تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (قال سعيد بن أبي هلال: وقال زيد بن أسلم في هذه الآية: {لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهنّ إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينةٍ وعاشروهن بالمعروف}، فكان أهل يثرب إذا مات الرجل منهم في الجاهلية ورث امرأته من يرث ماله وكان يعضلها حتى يتزوجها أو يزوجها من أراد؛ وكان أهل تهامة يسيء الرجل صحبة المرأة حتى يطلقها ويشترط عليها ألا تنكح إلا من أراد حتى تفتدي منه ببعض ما أعطاه؛ فنهى الله المؤمنين عن ذلك؛ وقال زيد: وأما قوله: {إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينةٍ}، فإنه كان في الزنا ثلاثة أنحاء، أما نحو قال الله: {لا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة}، فلم ينته الناس، قال: ثم نزل: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم فإن شهدوا فأمسكوهنّ في البيوت حتّى يتوفّاهنّ الموت أو يجعل الله لهن سبيلا}، كانت المرأة الثيب إذا زنت فشهد عليها أربعة عطلت فلم يتزوجها أحدٌ، فهي التي قال الله: {ولا تعضلوهن إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينةٍ}.
قال زيد: ثم نزلت: {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما}، فهذان البكران اللذان إن لم يتزوجها وآذاهما أن يعرفا بذنبهما، فيقال: يا زان حتى ترى منهما توبةٌ، حتى نزل السبيل، قال: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جلدةٍ}، فهذا للبكرين.
قال زيد: وكان للثيب الرجم؛ وقال الله: {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله}، إذا خافت المرأة ألا تؤدي حق زوجها وخاف الرجل ألا يؤدي حقها، فلا جناح في الفدية). [الجامع في علوم القرآن: 1/125-127] (م)
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال الله: {واللّاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم فإن شهدوا فأمسكوهنّ في البيوت حتّى يتوفّاهنّ الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً}؛ ذكر الرجل مع امرأته فجمعهما فقال: {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان تواباً رحيماً}؛ فنسختها سورة النور فقال: {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ}؛ فجعل عليهما الحد، ثم لم ينسخ). [الجامع في علوم القرآن: 3/69]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفهن الموت قال نسختها الحدود). [تفسير عبد الرزاق: 1/151]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا الثوري عن صالح عن الشعبي في قوله تعالى الفاحشة من نسائكم قال الزنا.
الثوري وقال غيره الخروج من المعصية). [تفسير عبد الرزاق: 1/151]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {واللّاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم فإن شهدوا فأمسكوهنّ في البيوت حتّى يتوفّاهنّ الموت أو يجعل الله لهنّ سبيلًا} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا منصورٌ، عن الحسن، قال: نا حطّان بن عبد اللّه الرّقاشي، عن عبادة بن الصّامت قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «خذوا عنّي، فقد جعل اللّه لهنّ سبيلا، البكر بالبكر جلد مائةٍ وتغريب عامٍ، والثّيّب بالثّيّب جلد مائة ثم الرّجم ».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا شريك، عن فراس، عن الشّعبي، عن مسروقٍ، عن أبيّ بن كعبٍ قال: البكران إذا زنيا يجلدان وينفيان، والثّيّبان يرجمان، والشّيخان يجلدان ويرجمان). [سنن سعيد بن منصور: 3/1191-1196]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: «يستنكف: يستكبر، قوامًا: قوامكم من معايشكم {لهنّ سبيلًا} يعني الرّجم للثّيّب، والجلد للبكر»). [صحيح البخاري: 6/42] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله لهنّ سبيلًا يعني الرّجم للثّيّب والجلد للبكر ثبت هذا أيضًا في رواية المستملى والكشميهني حسب وهو من تفسير بن عبّاسٍ أيضًا وصله عبد بن حميدٍ عنه بإسنادٍ صحيحٍ وروى مسلمٌ وأصحاب السّنن من حديث عبادة بن الصّامت أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال خذوا عنّي قد جعل اللّه لهنّ سبيلًا البكر بالبكر جلد مائةٍ وتغريب عامٍ والثّيّب بالثّيّب جلد مائةٍ والرّجم والمراد الإشارة إلى قوله تعالى :{حتّى يتوفّاهنّ الموت أو يجعل اللّه لهنّ سبيلا } وقد روى الطّبرانيّ من حديث بن عبّاسٍ قال: فلمّا نزلت سورة النّساء قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : « لا حبس بعد سورة النّساء » وسيأتي البحث في الجمع بين الجلد والرّجم للثّيّب في كتاب الحدود إن شاء اللّه تعالى). [فتح الباري: 8/238]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال عبد بن حميد حدثني عمرو بن عوف ثنا هشيم عن عوف حدثني محمّد عن ابن عبّاس قال {يجعل الله لهنّ سبيلا} قال « الجلد والرّجم»). [تغليق التعليق: 4/193]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (لهنّ سبيلاً يعني الرّجم للثّيّب والجلد للبكر أشار به إلى قوله تعالى: {فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتّى يتوفيهن الموت أو يجعل الله لهنّ سبيلا} كان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا زنت فثبت زناها بالبيّنة العادلة حبست في بيت فلا تمكن من الخروج إلى أن تموت. وقوله: {أو يجعل الله لهنّ سبيلا} نسخ ذلك، واستقر الأمر على الرّجم للثيب والجلد للبكر، وقد روى الطّبرانيّ من حديث ابن عبّاس قال لما نزلت سورة النّساء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حبس بعد سورة النّساء ». قوله: {لهنّ سبيلا} يعني: (الرّجم للثيب والجلد بالبكر) لم يثبت إلاّ في رواية الكشميهني والمستملي. وفسّر قوله: {لهنّ سبيلا} بقوله: (يعني الرّجم للثيب والجلد للبكر) يعني: أن المراد بقوله سبيلا هو الرّجم والجلد وهو قد نسخ الحبس إلى الموت، وروى مسلم وأصحاب السّنن الأربعة من حديث عبادة بن الصّامت. رضي الله تعالى عنه أن النّبي صلى الله عليه وسلم، قال: «خذوا عني قد جعل الله لهنّ سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثّيّب بالثّيّب جلد مائة والرّجم»). [عمدة القاري: 18/162]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: {أو يجعل الله} {لهن سبيلا} يعني الرجم للثيب والجلد للبكر قاله ابن عباس فيما وصله عبد بن حميد بإسناد صحيح وكان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا زنت وثبت زناها حبست في بيت حتى تموت). [إرشاد الساري: 7/74]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {أو يجعل الله لهنّ سبيلًا}.
- أخبرني شعيب بن يوسف، عن يحيى، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن حطّان بن عبد الله، عن عبادة بن الصّامت عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «خذوا عنّي خذوا عنّي، قد جعل الله لهنّ سبيلًا، البكر بالبكر جلد مائةٍ ونفي سنةٍ، والثّيّب بالثّيّب جلد مائةٍ ورجمٌ بالحجارة»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/60]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللاّتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم فإن شهدوا فأمسكوهنّ في البيوت حتّى يتوفّاهنّ الموت أو يجعل اللّه لهنّ سبيلا} يعني بقوله جلّ ثناؤه: {واللاّتي يأتين الفاحشة} والنّساء يأتين بالزّنا: أي يزنين {من نسائكم} وهنّ محصناتٌ ذوات أزواجٍ، أو غير ذوات أزواجٍ. {فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم} يقول: فاستشهدوا عليهنّ بما أتين من الفاحشة أربعة رجالٍ من رجالكم، يعني: من المسلمين. {فإن شهدوا} عليهنّ، {فأمسكوهنّ في البيوت} يقول: فاحبسوهنّ في البيوت، {حتّى يتوفّاهنّ الموت} يقول: حتّى يمتن، {أو يجعل اللّه لهنّ سبيلاً} يعني: أو يجعل اللّه لهنّ مخرجًا وطريقًا إلى النّجاة ممّا أتين به من الفاحشة.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ محمّد بن يزيد، قال: حدّثنا يحيى بن أبي زائدة، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {واللاّتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم فإن شهدوا فأمسكوهنّ في البيوت} أمر بحبسهنّ في البيوت حتّى يمتن {أو يجعل اللّه لهنّ سبيلاً} قال: «الحدّ ».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {واللاّتي يأتين الفاحشة من نسائكم} قال: «الزّنا، كان أمر بحبسهنّ حين يشهد عليهنّ أربعةٌ حتّى يمتن {أو يجعل اللّه لهنّ سبيلاً} والسّبيل: الحدّ».
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {واللاّتي يأتين الفاحشة من نسائكم} إلى: {أو يجعل اللّه لهنّ سبيلاً} فكانت المرأة إذا زنت حبست في البيت حتّى تموت، ثمّ أنزل اللّه تبارك وتعالى بعد ذلك: {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ} فإن كانا محصنين رجما، فهذه سبيلهما الّذي جعل اللّه لهما.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أو يجعل اللّه لهنّ سبيلاً} فقد جعل اللّه لهنّ، وهو الجلد والرّجم.
- حدّثني بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: {واللاّتي يأتين الفاحشة} حتّى بلغ: {أو يجعل اللّه لهنّ سبيلاً} كان هذا من قبل الحدود، فكانا يؤذيان بالقول جميعًا، وبحبس المرأة، ثمّ جعل اللّه لهنّ سبيلاً، فكان سبيل من أحصن جلد مائةٍ ثمّ رميٌ بالحجارة، وسبيل من لم يحصن جلد مائةٍ ونفي سنةٍ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال عطاء بن أبي رباحٍ، وعبد اللّه بن كثيرٍ: «الفاحشة: الزّنا، والسّبيل: الرّجم والجلد ».
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {واللاّتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم} إلى: {أو يجعل اللّه لهنّ سبيلاً} هؤلاء اللاّتي قد نكحن وأحصنّ، إذا زنت المرأة فإنّها كانت تحبس في البيت ويأخذ زوجها مهرها فهو له فذلك قوله: {لا يحلّ لكم أن ترثوا النّساء كرهًا ولا تعضلوهنّ لتذهبوا ببعض ما آتيتموهنّ إلاّ أن يأتين بفاحشةٍ مبيّنةٍ وعاشروهنّ بالمعروف} حتّى جاءت الحدود فنسختها، فجلدت ورجمت، وكان مهرها ميراثًا، فكان السّبيل هو الجلد.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيد بن سلمان، قال: سمعت الضّحّاك بن مزاحمٍ، يقول في قوله: {أو يجعل اللّه لهنّ سبيلاً} قال: «الحدّ» ، نسخ الحدّ هذه الآية.
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا يحيى، عن إسرائيل، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ: {أو يجعل اللّه لهنّ سبيلاً} قال: «جلد مائة الفاعل والفاعلة».
- حدّثنا الرّفاعيّ، قال: حدّثنا يحيى، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: « الجلد ».
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا معاذ بن هشامٍ، قال: حدّثنا أبي، عن قتادة، عن الحسن، عن حطّان بن عبد اللّه الرّقاشيّ، عن عبادة بن الصّامت: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا نزل عليه الوحي نكّس رأسه، ونكّس أصحابه رءوسهم؛ فلمّا سرّي عنه رفع رأسه، فقال: «قد جعل اللّه لهنّ سبيلاً، الثّيّب بالثّيّب، والبكر بالبكر؛ أمّا الثّيّب فتجلد ثمّ ترجم؛ وأمّا البكر فتجلد ثمّ تنفى ».
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة عن الحسن، عن حطّان بن عبد اللّه، عن عبادة بن الصّامت، قال: قال نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «خذوا عني قد جعل اللّه لهنّ سبيلاً؛ الثّيّب بالثّيّب والبكر بالبكر والثيب تجلد مائةً وترجم بالحجارة، والبكر جلد مائةٍ ونفي سنةٍ ».
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن، عن حطّان بن عبد اللّه، أخي بني رقاشٍ، عن عبادة بن الصّامت، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد كان إذا نزل عليه الوحي كرب لذلك وتربّد له وجهه، فأنزل اللّه عليه ذات يومٍ، فلقي ذلك فلمّا سرّي عنه قال: «خذوا عني قد جعل اللّه لهنّ سبيلاً؛ الثّيّب بالثّيّب جلد مائةٍ ثمّ رجمٌ بالحجارة، والبكر بالبكر جلد مائةٍ ثمّ نفي سنةٍ».
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {واللاّتي يأتين الفاحشة من نسائكم، فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم فإن شهدوا فأمسكوهنّ في البيوت حتّى يتوفّاهنّ الموت أو يجعل اللّه لهنّ سبيلاً} قال: يقول: لا تنكحوهنّ حتّى يتوفّاهنّ الموت، ولم يخرجهنّ من الإسلام، ثمّ نسخ هذا، وجعل السّبيل الّتي ذكر أن يجعل لهنّ سبيلاً، قال: «وجعل لها السّبيل إذا زنت وهي محصنةٌ رجمت وأخرجت، وجعل السّبيل للبكر جلد مائةٍ».
- حدّثني يحيى بن أبي طالبٍ، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، في قوله: {حتّى يتوفّاهنّ الموت أو يجعل اللّه لهنّ سبيلاً} قال: «الجلد والرّجم ».
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن أبي جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن قتادة، عن الحسن، عن حطّان بن عبد اللّه الرّقاشيّ، عن عبادة بن الصّامت، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «خذوا عني قد جعل اللّه لهنّ سبيلاً: الثّيّب بالثّيّب والبكر بالبكر، الثّيّب تجلد وترجم والبكر تجلد وتنفى».
- حدّثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن إسماعيل بن مسلمٍ البصريّ، عن الحسن، عن عبادة بن الصّامت، قال: كنّا جلوسًا عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذ احمرّ وجهه، وكان يفعل ذلك إذا نزل عليه الوحي، فأخذه كهيئة الغشي لما يجد من ثقل ذلك، فلمّا أفاق قال: «خذوا عنّي قد جعل اللّه لهنّ سبيلاً، البكران يجلدان وينفيان سنةً، والثّيّبان يجلدان ويرجمان ».
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال بالصّحّة في تأويل قوله: {أو يجعل اللّه لهنّ سبيلاً} قول من قال السّبيل الّتي جعلها اللّه جلّ ثناؤه للثّيّبين المحصنين الرّجم بالحجارة، وللبكرين جلد مائةٍ ونفي سنةٍ لصحّة الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه رجم ولم يجلد؛ وإجماع الحجّة الّتي لا يجوز عليها فيما نقلته مجمعةً عليه الخطأ والسّهو والكذب؛ وصحّة الخبر عنه أنّه قضى في البكرين بجلد مائةٍ، ونفي سنةٍ، فكان في الّذي صحّ عنه من تركه جلد من رجم من الزّناة في عصره دليلٌ واضحٌ على وهي الخبر الّذي روي عن الحسن، عن حطّان، عن عبادة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «السّبيل للثّيّب المحصن الجلد والرّجم ».
وقد ذكر أنّ هذه الآية في قراءة عبد اللّه: واللاّتي يأتين بالفاحشة من نسائكم والعرب تقول: أتيت أمرًا عظيمًا، وبأمرٍ عظيمٍ، وتكلّمت بكلامٍ قبيحٍ، وكلامًا قبيحًا). [جامع البيان: 6/492-498]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {واللّاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم فإن شهدوا فأمسكوهنّ في البيوت حتّى يتوفّاهنّ الموت أو يجعل اللّه لهنّ سبيلًا (15) }.
قوله تعالى: {واللاتي يأتين الفاحشة}.
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، وعثمان بن عطاءٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ قوله:{ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم} : فكان ذلك الفاحشة في هؤلاء الآيات قبل أن تنزل سورة النّور في الجلد والرّجم، فإن جاءت اليوم بفاحشةٍ بيّنةٍ، فإنّها تخرج وترجم بالحجارة، فنسختها هذه الآية: الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ والسّبيل الّذي جعل اللّه لهنّ الجلد والرّجم.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ
قوله: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم} : «أنّها الزّنا».
- وروي عن الحسن، وعطاءٍ الخراسانيّ، وسعيد بن جبيرٍ، والسّدّيّ «أنّها الزّنا».
قوله تعالى: {من نسائكم}.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى:
{ من نسائكم } يعني: المرأة الثّيّب من المسلمين.
قوله تعالى: {فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم}.
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ قوله: {فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم} يعني: من المسلمين الأحرار.
قوله تعالى: {فإن شهدوا}.
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ قوله :{فإن شهدوا } يعني: الزّنا.
قوله تعالى: {فأمسكوهنّ}.
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ قوله: {فأمسكوهنّ } يعني: احبسوهنّ في السّجون.
قوله تعالى: {في البيوت}.
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ قوله: {فأمسكوهنّ في البيوت} يعني: في السّجون قال: « كان هذا في أوّل الإسلام، كانت المرأة إذا شهد عليها أربعةٌ من المسلمين عدولٌ بالزّنا- حبست في السّجن، فإن كان لها زوجٌ أخذ المهر منها، ولكنّه ينفق عليها من غير طلاقٍ، وليس عليها حدٌّ، ولا يجامعها، ولكن يحبسها في السّجن».
- حدّثنا أبي، ثنا يحيى بن المغيرة السّعديّ، أنبأ جريرٌ، عن مسلمٍ الأعور، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله:{ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم } إلى قوله: {فأمسكوهنّ في البيوت } قال: «كانت المرأة إذا فجرت » ، حبست حتّى نزلت: {أو يجعل اللّه لهنّ سبيلا}.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حصينٍ الرّازيّ، ثنا مروان يعني: الفزاريّ، ثنا مسلمٌ يعني: الأعور، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ بنحوه غير أنّه قال: «كنّ يحبسن في البيوت حتّى نزلت آية الحدود، فلمّا نزلت، أخرجن فجلدن من كان عليها الحدّ».
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، وعثمان بن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ قوله: {فأمسكوهنّ في البيوت}: فكان ذلك الفاحشة في هؤلاء الآيات قبل أن تنزل سورة النّور في الجلد والرّجم، فإن جاءت اليوم بفاحشةٍ بيّنةٍ، فإنّها تخرج وترجم بالحجارة، فنسختها هذه الآية: {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ}.
وروي عن الحسن، وعكرمة، وأبي صالحٍ، وقتادة، وعطاءٍ الخراسانيّ، وزيد بن أسلم، والضّحّاك أنّها منسوخةٌ.
قوله تعالى: {حتّى يتوفّاهنّ الموت}.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء، بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: {حتّى يتوفّاهنّ الموت } يعني: حتّى تموت المرأة وهي على تلك الحال.
قوله تعالى:{ أو يجعل اللّه لهنّ سبيلا}.
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن حطّان بن عبد اللّه الرّقاشيّ، عن عبادة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا نزل عليه الوحي عرف ذلك فيه فلمّا أنزلت: أو يجعل اللّه لهنّ سبيلا فلما ارتفع الوحي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «خذوا عنّي خذوا، قد جعل اللّه البكر بالبكر، جلد مائةٍ ونفي سنةٍ، والثّيّب بالثّيّب، جلد مائةٍ ورجمٌ بالحجارة ».
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، وعثمان بن عطاءٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ: «أو يجعل اللّه لهنّ سبيلا فالسّبيل الّذي جعل اللّه لهنّ الجلد والرّجم».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، ثنا ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله:{ أو يجعل اللّه لهنّ سبيلا} يعني: مخرجاً من الحبس والمخرج: الحدّ). [تفسير القرآن العظيم: 3/892-895]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله:{ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم} يعني الزنا). [تفسير مجاهد: 148]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله:{ أو يجعل الله لهن سبيلا } قال الحد). [تفسير مجاهد: 149]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (م) عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم- إذا أنزل عليه كرب لذلك وتربّد وجهه، قال: فأنزل عليه ذات يومٍ فلقي كذلك، فلما سرّي عنه، قال: «خذوا عنّي، خذوا عني، فقد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر، جلد مائةٍ ونفي سنةٍ، والثّيّب بالثّيّب، جلد مائةٍ والرجم ». أخرجه مسلم.
[شرح الغريب]
(تربّد وجهه):أي تغير حتى صار كلون الرماد، والرّبدة: لون بين السواد والغبرة.
(سرّي عنه) أي: كشف ما نزل به من شدة الوحي). [جامع الأصول: 2/84-85]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {فأمسكوهنّ في البيوت}.
- عن ابن عبّاسٍ في قوله: {واللّاتي يأتين الفاحشة من نسائكم} قال: «كن يحبسن في البيوت فإن ماتت ماتت، وإن عاشت عاشت»، حتّى نزلت هذه الآية الّتي في سورة النّور: {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ} . ونزلت سورة الحدود، فمن عمل شيئًا جلد وأرسل.
رواه الطّبرانيّ عن شيخه عبد اللّه بن محمّد بن سعيد بن أبي مريم، وهو ضعيفٌ.
وروى البزّار بنحوه، إلّا أنّه قال: «كن يحبسن في البيوت حتّى يمتن» ، فلمّا نزلت سورة النّور ونزلت الحدود نسختها، ورجاله رجال الصّحيح غير موسى بن إسحاق بن موسى الأنصاريّ وهو ثقةٌ.
- وعن ابن عبّاسٍ قال: «لمّا نزلت سورة النّساء قال رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم -: « لا حبس بعد سورة النّساء».
رواه الطّبرانيّ، وفيه عيسى بن لهيعة، وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/2]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا موسى بن إسحاق، ثنا منجاب بن الحارث، ثنا عليّ بن مسهرٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله تبارك وتعالى: {واللّاتي يأتين الفاحشة من نسائكم} قال: «كنّ يحبسن في البيوت حتّى يمتن» ، فلمّا نزلت سورة النّور، ونزلت الحدود نسختها.
قال البزّار: لا نعلمه يروى بهذا اللّفظ إلا عن ابن عبّاسٍ، وروي نحوه عن عبادة بن الصّامت). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/44]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج الفريابي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبزار والطبراني من طريق مجاهد عن ابن عباس في قوله :{واللاتي يأتين الفاحشة} الآية، قال: «كانت المرأة إذا فجرت حبست في البيوت فإن ماتت ماتت وإن عاشت عاشت » حتى نزلت الآية في سورة النور (الزانية والزاني) فجعل الله لهن سبيلا فمن عمل شيئا جلد وأرسل.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر والنحاس في ناسخه والبيهقي في "سننه" من طريق علي عن ابن عباس في الآية قال: «كانت المرأة إذا زنت حبست في البيت حتى تموت »ثم أنزل الله بعد ذلك (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) (النور الآية 2) فإن كانا محصنين رجما، فهذا السبيل الذي جعله الله لهما.
وأخرج أبو داود في ناسخه، وابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم} وقوله: {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} وقوله: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} قال: كان ذكر الفاحشة في هؤلاء الآيات قبل أن تنزل سورة النور بالجلد والرجم فإن جاءت اليوم بفاحشة مبينة فإنها تخرج فترجم فنسختها هذه الآية {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} والسبيل الذي جعل الله لهن الجلد والرجم.
وأخرج أبو داود في "سننه" والبيهقي من طريق عكرمة عن ابن عباس {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم} إلى قوله {سبيلا} وذكر الرجل بعد المرأة ثم جمعهما جميعا فقال: {واللذان يأتيانهما منكم فآذوهما} الآية، ثم نسخ ذلك بآية الجلد فقال: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة}.
وأخرج آدم البيهقي في "سننه" عن مجاهد في قوله : {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم} يعني الزنا كان أمر أن يحبس ثم نسختها {الزانية والزاني فاجلدوا}.
وأخرج آدم وأبو داود في "سننه" والبيهقي عن مجاهد قال السبيل الحد.
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {واللاتي يأتين الفاحشة} الآية، قال: كان هذا بدء عقوبة الزنا كانت المرأة تحبس ويؤذيان جميعا ويعيران بالقول وبالسب، ثم إن الله أنزل بعد ذلك في سورة النور جعل الله لهن سبيلا فصارت السنة فيمن أحصن بالرجم بالحجارة وفيمن لم يحصن جلد مائة ونفي سنة.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد والنحاس عن قتادة في الآية قال: «نسختها الحدود ».
وأخرج البيهقي في "سننه" عن الحسن في قوله: {واللاتي يأتين الفاحشة} الآية، قال: «كان أول حدود النساء أن يحبسن في بيوت لهن حتى نزلت الآية التي في النور».
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {واللاتي يأتين الفاحشة} يعني الزنا {من نسائكم} يعني المرأة الثيب من المسلمين {فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} يعني من المسلمين الأحرار {فإن شهدوا} يعني بالزنا {فأمسكوهن} يعني احبسوهن {في البيوت} يعني في السجون، وكان هذا في أول الإسلام كانت المرأة إذا شهد عليها أربعة من المسلمين عدول بالزنا حبست في السجن فإن كان لها زوج أخذ المهر منها ولكنه ينفق عليها من غير طلاق وليس عليها حد ولا يجامعها ولكن يحبسها في السجن {حتى يتوفاهن الموت} يعني حتى تموت المرأة وهي على تلك الحال {أو يجعل الله لهن سبيلا} يعني مخرجا من الحبس والمخرج الحد.
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال: «هؤلاء اللاتي قد أنكحن وأحصن إذا زنت المرأة كانت تحبس في البيوت ويأخذ زوجها مهرها فهو له» ، وذلك قوله: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا} {إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} الزنا حتى جاءت الحدود فنسختها فجلدت ورجمت وكان مهرها ميراثا فكان السبيل هو الحد.
وأخرج عبد الرزاق والشافعي والطيالسي، وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والدرامي ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه، وابن الجارود والطحاوي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس، وابن حبان عن عبادة بن الصامت قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي كرب لذلك وتربد وجهه، وفي لفظ لابن جرير: يأخذه كهيئة الغشي لما يجد من ثقل ذلك، فأنزل الله عليه ذات يوم فلما سري عنه قال: «خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا الثيب جلد مائة ورجم بالحجارة والبكر جلد مائة ثم نفي سنة ».
وأخرج أحمد عن سلمة بن المحبق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ».
وأخرج الطبراني والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس قال لما نزلت الفرائض في سورة النساء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حبس بعد سورة النساء »). [الدر المنثور: 4/273-277]
تفسير قوله تعالى: (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآَذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (قال سعيد بن أبي هلال: وقال زيد بن أسلم في هذه الآية: {لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهنّ إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينةٍ وعاشروهن بالمعروف}، فكان أهل يثرب إذا مات الرجل منهم في الجاهلية ورث امرأته من يرث ماله وكان يعضلها حتى يتزوجها أو يزوجها من أراد؛ وكان أهل تهامة يسيء الرجل صحبة المرأة حتى يطلقها ويشترط عليها ألا تنكح إلا من أراد حتى تفتدي منه ببعض ما أعطاه؛ فنهى الله المؤمنين عن ذلك؛ وقال زيد: وأما قوله: {إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينةٍ}، فإنه كان في الزنا ثلاثة أنحاء، أما نحو قال الله: {لا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة}، فلم ينته الناس، قال: ثم نزل: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم فإن شهدوا فأمسكوهنّ في البيوت حتّى يتوفّاهنّ الموت أو يجعل الله لهن سبيلا}، كانت المرأة الثيب إذا زنت فشهد عليها أربعة عطلت فلم يتزوجها أحدٌ، فهي التي قال الله: {ولا تعضلوهن إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينةٍ}.
قال زيد: ثم نزلت: {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما}، فهذان البكران اللذان إن لم يتزوجها وآذاهما أن يعرفا بذنبهما، فيقال: يا زان حتى ترى منهما توبةٌ، حتى نزل السبيل، قال: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جلدةٍ}، فهذا للبكرين.
قال زيد: وكان للثيب الرجم؛ وقال الله: {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله}، إذا خافت المرأة ألا تؤدي حق زوجها وخاف الرجل ألا يؤدي حقها، فلا جناح في الفدية).
[الجامع في علوم القرآن:125- 1/126، لجامع في علوم القرآن: 1/127] (م)
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال الله: {واللّاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم فإن شهدوا فأمسكوهنّ في البيوت حتّى يتوفّاهنّ الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً}؛ ذكر الرجل مع امرأته فجمعهما فقال: {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان تواباً رحيماً}؛ فنسختها سورة النور فقال: {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ}؛ فجعل عليهما الحد، ثم لم ينسخ). [الجامع في علوم القرآن: 3/69] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله عز و جل واللذان يأتينها منكم فأذوهما قال نسختها الحدود). [تفسير عبد الرزاق: 1/151]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إنّ اللّه كان توّابًا رحيمًا} يعني جلّ ثناؤه بقوله: {واللّذان يأتيانها منكم} والرّجل والمرأة اللّذان يأتيانها، يقول: يأتيان الفاحشة والهاء والألف في قوله: {يأتيانها} عائدةٌ على الفاحشة الّتي في قوله: {واللاّتي يأتين الفاحشة من نسائكم} والمعنى: واللّذان يأتيان منكم الفاحشة فآذوهما.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في المعنيّ بقوله: {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما} فقال بعضهم: «هما البكران اللّذان لم يحصنا، وهما غير اللاّتي عنين بالآية قبلها». وقالوا: قوله: {واللاّتي يأتين الفاحشة من نسائكم} معنيّ به الثّيّبات المحصنات بالأزواج، وقوله: {واللّذان يأتيانها منكم} يعني به البكرين غير المحصنين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «ذكر الجواري والفتيان الّذين لم ينكحوا»، فقال: {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما}.
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {واللّذان يأتيانها منكم} البكران فآذوهما.
وقال آخرون: « بل عني بقوله: {واللّذان يأتيانها منكم} الرّجلان الزّانيان».
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا يحيى، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما} قال: «الرّجلان الفاعلان لا يكنّي».
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {واللّذان يأتيانها منكم}«الزّانيان».
وقال آخرون: «بل عني بذلك الرّجل والمرأة إلاّ أنّه لم يقصد به بكرٌ دون ثيّبٍ».
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا يحيى، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما} قال:«الرّجل والمرأة».
- حدّثنا محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا الحسين، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة، والحسن البصريّ، قالا: {واللاّتي يأتين الفاحشة من نسائكم} إلى قوله: {أو يجعل اللّه لهنّ سبيلاً} فذكر الرّجل بعد المرأة ثمّ جمعهما جميعًا، فقال: {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إنّ اللّه كان توّابًا رحيمًا}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال عطاءٌ، وعبد اللّه بن كثيرٍ، قوله: {واللّذان يأتيانها منكم} قال: «هذه للرّجل والمرأة جميعًا».
قال أبو جعفرٍ: وأولى هذه الأقوال بالصّواب في تأويل قوله: {واللّذان يأتيانها منكم} قول من قال:« عني به البكران غير المحصنين إذا زنيا وكان أحدهما رجلاً والآخر امرأةً » ؛ لأنّه لو كان مقصودٌ بذلك قصد البيان عن حكم الزّناة من الرّجال كما كان مقصودًا بقوله: {واللاّتي يأتين الفاحشة من نسائكم} قصد البيان عن حكم الزّواني، لقيل: والّذين يأتونها منكم فآذوهم، أو قيل: والّذي يأتيها منكم، كما قيل في الّتي قبلها: {واللاّتي يأتين الفاحشة} فأخرج ذكرهنّ على الجمع، ولم يقل: واللّتان يأتيان الفاحشة.
وكذلك تفعل العرب إذا أرادت البيان على الوعيد على فعلٍ أو الوعد عليه، أخرجت أسماء أهله بذكر الجمع أو الواحد، وذلك أنّ الواحد يدلّ على جنسه، ولا تخرجها بذكر اثنين، فتقول: الّذين يفعلون كذا فلهم كذا، والّذي يفعل كذا فله كذا، ولا تقول: اللّذان يفعلان كذا فلهما كذا، إلاّ أن يكون فعلاً لا يكون إلاّ من شخصين مختلفين كالزّنا لا يكون إلاّ من زان وزانيةٍ، فإذا كان ذلك كذلك، قيل بذكر الاثنين، يراد بذلك الفاعل والمفعول به، فإمّا أن يذكر بذكر الاثنين والمراد بذلك شخصان في فعلٍ قد ينفرد كلّ واحدٍ منهما به أو في فعلٍ لا يكونان فيه مشتركين فذلك ما لا يعرف في كلامها.
وإذا كان ذلك كذلك، فبيّنٌ فساد قول من قال: عني بقوله: {واللّذان يأتيانها منكم} الرّجلان، وصحّة قول من قال: عني به الرّجل والمرأة وإذا كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أنّهما غير اللّواتي تقدّم بيان حكمهنّ في قوله: {واللاّتي يأتين الفاحشة} لأنّ هذين اثنان وأولئك جماعةٌ، وإذا كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أنّ الحبس كان للثّيّبات عقوبةً حتّى يتوفّين من قبل أن يجعل لهنّ سبيلاً، لأنّه أغلظ في العقوبة من الأذى الّذي هو تعنيفٌ وتوبيخٌ أو سبٌّ وتعييرٌ، كما كان السّبيل الّتي جعلت لهنّ من الرّجم أغلظ من السّبيل الّتي جعلت للأبكار من جلد المائة ونفي السّنة). [جامع البيان: 6/498-501]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إنّ اللّه كان توّابًا رحيمًا}. اختلف أهل التّأويل في الأذى الّذي كان اللّه تعالى ذكره جعله عقوبةً للّذين يأتيان الفاحشة من قبل أن يجعل لهما سبيلاً منه، فقال بعضهم: ذلك الأذى، أذًى بالقول واللّسان، كالتّعيير والتّوبيخ على ما أتيا من الفاحشة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {فآذوهما} قال: «كانا يؤذيان بالقول جميعًا».
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما} «فكانت الجارية والفتى إذا زنيا يعنّفان ويعيّران حتّى يتركا ذلك».
وقال آخرون: «كان ذلك الأذى أذى اللّسان، غير أنّه كان سبًّا».
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فآذوهما} يعني سبًّا.
وقال آخرون:«بل كان ذلك الأذى باللّسان واليد».
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما} فكان الرّجل إذا زنى أوذي بالتّعيير، وضرب بالنّعال.
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال: إنّ اللّه تعالى ذكره كان أمر المؤمنين بأذى الزّانيين المذكورين إذا أتيا ذلك وهما من أهل الإسلام، والأذى قد يقع بكلّ مكروهٍ نال الإنسان من قولٍ سيّئٍ باللّسان أو فعلٍ، وليس في الآية بيان أى ذلك كان أمر به المؤمنون يومئذٍ، ولا خبر به عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من نقل الواحد ولا نقل الجماعة الموجب مجيئها قطع العذر. وأهل التّأويل في ذلك مختلفون، وجائزٌ أن يكون ذلك أذًى باللّسان اواليد، وجائزٌ أن يكون كان أذًى بهما، وليس في العلم بأيّ ذلك كان من أيّ نفعٍ في دينٍ ولا دنيا ولا في الجهل به مضرّةٌ، إذ كان اللّه جلّ ثناؤه قد نسخ ذلك من محكمةٍ بما أوجب من الحكم على عباده فيهما وفي اللاّتي قبلهما؛ فأمّا الّذي أوجب من الحكم عليهم فيهما فما أوجب في سورة النّور بقوله: {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ}، وأمّا الّذي أوجب في اللاّتي قبلهما، فالرّجم الّذي قضى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيهما وأجمع أهل التّأويل جميعًا على أنّ اللّه تعالى ذكره قد جعل لأهل الفاحشة من الزّناة والزّواني سبيلاً بالحدود الّتي حكم بها فيهم.
وقال جماعةٌ من أهل التّأويل: إنّ اللّه سبحانه نسخ بقوله: {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ} قوله: {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما} قال:«كلّ ذلك نسخته الآية الّتي في النّور بالحدّ المفروض».
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا يحيى، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما} الآية، قال: هذا نسخته الآية في سورة النّور بالحدّ المفروض.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا أبو تميلة، قال: حدّثنا الحسين بن واقدٍ، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة، والحسن البصريّ، قالا في قوله: {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما} الآية نسخ ذلك بآية الجلد، فقال: {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما} فأنزل اللّه بعد هذا: {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ} فإن كانا محصنين رجما في سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {واللاّتي يأتين الفاحشة من نسائكم} الآية جاءت الحدود فنسختها.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول: نسخ الحدّ هذه الآية.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو سفيان، عن معمرٍ، عن قتادة: {فأمسكوهنّ في البيوت} الآية، قال:«نسختها الحدود». وقوله: {واللّذان يأتيانها منكم} نسختها الحدود.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما} الآية، ثمّ نسخ هذا وجعل السّبيل لها إذا زنت وهي محصنةٌ رجمت وأخرجت، وجعل السّبيل للذّكر جلد مائةٍ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {فأمسكوهنّ في البيوت حتّى يتوفّاهنّ الموت} قال: «نسختها الحدود».
وأمّا قوله: {فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما} فإنّه يعني به جلّ ثناؤه: فإن تابا من الفاحشة الّتي أتيا، فراجعا طاعة اللّه بينهما وأصلحا، يقول: وأصلحا دينهما بمراجعة التّوبة من فاحشتهما والعمل بما يرضي اللّه، فأعرضوا عنهما، يقول: فاصفحوا عنهما، وكفّوا عنهما الأذى الّذي كنت أمرتكم أن تؤذوهما به عقوبةً لهما على ما أتيا من الفاحشة، ولا تؤذوهما بعد توبتهما.
وأمّا قوله: {إنّ اللّه كان توّابًا رحيمًا} فإنّه يعني: أنّ اللّه لم يزل راجعًا لعبيده إلى ما يحبّون إذا هم راجعوا ما يحبّ منهم من طاعته رحيمًا بهم، يعني: ذا رحمةٍ ورأفةٍ). [جامع البيان: 6/502-506]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إنّ اللّه كان توّابًا رحيمًا (16)}.
قوله تعالى: {واللذان}.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ
قوله: {واللذان يأتيانها منكم } قال: « الرّجلان الزّانيان».
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قال:« ثمّ ذكر الجواري والفتيان الّذين لم ينكحوا» فقال: {والذان يأتيانها منكم}.
قوله تعالى: {يأتيانها}.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، ثنا ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: «وذكر البكرين اللذين لم يحصنا فقال {والذان يأتيانها } يعني: الفاحشة وهو الزّنا».
قوله تعالى: {منكم}.
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ قوله: {والذان يأتيانها منكم } يعني: من المسلمين.
قوله تعالى: {فآذوهما}.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: {والذان يأتيانها منكم فآذوهما } فكان الرّجل إذا زنا أوذي بالتّعيير وضرب بالنّعال، فأنزل اللّه تعالى بعده الآية:{ الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ } فإن كانا محصنين رجما في سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبير قوله: فآذوهما يعني: باللّسان بالتّعيير والكلام القبيح لهما بما عملا، وليس عليهما حبسٌ لأنّهما بكران، ولكن يعيّرا ليتوبا ويندما.
قوله تعالى:{ فإن تابا}.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: {فإن تابا } يعني: من الفاحشة.
قوله تعالى: {وأصلحا}.
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ قوله: {فإن تابا وأصلحا} يعني: العمل.
قوله تعالى: {فأعرضوا عنهما}.
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ قوله: {فأعرضوا عنهما } يعني: لا تسمعوهما الأذى بعد التّوبة إنّ اللّه كان توّاباً رحيماً فكان هذا يفعل بالبكر والثّيّب في أوّل الإسلام، ثمّ نزل حدّ الزّاني، فصار الحبس والأذى منسوخاً نسخته هذه الآية الّتي في السّورة الّتي يذكر فيها النّور: الزّانية والزّاني الآية.
قوله تعالى:{ إنّ اللّه كان توّاباً}.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عيسى، ثنا جريرٌ، عن عمارة، عن أبي زرعة قال: إنّ أوّل شيءٍ كتب: أنا التّوّاب أتوب على من تاب.
قوله تعالى: {رحيماً}.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: «رحيماً بهم بعد التّوبة».
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: رحيماً قال: بعباده). [تفسير القرآن العظيم: 3/895-896]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله:{ فآذوهما }يعني سبا ثم نسختها الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة). [تفسير مجاهد: 149]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله {واللذان يأتيانها منكم} الآية، قال: كان الرجل إذا زنى أوذي بالتعيير وضرب بالنعال، فأنزل الله بعد هذه الآية {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} وإن كانا غير محصنين رجما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد {واللذان يأتيانها منكم} قال: «الرجلان الفاعلان».
وأخرج آدم والبيهقي في "سننه" عن مجاهد في قوله {فآذوهما} يعني سبا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {واللذان} يعني البكرين اللذين لم يحصنا {يأتيانها} يعني الفاحشة وهي الزنا {منكم} يعني من المسلمين {فآذوهما} يعني باللسان بالتعيير والكلام القبيح لهما بما عملا وليس عليهما
حبس لأنهما بكران ولكن يعيران ليتوبا ويندما {فإن تابا} يعني من الفاحشة {وأصلحا} يعني العمل {فأعرضوا عنهما} يعني لا تسمعوهما الأذى بعد التوبة {إن الله كان توابا رحيما} فكان هذا يفعل بالبكر والثيب في أول الإسلام ثم نزل حد الزاني فصار الحبس والأذى منسوخا نسخته الآية التي في السورة التي يذكر فيها النور {الزانية والزاني}.
وأخرج ابن جرير عن عطاء {واللذان يأتيانها منكم} قال: « الرجل والمرأة».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي قال: ثم ذكر الجواري والفتيان الذين لم ينكحوا فقال {واللذان يأتيانها منكم} الآية، فكانت الجارية والفتى إذا زنيا يعنفان ويعيران حتى يتركا ذلك.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك {فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما} قال: عن تعييرهما). [الدر المنثور: 4/278-279]