التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): وقوله: {ولا تؤتوا السّفهاء أموالكم...}
السفهاء: النساء والصبيان {الّتي جعل اللّه لكم قياماً} يقول التي بها تقومون قواما وقياما. وقرأ نافع المدني (قيما) والمعنى - والله أعلم - واحد.
والعرب تقول في جمع النساء (اللاتي) أكثر مما يقولون (التي)، ويقولون في جمع الأموال وسائر الأشياء سوى النساء (التي) أكثر مما يقولون فيه (اللاتي) ). [معاني القرآن: 1/256-257]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({الّتي جعل الله لكم قياماً}: مصدر يقيمكم، ويجئ في الكلام في معنى قوام فيكسر، وإنما هو من الذي يقيمك، وإنما أذهبوا الواو لكسرة القاف، وتركها بعضهم كما قالوا: ضياءً للناس وضواءً للناس). [مجاز القرآن: 1/117]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({التي جعل الله لكم قياما}: تقول هذا قيام أمرك وقوامه). [غريب القرآن وتفسيره: 114]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تؤتوا السّفهاء أموالكم} أي: لا تعطوا الجهلاء أموالكم. والسفه: الجهل. وأراد هاهنا النساء والصبيان.
{قياماً} وقواما بمنزلة واحدة. يقال: هذا قوام أمرك وقيامه، أي: ما يقوم به أمرك). [تفسير غريب القرآن: 120]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {ولا تؤتوا السّفهاء أموالكم الّتي جعل اللّه لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا}.
قال بعضهم: «السفهاء النساء والصبيان».
وقال بعضهم: « السفهاء اليتامى، والسفهاء يدل على أنّه لا يعني به النساء وحدهن، لأن النساء أكثر ما يستعمل فيهن جمع سفيهة وهو سفائه، ويجوز سفهاء، كما يقال فقيرة وفقراء».
وقال بعضهم، معناه: لا تهبوا للسفهاء أموالكم، وهذا عندي – واللّه أعلم - غير جائز، كذلك قال أصحابنا البصريون بل السفيه أحق بالهبة لتعذّر الكسب عليه، ولو منعنا من الهبة لهم لما جاز أن نورّثهم، وإنما معنى: {ولا تؤتوا السّفهاء أموالكم}، لا تؤتوا السفهاء أموالهم، والدليل على ذلك قوله: {وارزقوهم فيها واكسوهم}.
وقوله: {فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم}.
وإنما قيل أموالكم لأن معناه الشيء الذي به قوام أمركم، كما قال اللّه: {ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم} ولم يكن الرجل منهم يقتل نفسه، ولكن كان بعضهم يقتل بعضا، أي: « تقتلون الجنس الذي هو جنسكم».
وقرئت " اللاتي جعل اللّه لكم قياما "، وقيما. يقال:« هذا قوام الأمر وملاكه».
المعنى: التي جعلها الله تقيمكم فتقومون بها قياما، فهو راجع إلى هذا، والمعنى:«جعلها الله قيمة الأشياء فبها يقوم أمركم».
{وقولوا لهم قولا معروفا} أي: علموهم - مع إطعامكم إياهم، وكسوتكم إيّاهم - أمر دينهم... ). [معاني القرآن: 2/13-14]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما}
قال عبد الله بن عمر وجماعة من التابعين: « السفهاء النساء والصبيان».
وإنما قالوا هذا لأن: السفه في هؤلاء أكثر.
والسفه: الجهل وأصله الخفة يقال ثوب سفيه إذا كان خفيفا، وقيل للفاسق سفيه لأنه لا قدر له عند المؤمنين وهو خفيف في أعينهم هين عليهم، والمعنى: ولا تؤتوا السفهاء فوق ما يحتاجون إليه فيفسدوه والدليل على هذا قوله بعد: {وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا} أي: علموهم أمر دينهم). [معاني القرآن: 2/18-19]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء}أي:«الجهال، يريد النساء والصبيان ». [تفسير المشكل من غريب القرآن: 58]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({السُّفَهَاء}: « الجهال».
{قِيَاماً}: وفي معنى قوام). [العمدة في غريب القرآن: 106]
تفسير قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فإن آنستم مّنهم رشداً...} يريد: فإن وجدتم، وفي قراءة عبد الله "فإن أحسيتم منهم رشدا".
{فادفعوا إليهم أموالهم} يعني: الأوصياء واليتامى.
وقوله: {وبداراً أن يكبروا} (أن) في موضع نصب، يقول: لا تبادروا كبرهم.
وقوله: {فليأكل بالمعروف} هذا الوصيّ، يقول: يأكل قرضا). [معاني القرآن: 1/257]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): {وابتلوا اليتامى}أي: اختبروهم). [مجاز القرآن: 1/117]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): {وابتلوا اليتامى حتّى إذا بلغوا النّكاح فإن آنستم مّنهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا ومن كان غنيّاً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى باللّه حسيباً}.
[وقال] {فإن آنستم مّنهم رشداً} وقال: {آنستم} ممدودة، تقول: "آنست منه رشداً وخيراً" و{آنست نارا} مثلها ممدودة وتقول: "أنست بالرّجل" "أنساً" فألف "أنست" مقصورة وألف "أنساً" مضمومة. ويقال "أنسا".
وقال: {إسرافاً وبداراً أن يكبروا} يقول « لا تأكلوها مبادرة أن يشبّوا ». [معاني القرآن: 1/193]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وابتلوا اليتامى}: «اختبروهم».
{وبدارا أن يكبروا}: «مبادرة».
{وكفى بالله حسيبا}: « كافيا يقال قد أحسبني ما عندك أي كفاني». [غريب القرآن وتفسيره: 115]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وابتلوا اليتامى} أي: « اختبروهم».
{حتّى إذا بلغوا النّكاح}أي:«بلغوا أن ينكحوا النساء».
{فإن آنستم منهم رشداً} أي:«علمتم وتبينتم. وأصل آنست: أبصرت».
{وبداراً أن يكبروا} أي:«تأكلوها مبادرة أن يكبروا فيأخذوها منكم».
{ومن كان غنيًّا فليستعفف} أي:«ليترك ولا يأكل».
{ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف} أي:« يقتصد ولا يسرف». [تفسير غريب القرآن:120-121]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ):«أصل البلاء: الاختبار»، قال الله جل وعلا: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} أي:«اختبروهم».
وقال: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} يعني:«ما أمر به إبراهيم من ذبح ابنه، صلوات الله عليهما» [تأويل مشكل القرآن: 469]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله - عزّ وجلّ -: {وابتلوا اليتامى حتّى إذا بلغوا النّكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيّا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى باللّه حسيبا} معناه:« اختبروا اليتامى».
{حتّى إذا بلغوا النّكاح فإن آنستم منهم رشدا}.
معنى {آنستم}:«علمتم».
ومعنى (الرشد): الطريقة المستقيمة التي تثقون معها بأنّهم يحفظون أموالهم، فادفعوا إليهم أموالهم.
{ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا} أي: مبادرة كبرهم.
قال بعضهم: «لا تأكلوها إسرافا، لا تأكلوا منها، وكلوا القوت على قدر نفعكم إياهم في توليكم عليهم».
وقال بعضهم، معنى {ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف}أي:«يأكل قرضا ولا يأخذ من مال اليتيم شيئا، لأن المعروف أن يأكل الإنسان ماله »، ولا يأكل مال غيره: قال والدليل على ذلك قوله: {فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم}). [معاني القرآن: 2/14-15]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح} قال الحسن، أي:« اختبروهم». [معاني القرآن: 2/19]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): وقوله تعالى: {فإن آنستم منهم رشدا}.
{آنستم} بمعنى: علمتم وأحسستم ومنه قول الشاعر:
آنست نبأة وأفزعها القنا ص عصرا وقد دنا الإمساء
والرشد: الطريقة المستقيمة.
قال مجاهد:«العقل».
وقال سفيان:«العقل والحفظ للمال».
قال أبو جعفر: وهذا من أحسن ما قيل فيه لأنه أجمع أهل العلم على أنه إذا كان عاقلا مصلحا لم يكن ممن يستحق الحجر عليه في ماله). [معاني القرآن: 2/20]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ):(ثم قال تعالى: {فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا} أي: « مبادرة أن يكبروا فيأخذوها منكم». [معاني القرآن: 2/21]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): وقوله عز وجل: {ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف} في هذه الآية أقوال:
أجودها: أن لولي اليتيم ما للولي أن يأخذ منه إن كان فقيرا بمقدار ما يقوم به وكذلك روي عن عمر أنه قال:«أنا في هذا المال بمنزلة ولي اليتيم يأخذ منه ما يصلحه إذا احتاج ».
وروى القاسم بن محمد أن أعرابيا سأل ابن عباس ما يحل لي من مال يتيمي فرخص له «أن يأخذ منه إذا كان يخدمه ما لم يسرف».
وقال عبيدة والشعبي وأبو العالية:«ليس له أن يأخذ شيئا إلا قرضا».
وحدثنا عمر بن إسماعيل بن أبي غيلان، قال حدثنا داود الضبي، قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن عاصم عن أبي العالية {ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف} قال:« قرضا»، ثم تلا هذه الآية {فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم}.
وقال أبو يحيى عن مجاهد:«ليس له أن يأخذ قرضا ولا غير ذلك».
وقال بهذا القول من الفقهاء أبو يوسف وذهب إلى أن الآية منسوخة نسخها قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة} وليس بتجارة). [معاني القرآن: 2/21-23]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَابْتَلُواْ}« اختبروا».
و{آنَسْتُم} أي:«علمتم وتبينتم، وأصله أبصرتم».
{وَبِدَارً} أي:«مبادرة»، {أَن يَكْبَرُواْ} « فيأخذوا أموالهم». [تفسير المشكل من غريب القرآن: 58]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ):{آنَسْتُم}:« علمتم».
{رُشْداً}: « صلاحاً».
{إِسْرَافاً}:«مجاوزة الحد ».
{وبِدَاراً}: «مبادرة».
{وابْتَلُواْ}: « اخبروا».
{حَسِيباً}: «كافياً». [العمدة في غريب القرآن:106-107]