قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): ((فصل) "كيف" و"كيفما"
"كيف": اسم مبهم حرك آخره لالتقاء الساكنين، وبني على الفتح لمكان "الياء"، ويقال فيه: "كي" بحذف "الفاء" كما يقال في "سوف": "سو"، قال الشاعر:
كي تجنحون إلى سلمٍ وما ثئرت .... قتلاكم ولظى الهيجاء تضطرم
واختلف في اسميتها، فعن سيبويه إنها ظرف، وعن الأخفش والسيرافي إنها غير ظرف.
وقال ابن مالك: لم يقل أحد "كيف" ظرف، إذ ليست زمانًا ولا مكانًا لكنها لما كانت تفسر بقولك: على أي حال، لكونها سؤالًا عن الأحوال العامة سميت ظرفًا لأنها في تأويل الجار والمجرور، واسم الظرف مطلق عليه، انتهى.
وقال ابن هشام: وهو حسن.
وما ذكره ابن مالك واستحسنه ابن هشام هو معنى عبارة الزمخشري في مفصله: حيث قال: "كيف" جار مجرى الظروف.
وله ستة معان:
الأول: الاستفهام عن الأحوال، كقولك "كيف" زيد؟ وهو الغالب عليها.
الثاني: الجزاء، فيكون شرطًا كقولك: "كيف" تصنع أصنعُ تقتضي فعلين متفقي اللفظ والمعنى غير مجزومين عند البصريين ويجوز جزم الفعلين بها عند الكوفيين وقطرب، قالوا: ومن ورودها شرطًا، قوله تعالى: {يصوركم في الأرحام كيف يشاء}، وقوله تعالى: {فيبسطه في السماء كيف يشاء}، وجوابها محذوف لدلالة ما قبلها.
قال ابن هشام: وهذا يشكل على إطلاقهم أن جوابها يجب مماثلته لشرطها، وفصل قوم فقالوا: يجوز الجزم بها إن اقترنت بـ "ما" وإلا فلا يجوز.
الثالث: الإخبار بالحالة المجردة عن الاستفهام كقولك: لأكرمنك "كيف" كنت: أي: على أي حال كنت، قيل: ومنه قوله تعالى: {فقتل كيف قدر} قالوا: على أي حال قدر، قيل: ويجوز أن يكون فيه معنى التعجب.
الرابع: التعجب، كقوله تعالى: {كيف تكفرون بالله ...} الآية، فإنه خرج مخرج التعجب؛ لأن العلم بهذه الحال يأبى الكفر إذ صدور الفعل مع قوة الصارف عنه مظنة التعجب.
الخامس: التوبيخ، ولم أر من ذكره، ولكنه ظاهر ثم وقفت عليه لبعضهم حال كتابتي لهذا الكتاب، ومثله بقوله تعالى: {وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله}؛ لأن الكفر مع العلم بهذه الحال ينبئ على الانهماك في الغفلة والجهل ثم رأيت بعد ذلك في كتاب الإفصاح أنها ترد لهذين المعنيين جميعًا ومثل بهذه الآية.
السادس: الاستفهام الإنكاري كقول سويد:
كيف يرجون سقاطي بعدما .... جلل الرأس مشيبٌ وصلع).
[مصابيح المغاني: 336 - 338]