تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (والغريم الذي له الدين. والغريم الذي عليه الدين). [الأضداد: 97]
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : (قولهم: «رجل فقير»
قال الأصمعي: الفقير الذي له بلغة من عيش، والمسكين: الذي لا بلغة له. قال الله عز وجل: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين}.
وقال الراعي:
أما الفقير الذي كانت حلوبته = وفق العيال فلم يترك له سبد).
[كتاب الأمثال: 89]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: أي الصوم أفضل بعد شهر رمضان؟ فقال: ((شهر الله المحرم)).
قال: حدثناه هشيم عن منصور عن الحسن يرفع الحديث.
قوله: شهر الله المحرم، أراه قد نسبه إلى الله تبارك وتعالى وقد علمنا أن الشهور كلها لله جل ثناؤه ولكنه إنما ينسب إليه تبارك وتعالى كل شيء يعظم
ويشرف.
وكان سفيان بن عيينة يقول: إن قول الله تبارك وتعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه}.
وقوله عز وجل: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول}، فنسب المغنم والفيء إلى نفسه، وذلك أنهما أشرف الكسب، إنما هما بمجاهدة العدو.
ولم يذكر ذلك عند الصدقة في قوله: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين}، ولم يقل: لله وللفقراء، لأن الصدقة أوساخ الناس، واكتسابها مكروه إلا للمضطر إليها.
فكذلك عندي قوله: ((شهر الله المحرم))، إنما هو على جهة التعظيم له، وذلك لأنه جعله حراما لا يحل فيه قتال ولا سفك دم). [غريب الحديث: 2/209-212] (م)
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (وتقول هذا رجل فقير للذي له البلغة من العيش وهذا رجل مسكين للذي لا شيء له قال الله جل وعز: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} ثم قال الراعي:
(أما الفقير الذي كانت حلوبته = وفق العيال فلم يترك له سبد)
وقال يونس: قلت لأعرابي: أفقير أنت؟ قال: لا والله مسكين). [إصلاح المنطق: 326-327]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( كم من فقير بإذن الله قد جبرت = وذي غنى بوأته دار محروب
لم يقل فيه أبو عكرمة شيئًا، وقال عبد الله الرستمي: قال يعقوب: الفقير الذي له بلغة من العيش والمسكين الذي لا شيء له، قال وقال يونس سألت أعرابيًا فقلت: أمسكين أنت أم فقير؟، فقال: لا بل مسكين واحتج بقول الراعي:
أما الفقير الذي كانت حلوبته = وفق العيال فلم يترك له سبد
وجبرت أغنت ولمت شعثه، يقال جبرت العظم إذا لأمته وأصلحته، والجبارة العود الذي يشد على العظم الكسير والجمع الجبائر، قال الأعشى:
ونهيض ظالعنا وليـ = ـس لعظم مكسور جباره
يقول ما ظلع من أموالنا نحرناه ولم نجبره، وبوأته أنزلته يقال بوأته منزلاً، قال الراعي:
لها أمرها حتى إذا ما تبوأت = بأخفافها مأوى تبوأ مضجعا
والمحروب الذي قد حرب ماله، وحربت الرجل أغضبته، وسنان محرب أي محدد، يقول كم من ذي غنى قد أغارت عليه فأنزلته داره محروبة، والمحروب هو هذا الغني بعينه ولم يرد أنه آتى دار محروب آخر فنزلها، ويقال إن معناه تركته محروبًا وليس هناك دار كما تقول أنزلت فلانًا دار الهوان أي أهنته وليس هناك دار، فهذا قول يعقوب في هذا البيت، وقال أحمد بن عبيد: الفقير الذي لا شيء له البتة والمسكين الذي له دون البلغة، وبدأ الله تعالى بالفقراء قبل المساكين إذا قال: {للفقراء والمساكين}، لأنهم أشد منهم حالاً، قال: وبيت الراعي على غير ما تأولوه والمعنى أنه اليوم فقير لم يترك له سبد صار فقيرًا وقبل اليوم كانت له حلوبة، والذي له حلوبة ليس بفقير، قال: ووفق قدر، ومن له قدر ما يكفيه فليس بفقير، ومنه قول الله تعالى: {ومن كان غنيًا فليستعفف ومن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف} أي من كان له قوت فلا يأكل من مال اليتيم ومن كان فقيرًا لا شيء له فليأكل بالمعروف بقدر ما يكفيه، وليس لمن كان له قوت أن يأكل من مال اليتيم شيئًا). [شرح المفضليات: 235-236]
تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) }
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقال أبو العبَّاس في قوله عز وجل: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} قال: يصدق المؤمنين. وقال: اللام تدخل لأنه بني الماضي والمستقبل على الدائم. وهذا قوله، وأنشد:
يذموم للدنيا وهم يرضعونها = أفاويق حتى ما يدر لها ثعل). [مجالس ثعلب: 447]
تفسير قوله تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) }
تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا بابٌ تكون فيه أن بدلا من شيءٍ ليس بالآخر
من ذلك: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم} فأن مبدلة من إحدى الطائفتين موضوعةٌ في مكانها كأنك قلت وإذ يعدكم الله أن إحدى الطائفتين لكم كما أنك إذا قلت رأيت متاعك بعضه فوق بعض فقد أبدلت الآخر من الأول وكأنك قلت رأيت بعض متاعك فوق بعض وإنما نصبت بعضاً لأنك أردت معنى رأيت بعض متاعك فوق بعض كما جاء الأول على معنى وإذ يعدكم الله أن إحدى الطائفتين لكم.
ومن ذلك قوله عز وجل: {ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون} فالمعنى والله أعلم ألم يروا أن القرون الذين أهلكناهم إليهم لا يرجعون.
ومما جاء مبدلاً من هذا الباب: {أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون} فكأنه على أيعدكم أنكم مخرجون
إذا متم وذلك أريد بها ولكنه إنما قدمت أن الأولى ليعلم بعد أي شيء الإخراج.
ومثل ذلك قولهم زعم أنه إذا أتاك أنه سيفعل وقد علمت أنه إذا فعل أنه سيمضي.
ولا يستقيم أن تبتدئ إن هاهنا كما تبتدئ الأسماء أو الفعل إذا قلت قد علمت زيداً أبوه خيرٌ منك وقد رأيت زيداً يقول أبوه ذاك لأن إن لا تبتدأ في كل موضع وهذا من تلك المواضع.
وزعم الخليل أن مثل ذلك قوله تبارك وتعالى: {ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم} ولو قال فإن كانت عربيه جيدة.
وسمعناهم يقولون في قول ابن مقبلٍ
وعلمي بأسدام المياه فلم تزل = قلائص تخدى في طريقٍ طلائح
وأنّي إذا ملّت ركابي مناخها = فإنّي على حظّي من الأمر جامح
وإن جاء في الشعر قد علمت أنك إذا فعلت إنك سوف تغتبط به تريد معنى الفاء جاز والوجه والحد ما قلت لك أول مرة.
وبلغنا أن الأعرج قرأ: (أنه من عمل منكم سوأ بجهالةٍ ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفورٌ رحيم) ونظيره ذا البيت الذي أنشدتك). [الكتاب: 3/132-134] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب من أبواب أن مكررةً
وذلك قولك: قد علمت أن زيداً إذا أتاك أنه سيكرمك، وذلك أنك قد أردت: قد علمت أن زيداً إذا أتاك سيكرمك، فكررت الثانية توكيداً، ولست تريد بها إلا ما أردت بالأولى. فمن ذلك قوله عز وجل: {أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجون} فهذا أحسن الأقاويل عندي في هذه الآية، وقد قيل فيها غير هذا. ونحن ذاكروه في آخر الباب إن شاء الله.
ونظير تكرير أن هاهنا قوله تبارك وتعالى: {وهم بالآخرة هم كافرون} وقوله عز وجل: {فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها}. وكذلك قوله عز وجل: {وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها}.
ومن هذا الباب عندنا وهو قول أبي عمر الجرمي {ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم}. فالتقدير: والله أعلم فله نار جهنم، وردت أن توكيداً. وإن كسرها كاسر جعلها مبتدأة بعد الفاء؛ لأن ما بعد فاء المجازاة ابتداء، كقوله عز وجل: {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم} فـ إن في هذا الموضع يجوز أن تكون الأولى التي وقعت بعد الحكاية كررت، ويجوز أن تكون وقعت مبتدأة بعد الفاء، كقولك: من يأتني فإني سأكرمه.
وأما أبو الحسن الأخفش فقال في قوله تبارك وتعالى: {ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم} قال: المعنى: فوجوب النار له، ثم وضع أن في موضع المصدر.
فهذا قول ليس بالقوي، لأنه يفتحها مبتدأة، ويضمر الخبر.
وكذلك قال في قوله: {كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بجهالةٍ ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفورٌ رحيمٌ}، أي فوجوب الرحمة له.
والقول فيه عندنا التكرير على ما ذكرت لك.
فأما ما قيل في الآية التي ذكرنا قبل سوى القول الذي اخترناه وهي {أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجون} فأن يكون {أنكم مخرجون} مرتفعاً بالظرف. كأنه في التقدير: أيعدكم أنكم إذا متم إخراجكم. فهذا قول حسن جميل.
وأما سيبويه فكان يقول: المعنى: أن يعد وقعت على أن الثانية وذكر أن الأولى ليعلم بعد أي شيءٍ يكون الإخراج?.
وهذا قول ليس بالقوي). [المقتضب: 2/354-357] (م)
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (والخزي: الهوان، يقال: خزي يخزى خزيًا، والخزاية: الاستحياء، يقال خزي يخزي خزاية). [الأمالي: 1/12]
تفسير قوله تعالى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) }
تفسير قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) }
تفسير قوله تعالى: {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) }
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (ومنها أيضا اعتذر الرجل، إذا أتى بعذر، واعتذر إذا لم يأت بعذر، قال الله عز وجل: {لا تعتذروا}، فدل بهذا على أنهم اعتذروا بغير عذر صحيح. وقال لبيد
في المعنى الآخر:
فقوما فقولا بالذي قد علمتما = ولا تخمشا وجها ولا تحلقا شعر
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما = ومن يبك حول كاملا فقد اعتذر
أي فقد أتى بعذر صحيح، ويقال: قد عذر الرجل في الحاجة إذا قصر فيها، وقد أعذر إذا بالغ ولم يقصر؛ من ذلك قولهم: قد أعذر من أنذر، أي قد جاء بمحض العذر من أنذرك المخوف.
وقال الفراء: حدثني حيان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس. وأبو حفص الخزاز، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، أنه كان يقرأ: (وجاء المُعْذِرُون من الأعراب)، ويقول: لعن الله المعذِرين. كأنه المعذِر عنده الذي يأتي بمحض العذر، والمعذِّر المقصر، هذا إذا كان المعذرون ومنه المفعِّلون، وإذا كان وزنه المفتعلين أمكن أن يكون للقوم عذر، وألا يكون لهم عذر على ما فسرنا في اعتذر، وتحول فتحول فتحة التاء من المعتذرين إلى العين، وتدغم التاء في الدال، فيصيران ذالا مشددة. ويقال: قد أعذر الرجل يُعْذِر، وعَذَر، وعذر يعذر، إذا كثرت
ذنوبه؛ حتى يتبين عذر من يعاقبه، ويصح أنه غير ظالم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم))، ومنه قولهم: من يعذرني من فلان! وقول الشاعر:
فإن تك حرب ابني نزار تواضعت = فقد أعذرتنا في كلاب وفي كعب
وقول الآخر:
عذير الحي من عدوا = ن كانوا حية الأرض
وقولهم:
أريد حباءه ويريد قتلي = عذيرك من خليلك من مراد
ويقال: قد عذر فلان الصبي يعذره، وأعذره يعذره؛ إذا ختنه، أنشد الفراء:
في فتية جعلوا الصليب إلههم = حاشاي إني مسلم معذور
ويقال: قد عذرت الصبي أعذره، إذا غمزت وجعا في حلقة من الدم، يقال له العذرة، قال جرير:
غمز ابن مرة يا فرزدق كينها = غمز الطبيب نغانغ المعذور
النغانغ: لحمات عند اللهوات، واحدها نغنغ). [كتاب الأضداد: 320-322]
تفسير قوله تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) }
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (قوله: {إلا إبليس كان من الجن}
...
قوله: {كان من الجن} كان ضالا؛ كما أن الجن كانوا ضلالا، فلما فعل مثل فعلهم أدخل في جملتهم؛ كما قال: {المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض}، فهذا ما انتهى إلينا، والله أعلم بحقيقة ذلك وأحكم). [كتاب الأضداد: 338] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( ومن الأضداد نسيت؛ يكون بمعنى غفلت عن الشيء، ويكون بمعنى تركت متعمدا من غير غفلة لحقتني فيه. فأما كونه بمعنى الغفلة فلا يحتاج فيه إلى شاهد، وكونه بمعنى الترك على تعمد شاهده قول الله عز وجل: {نسوا الله فنسيهم}، معناه فترك إثابتهم ورحمتهم متعمدا، لأنه قد جل وعلا عن الغفلة والسهو، وتأويل {نسوا الله}، تركوا العمل لله تبارك وتعالى بتعمد لا بغفلة أيضا؛ لأن الله عز وجل لا يؤاخذ بالنسيان، ولا يعاقب عليه.
وقال الشاعر هذا المعنى:
كأنه خارجا من جنب صفحته = سفود شرب نسوه عند مفتأد
أي تركوه، وقال الله عز وجل: {فنسي ولم نجد له عزما}، فمعناه ترك ما أمرنا به متعمدا، فأخرج من الجنة لذلك). [كتاب الأضداد: 399]
تفسير قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) }
تفسير قوله تعالى: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69) }
تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70) }
تفسير قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) }
تفسير قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) }
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (والعَدْن الإقامة يقال عدن بالمكان يعدن به عدنا إذا أقام به ومنه: {جنات عَدْن} أي: جنات إقامة ومنه سمي المعدن معدنا لأن أهله يقيمون به وعَدَن اسم بلد باليمن). [إصلاح المنطق: 56]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (ويقال أركت الإبل بمكان كذا وكذا أي لزمت المكان فلم تبرح وعدنت بمكان كذا وكذا أي أقامت ومنه: {جنات عدن} أي جنات إقامة ومنه سمي المعدن معدنا لأن الناس يقيمون به في الصيف والشتاء وقال غير الأصمعي: أركت أقامت في الأراك هكذا قرأه وكان في كتابه قال: وأظنه الأراك وهو الحمض). [إصلاح المنطق: 425]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (وعدن يعدن عدنًا، وزاد اللحياني: وعدونًا، ومنه قيل: جنة عدن أي جنة إقامة، وإبل عوادن إذا أقامت في موضع، قال يعقوب: ومنه المعدن، لأن الناس يقيمون فيه في الشتاء والصيف، إنما قيل له معدن لثبات ذلك الجوهر فيه، قال العجاج:
من معدن الصّيران عدمليّ
يعني كناسًا فيه وثبات البقر). [الأمالي: 2/200]