جمهرة تفاسير السلف
تفسير قوله تعالى:{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) }
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى {ويل لكل همزة} قال يهمزه ويلمزه بلسانه وعينه ويأكل لحوم الناس ويطعن عليهم). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 395]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (يعني تعالَى ذِكْرُهُ بقولِهِ: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ} الوادي يسيلُ من صَديدِ أهلِ النارِ وقَيْحِهم، {لِكُلِّ هُمَزَةٍ} يقولُ: لكلِّ مغتابٍ للناسِ، يغتابُهم ويَغُضُّهم، كما قالَ زيادٌ الأعجمُ:
تُدلِي بوُدِّي إذا لاقَيْتَنِي كَذِباً ....... وَإنْ أَغِيبُ فأنتَ الهَامِزُ اللُّمَزَهْ
ويعني باللمزةِ: الذي يَعِيبُ الناسَ ويَطْعَنُ فيهم.
وبنحْوِ الذي قُلْنا فِي ذلك قالَ أهلُ التأويلِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلك:
- حدَّثنا مُشَرَّفُ بنُ أبانٍ قالَ: ثنا وكيعٌ، عنْ أَبِيه عن رجلٍ لم يُسَمِّهِ، عن أبي الجوزاءِ قالَ: قلتُ لابنِ عبَّاسٍ: مَن هؤلاءِ الذينَ بدأَهم اللَّهُ بالويلِ؟ قالَ: هم المشَّاءونَ بالنميمةِ، المفرِّقونَ بينَ الأحبَّةِ، الباغونَ أكبرَ العيبِ.
- حدَّثنا أبو كريبٍ قالَ: ثنا وكيعٌ، عن أبيهِ، عن رجلٍ من أهلِ البصرةِ، عن أبي الجوزاءِ قالَ: قلْتُ لابنِ عبَّاسٍ: مَنْ هؤلاءِ الذينَ ندَبَهم اللَّهُ إلى الويلِ؟ ثمَّ ذكرَ نحْوَ حديثِ مُشَرَّفِ بنِ أبانٍ.
- حدَّثنا ابنُ حميدٍ قالَ: ثنا مهرانُ، عن سفيانَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} قالَ: الهمزةُ يأكلُ لحومَ الناسِ، واللمزةُ: الطعَّانُ.
وقد رُوِيَ عن مجاهدٍ خلافُ هذا القولِ.
وهو ما حدَّثنا به أبو كُرَيبٍ قالَ: ثنا وكيعٌ، عن سفيانَ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ} قالَ: الهمزةُ: الطعَّانُ، واللمزةُ: الذي يأكلُ لحومَ الناسِ.
- حدَّثنا مُشَرَّفُ بنُ أبانٍ الخطَّابُ قالَ: ثنا وكيعٌ قالَ: ثنا سفيانُ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثلَهُ.
ورُوِيَ عنه أيضاً خلافُ هذينِ القولينِ.
وهو ما حدَّثنا به ابنُ بشَّارٍ قالَ: ثنا يحيى قالَ: ثنا سفيانُ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} قالَ: أحدُهما الذي يأكلُ لحومَ الناسِ، والآخرُ الطعَّانُ.
وهذا يدلُّ على أنَّ الذي حدَّثَ بهذا الحديثِ قد كانَ أشكلَ عليْهِ تأويلُ الكلمتيْنِ، فلذلك اختلفَ نقْلُ الرواةِ عنهُ ما روَوْا على ما ذكرْتُ.
- حدَّثنا بشرٌ قالَ: ثنا يزيدُ قالَ: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} أما الهمزةُ: فآكِلُ لحومِ الناسِ، وأما اللُّمزةُ: فالطعَّانُ عليهم.
- حدَّثنا ابنُ حميدٍ قالَ: ثنا مهرانُ، عن سعيدِ بنِ أبي عَروبةَ، عن قتادةَ قالَ: الهُمزةُ: آكلُ لحومِ الناسِ: واللُّمزةُ: الطعَّانُ عليهم.
- حدَّثنا ابنُ حميدٍ قالَ: ثنا مهرانُ، عن سفيانَ، عن ابنِ خُثَيْمٍ، عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} قالَ: ويلٌ لكلِّ طعَّانٍ مغتابٍ.
- حدَّثنا ابنُ حميدٍ قالَ: ثنا مهرانُ، عن أبي جعفرٍ، عن الربيعِ، عن أبي العاليةِ قالَ: الهمزةُ: يَهْمِزُه فِي وجهِهِ، واللُّمزةُ: من خلفِهِ.
- حَدَّثنا ابنُ عبدِ الأعلَى قالَ: ثنا ابنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ قالَ: يَهْمِزُهُ ويَلْمُزُهُ بلسانِهِ وعينِهِ، ويأكلُ لحومَ الناسِ، ويَطْعَنُ عليهم.
- حدَّثني الحارثُ قالَ: ثنا الحسنُ قالَ: ثنا ورقاءُ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قالَ: الهمزةُ باليدِ، واللُّمزةُ باللسانِ.
وقالَ آخرُونَ فِي ذلك ما حدَّثني به يونسُ قالَ: أخبرنا ابنُ وهبٍ قالَ: قالَ ابنُ زيدٍ، فِي قولِ اللَّهِ: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} قالَ: الهمزةُ: الذي يهمزُ الناسَ بيدِهِ، ويضربُهم بلسانِهِ، واللمزةُ: الذي يلمُزُهم بلسانِهِ ويعيبُهم.
واخْتُلِفَ فِي المعنيِّ بقولِهِ: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ} فقالَ بعضُهم: عُنِيَ بذلك: رجلٌ من أهلِ الشِّركِ بعينِهِ، فقالَ بعضُ مَن قالَ هذا القولَ: هو جميلُ بنُ عامرٍ الجُمَحِيُّ. وقالَ آخرُونَ منهم: هو الأخنسُ بنُ شريقٍ.
ذِكْرُ من قالَ: عُنِيَ به مشركٌ بعينِهِ:
- حدَّثني محمَّدُ بنُ سعدٍ قالَ: ثني أبي قالَ: ثني عمِّي قالَ: ثني أبي، عن أبيهِ، عن ابنِ عبَّاسٍ، قولَهُ: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} قالَ: مشركٌ كانَ يلمُزُ الناسَ ويَهْمِزُهم.
- حدَّثني محمَّدُ بنُ عمرٍو قالَ: ثنا أبو عاصمٍ قالَ: ثنا عيسى، وحدَّثني الحارثُ قالَ: ثنا الحسنُ قالَ: ثنا ورقاءُ، جميعاً عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن رجلٍ من أهلِ الرَّقَّةِ قالَ: نزلتْ فِي جميلِ بنِ عامرٍ الجمحيِّ.
- حدَّثني الحارثُ قالَ: ثنا الحسنُ قالَ: ثنا ورقاءُ، فِي قولِهِ: {هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} قالَ: ليستْ بخاصَّةٍ لأحدٍ، نزلتْ فِي جميلِ بنِي عامرٍ؛ قالَ ورقاءُ: زعمَ الرَّقَاشيُّ.
وقالَ بعضُ أهلِ العربيَّةِ: هذا من نوعِ ما تَذْكُرُ العربُ اسمَ الشيءِ العامِّ، وهي تقصِدُ بهِ الواحدَ، كما يُقالُ فِي الكلامِ، إذا قالَ رجلٌ لأحدٍ: لا أزورُكَ أبداً: كلُّ مَن لم يزرْنِي، فلسْتُ بزائرِهِ، وقائلُ ذلك يقصدُ جوابَ صاحبِهِ القائلِ لهُ: لا أزورُكَ أبداً.
وقالَ آخرُونَ: ذلك معنِيٌّ به كلُّ مَن كانتْ هذه الصفةُ صفتَهُ، ولم يُقْصَدْ بهِ قصْدٌ آخرُ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلك:
- حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو, قالَ: ثنا أبو عاصمٍ، قالَ: ثنا عيسى؛ وحدَّثني الحارثُ قالَ: ثنا الحسنُ قالَ: ثنا ورقاءُ، جميعاً عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، فِي قولِ اللَّهِ: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} قالَ: ليستْ بخاصَّةٍ لأحدٍ.
والصوابُ من القولِ فِي ذلك: أنْ يُقالَ: إنَّ اللَّهَ عمَّ بالقولِ كلَّ هُمزةٍ لُمزةٍ، كلُّ مَن كانَ بالصفةِ التي وصفَ هذا الموصوفَ بها، سبيلُهُ سبيلُهُ كائناً مَن كانَ من الناسِ). [جامع البيان: 24 / 616-620]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن المبارك عن ابن جريج قال الهمزة بالعين والشدق واليد واللمزة باللسان). [تفسير مجاهد: 2/ 781]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو حفصٍ أحمد بن أحيد الفقيه ببخارى، ثنا صالح بن محمّد بن حبيبٍ الحافظ، ثنا هارون بن سعيدٍ الأيليّ، ثنا عبد اللّه بن وهبٍ، أخبرني عمرو بن الحارث، عن درّاجٍ أبي السّمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي اللّه عنه، {ويلٌ لكلّ همزةٍ لمزةٍ} قال: «الويل وادٍ في جهنّم يهوي فيه الكافر أربعين خريفًا قبل أن يفرغ من حساب النّاس» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2 / 583]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (والمرادُ الكَثِيرُ الهَمْزِ وكذا اللَّمْزُ.
وأَخرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصورٍ مِن حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ أنَّهُ سُئِلَ عَنِ الهُمَزَةِ قَالَ: المَشَّاءُ بالنَّمِيمَةِ المُفَرِّقُ بَيْنَ الإخوانِ). [فتح الباري: 8 / 729]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْهُمَزَةُ: الْمَشَّاؤُونَ بِالنَّمِيمَةِ الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ، وَعَنْ قَتَادَةَ: الْهُمَزَةُ: الَّذِي يَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ وَيَغْتَابُهُمْ، وَاللُّمَزَةُ: الطَّعَّانُ). [عمدة القاري: 19 / 313]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ مَرْدُويَهْ, والبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإيمانِ, عن راشِدِ بنِ سعْدٍ المِقْرائِيِّ, عن أبي هريرةَ, عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قالَ:«لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِرِجَالٍ تُقَطَّعُ جُلُودُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاَءِ؟ قالَ: الَّذِينَ يَتَزَيَّنُونَ لِلزينةِ. قالَ: ثُمَّ مَرَرْتُ بِجُبٍّ مُنْتِنِ الرِّيحِ فَسَمِعْتُ فِيهِ أَصْوَاتاً شَدِيدَةً، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قالَ: نِسَاءٌ كُنَّ يَتَزَيَّنَّ بِزِينَةٍ وَ يَفْعَلْنَ مَا لاَ يَحِلُّ لَهُنَّ. ثُمَّ مَرَرْتُ عَلَى نِسَاءٍ وَرِجَالٍ مُعَلَّقِينَ بِثُدِيِّهِنَّ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاَءِ الْهَمَّازُونَ وَالْهَمَّازَاتُ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ قَالَ: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}» ). [الدر المنثور: 15 / 645-646]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ سعيدُ بنُ منصورٍ, وابنُ أبي الدنيا في ذمِّ الغِيبَةِ, وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حاتمٍ وابنُ مَرْدُويَهْ من طُرُقٍ عن ابنِ عبَّاسٍ, أنه سُئِلَ عن قولِه: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}؛ قالَ: هو المَشَّاءُ بالنميمةِ, المُفَرِّقُ بينَ الجَمْعِ, المُغْرِي بينَ الإخوانِ). [الدر المنثور: 15 / 646]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ, عن ابنِ عبَّاسٍ قي قولِه: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ}؛ قالَ: طَعَّانٍ, {لُمَزَةٍ}. قَالَ: مُغْتَابٍ). [الدر المنثور: 15 / 646]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ الفِريَابِيُّ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ أبي الدنيا في ذَمِّ الغِيبَةِ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حاتمٍ, والبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإيمانِ, عن مُجَاهِدٍ في الآيةِ, قالَ: {الهُمَزَةُ}: الطعَّانُ في الناسِ، واللُّمَزَةُ: الذي يأكُلُ لحومَ الناسِ). [الدر المنثور: 15 / 647]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أَبِي حَاتمٍ, عن قَتَادَةَ قال: {الهُمَزَةُ} قالَ: آكِلُ لحومَ الناسِ و {اللُّمَزَةُ}: ْالطَّعَّانُ عليهم). [الدر المنثور: 15 / 647]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ, عن أبي العالِيَةِ: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} قالَ: يهْمِزُه في وجهِه, و يَلْمِزُه مِن خلفِه). [الدر المنثور: 15 / 647]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ الرزَّاقِ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ, عن قَتَادَةَ: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ} قالَ: يَهْمِزُه ويَلْمِزُه بلسانِه وعَيْنَيْهِ، ويأكُلُ لحومَ الناسِ ويَطْعَنُ عليهم). [الدر المنثور: 15 / 647]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإيمانِ, عن ابنِ جُرَيْجٍ, قالَ: الْهُمَزَةُ بِالْعَيْنِ والشِّدْقِ واليدِ, واللُّمزةُ باللسانِ). [الدر المنثور: 15 / 647]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وَالْهُمَزَةُ واللُّمَزَةُ فيما قَالَهُ ابْنُ عبَاَّسٍ: الْمَشَّاؤُونَ بِالنَّمِيمَةِ الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ وَقِيلَ: الْهُمَزَةُ الَّذِي يَعِيبُكَ في الْغَيْبِ، واللُّمَزَةُ الَّذِي يَعِيبُكَ في الْوَجْهِ). [إرشاد الساري: 7 / 433]
تفسير قوله تعالى: {الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) }
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ} يقولُ: الذي جمعَ مالاً وأحصَى عدَدَهُ، ولم يُنفِقْهُ فِي سبيلِ اللَّهِ، ولم يُؤَدِّ حقَّ اللَّهِ فيه، ولكنَّهُ جمعَهُ فأوعاهُ وحفِظَهُ.
واختلفت القرأةُ فِي قراءةِ ذلك، فقرأَهُ من قرأةِ أهلِ المدينةِ أبو جعفرٍ، وعامَّةُ قرأةِ الكوفةِ سوى عاصمٍ: {جمَّعَ} بالتشديدِ، وقرأَ ذلك عامَّةُ قرأةِ المدينةِ والحجازِ، سوى أبي جعفرٍ، وعامَّةُ قرأةِ البصرةِ، ومن الكوفةِ عاصمٌ، {جَمَعَ} بالتخفيف، وكلهم مجمعون على تشديد الدال من {وَعَدَّدَهُ} على الوجهِ الذي ذكرْتُ من تأويلِهِ. وقد ذُكِرَ عن بعضِ المتقدِّمينَ بإسنادٍ غيرِ ثابتٍ أنَّهُ قرأَهُ: {جمعَ مالاً وعَدَدَهُ} بتخفيفِ الدالِ، بمعنى: جمعَ مالاً، وجمعَ عشيرتَهُ وعدَدَهُ. وهذه قراءةٌ لا أستجيزُ القراءةَ بها؛ بخلافِها قراءةَ الأمصارِ، وخروجِهَا عمَّا عليهِ الحُجَّةُ مجمعةٌ فِي ذلك.
وأمَّا قولُهُ: {جَمَعَ مَالاً} فإنَّ التشديدَ والتخفيفَ فيهما صوابانِ؛ لأنَّهما قراءتانِ معروفتانِ فِي قَرَأةِ الأمصارِ، متقاربتا المعنى، فبأيَّتِهما قرأَ القارئُ فمصيبٌ). [جامع البيان: 24 / 620-621]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حاتمٍ عن السُّدِّيِّ في قَوْلِه: {جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ} قالَ: أحصاه). [الدر المنثور: 15 / 648]
تفسير قوله تعالى: {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)}
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا نوح بن حبيبٍ، حدّثنا عبد الملك بن هشامٍ الذّماريّ، حدّثنا سفيان، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، " أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قرأ {يحسِب أنّ ماله أخلده}). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 344]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} يقولُ: يحسبُ أنَّ مالَهُ الذي جمعَهُ وأحصاهُ، وبخِلَ بإنفاقِهِ، مُخلِّدُهُ فِي الدنيا، فمزيلٌ عنه الموتَ. وقيلَ: أخلَدَهُ، والمعنى: يُخلِّدُهُ، كما يُقالُ للرجلِ الذي يأتي الأمرَ الذي يكونُ سبباً لهلاكِهِ: عطِبَ واللَّهِ فلانٌ، وهلَكَ واللَّهِ فلانٌ، بمعنى: أنَّهُ يَعْطَبُ من فعلِهِ ذلك، ولمَّا يَهْلِكْ بعدُ ولم يَعْطَبْ؛ وكالرجلِ يأتي المُوبِقةَ من الذنوبِ: دخلَ واللَّهِ فلانٌ النارَ). [جامع البيان: 24 / 621]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (أخبرنا الحسين بن عبد اللّه القطّان بالرّقّة حدثنا نوح حدثنا عبد الملك بن هشام الذماري حدّثنا سفيان بن سعيدٍ عن محمّد بن المنكدر عن جابر بن عبد اللّه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قرأ {يحسب أنّ ماله أخلده}). [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1 / 439]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ حِبَّانَ والحاكمُ وصحَّحه وابنُ مَرْدُويَهْ والخطيبُ في تارِيخِه عن جابرِ بِن عبدِ اللهِ, أن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ: {يَحْسِبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ }. بكسرِ السينِ). [الدر المنثور: 15 / 648]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حاتمٍ عن عكرمةَ: {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَه} قالَ: يَزِيدُ في عُمُرِه). [الدر المنثور: 15 / 648]
تفسير قوله تعالى: {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) }
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({الحطمة} : {اسم النّار} ، مثل: {سقر} [القمر: 48] و {لظى} [المعارج: 15]). [صحيح البخاري: 6 / 177]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: {الْحُطَمَةُ اسْمُ النَّارِ مِثْلُ سَقَرَ ولَظَى} هُو قولُ الفَرَّاءِ قَالَ في قَولِهِ: {لَيُنْبَذَنَّ}: أيِ: الرَّجُلُ ومَالُهُ، {في الحُطَمَةِ} اسمٌ مِنْ أَسْمَاءِ النَّارِ كَقَوْلِهِ: {جَهَنَّمُ وسَقَرُ ولَظَى}. وقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يُقَالُ للرَّجُلِ الأَكُولِ: {حُطَمَةٌ} أي: الكَثِيرُ الحَطْمِ). [فتح الباري: 8 / 729]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (الْحُطَمَةُ: اسْمُ النَّارِ مِثْلُ سَقَرَ وَلَظَى).
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} وَفَسَّرَهَا بِقَوْلِهِ: {اسْمُ النَّارِ مِثْلَ سَقَرَ وَلَظَى}. وَسُمِّيَتْ بِالْحُطَمَةِ لأَنَّهَا تَحْطِمُ أَيْ: تَكْسِرُ). [عمدة القاري: 19 / 313]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( {الْحُطَمَةُ اسْمُ النَّارِ مِثْلُ سَقَرَ وَلَظَى} وقِيلَ: اسْمٌ لِلدَّرَكَةِ الثَّالِثَةِ منها، وَسُمِّيَتْ حُطَمَةً؛ لأنَّها تَحْطِمُ الْعِظَامَ وتَكْسِرُهَا، وَالْمَعْنَى يَا أَيُّهَا الْهُمَزَةُ اللُّمَزَةُ الَّذِي يَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ وَيَكْسِرُ من أَعْرَاضِهْمِ إنَّ وَرَاءَك الْحُطَمَةَ الَّتِي تَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ وَعِظَامَهُمْ أي: وَتَكْسِرُ الْعِظَامَ). [إرشاد الساري: 7 / 433]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {كَلَّا} يقولُ تعالَى ذِكْرُهُ: ما ذلك كما ظنَّ، ليسَ مالُهُ مخَلِّدَهُ، ثمَّ أخبرَ جلَّ ثناؤُه أنَّهُ هالكٌ ومعذَّبٌ على أفعالِهِ ومعاصيهِ التي كانَ يأتيها فِي الدنيا، فقالَ جلَّ ثناؤُهُ: {لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} يقولُ: ليقذَفَنَّ يومَ القيامةِ فِي الحطمةِ، والحطمةُ: اسمٌ من أسماءِ النارِ، كما قيل لها: جهنَّمُ وسَقَرُ ولظًى، وأحْسَبُهَا سُمِّيتْ بذلك لحطْمِها كلَّ ما أُلْقِيَ فيها، كما يُقالُ للرجلِ الأَكُولِ: الحُطَمَةُ.
وذُكِرَ عن الحسنِ البصريِّ أنَّهُ كانَ يقرأُ ذلك: " لَيُنْبَذَانِ فِي الحطمةِ " يعني: هذا الهمزةُ اللمزةُ ومالُهُ، فثنَّاهُ لذلك). [جامع البيان: 24 / 621-622]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حاتمٍ عن السديِّ: {كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ} قالَ: َ لَيُقْذَفَنَّ). [الدر المنثور: 15 / 648]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حاتمٍ, عن الحسينِ بنِ واقِدٍ, قالَ: الحُطَمَةُ بابٌ مِن أبوابِ جَهنمَ). [الدر المنثور: 15 / 648]
تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ} يقولُ: وأيُّ شيءٍ أشعرَكَ يا محمدُ ما الحطمةُ). [جامع البيان: 24 / 622]
تفسير قوله تعالى: {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) }
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا رشدين بن سعد، قال: حدثني ابن أنعم، عن خالد بن أبي عمران، بسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن النار لتأكل أهلها، حتى إذا طلعت على أفئدتهم انتهت، ثم يعود كما كان، ثم تستقبله أيضًا، فتطلع على فؤاده، فهو كذا أبدًا، فذلك قوله: {نار الله الموقدة * التي تطلع على الأفئدة} [سورة الهمزة: 6-7] ). [الزهد لابن المبارك: 2/ 584]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني عبد الرّحمن بن زياد بن أنعمٍ، عن خالد بن أبي عمران يرفعه إلى رسول اللّه: إنّ النّار تأكل أهلها حتّى إذا طلعت على أفئدتهم انتهت، ثمّ تنين أنينًا واحدًا، ثمّ يعود كما كان، ثمّ تستقبله أيضًا فتطّلع على فؤاده فهو كذلك أبدًا، فذلك قول اللّه: {نار اللّه الموقدة (6) التي تطلع على الأفئدة}). [الجامع في علوم القرآن: 1/130]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (ثمَّ أخبرَهُ عنها ما هي، فقالَ جلَّ ثناؤُه: هي {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} يقولُ: التي يطَّلِعُ ألمُهَا ووَهَجُهَا القلوبَ؛ والاطلاعُ والبلوغُ قد يكونانِ بمعنًى. حُكِيَ عن العربِ سماعاً: متى طَلَعتْ أرضُنا؛ وطلعتْ أرضي: بلغتْ). [جامع البيان: 24 / 622]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا سليمان بن حبان قال ثنا موسى بن عبيدة الربذي قال سمعت محمد بن كعب القرظي في قوله عز وجل {التي تطلع على الأفئدة} يقول الحطمة يقول تأكله النار إلى فؤاده فإذا بلغت فؤاده أنشأ خلقه). [تفسير مجاهد: 2/781]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ أبي حاتمٍ, عن محمدِ بنِ كعبٍ في قَوْلِه: {الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ} قالَ: تَأْكُلُ كلَّ شيءٍ مِنه, حتى تَنْتَهِيَ إلى فُؤَادِهِ, فإذَا بَلَغَتْ فُؤَادَه ابْتُدِئَ خَلْقُه). [الدر المنثور: 15 / 648]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ عساكرَ عن محمدِ بنِ المُنْكَدِرِ في قَوْلِه: {الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ} قالَ: تَأْكُلُه النارُ حتى تَبْلُغَ فُؤَادَه وهو حَيٌّ). [الدر المنثور: 15 / 648-649]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى مؤصدة قال مطبقة). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 395]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُؤْصَدَةٌ} يقولُ تعالَى ذِكْرُهُ: إنَّ الحطمةَ التي وصفْتُ صفتَهَا عليهم، يعني: على هؤلاءِ الهمَّازينَ اللَّمَّازينَ {مُؤْصَدَةٌ} يعني: مطْبَقَةٌ؛ وهي تُهمَزُ ولا تُهْمَزُ؛ وقد قُرِئَتَا جميعاً.
وبنحْوِ الذي قُلْنا فِي ذلك قالَ أهلُ التأويلِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلك:
- حدَّثنا أبو كريبٍ قالَ: ثنا طَلْقٌ، عن ابنِ ظهيرٍ، عن السديِّ، عن أبي مالكٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ فِي (مُؤْصَدَةٌ): قالَ: مُطْبَقَةٌ.
- حدَّثني عبيدُ بنُ أسباطَ قالَ: ثني أبي، عن فُضَيلِ بنِ مرزوقٍ، عن عطيةَ، فِي قولِهِ: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُؤْصَدَةٌ} قالَ: مُطبَقَةٌ.
- حدَّثنا ابنُ حميدٍ قالَ: ثنا يعقوبُ، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ قالَ: فِي النارِ رجلٌ فِي شِعْبٍ من شعابِها ينادي مقدارَ ألفِ عامٍ: يا حنَّانُ يا منَّانُ، فيقولُ ربُّ العزَّةِ لجبريلَ: أخرِجْ عبدي من النارِ، فيأتيها فيجدُها مُطبَقَةً، فيرجعُ فيقولُ: يا ربِّ، {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُؤْصَدَةٌ} فيقولُ: يا جبريلُ فكَّها، وأخرِجْ عبدي من النارِ، فيفُكُّها، ويَخرجُ مثلَ الخيالِ، فيُطرحُ على ساحلِ الجنَّةِ حتي يُنبِتَ اللَّهُ له شعراً ولحماً ودماً.
- حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ قالَ: ثنا ابنُ عليَّةَ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسنِ، فِي قولِهِ: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُؤْصَدَةٌ} قالَ: مطْبَقَةٌ.
- حدَّثنا أبو كريبٍ قالَ: ثنا وكيعٌ، عن مُضَرِّسِ بنِ عبدِ اللَّهِ قالَ: سمِعْتُ الضحَّاكَ {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُؤْصَدَةٌ} قالَ: مطبَقَةٌ.
- حدَّثني محمَّدُ بنُ سعدٍ قالَ: ثني أبي قالَ: ثني عمِّي قالَ: ثني أبي، عن أبيهِ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُؤْصَدَةٌ} قالَ: عليهم مُغلَقَةٌ.
- حدَّثنا بشرٌ قالَ: ثنا يزيدُ قالَ: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُؤْصَدَةٌ} أي: مطبَقَةٌ.
- حدَّثني يونسُ قالَ: أخبرنا ابنُ وهبٍ قالَ: قالَ ابنُ زيدٍ، فِي قولِهِ: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُؤْصَدَةٌ} قالَ: مطْبَقَةٌ.
والعربُ تقولُ: أُوْصِدَ البابَ: أُغْلِقَ). [جامع البيان: 24 / 622-624]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ, عن ابنِ عبَّاسٍ في قَوْلِه: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} قالَ: مُطْبَقَةٌ). [الدر المنثور: 15 / 649] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ, عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ, قالَ: في النارِ رجلٌ في شِعْبٍ مِن شِعَابِها يُنَادِي مقدارَ ألفِ عامٍ: يا حنَّانُ يا منَّانُ. فيقولُ ربُّ العزةِ لجبريلَ: أَخْرِجْ عبدي من النارِ. فيأتيها فيَجِدُها مُطْبقةً فيَرْجِعُ، فيقولُ: يَا رَبِّ {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ}. فيقولُ: يا جِبْريلُ, فُكَّهَا وأَخْرِجْ عبدي من النارِ.
فيَفُكُّها ويُخْرِجُ مثلَ الخيالِ, فيَطْرَحُه على ساحلِ الجنةِ حتى يُنْبِتَ اللهُ له شعراً ولحماً ودماً). [الدر المنثور: 15 / 650-651]
تفسير قوله تعالى: {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى عمد ممددة قال عمد يعذبون بها في النار). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 395]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} اختلفت القرأةُ فِي قراءةِ ذلك، فقرأتْهُ عامَّةُ قرأةِ المدينةِ والبصرةِ: {فِي عَمَدٍ} بفتحِ العينِ والميمِ. وقرأَ ذلك عامَّةُ قرأةِ الكوفةِ: {فِي عُمُدٍ} بضمِّ العينِ والميمِ. والقولُ فِي ذلك عندَنا أنَّهما قراءتانِ معروفتانِ، قد قرأَ بكلِّ واحدةٍ منهما علماءُ من القرأةِ، ولغتانِ صحيحتانِ. والعربُ تجمعُ العمودَ: عُمُداً وعَمَداً، بضمِّ الحرفينِ وفتحِهما، وكذلك تفعلُ فِي جمعِ إهابٍ، تجمعُهُ: أُهُباً بضمِّ الألفِ والهاءِ، وَأَهَباً بفتحِهما، وكذلك القَضيمُ، فبأيَّتِهما قرأَ القارئُ فمصيبٌ.
واختلفَ أهلُ التأويلِ فِي معنى ذلك، فقالَ بعضُهم: معنى ذلك إنَّها عليهم مؤصدةٌ بعَمَدٍ ممدَّدةٍ؛ أي: مغلقَةٌ مطْبَقَةٌ عليهم، وكذلك هو فِي قراءةِ عبدِ اللَّهِ فيما بلَغَنَا.
- حدَّثنا ابنُ حميدٍ قالَ: ثنا مهرانُ، عن سفيانَ، عن قتادةَ، فِي قراءةِ عبدِ اللَّهِ: {إنَّها عليهم مُؤصَدَةٌ بِعَمَدٍ ممدَّدَةٍ}.
وقالَ آخرُونَ: بلْ معنى ذلك: إنَّما دخلوا فِي عَمَدٍ، ثمَّ مُدَّتْ عليهم تلك العَمَدُ بعمادٍ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلك:
- حدَّثني محمَّدُ بنُ سعدٍ قالَ: ثني أبي قالَ: ثني عمِّي قالَ: ثني أبي، عن أبيهِ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} قالَ: أدخَلَهم فِي عَمَدٍ، فمُدَّتْ عليهم بعمادٍ، وفي أعناقِهم السلاسلُ، فسُدَّتْ بها الأبوابُ.
- حدَّثني يونسُ قالَ: أخبرنا ابنُ وهبٍ قالَ: قالَ ابنُ زيدٍ: {فِي عَمَدٍ} من حديدٍ مغلولينَ فيها، وتلك العَمَدُ من نارٍ قد احترقتْ من النارِ، فهي من نارٍ: {مُمَدَّدَةٍ} لهم.
وقالَ آخرُونَ: هي عَمَدٌ يُعذَّبونَ بها.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلك:
- حدَّثنا بشرٌ قالَ: ثنا يزيدُ قالَ: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} كنَّا نُحدَّثُ أنَّها عَمَدٌ يَعذَّبونَ بها فِي النارِ، قالَ بشرٌ: قالَ يزيدُ: فِي قراءةِ قتادةَ: {عَمَدٍ}.
- حدَّثنا ابنُ حميدٍ قالَ: ثنا مهرانُ، عن سعيدٍ، عن قتادةَ: {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} قالَ: عمودٌ يعذَّبونَ به فِي النارِ.
وأوْلَى هذه الأقوالِ بالصوابِ فِي ذلك قولُ مَن قالَ: معناهُ: أنَّهم يُعذَّبونَ بعَمَدٍ فِي النارِ، واللَّهُ أعلمُ كيفَ تعذِيبُهُ إيَّاهُم بها، ولم يأْتِنا خبرٌ تقومُ بهِ الحُجَّةُ بصفةِ تعذيبِهم بها، ولا وُضِعَ لنا عليها دليلٌ، فنُدركَ به صفةَ ذلك، فلا قوْلَ فيه غيرُ الذي قُلْنا يصحُّ عندَنا). [جامع البيان: 24 / 624-626]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو الحسن عليّ بن محمّد بن عبيدٍ القرشيّ بالكوفة، ثنا الحسن بن عليّ بن عفّان العامريّ، ثنا يحيى بن آدم، ثنا حمزة الزّيّات، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن عليٍّ رضي اللّه عنه، أنّه " ذكر النّار فعظّم أمرها وذكر منها ما شاء اللّه أن يذكر، ثمّ قال: {إنّها عليهم مؤصدةٌ (8) في عمدٍ ممدّدةٍ} «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه»). [المستدرك: 2 / 583]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ, عن ابنِ عبَّاسٍ في قَوْلِه: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} قالَ: مُطْبَقَةٌ, {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} قالَ:في عَمَدٍ مِن نارٍ). [الدر المنثور: 15 / 649]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ, عن عليٍّ, أنه قَرَأَ: {فِي عَمَدٍ} ). [الدر المنثور: 15 / 649]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حاتم عن ابنِ مسعودٍ أنه قرَأَ: {بعمدٍ ممدَّدةٍ} قالَ: وهي الأَدْهَمُ). [الدر المنثور: 15 / 649]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حاتِمٍ عن ابنِ عبَّاسٍ: {فِي عَمَدٍ} قالَ: الأبوابُ هِيَ الممَدَّدَةُ). [الدر المنثور: 15 / 649]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابن جَرِيرٍ عن ابن عبَّاسٍ: {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} قالَ: أَدْخَلَهُم في عمدٍ فمُدَّتْ عليهم في أعناقِهم السلاسلُ فسُدَّتْ بها الأبوابُ). [الدر المنثور: 15 / 649]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حاتمٍ عن عطيَّةَ: {فِي عَمَدٍ} قالَ: عَمَدٌ مِن حديدٍ في النارِ.
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ الرزاقِ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ, عن قَتَادَةَ: {فِي عَمَدٍ} قالَ: كنا نُحَدَّثُ أنها عَمَدٌ يُعَذَّبُون بها في النارِ). [الدر المنثور: 15 / 650]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حاتمٍ, عن أبي صالحٍ: {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} قالَ: القيودُ الطوالُ). [الدر المنثور: 15 / 650]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حاتمٍ عن فَاطِمَةَ{فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} قِالتْ في دُهُرٍ مَمْدودةٍ، لا انْقِطَاعَ لَهُ). [الدر المنثور: 15 / 650]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حاتمٍ عن السدِّيِّ, قالَ: مَن قَرَأَها: {فِي عمدٍ} فهو عمد مِنْ نارٍ, وَمَنْ قَرَأَهَا: {فِي عُمُدٍ} فهو أَجَلٌ مَمْدودٌ). [الدر المنثور: 15 / 650]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ الحكيمُ التِّرْمِذِيُّ في نوادرِ الأصولِ, عن أبي هريرةَ, قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الشَّفَاعَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِمَنْ عَمِلَ الْكَبَائِرَ مِنْ أُمَّتِي ثُمَّ مَاتُوا عَلَيْهَا فَهُمْ فِي الْبَابِ الأَوَّلِ مِنْ جَهَنَّمَ لاَ تَسْوَدُّ وُجُوهُهُمْ، وَلاَ تَزْرَقُّ أَعْيُنُهُمْ، وَلاَ يُغَلُّونَ بِالأَغْلاَلِ، وَلاَ يُقْرَنُونَ مَعَ الشَّيَاطِينِ، وَلاَ يُضْرَبُونَ بِالْمَقَامِعِ، وَلاَ يُطْرَحُونَ فِي الأَدْرَاكِ؛ مِنْهُمْ مَنْ يَمْكُثُ فِيهَا سَاعَةً ثُمَّ يَخْرُجُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْكُثُ يَوْماً ثُمَّ يُخْرَجُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْكُثُ شَهْراً ثُمَّ يُخْرَجُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْكُثُ فِيهَا سَنَةً ثُمَّ يُخْرَجُ، وَأَطْوَلُهُمْ مُكْثاً فِيهَا مِثْلَ الدُّنْيَا مِنْ ُ يَوْمَ خُلِقَتْ إِلَى يَوْمَ أُفْنِيَتْ، وَذَلِكَ سَبْعَةُ آلاَفِ سَنَةٍ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ الْمُوَحِّدِينَ مِنْهَا قَذَفَ فِي قُلُوبِ أَهْلِ الأَدْيَانِ، فَقَالُوا لَهُمْ: كُنَّا نَحْنُ وَأَنْتُمْ جَمِيعاً فِي الدُّنْيَا فَآمَنْتُمْ وَكَفَرْنَا، وَصَدَّقْتُمْ وَكَذَّبْنَا, وَأَقْرَرْتُمْ وَجَحَدْنَا, فَمَا أَغْنَى ذَلِكَ عَنْكُمْ، نَحْنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا جَمِيعاً سَوَاءٌ, تُعَذَّبُونَ كَمَا نُعَذَّبُ, وَتُخَلَّدُونَ كَمَا نُخَلَّدُ. فَيَغْضَبُ اللهُ عِنْدَ ذَلِكَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْهُ مِنْ شَيْءٍ فِيمَا مَضَى، وَلاَ يَغْضَبُ مِنْ شَيْءٍ فِيمَا بَقِيَ، فَيُخْرِجُ أَهْلَ التَّوْحِيدِ مِنْهَا إِلَى عَيْنٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالصِّراطِ يُقَالُ لَهَا: نَهْرُ الْحَيَاةِ، فَيَرُشُّ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَاءِ فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، مَا يَلِي الظِّلَّ مِنْهَا أَخْضَرُ وَمَا يَلِي الشَّمْسَ مِنْهَا أَصْفَرُ، ثُمَّ يُدْخَلُونَ الْجَنَّةَ فَيُكْتَبُ فِي جِبَاهِهِمْ: عُتَقَاءُ اللهِ مِنَ النَّارِ. إِلاَّ رَجُلاً وَاحِداً فَإِنَّهُ يَمْكُثُ فِيهَا بَعْدَهُمْ أَلْفَ سَنَةٍ، فَيُنَادِي: يَا حَنَّانُ يَا مَنَّانُ. فَيَبْعَثُ اللهُ إِلَيْهِ مَلَكاً لِيُخْرِجَهُ فَيَخُوضُ فِي النَّارِ فِي طَلَبِهِ سَبْعِينَ عَاماً لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ, إِنَّكَ أَمَرْتَنِي أَنْ أُخْرِجَ عَبْدَكَ فُلاَناً مِنَ النَّارِ، وَإِنِّي طَلَبْتُهُ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ. فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: انْطَلِقْ فَهُوَ فِي وَادِي كَذَا وَكَذَا تَحْتَ صَخْرَةٍ, فأَخْرِجْهُ. فَيَذْهَبُ فَيُخْرِجُهُ مِنْهَا فَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ إِنَّ الْجَهَنَّمِيِّينَ يَطْلُبُونَ إِلَى اللهِ أَنْ يَمْحُوَ ذَلِكَ الاسْمَ عَنْهُمْ، فَيَبْعَثُ اللهُ إِلَيْهِمْ مَلَكاً فَيَمْحُو عَنْ جِبَاهِهِمْ، ثُمَّ إِنَّهُ يُقَالُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ دَخَلَهَا مِنَ الْجَهَنَّمِيِّينَ: اطَّلِعُوا إِلَى أَهْلِ النَّارِ, فَيَطَّلِعُونَ إِلَيْهِمْ فَيَرَى الرَّجُلُ أَبَاهُ وَيَرَى أَخَاهُ وَيَرَى جَارَهُ وَيَرَى صَدِيقَهُ وَيَرَى الْعَبْدُ مَوْلاَهُ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْعَثُ إِلَيْهِمْ مَلاَئِكَةً بِأَطْبَاقٍ مِنْ نَارٍ وَمَسَامِيرَ مِنْ نَارٍ وَعَمَدٍ مِنْ نَارٍِ, فَيُطْبَقُ عَلَيْهِمْ بِتِلْكَ الأَطْبَاقِ وَ يُشَدُّ بِتِلْكَ الْمَسَامِيرِ وَ يُمَدُّ بِتِلْكَ الْعَمَدِ، وَلاَ يَبْقَى فِيهَا خَلَلٌ يَدْخُلُ فِيهِ رَوْحٌ وَلاَ يَخْرُجُ مِنْهُ غَمٌّ، وَيَنْسَاهُمُ الْجَبَّارُ عَلَى عَرْشِهِ، وَيَتَشَاغَلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ بِنَعِيمِهِمْ، وَلاَ يَسْتَغِيثُونَ بَعْدَهَا أَبَداً، وَيَنْقَطِعُ الْكَلاَمُ فَيَكُونُ كَلاَمُهُمْ زَفِيراً وَشَهِيقاً، فَذَلِكَ قَوْلُه: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ}» يقولُ: مُطْبَقةٌ). [الدر المنثور: 15 / 651-652]