دلالة أسماء الله تعالى على ذاته وصفاته بالتضمن واللزوم
قال ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت:751هـ) كما في المرتبع الأسنى: ( [الثانيَ عشرَ]: (أنَّ الاسمَ مِنْ أسمائِهِ تَبارَكَ وتعالى كما يَدُلُّ على الذاتِ والصفةِ التي اشْتُقَّ منها بالمطابَقَةِ. فإنَّهُ يَدُلُّ عليهِ دَلالتينِ أُخْرَيَيْنِ بالتَّضَمُّنِ واللُّزُومِ؛ فيَدُلُّ على الصفةِ بمفردِها بالتضمُّنِ، وكذلكَ على الذاتِ المُجَرَّدةِ عن الصفةِ، ويَدُلُّ على الصفةِ الأخرى باللزومِ؛ فإنَّ اسمَ ((السميعِ)): - يَدُلُّ على ذاتِ الربِّ وسَمْعِهِ بالمطابَقَةِ.
- وعلى الذاتِ وَحْدَها، وعلى السمْعِ وَحْدَهُ بالتضَمُّنِ.
- ويَدُلُّ على اسمِ ((الحيِّ)) وصفةِ الحياةِ بالالتزامِ.
وكذلكَ سائرُ أسمائِهِ وصفاتِهِ. ولكن يَتفاوَتُ الناسُ في مَعرفةِ اللزومِ وعَدَمِهِ؛ ومِنْ هاهنا يَقَعُ اختلافُهم في كثيرٍ مِن الأسماءِ والصفاتِ والأحكامِ؛ فإنَّ مَنْ عَلِمَ أنَّ الفعلَ الاختياريَّ لازمٌ للحياةِ، وأنَّ السمعَ والبصرَ لازمٌ للحياةِ الكاملةِ، وأنَّ سائرَ الكمالِ مِنْ لوازمِ الحياةِ الكاملةِ أَثْبَتَ مِنْ أسماءِ الربِّ وصفاتِهِ وأفعالِهِ ما يُنْكِرُهُ مَنْ لم يَعرفْ لُزومَ ذلكَ، ولا عَرَفَ حقيقةَ الحياةِ ولوازمَها، وكذلكَ سائرُ صفاتِهِ.
فإنَّ اسمَ ((العظيمِ)) لهُ لوازمُ يُنْكِرُهَا مَنْ لم يَعرِفْ عَظمةَ اللهِ ولوازمَها.
وكذلكَ اسمُ ((العليِّ)) واسمُ ((الحكيمِ)) وسائرُ أسمائِهِ، فإنَّ مِنْ لوازمِ اسمِ ((العليِّ)) العُلُوَّ المطلَقَ، بكلِّ اعتبارٍ. فلهُ العلُوُّ المطلَقُ مِنْ جميعِ الوُجوهِ: عُلُوُّ القَدْرِ، وعلُوُّ القهْرِ، وعُلُوُّ الذاتِ. فمَنْ جَحَدَ عُلُوَّ الذاتِ فقدْ جَحَدَ لوازِمَ اسمِهِ ((العلِيِّ)).
وكذلكَ اسمُهُ ((الظاهرُ)) مِنْ لوازمِهِ: أن لا يكونَ فوقَهُ شيءٌ، كما في الصحيحِ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((وَأَنْتَ الظَّاهِرُ، فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ)) ([35]) بلْ هوَ سبحانَهُ فوقَ كلِّ شيءٍ؛ فمَنْ جَحَدَ فَوقيَّتَهُ سُبحانَهُ فقدْ جَحَدَ لوازِمَ اسمِهِ ((الظاهرِ)) , ولا يَصِحُّ أن يكونَ ((الظاهرُ)) هوَ مَنْ لهُ فَوقيَّةُ القَدْرِ فقطْ، كما يُقالُ: الذهَبُ فوقَ الفِضَّةِ، والجوهَرُ فوقَ الزُّجاجِ. لأنَّ هذهِ الفوقيَّةَ تَتعلَّقُ بالظهورِ، بلْ قدْ يكونُ الْمَفُوقُ أظهَرَ مِن الفائقِ فيها. ولا يَصِحُّ أن يكونَ ظهورَ القهْرِ والغلبةِ فقطْ، وإن كانَ سُبحانَهُ ظاهراً بالقهرِ والغَلبةِ، لمقابَلَةِ الاسمِ بـ ((الباطنِ)) وهوَ الذي ليسَ دونَهُ شيءٌ، كما قابَلَ ((الأوَّلَ)) الذي ليسَ قَبْلَهُ شيءٌ، بـ ((الآخِرِ)) الذي ليسَ بعدَهُ شيءٌ.
وكذلكَ اسمُ ((الحكيمِ)) مِنْ لوازمِهِ ثبوتُ الغاياتِ المحمودةِ المقصودةِ لهُ بأفعالِهِ، ووَضْعُهُ الأشياءَ في مَوْضِعِها، وإيقاعُها على أَحسَنِ الوُجوهِ. فإنكارُ ذلكَ إنكارٌ لهذا الاسمِ ولوازمِهِ؛ وكذلكَ سائرُ أسمائِهِ الْحُسْنَى). ([36])
[والمقصودُ] (أنَّ الاسمَ مِنْ أسمائِهِ [تعالى] لهُ دَلالاتٌ؛ دَلالةٌ على الذاتِ والصفةِ بالمطابَقَةِ، ودَلالةٌ على أحدِهما بالتضَمُّنِ، ودَلالةٌ على الصفةِ الأخرى باللزومِ)([37]).
(ودلالةُ الأسماءِ أنواعٌ ثلا = ثٌ كلُّها معلومةٌ ببيانِ
دَلَّتْ مُطابَقةً كذاكَ تَضَمُّناً = وكذا التزاماً واضحَ البرهانِ
أمَّا مطابَقةُ الدَّلالةِ فهيَ أنَّ = الاسمَ يُفهَمُ منهُ مَفهومانِ
ذاتُ الإلَهِ وذلكَ الوصْفُ الذي = يُشْتَقُّ منهُ الاسمُ بالْمِيزانِ
لكنْ دلالتُهُ على إحداهما = بِتَضَمُّنٍ فافْهَمْهُ فَهْمَ بيانِ
وكذا دَلالتُهُ على الصِّفَةِ التي = ما اشْتُقَّ منها فالتزامٌ دانِ
وإذا أَردتَ لذا مِثالاً بَيِّناً = فمِثالُ ذلكَ لفظةُ ((الرحمنِ))
ذاتُ الإلهِ ورحمةٌ مَدْلُولُها = فهما لهذا اللفظِ مَدلولانِ
إحداهما بعضٌ لذا الموضوعِ فهْـ = ـيَ تضمناً واضحُ التِّبيانِ
لكنَّ وَصْفَ الحيِّ لازمُ ذلكَ الْـ = ـمعنى لُزومَ العلْمِ للرحمنِ
فلذا دَلالتُهُ عليهِ بالتزا = مٍ بَيِّنٍ والحقُّ ذو تِبيانِ) ([38]) ). [المرتبع الأسنى: ؟؟]
([35]) رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ (10541،8737)، ومسلمٌ في كتابِ الذِّكْرِ والدعاءِ / بابُ ما يقولُ عندَ النومِ وأخذِ المَضْجَعِ (6827)، والتِّرْمِذِيُّ في كتابِ الدَّعَوَاتِ / بابُ (19)، الحديثُ رَقْمُ (3400)، وأبو داودَ في كتابِ الأدبِ / بابُ ما يقولُ عند النَّوْمِ (5051)، وابْنُ مَاجَهْ في كتابِ الدعاءِ / بابُ دُعاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ (3831) من حديثِ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه.
([36]) مَدارِجُ السَّالكِينَ (1/ 54-55).
([37]) بَدائِعُ الفَوائِدِ (1/ 162).
(38) القصيدةُ النونيةُ (252).