تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين تدعون من دون اللّه عبادٌ أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين}.
يقول جلّ ثناؤه لهؤلاء المشركين من عبدة الأوثان موبّخهم على عبادتهم ما لا يضرّهم ولا ينفعهم من الأصنام: إنّ الّذين تدعون أيّها المشركون آلهةً من دون اللّه، وتعبدونها شركًا منكم وكفرًا باللّه، {عبادٌ أمثالكم}؛ يقول: هم أملاكٌ لربّكم، كما أنتم له مماليك. فإن كنتم صادقين أنّها تضرّ وتنفع وأنّها تستوجب منكم العبادة لنفعها إيّاكم، فليستجيبوا لدعائكم إذا دعوتموهم، فإن لم يستجيبوا لكم لأنّها لا تسمع دعاءكم، فأيقنوا بأنّها لا تنفع ولا تضرّ؛ لأنّ الضّرّ والنّفع إنّما يكونان ممّن إذا سئل سمع مسألة سائلٍ وأعطى وأفضل، ومن إذا شكي إليه من شيءٍ سمع فضرّ من استحقّ العقوبة ونفع من لا يستوجب الضّرّ). [جامع البيان: 10/ 635]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({إنّ الّذين تدعون من دون اللّه عبادٌ أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين (194)}
قوله تعالى: {إنّ الّذين تدعون من دون اللّه عبادٌ أمثالكم}؛
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا يحيى بن يمانٍ، عن أشعث بن إسحاق القمّيّ عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ قال: يجاء بالشّمس والقمر يوم القيامة حتّى يلقيان بين يدي اللّه، ويجاء بمن كان يعبدهما فيقال: {فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين}). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1636]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: يجاء بالشمس والقمر حتى يلقيان بين يدي الله ويجاء بمن كان يعبدهما فيقال: {فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين}). [الدر المنثور: 6/ 706-707]
تفسير قوله تعالى: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ألهم أرجلٌ يمشون بها أم لهم أيدٍ يبطشون بها أم لهم أعينٌ يبصرون بها أم لهم آذانٌ يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثمّ كيدون فلا تنظرون}.
يقول تعالى ذكره لهؤلاء الّذين عبدوا الأصنام من دونه معرّفهم جهل ما هم عليه مقيمون: ألأصنامكم هذه أيّها القوم {أرجلٌ يمشون بها} فيسعون معكم ولكم في حوائجكم ويتصرّفون بها في منافعكم.
{أم لهم أيدٍ يبطشون بها}؛ فيدفعون عنكم وينصرونكم بها عند قصد من يقصدكم بشرٍّ ومكروهٍ.
{أم لهم أعينٌ يبصرون بها}؛ فيعرّفوكم ما عاينوا وأبصروا ممّا تغيبون عنه فلا ترونه.
{أم لهم آذانٌ يسمعون بها}؛ فيخبروكم بما سمعوا دونكم ممّا لم تسمعوه؟ يقول جلّ ثناؤه: فإن كانت آلهتكم الّتي تعبدونها ليس فيها شيءٌ من هذه الآلات الّتي ذكرتها، والمعظّم من الأشياء إنّما يعظّم لما يرجى منه من المنافع الّتي توصّل إليه بعض هذه المعاني عندكم، فما وجه عبادتكم أصنامكم الّتي تعبدونها، وهي خاليةٌ من كلّ هذه الأشياء الّتي بها يوصّل إلى اجتلاب النّفع ودفع الضّرّ؟
وقوله: {قل ادعوا شركاءكم ثمّ كيدون} أنتم وهنّ.
{فلا تنظرون}؛ يقول: فلا تؤخّرون بالكيد والمكر، ولكن عجّلوا بذلك. يعلمه جلّ ثناؤه بذلك أنّهم لم يضرّوه، وأنّه قد عصمه منهم، ويعرّف الكفرة به عجز أوثانهم عن نصرة من بغى أولياءهم بسوءٍ). [جامع البيان: 10/ 635-636]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ألهم أرجلٌ يمشون بها أم لهم أيدٍ يبطشون بها أم لهم أعينٌ يبصرون بها أم لهم آذانٌ يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثمّ كيدون فلا تنظرون (195)}
قوله تعالى: {ألهم أرجلٌ يمشون بها أم لهم أيدٍ يبطشون بها}؛
- حدّثنا أبي، ثنا عبيد اللّه حمزة بن إسماعيل، أنبأ إسحاق بن سليمان عن أبي سنانٍ عن عمرو بن مرّة عن أبي البحتريّ عن سلمان الفارسيّ قال: القلوب أربعةٌ، قلبٌ أغلف فذلك قلب الكافر وقلبٌ منكوسٌ فذلك قلب المنافق، وقلبٌ مصفحٌ فذاك قلبٌ فيه إيمانٌ ونفاقٌ، فمثل الإيمان كمثل البقلة يسقيها الماء، ومثل النّفاق فيه كمثل القرحة يسقيها الصّديد، فهما يقتتلان في جوفه فآيتهما ما غلبت أكلت صاحبها حتّى يصيّره اللّه تعالى إلى ما يصره، وقلبٌ أجرد فيه سراجٌ وسراجه نوره وذلك قلب المؤمن). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1636]