحيح البخاري: 6 / 160]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله والكبّار أشد من الكبار وكذلك جمال وجميل لأنّها أشدّ مبالغةً وكذلك كبّارٌ الكبير وكبارٌ أيضًا بالتّخفيف قال أبو عبيدة في قوله ومكروا مكرا كبارًا قال مجازها كبيرٌ والعرب تحوّل لفظة كبيرٍ إلى فعالٍ مخفّفةٍ ثمّ يثقّلون ليكون أشدّ مبالغةً فالكبّار أشدّ من الكبار وكذا يقال للرّجل الجميل لأنّه أشدّ مبالغةً قوله والعرب تقول رجلٌ حسّانٌ وجمّالٌ وحسانٌ مخفّفٌ وجمالٌ مخفّفٌ قال الفرّاء في قوله ومكروا مكرًا كبارًا الكبّار الكبير وكبارٌ أيضًا بالتّخفيف والعرب تقول عجبٌ وعجابٌ ورجلٌ حسّانٌ وجمّالٌ بالتّثقيل وحسانٌ وجمالٌ بالتّخفيف في كثيرٍ من أشباهه). [فتح الباري: 8 / 666]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (والكبّار أشدّ من الكبار وكذلك جمّالٌ وجميلٌ لأنّها أشدّ مبالغةٍ، وكبّارٌ الكبير وكبارا أيضا بالتّخفيف. والعرب تقول: رجلٌ حسّانٌ وجمّالٌ وحسانٌ مخفّفٌ وحمال مخفف
أشار به إلى قوله عز وجل: {ومكروا مكرا كبارًا} (نوح: 22) وقال: (الكبار) يعني بالتّشديد (أشد) يعني: أبلغ في المعنى من الكبار بالتّخفيف، والكبار بالتّخفيف أبلغ معنى من الكبير. قوله: (كذلك جمال) بضم الجيم وتشديد الميم، يعني: الجمال أبلغ في المعنى من الجميل، وهو معنى قوله: (لأنّها أشد مبالغة) . قوله: (وكبار) ، يعني: بالتّشديد بمعنى الكبير وكذلك الكبار بالتّخفيف. قوله: (حسان) ، بضم الحاء وتشديد السّين، وهو أبلغ من حسان بالتّخفيف. وكذلك جمال بالتّشديد أبلغ من جمال بالتّخفيف). [عمدة القاري: 19 / 261]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (والكبار) بتشديد الموحدة (أشد) أي أبلغ في المعنى (من الكبار) بتخفيفها (وكذلك جمال) بضم الجيم وتشديد الميم (وجميل) المخفف (لأنها) يعني المشددة (أشد مبالغة) من المخففة (وكبارًا) ولأبي ذر وكذلك كبار (الكبير وكبار أيضًا بالتخفيف) فيهما وسقط وكبار أيضًا لأبي ذر (والعرب تقول رجل حسان وجمال) بضم أولهما وتشديد ثانيهما (وحسان مخفف وجمال مخفف) قاله أبو عبيدة). [إرشاد الساري: 7 / 400]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ومكروا مكرًا كبّارًا}. يقول: ومكروا مكرًا عظيمًا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى: وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {كبّارًا}. قال: عظيمًا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ومكروا مكرًا كبّارًا}. كبيرًا، كهيئة قوله: {لا يسمعون فيها لغوًا ولا كذّابًا}.
- والكبّار: هو الكبير، كما قال ابن زيدٍ، تقول العرب: أمرٌ عجيبٌ وعجابٌ بالتّخفيف، وعجّابٌ بالتّشديد؛ ورجلٌ حسانٌ وحسّانٌ، وجمالٌ وجمّالٌ بالتّخفيف والتّشديد، وكذلك كبيرٌ وكبّارٌ بالتّخفيف والتّشديد). [جامع البيان: 23 / 302]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {ومكروا مكرا كبارا} قال عظيما). [الدر المنثور: 14 / 710]
تفسير قوله تعالى: (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا قال كانت آلهة يعبدها قوم نوح ثم كانت العرب تعبدها بعد فكان ود لكلب بدومة الجندل وكان سواع لهذيل وكان يغوث لبني غطيف من مراد بالجوف وكان يعوق لهمدان وكان نسر لذي الكلاع من حمير.
عن ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس مثله إلا أنه قال صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب ثم ذكر مثل حديث قتادة). [تفسير عبد الرزاق: 2/320]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {ودًّا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق} [نوح: 23]
- حدّثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشامٌ، عن ابن جريجٍ، وقال عطاءٌ: عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، «صارت الأوثان الّتي كانت في قوم نوحٍ في العرب بعد أمّا ودٌّ كانت لكلبٍ بدومة الجندل، وأمّا سواعٌ كانت لهذيلٍ، وأمّا يغوث فكانت لمرادٍ، ثمّ لبني غطيفٍ بالجوف، عند سبإٍ، وأمّا يعوق فكانت لهمدان، وأمّا نسرٌ فكانت لحمير لآل ذي الكلاع، أسماء رجالٍ صالحين من قوم نوحٍ، فلمّا هلكوا أوحى الشّيطان إلى قومهم، أن انصبوا إلى مجالسهم الّتي كانوا يجلسون أنصابًا وسمّوها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتّى إذا هلك أولئك وتنسّخ العلم عبدت»). [صحيح البخاري: 6 / 160]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق)
سقطت هذه التّرجمة لغير أبي ذرٍّ
- قوله أخبرنا هشام هو بن يوسف الصّنعانيّ قوله عن بن جريجٍ وقال عطاءٌ كذا فيه وهو معطوفٌ على كلامٍ محذوفٍ وقد بيّنه الفاكهيّ من وجه آخر عن بن جريج قال في قوله تعالى وداولا سواعا الآية قال أوثانٌ كان قوم نوحٍ يعبدونهم وقال عطاء كان بن عبّاس الخ قوله عن بن عبّاسٍ قيل هذا منقطعٌ لأنّ عطاءً المذكور هو الخرساني ولم يلق بن عبّاسٍ فقد أخرج عبد الرّزّاق هذا الحديث في تفسيره عن بن جريج فقال أخبرني عطاء الخرساني عن بن عبّاسٍ وقال أبو مسعودٍ ثبت هذا الحديث في تفسير بن جريج عن عطاء الخرساني عن بن عبّاس وبن جريج لم يسمع التّفسير من عطاء الخرساني وإنّما أخذه من ابنه عثمان بن عطاءٍ فنظر فيه وذكر صالح بن أحمد بن حنبلٍ في العلل عن عليّ بن المدينيّ قال سألت يحيى القطّان عن حديث بن جريج عن عطاء الخرساني فقال ضعيفٌ فقلت إنّه يقول أخبرنا قال لا شيء إنّما هو كتابٌ دفعه إليه انتهى وكان بن جريجٍ يستجيز إطلاق أخبرنا في المناولة والمكاتبة وقال الإسماعيليّ أخبرت عن عليّ بن المدينيّ أنه ذكر عن تفسير بن جريجٍ كلامًا معناه أنّه كان يقول عن عطاء الخرساني عن بن عبّاس فطال على الوراق أن يكتب الخرساني في كلّ حديثٍ فتركه فرواه من روى على أنّه عطاء بن أبي رباحٍ انتهى وأشار بهذا إلى القصّة الّتي ذكرها صالح بن أحمد عن عليّ بن المدينيّ ونبّه عليها أبو عليٍّ الجيّانيّ في تقييد المهمل قال بن المدينيّ سمعت هشام بن يوسف يقول قال لي بن جريجٍ سألت عطاءً عن التّفسير من البقرة وآل عمران ثمّ قال اعفني من هذا قال قال هشامٌ فكان بعد إذا قال قال عطاء عن بن عبّاس قال عطاء الخرساني قال هشامٌ فكتبنا ثمّ مللنا يعني كتبنا الخرساني قال بن المدينيّ وإنّما بيّنت هذا لأنّ محمّد بن ثورٍ كان يجعلها يعني في روايته عن بن جريج عن عطاء عن بن عبّاسٍ فيظنّ أنّه عطاء بن أبي رباحٍ وقد أخرج الفاكهيّ الحديث المذكور من طريق محمّد بن ثور عن بن جريج عن عطاء عن بن عبّاس ولم يقل الخرساني وأخرجه عبد الرّزّاق كما تقدم فقال الخرساني وهذا ممّا استعظم على البخاريّ أن يخفى عليه لكنّ الّذي قوي عندي أنّ هذا الحديث بخصوصه عند بن جريج عن عطاء الخرساني وعن عطاء بن أبي رباحٍ جميعًا ولا يلزم من امتناع عطاء بن أبي رباحٍ من التّحديث بالتّفسير أن لا يحدّث بهذا الحديث في بابٍ آخر من الأبواب أو في المذاكرة وإلّا فكيف يخفى على البخاريّ ذلك مع تشدّده في شرط الاتّصال واعتماده غالبًا في العلل على عليّ بن المدينيّ شيخه وهو الّذي نبّه على هذه القصّة وممّا يؤيّد ذلك أنّه لم يكثر من تخريج هذه النّسخة وإنّما ذكر بهذا الإسناد موضعين هذا وآخر في النّكاح ولو كان خفي عليه لاستكثر من إخراجها لأنّ ظاهرها أنّها على شرطه قوله صارت الأوثان الّتي كانت في قوم نوحٍ في العرب بعد في رواية عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة كانت آلهةٌ تعبدها قوم نوحٍ ثمّ عبدتها العرب بعد وقال أبو عبيدة وزعموا أنّهم كانوا مجوسًا وأنّها غرقت في الطّوفان فلمّا نضب الماء عنها أخرجها إبليس فبثّها في الأرض انتهى وقوله كانوا مجوسًا غلطٌ فإنّ المجوسيّة كلمةٌ حدثت بعد ذلك بدهرٍ طويلٍ وإن كان الفرس يدّعون خلاف ذلك وذكر السّهيليّ في التّعريف أن يغوث هو بن شيث بن آدم فيما قيل وكذلك سواعٌ وما بعده وكانوا يتبرّكون بدعائهم فلمّا مات منهم أحد مثلوا صورته وتمسحوا بها إلى زمن مهلائيل فعبدوها بتدريج الشّيطان لهم ثمّ صارت سنّةً في العرب في الجاهليّة ولا أدري من أين سرت لهم تلك الأسماء من قبل الهند فقد قيل إنّهم كانوا المبدأ في عبادة الأصنام بعد نوحٍ أم الشّيطان ألهم العرب ذلك انتهى وما ذكره ممّا نقله تلقّاه من تفسير بقيّ بن مخلد فإنّه ذكر فيه نحو ذلك على ما نبه عليه بن عسكرٍ في ذيله وفيه أنّ تلك الأسماء وقعت إلى الهند فسمّوا بها أصنامهم ثمّ أدخلها إلى أرض العرب عمرو بن لحيٍّ وعن عروة بن الزّبير أنّهم كانوا أولاد آدم لصلبه وكان ودا أكبرهم وأبرّهم به وهكذا أخرجه عمر بن شبّة في كتاب مكّة من طريق محمّد بن كعبٍ القرظيّ قال كان لآدم خمس بنين فسمّاهم قال وكانوا عبّادًا فمات رجلٌ منهم فحزنوا عليه فجاء الشّيطان فصوّره لهم ثمّ قال للآخر إلى آخر القصّة وفيها فعبدوها حتّى بعث اللّه نوحًا ومن طريقٍ أخرى أنّ الّذي صوّره لهم رجلٌ من ولد قابيل بن آدم وقد أخرج الفاكهيّ من طريق بن الكلبيّ قال كان لعمرو بن ربيعة رئيٌّ من الجنّ فأتاه فقال أجب أبا ثمامة وادخل بلا ملامة ثمّ ائت سيف جدّةٍ تجد بها أصنامًا معدّةً ثمّ أوردها تهامة ولا تهب ثمّ ادع العرب إلى عبادتها تجب قال فأتى عمرٌو ساحل جدّة فوجد بها ودًّا وسواعًا ويغوث ويعوق ونسرًا وهي الأصنام الّتي عبدت على عهد نوحٍ وإدريس ثمّ إنّ الطّوفان طرحها هناك فسفى عليها الرّمل فاستثارها عمرٌو وخرج بها إلى تهامة وحضر الموسم فدعا إلى عبادتها فأجيب وعمرو بن ربيعة هو عمرو بن لحيٍّ كما تقدّم قوله أمّا ودٌّ فكانت لكلبٍ بدومة الجندل قال بن إسحاق وكان لكلب بن وبرة بن قضاعة قلت وبرة هو بن تغلب بن عمران بن الحافّ بن قضاعة ودومة بضم الدّال والجندل بفتح الجيم وسكون النّون مدينةٌ من الشّام ممّا يلي العراق وودٌّ بفتح الواو وقرأها نافعٌ وحده بضمّها وأمّا سواعٌ فكانت لهذيلٍ زاد أبو عبيدة بن مدركة بن إلياس بن مضر وكانوا بقرب مكّة وقال بن إسحاق كان سواعٌ بمكانٍ لهم يقال له رهاطٌ بضمّ الرّاء وتخفيف الهاء من أرض الحجاز من جهة السّاحل قوله وأمّا يغوث فكانت لمرادٍ ثمّ لبني غطيفٍ في مرسل قتادة فكانت لبني غطيف بن مرادٍ وهو غطيف بن عبد اللّه بن ناجية بن مراد وروى الفاكهي من طريق بن إسحاق قال كانت أنعم من طيّئٍ وجرش بن مذحجٍ اتّخذوا يغوث لجرشٍ قوله بالجرف في رواية أبي ذرٍّ عن غير الكشميهنيّ بفتح الحاء وسكون الواو وله عن الكشميهنيّ الجرف بضمّ الجيم والرّاء وكذا في مرسل قتادة وللنّسفيّ بالجون بجيمٍ ثمّ واوٍ ثمّ نونٍ زاد غير أبي ذرٍّ عند سبأٍ قوله وأما يعوق فكانت لهمدان قال أبو عبيدة لهذا الحيّ من همدان ولمراد بن مذحجٍ وروى الفاكهيّ من طريق بن إسحاق قال كانت خيوان بطنٌ من همدان اتّخذوا يعوق بأرضهم
(قوله وأمّا نسرٌ فكانت لحمير لآل ذي الكلاع)
في مرسل قتادة لذي الكلاع من حمير زاد الفاكهيّ من طريق أبي إسحاق اتّخذوه بأرض حمير قوله ونسرٌ أسماء قومٍ صالحين من قوم نوحٍ كذا لهم وسقط لفظ ونسرٌ لغير أبي ذرٍّ وهو أولى وزعم بعض الشّرّاح أنّ قوله ونسرٌ غلطٌ وكذا قرأت بخطّ الصّدفيّ في هامش نسخته ثمّ قال هذا الشّارح والصّواب وهي قلت ووقع في رواية محمّد بن ثورٍ بعد قوله وأمّا نسرٌ فكانت لآل ذي الكلاع قال ويقال هذه أسماء قومٍ صالحين وهذا أوجه الكلام وصوابه وقال بعض الشّرّاح محصّل ما قيل في هذه الأصنام قولان أحدهما أنّها كانت في قوم نوحٍ والثّاني أنّها كانت أسماء رجالٍ صالحين إلى آخر القصّة قلت بل مرجع ذلك إلى قولٍ واحدٍ وقصّة الصّالحين كانت مبتدأ عبادة قوم نوحٍ هذه الأصنام ثمّ تبعهم من بعدهم على ذلك قوله فلم تعبد حتّى إذا هلك أولئك وتنسّخ العلم كذا لهم ولأبي ذرٍّ والكشميهنيّ ونسخ العلم أي علم تلك الصّور بخصوصها وأخرج الفاكهيّ من طريق عبيد اللّه بن عبيد بن عميرٍ قال أوّل ما حدثت الأصنام على عهد نوحٍ وكانت الأبناء تبرّ الآباء فمات رجلٌ منهم فجزع عليه فجعل لا يصبر عنه فاتّخذ مثالًا على صورته فكلّما اشتاق إليه نظره ثمّ مات ففعل به كما فعل حتّى تتابعوا على ذلك فمات الآباء فقال الأبناء ما اتّخذ آباؤنا هذه إلّا أنّها كانت آلهتهم فعبدوها وحكى الواقديّ قال كان ودٌّ على صورة رجلٍ وسواعٌ على صورة امرأةٍ ويغوث على صورة أسدٍ ويعوق على صورة فرسٍ ونسرٌ على صورة طائرٍ وهذا شاذٌّ والمشهور أنّهم كانوا على صورة البشر وهو مقتضى ما تقدّم من الآثار في سبب عبادتها واللّه أعلم). [فتح الباري: 8 / 667-669]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {ودّا ولا سوّاعا ولا يغوث ويعوق ونسرا} )
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودّوالا سواعا} (نوح: 32) الآية. ولم تثبت هذه التّرجمة إلاّ لأبي ذر وحده، وعن محمّد بن كعب كان لآدم عليه الصّلاة والسّلام، خمس بنين. ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر فمات رجل منهم فحزنوا عليه. فقال الشّيطان: أنا أصور لكم مثله إذا نظرتم إليه ذكرتموه. قالوا افعل، فصوره في المسجد من صفر ورصاص ثمّ مات آخر وصوره حتّى ماتوا كلهم وتنغصت الأشياء إلى أن تركوا عبادة الله بعد حين، فقال الشّيطان للنّاس: ما لكم لا تعبدون إلاهكم وإلاه آبائكم ألا ترونها في مصلاكم؟ فعبدوها من دون الله حتّى بعث الله، عز وجل، نوحًا عليه الصّلاة والسّلام وقال السّهيلي: يغوث هو ابن شيث، عليه الصّلاة والسّلام، وابتداء عبادتهم من زمن مهلائيل بن قينان، وفي (كتاب العين) ود بفتح الواو صنم كان لقوم نوح عليه الصّلاة والسّلام، وبضمّها صنم لقريش، وبه سمي عمرو بن عبد ود، وقراءة نافع بالضّمّ والباقون بالفتح، وقال الماورديّ: هو أول صنم معبود وسمي ودا لودهم له، وكان بعد قوم نوح، عليه الصّلاة والسّلام، لكلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وكان بدومة الجندل، وسواع كان على صورة امرأة، وكان لهذيل بن مدركة بن الياس بن مضر برهاط موضع بقرب مكّة شرفها الله بساحل البحر، ويغوث كان لمراد ثمّ لبني غطيف بالجوف من أرض اليمن على ما نذكره في الحديث.
- حدّثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشامٌ عن ابن جريجٍ وقال عطاءٌ عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما صارت الأوثان الّتي كانت في قوم نوحٍ في العرب بعد أمّا ود فكانت لكلبٍ بدومة الجندل وأمّا صواغٌ فكانت لهذيلٍ وأمّا يغوث فكانت لموادٍ ثمّ لبني غطيفٍ بالجوف عند صبا وأمّا يعوق فكانت لهمدان وأمّا نسرٌ فكانت لحمير لآل ذي الكلاع أسماء رجالٍ صالحين من قوم نوحٍ فلمّا هلكوا أوحى الشّيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم الّتي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتّى إذا هلك أولئك وتنسّخ العلم عبدت.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وهشام هو ابن يوسف الصّنعانيّ، وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وعطاء هو الخراساني، وليس بعطاء بن أبي رباح ولا بعطاء بن يسار. قاله الغساني، وقال ابن جريج: أخذه من كتاب عطاء لا من السماع منه ولهذا قيل: إنّه منقطع لأن عطاء الخراساني لم يلق ابن عبّاس، وقال أبو مسعود: ظن البخاريّ أنه ابن أبي رباح وابن جريج لم يسمع التّفسير من الخراساني، وإنّما أخذ الكتاب من ابنه ونظر فيه، وروى عن صالح بن أحمد عن ابن المدينيّ، قال: سألت يحيى بن سعيد عن أحاديث ابن جريج عن عطاء الخراساني، فقال: ضعيف. فقلت: ليحيى: إنّه كان يقول أخبرنا. قال: لا شيء كله ضعيف إنّما هو كتاب دفعه إليه ابنه، وقيل: في معاضدة البخاريّ في هذا، إنّه بخصوصه عند ابن جريج عن عطاء الخراساني، وعن عطاء بن أبي رباح جميعًا ولا يخفى على البخاريّ ذلك مع تشدده في شرط الاتّصال واعتماده عليه، ويؤيّد هذا إنّه لم يكثر من تخريج هذا وإنّما ذكره بهذا الإسناد في موضعين هذا والآخر في النّكاح، ولو كان يخفى عليه ذلك لاستكثر من إخراجه لأن ظاهره على شرطه. انتهى. قلت: فيه نظر لا يخفى لأن تشدده في شرط الاتّصال لا يستلزم عدم الخفاء عليه أصلا فسبحان من لا يخفى عليه شيء وقوله: على ظاهره. على شرطه ليس بصحيح لأن الخراساني من أفراد مسلم كما ذكر في موضعه.
قوله: (الأوثان) ، جمع وثن وفي (المغرب) الوثن ما له جثة من خشب أو حجر أو فضّة أو جوهر ينحت، وكانت العرب تنصب الأوثان وتعبدها. قوله: (في العرب بعد) ، بضم الدّال أي: بعد كون الأوثان في قوم نوح، عليه الصّلاة والسّلام، كانت في العرب، وروى عبد الرّزّاق عن معمر عن قتادة كانت الأوثان آلهة يعبدها قوم نوح، عليه الصّلاة والسّلام، ثمّ عبدتها العرب بعد، وعن أبي عبيدة: زعموا أنهم كانوا مجوسا وأنّها غرقت في الطوفان فلمّا نصب الماء عنها أخرجها إبليس، عليه اللّعنة فبثها في الأرض قبل قوله: كانوا مجوسا غير صحيح لأن المجوسيّة نخلة ظهرت بعد ذلك بدهر طويل. قوله: (أما ود) ، شرع في تفصيل هذه الأوثان وبيانها. قوله: أما، بكلمة التّفصيل. قوله: (لكلب) ، وقد ذكرنا عن قريب أن كلبا هو ابن وبرة بن تغلب. قوله: (بدومة الجندل) ، بضم الدّال والجندل بفتح الجيم وسكون النّون مدينة من الشّام ممّا يلي العراق ويقال: بين المدينة والشّام، والعراق وفيها اجتمع الحكمان. قوله: (لهذيل) مصغر الهذل قبيلة وهو ابن مدركة بن الياس بن مضر. قوله: (لمراد) ، بضم الميم وتخفيف الرّاء المهملة أبو قبيلة من اليمن. قوله: (ثمّ لبني غطيف) بضم الغين المعجمة وفتح الطّاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره فاء، وهو بطن من مراد وهو: غطيف بن عبد الله بن ناجية بن مراد. قوله: (بالجوف) ، بفتح الجيم وسكون الواو وبالفاء، وهو المطمئن من الأرض، وقيل: هو واد باليمن، وفي رواية أبي ذر عن غير الكشميهني بفتح الحاء المهملة وسكون الواو، وفي رواية له عن الكشميهني بالجرف بضم الجيم والرّاء، وقال ياقوت: ورواية الحميدي بالراء، وفي رواية النّسفيّ بالجون بالجيم والواو والنّون. وقال أبو عثمان، رأيته كان من رصاص على صورة أسد. قوله: (عند سبأ) ، هذا في رواية غير أبي ذر. وقال ابن الأثير: سبأ اسم مدينة بلقيس، وقيل: هو اسم رجل ولد منه عامّة قبائل اليمن، وكذا جاء مفسرًا في الحديث، وسميت المدينة به قوله: (لهمدان) ، بسكون الميم وإهمال الدّال قبيلة، وأما مدينة همدان الّتي هي مدينة من بلاد عراق العجم فهي بفتح الميم والذال المعجمة. قوله: (لحمير) ، بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وفتح الياء آخر الحروف، أبو قبيلة. قوله: (لآل ذي كلاع) ، بفتح الكاف وتخفيف اللّام وبالعين المهملة وهو اسم ملك من ملوك اليمن. قوله: (أسماء رجال) أي: هذه الخمسة أسماء رجال صالحين قاله الكرماني، وقدر مبتدأ محذوفا. وهو قوله: هذه الخمسة، ويكون ارتفاع: أسماء رجال على الخبرية. قال: ويروى ونسر، أسما ثمّ قال والمراد: نسر وإخواته أسماء رجال صالحين، وقيل: وسقط لفظ: ونسر، لغير أبي ذر. قوله: (فلمّا هلكوا) أي: فلمّا مات الصالحون، وكان مبدأ عبادة قوم نوح، عليه الصّلاة والسّلام، هذه الأصنام بعد هلاكهم ثمّ تبعهم من بعدهم على ذلك. قوله: (أنصابا) جمع النصب وهو ما ينصب لغرض كالعبادة. قوله: (وسموها) أي: هذه الأصنام بأسماء الصّالحين المذكورين. قوله: (فلم تعبد) هذه الأصنام حتّى إذا هلك أولئك الصالحون. قوله: (وتنسخ) بلفظ الماضي من التفعيل أي تغير علمهم بصورة الحال وزالت معرفتهم بذلك، وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني، ونسخ العلم فحينئذٍ عبدت على صيغة المجهول، وحاصل المعنى، أنهم لما ماتوا وتغيرت صورة الحال وزالت معرفتهم جعلوها معابيد بعد ذلك). [عمدة القاري: 19 / 261-263]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {ودًّا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({ودًّا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق}) [نوح: 23] ضم واو ودًّا نافع وفتحها غيره ونون يغوثًا ويعوقًا المطوعي للتناسب ومنع صرفهما الباقون للعلمية والمعجمة أو للعلمية والوزن إن كانا عربيين وثبت الباب وتأليه لأبي ذر.
- حدّثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشامٌ عن ابن جريجٍ وقال عطاءٌ عن ابن عبّاسٍ -رضي الله عنهما-: صارت الأوثان الّتي كانت في قوم نوحٍ في العرب بعد، أمّا ودٌّ كانت لكلبٍ بدومة الجندل، وأمّا سواعٌ كانت لهذيلٍ، وأمّا يغوث فكانت لمرادٍ، ثمّ لبني غطيفٍ بالجرف عند سبأ. وأمّا يعوق فكانت لهمدان. وأمّا نسرٌ فكانت لحمير، لآل ذي الكلاع، أسماء رجالٍ صالحين من قوم نوحٍ. فلمّا هلكوا أوحى الشّيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم الّتي كانوا يجلسون أنصابًا وسمّوها بأسمائهم ففعلوا. فلم تعبد، حتّى إذا هلك أولئك وتنسّخ العلم عبدت.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني الإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (عن ابن جريح) عبد الملك بن عبد العزيز (وقال عطاء) هو الخراساني وهو معطوف على محذوف بينه الفاكهاني من وجه آخر عن ابن جريج قال في قوله تعالى: {ودًّا ولا سواعًا} [نوح: 23] الآية. قال أوثان كان قوم نوح يعبدونها وقال عطاء (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) لكن عطاء لم يسمع من ابن عباس وابن جريج لم يسمع التفسير من عطاء الخراساني إنما أخذ الكتاب من ابنه عثمان فنظر فيه لكن البخاري ما أخرجه إلا أنه من رواية عطاء بن أبي رباح لأن الخراساني ليس على شرطه ولقائل أن يقول هذا ليس بقاطع في أن عطاء المذكور هو الخراساني فيحتمل أن يكون هذا الحديث عند ابن جريج عن الخراساني وابن أبي رباح جميعًا قال في المقدمة وهذا جواب إقناعي وهذا عندي من المواضع العقيمة عن الجواب السديد ولا بد للجواد من كبوة (صارت الأوثان) بالمثلثة جمع وثن (التي كانت في قوم نوح) يعبدونها (في العرب بعد) فعبدوها وكانت غرقت في الطوفان فلما نضب الماء عنها أخرجها إبليس فبثها في الأرض (أما ودّ كانت لكلب) هو ابن وبرة من قضاعة (بدومة الجندل) بفتح الدال من دومة ولأبي ذر دومة بضمها والجندل بفتح الجيم وسكون النون مدينة من الشام مما يلي العراق (وأما سواع كانت لهذيل) بضم الهاء وفتح الذال المعجمة مصغرًا ابن مدركة بن إلياس بن مضر وكانوا بقرب مكة (وأما يغوث فكانت) بالفاء قبل الكاف (لمراد) بضم الميم وتخفيف الراء أبي قبيلة من اليمن (ثم لبني غطيف) بضم الغين المعجمة وفتح الطاء المهملة وبعد التحتية الساكنة فاء مصغرًا بطن من مراد (بالجوف) بفتح الجيم وبعد الواو فاء المطمئن من الأرض أو واد باليمن ولأبي ذر عن الكشميهني بالجرف بالراء المضمومة بدل الواو وضم الجيم (عند سبأ) مدينة بلقيس وسقط عند سبأ لأبي ذر (وأما يعوق فكانت لهمدان) بسكون الميم وبالدال المهملة قبيلة (وأما نسر فكانت لحمير) بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وبعد التحتية المفتوحة راء (لآل ذي الكلاع) بفتح الكاف آخره عين مهملة اسم ملك من ملوك اليمن (أسماء رجال) أي هذه الخمسة أسماء رجال ولأبي ذر ونسر أسماء رجال أي نسر وأخواته أسماء رجال (صالحين من قوم نوح فلما هلكوا) أي الرجال الصالحون (أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا) بكسر الصاد المهملة (إلى مجالسهم التي كانوا
يجلسون) فيها (أنصابًا) جمع نصب ما نصب لغرض (وسموها بأسمائهم ففعلوا) ذلك (فلم تعبد) تلك الأنصاب (حتى إذا هلك أولئك) الذين نصبوها (وتنسخ) بفتح الفوقية والنون والمهملة المشدّدة والخاء المعجمة من تفعل أي تغير (العلم) بها وزالت المعرفة بحالها ولأبي ذر عن الكشميهني ونسخ بنون مضمومة فمهملة مكسورة مبنيًّا للمفعول (عبدت) بعد ذلك). [إرشاد الساري: 7 / 401]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (قوله: (أسماء رجال صالحين من قوم نوح) الظاهر أن المراد ممن تقدم من آبائهم، والله تعالى أعلم اهـ سندي). [حاشية السندي على البخاري: 3 / 76]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى {وقالوا لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ ودًّا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق ونسرًا (23) وقد أضلّوا كثيرًا ولا تزد الظّالمين إلاّ ضلالاً}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن إخبار نوحٍ، عن قومه: {وقالوا لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ ودًّا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق ونسرًا}. كان هؤلاء نفرًا من بني آدم فيما ذكر عن آلهة القوم الّذين كانوا يعبدونها.
وكان من خبرهم فيما بلغنا ما:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن موسى، عن محمّد بن قيسٍ، {ويعوق ونسرًا}. قال: كانوا قومًا صالحين من بنى آدم، وكان لهم أتباعٌ يقتدون بهم، فلمّا ماتوا قال أصحابهم الّذين كانوا يقتدون بهم: لو صوّرناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوّروهم، فلمّا ماتوا، وجاء آخرون دبّ إليهم إبليس، فقال: إنّما كانوا يعبدونهم، وبهم يسقون المطر فعبدوهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرمة، قال: كان بين آدم ونوحٍ عشرة قرونٍ، كلّهم على الإسلام.
وقال آخرون: هذه أسماء أصنام قوم نوحٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ ودًّا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق ونسرًا}. قال: كان ودٌّ لهذا الحيّ من كلبٍ بدومة الجندل، وكان سواعٌ لهذيلٍ برهاطٍ، وكان يغوث لبني غطيفٍ من مرادٍ بالجوف من سبأٍ، وكان يعوق لهمدان ببلخٍ، وكان نسرٌ لذي كلاعٍ من حميرٍ؛ قال: وكانت هذه الآلهة يعبدها قوم نوحٍ، ثمّ اتّخذها العرب بعد ذلك. واللّه ما عدا خشبةً أو طينةً أو حجرًا.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ ودًّا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق ونسرًا}. قال: كانت آلهةً يعبدها قوم نوحٍ، ثمّ عبدتها العرب بعد ذلك، قال: فكان ودٌّ لكلبٍ بدومة الجندل، وكان سواعٌ لهذيلٍ، وكان يغوث لبني غطيفٍ من مرادٍ بالجوف، وكان يعوق لهمدان، وكان نسرٌ لذي الكلاع من حميرٍ.
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ ودًّا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق ونسرًا}. قال: هذه أصنامٌ كانت تعبد في زمان نوحٍ.
- حدّثت، عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {ولا يغوث ويعوق ونسرًا}. قال: هذه أصنامٌ، وكانت تعبد في زمان نوحٍ.
- حدّثت، عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {ولا يغوث ويعوق ونسرًا}: هي آلهةٌ كانت تكون باليمن.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولا يغوث ويعوق ونسرًا}. قال: هذه آلهتهم الّتي يعبدون.
واختلفت القرأة في قراءة قوله: {ودًّا} فقرأته عامّة قرأة المدينة: ودًّا بضمّ الواو. وقرأته عامّة قرأة الكوفة والبصرة: {ودًّا} بفتح الواو.
والصّواب من القول في ذلك عندنا أنّهما قراءتان معروفتان في قرّاء الأمصار، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ). [جامع البيان: 23 / 303-305]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ) ابن عباس - رضي الله عنهما -: قال: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد أمّا «ودّ» فكانت لكلبٍ بدومة الجندل، وأما «سواعٌ» فكانت لهذيل، وأما «يغوث» فكانت لمراد، ثم صارت لبني غطيفٍ بالجرف عند سبأ، وأمّا «يعوق» فكانت لهمدان، وأمّا «نسرٌ» فلحمير، لآل ذي الكلاع، وكلّها أسماء رجالٍ صالحين من قوم نوحٍ، فلّما هلكوا أوحى الشّيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً، وسمّوها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك، وتنسّخ العلم عبدت. أخرجه البخاري.
[شرح الغريب]
(أنصاباً) الأنصاب: الأصنام، وقيل: أحجار كانوا ينصبونها ويذبحون عليها لآلهتهم الذبائح). [جامع الأصول: 2 / 413-414]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس {ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا} قال: هذه أصنام كانت تعبد في زمن نوح.
وأخرج البخاري، وابن المنذر، وابن مرديه عن ابن عباس قال: صارت الأصنام والأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل وأما سواع فكانت لهذيل وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف عند سبأ وأما يعوق فكانت لهمدان وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع وكانوا أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذ هلك أولئك ونسخ العلم عبدت.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة قال: اشتكى آدم عليه السلام وعنده بنوه ود ويغوث ويعوق وسراع ونسر وكان ود أكبرهم وأبرهم به.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه عن أبي عثمان قال: رأيت يغوث صنما من رصاص يحمل على جمل أجرد فإذا برك قالوا: قد رضي ربكم هذا المنزل.
وأخرج الفاكهي عن عبيد الله بن عبيد بن عمير قال: أول ما حدثت الأصنام على عهد نوح وكانت الأبناء تبر الآباء فمات رجل منهم فجزع عليه فجعل لا يصبر عنه فاتخذ مثالا على صورته فكلما اشتاق إليه نظره ثم مات ففعل به كما فعل ثم تتابعوا على ذلك فمات الآباء فقال الأبناء: ما اتخذ هذه آباؤنا إلا أنها كانت آلهتهم فعبدوها.
وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن كعب رضي الله عنه في قوله: {ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا} قال: كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح فنشأ قوم بعدهم يأخذون كأخذهم في العبادة فقال لهم ابليس: لو صورتم صورهم فكنتم تنظرون إليهم فصوروا ثم ماتوا فنشأ قوم بعدهم فقال لهم ابليس: إن الذين كانوا من قبلكم كانوا يعبدوها.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن محمد بن كعب القرظي قال: كان لآدم خمسة بنين ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر فكانوا عبادا فمات رجل منهم فحزنوا عليه حزنا شديدا فجاءهم الشيطان فقال: حزنتم على صاحبكم هذا قالوا: نعم قال: هل لكم أن أصور لكم مثله في قبلتكم إذا نظرتم إليه ذكرتموه قالوا: لا نكره أن تجعل لنا في قبلتنا شيئا نصلي إليه، فأجعله في مؤخر المسجد، قالوا: نعم فصوره لهم حتى مات خمستهم فصور صورهم في مؤخر المسجد [ ].
وأخرج الأشياء حتى تركوا عبادة الله وعبدوا هؤلاء فبعث الله نوحا فقالوا: {ولا تذرن ودا} إلى آخر الآية.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي مطهر قال: ذكروا عند أبي جعفر يزيد بن المهلب فقال: إما أنه قتل في أول أرض عبد فيها غير الله ثم ذكر ودا قال: وكان ود رجلا مسلما وكان محببا في قومه فلما مات عسكروا حول قبره في أرض بابل وجزعوا عليه فلما رأى أبليس جزعهم عليه تشبه في صورة إنسان ثم قال: أرى جزعكم على هذا فهل لكم أن أصور لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه به قالوا: نعم فصور لهم مثله فوضعوه في ناديهم وجعلوا يذكرونه فلما رأى ما بهم من ذكره قال: هل لكم أن أجعل لكم في منزل كل رجل منكم تمثالا مثله فيكون في بيته فتذكرونه قالوا: نعم فصور لكل أهل بيت تمثالا مثله فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به قال: وأدرك أبناؤهم فجعلوا يرون ما يصنعون به وتناسلوا ودرس أمر
ذكرهم إياه حتى اتخذواه إلها يعبدونه من دون الله، قال: وكان أول ما عبد غير الله في الأرض ود الصنم الذي سموه بود.
وأخرج عبد بن حميد عن السدي سمع مرة يقول في قول الله: {ولا يغوث ويعوق ونسرا} قال: أسماء آلهتهم.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {وولده} بنصب الواو {ولا تذرن ودا} بنصب الواو {ولا سواعا} برفع السين). [الدر المنثور: 14 / 710-713]
تفسير قوله تعالى: (وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وقد أضلّوا كثيرًا}. يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل نوحٍ: وقد ضلّ بعبادة هذه الأصنام الّتي أحدثت على صور هؤلاء النّفر المسمّين في هذا الموضع كثيرٌ من النّاس فنسب الضّلاّل إذ ضلّ بها عابدوها إلى أنّها المضلّة.
وقوله: {ولا تزد الظّالمين إلاّ ضلالاً}. يقول: ولا تزد الظّالمين أنفسهم بكفرهم بآياتنا إلاّ ضلالاً، إلاّ طبعًا على قلبه، حتّى لا يهتدي للحقّ). [جامع البيان: 23 / 305]
تفسير قوله تعالى: (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ممّا خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارًا فلم يجدوا لهم من دون اللّه أنصارًا (25) وقال نوحٌ ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارًا}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {ممّا خطيئاتهم} من خطيئاتهم أغرقوا.
والعرب تجعل (ما) صلةً فيما نوى به مذهب الجزاء، كما يقال: أينما تكن أكن، وحيثما تجلس أجلس، ومعنى الكلام: من خطيئاتهم ما أغرقوا.
وكان ابن زيدٍ يقول في ذلك ما:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ممّا خطيئاتهم}. قال: فبخطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارًا.
وكانت الباء هاهنا فصلاً في كلام العرب.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، قوله: {ممّا خطيئاتهم أغرقوا}. قال: بخطيئاتهم أغرقوا.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ممّا خطيئاتهم} فقرأته عامّة قرّاء الأمصار غير أبي عمرٍو {ممّا خطيئاتهم} بالهمز والتّاء، وقرأ ذلك أبو عمرٍو: (ممّا خطاياهم) بالألف بغير همزٍ.
والقول عندنا أنّهما قراءتان معروفتان، فبأيّتهما قرأ القارئ فهو مصيبٌ.
وقوله: {فأدخلوا نارًا}. جهنّم فلم يجدوا لهم من دون اللّه أنصارًا تقتصّ لهم ممّن فعل ذلك بهم، ولا تحول بينهم وبين ما فعل بهم). [جامع البيان: 23 / 306]
تفسير قوله تعالى: (وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر قال تلا قتادة لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا فقال أما والله ما دعا بها حتى أوحى الله إليه إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ثم دعا دعوة عامة رب اغفر لي ولولدي حتى بلغ تبارا). [تفسير عبد الرزاق: 2/320]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({ديّارًا} [نوح: 26] : من دورٍ، ولكنّه فيعالٌ من الدّوران " كما قرأ عمر: " الحيّ القيّام: وهي من قمت " وقال غيره: {ديّارًا} [نوح: 26] : «أحدًا»). [صحيح البخاري: 6 / 160]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله ديّارًا من دورٍ ولكنّه فيعالٌ من الدّوران أي أصله ديوارٌ فأدغم ولو كان أصله فعّالًا لكان دوّارًا وهذا كلام الفرّاء بلفظه وقال غيره أصل ديّارٍ دوّارٌ والواو إذا وقعت بعد تحتانيّةٍ ساكنةٍ بعدها فتحةٌ قلبت ياءً مثل أيّامٍ وقيامٍ قوله كما قرأ عمر الحيّ القيّام وهي من قمت هو من كلام الفرّاء أيضًا وقد أخرج أبو عبيدة في فضائل القرآن من طريق يحيى بن عبد الرّحمن بن حاطبٍ عن أبيه عن عمر أنّه صلّى العشاء الآخرة فاستفتح آل عمران فقرأ اللّه لا إله إلّا هو الحيّ القيام وأخرج بن أبي داود في المصاحف من طرقٍ عن عمر أنه قرأها كذلك وأخرجها عن بن مسعودٍ أيضًا قوله وقال غيره ديّارًا أحدًا هو قول أبي عبيدة وزاد يقولون ليس بها ديّارٌ ولا عريبٌ تنبيهٌ لم يتقدّم ذكر من يعطف عليه قوله وقال غيره فيحتمل أن يكون كان في الأصل منسوبًا لقائلٍ فحذف اختصارًا من بعض النّقلة وقد عرفت أنّه الفرّاء). [فتح الباري: 8 / 666]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (ديّارا من دورٍ ولاكنّه فيعالٌ من الدّوران كما قرأ عمر الحي القيّام. وهي منّ قمت وقال غيره: ديّارا أحدا
أشار به إلى قوله تعالى: {ورب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا} (نوح: 62) واشتقاقه من دور، ووزنه: فيعال، لأن أصله ديوان فأبدلت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، ولا يقال: وزنه فعال. لأنّه لو قيل: دوار، كان يقال: فعال قوله: كما قرأ عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه الحيّ القيام، ذكر هذا نظيرا للديار لأن أصله قوام فلا يقال: وزنه فعال. بل يقال: فيعال، كما في الديار. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قرأها كذلك، وذكر عن ابن مسعود أيضا قوله: وقال غيره: هذا يقتضي تقدم أحد سقط من بعض النقلة وإلّا لا يستقيم المعنى على ما لا يخفى، ونسب إلى هذا الغير أن ديارًا يأتي بمعنى أحد والمعنى: لا تذر على الأرض من الكافرين أحدا، وقد أشار الثّعلبيّ إلى هذا المعنى حيث قال: ديارًا أحدا يدور في الأرض فيذهب ويجيء، وكذلك ذكره النّسفيّ في (تفسيره) ). [عمدة القاري: 19 / 261]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (ديارًا) مشتق (من دور) بفتح الدال وسكون الواو (ولكنه فيعال) بفتح الفاء وسكون التحتية (من الدوران) لأن أصله ديوار فأبدلت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء ولو كان فعالًا بتشديد العين لكان دوّارًا (كما قرأ عمر) بن الخطاب (الحي القيام وهي من قمت) لأن أصله قيوام فلا يقال وزنه فعال بل فيعال كما في الديار (وقال غيره) لم يتقدم ذكر أحد فيعطف عليه ولعله سقط من ناسخ (ديارًا أحدًا) قاله أبو عبيدة). [إرشاد الساري: 7 / 400]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وقال نوحٌ ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارًا}. يقول تعالى ذكره: وقال نوحٌ ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارًا، ويعني بالدّيّار: من يدور في الأرض، فيذهب ويجيء فيها وهو فيعالٌ من الدّوران (ديوارًا)، اجتمعت الياء والواو، فسبقت الياء الواو وهي ساكنةٌ، وأدغمت الواو فيها، وصيّرتا ياءً مشدّدةً، كما قيل: الحيّ القيام من قمتٍ، وإنّما هو قيوامٌ: والعرب تقول: ما بها ديّارٌ ولا عريبٌ، ولا دويٌّ ولا صافرٌ، ولا نافخ ضرمةٍ، يعني بذلك كلّه: ما بها أحدٌ). [جامع البيان: 23 / 307]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن أبي أمامة قال: لم ينحسر أحد من الخلائق كحسرة آدم ونوح فأما حسرة آدم فحين أخرج من الجنة وأما حسرة نوح فحين دعا على قومه فلم يبق شيء إلا غرق إلا ما كان معه في السفينة فلما رأى الله حزنه أوحى إليه يا نوح لا تتحسر فإن دعوتك وافقت قدري.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} قال: واحدا.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} قال: أما والله ما دعا عليهم نوح حتى أوحى الله إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فعند ذلك دعا عليهم ثم دعا دعوة عامة فقال: {رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا}). [الدر المنثور: 14 / 713-714]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّك إن تذرهم يضلّوا عبادك ولا يلدوا إلاّ فاجرًا كفّارًا (27) ربّ اغفر لي ولوالديّ ولمن دخل بيتي مؤمنًا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظّالمين إلاّ تبارًا}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل نوحٍ في دعائه إيّاه على قومه: إنّك يا ربّ إن تذر الكافرين أحياءً على الأرض، ولم تهلكهم بعذابٍ من عندك يضلّوا عبادك الّذين قد آمنوا بك، فيصدّوهم عن سبيلك، ولا يلدوا إلاّ فاجرًا في دينك كفّارًا لنعمتك.
وذكر أنّ قيل نوحٌ هذا القول ودعاءه هذا الدّعاء، كان بعد أن أوحى إليه ربّه: {أنّه لن يؤمن من قومك إلاّ من قد آمن}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارًا}. أما واللّه ما دعا عليهم حتّى أتاه الوحي من السّماء أنّه لا يؤمن من قومك إلاّ من قد آمن، فعند ذلك دعا عليهم نبيّ اللّه نوحٍ فقال: {ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارًا إنّك إن تذرهم يضلّوا عبادك ولا يلدوا إلاّ فاجرًا كفّارًا}. ثمّ دعاه دعوةً عامّةً فقال: {ربّ اغفر لي ولوالديّ ولمن دخل بيتي مؤمنًا وللمؤمنين والمؤمنات} إلى قوله: {تبارًا}.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، قال: تلا قتادة {لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارًا} ثمّ ذكره نحوه). [جامع البيان: 23 / 307-308]
تفسير قوله تعالى: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر قال تلا قتادة لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا فقال أما والله ما دعا بها حتى أوحى الله إليه إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ثم دعا دعوة عامة رب اغفر لي ولولدي حتى بلغ تبارا). [تفسير عبد الرزاق: 2/320] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الأعمش عن مجاهد قال كانوا يضربون نوحا حتى يغشى عليه فإذا أفاق قال رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون). [تفسير عبد الرزاق: 2/320]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({تبارًا} [نوح: 28] : «هلاكًا»). [صحيح البخاري: 6 / 160]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تبارًا هلاكًا هو قول أبي عبيدة أيضًا). [فتح الباري: 8 / 666]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (تبارا هلاكًا
أشار به إلى قوله تعالى: {ولا تزد الظّالمين إلاّ تبارا} (نوح: 82) وفسّر التيار بالهلاك، وفسره الثّعلبيّ بالدمار). [عمدة القاري: 19 / 261]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (تبارًا هلاكًا) قاله أبو عبيدة أيضًا). [إرشاد الساري: 7 / 400]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ربّ اغفر لي ولوالديّ}. يقول: ربّ اعف عنّي، واستر عليّ ذنوبي وعلى والديّ. {ولمن دخل بيتي مؤمنًا}. يقول: ولمن دخل مسجدي ومصلاّي مصلّيًا مؤمنًا، يقول: مصدّقًا بواجب فرضك عليه.
وبنحو الّذي قلنا في معنى قوله: {ولمن دخل بيتي مؤمنًا}. قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن آدم، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي سنانٍ، عن ثابتٍ، عن الضّحّاك، {ولمن دخل بيتي مؤمنًا}. قال: مسجدي.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن أبي سلمة، عن أبي سنانٍ سعيدٍ، عن الضّحّاك مثله.
وقوله: {وللمؤمنين والمؤمنات}. يقول: وللمصدّقين بتوحيدك والمصدّقات.
وقوله: {ولا تزد الظّالمين إلاّ تبارًا}. يقول: ولا تزد الظّالمين أنفسهم بكفرهم إلاّ خسارًا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {إلاّ تبارًا}. قال: خسارًا.
وقد بيّنت معنى قول القائل: تبّرت، فيما مضى بشواهده، وذكرت أقوال أهل التّأويل فيه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، قال: قال معمرٌ: حدّثنا الأعمش، عن مجاهدٍ، قال: كانوا يضربون نوحًا حتّى يغشى عليه، فإذا أفاق قال: ربّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون). [جامع البيان: 23 / 308-309]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} قال: أما والله ما دعا عليهم نوح حتى أوحى الله إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فعند ذلك دعا عليهم ثم دعا دعوة عامة فقال: {رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا}). [الدر المنثور: 14 / 714] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {رب اغفر لي ولوالدي} قال: يعني أباه وجده.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله: {ولمن دخل بيتي مؤمنا} قال: مسجدي.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {ولا تزد الظالمين إلا تبارا} قال: خسارا). [الدر المنثور: 14 / 714]