تفسير قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت أنه دخل على أبيه وعنده رجلٌ من أهل العراق وهو يسأله عن الآية التي في {تبارك الّذي نزّل الفرقان على عبده}، والتي في النساء: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا}، فقال زيد: قد عرفت الناسخة من المنسوخة، نسختها التي في النساء بعدها بستة أشهر). [الجامع في علوم القرآن: 3/86-87]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {تبارك الّذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا}.
قال أبو جعفرٍ: تبارك: تفاعل من البركة
- كما حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قال: تبارك: تفاعل من البركة.
وهو كقول القائل: تقدّس ربّنا، فقوله: {تبارك الّذي نزّل الفرقان} يقول: تبارك الّذي نزّل الفصل بين الحقّ والباطل، فصلاً بعد فصلٍ، وسورةً بعد سورةٍ، على عبده محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، ليكون محمّدٌ لجميع الجنّ والإنس الّذين بعثه اللّه إليهم داعيًا إليه، نذيرًا: يعني منذرًا ينذرهم عقابه، ويخوّفهم عذابه، إن لم يوحّدوه، ولم يخلصوا له العبادة، ويخلعوا كلّ ما دونه من الآلهة والأوثان.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {تبارك الّذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا} قال: النّبيّ النّذير.
وقرأ: {وإن من أمّةٍ إلاّ خلا فيها نذيرٌ}، وقرأ: {وما أهلكنا من قريةٍ إلاّ لها منذرون}، قال: رسلٌ. قال: المنذرون: الرّسل. قال: وكان نذيرًا واحدًا بلغ ما بين المشرق والمغرب، ذو القرنين، ثمّ بلغ السّدّين، وكان نذيرًا، ولم أسمع أحدًا يحقّ أنّه كان نبيًّا. {وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ}، قال: من بلغه القرآن من الخلق، فرسول اللّه نذيره. وقرأ: {يا أيّها النّاس إنّي رسول اللّه إليكم جميعًا}، وقال: لم يرسل اللّه رسولاً إلى النّاس عامّةً إلاّ نوحًا، بدأ به الخلق، فكان رسول أهل الأرض كلّهم، ومحمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم ختم به). [جامع البيان: 17/394-395]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (تبارك الّذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا (1)
قوله تعالى: تبارك
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن العلاء، ثنا عثمان بن سعيدٍ الزّيّات أنبأ بشر بن عمارة، ثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قال: تبارك تفاعل من البركة- وروى عن أبي مالكٍ الغفاريّ نحو ذلك.
قوله تعالى: الّذي نزّل الفرقان
- حدّثنا أبي، ثنا عبدة أنبأ عبد اللّه بن المبارك أنبأ صفوان بن عمرٍو حدّثني عبد الرّحمن بن جبير بن نفيرٍ عن أبيه قال: جلسنا إلى المقداد بن الأسود يومًا فقال: لقد بعث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وجاهليّةً ما يرون أنّ دينًا أفضل من عبادة الأوثان فجاء بفرقانٍ فرّق بين الحقّ والباطل وفرّق بين الوالد وولده حتّى إنّ الرّجل ليرى والده أو ولده أو أخاه كافرًا قد فتح اللّه قفل قلبه للإيمان يعلم أنّه إن هلك دخل النّار فلا يقرّ عينًا وهو يعلم أنّ حبيبه في النّار وإنّها للّتي قال اللّه: الّذين يقولون ربّنا هب لنا من أزواجنا وذرّيّاتنا قرّة أعينٍ الآية.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا تليد بن سليمان عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: نزّل الفرقان قال: خواتيم سورة البقرة من كنزٍ تحت العرش.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه عن الرّبيع في قوله: نزّل الفرقان قال: الفرقان فرّق بين الحقّ والباطل.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا معاوية بن هشامٍ، ثنا سفيان عن رجلٍ عن مجاهدٍ قال: إنّما سمّي الفرقان لأنّه فرّق بين الحقّ والباطل.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: تبارك الّذي نزّل الفرقان على عبده يقول: الفرقان فيه حلال اللّه وحرامه وشرائعه ودينه فرّق بين الحقّ والباطل.
قوله تعالى: على عبده
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو كريبٍ، ثنا يونس بن بكيرٍ قال ابن إسحاق على عبده يعني محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: ليكون للعالمين نذيرًا
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا الوليد، ثنا الفرات ابن الوليد عن مغيث بن سميٍّ عن تبيعٍ قال: العالمين ألف أمّةٍ فستّمائةٍ في البحر وأربعمائةٍ في البرّ.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو غسّان مالك بن إسماعيل، ثنا قيسٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: للعالمين قال: الجنّ والإنس.
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محلّمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن في قوله: للعالمين قال: النّاس كلّهم.
قوله تعالى: نذيرًا
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة قوله: ليكون للعالمين نذيرًا بعث اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم نذيرًا من النّار وينذر بأس اللّه ووقائعه بمن خلا قبلكم.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ أنبأ أصبغ بن الفرج قال سمعت عبد الرّحمن بن زيدٍ في قول اللّه: ليكون للعالمين نذيرًا قال: النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم النّذير وقرأ: وإن من أمّةٍ إلا خلا فيها نذيرٌ وقرأ: وما أهلكنا من قريةٍ إلا لها منذرون قال: رسل المنذرين الرّسل قال: وكان نذيرًا واحدًا بلغ ما بين المشرق والمغرب ذو القرنين بلغ السّدّين، وكان نذيرًا ولم أسمع بحقٍّ أنّه كان نبيا). [تفسير القرآن العظيم: 8/2659-2660]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (بسم الله الرحمن الرحيم تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا * الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء
فقدره تقديرا * واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا * وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاؤوا ظلما وزورا * وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا * قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفورا رحيما * وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا * أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا أنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا * تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا * بل كذبوا بالساعة واعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: تبارك تفاعل من البركة). [الدر المنثور: 11/134]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده} قال: هو القرآن فيه حلال الله وحرامه وشرائعه ودينه فرق الله به بين الحق والباطل {ليكون للعالمين نذيرا} قال: بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم نذير من الله لينذر الناس بأس الله ووقائعه بمن خلا قبلكم {وخلق كل شيء فقدره تقديرا} قال: بين لكل شيء من خلقه صلاحه وجعل ذلك بقدر معلوم، {واتخذوا من دونه آلهة} قال: هي هذه الأوثان التي تعبد من دون الله {لا يخلقون شيئا وهم يخلقون} وهو الله الخالق الرازق وهذه الأوثان تخلق ولا تخلق شيئا ولا تضر ولا تنفع ولا تملك موتا ولا حياة ولا نشورا يعني بعثا {وقال الذين كفروا إن هذا} هذا قول مشركي العرب {إلا إفك} هو الكذب {افتراه وأعانه عليه} أي على حديثه هذا وأمره {قوم آخرون فقد جاؤوا} فقد أتوا {ظلما وزورا} {وقالوا أساطير الأولين} قال: كذب الأولين وأحاديثهم {وقالوا ما لهذا الرسول} قال: عجب الكفار من ذلك أن يكون رسول {يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها} قال الله يرد عليهم {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك} يقول: خيرا مما قال الكفار من الكنز والجنة {جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا} قال: وأنه والله من دخل الجنة ليصيبن قصورا لا تبلى ولا تهدم). [الدر المنثور: 11/134-135]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (والفرقان الفارق بين الحلال والحرام الذي جمعت منافعه وعمت فوائده). [إرشاد الساري: 7/271]
تفسير قوله تعالى: (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الّذي له ملك السّموات والأرض ولم يتّخذ ولدًا ولم يكن له شريكٌ في الملك وخلق كلّ شيءٍ فقدّره تقديرًا}.
يقول تعالى ذكره: {تبارك الّذي نزّل الفرقان} {الّذي له ملك السّموات والأرض} فـ الّذي من نعت الّذي الأولى، وهما جميعًا في موضع رفعٍ، الأولى بقوله {تبارك}، والثّانية نعتٌ لها.
ويعني بقوله: {الّذي له ملك السّموات والأرض} الّذي له سلطان السّماوات والأرض ينفذ في جميعها أمره وقضاءه، ويمضي في كلّها أحكامه. يقول: فحقٌّ على من كان كذلك أن يطيعه أهل مملكته ومن في سلطانه، ولا يعصوه. يقول: فلا تعصوا نذيري إليكم أيّها النّاس، واتّبعوه، واعملوا بما جاءكم به من الحقّ.
{ولم يتّخذ ولدًا} يقول تكذيبًا لمن أضاف إليه الولد وقال: الملائكة بنات اللّه: ما اتّخذ الّذي نزّل الفرقان على عبده ولدًا، فمن أضاف إليه ولدًا فقد كذب وافترى على ربّه.
{ولم يكن له شريكٌ في الملك} يقول تكذيبًا لمن كان يضيف الألوهة إلى الأصنام ويعبدها من دون اللّه من مشركي العرب، ويقول في تلبيته: لبّيك لا شريك لك، إلاّ شريكًا هو لك، تملكه وما ملك: كذب قائلو هذا القول، ما كان للّه شريكٌ في ملكه وسلطانه، فيصلح أن يعبد من دونه يقول تعالى ذكره: فأفردوا أيّها النّاس لربّكم الّذي نزّل الفرقان على عبده محمّدٍ نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم الألوهة، وأخلصوا له العبادة، دون كلّ ما تعبدونه من دونه من الآلهة والأصنام والملائكة والجنّ والإنس، فإنّ كلّ ذلك خلقه وفي ملكه، فلا تصلح العبادة إلاّ للّه الّذي هو مالك جميع ذلك.
وقوله: {وخلق كلّ شيءٍ} يقول تعالى ذكره: وخلق الّذي نزّل على محمّدٍ الفرقان كلّ شيءٍ، فالأشياء كلّها خلقه وملكه، وعلى المماليك طاعة مالكهم، وخدمة سيّدهم دون غيره. يقول: وأنا خالقكم، ومالككم، فأخلصوا لي العبادة دون غيري.
وقوله: {فقدّره تقديرًا} يقول: فسوّى كلّ ما خلق وهيّأه لما يصلح له، فلا خلل فيه ولا تفاوت). [جامع البيان: 17/395-396]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (الّذي له ملك السّماوات والأرض ولم يتّخذ ولدًا ولم يكن له شريكٌ في الملك وخلق كلّ شيءٍ فقدّره تقديرًا (2)
قوله تعالى: الذي له ملك السماوات والأرض
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن العلاء أبو كريب، ثنا عثمان ابن سعيدٍ، ثنا سعيدٍ، ثنا بشر بن عمارة، ثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ قال: قال جبريل: يا محمّد للّه الخلق كلّه السّماوات كلّهنّ ومن فيهنّ والأرضون كلّهنّ ومن فيهنّ وما بينهنّ ممّا يعلم وممّا لا يعلم يقول: اعلم يا محمّد أنّ ربّك هذا لا يشبهه شيءٌ بالصّفة الّتي ألهمك.
قوله تعالى: ولم يتّخذ ولدًا
- حدّثنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ أنبأ حفص بن عمر العدنيّ، ثنا الحكم ابن أبان، عن عكرمة قال: قالت اليهود عزيرٌ ابن اللّه وقالت النّصارى المسيح ابن اللّه وقالت الصّابئة نحن نعبد الملائكة من دون اللّه وقالت المجوس نحن نعبد الشّمس والقمر من دون اللّه، وقال أهل الأوثان نحن نعبد الأوثان من دون اللّه، فأوحى اللّه إلى نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليكذّب قولهم: ولم يتّخذ ولدًا
قوله تعالى: ولم يكن له شريكٌ في الملك
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهبٍ أنبأ أبو صخرٍ، عن القرظيّ محمّد بن كعبٍ في هذه الآية: ولم يكن له شريكٌ في الملك قال: قالت اليهود والنّصارى: اتّخذ اللّه ولدًا وقالت العرب: لبّيك اللّهمّ لبّيك لا شريك لك إلّا شريكًا هو لك، وقالت الصّابئة والمجوس: لولا أولياء اللّه لذلّ اللّه فأنزل اللّه عزّ وجلّ: لم يتّخذ ولدًا ولم يكن له شريكٌ في الملك
قوله تعالى: وخلق كلّ شيءٍ
- أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ إسماعيل بن عبد الكريم حدّثني عبد الصّمد بن معقلٍ أنّه سمع عمّه وهب بن منبّهٍ يقول: قال عزيرٌ اللّهمّ ربّ إنّك تسمّيت الرّحمن الرّحيم أرحم الرّاحمين لأنّك ترحم الخاطئين وتتجاوز، عن المذنبين وتسمّيت الجواد لأنّك تعطي أكثر ممّا تسأل إنّما نحن خلقك وعمل يديك خلقت أجسادنا في أرحام أمّهاتنا وصوّرتنا كيف تشاء بقدرتك جعلت لنا أركانًا وجعلت فيها عظامًا وشققت لنا أسماعًا وأبصارًا ثمّ جعلت لها في تلك الظّلمة نورًا وفي ذلك الضّيق فسحًا وفي ذلك الفم روحًا ثمّ هيّأت لها بحكمتك رزق الحامل والمحمول كلاهما أنت تحمل وترزق فلمّا أخرجته لمدّته أمرت الأركان فتجلّبت وأمرت العروق فتشبّكت وخلقت له لبنًا صافيًا من فضلك وجعلته لخلقك الّذي خلقت رزقًا ثمّ هيّأت له من فضلك رزقًا يقوته على مشيئتك ثمّ وعظته بكتابك ثمّ قضيت عليه الموت لا محالة ثمّ أنت تعيده كما بدأته.
قوله تعالى: فقدّره تقديرًا
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: وخلق كلّ شيءٍ فقدّره تقديرًا من خلقه وصلاحه وجعل ذلك بقدرٍ معلومٍ). [تفسير القرآن العظيم: 8/2661-2662]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده} قال: هو القرآن فيه حلال الله وحرامه وشرائعه ودينه فرق الله به بين الحق والباطل {ليكون للعالمين نذيرا} قال: بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم نذير من الله لينذر الناس بأس الله ووقائعه بمن خلا قبلكم {وخلق كل شيء فقدره تقديرا} قال: بين لكل شيء من خلقه صلاحه وجعل ذلك بقدر معلوم، {واتخذوا من دونه آلهة} قال: هي هذه الأوثان التي تعبد من دون الله {لا يخلقون شيئا وهم يخلقون} وهو الله الخالق الرازق وهذه الأوثان تخلق ولا تخلق شيئا ولا تضر ولا تنفع ولا تملك موتا ولا حياة ولا نشورا يعني بعثا {وقال الذين كفروا إن هذا} هذا قول مشركي العرب {إلا إفك} هو الكذب {افتراه وأعانه عليه} أي على حديثه هذا وأمره {قوم آخرون فقد جاؤوا} فقد أتوا {ظلما وزورا} {وقالوا أساطير الأولين} قال: كذب الأولين وأحاديثهم {وقالوا ما لهذا الرسول} قال: عجب الكفار من ذلك أن يكون رسول {يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها} قال الله يرد عليهم {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك} يقول: خيرا مما قال الكفار من الكنز والجنة {جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا} قال: وإنه والله من دخل الجنة ليصيبن قصورا لا تبلى ولا تهدم). [الدر المنثور: 11/134-135] (م)
تفسير قوله تعالى: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واتّخذوا من دونه آلهةً لا يخلقون شيئًا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا ولا يملكون موتًا ولا حياةً ولا نشورًا}.
يقول تعالى ذكره مقرّعًا مشركي العرب بعبادتهم ما دونه من الآلهة، ومعجّبًا أولي النّهى منهم، ومنبّههم على موضع خطأ فعلهم وذهابهم عن منهج الحقّ، وركوبهم من سبل الضّلالة ما لا يركبه إلاّ كلّ مدخول الرّأي، مسلوب العقل: واتّخذ هؤلاء المشركون بالله من دون الّذي له ملك السّماوات والأرض وحده، من غير شريكٍ، الّذشي خلق كلّ شيءٍ فقدّره – {ءالهة}: يعني أصنامًا بأيديهم يعبدونها، لا تخلق شيئًا وهي تخلق، ولا تملك لأنفسها نفعًا تجرّه إليها، ولا ضرًّا تدفعه عنها ممّن أرادها بضرٍّ، ولا تملك إماتة حيٍّ، ولا إحياء ميّتٍ، ولا نشره من بعد مماته، وتركوا عبادة خالق كلّ شيءٍ، وخالق آلهتهم، ومالك الضّرّ والنّفع، والّذي بيده الموت والحياة والنّشور.
والنّشور: مصدر نشر الميّت نشورًا، وهو أن يبعث ويحيا بعد الموت). [جامع البيان: 17/396-397]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (واتّخذوا من دونه آلهةً لا يخلقون شيئًا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا ولا يملكون موتًا ولا حياةً ولا نشورًا (3)
قوله تعالى: واتّخذوا من دونه آلهةً
- به عن قتادة: واتّخذوا من دونه آلهةً وهي هذه الأوثان الّتي تعبد من دون اللّه عزّ وجلّ.
قوله تعالى: لا يخلقون شيئًا وهم يخلقون
- وبه عن قتادة قوله: لا يخلقون شيئًا وهم يخلقون وهو اللّه الخالق الرّازق وهذه الأوثان الّتي تعبد من دون اللّه تخلق ولا تخلق شيئًا.
قوله تعالى: ولا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا
- حدّثنا أبي ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: ضرًّا ولا نفعًا ضرًّا قال: ضلالةً.
قوله تعالى: ولا يملكون موتًا ولا حياةً
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: ولا يملكون موتًا ولا حياةً وهي هذه الأوثان الّتي تعبد من دون اللّه لا تضرّ ولا تنفع ولا تملك موتًا ولا حياةً وفي قوله: ولا نشورًا أي: ولا بعثًا). [تفسير القرآن العظيم: 8/2662]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده} قال: هو القرآن فيه حلال الله وحرامه وشرائعه ودينه فرق الله به بين الحق والباطل {ليكون للعالمين نذيرا} قال: بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم نذير من الله لينذر الناس بأس الله ووقائعه بمن خلا قبلكم {وخلق كل شيء فقدره تقديرا} قال: بين لكل شيء من خلقه صلاحه وجعل ذلك بقدر معلوم، {واتخذوا من دونه آلهة} قال: هي هذه الأوثان التي تعبد من دون الله {لا يخلقون شيئا وهم يخلقون} وهو الله الخالق الرازق وهذه الأوثان تخلق ولا تخلق شيئا ولا تضر ولا تنفع ولا تملك موتا ولا حياة ولا نشورا يعني بعثا {وقال الذين كفروا إن هذا} هذا قول مشركي العرب {إلا إفك} هو الكذب {افتراه وأعانه عليه} أي على حديثه هذا وأمره {قوم آخرون فقد جاؤوا} فقد أتوا {ظلما وزورا} {وقالوا أساطير الأولين} قال: كذب الأولين وأحاديثهم {وقالوا ما لهذا الرسول} قال: عجب الكفار من ذلك أن يكون رسول {يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها} قال الله يرد عليهم {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك} يقول: خيرا مما قال الكفار من الكنز والجنة {جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا} قال: وإنه والله من دخل الجنة ليصيبن قصورا لا تبلى ولا تهدم). [الدر المنثور: 11/134-135] (م)
تفسير قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقال الّذين كفروا إن هذا إلاّ إفكٌ افتراه وأعانه عليه قومٌ آخرون فقد جاءوا ظلمًا وزورًا}.
يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء الكافرون باللّه الّذين اتّخذوا من دونه آلهةً: ما هذا القرآن الّذي جاءنا به محمّدٌ {إلاّ إفكٌ} يعني: إلاّ كذبٌ وبهتانٌ، {افتراه} اختلقه وتخرّصه، وتقوّله {وأعانه عليه قومٌ آخرون} ذكر أنّهم كانوا يقولون: إنّما يعلّم محمّدًا هذا الّذي يجيئنا به اليهود، فذلك قوله: {وأعانه عليه قومٌ آخرون} يقول: وأعان محمّدًا على هذا الإفك الّذي افتراه يهود.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {وأعانه عليه قومٌ آخرون} قال: يهود.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وقوله: {فقد جاءوا ظلمًا وزورًا} يقول تعالى ذكره: فقد أتى قائلو هذه المقالة، يعني الّذين قالوا: {إن هذا إلاّ إفكٌ افتراه وأعانه عليه قومٌ آخرون} ظلمًا، يعني بالظّلم: نسبتهم كلام اللّه، وتنزيله إلى أنّه إفكٌ افتراه محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقد بيّنّا فيما مضى أنّ معنى الظّلم: وضع الشّيء في غير موضعه، فكان ظلم قائلي هذه المقالة القرآن بقيلهم هذا، وصفهم إيّاه بغير صفته. والزّور: أصله تحسين الباطل.
فتأويل الكلام: فقد أتى هؤلاء القوم في قيلهم {إن هذا إلاّ إفكٌ افتراه وأعانه عليه قومٌ آخرون} كذبًا محضًا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، وحدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {فقد جاءوا ظلمًا وزورًا} قال: كذبًا). [جامع البيان: 17/397-399]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وقال الّذين كفروا
- حدّثنا عليّ بن الحسين الهسنجانيّ، ثنا أبو الجماهر، ثنا سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة يعني قوله: وقال الّذين كفروا قال: هذا قول مشركي العرب.
قوله تعالى: إن هذا إلا إفكٌ افتراه
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا يحيى بن يمانٍ عن أشعث، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قال: كلّ شيءٍ في القرآن إفكٌ فهو كذبٌ.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: وقال الّذين كفروا إن هذا إلا إفكٌ افتراه والإفك هو: الكذب
قوله تعالى: وأعانه عليه
- به عن قتادة قوله: وأعانه عليه أي على حديثه هذا وأمره.
قوله تعالى: قومٌ آخرون
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: وأعانه عليه قومٌ آخرون قال: يهود.
قوله تعالى: فقد جاؤ ظلمًا وزورًا
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: فقد جاؤ ظلمًا وزورًا قد أتوا ظلمًا وزورًا.
قوله تعالى: وزورًا
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: ظلمًا وزورًا كذبًا.
.... ). [تفسير القرآن العظيم: 8/2662-2663]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وأعانه عليه قوم آخرون قال يهود تقوله). [تفسير مجاهد: 447]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فقد جاؤوا ظلما وزروا قال الظلم الكذب). [تفسير مجاهد: 447]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده} قال: هو القرآن فيه حلال الله وحرامه وشرائعه ودينه فرق الله به بين الحق والباطل {ليكون للعالمين نذيرا} قال: بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم نذير من الله لينذر الناس بأس الله ووقائعه بمن خلا قبلكم {وخلق كل شيء فقدره تقديرا} قال: بين لكل شيء من خلقه صلاحه وجعل ذلك بقدر معلوم، {واتخذوا من دونه آلهة} قال: هي هذه الأوثان التي تعبد من دون الله {لا يخلقون شيئا وهم يخلقون} وهو الله الخالق الرازق وهذه الأوثان تخلق ولا تخلق شيئا ولا تضر ولا تنفع ولا تملك موتا ولا حياة ولا نشورا يعني بعثا {وقال الذين كفروا إن هذا} هذا قول مشركي العرب {إلا إفك} هو الكذب {افتراه وأعانه عليه} أي على حديثه هذا وأمره {قوم آخرون فقد جاؤوا} فقد أتوا {ظلما وزورا} {وقالوا أساطير الأولين} قال: كذب الأولين وأحاديثهم {وقالوا ما لهذا الرسول} قال: عجب الكفار من ذلك أن يكون رسول {يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها} قال الله يرد عليهم {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك} يقول: خيرا مما قال الكفار من الكنز والجنة {جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا} قال: وإنه والله من دخل الجنة ليصيبن قصورا لا تبلى ولا تهدم). [الدر المنثور: 11/134-135] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: كل شيء في القرآن إفك فهو كذب). [الدر المنثور: 11/135]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {وأعانه عليه قوم آخرون} قال: يهود {فقد جاؤوا ظلما وزورا} قال: كذبا). [الدر المنثور: 11/136]
تفسير قوله تعالى: (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ( {تملى عليه} [الفرقان: 5] : " تقرأ عليه، من أمليت وأمللت). [صحيح البخاري: 6/109]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله أساطير تقدّم في تفسير سورة الأنعام). [فتح الباري: 8/491]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تملى عليه تقرأ عليه من أمليت وأمللت قال أبو عبيدة في قوله فهي تملى عليه أي تقرأ عليه وهو من أمليت عليه وهي في موضعٍ آخر أمللت عليه يشير إلى قوله تعالى في سورة البقرة وليملل الّذي عليه الحق). [فتح الباري: 8/491]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (تملى عليه أي تقرأ عليه من أمليت وأمللت
أشار به إلى قوله تعالى: {وقالوا أساطير الأوّلين} (الفرقان: 5) اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا، وفسّر: (تملى عليه) بقوله: (تقرأ عليه) ، قوله: (وقالوا) أي: الكفّار، (أساطير الأوّلين) يعني: ما سطره المتقدمون من نحو أحاديث رستم وإسفنديار، والأساطير جمع إسطار وأسطورة كأحدوثة. قوله: اكتتبها: يعني أمر بكتبها لنفسه وأخذها، وقيل: المعنى أكتتبها كاتب له لأنّه كان أمّيا لا يكتب بيده، وذلك من تمام إعجازه. قوله: (من أمليت) ، أشار به إلى أن تملى من أمليت من الإملاء، وأشار بقوله: (أمللت) إلى أن الإملال لغة في الإملاء، وقال الجوهري: أمليت الكتاب أملي وأمللته أمله لغتان جيدتان جاء بهما القرآن، كقوله تعالى: {فليملل الّذي عليه الحق} (البقرة: 282) ). [عمدة القاري: 19/94]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (تملى عليه) في قوله: {وقالوا أساطير الأوّلين اكتتبها فهي تملى عليه} [الفرقان: 5] أي (تقرأ عليه من أمليت) بتحتية ساكنة بعد اللام (وأمللت) بلام بدل التحتية والمعنى أن هذا القرآن ليس من الله إنما سطره الأوّلون فهي تقرأ عليه ليحفظها). [إرشاد الساري: 7/272]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقالوا أساطير الأوّلين اكتتبها فهي تملى عليه بكرةً وأصيلاً (5) قل أنزله الّذي يعلم السّرّ في السّموات والأرض إنّه كان غفورًا رحيمًا}.
ذكر أنّ هذه الآية نزلت في النّضر بن الحارث، وأنّه المعنيّ بقوله: {وقالوا أساطير الأوّلين}.
ذكر الرّواية بذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثنا شيخٌ، من أهل مصر، قدم منذ بضعٍ وأربعين سنةً، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: كان النّضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدّار بن قصيٍّ من شياطين قريشٍ، وكان يؤذي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وينصب له العداوة، وكان قد قدم الحيرة، تعلّم بها أحاديث ملوك فارس، وأحاديث رستم وأسفنديار، فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا جلس مجلسًا فذكّر باللّه، وحدّث قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة اللّه، خلفه في مجلسه إذا قام، ثمّ يقول: أنا واللّه يا معشر قريشٍ أحسن حديثًا منه، فهلمّوا، فأنا أحدّثكم أحسن من حديثه ثمّ يحدّثهم عن ملوك فارس ورستم وأسفنديار، ثمّ يقول: ما محمّدٌ أحسن حديثًا منّي قال: فأنزل اللّه تبارك وتعالى في النّضر ثماني آياتٍ من القرآن قوله: {إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأوّلين}، وكلّ ما ذكر فيه الأساطير في القرآن.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيدٍ، أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ نحوه، إلاّ أنّه جعل قوله: فأنزل اللّه في النّضر ثماني آياتٍ، عن ابن إسحاق، عن الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {أساطير الأوّلين} أشعارهم وكهانتهم؛ وقالها النّضر بن الحارث.
فتأويل الكلام: وقال هؤلاء المشركون باللّه، الّذين قالوا لهذا القرآن: إن هذا إلاّ إفكٌ افتراه محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم: هذا الّذي جاءنا به محمّدٌ أساطير الأوّلين، يعنون: أحاديثهم الّتي كانوا يسطّرونها في كتبهم، اكتتبها محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم من يهود. {فهي تملى عليه} يعنون بقولهم: {فهي تملى عليه} فهذه الأساطير تقرأ عليه، من قولهم: أمليت عليك الكتاب وأمللت. {بكرةً} غدوةً، {وأصيلاً} يقول: وتملى عليه غدوةً وعشيًّا). [جامع البيان: 17/399-401]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وقالوا أساطير الأوّلين اكتتبها فهي تملى عليه بكرةً وأصيلًا (5)
قوله تعالى: وقالوا أساطير الأوّلين
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة: وقالوا أساطير الأوّلين أي كذب الأوّلين وباطلهم.
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة: قالوا أساطير الأوّلين يقول: أحاديث الأولين وباطلهم.
قوله تعالى: فهي تملى عليه بكرةً وأصيلا
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عبد الرّحيم الرّزيقيّ، ثنا ابن المبارك، عن الرّبيع بن أنسٍ حدّثني أبو العالية في قوله: بكرةً قال: صلاة الفجر وقوله: وأصيلا قال: صلاة العصر). [تفسير القرآن العظيم: 8/2663-2664]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده} قال: هو القرآن فيه حلال الله وحرامه وشرائعه ودينه فرق الله به بين الحق والباطل {ليكون للعالمين نذيرا} قال: بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم نذير من الله لينذر الناس بأس الله ووقائعه بمن خلا قبلكم {وخلق كل شيء فقدره تقديرا} قال: بين لكل شيء من خلقه صلاحه وجعل ذلك بقدر معلوم، {واتخذوا من دونه آلهة} قال: هي هذه الأوثان التي تعبد من دون الله {لا يخلقون شيئا وهم يخلقون} وهو الله الخالق الرازق وهذه الأوثان تخلق ولا تخلق شيئا ولا تضر ولا تنفع ولا تملك موتا ولا حياة ولا نشورا يعني بعثا {وقال الذين كفروا إن هذا} هذا قول مشركي العرب {إلا إفك} هو الكذب {افتراه وأعانه عليه} أي على حديثه هذا وأمره {قوم آخرون فقد جاؤوا} فقد أتوا {ظلما وزورا} {وقالوا أساطير الأولين} قال: كذب الأولين وأحاديثهم {وقالوا ما لهذا الرسول} قال: عجب الكفار من ذلك أن يكون رسول {يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها} قال الله يرد عليهم {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك} يقول: خيرا مما قال الكفار من الكنز والجنة {جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا} قال: وإنه والله من دخل الجنة ليصيبن قصورا لا تبلى ولا تهدم). [الدر المنثور: 11/134-135] (م)
تفسير قوله تعالى: (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {قل أنزله الّذي يعلم السّرّ في السّموات والأرض} يقول تعالى ذكره: قل يا محمّد لهؤلاء المكذّبين بآيات اللّه من مشركي قومك: ما الأمر كما تقولون من أنّ هذا القرآن أساطير الأوّلين، وأنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم افتراه وأعانه عليه قومٌ آخرون، بل هو الحقّ، أنزله الرّبّ الّذي يعلم سرّ من في السّموات ومن في الأرض، ولا يخفى عليه شيءٌ، وهو محصي ذلك على خلقه، ومجازيهم بما عزمت عليه قلوبهم، وأضمروه في نفوسهم. {إنّه كان غفورًا رحيمًا} يقول: إنّه لم يزل يصفح عن خلقه ويرحمهم، فيتفضّل عليهم بعفوه، يقول: فلأنّ ذلك من عادته في خلقه، يمهلكم أيّها القائلون ما قلتم من الإفك، والفاعلون ما فعلتم من الكفر.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {قل أنزله الّذي يعلم السّرّ في السّموات والأرض} قال: ما يسرّ أهل الأرض وأهل السّماء). [جامع البيان: 17/401-402]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قل أنزله الّذي يعلم السّرّ في السّماوات والأرض إنّه كان غفورًا رحيمًا (6)
قوله تعالى: قل أنزله الّذي يعلم السر في السماوات والأرض
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قال: قال ابن عبّاسٍ: خلق اللّه اللّوح المحفوظ كمسيرة مائة عامٍ فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق وهو على العرش تبارك وتعالى: اكتب فقال القلم: وما أكتب؟ قال: علمي في خلقي إلى يوم تقوم السّاعة، فجرى القلم بما هو كائنٌ في علم اللّه إلى يوم القيامة فذلك يقول للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: يعلم ما في السّماء والأرض.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: يعلم السّرّ قال: السّرّ ما أسرّ ابن آدم في نفسه.
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا أبو عامرٍ العقديّ، ثنا سفيان، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ قال: السّرّ ما حدّثت به نفسك.
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً أنا ابن وهبٍ أنبأ حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم في قول اللّه: يعلم السّرّ قال: يعلم سرار العبد، تقدّم تفسيره غير مرّةٍ.
قوله تعالى: إنّه كان غفورًا رحيمًا
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاءٌ، عن سعيد بن جبير قوله: غفورًا يعنى لما كان منهم في الشّرك،: رحيمًا بهم في الإسلام). [تفسير القرآن العظيم: 8/2664]