الاستئذان للقراءة في مصحف الغير
قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (لأهل العلم فى الاستئذان للقراءة فى مصحف الغير أقوال ثلاثة :
أحدها : أن الإذن فى ذلك ليس شرطا , فيجوز للمسلم أن يقرأ فى مصحف أخيه المسلم ولو لم يأذن له , ما لم تتضرر ما ليه المصحف بذلك , لأن لكل مسلم , الحق فى النظر فى كتاب الله لاستخراج حكم الله منه والتقرب بتلاوة القرآن إلى الله فإذا أمكن ذلك مع انتفاء الضرر فى المالية جازت القراءة فى مصحف الغير بدون إذن من صاحبه , يستوى فى ذلك كون مالكه صغيرا أو كبيرا أجنبيا كان القارئ أو قريبا للمالك , مرتهنا للمصحف أو مستودعا , أو وصيا لمحجور أو شريكا مثلا .
القول الثانى : لأهل العلم أن الأذن فى القراءة فى مصحف الغير شرط , فلا يصح لأحد أن يقرأ فى مصحف غيره ما لم يأذن له فى ذلك , فإن فعل فهو غاصب يلحقه الإثم ويلزمه الضمان
والقول الثالث : أن الأذن مشروط فى حالة وجود مصحف آخر , فإن لم يوجد مصحف غيره جازت القراءة منه بلا أذن من صاحبه . وقد حمل بعض أهل العلم قول المانعين على مثل ما ذكر .
الخلاف فى اشتراط الإذن للقراءة فى مصحف الغير :
ذهب جمهور أهل العلم إلى القول بلزوم الاستئذان للقراءة فى مصحف الغير , وهو رواية عن الإمام أحمد , ... {100}
ووجه عند أصحابنا الحنابلة رجحه جمهورهم , وحمله القاضى على وجود مصحف سواه . وقد ذهب إلى القول باشتراط الإذن من مالك المصحف للقراءة فيه جمهور الشافعية .
وإن خاف غير وصى تلف المصحف بأرضة مثلا , خلافا للجوينى من فقهاء الشافعية . والقول باشتراط الاستئذان هو ظاهر كلام الإمام مالك فى المصحف المرهون .{101}
وخاصه بعض فقهاء المالكية بغير الوصى , إذ جوزوه له على سبيل الصيانة لمصحف المحجور . وعكس فقهاء الحنفية , فمنعوا القراءة فى مصحف غير البالغ وكذا المرهون فإن فعل المرتهن صار غاصبا .
وفرق محمد بن سيرين رحمه الله فى اعتبار الإذن للمرتهن فى القراءة من المصحف المرهون بين ما كان مرهونا بقرض وبين ما كان مرهونا ببيع , فمنعه فى {102}
الأول لكونه يفضى إلى قرض جر نفعا , وأجازه فى الثانى لعدم المحظور , حكى ذلك عنه ابن أبى داود فى كتاب المصاحف , وحكى عنه وعن الحسن البصرى جواز القراءة فى المصحف المرهون فى البيع .
وقد ذهب إلى القول بجواز القراءة فى مصحف الغير بدون إذن منه مطلقا فريق من أهل العلم , وهو وجه عند أصحابنا الحنابلة , عبر عنه بعضهم بقيل إشارة إلى تضعيفه , وهو الذى جزم به ابن عبد الهادى الحنبلى فى كتابه مغنى ذوى الأفهام ورمز إليه (ء) , إشارة إلى كون هذه المسألة من المسائل الغريبة .
لكن البهوتى من أصحابنا الحنابلة فى شرحه على الإقناع قد توهم التفريق بين مصحف المحجور , وبين غيره , إذ قال فى موضع من الشرح المذكور : (" ويلزم بذله " ) أى المصحف لمن احتاج إلى القراءة فيه , ولم يجد مصحفا غيره للضرورة ولا تجوز القراءة فيه بلا إذن مالكه , ولو مع عدم الضرر , لأن فيه افتياتا على ربه ). وقال فى موضع آخر : ( ولا يقرأ الولى ولا غيره فى مصحف اليتيم إن كان ذلك يخلقه – أى يبلى المصحف – لما فيه من الضرر عليه ) . {103}