العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 08:21 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي توجيه القراءات في سورة آل عمران

توجيه القراءات في سورة آل عمران


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 08:21 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي مقدمات سورة آل عمران

مقدمات توجيه القراءات في سورة آل عمران
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (سورة آل عمران). [معاني القراءات وعللها: 1/241]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (ومن السورة التي يذكر فيها (آل عمران) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/108]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (ذكر اختلافهم في سورة آل عمران). [الحجة للقراء السبعة: 3/5]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): ( [آخر الكلام في سورة آل عمران] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/118]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (سورة آل عمران). [المحتسب: 1/151]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : (3 - سورة آل عمران). [حجة القراءات: 153]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (سورة آل عمران). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/334]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (سورة آل عمران). [الموضح: 360]

نزول السورة:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (مدنية). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/334]

عد الآي:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (وهي مائتا آية في المدني والكوفي). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/334]

ياءات الإضافة:
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): ( (واختلف القراء في ستة آيات)
{وجهي لله} [20] فتحها نافع وحفص، عن عاصم، وأسكنها الباقون.
{وتقبل مني إنك} [35]
فتحها نافع وأبو عمرو، وأسكنها الباقون.
{وإني أعيذها} [36].
فتحها نافع وحده، وأسكنها الباقون.
و{اجعل لي آية} [41].
فتحها نافع وأبو عمرو، وأسكنها الباقون). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/126]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (117- فيها ست ياءات إضافة:
{وجهي لله} «20» قرأها نافع وابن عامر وحفص بالفتح.
{مني إنك} «35»، {اجعل لي آية} «41» قرأهما نافع وأبو عمرو بالفتح.
{إني أعيذها} «36»، {من أنصاري إلى} «52» قرأهما نافع بالفتح.
{أني أخلق} «49» قرأها الحرميان وأبو عمرو بالفتح). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/374]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (فيها ست ياءات للمتكلم وهن:
{وَجْهِيَ لله}، {فَتَقَبَّلْ مِنِّي إنَّك}، {إنِّي أُعِيذُها}، {اجْعَلْ لِيَ آيَةً}، {أَنِّيَ أَخْلُقُ}، {مَنْ أَنْصَارِيَ إلى الله}.
فتحهن كلهن نافع.
وفتح ابن كثير واحدةً وه] أَنِّيَ أَخْلُقُ لَكُمْ}، وأسكن البواقي.
وفتح أبو عمرو ثلاثًا {مِنِّيَ إنَّكَ}، {اجْعَلْ لي آيَةً}، {إنِّيَ أَخْلُقُ}، وأسكن البواقي.
وفتح ابن عامر و- ص- عن عاصم واحدةً {وَجْهِيَ لله}.
وأسكنهن كلهن حمزة والكسائي و-ياش- عن عاصم ويعقوب.
والوجه أن الفتح في هذه الياءات أصل كما في ضربتك، ولأن الأصل فيما كان على حرف واحد اسمًا كان أو حرفًا أن تكون حركته الفتح لخفته.
وأما إسكانها فلأن الياء تشبه الألف، فكما أن الألف ساكن ألبتة، فكذلك
[الموضح: 399]
استحبوا في الياء سكونها، سيما وقد انكسر ما قبلها ليتوفر حظها من المد، فيتحقق فيها شبه الألف). [الموضح: 400]

الياءات الزائدة:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (118- فيها زائدتان، قوله: {ومن اتبعن} «20» قرأه نافع وأبو عمرو بياء في الوصل.
قوله: {وخافون} «175» قرأه أبو عمرو بياء في الوصل، وقد قدمنا الحجة في ذلك). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/374]

الياءات المحذوفة:
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (واختلفوا في إثبات ياءين وحذفهما {ومن اتبعن} [20] و{وخافون} [175] أثبتهما أبو عمرو ونافع في رواية إسماعيل وأسقطهما الباقون). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/126]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (فيها ثلاث ياءات حذفن من الخط، وهن:-
{وَمَنِ اتّبَعَنِي} و{أَطِيعُونِي} و{خَافُونِي}.
فأثبتهن كلهن يعقوب في الوصل والوقف.
ووصل أبو عمرو و- يل- عن نافع اثنين: {ومَن اتَّبَعَنِي} و{خَافُونِي} بالياء، ووقفا عليهما بغير ياءٍ.
و- ش- و- ن- عن نافع {ومَنِ اتّبَعَنِي} بياء في الوصل دون الوقف، و{خَافُونِ} بغير ياء في الحالين.
وقرأ الباقون بغير ياءٍ فيهن جميعًا في الحالين.
والوجه أن الأصل أن تثبت هذه الياءات، وحذفها لأجل التخفيف، فإن الكسرة التي بقيت تدل عليها، فمعناها حاصل، والشيء إذا أفاد محذوفًا ما يفيده ثابتًا، كان حذفه هو الأحسن.
فالإثبات إذن أصل، والحذف تخفيف، وإثبات البعض وحذف البعض أخذ بالوجهين). [الموضح: 400]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 08:23 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (1) إلى الآية (4) ]
بسم الله الرحمن الرحيم

{الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) }

قوله تعالى: {الم (1)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قال أبو بكر: قراءة الأعشى عن أبي بكر عن عاصم: (الم (1) اللّه... (2)
الميم ساكنة ومن اسم الله مقطوعة.
وقرأ الباقون: (الم (1) اللّه) ألقوا فتحة الألف على الميم وحذفوها في الوصل.
وقال أبو إسحاق النحوي روي عن الرؤاسي: (الم الله) بتسكين الميم.
قال: وقد رويت هذه القراء عن عاصم.
قال: والمضبوط عن عاصم في رواية أبي بكر بن عياش وابن عمر بفتح الميم. قال: ففتح الميم إجماع من النحويين.
قال: واختلف النحويون في علة فتح الميم.
فقال بعضهم: فتحت لالتقاء الساكنين،
[معاني القراءات وعللها: 1/241]
وقال بعضهم: طرحت عليها فتحة الهمزة؛ لأن نية حروف
الهجاء الوقف، وهذا قول الكوفيين.
وقال الأخفش: إن الميم لو كسرت لالتقاء الساكنين فقيل (الم الله) لجاز.
قال أبو إسحاق: وهذا غلط من الأخفش؛ لأن قبل الميم ياء مكسور ما قبلها، فحقها الفتح لالتقاء الساكنين؛ ولثقل الكسر مع الياء.
وقال مجاهد: إنما قرأ القراء (الم الله) لأنهم ألقوا فتحة الألف على الميم وحذفوها في الوصل). [معاني القراءات وعللها: 1/242]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرءوا كلّهم: الم الله [آل عمران/ 1] مفتوحة الميم والألف ساقطة إلّا ما حدثني به القاضي موسى بن إسحاق الأنصاري قال: حدثنا أبو هشام الرفاعي قال: حدثنا
[الحجة للقراء السبعة: 3/5]
يحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم أنّه قرأ (الم) ثم قطع وابتدأ (الله) ثم سكّن فيها. قال يحيى بن آدم وآخر ما حفظت عنه (الم الله) مثل حمزة.
[حدثنا ابن مجاهد قال]: حدثنا موسى بن إسحاق قال: حدثنا أبو هشام الرفاعي قال: سمعت أبا يوسف الأعشى قرأها على أبي بكر (الم) ثم قطع فقال: (الله) بالهمز.
[الحجة للقراء السبعة: 3/6]
حدثنا ابن مجاهد قال: حدثني محمد بن الجهم عن ابن أبي أمية عن أبي بكر عن عاصم الم جزم، ثم ابتدأ ألله.
[حدثنا ابن مجاهد قال]: حدثني أحمد بن محمد ابن صدقة قال: حدثنا أبو الأسباط عن عبد الرحمن بن أبي حماد عن أبي بكر عن عاصم أنّه قرأ: (الم الله) بتسكين
[الحجة للقراء السبعة: 3/7]
الميم وقطع الألف. [حدثنا ابن مجاهد قال]: حدثني محمد بن الجهم عن الفرّاء قال: قرأ عاصم: الم جزم [و] الله مقطوع. والمعروف عن عاصم الم الله موصولة. و حفص عن عاصم الم (صل) الله مفتوحة الميم غير مهموزة الألف.
قال أبو علي: اتفاق الجميع على إسقاط الألف الموصولة في اسم الله وذاك أن الميم ساكنة كما أن سائر حروف التهجي مبنية على الوقف فلمّا التقت الميم الساكنة، ولام التعريف حرّكت الميم بالفتح للساكن الثالث الذي هو لام المعرفة. والدّليل على أنّ التحريك للساكن الثالث- وهو مذهب سيبويه- أن حروف التهجي يجتمع فيها الساكنان نحو كهيعص [مريم/ 1] وحم عسق وذلك أنّها مبنيّة على الوقف، كما أنّ أسماء العدد كذلك فحرّكت الميم للساكن
[الحجة للقراء السبعة: 3/8]
الثالث بالفتح كما حرّكت النون في قوله: من الله [آل عمران/ 15] ومن المسلمين [يونس/ 72] ومن البقر اثنين [الأنعام/ 144] بالفتح لالتقاء الساكنين.
فأمّا ما روي عن عاصم من قطعه الألف، فكأنّه قدّر الوقوف على الميم، واستأنف (الله)، فقطع الهمزة للابتداء بها. والوجه ما عليه الجماعة، وما وافقهم هو أيضا عليه، من أنّ الهمزة تسقط في الوصل، فإذا سقطت لم يجز أن تلقى لها حركة على ما قبلها.
والّذي حكاه سيبويه من قولهم: ثلاثة اربعة، لم تحمل عليه هذه الآية، ألا ترى أنّه ذهب إلى أنّ الحركة فيها لالتقاء الساكنين، وأنّه في الفتح لالتقاء الساكنين بمنزلة قوله:
من الله.
وأمّا ما حكاه بعض البغداديين من قوله: مريب الذي جعل [ق/ 25/ 26]. فإنّه حرّك النّون بالفتح كما حرّك في قولهم: من الله به.
ولا يجوز أن تكون الفتحة لهمزة الوصل ألقيت على النون، لأنّ الهمزة إذا أوجب الإدراج إسقاطها لم تبق لها حركة تلقى على شيء، ولم يأت في نحو هذا عنهم شيء فيما علمناه، كما جاء (ثلاثة اربعة) ). [الحجة للقراء السبعة: 3/9]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قال أبو محمد: قد ذكرنا، في سورة البقرة، من وجدنا ممن قرأ في كل حرف من الصدر الأول، ولست آخذ ذلك في كل القرآن ولا في كل حرف، إلا عن تطويل كثير، فيطول الكتاب لذلك، وأنا أقتصر على ذكر القراء المشهورين فقط في باقي القرآن، إلا أن نجد نصا على قراءة النبي عليه السلام، أو قراءة أصحابه رضي الله عنه، فنذكر ذلك لا غير، وما لم نجد فيه شيئًا اكتفيت فيه بذكر القراء المشهورين، فاعلم ذلك وكل ما تقدم الكلام فيه، والعلل في قراءته من الأصول، وغير ذلك من الحروف، نستغني بذكره متقدمًا عن إعادته، فذلك أخصر، فتكرر الشيء صعب سماعه، كتكرير الحديث، فاعلم ذلك كله من شرط هذا الكتاب، قد ذكرنا إمالة {التوراة} وعلتها وأصلها في أبواب الإمالة، وذكرنا فتح الميم من {المر لله} وعلة ذلك في أبواب المد، فأما ما قرأت به للأعشى، عن أبي بكر، من قطع الألف من اسم «الله» جل
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/334]
ذكره فعلته في ذلك على وجهين: أحدهما أن يكون ينوي الوقف على {الم}، ثم يبتدئ باسم الله، فيقطع الألف، وهذه الحروف أصلها السكون، والوقف عليها، لأنها حروف مقطعة، لا أصل لها في الإعراب، إلا أن يخبر عنها، أو يُعطف بعضها على بعض، فيدخلها الإعراب، لأنها تصير كسائر الأسماء، فلما كان أصلها الوقف عليها، وقف على الميم، ثم ابتدأ ما بعدها فهمز.
2- والوجه الثاني أن تكون الألف من اسم الله جل ذكره عنده ألف قطع، كما ذهب إليه ابن كيسان، فردّها إلى أصلها فهمز، وإنما وصلت لكثرة الاستعمال). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/335]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- قوله {الم، الله} آية/ 1 و2]:-
اتفق القراء على وصل الألف من اسم الله وفتح الميم من {ألم}، وروى ياش- عن عاصم فقطع الألف من اسم الله، (وأسكن) الميم من {الم}.
ووجه قراءة الجماعة أن هذه الألف أعني ألف {الله} ألف وصل، يسقط إذا اتصل بشيء قبله، فالواجب أن يسقط ههنا لاتصاله بـ {الم}، والميم من {الم} كانت ساكنة كما أن سائر حروف التهجي مبنية على السكون، فالتقت مع لام التعريف من اسم الله، فحركت الميم بالفتح لالتقاء الساكنين هي ولام المعرفة، ولم تحرك هذه الميم للساكن الذي قبلها؛ لأن حروف التهجي قد يجتمع فيها ساكنان نحو: {كهيعص} ونحوها لبنائها على الوقف، ولا يجوز أن تكون حركة الميم منقولةً إليها عن ألف {الله}؛ لأن هذه الألف لا توجد في حال الوصل، فكيف يكون لها حركة تنقل؟
[الموضح: 360]
وأما ما روى ياش- عن عاصم من قطع الألف فيمكن أن يكون قدر الوقوف على الميم، ثم استأنف {الله}، فقطع الهمزة على نية الابتداء بها. والوجه ما عليه الجمهور). [الموضح: 361]

قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (من ذلك قراءة عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان -رضي الله عنهما- وابن مسعود وإبراهيم النخعي والأعمش وأصحاب عبد الله وزيد بن علي وجعفر بن محمد وأبي رجاء بخلاف ورُويت عن النبي صلى الله عليه وسلم: [الحيُّ القيَّام]، وقرأ علقمة: [الحيُّ القَيِّم].
قال أبو الفتح: أما [القيَّام] ففيعال من قام يقوم؛ لأن الله تعالى هو القيم على كل نفس، ومثله من الصفة على فيعال الغيْداق والبَيْطار، وأصله: القيْوَام، فلما التقت الواو والياء وسبقت الأولى بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت فيها الياء فصارت القيام، ومثله قولهم: "ما بالدار ديَّار"، وهو فيعال من دار يدور وأصلها دَيْوار، وأهل الحجاز يقولون للصَّوَّاغ: الصَّيَّاغ، فعلى هذا ينبغي أن يحمل لا على فَعَّال؛ لأنه كان يجب أن يكون صوَّاغًا، هذا هو الباب.
وأما الفيَّاد لِذَكر البوم فحمله أبو علي على أنه فَعَّال من الأسماء؛ وذلك أنه من فاد يفيد إذا تبختر. وأما الجيَّار للسُّعال فكذا يجب أن يكون أيضًا، وهو فَعَّال من لفظ "جَيْر" بمعنى نعم ومعناها؛ وذلك أن السَّعلة تجيب أختها كما أن جير جواب.
قال العجاج:
تجاوب الرَّعْدِ إذا تبوَّجا
وأنشدنا أبو علي:
إذا حنَّت الأولى سَجَعْنَ لها معا
[المحتسب: 1/151]
والحديث طويل لكن هذا طريقه.
وأما القَيِّم من قام يقوم بأمره، وهو من لفظ قيَّام ومعناه قال:
الله بيني وبين قيِّمها ... يفر مني بها وأَتَّبع
لما قال الشاعر هذا قيل له: لا، بل الله بين قيمها وبينك.
و{القيوم} قراءة الجماعة، فيعول من هذا أيضًا، ومثله الدَّيُّور في معنى الدَّيَّار). [المحتسب: 1/152]

قوله تعالى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- قوله تعالى: {وأنزل التوراة والإنجيل} [3]
قرأ نافع وحمزة {التوراة} بين الإمالة والتفخيم، غير أن حمزة يقف بالتاء.
وقرأ أبو عمرو والكسائي وورش، عن نافع {التورية} بالكسر لاجتماع الراء مع الياء.
وقرأ الباقون بالتفخيم على لفظ الكلمة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/108]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إمالة الرّاء وفتحها من التوراة [آل عمران/ 3].
فقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر: (التوراة) مفخّما.
وكان نافع وحمزة يلفظان: بالراء بين الفتح والكسر، وكذلك كانا يفعلان بقوله تعالى: مع الأبرار [آل عمران/ 193] ومن الأشرار [ص/ 62] ومن قرار [إبراهيم/ 26] وذات قرار [المؤمنون/ 50] إذا كان الحرف مخفوضا.
وقال ابن سعدان عن المسيّبي عن نافع: الراء مفتوحة، وكذلك قال ابن المسيبي عن نافع. وقال ورش عن نافع:
(التّورية)، بكسر الراء وكان أبو عمرو والكسائي يقرءان:
(التورية) مكسورة الراء ويميلان هذه الحروف أشد من إمالة حمزة ونافع أعني: (الأبرار) و (من قرار) وما أشبه ذلك. ابن عامر يشم الراء الأولى من (الأبرار) الكسر.
قال أبو علي: قالوا ورى الزند، يري، إذا قدح ولم يكب، وقالوا ورى وأوريته، وفي التنزيل: فالموريات قدحا [العاديات/ 2] وفيه: أفرأيتم النار التي تورون [الواقعة/ 71]. فأمّا قولهم: وريت بك زنادي على مثال شريت، فزعم
[الحجة للقراء السبعة: 3/10]
أبو عثمان: أنّه استعمل في هذا الكلام فقط لم يجاوز به غيره. وقال أبو زيد: ورى النّقي، يري، وريا: إذا كثر ودكه، قال: والواري: الكثير الودك. والوراء في اسم الجهة التي هي خلاف الأمام ليس من هذا، لأنّ تحقيره: وريئة، مثل وريعة.
وألحقت الهاء في تحقيرها، وإن كانت على أربعة أحرف كما ألحقت في قديديمة.
فأمّا الوراء: لولد الولد فيمكن أن يكون من هذا وقيل له:
وراء، كما قيل له: نجل.
وأنشد أبو زيد:
يا قاتل الله صبيانا تجيء بهم * أمّ الهنيبر من زند لها واري
[الحجة للقراء السبعة: 3/11]
قال السكري: ضرب الزّند مثلا للرحم، والزّند: تستخرج به النار، وقال أمية:
الحامل النار في الرّطبين يحملها... حتّى تجيء من اليبسين تضطرم
يأتي بها حيّة تهديك رؤيتها... من صلب أعمى أصمّ الصلب منقصم
روى محمد بن السري أن الرّطبين: هما العودان الرطبان، يعني: الشجر الذي فيه النار، واليبسين: هما العودان اليابسان، يعني: الزندين، يقول: تكون النار في عودين رطبين، فإذا جفا قدحا، فجاءت النار منهما، والأعمى الأصمّ: يعني الزّند، والزّند: الأعلى، والزندة: السفلى، وأصمّ الصّلب يعني:
العود، وأعمى: لا جوف له، يريد: يأتي بها حية للناس أي:
حياة لهم. فأمّا قولهم: التّريّة: لما تراه المرأة من الطهر [بعد الحيض] فيجوز أن تكون فعيلة من الوراء، لأنّها ترى بعد الصفرة والكدرة اللتين تريان في الحيض، وتكون فعيلة من: ورى الزند، يري، كأنّها من خروجها من الطهر بعد الحيض، فكأنّ الطهر أخرجه، والتاء في الوجهين بدل من الواو التي هي فاء، كما أنّها في «تيقور»، و «تولج» كذلك.
[الحجة للقراء السبعة: 3/12]
فأمّا القول في التوراة، فلا تخلو من أن تكون فوعلة، على قول الخليل: في تولج، أو تفعلة مثل تتفلة، أو تفعلة بالكسر وفتح العين كما فتح في: ناصاة، فممّا يدلّ على أنّها فوعلة، ليست تفعلة، مثل تتفلة، وتألب، أنّ هذا البناء يقلّ، وأنّ فوعلة في الكثرة بحيث لا يتناسبان، ولا إشكال في أن الحمل على الأكثر الأشيع أولى من الحمل على خلافه.
ويدلّك على ذلك أن التاء لم تكثر زائدة أوّلا كما لم تكثر النون أوّلا، فكما أنّ النون إذا جاءت أولا في نحو نهشل ونعثل، لا يحكم بزيادتها، لقلتها زائدة. أوّلا، كذلك لا يحكم بزيادة التاء.
فإن قلت: إنك إذا جعلته فوعلة، حكمت بإبدال الفاء التي هي واو: تاء، وإذا حكمت بزيادة التاء لم تجعلها بدلا، ولكنك جعلتها التاء التي زيدت في الكلمة، قيل:
ليس هذا باعتراض لأنّ الواو إذا كانت أوّلا فقد استمرّ البدل
[الحجة للقراء السبعة: 3/13]
فيها نحو وجوه، وأجوه، ووقّتت، وأقّتت، ووشاح، وإشاح ووفادة، وإفادة، ووجم، وأجم، ووناة وأناة، فإذا اجتمعا لزم الأول منهما البدل إمّا همزة وإمّا تاء، فالهمزة نحو الأولى في فعلى من الأول، وأواق في جمع واقية. وقد أبدلت التاء من الواو إذا كانت مفردة أوّلا نحو تيقور من الوقار، فهذا فيعول، وليس بتفعول كتعضوض، ألا ترى كثرة فيعول نحو سيهوج، وسيهوب، وديقوع. وقد أبدلت تاء أولى مفردة في نحو: تجاه، وتراث، وتخمة، وتكلان، وزعم أبو عثمان أنّ إبدال نحو تخمة، مضطرد، وقال أبو الحسن:
ليس بمطرد.
فإذا كثر إبدال التاء من الواو أوّلا، هذه الكثرة، كان حملها على هذا الكثير أولى من حملها على ما لم يكثر، ولم يتسع هذا الاتساع. ولا يقرب حملها أيضا على تفعلة لأنّه لا يخلو من أن تجعلها اسما نحو: تودية، أو مصدرا نحو:
توصية، فأمّا باب تودية فقليل، كما أنّ تفعلة كذلك، وباب توصية فيه اتساع وحمل على لغة لم نعلم منها شيئا في
[الحجة للقراء السبعة: 3/14]
التنزيل، فإذا لم يكن هذان الوجهان بالسهلين حملته على فوعلة دونهما للكثرة، ألا ترى أن نحو صومعة، وحوجلة ودوسرة، وعومرة، قد كثر؟.
ومن لم يمل التوراة. فلأنّ الراء حرف يمنع الإمالة، لما فيه من التكرير، كما يمنعها المستعلي، فكما أنّ الراء لو كان مكانها مستعل مفتوح لم تحسن الإمالة، كذلك إذا كانت الراء مفتوحة. وأيضا فإنّ ما بعد الواو من توراة لو كان منفصلا لم تكن فيه الإمالة كذلك إذا كان متصلا.
وقول من أمال: إنّ الألف لما كانت رابعة لم تخل من أن تشبه ألف التأنيث أو الألف المنقلبة عن الياء أو عن الواو.
وألف التأنيث تمال وإن كان قبلها مستعل كقولهم: فوضى وجوخى.
فكما أمالوا المستعلية معها كذلك يميلون الراء، وإذا أمالوا نحو صغا، وضغا، وشقا مع أنّ الواو تصحّ في هذا البناء الذي على ثلاثة أحرف فأن يميلوا فيما لا تصحّ الواو معه أجدر.
[الحجة للقراء السبعة: 3/15]
وممّا يقوّي ذلك أنّهم قد أمالوا اسم المفعول إذا كان فيه مستعل، نحو معطا، وإذا أمالوا مع المستعلي كانت الإمالة مع الراء أجود، لأنّ الإمالة على الراء أغلب منها على المستعلي، ألا ترى أنّه قد حكى الإمالة في نحو عمران ونحو فراش، وجراب، ولو كان مكان الراء المستعلي لم تكن فيها إمالة؟. وممّا يقوّي الإمالة في الراء من توراة أنّهم قد قالوا: رأيت علقا، وعرقا، وضيقا، فأمالوه للتشبيه بألف حبلى إلّا أنّ الأول من هذه الحروف مكسور وليس من التوراة كذلك والإمالة في فتحة الراء نحو الكسرة في نحو: مع الأبرار [آل عمران/ 193] ومن قرار [إبراهيم/ 26] أقوى منها في التوراة، وذلك أنّ الراء المكسورة قد غلبت المستعلي في نحو قارب وغارم وطارد، فلما غلبت المستعلي مع قوته على الإمالة كان أن تغلب الراء المفتوحة فتميل فتحها إلى الكسرة
[الحجة للقراء السبعة: 3/16]
أولى، لأنّ الراء، وإن كان فيها تكرير، صارت به كأنّها حرفان مفتوحان؛ فهي بزنة حرف واحد، فلمّا قويت على المستعلي كانت على الراء المفتوحة أقوى). [الحجة للقراء السبعة: 3/17]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [الأَنجيل] بفتح الهمزة.
قال أبو الفتح: هذا مثال غير معروف النظير في كلامهم؛ لأنه ليس فيه أفعيل بفتح الهمزة، ولو كان أعجميًّا لكان فيه ضرب من الحِجاج؛ لكنه عندهم عربي، وهو أفعيل من نجل ينجُل: إذا أثار واستخرج، ومنه نَجْلُ الرجل لولده؛ لأنه كأنه استخرجهم من صلبه وبطن امرأته، قال الأعشى:
أنجب أزمان والداه به ... إذ نَجَلاه فنعم ما نَجلا
أي: أنجب والداه به أزمان إذ نجلاه، ففصل بالفاعل بين المضاف الذي هو أزمان وبين المضاف إليه الذي هو إذ، كقولهم: حينئذ، ويومئذ، وساعتئذ، وليلتئذ.
وقال أبو النجم:
تنجُل أيديهن كل منْجل
يريد: أيدي الإبل؛ أي: تثير بأيديها في سيرها ما تمر به من نبت وحجر وغيرهما.
وقيل له: إنجيل؛ لأن به ما استخرج علم الحلال والحرام ونحوهما، كما قيل: توراة، وهو فوعلة من وَرَى الزنْد إذا قدح وأصله وَوْرَيَة، فأبدلت الواو التي هي الفاء تاء كما قالوا: التُّجاه والتُّخَمة والتُّكْلان والتَّيقُور، وهي من الوجه والوخامة والوكيل والوقار، وقلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت توراة، فهذه من ورى الزند: إذا ظهرت ناره، وهذا من نَجَل ينجُل: إذا استَخْرج؛ لما في هذين الكتابين من معرفة الحِل والحِرْم كما قيل لكتاب نبينا -صلى الله عليه وسلم- الفرقان؛ لأنه فرَّق بين الحق والباطل، وهذا الحديث الذي نحن عليه من بابٍ
[المحتسب: 1/152]
ضُمنه كتابنا الخصائص وسَمتُه: باب في تلاقي المعاني على اختلاف الأصول والمباني؛ وذلك أن التوراة من لفظ ورى، والإنجيل من لفظ ن ج ل، والفرقان من ف ر ق، والتوارة فوعلة، والإنجيل إفعيل، والفرقان فُعلان. فالأصول مختلفة والمباني كذلك، والمعاني واحدة ومعتنقة، وكلها للإظهار والإبراز والفرق بين الأشياء، أفلا ترى إلى هذه الحكمة الممرور بها، الواطئة الأقدام عليها، المسهو لعادة الدعة وقلة المراعاة والمراجعة عنها؟
وفي كل شيء له شاهد ... يدل على أنه واحد
ونظائره تكاد تكون أكثر من الرمل، منه قولهم للمسك: صِوَار، فأصلاهما مختلفان: هذا من م س ك، وهذا من ص ور، ومثالاهما كذلك؛ لأن مِسْكًا فِعْلٌ، وصِوَار فِعَال، ومعنياهما واحد؛ وذلك لأنه سمي مسكًا لأنه بطيب رائحته يمسك الحس عليه استلذاذًا له، وصِوَار من صار يصور إذا عطف وجمع فأمسكت الشيء وعطفته وجمعته شيء واحد، ومنه قولهم: سحاب، قيل له ذلك كما قيل له حَبِيّ، فهذا من ح ب و، وهذا من س ح ب، وسحاب فَعال، وحبي فعيل، فالأصلان مختلفان، والمثالان اثنان، والمعنيان واحد، وذلك أنه لثقله ما ينسحب على وجه الأرض، وكذلك ما يحبو عليها، قالت امرأة تصف غيثًا:
وأقبل يزحف زحف الكسير ... كأن على عضديه رِفَاقا
وقال أوس أو عبيد:
دانٍ مسفٌ فويق الأرض هَيْدبُه ... يكاد يدفعه مَن قام بالرَّاح
واللطيف الحسن الجميل كثير؛ لكن أين لك بالمحسن المستثير؟ فهذا حديث هذا المثال الذي هو الإنجيل، وأما فتحه فغريب؛ ولكنه الشيخ أبو سعيد -نضر الله وجهه ونوَّر ضريحه- ونحن نعلم أنه لو مر بنا حرف لم نسمعه إلا من رجل من العرب لوجب علينا تسليمه له إذا أُونست فصاحته، وأن نَبْهأَ به، ونتحلى بالمذاكرة بإعرابه، فكيف الظن بالإمام في فصاحته وتحريه وثقته؟ ومعاذ الله أن يكون ذلك شيئًا جنح فيه إلى رأيه دون أن يكون أخذه عمن
[المحتسب: 1/153]
قبله، وبعد فقد حكى أبو زيد في السِّكِّينة: السَّكِّينة، بفتح السين وتشديد الكاف. فهذا فَعِّيلة وإن لم يكن لها نظير، وإفعيل أخو فِعِّيل، وأحسبني سمعت في بِرْطيل بَرْطيل، فهذا فَعليل بفتح الفاء، وأَفعيل وفَعليل وفَعِّيل يكاد يكون مثالًا واحدًا). [المحتسب: 1/154]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة إبراهيم فيما رواه المغيرة والأعمش عنه: [نَزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابُ بِالْحَقِّ] خفيفة الزاي، ورفع الباء من الكتاب.
قال أبو الفتح: هذه القراءة تدل على استقلال الجملة التي هي قوله عز اسمه: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ} .
ألا ترى أنه لا ضمير في قوله: [نَزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابُ] يعود على اسم الله تعالى؟ فعلى هذا ينبغي أن تكون جملة مستقلة أيضًا في قول مَن شدَّد الزاي ونصب الكتاب، فيكون اسم
[المحتسب: 1/160]
الله مرفوعًا بالابتداء، وقوله: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} خبر عنه، ويكون {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} صفة له وثناء عليه، وإن شئت جعلت قوله: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} ثناء عليه معترضًا بين المبتدأ والخبر، ويكون {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} خبرين عنه، كحلو حامض.
وإن شئت جعلت قوله: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} خبرًا عنه، و {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} أيضًا خبرين عنه؛ فيكون له ثلاثة أخبار.
وإن شئت أن تخبر عن المبتدأ بعشرة أخبار أو بأكثر من ذلك جاز وحسن؛ لما يتضمنه كل خبر منها من الفائدة، فكأنه أخبر عنه وآثنى عليه، ثم أخذ يقص الحديث فقال: [نَزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابُ].
ومَن شدد الزاي ونصب "الكتاب" جاز أن يكون على قوله خبرًا رابعًا، وجاز أن يكون أيضًا جميع ما قبل "نزل" ثناء وإعظامًا، ويفرد قوله: [نَزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابُ] فيجعل خبرًا عنه؛ كقولك: الله سبحانه، وجل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، يأمر بالعدل، وينهى عن السوء. وفيه اكثر من هذا؛ إلا أن في هذا مقنعًا بحمد الله). [المحتسب: 1/161]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {التَّوْرَاةَ} [آية/ 3]:-
بفتح الراء في جميع القرآن، قرأها ابن كثير وعاصم ويعقوب.
وذلك لأن الراء حرف مكرر يمنع بالتكرير الذي فيه عن الإمالة، كما يمنع عنها الحرف المستعلي.
وقرأ نافع بين الفتح والكسر، وهو إلى الفتح أقرب، على عادته فيما تحسن فيه الإمالة، لأنه كره إشباع الإمالة والمصير إلى الياء، إذ رآهم يقلبون الياء في مثل ذلك ألفًا، فكره أن يقلب الألف ياء، ومنه هربوا.
وذلك لأن هذه الألف رابعة، فهي كألف التأنيث في كونها في حكم المنقلب عن الياء، وألف التأنيث قد تمال وإن كان قبلها المستعلي نحو: فوضى وجوخى، كما تمال الألف المنقلبة عن الواو أيضًا مع المستعلي في نحو: صفا وطفا، فإذا أميل مثل هذه الألف مع المستعلي فلأن تمال مع
[الموضح: 361]
حرف التكرير أولى؛ لأنه لا يبلغ حد المستعلي في منع الإمالة). [الموضح: 362]

مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 08:23 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (5) إلى الآية (6) ]

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)}

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5)}

قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 08:25 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (7) إلى الآية (9) ]

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)}

قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)}

قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي واقد الجراح: [رَبَّنَا لا تَزِغْ قُلُوبُنا].
قال أبو الفتح: هذا في المعنى عائد إلى قراءة الجماعة: {لا تُزغْ قلوبَنا}؛ وذلك أنه في الظاهر طلب من القلوب ورغبة إليها، فهو كقول الراجز فيما أنشده ابن الأعرابي:
يا رب لا يرجع إلينا طِفْيلا
وفسره طفلًا، فظاهره الطلب والرغبة إلى ذلك الإنسان المدعو إليه؛ وإنما المسئول الله سبحانه، حتى كأنه قال: اللهم لا ترجعه إلينا، ويؤكد في ذلك النداء في قوله تعالى: [ربنا]، ويزيد في شرحه لك أنك تقول للأمير: لا ترهقني؛ لأنه يملك التنفيس عنك، ولا تقول له: أيها الأمير، أدخلني الجنة؛ لأن ذلك ليس له ولا إليه؛ فقد علمت إذن أن معنى [لا تَزِغْ قلوبُنا] هو معنى [لا تُزغ قلوبَنا]؛ ألا ترى أن القلوب لا تملك شيئًا فيطلب منها؟ فالمسئول إذن واحد وهو الله سبحانه). [المحتسب: 1/154]

قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 08:59 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (10) إلى الآية (13) ]

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13)}

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10)}

قوله تعالى: {كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11)}

قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12)}
و منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ستغلبون وتحشرون.. (12) و: (يرونهم مثليهم).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم: (ستغلبون وتحشرون) بالتاء و(يرونهم) بالياء.
وقرأ نافع ويعقوب: (ستغلبون وتحشرون) و: (ترونهم) كله بالتاء.
وقرأ حمزة والكسائي: (سيغلبون ويحشرون) و(يرونهم مثليهم) بالياء ثلاثتهن.
وروى أبان عن عاصم: (ترونهم) بالتاء، وقال الفراء: من قرأ بالياء (سيغلبون ويحشرون) فإنه ذهب بها إلى
[معاني القراءات وعللها: 1/242]
مخاطبة اليهود وإلى أن الغلبة تقع على المشركين بعد يوم أحد، وذلك أن النبي صلى الله عليه لما هزم المشركين يوم بدر قال اليهود: هذا النبي الذي لا ترد له راية، فلما نكب المسلمون يوم أحد كذبوا ورجعوا، فأنزل الله تبارك وتعالى: يا محمد قل لليهود: سيغلب المشركون ويحشرون إلى جهنم.
فليس في هذا المعنى إلا الياء.
قال الفراء: ومن قرأ بالتاء جعل اليهود والمشركين كأنهم شيء واحد داخلين في الخطاب، فيجوز على هذا المعنى ستغلبون بالياء والتاء.
وهذا كما تقول في الكلام: قل لعبد الله إنه قائم وإنك قائم.
وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال: الاختيار عندنا بالياء لأنه جلّ وعزّ خاطب اليهود، وأخبر أن مشركي أهل مكة سيغلبون، والتفسير عليه.
[معاني القراءات وعللها: 1/243]
وقال الزجاج: من قرأها بالتاء فللحكاية والمخاطبة، أي: قل لهم في خطابك ستغلبون.
قال: ومن قرأ (سيغلبون) فالمعنى بلغهم أنهم سيغلبون.. ). [معاني القراءات وعللها: 1/244] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون} [12]
و {يؤونهم} [13]
قرأ حمزة والكسائي ثلاثهن بالياء.
وقرأهن نافع بالتاء.
وقرأ الباقون {ستغلبون وتحشرون} بالتاء {يرونهم}، بالياء، والأمر بينهن قريب.
فمن قرأ بالتاء تقديره: قل يا محمد ستغلبون، وتحشرون. ومن قرأ بالياء أخبر عن غيب، ومثل ذلك في الكلام أن تقول: قلت لزيد أن سيركب وستركب كل ذلك صواب). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/108] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله عزّ وجلّ: سيغلبون، ويحشرون [آل عمران/ 12] ويرونهم مثليهم [آل عمران/ 13].
فقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: ستغلبون وتحشرون بالتاء، ويرونهم بالياء.
وحكى أبان عن عاصم: ترونهم بالتاء، وفي رواية أبي بكر بالياء.
وقرأ نافع: ستغلبون، وتحشرون، وترونهم بالتاء ثلاثتهن.
وقرأ حمزة والكسائيّ بالياء ثلاثتهن.
قال أبو علي: قوله: قل للذين كفروا...
[آل عمران/ 12] يجوز أن يعنى به اليهود والمشركون جميعا، يدلّ على ذلك قوله تعالى: ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين [البقرة/ 105] ففسر الذين كفروا
[الحجة للقراء السبعة: 3/17]
بالقبيلين، وكذلك قوله جلّ وعزّ: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين [البينة/ 1] فالتقدير على هذا: قل للقبيلين: ستغلبون.
ويدلّ على حسن التاء هنا والمخاطبة قوله تعالى: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة [آل عمران/ 81] والآية كلّها على الخطاب. وكذلك قول من قرأ: ستغلبون بالتاء.
وللتاء على الياء مزية ما في الحسن، وهو أنّه إذا قيل:
سيغلبون فقد يمكن أن يكون المغلوبون والمحشورون من غير المخاطبين، وأنّهم قوم آخرون، فإذا كان بالخطاب، لم يجز أن يظنّ هذا.
وحجة من قرأ بالياء قوله تعالى: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف [الأنفال/ 38] وقوله تعالى: قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون [الجاثية/ 14] والدّليل على حسن مجازهما جميعا أنّهم زعموا أنّ في حرف عبد الله: قل للذين كفروا إن تنتهوا نغفر لكم. فأمّا قوله: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم [النور/ 30] فظاهره يقوّي قول من قرأ بالياء. ألا ترى
[الحجة للقراء السبعة: 3/18]
أنّه قال: يغضوا، ولم يقل: غضوا، فيكون للخطاب كقراءة من قرأ ستغلبون وكذلك: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن [النور/ 31].
إلّا أنّ من الناس من يحمل هذا على إضمار لام الأمر، وإضمار الجازم لم نعلمه جاء في حال السعة، وقد قيل: إنّ الذين كفروا: اليهود. والضمير في سيغلبون للمشركين، فعلى هذا القول لا يكون سيغلبون إلّا بالياء، لأنّ المشركين غيب.
والخطاب لهم، وما تقدّم ذكره أوجه لما ذكرناه من جواز وقوع الذين كفروا على الفريقين، ولأنّهما جميعا مغلوبان، فاليهود وأهل الكتاب غلبوا بوضع الجزى عليهم، وحشرهم لأدائها، والمشركون غلبوا بالسيف، فالقول الأول أبين. ومن قرأ: (يرونهم) بالياء، فلأنّ بعد الخطاب غيبة، وهو قوله: فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم [آل عمران/ 13] أي: ترى الفئة المقاتلة في سبيل الله الفئة الكافرة مثليهم.
ومما يؤكد الياء قوله: مثليهم، ولو كان على التاء لكان:
مثليكم، وإن كان قد جاء: وما آتيتم من زكاة [الروم/ 39] ثمّ قال: فأولئك هم المضعفون [الروم/ 39] ورأيت هنا المتعدية إلى مفعول واحد يدلّك على ذلك تقييده برأي العين، وإذا كان كذلك، كان انتصاب مثليهم على الحال لا على أنّه مفعول ثان.
وأمّا مثل فقد يفرد في موضع التثنية والجمع.
[الحجة للقراء السبعة: 3/19]
فمن الإفراد في التثنية قوله:
وساقيين مثل زيد وجعل... سقبان ممشوقان مكنوزا العضل
ومن إفراده في الجمع قوله تعالى: إنكم إذا مثلهم [النساء/ 140]. ومن جمعه قوله: ثم لا يكونوا أمثالكم [محمد/ 38]. وأمّا قوله: ترونهم مثليهم [آل عمران/ 13] ويرونهم فمن قرأ بالتاء فللخطاب الذي قبله، وهو قوله: قد كان لكم آية في فئتين... ترونهم مثليهم فالضمير المرفوع في ترونهم للمسلمين، والضمير المنصوب للمشركين. المعنى: ترون- أيّها المسلمون- المشركين مثلي المسلمين، وكان المشركون تسع مائة وخمسين رجلا، فرآهم المسلمون ستمائة وكسرا، وأرى الله المشركين أن المسلمين أقلّ من ثلاثمائة، وذلك أن المسلمين قد قيل لهم: فإن تكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين [الأنفال/ 66] فأراهم
[الحجة للقراء السبعة: 3/20]
الله عددهم حسب ما حدّ لهم من العدد الذي يلزمهم أن يقدموا عليه، ولا يحجموا عنهم.
ومثل هذا في المعنى، قوله: وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا، ويقللكم في أعينهم [الأنفال/ 44] وقال قتادة: كان المشركون تسع مائة وخمسين رجلا، وكان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا). [الحجة للقراء السبعة: 3/21] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد}
قرأ حمزة والكسائيّ (سيغلبون ويحشرون) بالياء فيهما أي بلغهم بأنّهم سيغلبون وحجتهما إجماع الجميع على قوله {قل للّذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} ويقوّي الياء أن
[حجة القراءات: 153]
أهل التّفسير تأولوا في ذلك أن النّبي صلى الله عليه وسلم لما هزم المشركين يوم بدر قالت اليهود بعضهم لبعض هذا هو النّبي الّذي لا ترد له راية فصدقوا فقال بعضهم لا تعجلوا بتصديقه حتّى تكون وقعة أخرى فلمّا اصاب المسلمين يوم أحد ما أصابهم شكوا في أمره وخالفوه فأنزل الله قل يا محمّد سيغلبون ويحشرون
وقرأ الباقون {ستغلبون وتحشرون} بالتّاء على المخاطبة أي قل لهم في خطابك {ستغلبون وتحشرون} وحجتهم قوله {قل للّذين كفروا} فقد أمره أن يخاطبهم والمخاطبة لهم أن يقول في وجوههم {ستغلبون وتحشرون} بالتّاء). [حجة القراءات: 154]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {ستغلبون وتحشرون} قرأهما حمزة والكسائي بالياء، وقرأهما الباقون بالتاء.
4- وحجة من قرأ بالتاء أنه أمر من الله لنبيه أن يخاطبهم بهذا، فهو خطاب للكفار من النبي بأمر الله له، والتاء للخطاب لليهود، بأنهم سيغلبون ويحشرون إلى جهنم، وقد قيل: إن الخطاب لليهود والمشركين، لأن كل فريق منهم كافر، فخوطبوا وأعلموا بوقوع الغلبة عليهم، ثم يحشرهم إلى جنهم.
5- وحجة من قرأ بالياء أنه أتى به على لفظ الغيبة؛ لأنهم غيب، حين أمر الله نبيه بالقول لهم، وهم اليهود، وقيل: هم المشركون، وكلاهما غائب، فإذا كانوا المشركين فهم أقوى في الغيبة، لأن المعنى: قل يا محمد لليهود سيُغلب المشركون ببدر ويحشرون إلى جهنم، ويقوي ذلك إجماعهم على الياء في قوله: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} «الأنفال 38» وإجماعهم
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/335]
على الياء في قوله: {قل للذين آمنوا يغفروا} «الجاثية 14»، و{قل للمؤمنين يغضوا} «النور 30»، والتاء أحب إلي لإجماع الحرميين وعاصم وغيرهم على ذلك). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/336]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ} [آية/ 12]:-
بالياء فيهما، قرأها حمزة والكسائي.
وذلك لأنهم غيب وإن كانوا مأمورًا بخطابهم، يؤيد ذلك قوله تعالى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} و{قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ الله}.
وقرأ الباقون بالتاء فيهما.
وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلمأمر بأن يقول لهم ذلك ويخاطبهم به، فكأنه قال: خاطبهم بذلك، وهذا كما تقول: قل لعبد الله إنك مضروب، ويجوز إنه مضروب، والأول أظهر). [الموضح: 362]

قوله تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13)}
و منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ستغلبون وتحشرون.. (12) و: (يرونهم مثليهم).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم: (ستغلبون وتحشرون) بالتاء و(يرونهم) بالياء.
وقرأ نافع ويعقوب: (ستغلبون وتحشرون) و: (ترونهم) كله بالتاء.
وقرأ حمزة والكسائي: (سيغلبون ويحشرون) و(يرونهم مثليهم) بالياء ثلاثتهن.
وروى أبان عن عاصم: (ترونهم) بالتاء، وقال الفراء: من قرأ بالياء (سيغلبون ويحشرون) فإنه ذهب بها إلى
[معاني القراءات وعللها: 1/242]
مخاطبة اليهود وإلى أن الغلبة تقع على المشركين بعد يوم أحد، وذلك أن النبي صلى الله عليه لما هزم المشركين يوم بدر قال اليهود: هذا النبي الذي لا ترد له راية، فلما نكب المسلمون يوم أحد كذبوا ورجعوا، فأنزل الله تبارك وتعالى: يا محمد قل لليهود: سيغلب المشركون ويحشرون إلى جهنم.
فليس في هذا المعنى إلا الياء.
قال الفراء: ومن قرأ بالتاء جعل اليهود والمشركين كأنهم شيء واحد داخلين في الخطاب، فيجوز على هذا المعنى ستغلبون بالياء والتاء.
وهذا كما تقول في الكلام: قل لعبد الله إنه قائم وإنك قائم.
وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال: الاختيار عندنا بالياء لأنه جلّ وعزّ خاطب اليهود، وأخبر أن مشركي أهل مكة سيغلبون، والتفسير عليه.
[معاني القراءات وعللها: 1/243]
وقال الزجاج: من قرأها بالتاء فللحكاية والمخاطبة، أي: قل لهم في خطابك ستغلبون.
قال: ومن قرأ (سيغلبون) فالمعنى بلغهم أنهم سيغلبون.. ). [معاني القراءات وعللها: 1/244] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون} [12]
و {يؤونهم} [13]
قرأ حمزة والكسائي ثلاثهن بالياء.
وقرأهن نافع بالتاء.
وقرأ الباقون {ستغلبون وتحشرون} بالتاء {يرونهم}، بالياء، والأمر بينهن قريب.
فمن قرأ بالتاء تقديره: قل يا محمد ستغلبون، وتحشرون. ومن قرأ بالياء أخبر عن غيب، ومثل ذلك في الكلام أن تقول: قلت لزيد أن سيركب وستركب كل ذلك صواب). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/108] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله عزّ وجلّ: سيغلبون، ويحشرون [آل عمران/ 12] ويرونهم مثليهم [آل عمران/ 13].
فقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: ستغلبون وتحشرون بالتاء، ويرونهم بالياء.
وحكى أبان عن عاصم: ترونهم بالتاء، وفي رواية أبي بكر بالياء.
وقرأ نافع: ستغلبون، وتحشرون، وترونهم بالتاء ثلاثتهن.
وقرأ حمزة والكسائيّ بالياء ثلاثتهن.
قال أبو علي: قوله: قل للذين كفروا...
[آل عمران/ 12] يجوز أن يعنى به اليهود والمشركون جميعا، يدلّ على ذلك قوله تعالى: ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين [البقرة/ 105] ففسر الذين كفروا
[الحجة للقراء السبعة: 3/17]
بالقبيلين، وكذلك قوله جلّ وعزّ: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين [البينة/ 1] فالتقدير على هذا: قل للقبيلين: ستغلبون.
ويدلّ على حسن التاء هنا والمخاطبة قوله تعالى: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة [آل عمران/ 81] والآية كلّها على الخطاب. وكذلك قول من قرأ: ستغلبون بالتاء.
وللتاء على الياء مزية ما في الحسن، وهو أنّه إذا قيل:
سيغلبون فقد يمكن أن يكون المغلوبون والمحشورون من غير المخاطبين، وأنّهم قوم آخرون، فإذا كان بالخطاب، لم يجز أن يظنّ هذا.
وحجة من قرأ بالياء قوله تعالى: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف [الأنفال/ 38] وقوله تعالى: قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون [الجاثية/ 14] والدّليل على حسن مجازهما جميعا أنّهم زعموا أنّ في حرف عبد الله: قل للذين كفروا إن تنتهوا نغفر لكم. فأمّا قوله: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم [النور/ 30] فظاهره يقوّي قول من قرأ بالياء. ألا ترى
[الحجة للقراء السبعة: 3/18]
أنّه قال: يغضوا، ولم يقل: غضوا، فيكون للخطاب كقراءة من قرأ ستغلبون وكذلك: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن [النور/ 31].
إلّا أنّ من الناس من يحمل هذا على إضمار لام الأمر، وإضمار الجازم لم نعلمه جاء في حال السعة، وقد قيل: إنّ الذين كفروا: اليهود. والضمير في سيغلبون للمشركين، فعلى هذا القول لا يكون سيغلبون إلّا بالياء، لأنّ المشركين غيب.
والخطاب لهم، وما تقدّم ذكره أوجه لما ذكرناه من جواز وقوع الذين كفروا على الفريقين، ولأنّهما جميعا مغلوبان، فاليهود وأهل الكتاب غلبوا بوضع الجزى عليهم، وحشرهم لأدائها، والمشركون غلبوا بالسيف، فالقول الأول أبين. ومن قرأ: (يرونهم) بالياء، فلأنّ بعد الخطاب غيبة، وهو قوله: فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم [آل عمران/ 13] أي: ترى الفئة المقاتلة في سبيل الله الفئة الكافرة مثليهم.
ومما يؤكد الياء قوله: مثليهم، ولو كان على التاء لكان:
مثليكم، وإن كان قد جاء: وما آتيتم من زكاة [الروم/ 39] ثمّ قال: فأولئك هم المضعفون [الروم/ 39] ورأيت هنا المتعدية إلى مفعول واحد يدلّك على ذلك تقييده برأي العين، وإذا كان كذلك، كان انتصاب مثليهم على الحال لا على أنّه مفعول ثان.
وأمّا مثل فقد يفرد في موضع التثنية والجمع.
[الحجة للقراء السبعة: 3/19]
فمن الإفراد في التثنية قوله:
وساقيين مثل زيد وجعل... سقبان ممشوقان مكنوزا العضل
ومن إفراده في الجمع قوله تعالى: إنكم إذا مثلهم [النساء/ 140]. ومن جمعه قوله: ثم لا يكونوا أمثالكم [محمد/ 38]. وأمّا قوله: ترونهم مثليهم [آل عمران/ 13] ويرونهم فمن قرأ بالتاء فللخطاب الذي قبله، وهو قوله: قد كان لكم آية في فئتين... ترونهم مثليهم فالضمير المرفوع في ترونهم للمسلمين، والضمير المنصوب للمشركين. المعنى: ترون- أيّها المسلمون- المشركين مثلي المسلمين، وكان المشركون تسع مائة وخمسين رجلا، فرآهم المسلمون ستمائة وكسرا، وأرى الله المشركين أن المسلمين أقلّ من ثلاثمائة، وذلك أن المسلمين قد قيل لهم: فإن تكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين [الأنفال/ 66] فأراهم
[الحجة للقراء السبعة: 3/20]
الله عددهم حسب ما حدّ لهم من العدد الذي يلزمهم أن يقدموا عليه، ولا يحجموا عنهم.
ومثل هذا في المعنى، قوله: وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا، ويقللكم في أعينهم [الأنفال/ 44] وقال قتادة: كان المشركون تسع مائة وخمسين رجلا، وكان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا). [الحجة للقراء السبعة: 3/21] (م)
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس وطلحة: [يُرَوْنَهم مِثلَيهم] بياء مضمومة.
قال أبو الفتح: هذه قراءة حسنة المعنى؛ وذلك أن رَأيتُ وأرى أقوى في اليقين من أُريتُ وأُرَى، تقول: أرى أن سيكون كذا؛ أي: هذا غالب ظني، وأرى أن سيكون كذا؛ أي: أعلمه وأتحققه؛ وسبب ذلك أن الإنسان قد يُريه غيره الشيء فلا يصح له، فمعناه إذن أن غيره يشرع في أن يراه ولا أنه هو لا يراه، وأما أرى فإخبار بيقين منه، فكذلك هذه الآية: [يُرَوْنَهم مِثلَيهم] أي: يُصوَّر لهم ذلك وإن لم يكن حقًّا؛ لأن الشيء الواحد لا يكون اثنين
[المحتسب: 1/154]
في حال واحد؛ ولكن قد يُظن ويتوهم شيئين بل أشياء كثيرة، ومثله قول الله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا}، فهذا يُحسِّن هذه القراءة.
وأما قراءة الجماعة: {يَرَوْنَهم } فلأنها أقوى معنى؛ وذلك أنه أوكد لفظًا؛ أي: حتى لا يقع شك فيهم ولا ارتياب بهم أنهم مثلاهم، فهذا أبلغ في معناه من أن يكون مُرٍ يُرِيهم ذلك، فقد يجوز أن يتم له ذلك وقد لا، هذا في ظاهر الأمر؛ فأما على اليقين ومع الحقيقة فلا يجوز أن يكون الشيء الواحد شيئين اثنين فيما له كان واحدًا، ومما جاء مفصولًا فيه بين أَرَى وأُرَى قوله:
تَرَى أو تُراءَى عند معقِد غَرْزِها ... تهاويل من أجلاد هر مؤوَّم
فلما قال: "ترى" استكثر ذلك؛ لأنه مع التحصيل لا حقيقة له، فأتبعه بما لان له القول الأول، فقال: أو تراءى، فاعرف ذلك). [المحتسب: 1/155]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين}
قرأ نافع (ترونهم مثليهم) بالتّاء على مخاطبة اليهود وحجته أن الكلام قبل ذلك جرى بمخاطبة اليهود وهو قوله {قد كان لكم آية} فإلحاق هذا أيضا بما تقدم أولى ومعنى الكلام قد كان يا معشر اليهود آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وهم رسول الله صلى الله عليه وأصحابه ببدر وأخرى كافرة وهم مشركون ترونهم أنتم أيها اليهود مثلي الفئة الّتي تقاتل في سبيل الله
وقرأ الباقون بالياء وحجتهم ما روي عن أبي عمرو قال أبو عمرو لو كانت ترونهم لكانت مثليكم قال الفراء
[حجة القراءات: 154]
من قرأ بالتّاء فإنّه ذهب إلى اليهود ومن قرأ بالياء فعل ذلك كما قال {حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} فإن شئت جعلت يرونهم من المسلمين دون اليهود أي يرى المسلمون المشركين مثليهم). [حجة القراءات: 155]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (6- قوله: {يرونهم} قرأه نافع بالتاء، وقرأ الباقون بالياء.
7- ووجه القراءة بالتاء أن قبله خطابا، فجرى آخر الكلام عليه، وهو قوله: {قد كان لكم} فجرى {ترونهم} على الخطاب في {لكم}، فيحسن أن يكون الخطاب للمسلمين، والهاء والميم للمشركين، وقد كان يلزم من قرأ بالتاء أن يقرأ {مثليكم} وذلك لا يجوز، لمخالفة الخط، ولكن جرى الكلام على الخروج من الخطاب إلى الغيبة، فهو في القرآن وكلام العرب كثير، بمنزلة قوله تعالى: {حتى إذا كنتم في الفلك} ثم قال: {وجرين بهم} «يونس 22» فخاطب ثم عاد إلى الغيبة، ومثله: {وما آتيتم من زكاة} ثم قال: {فأولئك هم المضعفون} «الروم 39»، فرجع إلى الغيبة، ولاهاء والميم في {مثليهم} يحتمل أن تكون للمشركين، أي: ترون أيها المسلمون المشركين مثلي ما هم عليه من العدد، وهو بعيد في المعنى؛ لأن الله لم يكثر المشركين في أعين المؤمنين، بل أعلمنا أنه قللهم في أعين المؤمنين، ويحتمل أن يكون الضمير للمسلمين، أي: ترون أيها المسلمون مثلي ما هم عليه من العدد، أي: ترون أنفسكم مثلي عددكم، فعل الله ذلك بهم لتقوى أنفسهم على لقاء المشركين، ويحتمل أن يكون المعنى: ترون أيها المسلمون المشركين مثليكم في العدد، وقد كانوا ثلاثة أمثالهم، فللهم الله في أعين المسلمين، لتقوى أنفسهم، ويجسروا على لقائهم، وتصديق هذا القول قوله: {إذ يريكهم الله في منامك قليلًا} «الأنفال 43» {وإذ يريكموهم إذا التقيتم في أعينكم قليلًا} «الأنفال 44».
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/336]
8- ووجه القراءة بالياء أن قبله لفظ غيبة، فحمل آخر الكلام على أوله، وهو قوله: {فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة}، فالرؤية للفئة المقاتلة في سبيل الله والمرئية الفئة الكافرة، فالهاء والميم في {مثليهم} للفئة المقاتلة في سبيل الله والمرئية الفئة الكافرة، فالهاء والميم في {مثليهم} للفئة المقاتلة في سبيل الله، والمعنى: يُري الفئة المقاتلة في سبيل الله للفئة الكافرة مثلي الفئة المؤمنة، وقد كانت الفئة الكافرة ثلاثة أمثال المؤمنة، فقللهم الله في أعنيهم ليقوي نفوسهم، وليثبتوا على ما فرض الله عليهم، من أن لا يفر الواحد من اثنين، على ما ذكر في سورة الأنفال، وإنما أرى الله المسلمين المشركين مثليهم؛ لأنه تعالى ضمن لهم الغلبة على المشركين بقوله: {إن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين} «الأنفال 66»، وكذلك قال: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلًا} ويبعد أن تكون الهاء والميم في {مثليهم} لـ «الفئة الكافرة» لأن الله لم يخبر أنه كثَّر الفئة الكافرة في أعين المؤمنين، إنما أعلمنا أنه قللهم في أعين المؤمنين، والخطاب في {لكم} لليهود، وانتصاب {مثليهم} على الحال؛ لأن ترى من رؤية البصر لا يتعدى إلى مفعولين، ودل على أنه من رؤية البصر قوله: {رأي العين} ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/337]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ} [آية/ 13]:-
بالتاء، قرأها نافع ويعقوب.
وذلك لأن ما قبله خطاب، وهو قوله تعالى {قَدْ كانَ لكمْ آيةٌ} والمعنى ترون أيها المسلمون المشركين مثلي المسلمين، والقياس مثليكم، ولكن لما
[الموضح: 362]
كان المخاطبون هم الفئة المقاتلة أعاد الضمير اليهم.
وقرأ الباقون {يَرَوْنَهُمْ} بالياء.
وذلك لأن بعد الخطاب غيبة، وهو قوله تعالى {فئَةٌ تُقَاتِلُ} {وَأخْرَى} {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ} أي ترى الفئة المقاتلة في سبيل الله الفئة الكافرة مثلي أنفسهم). [الموضح: 363]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 09:03 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (14) إلى الآية (17) ]

{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)}

قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة مجاهد: [زَيَّنَ لِلنَّاسِ حُبَّ الشَّهَوَاتِ] بفتح الزاي والياء.
قال أبو الفتح: فاعل هذا الفعل إبليس، ودل عليه ما يتردد في القرآن من ذكره، فهذا نحو قول الله تعالى: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ}، وما جرى هذا المجرى). [المحتسب: 1/155]

قوله تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ورضوانٌ من اللّه... (15).
قرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر: (ورضوانٌ) بضم الراء في كل القرآن، إلا قوله في المائدة: (من اتبع رضوانه) فإنه كسر الراء ها هنا، وهذه رواية يحيى عن أبي بكر.
وقال الأعشى: (رضوانه) بالضم مثل سائر القرآن.
وكسر الباقون الراء في جميع القرآن، وكذلك روى حفص عن عاصم.
قال أبو منصور: الرّضوان والرّضوان لغتان فصيحتان، من رضي يرضى، إلا أن الكسر أكثر في القراءة، وهو الاختيار). [معاني القراءات وعللها: 1/244]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قل أؤنبّئكم... (15)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: (أنبّئكم) بهمزة واحدة مقصورة.
وقرأ نافع: (ءانبئكم) بهمزة مطولة.
[معاني القراءات وعللها: 1/246]
وقرأ الباقون: (أؤنبّئكم) بهمزتين.
وقال أبو منصور: وهي لغات صحيحة فاقرأ بأيها شئت). [معاني القراءات وعللها: 1/247]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- وقوله تعالى: {ورضوان من الله} [15].
قرأ عاصم في رواية أبي بكر: {ورضوان} بضم الراء في كل القرآن إلا
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/108]
حرفًا واحدًا في سورة (المائدة) {من اتبع رضوانه} فإنه يكسر الراء فيها.
وقرأ الباقون كل ذلك بالكسر، وهي اللغة المشهورة. ومن ضم الراء فله حجتان:
إحداهُما: أنه فَّرق بين الاسم والمصدر، وذلك أن اسم خازن الجنة رضوان، ورُضوان مصدر، رضي يرضى رضً ورضوانًا، وغفر غفرانًا.
والحجة الأخرى: أن (فعلانًا) في المصادر يأتي منه كسر للضم، كقولك: رجل قُنعان إذا رضي الخصمان به وبحكمه، والفرقان لكل ما فَّرق بين الشيئين). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/109]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر الراء وضمّها من قوله تعالى: ورضوان [آل عمران/ 15].
فقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (ورضوان) بضم الراء في كلّ القرآن إلّا قوله في المائدة [16]: من اتبع رضوانه فإنّه كسر الراء فيه. وقال شيبان عن عاصم، وابن أبي حمّاد عن أبي بكر عن عاصم، والأعشى عن أبي بكر عن عاصم، بضم الراء، في كل ذلك. وقال محمد بن المنذر عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم أنّه ضمّه كلّه.
[الحجة للقراء السبعة: 3/21]
[حدثنا ابن مجاهد قال]: حدثني محمد بن الجهم عن ابن أبي أميّة عن أبي بكر عن عاصم: (رضوان) و (رضوانا) [المائدة/ 2] بضمّ الراء في كلّ القرآن، وكذلك حدّثني ابن صدقة عن أبي الأسباط عن ابن أبي حماد عن أبي بكر عن عاصم. وقال حفص عن عاصم: مكسور كلّه، وقرأ الباقون: (رضوان) كسرا.
قال أبو علي: رضوان مصدر، فمن كسر جعله كالرّئمان والحرمان، ومن ضمّ فقد قال سيبويه: رجح رجحانا، كما قالوا: الشكران والرّضوان). [الحجة للقراء السبعة: 3/22]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للّذين اتّقوا عند ربهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله}
ذكر أبو بكر ابن مجاهد في كتابه عن أبي عبد الرّحمن اليزيدي عن أبيه قال لقيني الخليل بن أحمد في حياة أبي عمرو قال لي لم قرأ {أؤلقي الذّكر} و(آؤنزل) ولم يقرأ {أؤنبئكم} قال فلم أدر ما أقول له فرحت إلى أبي عمرو فذكرت له ما قال الخليل فقال فإذا ليقته فأخبره أن هذا من نبأت وليس من أنبأت قال فلقيته فأخبرته بقول أبي عمرو فسكت
أبو بكر قال هذا شيء لا أدري ما معناه اللّهمّ إلّا أن يكون الّذي علم منه شيئا منع غيره أن يعلمه وإن كانت العربيّة فلا فرق بين اجتماع الهمزتين من نبأت ولا من أنبأت
قال الشّيخ أبو زرعة رضي الله عنه سألت أبا عبد الله الخطيب
[حجة القراءات: 155]
عن هذا فقال إن أبا عمرو أشار إلى أنه يرى الفصل بالألف بين الهمزتين المتلازمتين نحو همزة الاستفهام إذا دخلت على همزة ثانية في الفعل الماضي نحو أفعل لأن هذا المثال مبنيّ على الهمزة فهي تصحبه في متصرفاته إمّا مقدرة في اللّفظ وإمّا مقدرة في النّيّة ففي اللّفظ في الماضي والمصدر نحو أنذر إنذارا وفي التّقدير في المستقبل نحو أنذر واصله أؤنذر بهذه الهمزة الّتي بني الفعل عليها بملازمتها له هي أثقل من الهمزة الّتي تعرض من جملة امثلة الأفعال في مثال واحد وهي في إخبار المتكلّم عن نفسه بفعل مستقبل فلمّا كانت أثقل كان الفصل معها أوجب ولما كانت العارضة في حال واحدة أخف لم يحتج عند دخول ألف الاستفهام عليها إلى الفصل بينها وبينها لخفتها والهمزة في {أؤنبئكم} عارضة في المستقبل وليست ثابتة في الماضي والمصدر والهمزة في أنذر ثابتة في الماضي والمصدر
قرأ أبي عن نافع {قل أؤنبئكم} بهمزة واحدة مطوّلة والأصل في هذا {أؤنبئكم} بهمزتين ثمّ زاد الألف الفاصلة بينهما ليبعد المثل عن المثل ويزول الاجتماع فيخف اللّفظ فصار آؤنبئكم وهذه قراءة هشام ثمّ لين الهمزة الثّانية فصار {أؤنبئكم}
وقرأ نافع إلّا ما ذكرنا وبان كثير وأبو عمرو {أؤنبئكم} بهمزة
[حجة القراءات: 156]
واحدة من غير مد الأصل في هذا أؤنبئكم بهمزتين مثل ما ذكرنا ثمّ لينوا الهمزة الثّانية ولم يدخلوا بينهما ألفا
وقرأ الباقون بهمزتين على أصل الكلمة وقد ذكرنا الحجّة في سورة البقرة
قرأ أبو بكر عن عاصم {ورضوان من الله} بصم الرّاء في جميع القرآن إلّا في سورة المائدة فإنّه قرأ بالكسرة وفي رواية الأعشى قرأ بالضّمّ أيضا وحجته أنه فرق بين الاسم والمصدر وذلك أن اسم خازن الجنّة رضوان كذا جاء في الحديث ورضوان مصدر رضي يرضى رضى ورضوانا ففرق بين الاسم والمصدر
وقرأ الباقون بالكسر وحجتهم أن ذلك لغتان معروفتان يقال رضي يرضى رضى ومرضاة ورضوانا ورضوانا والمصادر تأتي على فعلان وفعلان فأما فعلان فقوله عرفته عرفانا وحسبته حسبانا وأما فعلان فقولهم غفرانك لا كفرانك). [حجة القراءات: 157]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (9- قوله: {رضوان} قرأه أبو بكر بضم الراء حيث وقع، إلا قوله في المائدة: {رضوانه سبل السلام} «16» فإنه كسر كالجماعة، وقرأ الباقون بالكسر حيث وقع، وهما مصدران بمعنى واحد، فالكسر كـ «الحِرمان» والضم كـ «الشُكران»، وخص أبو بكر ما في المائدة بالكسر للجمع بين اللغتين، مع اتباعه للرواية، والكسر هو الاختيار، لإجماع القراء عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/337]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (5- {وَرِضْوَانٌ} [آية/ 15]:-
بضم الراء، قرأها عاصم ياش- وحده في جميع القرآن إلا قوله تعالى {مَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَهُ} في المائدة فانه كسرها.
ووجه ذلك أنه مصدر كالرجحان والفرقان والقربان.
وقرأ الباقون و- ص- عن عاصم {وَرِضوانٌ} بالكسر.
[الموضح: 363]
وهو مصدر على فعلان كالرئمان والحرمان، وكلتاهما لغتان، والكسر أكثر). [الموضح: 364]

قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16)}

قوله تعالى: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 09:04 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (18) إلى الآية (20) ]

{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)}

قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الناس: {شَهِدَ اللَّهُ}، وقرأ أبو المهلب محارب بن دِثار: [شُهَدَاءَ اللَّهِ] مضمومة الشين، مفتوحة الهاء، ممدودة على فعلاء.
[المحتسب: 1/155]
قال أبو الفتح: هو منصوب على الحال من الضمير في المستغفرين؛ أي: يستغفرونه شهداء لله أنه لا إله إلا هو، وهو جمع شهيد، ويجوز أن يكون جمع شاهد؛ كعالم وعلماء، والأول أجود). [المحتسب: 1/156]

قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّ الدّين عند اللّه الإسلام... (19).
قرأ الكسائي وحده: (أنّ الدّين). وقرأ الباقون: ((إنّ) بكسر الألف.
[معاني القراءات وعللها: 1/244]
وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى في قول الله جلّ وعزّ: (إنّ الدّين عند اللّه الإسلام) بكسر الألف، وعليه القراء من أهل الأمصار إلا الكسائي فإنه فتح (أنّ) اعتبارا لقراءة ابن مسعود وابن عباس من غير أن يكون عنده فيها حجة حكاية عن أحد من السلف، غير أنه قال في قراءة عبد الله (أنّ الدّين عند اللّه الإسلام): وهذا دليل على وقوع الشهادة على أن شهد الله بإنه لا إله إلا هو، وبأن الذين عند الله الإسلام.
قال: وحكى الفراء قال: قرأ ابن عباس بكسر الأول وفتح أن الدين عند الله الإسلام، وهاتان حجة للكسائي في الفتح لموافقة ابن مسعود وابن عباس، فقد كسر الأولى لأن الباء حسن فيها (شهد الله بإنه لا إله إلا هو... أنّ الدين) جعلها مستأنفة معترضة؛ لأنها تعظيم للّه، كما تقول: (اعتقك اللّه وأعتقتك)، فتبدأ بالله تعظيمًا). [معاني القراءات وعللها: 1/245]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- وقوله تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام} [19].
قرأ الكسائي وحده {أن الدين} بفتح الألف.
وقرأ الباقون {إن الدين} بكسر الألف، فمن كسر أوقع الشهادة على الأولى، وابتدأ {إن الدين} ومن فتحها جعل الثانية بدلاً من الأولى، والتقدير: شهد الله أنه لا إله إلا هو، وأن الدين عند الله الإسلام). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/109]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال أحمد: كلّهم قرأ: إن الدين عند الله الإسلام [آل عمران/ 19] بكسر الألف إلّا الكسائي فإنّه فتح الألف من أن الدين عند الله الإسلام.
قال أبو علي: الوجه: الكسر في (إنّ)، لأنّ الكلام الذي قبله قد تمّ، وهذا النحو من الكلام الذي يراد به التنزيه، والتقرب، أن يكون بجمل متباينة أحسن من حيث كان أبلغ في
[الحجة للقراء السبعة: 3/22]
الثناء، وأذهب في باب المدح، ومن ثمّ جاء والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء [البقرة/ 177].
ومن فتح (أنّ) جعله بدلا، والبدل، وإن كان في تقدير جملتين، فإنّ العامل لمّا لم يظهر، أشبه الصفة. فإذا جعلته بدلا جاز أن تبدله من شيئين: أحدهما: من قوله: أنه لا إله إلا هو [آل عمران/ 18] فكأنّ التقدير: شهد الله أنّ الدين عنده الإسلام، فيكون البدل من الضرب الذي الشيء فيه هو هو. ألا ترى أنّ الدّين الذي هو الإسلام يتضمن التوحيد والعدل وهو هو في المعنى؟. وإن شئت جعلته من بدل الاشتمال لأنّ الإسلام يشتمل على التوحيد والعدل، وإن شئت جعلته من القسط لأنّ الدين الذي هو الإسلام قسط وعدل، فيكون من البدل الذي الشيء فيه هو هو). [الحجة للقراء السبعة: 3/23]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إن الدّين عند الله الإسلام}
قرأ الكسائي {إن الدّين عند الله الإسلام} بفتح الألف وحجته
[حجة القراءات: 157]
قوله قبله {شهد الله أنه لا إله إلّا هو} وقد أجمعوا على فتح أنه فجعل الشّهادة واقعة عليه كأنّه قال شهد الله أنه وشهد الله أن الدّين عند الله الإسلام
وقرأ الباقون {إن الدّين} بكسر الألف على الاستئناف). [حجة القراءات: 158]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (10- قوله: {إن الدين عند الله} قرأه الكسائي بفتح الهمزة، وكسرها الباقون.
11- ووجه قراءة الكسائي أنه جعل الكلام متصلًا بما قبله، فأبدل «أن» مما قبلها، فيجوز أن يكون بدلًا من «أن» في قوله: {شهد الله أنه} «18» فتكون «أن» في موضع نصب، فالتقدير: شهد الله أن الدين عند الله، فهو بدل الشيء من الشيء، وهو هو، لأن التوحيد والعدل هو الإسلام، وهو التوحيد والعدل، ويجوز أن يكون بدلًا من «أنه» على بدل الاشتمال، لأن الإسلام يشتمل على التوحيد والعدل والشرائع والسنن وغير ذلك، فيكون الثاني مشتملًا على الأول، ويجوز أن تكون «أن» بدلًا من «القسط» في موضع خفض على بدل الشيء من الشيء، وهو هو؛ لأن «القسط» العدل، والعدل هو الإسلام، والإسلام هو العدل.
12- ووجه القراءة بالكسر أنه على الابتداء والاستئناف، لأن الكلام قد تم عند قوله: {الحكيم}، ثم استأنف وابتدأ بخبر آخر، فكسر «إن» لذلك، وهو أبلغ في التأكيد والمدح والثناء، وهو الاختيار، لإجماع القراء عليه، ولتمام الكلام قبله، ولأنه أبلغ في التأكيد). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/338]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (6- {إِنَّ الدِّينَ} [آية/ 19]:-
بفتح الألف، قرأها الكسائي وحده.
والوجه في ذلك أنه جعل {أنّ الدينَ} بدلاً عن قوله تعالى {أَنَّهُ لا إلهَ إلاّ هُو} كأنه قال: شهد الله بأنه لا إله إلا هو وبأن الدين عند الله الإسلام، فيكون {أنّ الدينَ} بدلاً عن {أنّه} بدل الكل، ويجوز أن يكون بدل الاشتمال؛ لأن الدين مشتمل على التوحيد، ويجوز أن يكون بدلاً عن القسط؛ لأن كون الدين هو الإسلام هو قسط وعدل. وقرأ الباقون بكسر {إِنَّ}؛ لأن الكلام الذي قبله تام، فيكون استئنافًا، وهو أحسن؛ لأن ما يقصد به الثناء على الباري سبحانه- كان الكلام فيه- إذا كان جملاً متباينة- أحسن؛ لأنه أبلغ في المدح). [الموضح: 364]

قوله تعالى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وجهي للّه... (20)
فتح الياء نافع وابن عامر والأعشى وحفص، وأسكنها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/256]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن}
قرأ نافع وأبو عمرو {ومن اتبعني} بياء في الوصل وحجتهما أنّها ياء المتكلّم كما تقول من كلمني فلا تحذف الياء
وقرأ الباقون بحذف الياء وحجتهم مرسوم المصاحف بغير ياء وحجّة أخرى أن الكسرة تنوب عن الياء وأصل اتبعني اتبعي ولكن النّون زيدت لتسلم فتحة العين فالكسرة مع النّون تنوب عن الياء). [حجة القراءات: 158]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 09:05 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (21) إلى الآية (22) ]

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (22)}

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ويقتلون الّذين يأمرون... (21).
قرأ حمزة وحده: (ويقاتلون) بالألف بعد القاف، وروى نصير عن الكسائي مثل ذلك.
وسائر القراء قرأ: (ويقتلون).
قال أبو منصور: من قرأ (ويقتلون) فمعناه: أنهم يفتلون الذين لا يقاتلونهم.
ومن قرأ (يقاتلون) فمعناه: أنه يقاتلون الذين يخالفونهم في كفرهم، والمقاتلة من اثنين، والقتل من واحد، والاختيار (يقاتلون) بالألف، لأن المعنى: أنهم يقتلون من غلبوه ممن لا يوافقهم على كفرهم). [معاني القراءات وعللها: 1/246]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {ويقتلون النبيين} [21].
قرأ حمزة وحده: {ويقتلون} بألف.
وقرأ الباقون: {ويقتلون} بغير ألف. فيقتلون إخبار عن واحد {ويقاتلون} بألف إخبار عن اثنين فعل وفاعل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/109]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): ( [قال] أحمد: كلهم قرأ: ويقتلون الذين يأمرون بالقسط [آل عمران/ 21] بغير ألف إلّا حمزة فإنّه قرأ (ويقاتلون) بألف.
قال أبو علي: حجة من قرأ: ويقتلون الذين يأمرون أنّه معطوف على قوله، ويقتلون النبيين [آل عمران/ 21] وقد
[الحجة للقراء السبعة: 3/23]
جاء في أخرى فلم تقتلون أنبياء الله من قبل [البقرة/ 91] فجاء الفعل على يفعل دون يفاعل، فكذلك: ويقتلون الذين يأمرون بالقسط [آل عمران/ 21] لأنّ الآمرين بالقسط من الناس قد وافقوا الأنبياء في الأمر بالقسط، وكبر عليهم مقامهم وموضعهم فقتلوهم، كما قتلوا الأنبياء.
وحجة من قرأ: ويقاتلون الذين يأمرون أنّ في حرف عبد الله فيما زعموا: وقاتلوا الذين يأمرون بالقسط فاعتبرها، وكأن معنى يقاتلونهم، أنّهم لا يوالونهم ليقلّ نهيهم إياهم عن العدوان عليهم، فيكونون مباينين لهم، مشاقّين لهم؛ لأمرهم بالقسط، وإن لم يقتلوهم كما قتلوا الأنبياء، ولكن قاتلوهم قتال المباين المشاقّ لهم.
فإن قال قائل: إنّه في قراءته (ويقاتلون) لم يقرأ بحرف عبد الله، وترك قراءة الناس. قيل: ليس بتارك حرف عبد الله الذي هو (قاتلوا) في قراءته (يقاتلون) لأنّ قوله: (يقاتلون) يجوز أن يريد به (قاتلوا)، ألا ترى أنّه قد جاء إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله [الحج/ 25].
وقال في أخرى: الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله [النحل/ 88، محمد/ 1] فإذا جاء المعنى لم يكن تاركا لقراءة
[الحجة للقراء السبعة: 3/24]
عبد الله، وذلك أنّ قوله: يصدون يجوز أن يكون في المعنى (صدّوا)، إلّا أنّه جاء على لفظ المضارع حكاية للحال، وكذلك حمزة في قراءته (يقاتلون) يجوز أن يكون مراده به (قاتلوا) إلّا أنّه جاء على لفظ المضارع حكاية للحال). [الحجة للقراء السبعة: 3/25]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ويقتلون النّبيين بغير حق ويقتلون الّذين يأمرون بالقسط من النّاس}
قرأ حمزة (ويقاتلون الّذين يأمرون) بالألف وبضم الياء أي يحاربون وحجته قراءة عبد الله (وقاتلوا الّذين يأمرون بالقسط من النّاس)
وقرأ الباقون {ويقتلون الّذين يأمرون} بغير ألف وحجتهم أنهم لم يختلفوا في الحرف الأولى أنه بلا ألف وهو قوله {ويقتلون النّبيين بغير حق} وكذلك {ويقتلون الّذين يأمرون بالقسط}). [حجة القراءات: 158]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (13- قوله: {ويقتلون الذين يأمرون بالقسط} قرأه حمزة «يقاتلون» بالألف من القتال وقرأ الباقون بغير ألف، من القتل.
14- وحجة من جعله من القتل أنه عطفه على قوله: {ويقتلون النبيين} فقد أخبر عنهم بقتلهم للأنبياء، فقتل من هو دون الأنبياء أسهل عليهم، في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/338]
كعمرهم، ومن تجرأ على قتل نبي فهو أجرأ على قتل من هو دون النبي من المؤمنين، فحمل آخر الكلام على أوله في الإخبار بالقتل عنهم.
15- ووجه القراءة بالألف في حرف ابن مسعود «وقاتلوا الذين يأمرون بالقسط» فأخبر عنهم بالمقاتلة لا بالقتل على أن القتل أكثر ما يكون بالمقاتلة فأخبر عنهم بالسبب الذي يكون منه القتل، وقراءة الجماعة بغير ألف أولى لينتظم آخر الكلام بأوله، ولأنه إجماع). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/339]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (7- {وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ} [آية/ 21]:-
بالألف، قرأها حمزة وحده.
وذلك لأن في حرف عبد الله {وَقَاتَلُوا الّذين يَأْمُرُونَ} على الماضي من
[الموضح: 364]
القتال، فلهذا ذهب حمزة الى هذه القراءة.
ووجهها أنهم كانوا يشاقون من أمرهم بالقسط ونهاهم عن العدوان، ويخالفونهم مخالفة المشاق المباين لهم، فكل من لم يوافقهم على غيهم كانوا حربًا له.
وقرأ الباقون {وَيَقْتُلُونَ} بغير ألف؛ لأن {وَيَقْتُلُونَ} معطوف على قوله {ويَقْتُلُونَ النَبيّينَ}، والآمرون بالقسط يوافقون الأنبياء لا محالة في الأمر بالقسط والنهي عن الجور، فإذا قتلوا الأنبياء لم يمنعهم حرج من قتلهم أيضًا، ويؤيد هذا ما جاء في قصتهم أنهم قتلوا ثلاثة وأربعين نبيًا من أول النهار في ساعةٍ واحدةٍ، فقام مائة واثنا عشر رجلاً من عبادهم، فأمروهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوهم جميعًا في آخر النهار). [الموضح: 365]

قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (22)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 09:07 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (23) إلى الآية (25) ]

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (25)}


قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)}

قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)}

قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (25)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #11  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:19 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (26) إلى الآية (27) ]

{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)}

قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)}

قوله تعالى: {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وتخرج الحيّ من الميّت وتخرج الميّت من الحيّ... (27).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامرٍ وأبو بكر عن عاصم: (الميت) مخففا في كل القرآن، وكذلك خففوا: (بلدةً ميتًا) و(الأرض الميتة)
وقوله: (أومن كان ميتًا)، وقوله: (لحم أخيه ميتًا).
[معاني القراءات وعللها: 1/247]
وشدّد يعقوب من هذا ما كان له روح، كقوله: (يخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميّت من الحيّ) و((أومن كان ميّتًا)، وخفف ما لا روح فيه، نحو: (لبلدٍ ميتٍ) و(الأرض الميتة).
واتفقوا كلهم على تخفيف قوله: (لنحيي به بلدةً ميتًا).
وقرأ نافع بتشديد هذا كله، وقرأ حفص وحمزة والكسائي: (الحيّ من الميّت) و(بلدة ميتًا)، وخففوا (الأرض الميتة) و(أومن كان ميتًا) و(لحم أخيه ميتًا).
قال أبو منصور: من قرأ (الميّت) مشددًا فهو الأصل، ومن قرأ (الميت) مخففا فالأصل فيه التشديد، وخفف، ونظيره قولهم: هيّن وهين، وليّن، ولين.
والعرب تقول للحيّة: أيم وأين وأيّم وأيّن، والمعنى واحد في جميعها.
وأما من قال: (الميّت): ما لم يمت ووجهه إلى الموت، و(الميت): ما قد مات، فهو خطأ، يقال للذي مات: ميّت وميت، ولما سيموت ولم يمت: ميّت وميت، قال الله: (إنّك ميّتٌ وإنّهم ميّتون).
وبين الشاعر أن (الميّت) و(الميت) واحد فقال:
[معاني القراءات وعللها: 1/248]
ليس من مات فاستراح بميتٍ... إنّما الميت ميّت الأحياء
فجعل (الميت) مخففا مثل (الميّت).
وأمّا ما اتفق القراء على تخفيفه وتشديده فالقراءة سنة لا تتعدّى، وإذا اختلفوا فقراءة كل على ما قرأ، ولا يجوز مماراته وتكذيبه). [معاني القراءات وعللها: 1/249]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- وقوله تعالى: {يخرج الحي من الميت} [27].
قرأ نافع وحمزة والكسائي بتشديد الياء في كل القرآن.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/109]
وكذلك قرأ حفص عن عاصم.
وزاد نافع عليهم {أو من كان ميتا} و{حم أخيه ميتا}.
وقرأ الباقون بتخفيف ذلك كله. فمن شدد فهو على أصل الكلمة؛ لأنه لما اجتمع واو وياء والسابق ساكن قلبوا من الواء ياء وأدغموا الياء في الياء. ومن خفف قال: كرهت أن أجمع بين ياءين؛ إذ كان التشديد مستثقلاً فخزلت ياء كما قال تعالى: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طيف} والأصل: طيف). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/110]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله جلّ اسمه: وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي [آل عمران/ 27]، في التّشديد والتّخفيف: فقرأ عاصم في رواية أبي بكر، وابن كثير، وأبو عمرو وابن عامر: وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي [آل عمران/ 27] ولبلد ميت [الأعراف/ 57] أو من كان ميتا [الأنعام/ 122] والأرض الميتة [يس/ 33] وإن يكن ميتة [الأنعام/ 139] كل ذلك بالتخفيف.
وروى حفص عن عاصم: (من الميّت) مشدّدة مثل حمزة، وقرأ نافع وحمزة والكسائي: الحي من الميت والميت من الحي [آل عمران/ 27] ولبلد ميت [الأعراف/ 57] وإلى بلد ميت [فاطر/ 9] مشدّدا.
وخفف حمزة والكسائي غير هذه الحروف. وقرأ نافع: أو من كان ميتا [الأنعام/ 122] والأرض الميتة
[الحجة للقراء السبعة: 3/25]
[يس/ 33] ولحم أخيه ميتا [الحجرات/ 12] وخفّف في سائر القرآن ما لم يمت.
قال أبو علي: قال أبو زيد: وقع في المال: الموتان، والموات، والموات في قول بعض بني أسد: إذا وقع فيه الموت. قال أبو علي: يقال: مات يموت مثل: قال يقول، وقالوا:
متّ تموت، ودمت تدوم. ومتّ ودمت: شاذان. ونظيرهما من الصحيح: فضل يفضل.
فأمّا الميّت فهو الأصل، والواو التي هي عين انقلبت ياء لإدغام الياء فيها، والأصل التثقيل. وميّت محذوف منه، والمحذوف العين أعلّت عينه بالحذف كما أعلّت بالقلب، فالحذف حسن والإتمام حسن. وما كان من هذا النحو، العين فيه واو، فالحذف فيه أحسن، لاعتلال العين بالقلب، ألا ترى أنّهم قالوا: هائر وهار، وسائر، وسار، فأعلّوا العين بالحذف.
كما أعلّوها بالقلب؟ فكذلك نحو: ميّت وسيّد. وما مات، وما لم يمت، في هذا الباب يستويان في الاستعمال، ألا ترى أنّه قد جاء:
ومنهل فيه الغراب الميت
[الحجة للقراء السبعة: 3/26]
[كأنّه من الأجون زيت] سقيت منه القوم واستقيت فهذا قد مات. وقال الآخر:
ليس من مات فاستراح بميت... إنّما الميت ميّت الأحياء
فقد خفّف [ما مات] في الرّجز والبيت الآخر، وقال:
ميّت الأحياء فشدّد، ولم يمت، وقال تعالى: إنك ميت وإنهم ميتون [الزمر/ 30] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/27]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وتخرج الحيّ من الميّت وتخرج الميّت من الحيّ} 27
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر {يخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميّت من الحيّ} بالتّخفيف حيث كان وقرأ الباقون بالتّشديد
أصل الكلمة ميوت على فيعل فقلبوا الواو ياء للياء الّتي قبلها فصارت مييتا فمن قرأ بالتّخفيف فإنّه استثقل تشديد الياء مع كسرها فأسكنها فصارت ميتا وزنه فيل ومن قرأ بالتّشديد فإن التّشديد هو الأصل وذلك أنه في الأصل ميوت فاستثقلوا كسرة الواو بعد الياء فقلبوها ياء للياء الّتي قبلها ثمّ أدغموا الساكنة في الثّاني فصارتا ياء مشدّدة
واعلم أنّهما لغتان معروفتان قال الشّاعر
ليس من مات فاستراح بميت ... إنّما الميّت ميت الأحياء). [حجة القراءات: 159]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (16- قوله: {الميت}، و{ميت} قرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي في ذلك بالتشديد، إذا كان الموت قد نزل، وخفف الباقون، وتفرّد نافع بالتشديد في ثلاثة مواضع: {أو من كان ميتًا} «الأنعام 122» و{الأرض الميتة} «يس 33» و{لحم أخيه ميتًا} «الحجرات 12» وكلهم شدد ما لم يمت، نحو: {إنك ميت} «الزمر 30» وخفف ما هو نعت لما فيه هاء التأنيث نحو: {بلدة ميتًا} القراءتان لغتان فاشيتان، والأصل التشديد، والتخفيف فرع فيه، لاستثقال التشديد للياء، والكسر على الياء وأصله عند البصريين «ميوت» على «فيعل»، ثم قلبت الواو ياء، وأدغمت فيها الياء التي قبلها، والمحذوف في قراءة من خفف هي الواو، التي قلبت ياء، وهي عين الفعل، كما قالوا: هاير وهار، وساير وسار، فغيروا العين، وحذفوها بعد القلب في موضع لام الفعل، وقال الكوفيون: أصل «ميت» «مويت» على «فعيل» ثم أدغموا الواو في الياء، فقلبت ياء للإدغام، ويلزمهم أن يفعلوا هذا في: طويل وعويل، وذلك لا يجوز، والاختيار التخفيف، لأنه أخف، ولكثرته في الاستعمال، والتثقيل هو الأصل، فأما من خفف بعضًا
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/339]
وشدد بعضًا فإنه جمع بين اللغتين، لاشتهارهما، مع نقله ذلك عن أئمته، وعلى ذلك أجمعوا على التشديد، فيما لم يمت، للجمع بين اللغتين، والتخفيف فيما مات، وما لم يمت جائز، وكذلك التخفيف والتشديد في {بلدة ميتًا} يجوز). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/340]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {الحَيَّ مِنَ المَيْتِ} و{المَيْتَ مِنَ الحَيَّ} [آية/ 27]:-
بالتخفيف فيهما، قرأها ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم ياش-، وكذلك {بَلَدٍ مَيْتٍ} في جميع القرآن، وقرأ نافع وحمزة والكسائي و- ص- عن عاصم بالتشديد في جميع أمثال ذلك، إلا ما كان مؤنثًا نحو {مَيْتَةً} أو نعتًا لمؤنثٍ نحو {بَلْدَةً مَيْتًا}، فإنّ القراء لم يختلفوا في تخفيفها سوى {الأرْضُ المَيّتَةُ} في يس، فإنّ نافعًا شدّدها، وأما يعقوب فإنه شدد جميع ما كان ذا روحٍ، وخفف ما لم يكن ذا روح كالأرضين والبلاد.
وأما قوله تعالى {إنَّكَ مَيّتٌ وإنَّهُمْ مَيّتونَ} و{مَا هُوَ بمَيّتٍ} فإنّهم اتفقوا
[الموضح: 365]
على تشديدهما.
الأصل في هذه الكلمة هو فيعل من الموت، وأصله ميوت، فاجتمع الياء والواو، وسبق أحدهما بالسكون، فقلبت الواو التي هي عين ياءً، وأدغمت الياء في الياء، فبقي: ميت.
وهذا هو الذي قرأ به من قرأ بالتشديد.
وأما من خفف فإن أصل الكلمة أيضًا هو الميت بالتشديد، حذف منه الياء الثانية التي كانت واوًا في الأصل للتخفيف، فبقي: ميت، وإنما حذفت الثانية، لأنها هي التي أعلت بالقلب أيضًا في مات.
وأما قراءة يعقوب بما قرأ، فإنه لا فرق في العربية بين ما كان ذا روح فمات، وبين ما لم يكن ذا روح، وبين ما مات وما لم يمت، قال:
18- ومنهلٍ فيه الغراب الميت
وقال:-
19- لَيس من مات فاستراح بميتٍ). [الموضح: 366]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #12  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:22 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (28) إلى الآية (30) ]

{لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)}

قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إلّا أن تتّقوا منهم تقاةً... (28).
قرأ يعقوب وحده: (تقيّةً) بفتح التاء وكسر القاف وتشديد الياء.
وقرأ الباقون (تقاةً) بضم التاء وفتح القات، وأمالها حمزة قليلاً، وفتح قوله: (اتّقوا اللّه حقّ تقاته)، وأمالهما الكسائي جميعًا، وفتحهما الباقون إلا أن نافعًا قرأهما بين الفتح والكسر.
قال أبو منصور: من قرأها (تقيّةً) فهي اسم من اتقى يتقي اتقاءً أو تقية، فالاتقاء مصدر حقيقي، والتقيّة: اسم يقوم مقام المصدر.
ومن قرأ
[معاني القراءات وعللها: 1/249]
(تقاةً) فله وجهان:
أحدهما: أن التقاة: اسم يقوم مقام الاتقاء أيضًا، مثل التقيّة.
والوجه الثاني: أن قوله تقاةً: جمع تقيٍّ.
وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال في قوله: (إلّا أن تتّقوا منهم تقاةً). قال: وقرأ حميد: (تقيّةً)، وهو وجه، إلا أن (تقاةً) أشهر في العربية.
قال: وسمعت ابن الأعرابي يقول: واحد التقي: تقاة، ومثله: طلاة وطلىً، وأنشد قول الأعشى:
متى تسق من أنيابها بعد هجعةٍ... من الليل شرباً حين مالت طلاتها
وقال أبو إسحاق النحوي في قوله: (إلّا أن تتّقوا منهم تقاةً) و(تقيّةً): قرئا جميعا،
وقال: أباح الله إظهار الكفر مع التقيّة، والتقيّة: خوف القتل.
إلا أن هذه الإباحة لا تكون إلا مع خوف القتل، وسلامة النية.
وقال الفراء: ذكر عن الحسن ومجاهد أنهما قرءا: (تقيّةً).
وأخبرني المنذري عن الحراني عن ابن السكيت أنه قال: التّقى كتابه بالياء، قال: والطلى جمع طلية، وهي: صفحة العنق.
قال: وقال أبو عمرو والفراء: واحدتها: طلا.
وقال ابن الأعرابي: الطلى: طلاة
[معاني القراءات وعللها: 1/250]
وطليه، وكذلك: تقاة أو تقي، لم يجئ إلا هذان الحرفان). [معاني القراءات وعللها: 1/251]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (7- وقوله تعالى: {إلا أن تتقوا منهم تقاة} [28] و{حق تقاته} [102].
فقرأهما نافع بين الإمالة والتفخيم.
وقرأ الكسائي بالإمالة جميعًا.
وقرأ حمزة: الأول بالإمالة، والثاني بالتفخيم.
وقرأ الباقون بالفتح فيهما.
فحجة من فتح أنه أتى بالكلمة على أصلها، والأصل في تقاه: تقية، فقلبوا في الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها كما قالوا: قضاة والأصل: قضية.
ومن أمال فلأن الياء وإن كانت قلبت ألفًا فإنه دل بالإمالة على الياء وهي أصل الكلمة كما قرأ {قضى} و{رمى}.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/110]
وأمال حمزة الأولى تبعًا للمصحف؛ لأنها كتبت في المصحف بالياء، {تقية}.
وحجة ثانية: أنه جمع بين اللغتين). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/111] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إمالة القاف من قوله جلّ وعزّ: تقاة [آل عمران/ 28].
فأمال الكسائيّ القاف في الموضعين جميعا، وأمال حمزة منهم تقاة [آل عمران/ 28] إشماما من غير مبالغة، ولم يمل حمزة حق تقاته [آل عمران/ 102] وفتح الباقون القاف في الموضعين غير أن نافعا كانت قراءته بين الفتح والكسر.
[الحجة للقراء السبعة: 3/27]
قال أبو علي: قال أبو زيد: وقيت الرجل أقيه وقاء و وقاية، وأنشد:
لولا الذي أوليت كنت وقاية... لأحمر لم تقبل عميرا قوابله
وأنشد أبو زيد:
زيادتنا نعمان لا تحرمنّنا... تق الله فينا والكتاب الذي تتلو
وأنشد أيضا:
تقوه أيّها الفتيان إني... رأيت الله قد غلب الجدودا
وأنشد أيضا:
تقاك بكعب واحد وتلذّه... يداك إذا ما هزّ بالكفّ يعسل
[الحجة للقراء السبعة: 3/28]
قال أبو عمرو: يصف رمحا، يريد: اتقاك.
وقال السكريّ: تقاك: وليك منه كعب.
قال: ويقال: إبلك اتقت كبارها بصغارها، أي جعلت الصغار ممّا يليك، وكذلك: اتقاني فلان بحقي، أي: أعطانيه وجعله بيني وبينه.
فأمّا قولهم: تقاك، فتقديره: تعلك، والأصل: اتّقاك فحذف فاء الفعل المدغمة، فسقطت همزة الوصل المجتلبة لسكونها، وأعللتها بالحذف كما أعللتها بالقلب، وليس ذلك بالمطّرد، وقولهم في المضارع: يتقي، تقديره: يتعل وقال:
يتقي به نفيان كلّ عشيّة.............
وأمّا التّقوى فهو فعلى. من وقيت، وأبدلت من اللّام التي هي ياء من وقيت الواو، كما تبدل في هذا النحو من الأسماء، وقد أنشد أبو زيد:
قصرت له القبيلة إذ تجهنا... وما ضاقت بشدّته ذراعي
فهذا فعلنا من الوجه، يقال: تجه يتجه تجها، مثل: فزع يفزع فزعا، إذا واجهه.
[الحجة للقراء السبعة: 3/29]
وأنشد الأصمعي:
تجهنا.........
فهذا ينبغي أن يحمل على فعل، ولا تجعله مثل: تقى يتقي، لقلة ذلك وشذوذه، وتقيته واتّقيته مثل شويته واشتويته. وتقول في المضارع: أنت تتقي وتتّقي. والواقية يشبه أن تكون مصدرا كالعاقبة والعافية، وقالوا في جمعه: أواق، فأبدلوا لاجتماع الواوين قال:
..................... يا عديا لقد وقتك الأواقي
فأمّا من لم يمل الألف من تقاة، فحجّته: أنّ قاة من تقاة بمنزلة قادم، فكما لم يمل هذا كذلك ينبغي أن [لا يمال قاف تقاة] لاستعلاء القاف، كما لم يمل ما ذكرنا.
وحجّة من أمال أنّ سيبويه زعم: أنّ قوما قد أمالوا من هذا مع المستعلي ما لا ينبغي أن يمال في القياس. قال:
وهو قليل، وذلك قول بعضهم: رأيت عرقا وضيقا.
[الحجة للقراء السبعة: 3/30]
قال أبو علي: ولو قلت إنّ الإمالة فيما ذكره أمثل منها في (تقاة) لأنّ قبلها كسرة، والكسرة تجلبها، والإمالة في حق تقاته [آل عمران/ 102] تحسن لمكان الكسرة وهو في الأولى نحو:
عرقا، للزوم الكسرة أقوى، وكسرة التاء في تقاته كسرة إعراب لا تلزم، على أن الأحسن الأكثر أن لا تميل لأنّ: قاته من تقاته بمنزلة قادم وقافل، فكما لا يمال هذا كذلك ينبغي أن لا تميل الألف من تقاته.
ومن وجه إمالة القاف في (تقاته، وتقاة) أنّهم قد أمالوا سقى، وصغا وضغا، ومعطى، طلبا للياء التي الألف في موضعها، فكما أميلت هذه الألف مع المستعلي كذلك أميلت التي في تقاة وتقاته.
فإن قلت: إنّ هذه الإمالة إنّما جاءت في الفعل، والفعل أكثر احتمالا للتغيير، واسم الفاعل بمنزلة الفعل، وليس التقاة، بواحدة منهما. قيل: يمكن أن يقال: إنّه شبّه المصدر باسم الفاعل لمشابهته له في الإعمال، وقيامه مقام الصفة في عدل، وزور، كما شبّه اسم المفعول في معطى بالفعل لعمله عمله). [الحجة للقراء السبعة: 3/31]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ( (إلّا أن تتقوا منهم تقة) 28
قرأ حمزة والكسائيّ {تقاة} حمالة وحجتهما أن فعلت منها بالياء إذا قلت وقيت فابقيا في لام الفعل دلالة على أصله في فعلت وهي ألإمالة
وقرأ الباقون بغير إمالة وحجتهم أن فتحة القاف تغلب على الألف فتمنعها من الإمالة
[حجة القراءات: 159]
وأما قوله حق تقاته فإن الكسائي قرأ بالإمالة وحده
فإن سأل سائل فقال لم أمال حمزة الأولى وفخم الثّانية
الجواب أن الأولى كتبت في المصاحف بالياء والثّانية بالأف وكان حمزة متبعا للمصحف والدّليل عليه أن يعقوب قرأ (تقية) وأصل الكلمة وقية على وزن فعلة فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت وقاة ثمّ أبدلوا من الواو تاء كما قالوا تجاه وأصله وجاه). [حجة القراءات: 160]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {تَقِيَّةَّ} [آية/ 28]:-
بفتح التاء وتشديد الياء على وزن قضية، قرأها يعقوب وحده.
وذلك لأن التقية مصدر على فعيلة كالقطيعة، ويجوز أن يكون اسمًا للمصدر بمعنى الاتقاء، فوضعوا الاسم موضع المصدر، كما وضعوا النفقة موضع الإنفاق، والمعنى: إلا أن تتقوا منهم اتقاءً.
وقرأ الباقون {تُقاةً} بالألف وضم التاء، إلا أن الكسائي يميلها، وكذلك {حَقّ تُقاتِه}، ونافعًا يضجعهما قليلاً، وحمزة يميلها دون {حق تقاته}، والباقون يفتحونهما.
و {تُقاة} يجوز أن تكون مصدرًا كالتخمة والتؤدة، أو اسمًا للمصدر على ما تقدم، ويجوز أن يكون جمع تقي ككمي وكماة فيكون منصوبًا على الحال.
وأما الإمالة فيها، فلانقلاب الألف عن الياء، أميلت، وإن كان قبلها حرف مستعلٍ، لما زعم سيبويه من أن قومًا من العرب قد أمالوا مع المستعلي ما لا ينبغي أن يمال في القياس، وقد مضى مثله.
وكذلك القول في {حقّ تُقاتِهِ} إلا أن الإمالة ههنا أحسن لمكان الكسرة بعد الألف. وأما من فتح؛ فلأن ما قبل الألف حرف مستعلٍ، والمستعلي يمنع الإمالة). [الموضح: 367]

قوله تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)}

قوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #13  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:23 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (31) إلى الآية (32) ]

{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)}


قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)}

قوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #14  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:25 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (33) إلى الآية (37) ]

{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)}

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)}

قوله تعالى: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الناس: {ذُرِّيَّةً}، وقرأ زيد بن ثابت: [ذِرِّيَّة] بكسر الذال، و[ذَرِّيَّة] بفتح الذال.
قال أبو الفتح: يحتمل أصل هذا الحرف أربعة ألفاظ:
أحدها: ذرأ، والثاني: ذرر، والثالث: ذرو، والرابع: ذرى.
فأما الهمز، فمن ذرأ الله الخلق.
وأما ذرر، فمن لفظ الذر ومعناه؛ وذلك لما ورد في الخير أن الخلق كان في القديم كالذر.
وأما الواو والياء، فمن ذرَوت الحَب وذَريته، يقالان جمعيًا؛ وذلك لقوله سبحانه: {فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ}، وهذا للطفه وخفته، وتلك حال الذر أيضًا.
فهذه الأصول المنزوع إليها، المقود تصريف هذا الموضع عليها.
فأما {ذُرية} المضمومة، فإن أخذتها من ذرأ؛ فإنها في الأصل فُعِّيلة كمُرِّيق، وأصلها ذُرِّيئة، فألزمت التخفيف أو البدل كنبِيٍّ في أكثر اللغة، وكالخابية، وكالبرية، فيمن أخذها من برأ الله الخلق، وغير ذلك مما أُلزم التخفيف. ومثلها: {كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} فيمن جعله فُعِّيلًا من درأَت؛ وذلك لأنه يدرأ الظلمة عن نفسه بضوئه، وأصله على هذا دُرِّيءٌ فخفف، وقد قرئ به مهموزًا.
وإن أَخذت الذُّرية من الذَّرِّ احتمل خمسة أوجه:
أحدها: أن يكون فُعْلِيَّة كبختية وقمرية.
والآخر: أن تكون منسوبة إلى الذر، إلا أنه غُير أولها؛ لما قد يعرض من التغيير لياءي الإضافة، كقولهم في الإضافة إلى أمس: إمسي، وإلى الأفق: أَفَقِي، وإلى الحرَم: حِرْمي، وإلى جَذِيمة: جُذمِيّ، وإلى عبيدة: عُبدِي، وإلى الدهر: دُهْرِي، وإلى السهل: سُهْلِي.
والثالث: أن تكون ذرية فُعِّيلة كمُرِّيقة؛ إلا أن أصلها ذُرِّيرة على هذا، فلما كثرت
[المحتسب: 1/156]
الراءات أبدلوا الآخرة ياء وأدغموا فيها ياء فُعِّيلة التي قبلها، ونحو منه مما أبدل فيه أحد الأمثال ياء هربًا من تكريرها قولهم: تظنَّيْتُ، وتَسَرَّيْتُ، وتَلعَّيْتُ من اللُّعَاعة وهي يقلة، وقَصَّيتُ أظافري، وتفَضَّيْتُ من الفضة، وكقوله:
تقضِّيَ البازي إذا البازي كسر
هو تَفعُّل من الانقضاض، وأصله تقَضُّض، كما أن أصل تظنيت تظننت، وتسريت تسررت؛ لأنه تفعلت من السُّرِّية فيمن أخذها من السِّر وهو النكاح، أو من السر لأنه في غالب الأمر مكتومة الأمر من صاحبة المنزل. وهذا قول أبي الحسن الكرخي. وأصل تلعيت تلععت، وأصل قصيت أظفاري قصصت، ويمكن أن يكون أُخِذت من أَقاصِيها فلا يكون مبدلًا، وأصل تفضيت تَفَضَّضْتُ، وقالوا: فأبدالوا مع الاثنين في أمللت الكتاب: أمليت، وقال الأسود بن يعفر:
وأقسمت لا أملاه حتى يفارقا
يريد: أَملُّه، فأبدلوا الثاني منها ياء للتكرير، ثم أُبدلت الياء ألفًا؛ فصار أملاه.
وأخبرنا أبو علي قال: قال أحمد بن يحيى عنهم: "لا وَرَبْيِك لا أفعل"، يريد: لا وربك، ونظائره كثيرة. فأصل ذرية على هذا ذُرِّيرة فُعِّيلة كمُرِّيقة، فأُبدلت الراء الأخيرة لما ذكرنا ياء، وأدغمت فيها ياء فُعِّيلة؛ فصارت ذُرِّيَّة.
والرابع: أن تكون فُعُّولة كجُبُّورة وكسبوح وقدوس، وأصله على هذا ذُرُّورة، فأبدلت الراء الأخيرة -لما ذكرنا من اجتماع الأمثال- ياء؛ فصارت ذُرُّويَة، ثم أبدلت الواو لوقوعها ساكنة قبل الياء ياء والضمة قبلها كسرة، وأدغمت في الياء المبدلة من الراء؛ فصارت ذُرِّية كما ترى.
[المحتسب: 1/157]
والخامس: أن تكون فُعْلولة منه؛ كقُرْدودة وحُبْرورة، وأصلها على هذا ذُرُّورة؛ فعُمل فيها ما عمل فيما يليها، فهذا حديث ذرية إذا كانت من ذرر.
وإن كانت من لفظ ذرو أو ذرى احتملت مثالين:
أحدهما: أن يكون فُعُّولة.
والآخر: أن يكون فُعِّيلة.
فإذا كانت فعولة من الواو فأصلها ذُرُّوَّة، كفعولة من غروت غُزُّوَّة، إلا أن الاسم طال وضوعفت في آخره الواو فاستثقلت، فأُبدلت اللام ياء للتخفيف فصار ذُرُّوية، فأبدلت الواو لوقوع الياء بعدها والواو ساكنة ياء والضمة قبلها كسرة كما قلبت هي ياء وأدغمت في الياء؛ فصارت ذُرِّيَّة.
ومثل ذلك مما أبدل لطوله وثِقَل تضعيف الواو أُدْحيَّة، وأصلها أُدحُوَّة؛ لأنها من دحوت، وأَدعيَّة وأصلها أُدعُوَّة؛ لأنها من دعوت، وأُحْجِيَّة وأصلها أُحجوَّة؛ لأنها من حجوت؛ أي: ثَبَتُّ، وأُضحيَّة وأصلها أُضْحُوَّة؛ لأنها من الضحوة، فأبدلت لما ذكرنا؛ فصار جميعها إلى الياء.
وإن كانت ذُرية من الياء -وهي فُعُّولة- فخطبها أيسر؛ لأن أصلها ذروية، ولزمها من إبدال الواو وإدغامها ما لزم فيما قبلها. انقضى أمر ذُرية بضم الذال.
وأما [ذِرِّيَّة] بكسر الذال فتكون من ذرأ الله الخلق، فلا يجوز فيها إلا أن تكون فِعِّيلة، وأصلها ذِرِّيئة، ثم أُلزمت التخفيف أو البدل على ما مضى؛ فصارت ذِرِّيَّة.
فإن أَخذت ذِرِّية من الذر احتتملت أربعة أوجه:
أحدها: أن تكون فِعْليَّة كحِيريِّ دهر.
والآخر: أن تكون منسوبة إلى الذر؛ إلا أنها كسر أولها للتغيير المعتاد مع ياءي الإضافة؛ كقولهم في أمس: إِمسي.
والثالث: أن تكون فِعِّيلة؛ كبِطيخة وجرِّيَّة، وأصلها ذِرِّيرة، ثم غيرت الراء الأخيرة لكثرة الراءات ياء على ما مضى، ثم أُدغمت فيها الياء قبلها؛ فصارت ذِرِّيَّة.
[المحتسب: 1/158]
الرابع: أن تكون فِعْليلَة كحِلتيت وحِبرير، وأصلها على هذا ذِرِّيرَة، ثم فيها ما عمل في الذي يليها.
فإن أَخذت ذِرية من ذرو أو من ذرى لم تكن إلا فِعِّيله ألبتة، وأصلها من الواو ذِريوة، فأبدلت الواو ياء، وأدغمت فيها ياء المد قبلها؛ فصارت ذِرية.
وإن كانت من الياء فلا صنعة فيها، فهي كفِعِّيلة من رميت رِمِّيَّة. انقضت ذِرية بكسر الذال.
وأما ذَرِّيَّة بفتح الذال فتكون من لفظ الذَّر، وتكون من لفظ ذرأ، وتكون من لفظ ذرو، وتكون من لفظ ذرى.
فإذا كانت من لفظ ذرر احتملت أن تكون فَعْلِيَّة كبَرْنِيَّة، وأن تكون فَعُّولَة كخَرُّوبَة، وأن تكون فَعْلُولة كبَعْكُوكَة، وأن تكون فِعِّيلة كسكينة، فتلك أربعة أوجه.
أما فَعْلِيَّة فأمرها واضح.
وأما فَعُّولَة فأصلها ذَرُّورة، فاجتمعت الراءات فأبدلت الآخرة ياء على ما قدمنا ذكره من تظنيت وتقضيت، فصارت ذَرُّوية، فلما اجتمعت الواو والياء وسكن الأول منهما قلبت الواو ياء، وأُدغمت الياء في الياء؛ فصارت ذَرِّية.
وأما فَعْلُولة فأصلها أيضًا ذَرُّورَة، فعُمل فيها من البدل والإدغام ما عمل في فَعُّولة.
وأما فَعِّيلة فأصلها ذَرِّيرَة، فأبدلت الراء الأخيرة لما ذكرنا ياء، وأدغمت فيها ياء المد قبلها؛ فصارت ذَرِّية.
فإذا كانت من لفظ ذرأ احتملت أن تكون فَعِّيلة كسكينة، وأن تكون فَعُّولة كخَرُّوبة.
فإذا كانت فَعِّيلة فأصلها ذَرِّيئة، فألزمت الهمزة التخفيف ألبتة أو البدل فقلبت ياء، ثم أدغمت فيها الياء قبلها؛ فصارت ذَرِّية.
وأما إذا كانت فَعُّولة فأصلها ذَرُّوءة، فأبدلت الهمزة ياء فصارت ذَرُّويَة، ثم أبدلت الواو ياء للياء بعدها، وأدغمت الياء المبدلة في الياء الثانية؛ فصارت ذَرِّيَّة.
ولا يجوز على هذا أن تكون همزة ذَرُّوءَة خففت؛ لأنه لو كان كذلك لقلبت واوًا لوقوع الواو قبلها، ثم أدغمت واو فَعُّولة فيها فصارت ذَرُّوَّة، كما أنك لو خففت مقروءة لقلت: مَقْرُوَّة، وهذا واضح.
[المحتسب: 1/159]
وأما فَعِّلية -أعني: ذَرِّيئة- فإنك إن أبدلتها أو خففتها استوى فيها اللفظان، فقلت: ذَرِّيَّة، كما تقول في تخفيف جِرِّيئة وأبدالها جِرِّيَّة، وهذا واضح.
وإذا كانت من لفظ الذَّرْوِ فإنها فَعِّيلة، وأصلها ذَرِّيوَة، فقلبت الواو لسكون الياء قبلها، وأدغمت الياء الأولى فيها؛ فصارت ذَرِّيَّة. ولا تحتمل وهي من الواو أن تكون فَعُّولة؛ لأنه كان يجب على هذا أن تكون ذَرُّوَّة، والحمل على أُدْحِيَّة جائز، إلا أنه ليس بالظاهر، وليس كذلك أُدْعِيَّة وأدحية وأضحية؛ لأنه قد أُمن أن يكون في الكلام أُفْعِيل؛ لأنه لم يأتِ عنهم، فلا بد إذن من أن يكون أصلها أُدْحُوَّة وأدعوة وأضحوة، فغيرت إلى الياء تخفيفًا استحسانًا لا وجوبًا، وليس كذلك ذَرِّية لو كانت من الذَّرْو؛ لأنه ليس واجبًا أن تكون فَعُّولة؛ بل قد يجوز أن تكون فَعِّيلة، فافهم ذلك.
وأما إذا كانت من ذرى، فإنها تحتمل أن تكون فَعُّولة وفَعِّيلة، فأصل فَعُّولة ذَرُّويَة، فأبدلت الواو للياء بعدها، وأدغمت الأولى في الثانية؛ فصارت ذَرِّيَّة.
وأصل فَعِّيلة ذَرِّية هكذا وكما ترى؛ لأنك أدغمت الياء الأولى في الثانية فصارت ذَرِّية، ومثلها من قَضَيْتُ قَضِيَّة، ومن رميت رمية. انتهى القول في ذُرية وذِرية وذَرية، ودعانا إلى إشباع القول عليها أن لم يتقدم أحد ببسطها، وحسبنا الله). [المحتسب: 1/160]

قوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله: (فتقبّل منّي إنّك... (35)
فتح الياء من (منّي) نافع وأبو عمرو). [معاني القراءات وعللها: 1/256]

قوله تعالى: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (واللّه أعلم بما وضعت... (36).
قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم ويعقوب: (بما وضعت) بضم التاء، وقرأ الباقون: (بما وضعت)، مثل: فعلت قال أبو منصور: من قرأ (بما وضعت) فهو قول أم مريم وفعلها.
ومن قرأ (بما وضعت) فهو إخبار الله - عزّ وجلّ - عن فعلها). [معاني القراءات وعللها: 1/251]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله: (وإنّي أعيذها... (36)
فتح الياء من (إنّي أعيذها) نافع وحده). [معاني القراءات وعللها: 1/257]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (29- وقوله تعالى: {والله أعلم بما وضعت} [36].
قرأ عاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر {بما وضعت}.
وقرأ الباقون {وضعت} بإسكان التاء على معنى أن الله خبر بما وضعت هي، ومن ضم التاء أراد: مريم خبَّرت عن نفسها). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/111]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في ضمّ التاء وتسكين العين، وفتح العين وتسكين
[الحجة للقراء السبعة: 3/31]
التاء في قوله تعالى: بما وضعت [آل عمران/ 36].
فقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر بما وضعت بضم التاء وإسكان العين.
وروى حفص عن عاصم والمفضّل عن عاصم: (بما وضعت) بالإسكان.
وقرأ الباقون: (وضعت) بالإسكان مثل حفص.
قال أبو علي: من قرأ: والله أعلم بما وضعت [آل عمران/ 36] جعله من كلام أمّ مريم. وإسكان التاء أجود في قوله: والله أعلم بما وضعت لأنّها قد قالت: رب إني وضعتها أنثى [آل عمران/ 36] فليست تحتاج بعد هذا أن تقول: والله أعلم بما وضعت.
ووجهه: أنّه كقول القائل في الشيء: ربّ قد كان كذا وكذا. وأنت أعلم، ليس يريد إعلام الله سبحانه ذلك، ولكنّه كالتسبيح والخضوع والاستسلام له، وليس يريد بذلك إخبارا.
ومن قرأ: والله أعلم بما وضعت جعل ذلك من قول الله تعالى، والمعنى: أنّ الله- سبحانه- قد علم ما قالته، قالته هي أو لم تقله. وممّا يقوّي قول من أسكن التاء، قوله: والله أعلم بما وضعت
[الحجة للقراء السبعة: 3/32]
ولو كان من قول أمّ مريم لكان: وأنت أعلم بما وضعت، لأنّها تخاطب الله سبحانه.
وقال بعض المتأوّلين: كانوا لا يحررون الإناث والله أعلم بما وضعت على جهة النّدم، وأنّها فعلت ما لا يجوز، فلذلك قالت:
وليس الذكر كالأنثى [آل عمران/ 36] لأنّ الذكر يتصرف في الخدمة والأنثى خلافه، وكانت الأحبار يكفلون المحررين، فاقترعوا على مريم بأقلامهم، فغلب عليها زكريا). [الحجة للقراء السبعة: 3/33]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالت رب إنّي وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت}
قرأ ابن عامر وأبو بكر {والله أعلم بما وضعت} بضم التّاء جعلوها من كلام أم مريم وحجتهم أنّها قالت {رب إنّي وضعتها أنثى} كانت كأنّها أخبرت الله بأمر هو أعلم به منها فتداركت ذلك بقولها {والله أعلم بما وضعت} كما قال عز وجل {قالت الأعراب آمنا} قال الله جلّ وعز {قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السّماوات وما في الأرض} وهي مع ذلك إذا قرئت بالضّمّ لم يكن فيها تقديم وتأخير
وقرأ الباقون والله أعلم {بما وضعت} بسكون التّاء وحجتهم أنّها {قالت رب إنّي وضعتها أنثى} فكيف تقول بعدها {والله أعلم بما وضعت} أنا والمعنى الواضح هو أنّها {قالت رب إنّي وضعتها أنثى}
[حجة القراءات: 160]
فقال الله جلّ وعز {والله أعلم بما وضعت} هي منها وفي القراءة تقديم وتأخير معناها قالت رب إنّي وضعتها أنثى وليس الذّكر كالأنثى فقال الله جلّ وعز {والله أعلم بما وضعت} وحجّة أخرى لو كان كله كلامها لكانت رب إنّي وضعتها أنثى وأنت أعلم بما وضعت). [حجة القراءات: 161]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (17- قوله: {بما وضعت} قرأه أبو بكر وابن عامر بضم التاء، وإسكان العين، وقرأ الباقون بفتح العين، وإسكان التاء.
18- وحجة من ضم التاء أنه جعله من كلام أمر مريم، لاتصال كلامهما بما بعد ذلك، وما قبله في قولها: {رب إني وضعتها أنثى} وقولها: {وليس الذكر كالأنثى}، وقولها: {وإني سميتها مريم}، وقولها: {وإني أعيذها بك} فكله من كلام أم مريم، فحمل وسط الكلام على أوله وعلى آخره، وذلك حسن في المطابقة والمجانسة، كما تقول: ربي قد أذنبت وأنتم أعلم بذلك، على طريق التسليم والخضوع، وفي القراءة بضم التاء معنى التعظيم لله، والخضوع والتنزيه له، أن يخفى عليه شيء، كأن أم مريم لما قالت رب إني وضعتها أنثى، أرادت أن تعظم الله، وتنزهه عن أن يخفى عليه شيء فقالت: والله أعلم بما وضعت، لا يحتاج إلى أن تخبره بذلك، ولم تقل ذلك على طريق الإخبار، لأن علم الله بكل شيء قد تقرر في أنفس المؤمنين، وإنما قالته على طريق التعظيم، والتنزيه لله، وذكره بما هو أهله.
19- وحجة من قرأ بإسكان التاء أنه جعله من الله جل ذكره، والمعنى: أن الله أعلمنا عن طريق التثبت لنا، وقال: والله أعلم بما وضعت أم مريم، قالته أو لم تقله، ويقوي ذلك أنه لو كان من قول أم مريم لكان وجه الكلام: وأنت أعلم بما وضعت، لأنها نادته في أول الكلام في قولها: {رب إني وضعتها}،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/340]
والمنادي مخاطب، فلما قال: والله أعلم، كان الإخبار عن نفسه أولى، فقال: وضعت، وبه قرأ ابن عباس والحسن وغيرهما). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/341]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {بِمَا وَضَعَتْ} [آية/ 36]:-
بسكون العين وضم التاء، قرأها ابن عامر وعاصم ياش- ويعقوب.
والوجه أن ذلك من كلام أم مريم، وهو يجري مجرى قول القائل: يا رب قد كان كذا وكذا وأنت أعلم، يريد الخضوع والاستسلام، ويظهر أنه لا يقول ذلك على سبيل الإعلام، فإن الله سبحانه أعلم.
ويجوز أن يكون المراد: والله أعلم بما وضعت أيصلح لخدمة بيت المقدس وإن كانت أنثى أم لا يصلح لذلك؟ فإنهم كانوا لا يجعلون لهذا الشأن إلا الذكور.
وقرأ الباقون {بِمَا وَضَعَتْ} بفتح العين وإسكان التاء، على أنه قول الله تعالى؛ لأن أم مريم {قَالَتْ: رَبّ إنّي وَضَعْتُها أُنْثى}، فقال الله تعالى والله أعلم بذلك، ولكن تحت ذلك أمر هو بالغه، ويؤيد هذه القراءة أنه لو كان من قول أم مريم وكانت التاء مضمومةً لكان: وأنت أعلم بما وضعت؛ لأنها خاطبت الله تعالى). [الموضح: 368]

قوله تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وكفّلها زكريّا... (37).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب (وكفلها) خفيف (زكريّاء) ممدود مرفوع، وقرأ أبو بكر عن عاصم: (وكفّلها) الفاء مشدد.
و (زكريّاء) ممدود مهموز أيضًا.
وقرأ حمزة والكساني وحفص: (وكفّلها) مشددا (زكريّاء) مقصورا في
[معاني القراءات وعللها: 1/251]
كل القرآن.
قال أبو منصور: من شدد (وكفّلها) جعل (زكريّا) مفعولاً ثانيًا، والمفعول الأول مريم، ومن خفف الفاء جعل (زكريّا) في موضع الرفع؛ لأنه فاعل.
وفي (زكريا) ثلاث لغات: القصر حتى لا يستبين في الألف نصب ولا رفع ولا خفض.
واللغة الثانية: مد الألف فتنصب وترفع ولا تخفض ولا تنون؛ لأنه اسم لا ينصرف، وبهاتين اللغتين نزل القرآن.
وأما اللغة الثالثة فلا تجوز القراءة بها، وهو قولك: (هذا زكريٌّ قد جاء)، فيجوز لإشباهه المنسوب من أسماء العرب.
ومعنى قوله: (وكفلها زكريّاء) أي: ضمن القيام بأمرها وتربيتها.
ومن قرأ (وكفّلها زكريّا) فالمعنى: (وكفّلها اللّه زكريّا) ). [معاني القراءات وعللها: 1/252]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (30- وقوله تعالى: {وكفلها زكريا} [37].
قرأ أهل الكوفة: {وكفلها} مشددة.
وقرأ الباقون مخففة.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص: {زكريا} مقصورًا.
وقرأ الباقون ممدودًا، غير أن من شدد (كفلها) نصب زكريا، ومن خففها رفع، قال أبو عمرو: الاختيار التخفيف لقوله: {أيهم يكفل مريم} ولم يقل يكفل وقال أبو عبيدة: يقال: كفل يكفل، وكفل يكفل، وكفل يكفل.
فأما (زكريا) فالقصر والمد فيه لغتان، وفيه لغة ثالثة (زُكريٌّ) على وزن بُخْتِيٍّ، فمن مد زكرياء ثناه: زكرياآن، ومن قصر قال: زكرييان، وإن شئت حذفت ياء فقلت: زكريان). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/111]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد الفاء وتخفيفها من قوله عزّ وجلّ: وكفلها زكريا [آل عمران/ 37] ومدّ (زكرياء) وقصره ورفعه ونصبه.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: (وكفلها) مفتوحة الفاء خفيفة، و (زكرياء) رفع ممدود.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر (وكفّلها) مشدّدة و (زكرياء) نصب وكان يمدّ (زكرياء) في كلّ القرآن، وكذلك كلّ من تقدّم ذكره، هذه رواية أبي بكر.
وروى حفص عن عاصم: (وكفّلها) مشددا و زكريّا قصرا في كل القرآن.
[الحجة للقراء السبعة: 3/33]
وكان حمزة والكسائي يشددان (كفّلها)، ويقصران (زكريّا) في كل القرآن.
قال أبو علي: حجة من خفّف (كفّلها) قوله تعالى: أيهم يكفل مريم [آل عمران/ 44] و (زكرياء) مرتفع لأنّ الكفالة مسندة إليه، فأمّا من قال: وكفلها زكرياء فشدّد الفاء، فإنّ كفلت يتعدى إلى مفعول واحد، فإذا ضاعفت العين تعدى إلى مفعولين نحو:
غرم زيد مالا، وغرّمت زيدا مالا، وفاعل كفّلها فيمن شدّد الضمير العائد إلى ربّها من قوله: فتقبلها ربها بقبول حسن [آل عمران/ 37] وزكرياء الذي كان فاعلا قبل تضعيف العين صار مفعولا ثانيا بعد تضعيف العين.
وأمّا زكرياء: فالقول في همزته أنّها لا تخلو من أن تكون للتأنيث أو للإلحاق أو منقلبة، فلا يجوز أن تكون للإلحاق لأنّه ليس شيء في الأصول على وزنه فيكون هذا ملحقا به. ولا يجوز أن تكون منقلبة لأنّ الانقلاب لا يخلو من أن يكون من نفس الحرف أو من حرف للإلحاق، فلا يجوز أن يكون من نفس الحرف لأنّ الياء والواو لا يكونان أصلا فيما كان على أربعة أحرف، ولا يجوز أن يكون منقلبا من حرف الإلحاق لأنّه ليس في الأصول شيء يكون هذا ملحقا به! فإذا بطل هذان، ثبت أنّه للتأنيث، وكذلك القول فيمن قصر. فقال: زكريا. ونظير القصر والمدّ في هذا الاسم قولهم: الهيجا والهيجاء، قال:
[الحجة للقراء السبعة: 3/34]
وأربد فارس الهيجا إذا ما... تقعّرت المشاجر بالفئام
وقال:
إذا كانت الهيجاء وانشقّت العصا... فحسبك والضّحّاك عضب مهنّد
لمّا أعربت الكلمة وافقت العربية. وقد حذفوا ألف التأنيث من الكلمة فقالوا: هو يمشي الجيضّ والجيضّى، فعلى هذا قالوا: زكرياء وزكريّ، فمن قال: زكريّ صرف، والقول فيه أنّه حذف الياءين اللتين كانتا في (زكرياء) و (زكريا) وألحق الكلمة ياءي النسب، يدلك على ذلك صرف الاسم، ولو كانت الياءان في زكري الياءين اللتين كانتا في (زكرياء) و (زكريّا)، لوجب أن لا ينصرف الاسم للعجمة والتعريف كما أنّ إبراهيم ونحوه من
[الحجة للقراء السبعة: 3/35]
الأعجمية لا ينصرف، فانصراف الاسم يدلّ على أنّ الياءين للنسب، فانصرف الاسم وإن كان لو لم تلحق الياءان لم ينصرف بالعجمة والتعريف، يدلّك على ذلك أنّ ما كان على وزن مفاعل لا ينصرف فإذا ألحقته ياءي النسب انصرف كقوله:
مدائنيّ ومعافريّ.
وقد جرت تاء التأنيث هذا المجرى، فقالوا: صياقل، فلم يصرفوا، وألحقوا التاء فقالوا: صياقلة، فاتفق تاء التأنيث، وياء النسب في هذا كما اتفقا في روميّ، وروم، وشعيرة، وشعير، ولحقت الاسم الياءان وإن لم يكن فيه معنى نسب إلى شيء كما لم يكن في كرسيّ وقمريّ وثمان معنى نسب إلى شيء، وهذا نظير لحاق تاء التأنيث ما لم يكن فيه معنى تأنيث: كغرفة وظلمة ونحو ذلك، ويدل على أنّ الياءين في زكريّ ليستا اللتين كانتا في (زكرياء) أنّ ياءي النسب لا تلحقان قبل ألف التأنيث وإن كانتا قد لحقتا قبل التاء من بصرية لأنّ التاء بمنزلة اسم مضموم إلى اسم، والألف ليست كذلك. ألا ترى أنّك تكسر عليها الاسم والتاء ليست كذلك؟). [الحجة للقراء السبعة: 3/36]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وكلهم [فتح الراء من: المحراب] [آل عمران/ 37 و 39]: إلا ابن عامر فإنه أمالها.
قال أبو علي: قد أطلق أبو بكر القول في إمالة ابن عامر الألف من محراب. ولم يخصّ به الجرّ من غيره. وقال غيره:
إنّما يميله في الجر. وحجة من لم يمل أنّ «راب» من محراب
[الحجة للقراء السبعة: 3/39]
بمنزلة راء وراءة ونحو ذلك. فكما لا تمال الراء من هذا النحو كذلك ينبغي أن لا تمال من المحراب في الجرّ ولا في الرفع.
ألا ترى أنّه لا تمال رادة من قولهم: ريح رادة وراشد؟. والراء من «راب» بمنزلة الراء من راشد. فإن قلت: فهلّا جازت إمالتها للكسرة التي في الميم كما جازت الإمالة في مقلات للكسرة.
قيل إنّ من أمال مقلاتا، إنّما أماله لأنّه قدّر الكسرة كأنّها على القاف، لأنّها تليها، والقاف إذا تحركت بالكسر حسنت إمالة الألف بعدها. نحو: ققاف وغلاب. ولو قدّرت الكسرة على الحاء من محراب كما قدّرتها على القاف من مقلات لم تحسن الإمالة، ألا ترى أنّ «حراب» بمنزلة فراش، وفراس؟.
وقد قال: إنّهم لا يميلون فراشا، فكذلك المحراب، يريد سيبويه، بقوله: لا يميلون، لا يميله الأكثر. وحجة من أمال الألف من «محراب» أنّ سيبويه قد زعم أنّهم قالوا: عمران، ولم يميلوا برقان يعني: أنّهم لم يجعلوا الراء كالمستعلي في منع الإمالة، فعلى هذا يجوز أن تمال الألف في «محراب» في
[الحجة للقراء السبعة: 3/40]
الرفع، وزعم أيضا أنّهم قالوا: ذا فراش، هذا جراب، لما كانت الكسرة أولا والألف زائدة. قال: والنصب فيه كلّه حسن). [الحجة للقراء السبعة: 3/41] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وكفلها زكريّا}
قرأ عاصم وحمزة والكسائيّ وكفلها بالتّشديد زكريّا مقصورا
وقرأ أبو بكر (زكريّاء) بالنّصب أي (وكفلها الله زكريّاء) أي ضمها إليه
وحجتهم أن الكلام تقدم بإسناد الأفعال إلى الله وهو قوله قبلها {فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا} فكذلك أيضا وكفلها ليكون معطوفًا على ما تقدمه من أفعال الله
وقرأ الباقون {وكفلها} بالتّخفيف (زكريّاء) بالمدّ والرّفع قال أبو عبيد كفلها أي ضمنها ومعناه في هذا ضمن القيام بأمرها وحجتهم قوله {إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم} ولم يقل يكفل فالكفالة مسندة إليهم وكذلك في هذا الموضع وأما زكريّاء وزكريا فإنّهما لغتان بالمدّ والقصر والقصر أشبه بما جاء في القرآن وفي غيره من أسماء الأنبياء كموسى وعيسى وانشا ويهودا وليس فيها
[حجة القراءات: 161]
شيء ممدود فكذلك زكريّا هو بمنزلة نظائره). [حجة القراءات: 162]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (20- قوله: {كفلها زكريا} قرأه الكوفيون بالتشديد، وخفف الباقون، وقرأ حفص وحمزة والكسائي {زكريا} بغير مد، ولا همز، ومده الباقون وهمزوه.
21- وحجة من شدد أنه أضاف الفعل إلى الله جل وعز في قوله: {فتقبلها ربها وأنبتها}، فأخبر عن نفسه تعالى بما فعل بها، كذلك يجري {كفلها} على ذلك، يخبر عن نفسه بأنه كفلها زكريا أي ألزمه كفالتها، وقدّر ذلك عليه، ويسره له، فيكون {زكريا} المفعول الثاني لـ {كفلها}، لأنه بالتشديد، يتعدى إلى مفعولين، ويقوي التشديد أن في مصحف أبي «وأكفلها»، والهمزة كالتشديد في التعدي.
22- وحجة من خفف أنه أسند الفعل إلى زكريا، فأخبر الله عنه أنه هو الذي تولى كفالتها، والقيام بها، بدلالة قوله: {إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم} «44» فأخبر عنهم أنهم تنازعوا في كفالتها، وتشاجروا في الدين، حتى رموا بأقلامهم التي كانوا يكتبون بها الوحي، واستهموا بها على كفالة مريم، فخرج قلم زكريا بإذن الله وقدرته، فكفلها زكريا، فالفعل مسند إليه، فيجب تخفيف {كفلها} لذلك، وهو الاختيار، لأن التشديد يرجع إلى
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/341]
التخفيف، لأن الله إذا كفلها زكريا كفلها زكريا بأمر الله له، ولأن زكريا إذا كفلها فعن مشيئة الله وقدرته وإرادته، فعلى ذلك فالقراءتان متداخلتان، فأما مد {زكريا} وقصره فلغتان للعرب مشهورتان، وهمزة {زكريا} للتأنيث، وكذلك الألف للتأنيث، في قراءة من قصره، وقرأ أبو بكر بنصب {زكريا} لأنه يقرأ {وكفلها} بالتشديد، فتعدّى الفعل إلى مفعولين: إلى المضمر وإلى زكريا، فينصبه، ولا يلزم ذلك من قرأ بالتخفيف، لأن الفعل مع التخفيف إنما يتعدى إلى مفعول واحد، وهو الضمير العائد على مريم، وزكريا مع التخفيف فاعل، ومع التشديد مفعول به). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/342]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آية/ 37]:-
بتخفيف {كَفَلَها} ومد {ذَكَرِّيَا} ورفعها، قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب.
وذلك أن زكريا فاعل {كَفَلَها} فهو يرتفع بفعله، وكفل يتعدى إلى مفعول واحدٍ.
[الموضح: 368]
وقرأ عاصم ياش- {وَكَفَّلَهَا} بالتشديد {زَكَرِيّاءَ} بالمد والنصب؛ لأنه ضاعف كفل فتعدى إلى مفعولين، فالضمير المؤنث في «كفلها» مفعول أول و«زكرياءَ» مفعول ثانٍ، وفاعل كفل على هذا هو الضمير المستكن العائد إلى الرب تعالى من قوله تعالى {فَتَقَبَّلَها رَبُّها}.
وقرأ حمزة والكسائي و- ص- عن عاصم {وَكَفَّلَها} بالتشديد {زَكَرِيّا} مقصورٌ.
وهذا على ما قدمناه آنفًا من كون الفعل متعديًا الى مفعولين و{زكريّا} في موضع نصب على أنه مفعول ثانٍ، وإن كان لا يتبين فيه الإعراب؛ لأن في آخره ألفًا مقصورة. و{زكريا} فيه لغتان المد والقصر، والألف منه في كلتا اللغتين للتأنيث). [الموضح: 369]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #15  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:32 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (38) إلى الآية (41) ]

{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)}

قوله تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38)}

قوله تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فنادته الملائكة... (39).
قرأ حمزة والكسائي: (فناديه الملائكة) بالياء وإمالة الدال.
وقرأ البا قون: (فنادته) بالتاء.
قال أبو منصور: من قرأ (فنادته) بالتاء فكأن الملائكة جماعة مؤنثة.
ومن قرأ (فناديه) نوى جمع الملائكة فوحّد الفعل، وكذلك كل فعل جماعة تقدم فلك فيه الوجهان). [معاني القراءات وعللها: 1/253]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (في المحراب أنّ اللّه... (39)
قرأ ابن عامرٍ وحمزة بكسر الألف.
وقرأ الباقون: (أنّ اللّه) بفتح الألف، وأمال ابن عامرٍ الراء من (المحراب) لم يملها غيره.
[معاني القراءات وعللها: 1/253]
قال أبو منصور: من فتح (أنّ اللّه يبشّرك) فالمعنى: فنادته الملائكة بأنّ اللّه يبشّرك؛ أي: نادته بالبشارة.
ومن كسر فقرأ (إنّ اللّه) فالمعنى: قالت له: إنّ اللّه يبشّرك؛ لأن النداء قولٌ). [معاني القراءات وعللها: 1/254]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يبشّرك... (39).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (يبشّرك) بالتشديد في كل القرآن إلا موضعًا واحدًا في (عسق)، فإنهما خففا قوله: (الذي يبشر اللّه عباده) قرأ نافع وابن عامر وعاصم والحضرمي بتشديد ذلك كله.
وقرأ الكسائي بتخفيف خمسة مواضع.
موضعان ها هنا في هذه السورة، وفي بني إسرائيل: (ويبشر المؤمنين)، وفي الكهف (ويبشر المؤمنين)، وفي (عسق) "يبشر الله عباده).
قال أبو منصور: من قرأ (يبشّرك) فهو من البشارة لا غير، يقال بشّرته بشارةً بتشديد الشين.
ومن قرأ (يبشرك) فمعناه: يسرك ويفرحك.
يقال: بشرته أبشره، إذا فرّحته.
وذكر عن حمزة أنه قرأ في
[معاني القراءات وعللها: 1/254]
الحجر (: (فبم تبشّرون (54)
خصه بالتشديد لقوله: (قالوا بشّرناك). لقربه منه.
وقرأ حميد وحده: (يبشرك).
قال أبو منصور: من العرب من يجيز بشّرته وأبشرته وبشرته بمعنى واحد، ويقال: بشّرته فأبشر وبشر، أي: سرّ وفرح). [معاني القراءات وعللها: 1/255]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (31- قوله تعالى: {فنادته الملائكة} [39].
قرأ حمزة والكسائي {فنادبه الملائكة}.
وقرأ الباقون: {فنادته الملائكة} بالتاء.
فحجة من ذكر قال: الفعل مقدم كقولك: قام الرجال ومع ذلك فإن (الملائكة) هاهنا جبريل، والتقدير: فناداه الملك، فناداه جبريل.
ومن قرأ بالتاء قال: الملائكة جماعة وأنثه كما قال تعالى: {كذبت قوم نوح} و{قالت الأعراب} وقامت الرجال، وشاهده {وإذ قالت الملائكة} [42] ولم يقل: وإذ قال). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/112]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (32- وقوله تعالى: {أن الله يبشرك} [39].
قرأ حمزة وابن عامر {إن الله} بالكسر.
وقرأ الباقون بالفتح.
فمن نصب أعمل الفعل وهو {فندته الملائكة} أن الله وبأن الله، ومن كسر جعل النداء بمعنى القول، فكأنه في التقدير: قالت الملائكة: إن الله يبشرك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/112]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (33- وقوله تعالى: {يبشرك} [39].
قرأ حمزة كل ما في القرآن يبشر بالتخفيف إلا قوله {فبم تبشرون}.
وقرأ أبو عمرو وابن كثير كل ذلك بالتشديد إلا واحدًا في (عسق) {ذلك الذي يبشر الله}، وقرأ الكسائي في خمسة مواضع بالتخفيف، موضعين في (آل عمران) وفي (بني إسرائيل) و(الكهف) و(عسق).
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/112]
وقرأ الباقون بالتشديد، وهما لُغتان: بَشَرْتُ، وبَشَّرْتُ غير أن (بشَّرتُ) أبلغ وأكثر). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/113]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (34- وقوله تعالى: {من المحراب} [39].
قرأ ابن عامر {من المحراب} بالإمالة من أجل الراء والكسر.
وقرأ الباقون بالتفخيم على أصل الكلمة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/113]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في الألف والتاء من قوله تعالى: فنادته الملائكة [آل عمران/ 39].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر (فنادته) بالتاء.
وقرأ حمزة والكسائي (فناداه) بإمالة الدال.
قال أبو علي: من قرأ (فنادته) بالتاء فلموضع الجماعة، والجماعة ممن يعقل في جمع التكسير يجري مجرى ما لا يعقل، ألا ترى أنّك تقول: هي الرجال، كما تقول هي الجذوع، وهي الجمال؟ فعلى هذا أنّث كما جاء: قالت الأعراب [الحجرات/ 14] ومن زعم أنّ التأنيث يكره هاهنا لأنّ فيه كالتحقيق لما كانوا يدّعونه في الملائكة لم يكن هذا بحجة على من قرأ بالتاء. ألا ترى أنّه قد جاء: إذ قالت الملائكة [آل عمران/ 45]؟ فلو كان في تأنيث هذا حجة لما كانوا يدّعونه في الملائكة لكان في تذكير [نحو قوله] والملائكة باسطو أيديهم [الأنعام/ 93]، والملائكة يدخلون عليهم [الرعد/ 23] حجة عليهم، ولكان في نحو قوله: إذ قالت الملائكة حجة لهم، فليس هذا بشيء. ومن قرأ: فناداه
[الحجة للقراء السبعة: 3/37]
الملائكة، فهو كقوله: وقال نسوة في المدينة [يوسف/ 30] وأمّا إمالة الألف في ناداه فحسنة لأنّها تصير إلى الياء، من الواو كانت أو من الياء، فتحسن الإمالة للانتحاء نحو ما الألف منقلبة عنه وهو الياء. وحجة التفخيم في ناداه أنّه في قلبه الياء إلى الألف فرّ من الياء، فإذا أمال بعد فقد قرّب الحرف مما كان كرهه وفرّ منه.
قال سيبويه: ولا تقول ذلك في حبلى، لأنّه لم يفرّ فيها من ياء. يريد أنّ ألف حبلى لم تكن ياء قلبت ألفا، إنّما هي في أصلها ألف مزيدة للتأنيث). [الحجة للقراء السبعة: 3/38]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في كسر الألف في (إنّ) وفتحها من قوله تعالى: [في المحراب] أن الله [آل عمران/ 39].
فقرأ ابن عامر وحمزة: إنّ الله بالكسر.
وقرأ الباقون: أن الله بالفتح.
قال أبو علي: من فتح «أنّ» المعنى: فنادته بأنّ الله، فلمّا حذف الجارّ منها وصل الفعل إليها فنصبها، فأنّ في موضع نصب،
[الحجة للقراء السبعة: 3/38]
وعلى قياس قول الخليل في موضع جرّ. ومن كسر أضمر القول، كأنّه: نادته فقالت: إنّ الله فحذف القول كما حذف في قول من كسر، فقال: فدعا ربه إني مغلوب [القمر/ 10] وإضمار القول كثير في هذا النحو، كما قال: والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم [الرعد/ 23] والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا [الأنعام/ 93]. فاما الذين اسودت وجوههم أكفرتم [آل عمران/ 106]. فأضمر القول في ذلك كلّه. وزعموا أنّ في حرف عبد الله فنادته الملائكة يا زكرياء إن الله فقوله: يا زكرياء في موضع نصب بوقوع النداء عليه، وكذلك إن أضمرت يا زكرياء ولم تذكره كان جائزا وحذف كما حذف المفعول من الكلام، ولا يجوز الفتح في (إنّ) على هذا، لأنّ ناديت قد استوفى مفعوليها، أحدهما: علامة الضمير، والآخر: المنادى، فإن فتحت (أنّ) لم يكن لها شيء يتعلق به). [الحجة للقراء السبعة: 3/39]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وكلهم [فتح الراء من: المحراب] [آل عمران/ 37 و 39]: إلا ابن عامر فإنه أمالها.
قال أبو علي: قد أطلق أبو بكر القول في إمالة ابن عامر الألف من محراب. ولم يخصّ به الجرّ من غيره. وقال غيره:
إنّما يميله في الجر. وحجة من لم يمل أنّ «راب» من محراب
[الحجة للقراء السبعة: 3/39]
بمنزلة راء وراءة ونحو ذلك. فكما لا تمال الراء من هذا النحو كذلك ينبغي أن لا تمال من المحراب في الجرّ ولا في الرفع.
ألا ترى أنّه لا تمال رادة من قولهم: ريح رادة وراشد؟. والراء من «راب» بمنزلة الراء من راشد. فإن قلت: فهلّا جازت إمالتها للكسرة التي في الميم كما جازت الإمالة في مقلات للكسرة.
قيل إنّ من أمال مقلاتا، إنّما أماله لأنّه قدّر الكسرة كأنّها على القاف، لأنّها تليها، والقاف إذا تحركت بالكسر حسنت إمالة الألف بعدها. نحو: ققاف وغلاب. ولو قدّرت الكسرة على الحاء من محراب كما قدّرتها على القاف من مقلات لم تحسن الإمالة، ألا ترى أنّ «حراب» بمنزلة فراش، وفراس؟.
وقد قال: إنّهم لا يميلون فراشا، فكذلك المحراب، يريد سيبويه، بقوله: لا يميلون، لا يميله الأكثر. وحجة من أمال الألف من «محراب» أنّ سيبويه قد زعم أنّهم قالوا: عمران، ولم يميلوا برقان يعني: أنّهم لم يجعلوا الراء كالمستعلي في منع الإمالة، فعلى هذا يجوز أن تمال الألف في «محراب» في
[الحجة للقراء السبعة: 3/40]
الرفع، وزعم أيضا أنّهم قالوا: ذا فراش، هذا جراب، لما كانت الكسرة أولا والألف زائدة. قال: والنصب فيه كلّه حسن). [الحجة للقراء السبعة: 3/41] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ الياء وفتحها أو فتح الباء وسكونها والتثقيل من قوله جلّ وعزّ: يبشرك [آل عمران/ 39].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: يبشرك بضم الياء وفتح الباء والتشديد في كل القرآن، إلّا في عسق فإنّهما قرأ ذلك الذي يبشر الله عباده [الشورى/ 23] مفتوح الياء مضموم الشين مخففا.
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم يبشرك مشدّدا في كلّ القرآن). [الحجة للقراء السبعة: 3/41]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ حمزة يبشر خفيفا، مما لم يقع في كلّ القرآن، إلّا قوله تعالى: فبم تبشرون [الحجر/ 54].
وقرأ الكسائي يبشر مخففة في خمسة مواضع: في آل عمران في قصة زكريا، وقصة مريم وفي سورة بني إسرائيل، وفي
[الحجة للقراء السبعة: 3/41]
الكهف: ويبشر المؤمنين [الإسراء/ 9] وفي عسق: يبشر الله عباده [الشورى/ 23].
[قال أبو علي]: قال أبو عبيدة: يبشّرك، ويبشرك ويبشرك وبشرناه واحد.
قال أبو الحسن في يبشّر: ثلاث لغات: بشّر وبشر وأبشر يبشر بكسر الشين إبشارا، وبشر يبشر بشرا وبشورا يقال: أتاك أمر بشرت به، وأبشرت به في معنى بشّرت به ومنه وأبشروا بالجنة [فصلت/ 30]. وأنشد:
وإذا رأيت الباهشين إلى العلى... غبرا أكفّهم بقاع ممحل
فأعنهم وابشر بما بشروا به... وإذا هم نزلوا بضنك فانزل
وقال أبو زيد: بشّرت القوم بالخير تبشيرا، والاسم:
البشرى. وأبشر بالخير إبشارا، وبشّرت الناقة باللّقاح حين يعلم ذاك منها أول ما تلقح.
[الحجة للقراء السبعة: 3/42]
قال أبو علي: إذا كانت هذه اللغات في الكلمة شائعة فأخذ القارئ بإحداها وجمعه بينها مستقيم سائغ). [الحجة للقراء السبعة: 3/43]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة مجاهد وحميد الأعرج: [أَنَّ اللَّهَ يُبْشِرُكَ] بضم الياء وسكون الباء وكسر الشين خفيفة.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون هذا منقولًا من بَشِرْتُ بالأمر في وزن أَنِفْتُ وفَرِحْتُ؛ كقولك: بَطِر وأبطرته، وخرِق وأخرقته، يقال: بَشِر الرجل بالخير وأبشرته وبشَّرته وبَشَرْتُ خفيفة أيضًا). [المحتسب: 1/161]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فنادته الملائكة وهو قائم يصلّي} 39
قرأ حمزة والكسائيّ (فناداه) بألف ممالة وحجتهما أن الّذي ناداه جبريل والتّقدير فناداه الملك فأخرج الاسم الواحد بلفظ الجمع
وقرأ الباقون {فنادته الملائكة} بالتّاء وحجتهم إجماع الجميع على قوله {تحمله الملائكة} قال عبّاس سألت أبا عمرو فقرأ {وإذ قالت الملائكة} بالتّاء ولم يقل وإذ قال الملائكة فأنث فعل الملائكة ها هنا بلا خلاف الواجب أن يرد ما هم مختلفون فيه إلى ما هم عليه مجمعون
قال الزّجاج الوجهان جميعًا جائزان لأن الجماعة يلحقها اسم التّأنيث لأن معناها معنى جماعة ويجوز أن يعبر عنها بلفظ التّذكير كما يقال جمع الملائكة قال ويجوز أن يقول نادته الملائكة وإنّما ناداه جبريل وحده لأن معناه أتاه النداء من هذا الجنس كما تقول ركب فلان في السفن وإنّما ركب سفينة واحدة تريد بذلك جعل ركوبه في هذا الجنس). [حجة القراءات: 162]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (23- قوله: {فنادته} قرأه حمزة والكسائي بألف على التذكير، ويميلانها، لأن أصلها الياء، ولأنها رابعة، وقرأ الباقون بالتاء على لفظ التأنيث.
24- وحجة من قرأ بالألف أنه ذكر على المعنى، وقد أجمعوا على التذكير في قوله: {وقال نسوة} «يوسف 30»، وقد قيل: إنما نادى جبريل وحده، فالمعنى فناداه الملك، فلا وجه للتأنيث على هذا التفسير، وأيضًا فقد اختار قوم الألف، لئلا يوافق التأنيث دعوى الكفار في الملائكة، وأيضًا فإن الملائكة والملائك واحد، وأيضًا فقد فرّق بين المؤنث وفعله بالهاء، فقوي التذكير.
25- وحجة من قرأ بالتاء أنه أنث لتأنيث الجماعة التي بعدها في قوله: {الملائكة}، والجماعة ممن يعقل في التكسير، يجري في التأنيث مجرى ما لا
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/342]
يعقل، تقول: هي الرجال، وهي الجذوع، وهي الجمال، وقالت الأعراب، ويقوي ذلك قوله: {إذ قالت الملائكة} «آل عمران 45»، وقد ذكر في موضع آخر فقال: {والملائكة باسطو أيديهم} «الأنعام 93» وهذا إجماع، وقال: {والملائكة يدخلون عليهم} «الرعد 23» فتأنيث هذا الجمع وتذكيره جائزان حسنان). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/343]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (26- قوله: {أن الله يبشرك} قرأه حمزة وابن عامر بكسر «إن»، وقرأ الباقون بالفتح، فمن فتح قدر حرف الجر محذوفًا، فـ {أن} في موضع نصب بحذف حرف الجر، ومذهب الخليل أنها في موضع جر على إعمال حرف الجر، عمل محذوفًا لكثرة حذفه مع {أن}، وعلى ذلك أجاز سيبويه: في القسم، تقديره: فنادته الملائكة بأن الله، ومن كسر «إن» أجرى النداء مجرى القول، فكسر «إن» بعده، كما تكسر بعد القول، ويجوز أن يكون أضمر القول بعد {فنادته} {فقالت إن الله}، ويقوي الكسر أن في حرف عبد الله: «فنادته الملائكة يا زكريا إن الله}، وفتح «أن» على هذا القراءة لا يجوز لأن «نادى» قد استوفى مفعوليه، أحدهما الضمير والثاني المنادى، فلا يتعدى لثالث بحرف ولا بغير حرف، فلابد من الكسر، وهو الاختيار لأن أكثر القراء عليه، وفصحة معناه، وقوة وجهه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/343]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (27- قوله: {يبشرك} قرأ حمزة بالتخفيف في كل القرآن، إلا في {فبم تبشرون} «الحجر 54» ووافقه الكسائي على التخفيف في خمسة مواضع: في آل عمران موضعان وفي سبحان موضع وفي الكهف موضع وفي الشورى
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/343]
موضع، وشدد ذلك الباقون، غير أن أبا عمرو وابن كثير خففا الذي في الشورى خاصة، والتخفيف والتشديد لغتان مشهورتان، يقال: بَشَر يُبشر، وبشَر يبشّر مبشّرا وبُشورا، وأنكر أبو حاتم التخفيف، وقال: لا نعرف فيه أصلًا يعتمد عليه، وهي لغة مشهورة، وأكثر ما وقع في القرآن، مما أجمع عليه التشديد نحو: {فبشر عباد. الذين} «الزمر 17، 18» و{فبشره بمغرفة} «يس 11» ومثله كثير بالتشديد، وفيه لغة ثالثة وهي «أبشر» قال الله جل ذكره: {وأبشروا بالجنة} «فصلت 30»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/344]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {فَنَاداهُ المَلائِكَةُ} [آية/ 39]:-
بالألف ممالة، قرأها حمزة والكسائي.
والوجه في التذكير أن الملائكة تأنيثها تأنيث جمعٍ، فإذا تقدم فعلها حسن التذكير، ومن ذلك {قالَ نِسْوَةٌ}.
وأما الإمالة في الألف فحسنةٌ؛ لأن هذه الألف تصير إلى الياء، سواء كانت من الواو او من الياء نحو: ناديت.
وقرأ الباقون {فَنَادَتْهُ} بالتاء.
[الموضح: 369]
وذلك لأن الفعل لجماعةٍ، وجماعة من يعقل في التكسير تجري مجرى ما لا يعقل نحو: هي الرجال وهي الجذوع، فألحقت علامة التأنيث الفعل، كقوله تعالى {قَالَتِ الأعْرابُ} ). [الموضح: 370]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {إنَّ الله} [آية/ 39]:-
بكسر الألف، قرأها ابن عامر وحمزة.
وهذا على إضمار القول كأنه قال: فنادته الملائكة وقالت إن الله يبشرك، فحذف، كقوله تعالى {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ} أي يقولون أخرجوا.
وقرأ الباقون بفتح الألف.
والمعنى: فنادته الملائكة بأن الله يبشرك، فلما حذف الباء أوصل الفعل نفسه إليه، فإن موضعه نصب عند الأكثرين، وجر على قياس قول الخليل
[الموضح: 370]
والكسائي). [الموضح: 371]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {يُبَشِّرُكَ} [آية/ 39]:-
بفتح الياء والتخفيف، قرأها حمزة، وكذلك في نحوه من جميع القرآن، إلا قوله تعالى {فَبِم تُبَشّرُون} فلا خلاف في تشديدها، ووافقه الكسائي في خمسة مواضع: في آل عمران موضعين، وفي بني إسرائيل والكهف {وَيَبْشُرَ المُؤمِنينَ}، وعسق {يَبْشُرُ الله}، وشدد الباقي.
وابن كثير وأبو عمرو يشددان الكل إلا الحرف الواحد في عسق.
ونافع وابن عامر وعاصم ويعقوب يشددون الكل في جميع القرآن.
في بشر ثلاث لغات: بشر بالتخفيف يبشر بشرًا وبشورًا، وبشر بالتضعيف يبشر تبشيرًا، وأبشر بالألف يبشر إبشارًا، وإذا كانت في الكلمة لغات جيدة مستعملة، فأيها تمسك بها القارئ كان حسنًا). [الموضح: 371]

قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40)}

قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله: (اجعل لي آيةً... (41).
فتح الياء نافع وأبو عمرو، وأرسلها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/257]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعمش: [إِلَّا رُمُزًا] بضمتين.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون هذا على قول مَن جعل واحدتها رُمْزَة، كما جاء عنهم ظُلْمَة
[المحتسب: 1/161]
وظُلُمة، وجُمْعَة وجُمُعَة، ويجوز أن يكون جَمَع رُمْزَة على رُمْز، ثم أتبع الضم الضم، كما حكى أبو الحسن عن يونس أنه قال: ما سُمع في شيء فُعْل إلا سُمع فيه فُعُل، وعليه قول طرفة:
وِرَادًا وشُقُر
يريد: شُقْرًا). [المحتسب: 1/162]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #16  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:33 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (42) إلى الآية (44) ]

{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)}

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42)}

قوله تعالى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}

قوله تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #17  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:35 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (45) إلى الآية (48) ]

{إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48)}

قوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45)}
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم} 45
قرأ حمزة وابن عامر إن الله يبشرك بكسر الألف وقرأ
[حجة القراءات: 162]
الباقون أن الله بالفتح فمن فتح فالمعنى نادته بأن الله يبشرك أن نادته بالبشارة
ومن كسر أراد قالت له {إن الله يبشرك} ويجوز أن تقول إنّما كسره على الاستئناف
قرأ حمزة الكسائي {يبشرك} بفتح الياء وإسكان الباء وضم الشين أي يسرك ويفرحك يقال بشرت الرجل أبشّره إذا فرحته وحجتهما قول النّبي صلى الله عليه وسلم
هل أنت باشرنا بخير
وقرا الباقون {يبشرك} بالتّشديد أي يخبرك يقال بشرته أبشّره أي أخبرته بما أظهر في بشرة وجهه من السرور وحجتهم قوله {فبشرناها بإسحاق} وقوله {وبشر المحسنين} قال الكسائي وأبو عبيدة هما لغتان). [حجة القراءات: 163]

قوله تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46)}

قوله تعالى: {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (15- {يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آية/ 47]:-
سبق ذكره في البقرة). [الموضح: 372]

قوله تعالى: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ويعلّمه... (48)
قرأ نافع وعاصم ويعقوب: (ويعلمه) بالياء.
وقرأ الباقون بالنون.
قال أبو منصور: المعنى واحد في (يعلمه) و(نعلمه)، والتعليم لله جلّ وعزّ في الوجهين). [معاني القراءات وعللها: 1/255]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (35- وقوله تعالى: {ويعلمه الكتاب} [48].
قرأ نافع وعاصم بالياء.
وقرأ الباقون بالنون، فمن قرأ بالنون فالله عز وجل يخبر عن نفسه، وشاهده {نوحيه إليك} [44].
ومن قرأ بالياء فحجته {قال كذلك [الله] يخلق ما يشاء إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون} [47] والأمر بينهما قريب). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/113]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في النون والياء من قوله تعالى: ويعلمه الكتاب [آل عمران/ 48].
فقرأ نافع وعاصم: ويعلمه الكتاب بالياء، وقرأ الباقون: ونعلمه بالنون.
فحجّة من قرأ: يعلمه أنّه عطفه على قوله: إن الله يبشرك، ويعلمه على العطف على يبشرك. ومن قال: نعلمه:
فهو على هذا المعنى، إلّا أنّه جعله على نحو نحن قدرنا بينكم الموت [الواقعة/ 60] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/43]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل} 48
قرأ عاصم ونافع ويعلمه الكتاب بالياء إخبار عن الله أنه يعلمه الكتاب وحجتهما قوله قبلها {قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنّما يقول له كن فيكون ويعلمه}
وقرأ الباقون (ونعلمه) بالنّون أي نحن نعلمه وحجتهم قوله قبلها {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك} ). [حجة القراءات: 163]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (28- قوله: {ويعلمه} «48» قرأ نافع وعاصم بالياء، وقرأ الباقون بالنون.
29- وحجة من قرأ بالياء أنه رده على لفظ الغيبة التي قبله في قوله: {إن الله يبشرك} أي: يبشرك بعيسى، ويعلمه الكتاب، وأيضًا فإن قبله: {كذلك الله يخلق ما يشاء} «47»، وقوله: {إذا قضى أمرًا}، فكله بلفظ الغيبة، فجرى {ويعلمه} على ذلك.
30- وحجة من قرأ بالنون أنه حمله على الإخبار لها من الله عن نفسه أنه يعلمه الكتاب، وحسن ذلك؛ لأن قبله إخبارًا من الله عن نفسه، في قوله تعالى: {قال كذلك الله} ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/344]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (16- {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ} [آية/ 48]:-
بالياء، قرأها نافع وعاصم ويعقوب.
والوجه في ذلك أنه معطوف على قوله تعالى {يُبَشِّرُكِ} كأنه قال: إن الله يبشرك ويعلمه.
وقرأ الباقون بالنون.
ووجهه أنه لا فرق بين {نُعلّمُه} و{يُعَلّمه}، فالفعل لله تعالى في الوجهين، وقد تقدم مثل هذا في قوله تعالى {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ} بالنون). [الموضح: 372]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #18  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:36 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (49) إلى الآية (51) ]

{وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51)}

قوله تعالى: {وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّي أخلق لكم... (49)
قرأ نافع وحده بكسر الألف، وفتحها الباقون.
قال أبو منصور: من قرأ (أنّي) فالمعنى: بأنّي أخلق لكم.
ومن قرأ (إنّي أخلق) بالكسر فهو على البدل من قوله: (بآية)، المعنى: جئتكم بآيةٍ إني أخلق لكم.
وجائز أن يكون رفعًا، المعنى: الآية إنّي أخلق لكم من الطين). [معاني القراءات وعللها: 1/256]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله: (إنّي أخلق لكم... (49)
حركها ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرو، وأرسلها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/257]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فيكون طيرًا... (49)
قرأ نافع والحضرمي: (فيكون طائرًا) موحدا، وكذلك في المائدة.
وقرأ الباقون: (فيكون طيرًا) على الجمع في السورتين.
وروى أبو عمرو عن أبي العباس أنه قال: الناس كلهم يقولون للواحد: (طائرا) وأبو عبيدة معهم، ثم انفرد فأجاز أن يقال: (طيرًا) للواحد، وجمعه على طيور.
قال: وأبو عبيدة ثقة.
[معاني القراءات وعللها: 1/257]
قال أبو منصور: وقد سمعت العرب تقول لواحد الطيور: طير وطائر.
وأكثر النحويين يقولون للواحد: طائر، وللجمع طير، كما يقال: شارب وشرب، وسافر وسفر.
ومن قرأ (فيكون طيرًا) احتمل معنيين:
أحدهما: فيكون من جنس الطير، واحتمل أن يكون معنى (فيكون طيرًا)، أي: فيكون طائرًا). [معاني القراءات وعللها: 1/258]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (36- وقوله تعالى: {إني أخلق لكم} [49].
قرأ نافع وحده: {إني} بكسر الهمزة.
وقرأ الباقون بفتحها.
وفتح ابن كثير وأبو عمرو ونافع الياء.
وأسكنها الباقون.
فمن فتح الهمزة جعلها بدلاً من قوله: {أني قد جئتكم بآية ... أني أخلق لكم} فيكون موضعها جرًا ورفعًا، ومن كسر أضمر القول؛ قل إني أخلق.
ويجوز أن يكون مستأنفًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/113]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (37- وقوله تعالى: {فيكون طيرًا}
قرأ نافع وحده {طرا} بألف.
وقرأ الباقون: {طيرا} بغير ألف، والطائر مذكر لا غير، وطير يذكرُ ويؤنثُ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/113]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: كلّهم قرأ: أني أخلق لكم [آل عمران/ 49].
وقرأ نافع: (إني).
قال أبو عليّ: قول من فتح (أنّ) أنّه جعلها بدلا من (آية):
كأنّه قال: وجئتكم بأنّي أخلق لكم. ومن كسر إنّ احتمل وجهين:
أحدهما: أنّه استأنف، وقطع الكلام مما قبله.
والآخر: أنّه فسّر الآية بقوله: إنّي أخلق لكم من الطين، كما فسّر الوعد في قوله: وعد الله الذين آمنوا بقوله: لهم مغفرة
[الحجة للقراء السبعة: 3/43]
[المائدة/ 9] وكما فسّر المثل في قوله: كمثل آدم [آل عمران/ 59] بقوله: خلقه من تراب [آل عمران/ 59] وهذا الوجه أحسن ليكون في المعنى كمن فتح وأبدل من (آية) ). [الحجة للقراء السبعة: 3/44]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وكلّهم قرأ: فيكون طيرا [آل عمران/ 49] بغير ألف غير نافع فإنّه قرأ: طائرا بألف هاهنا، وفي المائدة.
قال أبو علي: حجّة من قرأ: فيكون طيرا قوله تعالى: إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير [آل عمران/ 49] ولم يقل كهيئة الطائر، فكذلك يكون كهيئة الطير وكذلك التي في المائدة، إلّا أنّ هاهنا فأنفخ فيه وثمّ فتنفخ فيها [المائدة/ 110] فيجوز أن يكون على الهيئة مرة وعلى الطير أخرى، ويجوز أن يكون ذكّر الطير على معنى الجمع، وأنّث على معنى الجماعة. وقالوا: طائر، وأطيار، فهذا يكون كصاحب وأصحاب.
وقال أبو الحسن: وقول العرب: طيور جمعوا الجمع، ووجه قراءة من قرأ، فيكون طائرا أنّه أراد: يكون ما أنفخ فيه، أو ما أخلقه طائرا، فأفرد لذلك، أو يكون أراد: يكون كلّ واحد من ذلك طائرا كما قال: فاجلدوهم ثمانين جلدة، أي اجلدوا كلّ واحد منهم). [الحجة للقراء السبعة: 3/44]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أنّي قد جئتكم بآية من ربكم أنّي أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله} 49
قرأ نافع إنّي أخلق لكم بكسر الألف على الاستئناف
وقرأ الباقون {إنّي} بالفتح وحجتهم أنّها بدل من قوله {قد جئتكم بآية من ربكم} قال الزّجاج {إنّي} في موضع جر على البدل من آية المعنى جئتكم من أنّي أخلق لكم من الطين
قرا نافع (فيكون طائرا) على واحد كما تقول رجل وراجل وركب وراكب قال الكسائي الطّائر واحد على كل حال والطير يكون جمعا وواحدا وحجته أن الله أخبر عنه أنه كان يخلق واحدًا ثمّ واحدًا
وقرأ الباقون {طيرا} وحجتهم أن الله جلّ وعز إنّما أذن له أن يخلق طيرا كثيرة ولم يكن يخلق واحدًا فقط). [حجة القراءات: 164]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (31- قوله: {أني أخلق} «49» قرأه نافع بالكسر، وفتح الباقون، فمن فتح جعل الكلام متصلًا، فأبدل «أن» من «آية» فصار التقدير: جئتكم بأني أخلق، فـ «أن» في موضع خفض، وهو بدل الشيء من الشيء، وهو هو، ومن كسر جعل الكلام مستأنفًا، مبتدأ به، فكسر «أن» ويجوز أن تكون «أن»
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/344]
وما بعدها تفسيرًا لما قبلها، فيكون في المعنى بمنزلة من فتح، وأبدل من «آية» وتكون بمنزلة قوله: {وعد الله الذين آمنوا} ثم فسر الوعد فقال: {لهم مغفرة} «المائدة 9»، وبمنزلة قوله: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم}، ثم فسر التمثيل بينهما فقال: {خلقه من تراب} «آل عمران 59» والاختيار الفتح، لاجتماع القراء عليه، ولصحة معناه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/345]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (32- قوله: {طيرًا} قرأ نافع بأل ومثله في المائدة، وقرأهما الباقون بغير ألف.
33- وحجة من قرأه بغير ألف أنه رده على قوله: {كهيئة الطير}، ولم يقل: كهيئة الطائر، فأجرى الآخر على لفظ الأول، ومعناه الجمع.
34- وحجة من قرأ بالألف أنه أجراه على التوحيد: {فأنفخ} في الواحد منها فيكون طائرًا على تقدير: فيكون ما أنفخ فيه طائرًا، أو فيكون ما أخلقه طائرًا، أو فيكون كل واحد من المخلوق طائرًا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/345]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (17- {أَنِّي أَخْلُقُ} [آية/ 49]:-
بكسر الألف، قرأها نافع وحده.
والوجه في ذلك أنه كلام مستأنف مقطوع مما قبله، ويجوز أن يكون تفسيرًا للآية؛ لأنه قال: {قَدْ جِئْتُكُمْ بآيَةٍ}، ثم فسر الآية فقال: {إنّي أَخْلُقُ}، كما قال الله تعالى {وَعَدَ الله الّذين آمَنُوا}، ثم فسر الوعد بقوله تعالى
[الموضح: 372]
{لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} كما قال تعالى {كَمَثَلِ آدَمَ} ثم فسر المثل بقوله تعالى {خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ}.
وقرأ الباقون {أَنِّي} بفتح الألف، على أن {أَنّي} بدل من {آية}، كأنه قال: وقد جئتكم بأني أخلق، فموضع {أنّي} جر على البدل من {آيَةٍ}، ويجوز أن يكون رفعًا على أنه خبر مبتدإ محذوفٍ، والتقدير: وهي أني أخلق، أي وتلك الآية أني أخلق). [الموضح: 373]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (18- {فَيَكُونُ طائِرًا} [آية/ 49]:-
بالألف والهمز، قرأها نافع ويعقوب وكذلك في المائدة؛ لأن المراد: ما أخلقه يكون طائرًا، فأفرد على معنى أن كل واحد من تلك الصور يكون طائرًا، كما قال {فاجْلِدوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً} أي كل واحدٍ منهم.
وقرأ الباقون {فَيَكُونُ طَيْرًا}؛ لأن المعنى على الجمع، ألا ترى أنه قال {أنّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطيِنَ كَهَيْئَةِ الطَيْر} ولم يقل: كهيئة الطائر؛ لأن الطائر واحد، والطير جمع على المشهور عندهم). [الموضح: 373]

قوله تعالى: {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50)}

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #19  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:38 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (52) إلى الآية (58) ]

{فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58)}


قوله تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله: (من أنصاري إلى اللّه... (52).
حركها نافع وحده، وأسكنها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/257]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة إبراهيم وأبي بكر الثقفي: [الْحَوَارِيُون] مخففة الياء في جميع القرآن.
قال أبو الفتح: ظاهر هذه القراءة يوجب التوقف عنها والاحتشام منها؛ وذلك لأن فيها ضمة الياء الخفيفة المكسور ما قبلها، وهذا موضع تعافه العرب وتمتنع منه.
ألا ترى إلى قول الله سبحانه: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} وأصله العاديُون، فاستثقلت الضمة على الياء، فأسكنت وحذفت لسكونها وسكون الواو بعدها؟ فكان يجب على هذا أن يكون الحوارُون كالقاضُون والساعون، إلا أن هنا غرضًا وفرقًا بين الموضعين يكاد يقنع مثله؛ وذلك أن أصل هذه الياء أن تكون مشددة، وإنما خففت استثقالًا لتضعيف الياء، فلما أريد فيها معنى التشديد جاز أن تُحَمَّل الضمة تصورًا لاحتمالها إياها عند التشديد، كما ذهب أبو الحسن في تخفيف يستهزيون إلى أن أخلص الهمزة ياء ألبتة، وحَمَّلها الضمة تذكُّرًا لحال الهمز المراد فيها، وكما قال في مثال عضْرَفُوط من قرأت: قَرْأَ يُوء، فأبدل الهمزة الثانية التي كانت في قَرْأَءُوء ياء، ثم ضمها بعد أن أخلصها ياء وجرت مجرى الياء التي لا حظَّ فيها لشيء من الهمز.
فإن قيل: فأي الياءين حذف من الحواريين؟
قيل: المحذوفة هي أشبهها بالزيادة، وهي الأولى؛ لأنها بإزاء ياء العطاميس والزناديق.
فإن قيل: فبالثانية وقع الاستثقال، فهلَّا حذفت دون الأولى؟
[المحتسب: 1/162]
قيل: قد يُغيَّر الأول من المثلين تخفيفًا كما يغير الآخر، وذلك قوله:
يا ليتما أُمُّنا شالت نعامتها ... إيما إلى جنة أيما إلى نار
يريد: أَمَّا، وكذلك القول في قيراط ودينار وديماس فيمن قال: دماميس، وديباج فيمن قال: دبابيج، وقد حذفت هذه الياء في الواحد من هذا الجمع. أنشدنا أبو علي وقرأته عليه أيضًا في نوادر أبي زيد:
بَكِّي بعينك واكف القَطْر ... ابن الحوارِي العالي الذِّكْرِ
يريد: الحوارِيّ. وقد خففت ياء النسب في غير موضع مع كونها مفيدة لمعنى النسب، فكيف بها إذا كان لفظها لفظ النسب ولا حقيقة له هناك؟ ألا ترى أن الحواريَّ بمنزلة كرسي في أنه نسب لفظي، ولا حقيقة إضافة تحته؟). [المحتسب: 1/163]

قوله تعالى: {رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53)}

قوله تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54)}

قوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)}

قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56)}

قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فيوفّيهم أجورهم... (57)
قرأ حفص ويعقوب: (فيوفّيهم) بالياء.
وقرأ الباقون (فنوفّيهم) بالنون.
[معاني القراءات وعللها: 1/258]
قال أبو منصور: المعنى واحد في الياء والنون، الله هو الموفّي للأجور، لا شريك له). [معاني القراءات وعللها: 1/259]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (38- وقوله تعالى: {فيوفيهم أجورهم} [57].
قرأ حفص، عن عاصم بالياء، أي: الله يوفيهم.
وقرأ الباقون بالنون، وهو الاختيار، ليتصل إخبار الله عن نفسه بعضه ببعض). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/114]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال [أحمد]: ولم يختلفوا في النون من قوله تعالى:
[الحجة للقراء السبعة: 3/44]
فنوفيهم أجورهم [آل عمران/ 57، النساء/ 173] إلّا ما رواه حفص عن عاصم فإنّه روى عنه بالياء.
قال أبو علي: وجه من قرأ بالنون قوله: فأما الذين كفروا فأعذبهم [آل عمران/ 56] فقوله: فنوفيهم بالنون في المعنى مثل فأعذبهم. ومما يحسّن ذلك قوله: ذلك نتلوه عليك [آل عمران/ 58]، ومن قرأ بالياء فلأنّ ذكر الله- سبحانه- قد تقدّم في قوله: إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك [ورافعك إلي] [آل عمران/ 55] فيحمل على لفظ الغيبة لتقدّم هذا الذكر، إذ صار في لفظ الخطاب في قوله: فأعذبهم وقوله:
فيوفيهم إلى الغيبة كقوله: فأولئك هم المضعفون [الروم/ 39] بعد قوله: وما آتيتم من زكاة [الروم/ 39] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/45]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فأما الّذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدّنيا والآخرة وما لهم من ناصرين * وأما الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظّالمين} 56 و57
قرأ حفص {فيوفيهم أجورهم} بالياء أي فيوفيهم الله وحجته قوله {والله لا يحب الظّالمين}
وقرأ الباقون (فنوفيهم) بالنّون الله جلّ وعز أخبر عن نفسه وحجتهم قوله {فأعذبهم عذابا شديدا} ولم يقل فيعذبهم). [حجة القراءات: 164]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (35- قوله: {فيوفيهم} قرأه حفص بالياء، وقرأ الباقون بالنون.
36- وحجة من قرأ بالنون أنه حمله على الإخبار عن الله جل ذكره، ولأن قبله إخبارًا عنه، وأيضًا في قوله: {فأعذبهم} «56» والنون في الإخبار كالهمزة في الإخبار، وأيضًا فإن بعده إخبارًا أيضًا في قوله: {نتلوه} «58» فحمل الكلام على نظام واحد أوسطه كأوله وآخره، وهو الاختيار، لإجماع القراء عليه، ولما ذكرنا من تطابق الكلام وتجانسه.
37- وحجة من قرأ بالياء أنه حمله أيضًا على ما قبله من لفظ الغيبة في قوله: {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك} «55»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/345]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (19- {فَيُوَفِّيهْم أُجُورَهُمْ} [آية/ 57]:-
بالياء، قرأها عاصم ص- ويعقوب- يس-.
وذلك لأن المراد: فيوفيهم الله أجورهم؛ لأن ذكر الله تعالى قد تقدم في قوله {إذْ قَالَ الله يا عِيسى} فهو يعود إليه.
وقرأ الباقون و- ح- عن يعقوب {فَنُوَفِّيهمْ} بالنون؛ لأن ما قبله {فأمّا الّذين كَفَروُا فَأُعَذِّبُهُمْ} والمراد بقوله تعالى {فأُعَذّبُهُم} بالألف، وبقوله تعالى {فَنُوَفّيهم} بالنون واحد، في أن الخبر فيهما عن نفسه سبحانه، ثم إنه قال تعالى فيما بعد ذلك {نَتْلُوهُ عَلَيْكَ} بالنون). [الموضح: 374]

قوله تعالى: {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #20  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:39 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (59) إلى الآية (63) ]

{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)}

قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)}
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وقرأ ابن عامر وحده: فيكون [آل عمران/ 59] بالنصب وهو وهم.
وقال هشام بن عمار: كان أيوب بن تميم يقرأ: فيكون نصبا ثم رجع فقرأ: فيكون رفعا.
[قال أبو علي] قد تقدّم ذكر ذلك في سورة البقرة). [الحجة للقراء السبعة: 3/45]

قوله تعالى: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60)}

قوله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)}

قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62)}

قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #21  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:41 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (64) إلى الآية (68) ]

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)}

قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)}

قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65)}

قوله تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ها أنتم هؤلاء... (66)
قرأ أبو عمرو ونافع: (ها نتم) ممدودا مستفهما غير مهموز.
وقرأ ابن كثيرا: (هأنتم) غير ممدود، وهمز (أنتم) وقال قنبل في روايته لابن كثير: (هأنتم) مهموز، بوزن (هعنتم) يجعلها كلمة واحدة، وكذلك يعقوب الحضرمي.
وقرأ الباقون: (ها أنتم) ممدودة مهموزة.
[معاني القراءات وعللها: 1/259]
قال أبو منصور: أما قراءة أبي عمرو ونافع (ها نتم) ممدودا غير مهموز فهو جيد، لا استفهام فيه، ولكن هاء تنبيه، كقوله: هؤلاء، وهذاك.
وكذلك قراءة من قرأها بالمد والهمز، لا فرق بينهما غير تليين الهمزة في قراءة أبي عمرو، وأما قراءة ابن كثير: (هأنتم) بوزن (هعنتم) فكأنه ذهب إلى أن الأصل (أأنتم) على الاستفهام، ثم قلبت الهمزة الأولى هاء، كما يقال: هراق الماء وأراقه.
وروى عن ابن كثير (هانتم) بتليين الهمز، كأن معناه (أنتم)، ثم قلبت الهمزة الأولى هاء، وكذلك من قرأ بالمد والهمز، يجوز أن يكون قلب الهمزة هاء، والله أعلم.
قال أبو منصور: وهذا أحسن من قول من جعل (ها) تنبيها في (هانتم) ). [معاني القراءات وعللها: 1/260]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (39- وقوله تعالى: {ها أنتم هؤلاء} [66].
قرأ ابن كثير في رواية قنبل {هأنتم} على وزن هعنتم، والأصل: أأنتم، فقلب من الهمزة هاء؛ كراهة أن يُجمع بينهما.
وقرأ نافع برواية ورش مثل قنبل.
وقرأ قالون وأبو عمرو (ها آنتم) على وزن هعنتم، والأصل: أأنتم، فقلب من الهمزة هاء؛ كراهة أن يجمع بينهما.
وقرأ نافع برواية ورش مثل قُنبل.
وقرأ قالون وأبو عمرو (ها آنتم) يمدان ولا يهمزان؛ وإنما مدا؛ لأن الهمزة الثانية بين، بين فمدا تمكينًا لها، والهاء مبدلة أيضًا من همزة في قراءتهما.
وقرأ الباقون: {هاأنتم} كأنهم جعلوا «ها» تنبيهًا «وأنتم» إخبار غير استفهام. ويجوز أن يكون استفهامًا، والأصل: آأنتم كما قرأ ابن عامر (آانذرتهم) بهمزتين بينهما ألف، ثم قلب من الهمزة الأولى هاء، وذلك ضعيف؛ لأنه إنما تدخل الألف حاجزًا بين الهمزتين كراهية لاجتماعهما، فإذا قلبت الأولى هاء فليس هناك ما يستثقل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/114]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في المدّ في ها أنتم [آل عمران/ 66] والهمز وتركه.
[الحجة للقراء السبعة: 3/45]
فقرأ ابن كثير: هأنتم لا يمدّها، ويهمز أنتم. وقرأت أنا على قنبل عن ابن كثير: هأنتم في وزن «هعنتم».
وقرأ نافع وأبو عمرو هآنتم: ممدودا استفهام بلا همز.
وقال علي بن نصر عن أبي عمرو أنه كان يخفف ولا يهمز استفهاما بلا همز.
وقال أحمد بن صالح عن ورش وقالون عن نافع ممدود غير مهموز.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: ها أنتم ممدود مهموز. ولم يختلفوا في مدّ (هؤلاء)، و (ألاء).
[قال أبو علي]: أمّا قول ابن كثير (هأنتم هؤلاء) فوجهه: أنّه أبدل من همزة الاستفهام الهاء، أراد: أأنتم فأبدل من الهمزة الهاء. فإن قلت: هلّا لم يجز البدل من الهمزة لأنّه على حرف واحد؟ وإذا كان على حرف واحد وأبدلت منه لم يبق شيء من الحرف يدلّ عليه، فيكون الإبدال منه كالحذف له، فكما لا يجوز حذفه، كذلك لا يجوز البدل منه. قيل: لا يمتنع البدل منه، وإن كان على حرف، وما ذكرته ضرب من القياس الذي جاء
[الحجة للقراء السبعة: 3/46]
استعمالهم بخلافه. ألا ترى أنّهم قد أبدلوا من الباء الواو في قولهم: والله، وأبدلوا من الواو التاء في تالله؟ فهذه حروف مفردة وقد وقع الإبدال منها كما ترى، فكذلك تكون الهاء بدلا من الهمزة. فإن قلت: فهل يجوز أن تكون الهاء التي في «ها» التي للتنبيه، كأنّه أراد: ها أنتم، فحذف الألف من الحرف، كما حذف من «ها» في قولهم: هلمّ؟.
قيل: لا يسهل ذلك، لأنّ الحروف لا يحذف منها، إلّا إذا كان فيها تضعيف، وليس ذلك في «ها» وإنّما حذف من هلمّ لأنّ اللّام التي هي فاء في تقدير السكون، لأنّها متحركة بحركة منقولة [إليها، والحركة المنقولة قد يكون] الحرف المتحرك بها في نيّة السكون. كقولهم: الحمر، فاللّام في تقدير سكون بدلالة تقدير الهمزة التي للوصل معها، فكذلك اللّام في هلمّ. فإذا كان في نيّة سكون استقام حذف الألف من «ها» كما تحذف لالتقاء الساكنين، وليس ذلك في (هأنتم) فإذا كان كذلك لم يستقم الحذف فيه كما جاء في هلمّ. ومعنى الاستفهام في أأنتم تقرير.
فأمّا قراءة نافع وأبي عمرو (هانتم) فتحتمل ضربين:
أحدهما: يجوز أن تكون (ها) التي للتنبيه دخلت على أنتم
[الحجة للقراء السبعة: 3/47]
ويكون التنبيه داخلا على الجملة كما دخل في قوله: هلمّ، وكما دخلت (يا) التي للتنبيه في نحو ألا يا اسجدوا [النمل/ 25] وكما دخلت فيما أنشده أبو زيد [من قوله]:
يا قاتل الله صبيانا تجيء بهم... أمّ الهنيبر من زند لها واري
[وكما أنشد غيره:
يا ما أميلح غزلانا شدنّ لنا] فإن شئت قلت: إنّ «يا» دخلت يراد بها منادى محذوف كقوله:
أيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله *..........
[الحجة للقراء السبعة: 3/48]
وكقوله:
يا لعنة الله والأقوام كلّهم *..........
وإن شئت جعلته لاحقا للجماعة بدلالة قولهم: هلم، ألا ترى أنّه لاحق للجملة التي هي (لمّ) بدلالة أن الفريقين جميعا من يثنّي الفاعل فيه ويجمع، ومن لا يفعل ذلك قد اتفقوا على فتح الآخر منه؟ وإنّما فتح الآخر منه لبنائها مع الكلمة، ولا يجوز مع هذا البناء وكون الكلمتين بمنزلة شيء واحد أن تقدر منبّها، فكما أنّ هذا لاحق للجملة كذلك يجوز في: «يا قاتل الله» وقوله: ألا يا اسجدوا [النمل/ 25] لاحقا لها.
فأمّا الهمزة من (أنتم) فيجوز أن تخفّف ولا تحقّق لوقوعها بعد الألف، كما تقول في هباءة: هباة، وفي المسائل: المسايل ويجوز أن تكون الهاء في ها أنتم بدلا من همزة الاستفهام، كما كانت بدلا منها في قول ابن كثير، وتكون الألف التي تدخل بين الهمزتين لتفصل بينهما، كما تدخل بين النونين لتفصل بينهما في اخشينانّ.
فإن قلت: إنّ الألف إنّما تلحق لتفصل بين المثلين في:
[الحجة للقراء السبعة: 3/49]
اخشينانّ، وأاأنتم، واجتماع المثلين قد زال بإبدال الهاء من الهمزة فلا يحتاج إلى الألف، وإذا لم يحتج إليها كان قوله: ها أنتم (ها) فيه للتنبيه، ولا تكون الهاء فيه بدلا من الهمزة، ألا ترى أنّ من قال: هراق قال: أهريق، ولم يحذف الهاء مع الهمزة كما يحذف إذا قال: أريق لزوال اجتماع المثلين؟. قيل: إنّ البدل قد يكون في حكم المبدل منه، ألا ترى أنّك لو سميت رجلا بهرق لقلت: هريق فلم تصرف كما لا تصرف مع الهمزة، وأنّ حكم الهاء حكم الهمزة؟ وكذلك الهمزة في حمراء، حكمها حكم الألف التي انقلبت عنه في امتناع الصّرف، وكذلك الهمزة في علياء، حكمها حكم الياء التي انقلبت عنها في مثل درحاية، وكذلك قال أبو الحسن: إنّك لو سمّيت بأصيلال لم تصرفه، فجعل اللام في حكم النون، وذلك لما قامت الدلالة عليه من أن النون في عطشان لما كانت بدلا من الهمزة في حمراء جرى عليها ما جرى على الهمزة، فكذلك تكون الهاء إذا كانت بدلا من الهمزة تجتلب الألف معها كما كانت تجتلب مع الهمزة، وتخفّف الهمزة من أنتم بعد الألف الفاصلة كما تخفّف بعد الألف من (ها) فإن كان ما حكوه في الترجمة حكوه عن أبي عمرو، فإنّه يدل على أنّه كان
[الحجة للقراء السبعة: 3/50]
يذهب إلى أنّه استفهام، وكذلك، ما حكي عن نافع ممدود غير مهموز. يريد: أنّه ممدود غير محقّق الهمزة.
وأما قراءة عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي (ها أنتم) ممدود مهموز، فإنّ (ها) فيه تحتمل الوجهين اللذين ذكرناهما في قراءة نافع وأبي عمرو إلّا أنّهم حقّقوا الهمزة التي هي بعد الألف ولم يخفّفوها كما خفّفها أبو عمرو ونافع، وإن لم يروا إلحاق الألف للفصل بين الهمزتين، كما يراه أبو عمرو في نحو أاأنتم. فينبغي أن تكون (ها) في قولهم حرف التنبيه، ولا تكون الهاء بدلا من همزة الاستفهام، كما يجوز أن تكون بدلا منها على قول من أدخل الألف بين الهمزتين. قال: ولم يختلفوا في مدّ هؤلاء، وألاء.
قال أبو علي: في هؤلاء لغتان: المدّ والقصر كالتي في قول الأعشى:
هاؤلى ثمّ هاؤلى
كلّا اعطي... ت نعالا محذوّة بمثال). [الحجة للقراء السبعة: 3/51]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ها أنتم هؤلاء حاججتم} 66
قرأ نافع وأبو عمرو (هانتم) بغير همز ويمدان قليلا
كان أبوعمرو يذهب في (هانتم) إلى أن الهاء بدل من همزة أأنتم بهمزتي ثمّ أدخل بين الهمزتين ألفا فقال أاأنتم ثمّ قلب الهمزة الأولى هاء فقال ها أنتم ثمّ خفف الهمزة من أنتم فصار هانتم والهمزة تقلب هاء كثيرا لقربها من الهاء كما قيل هرقت الماء وأرقته وإيّاك وهياك وأهل وآل فإنّما ذهب أبو عمرو إلى أن الهاء بدل من الهمزة وليست للتّنبيه لأن العرب تقول ها أنا ذا ولا تقول ها أنا هذا فتجمع بين حرفين للتّنبيه وكذلك في قوله {ها أنتم أولاء} لا يكون جمع بين حرفين للتّنبيه ها للتّنبيه وهؤلاء للتّنبيه
وقرأ ابن كثير في رواية القواس (هأنتم) مقصورا على وزن هعنتم والأصل عنده أيضا أأنتم بهمزتين فأبدل من الهمزة هاء ولم يدخل بينهما ألفا فصار هأنتم على وزن هعنتم
وقرأ الباقون {ها أنتم} بالمدّ والهمز وها على مذهبهم أدخلت للتّنبيه كما أدخلت على ذا فقيل هذا فوصلت ها ب أنتم الّتي هي أسماء المخاطبين فقيل ها أنتم فلا بد من المدّ والهمز من جهة الألف في ها والهمزة في أنتم قالوا ويجوز أيضا أن تكون الهاء في هذه القراءة بدلا من الهمزة). [حجة القراءات: 165]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (38- قوله: {هأنتم} قرأ قنبل بهمزة مفتوحة، من غير مد، وقرأ نافع وأبو عمرو بالمد، من غير همز، وقرأ الباقون بالمد والهمز، لكن البزي أنقص مدًا من غيره.
39- والحجة في قراءة قنبل أن أصله عنده «أأنتم» بهمزتين مفتوحتين، ثم أبدل من الهمزة الأولى «هاء» كما قالوا: أرقت الماء وهرقته، وترك الثانية على تحقيقها.
40- وحجة من مدّ بغير همز أن أصله عنده «أأنتم» بهمزتين مفتوحتين ثم أبدل من الأولى «هاء» وليّن الثانية بين بين، فأدخل بين الهاء والهمزة الملينة ألفًا على مذهب قالون وأبي عمرو، وعلى مذهب ورش لا يدخل بينهما ألفًا إلا على رواية ورش عنه، قد ذكرناها، وفعل أبو عمرو وقالون ذلك للفصل بين الهمزتين؛ لأن الأولى مقدرة منوية، كما فعل في «أئذا، وأئنا»، وكما أدخلت الألف بين النونات في «اخشينان» إذا أمرت جماعة المؤنث، وحسن إدخال الألف، وإن كانت الهمزة الأولى قد تغيرت بالبدل؛ لأن البدل في حكم المبدل منه، فالأصل منوي مرد، ألا ترى أنك لو سميت بـ «هريق» لم تصرفه، كما لا تصرف مع الهمزة، فالحكم للأصل وقد قال الأخفش، لو سميت رجلًا بـ «أصيلال» لم تصرفه؛ لأن اللام في حكم النون التي اللام بدل منها، فهو كـ «عثمان» والنون مقدرة منوية لأنه الأصل، فكذلك هذا، لما كانت الهمزة هي الأصل، جرى الحكم على الأصل، فأدخلت بين الهاء وهمزة بين بين ألفًا، كما تفعل مع الهمزة، ويجوز فيه وجه آخر، وهو أن يكون أصله «أنتم» دخلت عليه «ها» التي للتنبيه ثم خففت همزة «أنتم» بين بين، فعلى هذا القول يترك مده أبو عمرو، في رواية الرقيين، والحلواني عن قالون، لأنهما كلمتان، وحسن
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/346]
تخفيف همزة «أنتم» بعد ألف «ها» لأن الألف يقع بعدها الساكن، فأجرى أن يقع بعدها ما يقرب من الساكن، وهو همزة بين بين، ولا يحسن أن يقدر البدل في الهمزة الثانية، في قراءة ورش، لئلا يجتمع ألفان، على أن يجعلها هاء، دخلت على «أأنتم» فإن قدرت الهاء بدلًا جاز أن تقدر لورش البدل في الثانية كما جاز ذلك له في {أأنذرتهم} ونحوه، وبين بين أقوى في العربية، في ذلك كله لورش.
41- وحجة من قرأ بالمد والهمز أن أصله عنده «أنتم» دخلت عليه «ها» التي للتنبيه، وبقيت همزة «أنتم» محققة، على أصلها، ولا يمدها البزي لأنها من كلمتين، ويجوز أن يكون أصله «أأنتم» بهمزتين محققتين، بينهما ألف، للفصل بين الهمزتين، ثم يبدل من الهمزة الأولى «ها» فتتصل ألف الفصل بالهاء، وفيه بعد، إن حُملت قراءة البزي على هذا، لأنه ليس من أصله أن يدخل بين الهمزتين ألفًا، والوجه الأول أولى بقراءة البزي، وعلى ذلك تُحمل قراءة الكوفيين وابن عامر، إلا هشامًا فإنه قد يُدخل بين الهمزتين ألفًا، فيغير هذا، فيجوز أن يحمل هذا على أصله في غيره، فتحمل قراءته على الوجه الثاني، والاختيار ما عليه الجماعة، من المد والهمز، وهو وجه الكلام وعليه المعنى). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/347]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (20- {هَاأَنْتُمْ} [آية/ 66]:-
بالقصر والهمز، على وزن: هعنتم، قرأها ابن كثير ل-؛ لأن المراد عنده: أأنتم بهمزتين همزة للاستفهام وهمزة أنتم، فأبدل من همزة الاستفهام هاءً، كما أبدلوا الهمزة هاء في: هرقت الماء وهياك وهيا زيد، و:
20- لهنك من عبسية لوسيمة.
[الموضح: 374]
روى يس عن يعقوب، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي {ها أَنْتُمْ} بالمد والهمز.
ووجه ذلك أن ها التي للتنبيه دخلت على أنتم.
ويجوز أ، يكون الهاء بدلاً من همزة الاستفهام، كما تقدم في قراءة ابن كثير، ثم إن الألف التي بعد الهاء فصل بها بين الهمزتين؛ لأن الأصل: أأنتم، فأدخلت الألف بينهما للفصل، كما في قول الشاعر:-
21- ... آأنت أم أم سالم
ثم قلبت الهمزة هاء على ما سبق.
وقرأ نافع وأبو عمرو {هانْتُم} بالمد من غير همز.
وذلك يكون على الوجهين اللذين سبق ذكرهما، إلا أن الهمزة التي بعد الألف وهي همزة أنتم خففت بعد ذلك بأن جعلت بين بين.
وروى البزي عن ابن كثير {هاأَنْتُمْ} بألف قصيرة قصيرة بين الهاء والهمزة.
وذلك لأنه فصل بين الهاء والهمزة بألفٍ، فوقع الفصل بها، وسواء كانت ألفًا تامة في المد أو ناقصة، فالمراد بوقوع الفصل بينهما قد حصل.
وروى ح- عن يعقوب مثل قراءة عاصم والجماعة). [الموضح: 375]

قوله تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67)}

قوله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #22  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:43 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (69) إلى الآية (71) ]

{وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)}

قوله تعالى: {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69)}

قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70)}

قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #23  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:44 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (72) إلى الآية (74) ]

{ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)}

قوله تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72)}

قوله تعالى: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم... (73)
قرأ ابن كثير وحده (ءان يؤتى أحدٌ) ممدودا، وقرأ الباقون بغير مدٍّ.
قال أبو منصور: القراءة بغير المد، ومن قرأ بالمد فهو استفهام معناه الإنكار، وذلك أن أحبار اليهود قالوا لذويهم: أيؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم؟ أي: لا يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم.
[معاني القراءات وعللها: 1/260]
قال الفراء: ((أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم): لا تصدّقوا (أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم.
أوقع (تؤمنوا) على (أن يؤتى) كأن قائلهم قال: لا تؤمنوا أن يعطى أحدٌ مثل ما أعطيتم.
وقد قيل إن المعنى: قل يا محمد: (إنّ الهدى هدى اللّه أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم)، أي: الهدى هداكم، لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، قاله الفراء.
قال: وصلحت أحد لأن معنى (أن) معنى (لا)، كما قال الله جلّ وعزّ: (يبيّن اللّه لكم أن تضلّوا) معناه: لا تضلوا.
وقال: (كذلك سلكناه في قلوب المجرمين (200) لا يؤمنون به)
أن تصلح في موضع (لا).
وأخبرني المنذري عن المبرد أنه قال: المعنى في قوله (أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم) (قل إنّ الهدى هدى اللّه) كراهة (أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم) أي ممن خالف دين الإسلام، لأن الله لا يهدي من هو كاذبٌ كفّار، فهدى الله بعيدٌ من غير المؤمنين.
قال أبو منصور، وقول الفراء عندي أصح من قول المبرد). [معاني القراءات وعللها: 1/261]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (40- وقوله تعالى: {أن يؤتى أحد} [73].
قرأ ابن كثير وحده {آن يؤتى} على الاستفهام في اللفظ، وهو تقرير وتوبيخ.
وقرأ الباقون {أن يؤتى} بالقصر على تقدير: قل إن الهدى هدى الله، لأن يوتى وبأن يوتى، فأعرف ذلك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/114]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وكلّهم قرأ: أن يؤتى أحد غير ممدود، إلّا ابن كثير فإنّه قرأ: أن يؤتى أحد، ممدودا [آل عمران/ 73].
قال أبو علي: فقول الباقين أن المعنى على قراءة الجماعة: لا تصدقوا إلّا لمن تبع دينكم، أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، وقوله: قل إن الهدى هدى الله [آل عمران/ 73] اعتراض بين المفعول وفعله، والتقدير: لا تصدّقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلّا لمن تبع دينكم.
فأمّا قوله: أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم [آل عمران/ 73] فإن أول الآية: وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار [آل عمران/ 72] فقوله: ولا تؤمنوا... أن يؤتى أحد يكون تؤمنوا فيه متعدّيا بالجارّ، كما كان في أول الآية متعديا به. وإذا حذفت الجارّ من «أن» كان موضع «أن» على الخلاف، يكون في قول الخليل جرّا، وفي قول سيبويه نصبا. وأمّا اللّام في قوله: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم [آل عمران/ 73]
[الحجة للقراء السبعة: 3/52]
فلا يسهل أن يعلّقه ب تؤمنوا وأنت قد أوصلته بحرف آخر جارّ فتعلّق بالفعل جارّين، كما لا يستقيم أن تعدّيه إلى مفعولين إذا كان يتعدى إلى مفعول واحد، ألا ترى أنّ تعدّي الفعل بالجارّ كتعديه بالهمزة، وتضعيف العين؟ فكما لا يتكرر هذان، كذلك لا يتكرر الجارّ. فإن قلت: فقد جاء:
فلأبغينّكم قنا وعوارضا... ولأقبلنّ الخليل لابة ضرغد
والتقدير: لأقبلنّ بالخيل إلى هذا الموضع. فإنّ هذا إنّما جار لأنّ الثاني من المفعولين مكان، فيجوز أن يكون شبه المختص بالمبهم كقولهم: ذهبت الشام، فيمن لم يجعل الشام اسم الجهة. فإذا لم يسهل تعليق المفعولين به حملته على المعنى، والمعنى:
لا تقرّوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلّا لمن تبع دينكم، كما تقول:
أقررت لزيد بألف، فيكون اللام متعلقا بالمعنى، ولا تكون زائدة على حدّ إن كنتم للرءيا تعبرون [يوسف/ 43] ولكن متعلق بالإقرار.
فإن قلت: فهذا فعل قد تعلّق بجارّين. فإن الجارّين [لم
[الحجة للقراء السبعة: 3/53]
يتعلقا به] على حدّ أنّه مفعول بهما، ولكن أحدهما على غير أنّه مفعول به، والمفعول به إذا تعدى الفعل إليه بالجارّ أشبه الظرف، ولذلك جاز: «سير بزيد فرسخ» فأقمت الظرف مقام الفاعل، مع أنّ في الكلام مفعولا به على المعنى، لما كان المفعول به الذي هو الجار والمجرور يشبه الظرف، ولولا ذلك لم يجز: «سير بزيد فرسخ». فالمعنى: لا تقرّوا أن يؤتى أحد إلّا لمن تبع دينكم، فاللام غير زائدة. وإن شئت حملت الكلام على معنى الجحود، لأنّ معنى لا تؤمنوا: اجحدوا، فكأنّه قيل: اجحدوا أن يؤتى أحد، أو اجحدوا بأن يؤتى أحد إلّا من تبع دينكم، كأنه قيل:
اجحدوا الناس إلّا من تبع دينكم، فتكون اللّام على هذا زائدة.
وقد تعدى (آمن) باللّام في غير هذا، قال تعالى: فما آمن لموسى إلا ذرية [يونس/ 83] وقال: آمنتم له قبل أن آذن لكم [الشعراء/ 49، وطه/ 71] ويؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين [التوبة/ 61] فتعدى مرّة بالباء، ومرّة باللّام. فأمّا قوله: أن يؤتى أحد [فإنّ قوله: أحد] إنّما دخل للنفي الواقع في أوّل الكلام، وهو قوله: ولا تؤمنوا كما دخلت من في قوله: ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم [البقرة/ 105] فكما دخلت من في صلة «أن ينزّل» لأنّه مفعول النفي اللّاحق لأول الكلام، كذلك دخل أحد في
[الحجة للقراء السبعة: 3/54]
صلة «أن» من قوله: أن يؤتى أحد لدخول النفي في أول الكلام.
ووجه قول ابن كثير أنّ: (أن) في موضع رفع بالابتداء. ألا ترى أنّه لا يجوز أن يحمل على ما قبله من الفعل لقطع الاستفهام بينهما، كما كان يحمل عليه قبل؟ فارتفع بالابتداء. وخبره:
تصدّقون به، وتعترفون به، أو تذكرونه لغيركم، ونحو هذا مما دلّ عليه قوله: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، وهذا في قول من قال: أزيد ضربته، ومن قال: أزيدا ضربته، كان (أن) عنده في موضع نصب، ومثل حذف خبر المبتدأ هنا، لدلالة ما قبل الاستفهام عليه، حذف الفعل في قوله [جلّ وعزّ] آلآن وقد عصيت قبل [يونس/ 91] التقدير: الآن أسلمت حين لا ينفعك الإيمان، للإلجاء من أجل المعاينة إلى الإيمان، كما قال: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل [الأنعام/ 158] فحذف الفعل لدلالة ما قبل الاستفهام عليه، فكذلك حذف خبر المبتدأ من قوله: أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم [آل عمران/ 73] ويجوز أن يكون موضع (أن) نصبا فيكون المعنى: أتشيعون أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، أو أتذكرون أن يؤتى أحد. ويدلّ على جواز ذلك قوله تعالى: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم [البقرة/ 76]
[الحجة للقراء السبعة: 3/55]
فحديثهم بذلك إشاعة منهم له ذكر وإفشاء. ومثل هذا في المعنى في قراءة ابن كثير قوله: وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به
عند ربكم أفلا تعقلون
[البقرة/ 76] فوبخ بعضهم بعضا. بالحديث بما علموه من أمر النبي- صلى الله عليه وسلم- وعرفوه من وصفه، فهذه الآية في معنى قراءة ابن كثير، ولعله اعتبرها في قراءته هذه. فإن قلت: فكيف وجه دخول أحد في قراءة ابن كثير، وقد انقطع من النفي بلحاق الاستفهام، والاستفهام ما بعده منقطع مما قبله، والاستفهام على قوله تقرير وتوبيخ كما أنه في قوله: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم تقرير، وإذا كان تقريرا كان بمعنى الإيجاب، وإذا كان بمعنى الإيجاب، لم يجز دخول أحد في الكلام كما لم يجز دخوله في الإيجاب، ألا ترى أن التقرير لا يجاب بالفاء كما لا يجاب الإيجاب بها؟ وأحد على قول ابن كثير أيضا يدلّ على الكثرة، كما أنّه في قول سائرهم ممن لا يستفهم كذلك، ألا ترى أن بعده: أو يحاجوكم والضمير ضمير جماعة؟ فالقول في ذلك أنّه يجوز أن يكون أحد في هذا الموضع أحدا الذي في نحو: أحد وعشرون وهذه تقع في الإيجاب، ألا ترى أنّه بمعنى واحد؟.
[الحجة للقراء السبعة: 3/56]
وقد قال أحمد بن يحيى: إن أحدا، ووحدا، وواحدا بمعنى، وجمع ضمير أحد، لأنّ المراد به الكثرة، فحمل على المعنى في قوله: أو يحاجوكم، وجاز ذلك لأنّ الأسماء المفردة قد تقع للشياع، وفي المواضع التي يراد بها الكثرة، فهذا موضع ينبغي أن ترجّح له قراءة غير ابن كثير على قراءته، لأنّ الأسماء التي هي مفردة تدلّ على الكثرة ليس بالمستمر في كلّ موضع. وفي قراءة غيره ليس يعترض هذا ويقوي قوله: يخرجكم طفلا [غافر/ 67] واجعلنا للمتقين إماما [الفرقان/ 74] فيمن جعل الإمام مثل كتاب ولم يجعله كصحاف). [الحجة للقراء السبعة: 3/57]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [أَنْ يُوتِيَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ]، قال أحمد بن صالح: كذا قال، قال ابن مجاهد: وعلى هذا ينبغي أن يكون أن يوتِيَ أحدًا.
قال أبو الفتح: لا وجه لإنكار ابن مجاهد رفع "أحد" مع قوله [يوتِيَ] مسمى الفاعل؛ وذلك أن معناه أن يوتِي أحد أحدًا مثل ما أوتيتم؛ كقولك: أن يحسن أحد مثل ما أُحْسِنَ إليكم؛ أي: أن يحسن أحد إلى أحد مثل ما أُحْسن إليكم، فتحذف المفعول ويكون معناه ومفاده أن نعمة الله سبحانه لا تُقاس بها نعمة. وهذا مع أدنى تأمل واضح). [المحتسب: 1/163]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا تؤمنوا إلّا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم} 73
قرأ ابن كثير {أن يؤتى أحد} بمد الألف على الاستفهام على
[حجة القراءات: 165]
وجه الإنكار أي لا يعطى أحد مثل ما أعطيتم وهو متّصل بقوله {ولا تؤمنوا إلّا لمن تبع دينكم} {أن يؤتى أحد} ويكون قوله {إن الهدى هدى الله} خبرا اعترض في وسط الكلام ولم يغير من المعنى شيئا وإذا حمل الكلام على هذا كان قوله أن يؤتى بعد من الحكاية عن اليهود يقول لا تصدقوا أن يعطى أحد مثل ما أعطيتم
وقرأ الباقون أن يؤتى بلا استفهام وتأويله ولا تؤمنوا إلّا لمن تبع دينكم ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم وقد بينا في كتاب التّفسير). [حجة القراءات: 166]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (42- قوله: {أن يؤتى} قرأه ابن كثير بالمد، ولم يمد الباقون.
43- وحجة من مده أنه أدخل ألف الاستفهام على «أن»، ليؤكد الإنكار الذي قالوه، بأنه لا يؤتي أحد مثل ما أوتوا، لأن علماء اليهود قالت لعامتهم: لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، أي: لا يؤتي أحد مثل ما أوتيتم. و{أن} في موضع رفع على قول من رفع في قولك: أزيد
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/347]
ضربته، والخبر محذوف، تقديره: أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم تصدقون أو تقرون، ونحوه، أي: لا تصدقوا بذلك، ويحسن أن تكون «أن» في موضع نصب على إضمار فعل، كما جاز في قولك: أزيدًا ضربته، فهو أقوى في العربية، لأن الاستفهام بالفعل أولى لأنك عنه تستفهم، لست تستفهم عن شخص زيد إنما تستفهم عن الفعل، هل وقع بزيد، فالفعل: مع حرف الاستفهام مضمر، فهو أولى بالعمل، فيجب أن يختار النصب، ومثله الأمر والنهي وشبهه مما هو أولى بالفعل، فيجب أن يختار النصب، ومثله الأمر والنهي وشبهه، مما هو أولى بالفعل، ويكون الإضمار بين الألف وبين الفعل، تقديره: أتقرون أن يؤتى، أو أتشيعون ذلك، أو أتذكرون ذلك، ونحوه.
44- وحجة من لم يمد أن النفي الأول دل على إنكارهم في قولهم: ولا تؤمنوا فالمعنى أن علماء اليهود قالت لهم: لا تصدقوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم. و{أن} في موضع جر على قول الخليل بالخافض المحذوف، وفي موضع نصب على قول غيره، لعدم الخافض، تقديره: لا تصدقوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، واللام في {لمن} متعلقة بـ {تؤمنوا} على أن تحمل {تؤمنوا} على معنى: تقروا، فيتعدى إلى مفعولين بحرفين، فإن لم تقدر ذلك لم تتعلق اللام بـ {تؤمنوا}؛ لأنه لا يتعدى إلى مفعولين بحرفين، ويتعدى «تقرون» بحرفين، تقول: أقررت لزيد بمال، ولا تقول ذلك في {تؤمنوا} إلا على أن تجعله بمعنى «تقروا» والاختيار ترك المد، لأن الجماعة عليه، ولأن المعنى في الإنكار يقوم بغير زيادة ألف، لأن «لا» تغني عن الألف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/348]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (21- {آنْ يُؤْتى أَحَدٌ} [آية/ 73]:-
بمد الألف، قرأها ابن كثير وحده.
وذلك لأن المراد أأن بهمزة الاستفهام التي معناها الإنكار، وخفف معها همزة {أَنْ} لاجتماع الهمزتين فبقي {ءان} بالمد، وموضع أن وما بعده رفع على أنه مبتدأ، والخبر مضمر، والتقدير: أن يؤتي أحد مثل ما أوتيتم تصدقون به أو تقرون أو أنتم به معترفون أو نحو ذلك.
وقرأ الباقون {أنْ يؤتى} بقصر الألف.
وذلك لأنه متصل بقوله {وَلا تُؤْمِنُوا إلا لِمَنْ تَبِع دِينَكُمْ} كأنه قال: لا تصدقوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم، فيكون موضع أن نصبًا بقوله {لا تُؤْمِنُوا} على أنه مفعول به، وقوله {قُلْ إنّ الهُدى هُدى الله} اعتراض بين الفعل والمفعول به). [الموضح: 376]

قوله تعالى: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #24  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:46 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (75) إلى الآية (76) ]

{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76)}

قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يؤدّه... (75)، و: (نصله) و(نؤته)
ونحوهن من الهاءات التي تتصل بفعل مجزوم.
قرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي: (يؤدّهي) بإظهار الياء في اللفظ، وكذلك غيره في الوصل فإنه لم يضبطه، ألا ترى أن سيبويه روى عن غير الجزم، وقال: هو مختص بلطافة اللفظ، وترك الإشباع، ويروى عن العرب الجزم المحض في أمثال هذه الهاءات، فهو وهم، لأن العربيّ يختلس الحركات اختلاسا خفيًّا إذا سمعه الحضريّ ظنه جزمًا،
[معاني القراءات وعللها: 1/262]
وذلك الظن منه وهمٌ). [معاني القراءات وعللها: 1/263]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إلّا ما دمت عليه قائمًا... (75).
اتفق القراء على ضم الدال في جميع القرآن، إلا ما روي عن يحيى ابن وثاب: (دمت).
قال أبو منصور: واللغة العاليه دمت أدوم.
ومن العرب من يقول: دمت أدام، إلا أن القراءة بالضم، لاتفاق قراء الأمصار عليه). [معاني القراءات وعللها: 1/263]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (41- قوله تعالى: {بقنطار يؤده إليك} [75].
اختلف عن جميع القراء في هذا ونحوه مثل قوله: {نوله ما تولى ونصله
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/114]
جهنم} و{يرضه لكم} وما شاكل ذلك.
فقرأ عبد الله بن عامر ونافع باختلاس الحركة {نوله} و{يؤده} وذلك أن الأصل {يؤديه} مثل {فيه هدى} فسقطت الياء للجزم وبقيت الحركة مختلسة على أصل الكلمة.
وقرأ ابن كثير والكسائي بإشباع الكسرة، ولفظه كالياء بعد الهاء،.
وأما ابن كثير فإن من شرطه أن يُشبع حركته في كل حال كقوله: {منهو آيات} و{فيهي هدى} فردهن إلى أصله.
وأما الكسائي فقال: إن الياء لما سقطت للجزم أفضى الكلام إلى هاء قبلها كسرة فأشبعها، كما تقول: مررت بهي وكما قال الله تعالى: {وأمهي} {وصاحبتهي}.
وقرأ عاصم برواية أبي بكر وأبو عمرو وحمزة: {نوله} {ونصله} بالإسكان.
قال أبو عبيد: من أسكن الهاء فقد أخطأ؛ لأن الهاء اسم والأسماء لا تجزم.
قال أبو عبد الله الحسين بن خالويه رضي الله عنه: ليس ذلك غلطًا؛ وذلك أن الهاء لما اتصلت بالفعل فصارت معه كالشيء الواحد خففوها بالإسكان،
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/115]
وليس كل سكون جزمًا، والدليل على ذلك أن أبا عمرو قرأ: {وهو خادعهم} فأسكن تخفيفًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/116]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك} 75
قرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر {يؤده إليك} و{لا يؤده إليك} بسكون الهاء وحجتهم أن من العرب من يجزم الهاء إذا تحرّك ما قبلها فيقول ضربته ضربا شديدا فينزلون الهاء إذا سكنوها وأصلها الرّفع بمنزلة أنتم ورأيتهم إذا سكنوا الميم فيها وأصلها الرّفع ولم يصلوها بواو فلذلك اجريت الهاء مجرى الميم في أنتم أنشد الفراء
فيصلح اليوم ويفسده غدا
وقرأ الباقون (يؤدهي إليك) و(لا يؤدهي إليك) يصلون بياء في اللّفظ وحجتهم أن الياء بدل من الواو وأصلها يؤدهو إليك
[حجة القراءات: 166]
لكن قلب الواو ياء لانكسار ما قبلها فلا سبيل إلى حذف الياء وهي بدل من الواو قال سيبويهٍ الواو زيدت على الهاء في المذكر كما زيدت الألف في المؤنّث في قولك ضربتها ومررت بها وضربتهو ليستوي ضربته المذكر والمؤنث في باب الزّيادة
قرأ نافع في رواية الحلواني {يؤده} بالاختلاس وحجته أن الكسرة تدل عل الياء وتنوب عنها). [حجة القراءات: 167]

قوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #25  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:49 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (77) إلى الآية (80) ]

{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)}

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)}

قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78)}

قوله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون (79)
[معاني القراءات وعللها: 1/263]
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب: (تعلمون) بفتح التاء خفيفا.
وقرأ الباقون: (تعلّمون) بضم التاء وتشديد اللام، ومعناه: بتعليمكم الكتاب ودرسكم و(ما) معناها المصدر في القراءتين). [معاني القراءات وعللها: 1/264]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (44- وقوله تعالى: {بما كنتم تعلمون} [79].
قرأ ابن عامر وأهل الكوفة مشددًا، وقرأ الباقون مخففًا، وحجتهم {تدرسون} [79] ولم يقل تدرِّسون، ومن شدَّدَ قال: هذا أبلغ في المدح؛ لأنهم لا يعلمون إلا وقد علموا هم، ولا يكون العالم عالمًا حتى يعمل بعلمه، فأحد عمله تعليمه غيره). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/117]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح التاء واللام والتخفيف وضمّها والتشديد في قوله [جلّ وعزّ]: تعلمون الكتاب [آل عمران/ 79].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: تعلمون بإسكان العين ونصب اللام.
[الحجة للقراء السبعة: 3/58]
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: تعلمون مثقّلا.
قال أبو علي: قال سيبويه: علّمت: أدّبت، وأعلمت: آذنت، والباء في قوله: بما كنتم. متعلقة بقوله: كونوا من قوله: ولكن كونوا ربانيين بما كنتم [آل عمران/ 79] ومثل ذلك قول طفيل:
نزائع مقذوفا على سرواتها... بما لم تخالسها الغزاة وتركب
وقول الأعشى:
..................... قالت بما قد أراه بصيرا
فأمّا (ما) في كلتا القراءتين فهي التي مع الفعل بتأويل المصدر مثل أن الناصبة للفعل في أنّها مع الفعل كذلك، والتقدير:
بكونكم تعلمون، ولا عائد من الصلة إلى الموصول، يدلك على ذلك أنه لا يخلو الذكر إن عاد من أن يكون من قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 3/59]
كنتم أو من تعلمون فلا يجوز أن يعود من قوله: كنتم، لأنّ قوله تعلمون في موضع نصب.
ألا ترى أنّ التقدير: بكونكم عالمين للكتاب؟ وإذا كان في موضع نصب لم يجز أن يقدر في الكلام راجع إلى الموصول لاستيفائه المفعول الذي يقتضيه ظاهرا، ولا يجوز أن يعود من تعلمون، لأنّ قوله تعلمون قد استوفى أيضا المفعول الذي يقتضيه وهو قوله: الكتاب فإذا كان كذلك علمت أنّه لا راجع في الصلة إلى الموصول، ومثل ذلك قوله: ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون [البقرة/ 10] ومثله قوله: فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون [الأعراف/ 51] التقدير:
كنسيانهم لقاء يومهم هذا، وككونهم بآياتنا جاحدين.
فأمّا قوله: تعلمون: فهو من العلم الذي يراد به المعرفة فيتعدى إلى مفعول واحد، كقوله تعالى: ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت [البقرة/ 65] والله يعلم المفسد من المصلح [البقرة/ 220]. فإذا ضعّفت العين تعدى إلى مفعولين، كما أنّك لو نقلت بالهمزة كان كذلك، فالمفعول الثاني من قوله: في قراءة من قرأ: تعلمون الكتاب محذوف. التقدير:
بما كنتم تعلّمون الناس الكتاب، أو: غيركم الكتاب، ونحو هذا، وحذف [هنا] لأنّ المفعول به قد يحذف من الكلام كثيرا،
[الحجة للقراء السبعة: 3/60]
ومثل ذلك قوله تعالى: وعلم آدم الأسماء كلها [البقرة/ 31] فهذا منقول من: علم آدم الأسماء، وعلّمه الله الأسماء. وحجّة من قال: (بما كنتم تعلمون)، أبا عمرو قال فيما زعموا: يصدّقها: تدرسون، ولم يقل: تدرّسون، ومن حجّتها أنّ العالم الدارس قد يدرك بعلمه ودرسه مما يكون داعيا إلى التمسك بعلمه، والعمل به ما يدركه العالم المعلّم في تعليمه، ألا ترى أنّه يتكرر عليه في درسه ما يتكرر في تعليمه مما ينبّه ويبصّر من اللطائف التي يثيرها النظر في حال الدرس؟. [قال أبو زيد كلاما معناه: لا يكون الدرس درسا حتى تقرأه على غيرك].
وحجة من قال: تعلّمون، أن التعليم أبلغ في هذا الموضع، لأنّه إذا علّم الناس فلم يعمل بعلمه، ولم يتمسك بدينه كان مع استحقاق الذّم بترك عمله بعلمه داخلا في جملة من وبّخ بقوله:
أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم [البقرة/ 44]، ومن حجّتهم: أن الذي يعلّم لا يكون إلّا عالما بما يعلّم. فإذا علّم كان عالما، فيعلّم في هذا الموضع، أبلغ لأنّ المعلّم عالم، والعالم لا يدلّ على علّم). [الحجة للقراء السبعة: 3/61]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي حيوة: [تُدْرِسُون] بضم التاء ساكنة الدال مكسورة الراء.
[المحتسب: 1/163]
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون هذا منقولًا من درس هو وأَدرس غيره؛ كقولك: قرأ وأَقرأَ غيره. وأكثر كلام العرب درس ودرَّس غيره، وعليه جاء المصدر على التدريس). [المحتسب: 1/164]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثمّ يقول للنّاس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما} 79 و80
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {بما كنتم تعلمون الكتاب} بالتّخفيف أي يعلمكم الكتاب
قال أبو عمرو وحجتهما قوله {وبما كنتم تدرسون} ولم يقل تدرسون
وقرأ الباقون {بما كنتم تعلمون} بالتّشديد من قولك علمت زيدا الكتاب أعلمه تعليما والمعنى تعلمون النّاس الكتاب وحجتهم أن تعلمون أبلغ في المدح من تعلمون لأن المعلم لا يكون معلما حتّى يكون عالما بما يعلمه النّاس قبل تعليمه وربما كان عالما ليس بمعلم
[حجة القراءات: 167]
وقد روي عن مجاهد أنه قال ما علموه حتّى علموه
قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة {ولا يأمركم} بالنّصب وحجتهم أنّها نسق على قوله {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثمّ يقول للنّاس} ولا أن يأمركم
وقرأ الباقون {ولا يأمركم} بالرّفع على وجه الابتداء من الله بالخبر عن النّبي صلى الله عليه أنه لا يأمركم ايها النّاس أن تتّخذوا من الملائكة والنبيين أربابًا). [حجة القراءات: 168] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (53- قوله: {تعلمون الكتاب} قرأه الكوفيون وابن عامر بضم التاء، وكسر اللام مشددا من التعليم، وقرأ الباقون بفتح التاء واللام مفتوحة مخففًا من العلم.
54- وحجة من شدد أن التعليم إنما هو من العلم، لأن كل معلم عالم بما يعلم، وليس كل عالم بشيء معلمًا، فالتشديد يدل على العلم والتعليم والتخفيف إنما يدل على العلم فقط، فالتعليم أبلغ وأمدح.
55- وحجة من خفف أن حمله على ما بعده، من قوله: {تدرسون} مخففًا، ولم يقل «تدرّسون» وكل من درس عَلِم، وليس كل من درَس عَلَّم، فحملُ الفعلين على معنى واحد أليق، وأحسن في المطابقة والمجانسة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/351]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (22- {تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ} [آية/ 79]:-
بالتخفيف من العلم، قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب.
والوجه أن ما بعده {وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} ولم يقل تدرسون بالتشديد، والمعنى يعلمكم الكتاب ويدرسكم فهو أليق بما بعده، ثم إن العالم الدارس قد يؤخذ بعلمه ويقتدي به في درسه فيحصل من انتشار العلم بدرسه وتكراره ما يحصل بتعليمه، فتكون هذه القراءة قريبةً في المعنى من القراءة الأخرى.
[الموضح: 376]
وقرأ الباقون {تُعَلّمُونَ} بالتشديد وضم التاء، من التعليم.
وذلك لأن التعليم أبلغ في المعنى؛ لأن المعلم لا يعلم غيره إلا وهو عالم بما يعلمه، فمعنى القراءة الأولى حاصل ههنا مع زيادةٍ، ثم إن ما قبله يدل عليه، وهو قوله تعالى {كُونُوا ربّانيينَ} والرباني في قول علي وابن عباس: العالم الذي يؤخذ عنه العلم). [الموضح: 377]

قوله تعالى: {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا يأمركم... (80)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي: (ولا يأمركم) رفعًا، وكذلك روى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم.
وقرأ الباقون: (ولا يأمركم) نصبًا.
[معاني القراءات وعللها: 1/264]
قال أبو منصور: من قرأ (ولا يأمركم) بالرفع فهو استئناف.
ومن قرأ (ولا يأمركم) عطفه على قوله: (ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة ثمّ يقول للنّاس... ولا أن يأمركم).
فحذف (أن) وهو ينويها، والنصب اختيار أحمد بن يحيى). [معاني القراءات وعللها: 1/265]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (42- وقوله تعالى: {ولا يأمركم} [80].
قرأ عاصم وحمزة وابن عامر: {يأمركم} بالنصب نسقًا على قوله تعالى: {أن يؤتيه الله} [89].
وقرأ الباقون بالرفع جعلوه استئنافًا.
وحجتهم قراءة ابن مسعود: {ولن يأمركم} فلما سقط «لن» ارتفع ما بعدها، غير أن أبا عمرو كان يحب أن يختلس الحركة. وقد بينا علة ذلك في ما سلف). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/116]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ الرّاء وفتحها من قوله تعالى: ولا يأمركم [آل عمران/ 80].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي، ولا يأمركم رفعا، وكان أبو عمرو يختلس حركة الراء تخفيفا.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة: ولا يأمركم نصبا). [الحجة للقراء السبعة: 3/58]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (ولم يختلفوا في رفع الراء من قوله: أيأمركم بالكفر [آل عمران/ 80] إلّا اختلاس أبي عمرو.
[الحجة للقراء السبعة: 3/57]
قال أبو علي: قال سيبويه: قال تعالى: ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس [آل عمران/ 79] ثم قال: ولا يأمركم فجاءت منقطعة من الأول، لأنّه أراد: ولا يأمركم الله. قال: وقد نصبها بعضهم على قوله: ما كان لبشر... أن يأمركم أن تتخذوا.
ومما يقوي الرفع أنّه في حرف ابن مسعود زعموا: ولن يأمركم فهذا يدل على الانقطاع من الأول. وممّا يقوّي النصب أنّه قد جاء في السّير فيما ذكر عن بعض شيوخنا أنّ اليهود قالوا:
للنّبيّ صلى الله عليه وسلم: أتريد يا محمد أن نتخذك ربّا؟ فقال الله تعالى: ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله... ولا يأمركم). [الحجة للقراء السبعة: 3/58]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثمّ يقول للنّاس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما} 79 و80
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {بما كنتم تعلمون الكتاب} بالتّخفيف أي يعلمكم الكتاب
قال أبو عمرو وحجتهما قوله {وبما كنتم تدرسون} ولم يقل تدرسون
وقرأ الباقون {بما كنتم تعلمون} بالتّشديد من قولك علمت زيدا الكتاب أعلمه تعليما والمعنى تعلمون النّاس الكتاب وحجتهم أن تعلمون أبلغ في المدح من تعلمون لأن المعلم لا يكون معلما حتّى يكون عالما بما يعلمه النّاس قبل تعليمه وربما كان عالما ليس بمعلم
[حجة القراءات: 167]
وقد روي عن مجاهد أنه قال ما علموه حتّى علموه
قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة {ولا يأمركم} بالنّصب وحجتهم أنّها نسق على قوله {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثمّ يقول للنّاس} ولا أن يأمركم
وقرأ الباقون {ولا يأمركم} بالرّفع على وجه الابتداء من الله بالخبر عن النّبي صلى الله عليه أنه لا يأمركم ايها النّاس أن تتّخذوا من الملائكة والنبيين أربابًا). [حجة القراءات: 168] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (50 – قوله: {ولا يأمركم} قرأه عاصم وحمزة وابن عامر بالنصب، ورفع الباقون.
51- وحجة من نصبه أنه عطفه على {أن يؤتيه} «79» ففي {يأمركم} ضمير «بشر» المتقدم الذكر، والمراد به النبي عليه السلام.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/350]
وذلك أن اليهود قالت للنبي: أتريد يا محمد أن نتخذك ربا، فأنزل الله جل ذكره: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادًا لي من دون الله. ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا}.
52- وحجة من رفع أنه قطعه مما قبله، ففيه ضمير اسم الله جل ذكره، والمعنى: أنه ابتدأ الكلام فقال: ولا يأمركم الله أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابًا، ردًا لقولهم للنبي: أتريد أن نتخذك ربًا، ويقوي الرفع على القطع أن في حرف عبد الله: «ولن يأمركم» فهذا يدل على الاستئناف، والضمير أيضًا لله جل ذكره في {أمركم} ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/351]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (23- {ولا يَأْمُرَكُمْ} [آية/ 80]:-
بالنصب، قرأها ابن عامر وعاصم وحمزة ويعقوب.
وذلك لأنه معطوف على ما قبله، وهو {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أنْ لِبَشَرٍ أنْ يُؤْتيهُ الله الكِتَابَ} ثم يقول كأنه قال: ولا أن يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابًا، ويؤيد ذلك ما جاء في الأثر أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد أتريد أن نتخذك ربًا؟ فأنزل الله تعالى {ما كان لبشر} الآية.
[الموضح: 377]
وقرأ الباقون {يأْمُرُكُم} بالرفع، على الاستئناف والانقطاع مما قبله، والمراد: ولا يأمركم). [الموضح: 378]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:51 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة