تفسير قوله تعالى: {طسم (1)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {طسم} [الشعراء: 1]
حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا يحيى، عن عثمان، عن قتادة، قال: هو اسمٌ من أسماء الكتاب، يعني: القرآن.
وقال الحسن: لا أدري ما تفسيرها غير أنّ قومًا من السّلف كانوا يقولون فيها وأشباهها: أسماء السّور ومفاتحها.
وتفسير سعيدٍ، عن قتادة، قال: اسمٌ من أسماء القرآن أقسم به ربّك). [تفسير القرآن العظيم: 2/495]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله تعالى: {طسم}
قرئت بإدغام - النون في الميم ووصل بعض الحروف ببعض، وقرئت طسين ميم بتبيين النون، والوقف على النون.
ويجوز - ولا أعلم أحدا، قرأه - طسميما - على أن يجعل طسم اسما للسورة بمنزلة قوله: خمسة عشر، ولا تجوز القراءة به). [معاني القرآن: 4/81]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (من ذلك قوله جل وعز: {طسم} روى معمر عن قتادة قال طسم اسم). [معاني القرآن: 5/61]
تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {تلك آيات الكتاب} [الشعراء: 2] هذه آيات الكتاب، القرآن.
{المبين} [الشعراء: 2] البين). [تفسير القرآن العظيم: 2/495]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {تلك آيات الكتاب المبين}
فيه وجهان أحدهما على معنى أنهم وعدوا بالقرآن على لسان موسى فكان المعنى هذه آيات الكتاب الذي وعدتم به على لسان موسى، وعلى معنى هذه آيات الكتاب المبين.
وقد فسّرنا ذلك في أول سورة البقرة في قوله: {الم ذلك الكتاب} ). [معاني القرآن: 4/81]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {تلك آيات الكتاب المبين}
لأن القرآن مذكور في التوراة والإنجيل
فالمعنى هذه تلك آيات الكتاب
وقيل تلك بمعنى هذه). [معاني القرآن: 5/61]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بَاخِعٌ}: قاتل). [العمدة في غريب القرآن: 225]
تفسير قوله تعالى: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لعلّك باخعٌ نفسك ألّا يكونوا مؤمنين} [الشعراء: 3] المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، قال: لعلّك قاتلٌ نفسك إن لم يؤمنوا بهذا القرآن، أي: فلا تفعل). [تفسير القرآن العظيم: 2/495]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {باخعٌ نّفسك...}
قاتل نفسك {ألاّ يكونوا مؤمنين} موضع (أن) نصب لأنها جزاء، كأنك قلت: إن لم يؤمنوا فأنت قاتل نفسك. فلمّا كان ماضياً نصبت (أن) كما تقول أتيتك أن أتيتني.
ولو لم يكن ماضياً لقلت: آتيك إلى تأتني. ولو كانت مجزومةً وكسرت (إن)
فيها كان صواباً. ومثله قول الله {ولا يجرمنّكم شنآن قوم أن صدّوكم} و{إن صدّوكم}. وقوله: {من الشهداء أن تضلّ} و{إن تضلّ} وكذلك {أفنضرب عنكم الذكر صفحاً إن كنتم} و{أن كنتم} وجهان جيّدان). [معاني القرآن: 2/276-275]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لعلك باخع نّفسك} أمي مهلك وقاتل قال ذو الرمة:
ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه=لشيء نحته من يديه المقادر).
[مجاز القرآن: 2/83]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لعلّك باخع نفسك ألّا يكونوا مؤمنين}
قال أبو عبيدة: معناه مهلك نفسك، وقيل قاتل نفسك، وهذا كقوله:
{فلعلّك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا}
وموضع أن النصب مفعول له، المعنى فلعلك قاتل نفسك لتركهم الإيمان، فأعلمه اللّه سبحانه أنه لو أراد أن ينزل ما يضطرهم إلى الطاعة لقدر على ذلك ألا أنه - عزّ وجلّ - تعبّدهم بما يستوجبون به الثواب مع الإيمان.
وأنزل لهم من الآيات ما يتبين به لمن قصده إلى الحق فأمّا لو أنزل على كل من عند عن الحق عذاب في وقت عنوده لخضع مضطرّا، وآمن إيمان من لا يجد مذهبا عن الإيمان).
[معاني القرآن: 4/82-81]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لعلك باخع نفسك}
قال مجاهد وقتادة أي قاتل
وقال الضحاك أي قاتل نفسك عليهم حرصا
قال أبو عبيدة باخع أي مهلك
قال أبو جعفر وأصل هذا من بخعه أي أذله
والمعنى لعلك قاتل نفسك لتركهم الإيمان). [معاني القرآن: 5/62-61]
تفسير قوله تعالى: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إن نشأ ننزّل عليهم من السّماء آيةً فظلّت أعناقهم} [الشعراء: 4]، يعني: فصارت أعناقهم.
{لها} للآية.
[تفسير القرآن العظيم: 2/495]
{خاضعين} [الشعراء: 4]، أي: فظلّوا خاضعين لها أعناقهم، وهذا تفسير مجاهدٍ.
وذلك أنّهم كانوا يسألون النّبيّ أن يأتيهم بآيةٍ، فهذا جوابٌ لقولهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/496]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إن نّشأ ننزّل عليهم مّن السّماء آيةً...}
ثم قال {فظلّت} ولم يقل (فتظللّ) كما قال {ننزل} وذلك صواب: أن تعطف على مجزوم المجزاء بفعل؛ لأنّ الجزاء يصلح في موضع فعل يفعل، وفي موضع يفعل فعل، ألا ترى أنك تقول: إن زرتني زرتك وإن تزرني أزرك والمعنى واحدٌ. فلذلك صلح قوله: {فظلّت} مردودةً على يفعل، وكذلك قوله: {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنّات} ثم قال {ويجعل لك قصوراً} فردّ يفعل على وهو بمنزلة ردّه (فظلّت) على (ننزّل) وكذلك جواب الجزاء يلقى يفعل بفعل، وفعل بيفعل كقولك: (إن قمت أقم، وإن تقم قمت). وأحسن الكلام أن تجعل جواب يفعل بمثلها، وفعل بمثلها؛ كقولك: إن تتجر تربح، أحسن من أن تقول: إن تتجر ربحت. وكذلك إن تجرت ربحت أحسن من أن تقول: إن تجرت تربح. وهما جائزان. قال الله {من كان يريد الحياة الدّنيا وزينتها نوفّ إليهم} فقال {نوفّ} وهي جواب لكان.
وقال الشاعر:
إن يسمعوا سبّة طاروا بها فرحاً=مني وما يسمعوا من صالحٍ دفنوا
فردّ الجواب بفعل وقبله يفعل ... (إن يسمعوا سبّة على مثال غيّة).
وقوله: {فظلّت أعناقهم لها خاضعين} والفعل للأعناق
فيقول القائل: كيف لم يقل: خاضعةً: وفي ذلك وجوه كلّها صواب. أوّلها أن مجاهداً جعل الأعناق: الرجال الكبراء. فكانت الأعناق ها هنا بمنزلة قولك: ظلّت رءوسهم رءوس القوم وكبراؤهم لها خاضعين للآية. والوجه الآخر أن تجعل الأعناق الطوائف، كما تقول: رأيت الناس إلى فلانٍ عنقاً واحدةً فتجعل الأعناق الطّوائف العصب وأحبّ إليّ من هذين الوجهين في العربيّة أن الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون فجعلت الفعل أوّلا للأعناق ثم جعلت (خاضعين) للرجال كما قال الشاعر:
على قبضة موجوءة ظهر كفّه=فلا المرء مستحىٍ ولا هو طاعم
فأنّث فعل الظهر لأن الكف تجمع الظهر وتكفي منه: كما أنك تكتفي بأن تقول: خضعت لك رقبتي؛ ألا ترى أن العرب تقول: كلّ ذي عينٍ ناظرٌ وناظرةٌ إليك؛ لأن قولك: نظرت إليك عيني ونظرت إليك بمعنى واحدٍ فترك (كلّ) وله الفعل وردّ إلى العين. فلو قلت: فظلّت أعناقهم لها خاضعة كان صواباً. وقد قال الكسائيّ: هذا بمنزلة قول الشاعر:
ترى أرباقهم متقلّديها=إذا صدئ الحديد على الكماة
ولا يشبه هذا ذلك لأن الفعل في المتقلّدين قد عاد بذكر الأرباق فصلح ذلك لعودة الذكر. ومثل هذا قولك: ما زالت يدك باسطها لأن الفعل منك على اليد واقعٌ فلا بدّ من عودة ذكر الذي في أول الكلام. ولو كانت فظلت أعناقهم لها خاضعيها كان هذا البيت حجّة له. فإذا أوقعت الفعل على الاسم ثم أضفته فلا تكتف بفعل المضاف إلا أن يوافق فعل الأول؛ كقولك ما زالت يد عبد الله منفقاً ومنفقةً فهذا من الموافق لأنك تقول يده منفقةٌ وهو منفقٌ ولا يجوز كانت يده باسطاً لأنه باسطٌ لليد واليد مبسوطة، فالفعل مختلف، لا يكفي فعل ذا من ذا، فإن أعدت ذكر اليد صلح فقلت: ما زالت يده باسطها). [معاني القرآن: 2/277-276]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فظلّت أعناقهم لها خاضعين} فخرج هذا مخرج فعل الآدميين وفي آية أخرى: " أحد عشر كوكباً والشّمس والقمر رأيتهم لي ساجدين " وفي آية أخرى " قالتا أتينا طائعين " فخرج على تقدير فعل الآدميين والعرب قد تفعل ذلك وقال:
شربت إذا ما الدّيك يدعو صباحه=إذا ما بنو نعشٍ دنوا فتصوّبوا
وزعم يونس عن أبي عمرو أن خاضعين ليس من صفة الأعناق وإنما هي من صفة الكناية عن القوم التي في آخر الأعناق فكأنه في التمثيل فظلت أعناق القوم في موضع " هم " والعرب قد تترك الخبر عن الأول وتجعل الخبر للآخر منهما وقال:
طول الليالي أسرعت في نقضي=طوين طولي وطوين عرضي
فترك طول الليالي وحول الخبر إلى الليالي فقال أسرعت ثم قال طوين وقال جرير:
رأت مرّ السنين أخذن مني=كما أخذ السّرار من الهلال
رجع إلى السنين وترك " مرّ " وقال الفرزدق:
ترى أرباقهم متقلديها=إذا صدى الحديد على الكماة
فلم يجعل الخبر للأرباق ولكن جعله للذين في آخرها من كنايتهم ولو كان للأرباق لقال متقلدات ولكن مجازه: تراهم متقلدين أرباقهم). [مجاز القرآن: 2/84-82]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({إن نّشأ ننزّل عليهم مّن السّماء آيةً فظلّت أعناقهم لها خاضعين}
قال: {فظلّت أعناقهم لها خاضعين} يزعمون أنها على الجماعات نحو "هذا عنقٌ من الناس" يعنون "الكثير" أو ذكّركما يذكر بعض المؤنث لما أضافه إلى مذكّر. وقال الشاعر:
باكرتها والدّيك يدعو صباحه = إذا ما بنو نعشٍ دنوا فتصوّبوا
فجماعات هذا "أعناقٌ" أو يكون ذكّره لإضافته إلى المذكّر كما يؤنّث لإضافته إلى المؤنث نحو قوله:
وتشرق بالقول الذي قد أذعته = كما شرقت صدر القناة من الدّم
وقال آخر:
* لما رأى متن السّماء انقدّت *
وقال:
إذا القنبضات طوّفن بالضّحى = رقدن عليهنّ الحجال المسجّف
و"القنبض": القصير.
وقال آخر:
وإنّ امرءاً أهدى إليك ودونه = من الأرض موماةٌ وبيداء خيفق
لمحقوقةٌ أن تستجيبي لصوته = وأن تعلمي أنّ المعان موفّق
فأنّث. والمحقوق هو المرء. وإنما أنث لقوله "أن تستجيبي لصوته" ويقولون: "بنات عرسٍ" و"بنات نعشٍ" و"بنو نعشٍ" وقالت امرأة من العرب "أنا امرؤ لا أحب الشرّ". وذكر لرؤبة رجل فقال "كان أحد بنات مساجد الله" كأنه جعله حصاة). [معاني القرآن: 3/17-16]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {إن نشأ ننزّل عليهم من السّماء آية فظلّت أعناقهم لها خاضعين}
معناه فتظل أعناقهم، لأن الجزاء يقع فيه لفظ الماضي في معنى المستقبل تقول: إن تأتني أكرمتك، معناه أكرمك، وإن أتيتني وأحسنت معناه وتحسن وتجمل.
وقال (خاضعين) وذكر الأعناق لأن معنى خضوع الأعناق هو خضوع أصحاب الأعناق.
لما لم يكن الخضوع إلا لخضوع الأعناق جاز أن يعبّر عن المضاف إليه كما قال الشاعر:
رأت مرّ السّنين أخذن منّي كما أخذ السّرار من الهلال
لمّا كانت السنون لا تكون إلا بمرّ أخبر عن السنين وإن كان أضاف إليها المرور،
ومثل ذلك أيضا قول الشاعر:
مشين كما اهتزّت رماح تسفّهت =أعاليها مرّ الرّياح النّواسم
كأنّه قال تسفهتها الرياح، لما كانت - الرياح لا تكون إلا بالمرور.
وجاء في التفسير " أعناقهم " يعنى به كبراؤهم ورؤساؤهم، وجاء في اللّغة أعناقهم جماعاتهم، يقال: جاء لي عنق من الناس أي جماعة وذكر بعضهم وجها آخر، قالوا: فظلت أعناقهم لها خاضعين هم، وأضمرهم.
وأنشد:
ترى أرباقهم متقلّديها كما=صدئ الحديد عن الكماة
وهذا لا يجوز في القرآن، وهو على بدل الغلط يجوز في الشعر، كأنه قال: يرى أرباقهم يرى متقلّديها، كأنّه قال: يرى قوما متقلدين أرباقهم فلو كان على حذف هم لكان مما يجوز في الشعر أيضا). [معاني القرآن: 4/83-82]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية}
أي لو شئنا لاضطررناهم إلى الطاعة بأن نهلك كل من عصى
ثم قال جل وعز: {فظلت أعناقهم لها خاضعين}
في هذا أقوال:
قال مجاهد أعناقهم كبراؤهم
وقال أبو زيد والأخفش أعناقهم جماعاتهم يقال جاءني عنق من الناس أي جماعة
وقال عيسى بن عمر خاضعين وخاضعة ههنا واحد
والكسائي يذهب إلى أن المعنى خاضعيها
قال أبو جعفر قول مجاهد أعناقهم كبراؤهم معروف في اللغة يقال جاءني عنق من الناس أي رؤساؤهم وكذل يقال جاءني عنق من الناس أي جماعة ولهذا يقال على فلان عتق رقبة ولا يقال عتق عنق لما يقع فيه من الاشتراك
وقول عيسى بن عمر أحسن هذه الأقوال وهو اختيار أبي العباس
والمعنى على قوله: {فظلوا لها خاضعين} فأخبر عن المضاف إليه وجاء بالمضاف مقحما توكيدا كما قال الشاعر:
رأت مر السنين أخذن مني = كما أخذ السرار من الهلال
وكما قال الشاعر:
وتشرق بالقول الذي قد أذعته = كما شرقت صدر القناة من الدم
قال أبو العباس ومثله سقطت بعض أصابعه
قال ومثله:
يا تيم تيم عدي لا أبا لكم = لا يلقينكم في سوءة عمر
فجاء بتيم الأول مقحما توكيدا
وأما قول الكسائي فخطأ عند البصريين والفراء ومثل هذا الحذف لا يقع في شيء من الكلام). [معاني القرآن: 5/65-62]
تفسير قوله تعالى: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وما يأتيهم من ذكرٍ} [الشعراء: 5]، يعني: القرآن.
{من الرّحمن محدثٍ إلا كانوا عنه معرضين} [الشعراء: 5] قال قتادة: أي: كلّما نزل من القرآن شيءٌ جحدوا به). [تفسير القرآن العظيم: 2/496]
تفسير قوله تعالى: {فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {فقد كذّبوا فسيأتيهم} [الشعراء: 6] في الآخرة.
{أنباء ما كانوا به يستهزءون} [الشعراء: 6] في الدّنيا، وهو عذاب النّار، فسيأتيهم تحقيق ذلك الخبر بدخولهم النّار). [تفسير القرآن العظيم: 2/496]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {فقد كذّبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون}
أنباء: أخبار.
المعنى: فسيعلمون نبأ ذلك في القيامة.
وجائز أن يعجل لهم بعض ذلك في الدنيا نحو ما نالهم يوم بدر). [معاني القرآن: 4/83]
تفسير قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كلّ زوجٍ كريمٍ} [الشعراء: 7] قال مجاهدٌ: نبات ما يأكل النّاس والأنعام، وكلّ ما ينبت في الأرض فالواحد منه زوجٌ، وهذا على الاستفهام، أي: قد رأوا كم أنبتنا في الأرض من كلّ زوجٍ كريمٍ ممّا رأوا). [تفسير القرآن العظيم: 2/496]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أنبتنا فيها من كلّ زوجٍ كريمٍ...}
يقول: حسنٍ، يقال: هو كما تقول للنخلة: كريمة إذا طاب حملها، أو أكثر كما يقال للشاة وللناقة كريمة إذا غزرتا. ... من كلّ زوجٍ من كل لونٍ.
وقوله: في كلّ هذه السّورة {وما كان أكثرهم مؤمنين} في علم الله. يقول: لهم في القرآن وتنزيله آية ولكنّ أكثرهم في علم الله لن يؤمنوا). [معاني القرآن: 2/278]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {من كلّ زوجٍ كريمٍ} أي من كل جنس حسن). [تفسير غريب القرآن: 316]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} أي من كل صنف حسن). [تأويل مشكل القرآن: 498]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الكريم: الشريف الفاضل...، والكريم: الحسن، وذلك من الفضل. قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} أي: حسن. وكذلك قوله: {مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} أي: حسن يبتهج به. وقال تعالى: {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}، أي حسنا.
وهذا وإن اختلف، فأصله الشرف). [تأويل مشكل القرآن: 495]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كلّ زوج كريم}
معنى زوج نوع، ومعنى كريم محمود فيما يحتاج إليه، كمعنى من كل زوج نافع لا يقدر على إنباته وإنشائه إلا ربّ العالمين). [معاني القرآن: 4/83]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم}
قال مجاهد من نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام
وروي عن الشعبي أنه قال الناس من نبات الأرض فمن صار منهم إلى الجنة فهو كريم ومن صار إلى النار فهو لئيم
والمعنى على قول مجاهد من كل جنس نافع حسن). [معاني القرآن: 5/65]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {زَوْجٍ كَرِيمٍ}: أي جنس حسن). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 175]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {إنّ في ذلك لآيةً} [الشعراء: 8] لمعرفةً بأنّ الّذي أنبت هذه الأزواج في الأرض قادرٌ على أن يحيي الموتى.
قال: {وما كان أكثرهم مؤمنين} [الشعراء: 8]، يعني: من مضى من الأمم). [تفسير القرآن العظيم: 2/496]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم قال: {إنّ في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين}
دليلا على أن اللّه - عزّ وجلّ - واحد وأن المخلوقات آيات تدل على أن الخالق واحد ليس كمثله شيء.
وقوله: {وما كان أكثرهم مؤمنين}.
معناه وما كان أكثرهم يؤمن، أي علم اللّه أن أكثرهم لا يؤمنون أبدا كما قال: {ولا أنتم عابدون ما أعبد} أي لستم تعبدون ما أعبد الآن {ولا أنتم عابدون ما أعبد}
فيما يستقبل، وكقوله في قصة نوح عليه السلام: {أنّه لن يؤمن من قومك إلّا من قد آمن}، فأعلمه أن أكثرهم لا يؤمنون). [معاني القرآن: 4/84-83]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {إن في ذلك لآية}
أي لدلالة على الله جل وعز وأنه ليس كمثله شيء
ثم قال وما كان أكثرهم مؤمنين أي قد علم الله أنهم لا يؤمنون كما قال سبحانه: {لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد} ). [معاني القرآن: 5/65]
تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وإنّ ربّك لهو العزيز} [الشعراء: 9] في نقمته.
{الرّحيم} بخلقه، فأمّا المؤمن فتتمّ عليه الرّحمة في الآخرة، وأمّا الكافر فهو ما أعطاه في الدّنيا، فليس له إلا رحمة الدّنيا وهي زائلةٌ عنه، وليس له في الآخرة نصيبٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/496]