تفسير قوله تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ هذا القرآن يهدي للّتي هي أقوم ويبشّر المؤمنين الّذين يعملون الصّالحات أنّ لهم أجرًا كبيرًا (9) وأنّ الّذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابًا أليمًا}.
يقول تعالى ذكره: إنّ هذا القرآن الّذي أنزلناه على نبيّنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم يرشد ويسدّد من اهتدى به {للّتي هي أقوم} يقول: للسّبيل الّتي هي أقوم من غيرها من السّبل، وذلك دين اللّه الّذي بعث به أنبياءه وهو الإسلام.
يقول جلّ ثناؤه: فهذا القرآن يهدي عباد اللّه المهتدين به إلى قصد السّبيل الّتي ضلّ عنها سائر أهل الملل المكذّبين به، كما؛
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {إنّ هذا القرآن يهدي للّتي هي أقوم} قال: للّتي هي أصوب: هو الصّواب وهو الحقّ، قال: والمخالف هو الباطل وقرأ قول اللّه تعالى: {فيها كتبٌ قيّمةٌ} قال: فيها الحقّ ليس فيها عوجٌ. وقرأ {ولم يجعل له عوجًا، قيّمًا} يقول: قيّمًا مستقيمًا
وقوله: {ويبشّر المؤمنين} يقول: ويبشّر أيضًا مع هدايته من اهتدى به للسّبيل الأقصد الّذين يؤمنون باللّه ورسوله، ويعملون في دنياهم بما أمرهم اللّه به، وينتهون عمّا نهاهم عنه بأنّ {لهم أجرًا} من اللّه على إيمانهم وعملهم الصّالحات {كبيرًا} يعني ثوابًا عظيمًا، وجزاءً جزيلاً، وذلك هو الجنّة الّتي أعدّها اللّه تعالى لمن رضي عمله، كما؛
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، {أنّ لهم، أجرًا كبيرًا} قال: الجنّة، وكلّ شيءٍ في القرآن أجرٌ كبيرٌ، أجرٌ كريمٌ، ورزقٌ كريمٌ فهو الجنّة.
وأنّ في قوله: {أنّ لهم أجرًا كبيرًا} نصب بوقوع البشارة عليها وأنّ الثّانية معطوفةٌ عليها). [جامع البيان: 14/510-511]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا الحسن بن عليّ بن عفّان العامريّ، ثنا أبو أسامة، ثنا الأعمش، عن أبي وائلٍ، قال: كان عبد اللّه بن مسعودٍ كثيرًا ما " يتلوا هذه الآية {إنّ هذا القرآن يهدي للّتي هي أقوم ويبشّر المؤمنين} [الإسراء: 9] خفيفٌ، قال عثمان: وهذه قراءة حمزة «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/392]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 9 - 10.
أخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} قال: للتي هي أصوب). [الدر المنثور: 9/265]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: إن القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم فأما دائكم فالذنوب والخطايا وأما دواؤكم فالاستغفار). [الدر المنثور: 9/265]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يتلو كثيرا {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} خفيف). [الدر المنثور: 9/265]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {أن لهم أجرا كبيرا} قال: الجنة، وكل شيء في القرآن أجر كبير ورزق كبير ورزق كريم فهو الجنة). [الدر المنثور: 9/266]
تفسير قوله تعالى: (وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (قوله: {وأنّ الّذين لا يؤمنون بالآخرة} يقول تعالى ذكره: وأنّ الّذين لا يصدّقون بالمعاد إلى اللّه، ولا يقرّون بالثّواب والعقاب في الدّنيا، فهم لذلك لا يتحاشون من ركوب معاصي اللّه {أعتدنا لهم} يقول: أعددنا لهم، لقدومهم على ربّهم يوم القيامة {عذابًا أليمًا} يعني موجعًا، وذلك عذاب جهنّم). [جامع البيان: 14/512]
تفسير قوله تعالى: (وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير قال يدعو على نفسه بما استجيب له هلك أو على خادمه أو على ماله). [تفسير عبد الرزاق: 1/374]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قوله: {وكان الإنسان عجولا} قال: دعاءه على نفسه إذا غضب [الآية: 11]). [تفسير الثوري: 169]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويدع الإنسان بالشّرّ دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولاً}.
يقول تعالى ذكره مذكّرًا عباده أياديه عندهم، ويدعو الإنسان على نفسه أو ولده وماله بالشّرّ، فيقول: اللّهمّ أهلكه والعنه عند ضجره وغضبه، كدعائه بالخير: يقول: كدعائه ربّه بأن يهب له العافية، ويرزقه السّلامة في نفسه وماله وولده، يقول: فلو استجيب له في دعائه على نفسه وماله وولده بالشّرّ كما يستجاب له في الخير هلك، ولكنّ اللّه بفضله لا يستجيب له في ذلك.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ويدع الإنسان بالشّرّ دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولاً} يعني قول الإنسان: اللّهمّ العنه واغضب عليه، فلو يعجّل له ذلك كما يعجّل له الخير لهلك، قال: ويقال: هو {وإذا مسّ الإنسان الضّرّ دعانا لجنبه أو قاعدًا أو قائمًا} أن يكشف ما به من ضرّ، يقول تبارك وتعالى: لو أنّه ذكرني وأطاعني، واتّبع أمري عند الخير، كما يدعوني عند البلاء، كان خيرًا له
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ويدع الإنسان بالشّرّ دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولاً} يدعو على ماله، فيلعن ماله وولده، ولو استجاب اللّه له لأهلكه
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {ويدع الإنسان بالشّرّ دعاءه بالخير} قال: يدعو على نفسه بما لو استجيب له هلك، وعلى خادمه، أو على ماله
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، {ويدع الإنسان بالشّرّ دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولاً} قال: ذلك دعاء الإنسان بالشّرّ على ولده وعلى امرأته، يعجّل: فيدعو عليه، ولا يحبّ أن يصيبه.
واختلف في تأويل قوله: {وكان الإنسان عجولاً} فقال مجاهدٌ ومن ذكرت قوله: معناه: وكان الإنسان عجلا بالدّعاء على ما يكره أن يستجاب له فيه.
وقال آخرون: عنى بذلك آدم أنّه عجل حين نفخ فيه الرّوح قبل أن تجري في جميع جسده، فرام النّهوض، فوصف ولده بالاستعجال، لما كان من استعجال أبيهم آدم القيام قبل أن يتمّ خلقه
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، أنّ سلمان الفارسيّ، قال: أوّل ما خلق اللّه من آدم رأسه، فجعل ينظر وهو يخلق، قال: وبقيت رجلاه، فلمّا كان بعد العصر قال: يا ربّ عجّل قبل اللّيل، فذلك قوله: {وكان الإنسان عجولاً}
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا نفخ اللّه في آدم من روحه أتت النّفخة من قبل رأسه، فجعل لا يجري شيءٌ منها في جسده، إلاّ صار لحمًا ودمًا، فلمّا انتهت النّفخة إلى سرّته، نظر إلى جسده، فأعجبه ما رأى من جسده فذهب لينهض فلم يقدر، فهو قول اللّه تبارك وتعالى: {وكان الإنسان عجولاً} قال: ضجرًا لا صبر له على سرّاء، ولا ضرّاء). [جامع البيان: 14/512-515]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 11.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير} يعني قول الإنسان: اللهم العنه واغضب عليه). [الدر المنثور: 9/266]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير} قال: ذلك دعاء الإنسان بالشر على ولده وعلى امرأته يغضب أحدهم فيدعو عليه فيسب نفسه ويسب زوجته وماله وولده فإن أعطاه الله ذلك شق عليه فيمنعه ذلك ثم يدعو بالخير فيعطيه). [الدر المنثور: 9/266]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه: في قوله: {ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير} قال: ذلك دعاء الإنسان بالشر على ولده وعلى امرأته يعجل فيه فيدعو عليه لا يحب أن يصيبه). [الدر المنثور: 9/266]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو داود والبزار، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدعوا على أنفسكم لا تدعوا على أولادكم لا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة فيها إجابة فيستجيب لكم). [الدر المنثور: 9/267]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وكان الإنسان عجولا} قال: ضجرا لا صبر له على سراء ولا ضراء). [الدر المنثور: 9/267]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن المنذر، وابن عساكر عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: أول ما خلق الله من آدم عليه السلام رأسه فجعل ينظر وهو يخلق وبقيت رجلاه فلما كان بعد العصر قال: يا رب اعجل قبل الليل فذلك قوله: {وكان الإنسان عجولا}). [الدر المنثور: 9/267]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: لما خلق الله آدم خلق عينيه قبل بقية جسده فقال: أي رب أتم بقية خلقي قبل غيبوبة الشمس فأنزل الله {وكان الإنسان عجولا} ). [الدر المنثور: 9/267]
تفسير قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل قال شهدت عليا وهو يخطب وهو يقول سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا حدثتكم به وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل فقام إليه ابن الكواء و أنا بينه وبين علي وهو خلفي قال ما والذاريات ذروا فالحاملات وقرا فالجاريات يسرا فالمقسمات أمرا فقال علي ويلك سل تفقها ولا تسل تعنتا الذاريات ذروا الرياح فالحاملات وقرا قال السحاب فالجاريات يسرا السفن فالمقسمات أمرا قال الملائكة قال أفرأيت السواد الذي في القمر ما هو قال أعمى سأل عن عمياء أما سمعت الله يقول وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة فذلك محوه السواد الذي فيه قال أفرأيت ذا القرنين أنبيا كان أم ملكا قال ولا واحد منهما ولكنه كان عبدا صالحا أحب الله فأحبه وناصح الله فناصحه دعا قومه إلى الهدى فضربوه على قرنه فمكث ما شاء الله ثم دعاهم إلى الهدى فضربوه على قرنه الآخر ولم يكن له قرنان كقرني الثور قال أفرأيت هذا القوس ما هي قال علامة كانت بين نوح بين ربه وأمان من الغرق قال أفرأيت البيت المعمور ما هو قال ذلك الصرح في سبع سماوات تحت العرش يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه إلى يوم القيامة قال فمن الذين بدلوا أنعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار قال الأفجران من قريش بنو أمية وبنو مخزوم كفيتهم يوم بدر قال فمن الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا قال كانت أهل حروراء منهم). [تفسير عبد الرزاق: 2/241-242] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وجعلنا اللّيل والنّهار آيتين فمحونا آية اللّيل وجعلنا آية النّهار مبصرةً لتبتغوا فضلاً من ربّكم ولتعلّموا عدد السّنين والحساب وكلّ شيءٍ فصّلناه تفصيلاً}.
يقول تعالى ذكره: ومن نعمته عليكم أيّها النّاس، مخالفته بين علامة اللّيل وعلامة النّهار، بإظلامه علامة اللّيل، وإضاءته علامة النّهار، لتسكنوا في هذا، وتتصرّفوا في ابتغاء رزق اللّه الّذي قدّره لكم بفضله في هذا، ولتعلموا باختلافهما عدد السّنين وانقضاءها، وابتداء دخولها، وحساب ساعات النّهار واللّيل وأوقاتها. {وكلّ شيءٍ فصّلناه تفصيلاً} يقول: وكلّ شيءٍ بيّنّاه بيانًا شافيًا لكم أيّها النّاس لتشكروا اللّه على ما أنعم به عليكم من نعمه، وتخلصوا له العبادة، دون الآلهة والأوثان.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن عبد العزيز بن رفيعٍ، عن أبي الطّفيل، قال: قال ابن الكوّاء لعلّي: يا أمير المؤمنين، ما هذه اللّطخة الّتي في القمر؟ فقال: ويحك أما تقرأ القرآن {فمحونا آية اللّيل} فهذه محوه
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا طلقٌ، عن زائدة، عن عاصمٍ، عن عليّ بن ربيعة، قال: سأل ابن الكوّاء عليًّا فقال: ما هذا السّواد في القمر؟ فقال عليٌّ: {فمحونا آية اللّيل وجعلنا آية النّهار مبصرةً} هو المحو
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبيد بن عمير، قال: كنت عند عليٍّ، فسأله ابن الكوّاء عن السّواد الّذي، في القمر، فقال: ذاك آية اللّيل محيت.
- حدّثنا ابن أبي الشّوارب، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا عمران بن حديرٍ، عن رفيع أبي كثيرة، قال: قال عليّ بن أبي طالبٍ رضوان اللّه عليه: سلوا عمّا شئتم، فقام ابن الكوّاء فقال: ما السّواد الّذي في القمر، فقال: قاتلك اللّه، هلاّ سألت عن أمر دينك وآخرتك؟ قال: ذلك محو اللّيل
- حدّثني زكريّا بن يحيى بن أبان المصريّ، قال: حدّثنا ابن عفيرٍ، قال: حدّثنا ابن لهيعة، عن حييّ بن عبد اللّه، عن أبي عبد الرّحمن الحبليّ، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، أنّ رجلاً، قال لعليٍّ: ما السّواد الّذي في القمر؟ قال: إنّ اللّه يقول: {وجعلنا اللّيل والنّهار آيتين فمحونا آية اللّيل وجعلنا آية النّهار مبصرةً}
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وجعلنا اللّيل والنّهار آيتين فمحونا آية اللّيل} قال: هو السّواد باللّيل
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاج، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: كان القمر يضيء كما تضيء الشّمس، والقمر آية اللّيل، والشّمس آية النّهار، فمحونا آية اللّيل: السّواد الّذي في القمر
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، قال: ذكر ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وجعلنا اللّيل والنّهار آيتين} قال: الشّمس آية النّهار، والقمر آية اللّيل {فمحونا آية اللّيل} قال: السّواد الّذي في القمر، وكذلك خلقه اللّه
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ {وجعلنا اللّيل والنّهار آيتين} قال: ليلاً ونهارًا، كذلك خلقهما اللّه
- قال ابن جريجٍ: وأخبرنا عبد اللّه بن كثيرٍ، قال: {فمحونا آية اللّيل وجعلنا آية النّهار مبصرةً} قال: ظلمة اللّيل وسدفة النّهار
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وجعلنا اللّيل والنّهار آيتين فمحونا آية اللّيل وجعلنا آية النّهار مبصرةً} أي منيرةً، وخلق الشّمس أنور من القمر وأعظم
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ {وجعلنا اللّيل والنّهار آيتين} قال: ليلاً ونهارًا، كذلك جعلهما اللّه.
واختلف أهل العربيّة في معنى قوله: {وجعلنا آية النّهار مبصرةً} فقال بعض نحويّي الكوفة: معناها: مضيئةٌ، وكذلك قوله: {والنّهار مبصرًا} معناه: مضيئًا، كأنّه ذهب إلى أنّه قيل مبصرًا، لإضاءته للنّاس البصر.
وقال آخرون: بل هو من أبصر النّهار: إذا صار النّاس يبصرون فيه فهو مبصرٌ، كقولهم: رجلٌ مجبنٌ: إذا كان أهله وأصحابه جبناء، ورجلٌ مضعفٌ: إذا كانت رواته ضعفاء، فكذلك النّهار مبصرًا: إذا كان أهله بصراء
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {لتبتغوا فضلاً من ربّكم} قال: جعل لكم سبحًا طويلاً
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وكلّ شيءٍ فصّلناه تفصيلاً} أي بيّنّاه تبيينًا). [جامع البيان: 14/514-518]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 12 - 14.
أخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه بسند واه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن الله خلق شمسين من نور عرشه فأما ما كان في سابق علمه أنه يدعها شمسا فإنه خلقها مثل الدنيا على قدرها ما بين مشارقها ومغاربها وأما ما كان في سابق علمه أنه يطمسها ويجعلها قمرا فإنه خلقها دون الشمس في العظم ولكن إنما يرى صغرها لشدة ارتفاع السماء وبعدها من الأرض فلو ترك الشمس كما كان خلقها أول مرة لم يعرف الليل من النهار ولا النهار من الليل ولم يدر الصائم إلى متى يصوم ومتى يفطر ولم يدر المسلمون متى وقت حجهم وكيف عدد الأيام والشهور والسنين والحساب فأرسل جبريل فأمر جناحه عن وجه القمر - وهو يومئذ شمس - ثلاث مرات فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور فذلك قوله: {وجعلنا الليل والنهار آيتين} الآية). [الدر المنثور: 9/267-268]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في دلائل النبوة، وابن عساكر عن سعيد المقبري: أن عبد الله بن سلام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السواد الذي في القمر فقال: كانا شمسين، فقال: قال الله: {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل} فالسواد الذي رأيت من المحو). [الدر المنثور: 9/268]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في المصاحف عن علي رضي الله عنه في قوله: {فمحونا آية الليل} قال: هو السواد الذي في القمر). [الدر المنثور: 9/268]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن علي رضي الله عنه في الآية، قال: كان الليل والنهار سواء فمحا الله آية الليل فجعلها مظلمة وترك آية النهار كما هي). [الدر المنثور: 9/269]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فمحونا آية الليل} قال: هو السواد بالليل). [الدر المنثور: 9/269]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وجعلنا الليل والنهار آيتين} قال: كان القمر يضيء كما تضيء الشمس والقمر آية الليل والشمس آية النهار {فمحونا آية الليل} قال: السواد الذي في القمر). [الدر المنثور: 9/269]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق في المصنف، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه قال: كتب هرقل إلى معاوية يسأله عن ثلاثة أشياء: أي مكان إذا صليت فيه ظننت أنك لم تصل إلى قبلة وأي مكان طلعت فيه الشمس مرة لم تطلع فيه قبل ولا بعد وعن السواد الذي في القمر فسأل ابن عباس رضي الله عنهما فكتب إليه أما المكان الأول: فهو ظهر الكعبة.
وأمّا الثاني: فالبحر حين فرقه الله لموسى عليه السلام.
وأمّا السواد الذي في القمر: فهو المحو). [الدر المنثور: 9/269]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه في الآية قال: خلق الله نور الشمس سبعين جزءا أو نور القمر سبعين جزءا فمحا من نور القمر تسعة وستين جزءا فجعله مع نور الشمس فالشمس على مائة وتسعة وثلاثين جزءا والقمر على جزء واحد). [الدر المنثور: 9/269-270]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه في الآية قال: كانت شمس بالليل وشمس بالنهار فمحا الله شمس الليل فهو المحو الذي في القمر). [الدر المنثور: 9/270]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير في قوله: {فمحونا آية الليل} قال: انظر إلى الهلال ليلة ثلاث عشرة أو أربع عشرة فإنك ترى فيه كهيئة الرجل آخذا برأس رجل). [الدر المنثور: 9/270]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة} قال: ظلمة الليل وسدف النهار {لتبتغوا فضلا من ربكم} قال: جعل لكم (سبحا طويلا) (المزمل آية 7) ). [الدر المنثور: 9/270]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فصلناه} يقول: بيناه). [الدر المنثور: 9/270]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء بن السائب رضي الله عنه قال: أخبرني غير واحد أن قاضيا من قضاة الشام أتى عمر رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين رأيت رؤيا أفظعتني، قال: وما رأيت قال: رأيت الشمس والقمر يقتتلان والنجوم معهما نصفين، قال: فمع أيهما كنت قال: مع القمر على الشمس، قال عمر رضي الله عنه: {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة} فانطلق فوالله لا تعمل لي عملا أبدا، قال عطاء رضي الله عنه: فبلغني أنه قتل مع معاوية يوم صفين). [الدر المنثور: 9/270-271]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن علي بن زيد رضي الله عنه قال: سأل ابن الكواء عليا رضي الله عنه عن السواد الذي في القمر قال: هو قول الله تعالى: {فمحونا آية الليل} ). [الدر المنثور: 9/271]