تفسير قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ونرثه ما يقول قال ما عنده وهو قوله لأوتين مالا وولدا وفي حرف ابن مسعود ونرثه ما عنده). [تفسير عبد الرزاق: 2/12]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال أنا الثوري عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: قال خباب بن الأرت كنت قينا وكنت أعمل للعاص بن وائل فاجتمع لي عليه دراهم فجئت لأتقاضاه فقال لا أقضيك حتى تكفر بمحمد قال قلت لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث قال فإذا بعثت كان لي مال وولد قال فذكرت ذلك لرسول الله فأنزل الله تعالى {أفرأيت الذي كفر بآياتنا} إلى قوله {ويأتينا فردا}). [تفسير عبد الرزاق: 2/13] (م)
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن الأعمش عن أبي الضّحى عن مسروق عن حباب قال: كنت قينًا بمكّة فجاءني العاص بن وائل بسيفٍ له أعمله فانطلقت إليه أتقاضاه أجره قال: لا أعطيك أبدا حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فقلت: لا لا أكفر بمحمّدٍ حتّى يميتك اللّه ثمّ يبعثك قال: فإنّي إذا متّ بعثت ولي مالٌ وولد متهاذيا في قوله فنزلت: {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالا وولدًا أطّلع الغيب أم اتّخذ عند الرحمن عهدا} إلى آخر الآية [الآية: 77]). [تفسير الثوري: 189]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا، وقال: لأوتينّ مالًا وولدًا} [مريم: 77]
- حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، قال: سمعت خبّابًا، قال: جئت العاص بن وائلٍ السّهميّ أتقاضاه حقًّا لي عنده، فقال: لا أعطيك حتّى تكفر بمحمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: «لا حتّى تموت ثمّ تبعث» ، قال: وإنّي لميّتٌ ثمّ مبعوثٌ؟ قلت: نعم، قال: إنّ لي هناك مالًا وولدًا فأقضيكه، فنزلت هذه الآية: {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا وقال: لأوتينّ مالًا وولدًا} [مريم: 77] رواه الثّوريّ، وشعبة، وحفصٌ، وأبو معاوية، ووكيعٌ، عن الأعمش). [صحيح البخاري: 6/94]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله أفرأيت الّذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالا وولدا)
قراءة الأكثر بفتحتين والكوفيّين سوى عاصمٍ بضمٍّ ثمّ سكونٍ قال الطّبريّ لعلّهم أرادوا التّفرقة بين الواحد والجمع لكنّ قراءة الفتح أشمل وهي أعجب إليّ
- قوله عن الأعمش عن أبي الضّحى كذا رواه بشر بن موسى وغير واحد عن الحميدي وأخرجه بن مردويه من وجهٍ آخر عن الحميديّ بهذا الإسناد فقال عن أبي وائلٍ بدل أبي الضّحى والأوّل أصوب وشذّ حمّاد بن شعيبٍ فقال أيضًا عن الأعمش عن أبي وائلٍ وأخرجه بن مردويه أيضًا قوله جئت العاص بن وائلٍ السّهميّ هو والد عمرو بن العاص الصّحابيّ المشهور وكان له قدرٌ في الجاهليّة ولم يوفق للإسلام قال بن الكلبيّ كان من حكّام قريشٍ وقد تقدّم في ترجمة عمر بن الخطّاب أنّه أجار عمر بن الخطّاب حين أسلم
وقد أخرج الزّبير بن بكّارٍ هذه القصّة مطوّلةً وفيها أنّ العاص بن وائلٍ قال رجلٌ اختار لنفسه أمرًا فما لكم وله فردّ المشركين عنه وكان موته بمكّة قبل الهجرة وهو أحد المستهزئين قال عبد اللّه بن عمرٍو سمعت أبي يقول عاش أبي خمسًا وثمانين وإنّه ليركب حمارًا إلى الطّائف فيمشي عنه أكثر ممّا يركب ويقال إنّ حماره رماه على شوكةٍ أصابت رجله فانتفخت فمات منها قوله أتقاضاه حقًّا لي عنده بين في الرّواية الّتي بعد هذه أنّه أجّره سيفًا عمله له وقال فيها كنت قينًا وهو بفتح القاف وسكون التّحتانيّة بعدها نونٌ وهو الحدّاد ولأحمد من وجهٍ آخر عن الأعمش فاجتمعت لي عند العاص بن وائلٍ دراهم قوله فقلت لا أي لا أكفر قوله حتّى تموت ثمّ تبعث مفهومه أنّه يكفر حينئذٍ لكنّه لم يرد ذلك لأنّ الكفر حينئذٍ لا يتصوّر فكأنّه قال لا أكفر أبدًا والنّكتة في تعبيره بالبعث تعيير العاص بأنّه لا يؤمن به وبهذا التّقرير يندفع إيراد من استشكل قوله هذا فقال علّق الكفر ومن علّق الكفر كفر وأجاب بأنّه خاطب العاص بما يعتقده فعلّق على ما يستحيل بزعمه والتّقرير الأوّل يغني عن هذا الجواب قوله فأقضيك فنزلت زاد بن مردويه من وجهٍ آخر عن الأعمش فذكرت ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فنزلت قوله رواه الثّوريّ وشعبة وحفصٌ وأبو معاوية ووكيعٌ عن الأعمش أمّا رواية الثّوريّ فوصلها بعد هذا وكذا رواية شعبة ووكيعٍ وأما رواية حفص وهو بن غياثٍ فوصلها في الإجارة وأمّا رواية أبي معاوية فوصلها أحمد قال حدّثنا أبو معاوية حدّثنا الأعمش به وفيه قال فإنّي إذا متّ ثمّ بعثت جئتني ولي ثمّ مالٌ وولدٌ فأعطيك فأنزل اللّه أفرأيت الّذي كفر بآياتنا إلى قوله ويأتينا فردا وأخرجه مسلمٌ والتّرمذيّ والنّسائيّ من رواية أبي معاوية). [فتح الباري: 8/429-430]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
- ثنا الحميدي ثنا سفيان عن الأعمش عن أبي الضّحى عن مسروق سمعت خبابا قال جئت العاص بن وائل السّهمي أتقاضاه حقًا لي عنده فقال لا أعطيك حتّى تكفر بمحمد الحديث فنزلت {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا} الآية 77 مريم رواه الثّوريّ وشعبة وحفص وأبو معاوية ووكيع عن الأعمش انتهى
وأما حديث الثّوريّ فأسنده المؤلف في الباب الّذي بعده وسيأتي
وأما حديث شعبة فأسنده أيضا بعد بابين في المظالم وغيره
وأما حديث حفص فاسنده أيضا في الإجازة
وأما حديث أبي معاوية فقال الإمام أحمد في مسنده ثنا أبو معاوية
ورواه مسلم والتّرمذيّ والنّسائيّ من حديثه
وأما حديث وكيع فأسنده المؤلف بعده أيضا ببابين). [تغليق التعليق: 4/250]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( ( {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالا وولداً} (مريم: 77)
وفي بعض النّسخ: باب قوله: {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا} الآية. قوله: (أفرأيت) بمعنى: أخبر، والفاء جاءت لإفادة معناها الّذي هو التعقيب كأنّه قال: أخبره أيضا بقصّة هذا الكافر، واذكر حديثه عقيب حديث أولئك، والفاء بعد همزة الاستفهام عاطفة على جملة: الّذي، العاص بن وائل كفر بآياتنا القرآن، وقال: لأوتينّ مالا وولدا، يعني: في الجنّة بعد البعث، قال ذلك استهزاء، قرأ حمزة والكسائيّ: ولدا، بضم الواو وسكون اللّام والباقون بفتحهما، وهما لغتان: كالعرب والعرب.
- حدّثنا الحميديّ حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي الضّحى عن مسروقٍ قال سمعت خبّاباً قال جئت العاصي بن وائلٍ السّهميّ أتقاضاه حقاً لي عنده فقال لا أعطيك حتّى تكفر بمحمّدٍ صلى الله عليه وسلم فقلت لا حتّى تموت ثمّ تبعث قال وإنّي لميّتٌ ثمّ مبعوثٌ قلت نعم قال إنّ لي هناك مالا وولداً فأقضيكه فنزلت هاذه الآية: {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالا وولداً} ..
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. والحميدي، عبد الله بن الزبير، وسفيان هو ابن عيينة، والأعمش هو سليمان، وأبو الضّحى مسلم ابن صبيح، ومسروق هو ابن الأجدع، وخباب، بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى: ابن الأرت، بفتح الهمزة والرّاء وتشديد التّاء المثنّاة من فوق.
والحديث مر في البيوع في: باب القين والحداد، فإنّه أخرجه هناك عن محمّد بن بشار عن ابن أبي عدي عن شعبة عن سليمان عن أبي الضّحى إلى آخره، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (العاصي بن وائل) ، هو والد عمرو ابن العاص الصّحابيّ المشهور، كان له قدر في الجاهليّة ولم يوفق للإسلام، وقال الكلبيّ: كان من حكام قريش، وفي (التّوضيح) : العاص بلا ياء وليس من العصيان إنّما هو من عصى يعصو إذا ضرب بالسّيف قلت: لا مانع أن يكون من العصيان بل الظّاهر، أنه منه، وإنّما حذفت الياء للتّخفيف، وقال الكرماني: العاص، بفتح الصّاد المهملة وبكسرها أجوفياً وناقصياً. قلت: إذا كان أجوفياً يكون من العوص، وإذا كان ناقصياً يكون من العصيان، ووائل بالهمزة بعد الألف. قوله: (فقلت: لا)، أي لا أكفر، قال الكرماني: فإن قلت: مفهوم الغاية أنه يكفر بعد الموت. قلت: لا يتصوّر الكفر بعد الموت فكأنّه قال: لا أكفر أبدا، وهو مثل قوله تعالى: {لا يذوقون فيها الموت إلاّ الموتة الأولى} (الدّخان: 56) في أن ذكره للتّأكيد.
رواه الثّوريّ وشعبة وحفصٌ وأبو معاوية ووكيعٌ عن الأعمش
أي: روى الحديث المذكور هؤلاء الخمسة عن سليمان الأعمش، أما رواية سفيان الثّوريّ عن الأعمش إلى آخرها فوصلها البخاريّ بعد هذا، وهو قوله: حدثنا محمّد بن كثير أخبرنا سفيان عن الأعمش إلى آخره، وأما رواية شعبة فكذلك وصلها البخاريّ عقيب رواية محمّد بن كثير عن بشر بن خالد عن محمّد بن جعفر عن شعبة إلى آخره، وأما رواية حفص وهو ابن غياث فوصلها في الإجارة في: باب هل يؤجر الرجل نفسه من مشرك، عن عمر بن حفص عن أبيه حفص بن غياث عن الأعمش، وأما رواية أبي معاوية محمّد بن خازم، بالمعجمة والزّاي، فوصلها أحمد قال: حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش إلى آخره، وأما رواية وكيع فوصلها البخاريّ أيضا عن يحيى عن وكيع عن الأعمش إلى آخره، وعن قريب تأتي). [عمدة القاري: 19/53-54]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالًا وولدًا} [مريم: 77]
(باب قوله) عز وجل وسقط باب لغير أبي ذر ({أفرأيت الذي كفر بآياتنا}) عطف بالفاء بعد الألف الاستفهام إيذانًا بإفادة التعقيب كأنه قال أخبر أيضًا بقصة هذا الكافر عقب قصة أولئك المذكورين قبل هذه الآية ورأيت بمعنى أخبر والموصول هو المفعول الأول والثاني هو الجملة الاستفهامية من قوله أطلع الغيب ({وقال لأوتين مالًا وولدًا}) [مريم: 77]. جملة قسمية في موضع نصب بالقول.
- حدّثنا الحميديّ حدّثنا سفيان، عن الأعمش عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ قال: سمعت خبّابًا قال: جئت العاصي بن وائلٍ السّهميّ أتقاضاه حقًّا لي عنده فقال: لا أعطيك حتّى تكفر بمحمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقلت: لا. حتّى تموت ثمّ تبعث قال: وإنّي لميّتٌ ثمّ مبعوثٌ قلت: نعم. قال: إنّ لي هناك مالًا وولدًا فأقضيكه فنزلت هذه الآية: {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالًا وولدًا} رواه الثّوريّ وشعبة، وحفصٌ. وأبو معاوية، ووكيعٌ عن الأعمش.
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح مصغرًا (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: سمعت خبابًا) هو ابن الأرتّ بالمثناة الفوقية المشدّدة (قال: جئت العاصي) بالعين والصاد المهملتين آخره تحتية (ابن وائل السهمي) هو والد عمرو الصحابي -رضي الله عنه- (أتقاضاه) أي أطلب منه (حقًّا لي عنده) وهو أجرة عمل سيف وكان خباب حدادًا (فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقلت: لا) أكفر (حتى تموت ثم تبعث) ومفهومه غير مرادًا إذ الكفر لا يتصوّر بعد البعث فكأنه قال لا أكفر أبدًا (قال) أي العاصي (وإني لميت ثم مبعوث) قال خباب (قلت) له (نعم قال: إن لي هناك مالًا وولدًا فأقضيكه فنزلت هذه الآية: {أفرأيت الذي كفر بآياتننا وقال لأوتين}) أي في الجنة ({مالًا وولدًا}) بفتح الواو واللام قراءة غير حمزة والكسائي اسم مفرد قائم مقام الجمع.
(رواه) أي الحديث (الثوري) سفيان فيما وصله المؤلّف بعد (وشعبة) بن الحجاج فيما وصله أيضًا (وحفص) هو ابن غياث فيما وصله في الإجارة (وأبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين فيما وصله أحمد (ووكيع) فيما وصله بعد كلهم (عن الأعمش) سليمان بن مهران.
وقد مرّ الحديث في البيوع). [إرشاد الساري: 7/234]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا ابن أبي عمر، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، قال: سمعت خبّاب بن الأرتّ، يقول: جئت العاص بن وائلٍ السّهميّ أتقاضاه حقًّا لي عنده، فقال: لا أعطيك حتّى تكفر بمحمّدٍ فقلت: لا، حتّى تموت ثمّ تبعث، قال: وإنّي لميّتٌ ثمّ مبعوثٌ فقلت: نعم. فقال: إنّ لي هناك مالاً وولدًا فأقضيك. فنزلت: {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالاً وولدًا} الآية.
حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، نحوه.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/169]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا}
- أخبرنا محمّد بن العلاء، حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلمٍ، عن مسروقٍ، عن خبّابٍ، قال: كنت رجلًا قينًا، وكان لي على العاصي بن وائلٍ دينٌ، فأتيته أتقاضاه، فقال: " والله لا أقضيك حتّى تكفر بمحمّدٍ، فقلت: لا والله، لا أكفر بمحمّدٍ حتّى تموت ثمّ تبعث، قال: فإنّي إذا متّ، ثمّ بعثت جئتني ولي ثمّ مالٌ وولدٌ فأعطيك، فأنزل الله عزّ وجلّ {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا} [مريم: 77] إلى قوله {ويأتينا فردّا} [مريم: 80]
- أخبرنا هنّاد بن السّريّ، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن سعيد بن جبيرٍ، عن أبي عبد الرّحمن، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا أحد أصبر على أذًى يسمعه من الله، إنّه يشرك به، ويجعل له ندٌّ، وهو يعافيهم، ويرزقهم، ويدفع عنهم»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/171]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالاً وولدًا (77) أطّلع الغيب أم اتّخذ عند الرّحمن عهدًا}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {أفرأيت} يا محمّد الّذي كفر بأدلتنا حججنا فلم يصدّق بها، وأنكر وعيدنا من أهل الكفر {وقال} وهو باللّه كافرٌ وبرسوله {لأوتينّ} في الآخرة {مالاً وولدًا}.
وذكر أنّ هذه الآيات أنزلت في العاص بن وائلٍ السّهميّ أبي عمرو بن العاص
ذكر الرّواية بذلك:
- حدّثنا أبو السّائب، وسعيد بن يحيى، قالا: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلمٍ، عن مسروقٍ، عن خبّابٍ، قال: كنت رجلاً قينًا، وكان لي على العاص بن وائلٍ دينٌ، فأتيته أتقاضاه، فقال: واللّه لا أقضيك حتّى تكفر بمحمّدٍ.
فقلت: واللّه لا أكفر بمحمّدٍ حتّى تموت ثمّ تبعث، قال: فقال: فإذا أنا متّ ثمّ بعثت كما تقول، جئتني ولي مالٌ وولدٌ، قال: فأنزل اللّه تعالى: {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالاً وولدًا أطّلع الغيب أم اتّخذ عند الرّحمن عهدًا}.. إلى قوله: {ويأتينا فردًا}.
حدّثني به أبو السّائب، وقرأ في الحديث: وولدًا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، أنّ رجالاً، من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كانوا يطلبون العاص بن وائلٍ السّهميّ بدينٍ، فأتوه يتقاضونه، فقال: ألستم تزعمون أنّ في الجنّة فضّةً وذهبًا وحريرًا، ومن كلّ الثّمرات؟ قالوا: بلى، قال: فإنّ موعدكم الآخرة، فواللّه لأوتينّ مالاً وولدًا، ولأوتينّ مثل كتابكم الّذي جئتم به، فضرب اللّه مثله في القرآن، فقال: {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالاً}.. إلى قوله {ويأتينا فردًا}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {لأوتينّ مالاً وولدًا} قال: العاص بن وائلٍ يقوله.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالاً وولدًا} فذكر لنا أنّ رجلاً من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أتوا رجلاً من المشركين يتقاضونه دينًا، فقال: أليس يزعم صاحبكم أنّ في الجنّة حريرًا وذهبًا؟ قالوا: بلى، قال فميعادكم الجنّة، فواللّه لا أومن بكتابكم الّذي جئتم به، استهزاءً بكتاب اللّه، ولأوتينّ مالاً وولدًا. يقول اللّه: {أطّلع الغيب أم اتّخذ عند الرّحمن عهدًا}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، قال: قال خبّاب بن الأرتّ: كنت قينًا بمكّة، فكنت أعمل للعاص بن وائلٍ، فاجتمعت لي عليه دراهم، فجئت لأتقاضاه، فقال لي: لا أقضيك حتّى تكفر بمحمّدٍ، قال: قلت: لا أكفر بمحمّدٍ حتّى تموت ثمّ تبعث، قال: فإذا بعثت كان لي مالٌ وولدٌ، قال: فذكرت ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالاً وولدًا}.. إلى {ويأتينا فردًا}.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله {وولدًا} فقرأته عامّة قرّاء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة: {وولدًا} بفتح الواو من الولد في كلّ القرآن، غير أنّ أبا عمرو بن العلاء خصّ الّتي في سورة نوحٍ بالضّمّ، فقرأها: ( ماله وولده )
وأمّا عامّة قرّاء الكوفة غير عاصمٍ، فإنّهم قرءوا من هذه السّورة من قوله: {مالاً وولدًا} إلى آخر السّورة، والتى في الزّخرف، والّتي في نوحٍ، بالضّمّ وسكون اللاّم.
وقد اختلف أهل العربيّة في معنى ذلك إذا ضمّت واوه، فقال بعضهم: ضمّها وفتحها واحدٌ، وإنّما هما لغتان، مثل قولهم العدم والعدم، والحزن والحزن. واستشهدوا لقيلهم ذلك بقول الشّاعر:
فليت فلانًا كان في بطن أمّه = وليت فلانًا كان ولد حمار
ويقول الحارث بن حلّزة:
ولقد رأيت معاشرًا = قد ثمّروا مالاً وولدا
وقول رؤبة:
الحمد للّه العزيز فردا = لم يتّخذ من ولد شيءٍ ولدا
وتقول العرب في مثلها: ولدك من دمّى عقبيك، قال: وهذا كلّه واحدٌ، بمعنى الولد. وقد ذكر لي أنّ قيسًا تجعل الولد جمعًا، والولد واحدًا. ولعلّ الّذين قرءوا ذلك بالضّمّ فيما اختاروا فيه الضّمّ، إنّما قرءوه كذلك ليفرّقوا بين الجمع والواحد.
والّذي هو أولى بالصّواب من القول في ذلك عندي أنّ الفتح في الواو من الولد والضّمّ فيها بمعنًى واحدٍ، وهما لغتان، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصّواب، غير أنّ الفتح أشهر اللّغتين فيها. فالقراءة به أعجب إليّ لذلك). [جامع البيان: 15/617-621]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت) خباب بن الأرت - رضي الله عنه -: قال: كنت قيناً في الجاهلية، وكان لي على العاص بن وائل السهمي دينٌ، فأتيته أتقاضاه - وفي رواية قال: فعملت للعاص بن وائل سيفاً، فجئته أتقاضاه فقال: لا أعطيك، حتى تكفر بمحمدٍ، فقلت: والله لا أكفر حتى يميتك الله ثمّ تبعث، قال: وإني لميّتٌ ثم مبعوث؟ قلت: بلى، قال: دعني حتى أموت وأبعث، فسأوتى مالاً وولداً فأقضيك، فنزلت: {أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالاً وولداً (77) أطّلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهداً (78) كلّا سنكتب ما يقول ونمدّ له من العذاب مدّاً (79) ونرثه ما يقول ويأتينا فرداً} [مريم: 77 - 80] أخرجه البخاري ومسلم.
وأخرجه الترمذي قال: جئت العاص بن وائلٍ السّهميّ أتقاضاه حقّاً لي عنده، فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمّدٍ... الحديث.
[شرح الغريب]
(قيناً) القين عند العرب: الحدّاد). [جامع الأصول: 2/240-241]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {أفرأيت الذي كفر بآياتنا} الآيات.
أخرج سعيد بن منصور، وأحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، والبزار، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، عن خباب بن الأرت قال: كنت رجلا قينا، وكان لي على العاص بن وائل دين، فأتيته أتقاضاه، فقال: لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد. فقلت: لا والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث. قال: فإني إذا مت ثم بعثت جئتني ولي ثم مال وولد فأعطيك. فأنزل الله: {أفرأيت الذي كفر بآياتنا} إلى قوله: {ويأتينا فردا} ). [الدر المنثور: 10/127]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني عن خباب قال: عملت للعاص بن وائل عملا، فأتيته أتقاضاه، فقال: إنكم تزعمون أنكم ترجعون إلى مال وولد، وإني راجع إلى مال وولد، فإذا رجعت إلي ثم أعطيتك. فأنزل الله: {أفرأيت الذي كفر بآياتنا} الآية). [الدر المنثور: 10/128]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس: أن رجالا من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا يطلبون العاص بن وائل بدين فأتوه يقايضونه فقال: ألستم تزعمون أن في الجنة ذهبا وفضة وحريرا ومن كل الثمرات قالوا: بلى، قال: فإن موعدكم الآخرة، والله لأوتين مالا وولدا ولأوتين مثل كتابكم الذي جئتم به، فقال الله: {أفرأيت الذي كفر بآياتنا} الآيات). [الدر المنثور: 10/128]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن قال: كان لرجل من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم دين على رجل من المشركين فأتاه يتقاضاه فقال ألست مع هذا الرجل قال: نعم، قال أليس يزعم أن لكم جنة ونارا وأموالا وبنين قال: بلى، قال: اذهب فلست بقاضيك إلا ثمة، فأنزلت {أفرأيت الذي كفر بآياتنا} إلى قوله: {ويأتينا فردا}). [الدر المنثور: 10/128]
تفسير قوله تعالى: (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) )
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا معتمر بن سليمان، عن شبيبٍ، عن مقاتل بن حيّان {أم اتّخذ عند الرّحمن عهدًا} قال: العهد: الصّلاة). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 438]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {أطّلع الغيب أم اتّخذ عند الرّحمن عهدًا}
قال: «موثقًا»
- حدّثنا محمّد بن كثيرٍ، أخبرنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، عن خبّابٍ، قال: كنت قينًا بمكّة، فعملت للعاص بن وائلٍ السّهميّ سيفًا فجئت أتقاضاه، فقال: لا أعطيك حتّى تكفر بمحمّدٍ قلت: «لا أكفر بمحمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم حتّى يميتك اللّه، ثمّ يحييك» ، قال: إذا أماتني اللّه ثمّ بعثني ولي مالٌ وولدٌ، فأنزل اللّه: {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا وقال: لأوتينّ مالًا وولدًا (77) أطّلع الغيب أم اتّخذ عند الرّحمن عهدًا} " قال: " موثقًا لم يقل الأشجعيّ، عن سفيان: سيفًا ولا موثقًا "). [صحيح البخاري: 6/94]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب أطّلع الغيب أم اتّخذ عند الرّحمن عهدا)
قال موثقًا سقط قوله موثقًا من رواية أبي ذرٍّ وساق المؤلّف الحديث من رواية الثّوريّ وقال في آخره أم اتّخذ عند الرّحمن عهدا قال موثقًا وكذا أخرجه بن أبي حاتمٍ عن أبيه عن محمّد بن كثيرٍ شيخ البخاريّ فيه
- قوله لم يقل الأشجعيّ عن سفيان سيفًا ولا موثقًا هو كذلك في تفسير الثّوريّ رواية الأشجعيّ عنه). [فتح الباري: 8/430]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
- ثنا محمّد بن كثير أنا سفيان عن الأعمش عن أبي الضّحى عن مسروق عن خباب قال كنت قينا بمكّة فعملت للعاص بن وائل السّهمي سيفا فجئت أتقاضاه الحديث فأنزل الله {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا} إلى قوله {عهدا} قال موثقًا لم يقل الأشجعيّ عن سفيان عهدا ولا موثقًا
أخبرنا به أبو محمّد عبد الرّحيم بن عبد الوهّاب إذنا مشافهة بالإسناد المتقدّم في تفسير سورة الإسراء إلى الأشجعيّ ثنا سفيان الثّوريّ بالحديث قال فأنزل الله {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا} الآية). [تغليق التعليق: 4/251]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ قوله عز وجل: {أطلع الغيب أم اتخذ عند الرّحمن عهدا} (مريم: 78)
أي هذا باب في قوله عز وجل (أطلع الغيب أم اتخذ عند الرّحمن عهدا) الآية.
قال ابن عبّاس: أنظر في اللّوح المحفوظ، يعني: العاص بن وائل، وقال مجاهد: أعلم علم الغيب حتّى يعلم أفي الجنّة هو أم لا. قوله: (أطلع) من اطلع الجبل إذا ارتقى إلى أعلاه. قوله: (عهدا) ، أي: أم قال: لا إله إلاّ الله، وعن قتادة: عمل صالحا قدمه، وعن الكلبيّ: عهد إليه أنه يدخله الجنّة، وفسّر البخاريّ (عهدا) بقوله: (موثقًا) ، وكذا أخرجه ابن أبي حاتم عن أبيه عن محمّد بن كثير شيخ البخاريّ فيه، وليس في رواية أبي ذر. قوله: (موثقًا) ، وهو التعاقد والتعاهد، وأصله من الوثاق وهو حبل يشد به الأسير والدّابّة، وقال الجوهري: الموثق الميثاق.
- حدّثنا محمّد بن كثيرٍ أخبرنا سفيان عن الأعمش عن أبي الضّحى عن مسروق عن خبّابٍ قال كنت قيناً بمكّة فعملت للعاصي بن وائلٍ السّهميّ سيفاً فجئت أتقاضاه فقال لا أعطيك حتّى تكفر بمحمّدٍ قلت لا أكفر بمحمّدٍ صلى الله عليه وسلم حتّى يميتك الله ثمّ يحييك قال إذا أماتني الله ثمّ بعثني ولي مالٌ وولدٌ، فأنزل الله: {فرأيت الّذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالا وولداً اطّلع الغيب أم اتّخذ عند الرّحمان عهداً} قال موثقاً لم يقل الأشجعيّ عن سفيان سيفاً ولا موثقاً..
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن محمّد بن كثير إلى آخره، وقد أخرج هذا الحديث من أربع طرق وترجم لكل حديث آية من الآيات الأربعة المذكورة إشارة إلى أن هذه الآيات كلها في قصّة العاص بن وائل وذكر في كل ترجمة ما يطابقها من الحديث.
قوله: (لم يقل الأشجعيّ) ، نسبة إلى أشجع، بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الجيم وبالعين المهملة: ابن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس غيلان بن مضر بن نزار، وهو عبد الله بن عبد الرّحمن أبو عبد الرّحمن الكوفي سمع سفيان الثّوريّ، مات سنة اثنتين وثمانين ومائة في أولها، وروى الأشجعيّ هذا الحديث عن سفيان الثّوريّ ولم يذكر في روايته (عن سفيان سيفا ولا موثقًا) ). [عمدة القاري: 19/54]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {أطّلع الغيب أم اتّخذ عند الرّحمن عهدًا} [مريم: 78]
(قوله) ولأبي ذر باب بالتنوين أي في قوله تعالى: ({أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدًا}) [مريم: 78]. قال في الكشاف أي أوقد بلغ من عظمة شأنه أن ارتقى إلى علم الغيب الذي توحد به الواحد القهار والمعنى أن ما ادّعى أن يؤتاه وتألى عليه لا يتوصل إليه إلا بأحد هذين الطريقين إما علم الغيب وإما عهد من عالم الغيب فبأيهما توصل إلى ذلك انتهى وهمزة أطلع للاستفهام الإنكاري وحذفت همزة الوصل للاستغناء عنها، وزاد في رواية أبي ذر الآية ولغيره قال أي في تفسير عهدًا موثقًا وقيل العهد كلمة التوحيد. قال في فتوح الغيب لأنه تعالى وعد قائلها إخلاصًا أن يدخل الجنة البتة فهو كالعهد الموثق الذي لا بد أن يوفي به انتهى.
- حدّثنا محمّد بن كثيرٍ، أخبرنا سفيان، عن الأعمش عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، عن خبّابٍ، قال: كنت قينًا بمكّة فعملت للعاصي بن وائل السّهميّ سيفًا فجئت أتقاضاه فقال: لا أعطيك حتّى تكفر بمحمّدٍ قلت: لا، أكفر بمحمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم- حتّى يميتك اللّه ثمّ يحييك قال: إذا أماتني اللّه ثمّ بعثني ولي مالٌ وولدٌ فأنزل اللّه: {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالًا وولدًا * أطّلع الغيب أم اتّخذ عند الرّحمن عهدًا} قال: موثقًا. لم يقل الأشجعيّ عن سفيان سيفًا ولا موثقًا.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان (عن أبي الضحى) مسلم (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن خباب) هو ابن الأرتّ أنه (قال: كنت قينًا) بقاف مفتوحة فتحتية ساكنة فنون أي حدّاد (بمكة فعملت للعاصي بن وائل السهمي سيفًا فجئت أتقاضاه) أجرة عمل السيف (فقال: لا أعطيك) أجرته (حتى تكفر بمحمد قلت: لا أكفر بمحمد -صلّى اللّه عليه وسلّم- حتى يميتك الله ثم يحييك) أي لا أكفر أبدًا كما مرّ تقريره قريبًا (قال): أي العاصي (إذا أماتني الله ثم بعثني ولي مال وولد) زاد في السابقة فأقضيكه (فأنزل الله) تعالى ({أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالًا وولدًا أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدًا} قال موثقًا) وقد مرّ هذا أول هذا الباب (لم يقل الأشجعي) بهمزة مفتوحة فشين معجمة ساكنة فجيم مفتوحة فعين مهملة مكسورة عبيد الله بن عبد الرحمن بتصغير عبد الأول في روايته (عن سفيان سيفًا) في قوله فعملت سيفًا (ولا موثقًا) تفسير عهدًا). [إرشاد الساري: 7/234-235]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {أطّلع الغيب} يقول عزّ ذكره: أعلم هذا القائل هذا القول علم الغيب، فعلم أنّ له في الآخرة مالاً وولدًا باطّلاعه على علم ما غاب عنه {أم اتّخذ عند الرّحمن عهدًا} يقول: أم آمن باللّه وعمل بما أمر به، وانتهى عمّا نهاه عنه، فكان له بذلك عند اللّه عهدًا أن يؤتيه ما يقول من المال والولد.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {أطّلع الغيب أم اتّخذ عند الرّحمن عهدًا} بعمل صالح قدمه). [جامع البيان: 15/621]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي اله عنه في قوله: {أطلع الغيب} يقول: أطلعه الله الغيب يقول: ماله فيه {أم اتخذ عند الرحمن عهدا} بعمل صالح قدمه). [الدر المنثور: 10/128]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما {أم اتخذ عند الرحمن عهدا} قال: لا إله إلا الله يرجو بها، والله أعلم). [الدر المنثور: 10/129]
تفسير قوله تعالى: (كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثني حرملة بن عمران أنه سمع عمر بن عبد الله مولى غفرة يقول: إذا سمعت الله يقول: {كلا}، فإنما يقول: كذبت؛ وإذا [سمعت الله يقول (؟)]: {يضربون وجوههم وأدبارهم}، قال: يريد أستاههم). [الجامع في علوم القرآن: 2/57] (م)
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {كلّا سنكتب ما يقول ونمدّ له من العذاب مدًّا} [مريم: 79]
- حدّثنا بشر بن خالدٍ، حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن سليمان، سمعت أبا الضّحى، يحدّث عن مسروقٍ، عن خبّابٍ، قال: كنت قينًا في الجاهليّة، وكان لي دينٌ على العاص بن وائلٍ، قال: فأتاه يتقاضاه، فقال: لا أعطيك حتّى تكفر بمحمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «واللّه لا أكفر حتّى يميتك اللّه ثمّ يبعثك» ، قال: فذرني حتّى أموت ثمّ أبعث، فسوف أوتى مالًا وولدًا فأقضيك، فنزلت هذه الآية: {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا وقال: لأوتينّ مالًا وولدًا} [مريم: 77]). [صحيح البخاري: 6/94]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب كلّا سنكتب ما يقول ونمدّ له من العذاب مدا)
ساق فيه الحديث المذكور من رواية شعبة عن الأعمش). [فتح الباري: 8/430]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {كلاّ سنكتب ما يقول ونمدّ له من العذاب مدًّا} (مريم: 79)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {كلا} الآية، كلمة: كلا، ردع ورد على العاص بن وائل. قوله: (سنكتب) أي: سنحفظ عليه ما يقول فنجازيه به في الآخرة. قوله: (ونمد له) ، أي: نزيده عذابا فوق العذاب.
- حدّثنا بشر بن خالدٍ حدثنا محمّد بن جعفرٍ عن شعبة عن سليمان سمعت أبا الضّحى يحدّث عن مسروقٍ عن خبّابٍ قال كنت قيناً في الجاهليّة وكان لي دينٌ على العاصي بن وائلٍ قال فأتاه يتقاضاه فقال لا أعطيك حتّى تكفر بمحمّدٍ صلى الله عليه وسلم فقال والله لا أكفر حتّى يميتك الله ثمّ تبعث قال فذرني حتّى أموت ثمّ أبعث فسوف أوتى مالا وولداً فأقضيك فنزلت هاذه الآية: {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالا وولداً} (مريم: 77).
هذا طريق ثالث في الحديث المذكور، ومطابقته للتّرجمة ظاهرة. قوله: (عن سليمان) هو الأعمش. قوله: (قينا) أي: حداداً. قوله: (ثمّ أبعث) ، على صيغة المجهول وكذلك قوله: (أوتى) ، والله سبحانه وتعالى أعلم). [عمدة القاري: 19/54-55]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب: {كلاّ سنكتب ما يقول ونمدّ له من العذاب مدًّا} [مريم: 79]
هذا (باب) بالتنوين في قوله ({كلاّ}) ردع وزجر ({سنكتب ما يقول}) من طلبه ذلك وحكمه لنفسه ما تمناه وكفره ({ونمد له}) في الدار الآخرة ({من العذاب مدًّا}) [مريم: 79] على كفره وافترائه واستهزائه.
- حدّثنا بشر بن خالدٍ، حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، عن شعبة عن سليمان سمعت أبا الضّحى يحدّث عن مسروقٍ عن خبّابٍ، قال: كنت قينًا في الجاهليّة وكان لي دينٌ على العاص بن وائلٍ قال: فأتاه يتقاضاه، فقال: لا أعطيك حتّى تكفر بمحمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقال: واللّه لا أكفر حتّى يميتك اللّه ثمّ تبعث قال: فذرني حتّى أموت ثمّ أبعث فسوف أوتى مالًا وولدًا فأقضيك فنزلت هذه الآية: {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالًا وولدًا} [مريم: 78].
وبه قال: (حدّثنا بشر بن خالد) بموحدة مكسورة فمعجمة ساكنة أبو محمد الفرائضي العسكري قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) غندر (عن شعبة) ولأبي ذر: حدّثنا شعبة بن الحجاج (عن سليمان) الأعمش أنه قال: (سمعت أبا الضحى) مسلم بن صبيح (يحدث عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن خباب) بالخاء المعجمة والموحدتين الأولى مشدّدة بينهما ألف ابن الأرتّ أنه (قال: كنت قينًا) جمعه قيون (في الجاهلية) بمكة (وكان لي دين) أجرة عمل سيف (على العاص بن وائل) السهمي وسمي بالعاص لأنه تقلد العصا بدلًا من السيف فيما قيل (قال فأتاه يتقاضاه فقال: لا أعطيك) ذلك (حتى تكفر بمحمد -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقال) أي خباب (والله لا أكفر حتى يميتك الله ثم تبعث) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر: يبعثك (قال) العاص (فذرني) أي اتركني (حتى أموت ثم أبعث فسوف أوتى) بضم الهمزة وفتح الفوقية (مالًا وولدًا فأقضيك) حقك (فنزلت هذه الآية: ({أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالًا وولدًا}) بفتح الواو واللام وقرأه الأخوان بضم فسكون جمع ولد كأسد وأسد). [إرشاد الساري: 7/235]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى {كلاّ سنكتب ما يقول ونمدّ له من العذاب مدًّا (79) ونرثه ما يقول ويأتينا فردًا}.
يعني تعالى ذكره بقوله {كلاّ} ليس الأمر كذلك، ما اطّلع الغيب، فعلم صدق ما يقول، وحقيقة ما يذكر، ولا اتّخذ عند الرّحمن عهدًا بالإيمان باللّه ورسوله، والعمل بطاعته، بل كذّب وكفر. ثمّ قال تعالى ذكره: {سنكتب ما يقول} أي سنكتب ما يقول هذا الكافر بربّه، القائل {لأوتينّ} في الآخرة {مالاً وولدًا} {ونمدّ له من العذاب مدًّا} يقول: ونزيده من العذاب في جهنّم بقيله الكذب والباطل في الدّنيا، زيادةً على عذابه بكفره باللّه). [جامع البيان: 15/621]
تفسير قوله تعالى: (وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال أنا الثوري عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: قال خباب بن الأرت كنت قينا وكنت أعمل للعاص بن وائل فاجتمع لي عليه دراهم فجئت لأتقاضاه فقال لا أقضيك حتى تكفر بمحمد قال قلت لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث قال فإذا بعثت كان لي مال وولد قال فذكرت ذلك لرسول الله فأنزل الله تعالى {أفرأيت الذي كفر بآياتنا} إلى قوله {ويأتينا فردا}). [تفسير عبد الرزاق: 2/13] (م)
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله عزّ وجلّ: {ونرثه ما يقول ويأتينا فردًا} [مريم: 80].
.......
حدّثنا يحيى، حدّثنا وكيعٌ ، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، عن خبّابٍ، قال: كنت رجلًا قينًا، وكان لي على العاص بن وائلٍ دينٌ فأتيته أتقاضاه، فقال لي: لا أقضيك حتّى تكفر بمحمّدٍ، قال: قلت: «لن أكفر به حتّى تموت، ثمّ تبعث» ، قال: وإنّي لمبعوثٌ من بعد الموت، فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مالٍ وولدٍ، قال: فنزلت: {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا وقال: لأوتينّ مالًا وولدًا أطّلع الغيب أم اتّخذ عند الرّحمن عهدًا، كلّا سنكتب ما يقول ونمدّ له من العذاب مدًّا ونرثه ما يقول ويأتينا فردًا} ). [صحيح البخاري: 6/94-95]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله باب ونرثه ما يقول ويأتينا فردًا ساق فيه الحديث المذكور من رواية وكيعٍ وسياقه أتمّ كسياق أبي معاوية ويحيى شيخه هو بن موسى ويؤخذ من هذا السّياق الجواب عن إيراد المصنّف الآيات المذكورة في هذه الأبواب مع أنّ القصّة واحدةً فكأنّه أشار إلى أنّها كلّها نزلت في هذه القصّة بدليل هذه الرّواية وما وافقها). [فتح الباري: 8/430]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ قوله عزّ وجلّ: {ونرثه ما يقول ويأتينا فردا} (مريم: 80)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {ونرثه} ، أي: نرث العاص بن وائل ما يقول من المال والولد ويأتينا يوم القيامة فردا أي: بلا مال ولا ولد، وقال النّسفيّ: معناه لا ننسى قوله هذا ولا نلغيه بل نثبته في صحيفته لنضرب به وجهه في الموقف ونعيره به ويأتينا على فقره ومسكنته فردا من المال والولد). [عمدة القاري: 19/55]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثنا يحيى حدّثنا وكيعٌ عن الأعمش عن أبي الضّحى عن مسروقٍ عن خبّابٍ قال كنت رجلاً قيناً وكان لي على العاصي بن وائل دينٌ فأتيته أتقاضاه فقال لي لا أقضيك حتّى تكفر بمحمّدٍ قال قلت لن أكفر به حتّى تموت ثمّ تبعث قال وإنّي لمبعوثٌ من بعد الموت فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مالٍ وولدٍ قال فنزلت أفرأيت الّذي كفر بآياتنا وقال لأتينّ مالا وولداً أطلع الغيب أم اتّخذ عند الرّحمان عهداً كلاّ سنكتب ما يقول ونمدّ له من العذاب مدًّا ونرثه ما يقول ويأتينا فرداً..
هذا طريق رابع في الحديث المذكور ومطابقته للتّرجمة. أخرجه عن يحيى هو ابن موسى بن عبد ربه أبو زكريّا السّختيانيّ البلخي، يقال له: خت، بفتح الخاء المعجمة وتشديد التّاء المثنّاة من فوق. وهو من أفراده). [عمدة القاري: 19/55]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله عزّ وجلّ: {ونرثه ما يقول ويأتينا فردًا} [مريم: 80] وقال ابن عبّاسٍ: {الجبال هدًّا} [مريم: 90] هدمًا
(قوله عز وجل: ({ونرثه}) ولأبي ذر: باب بالتنوين ونرثه ({ما يقول}) من مال وولد نسلبه منه عكس ما يقول ({ويأتينا}) يوم القيامة ({فردًا}) [مريم: 80]. لا يصحبه مال ولا ولد). [إرشاد الساري: 7/235]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا يحيى، حدّثنا وكيعٌ، عن الأعمش عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ عن خبّابٍ قال: كنت رجلًا قينًا وكان لي على العاص بن وائلٍ دينٌ فأتيته أتقاضاه فقال لي: لا أقضيك حتّى تكفر بمحمّدٍ قال: قلت لن أكفر به حتّى تموت ثمّ تبعث قال: وإنّي لمبعوثٌ من بعد الموت فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مالٍ وولدٍ قال فنزلت: {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالًا وولدًا * أطّلع الغيب أم اتّخذ عند الرّحمن عهدًا * كلاّ سنكتب ما يقول ونمدّ له من العذاب مدًّا * ونرثه ما يقول ويأتينا فردًا} [مريم: 78].
وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن موسى البلخي الملقب بخت بخاء معجمة مفتوحة ففوقية مشدّدة قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجراح الكوفي (عن الأعمش) سليمان (عن أبي الضحى) مسلم (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن خباب) أنه (قال: كنت رجلًا قينًا وكان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال لي: لا أقضيك حتى تكفر بمحمد. قال) خباب: (قلت) له (لن أكفر به) -صلّى اللّه عليه وسلّم- (حتى تموت ثم تبعث قال: وإني لمبعوث من بعد الموت؟) زاد في الحميدي قلت: نعم (فسوف) أي قال العاص إن بعثت بعد الموت فسوف (أقضيك إذا رجعت إلى مال وولد) وفيه أنه غير مؤمن بالبعث (قال فنزلت: {أفرأيت الّذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالًا وولدًا * أطّلع الغيب أم اتّخذ عند الرّحمن عهدًا * كلاّ سنكتب ما يقول ونمدّ له من العذاب مدًّا * ونرثه ما يقول ويأتينا فردًا}) وحيدًا بغير شيء، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: فردًا لا يتبعه قليل ولا كثير، وسقط لأبي ذر من قوله: {أطلع الغيب} إلخ). [إرشاد الساري: 7/235]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب قوله عز وجل: {ونرثه ما يقول ويأتينا فرداً} (80)
قوله: (حتى تموت ثم نبعث) مفهومه غير مراد إذ الكفر لا يتصور بعد البعث، فكأنه قال: لا أكفر أبداً.
قوله: (أطلع الغيب أم أتخذ عند الرحمن عهداً) قال في "الكشاف"، أي: أو قد بلغ من عظمة شأنه أن أرتقي إلى عالم الغيب الذي توحد به الواحد القهار، والمعنى أن ما ادعى أنه يؤتاه وتألى عليه لا يتوصل إليه إلا بأحد هذين الفريقين إما علم الغيب، وإما عهد من عالم الغيب، فبأيهما توصل إلى ذلك اهـ قسطلاني). [حاشية السندي على البخاري: 3/59]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ونرثه ما يقول} يقول عزّ ذكره: ونسلب هذا القائل: لأوتينّ في الآخرة مالاً وولدًا، ماله وولده، ويصير لنا ماله وولده دونه، ويأتينا هو يوم القيامة فردًا، وحده لا مال معه ولا ولد.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، ح وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ونرثه ما يقول} ماله وولده، وذلك الّذي قال العاصي بن وائلٍ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ونرثه ما يقول ويأتينا فردًا} لا مال له ولا ولد.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {ونرثه ما يقول} قال: ما عنده، وهو قوله {لأوتينّ مالاً وولدًا} وفي حرف ابن مسعودٍ: ونرثه ما عنده.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ونرثه ما يقول} قال: ما جمع من الدّنيا وما عمل فيها. قال: {ويأتينا فردًا} قال: فردًا من ذلك، لا يتبعه قليلٌ ولا كثيرٌ.
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ونرثه ما يقول} نرثه). [جامع البيان: 15/622-623]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ونرثه ما يقول يعني ماله وولده وهو العاص بن وائل). [تفسير مجاهد: 390]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 80 - 82.
أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ونرثه ما يقول} قال: ماله وولده). [الدر المنثور: 10/129]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ونرثه ما يقول} قال: ماله وولده وذاك الذي قال العاص بن وائل). [الدر المنثور: 10/129]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ونرثه ما يقول} قال: ما عنده، وهو قوله: {لأوتين مالا وولدا} في حرف ابن مسعود (ونرثه ما عنده ويأتينا فردا) لا مال له ولا ولد). [الدر المنثور: 10/129]
تفسير قوله تعالى: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واتّخذوا من دون اللّه آلهةً ليكونوا لهم عزًّا (81) كلاّ سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدًّا}.
يقول تعالى ذكره: واتّخذ يا محمّد هؤلاء المشركون من قومك آلهةً يعبدونها من دون اللّه، لتكون هؤلاء الآلهة لهم عزًّا، يمنعونهم من عذاب اللّه، ويتّخذون عبادتهموها عند اللّه زلفى). [جامع البيان: 15/623]
تفسير قوله تعالى: (كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ضدا قال قرناء في النار). [تفسير عبد الرزاق: 2/12]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {كلاّ} يقول عزّ ذكره: ليس الأمر كما ظنّوا وأمّلوا من هذه الآلهة الّتي يعبدونها من دون اللّه، في أنّها تنقذهم من عذاب اللّه، وتنجيهم منه، ومن سوءٍ إن أراده بهم ربّهم. وقوله: {سيكفرون بعبادتهم} يقول عزّ ذكره: ولكن سيكفر الآلهة في الآخرة بعبادة هؤلاء المشركين يوم القيامة إيّاها، وكفرهم بها قيلهم لربّهم: تبرّأنا إليك ما كانوا إيّانا يعبدون، فجحدوا أن يكونوا عبدوهم أو أمروهم بذلك، وتبرّءوا منهم، وذلك كفرهم بعبادتهم.
وأمّا قوله: {ويكونون عليهم ضدًّا} فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معنى ذلك: وتكون آلهتهم عليهم عونًا، وقالوا: الضّدّ: العون.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله {ويكونون عليهم ضدًّا} يقول: أعوانًا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، ح وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {ويكونون عليهم ضدًّا} قال: عونًا عليهم تخاصمهم وتكذّبهم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، {ويكونون عليهم ضدًّا} قال: أوثانهم يوم القيامة في النّار.
وقال آخرون: بل عنى بالضّدّ في هذا الموضع: القرناء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله {ويكونون عليهم ضدًّا} يقول: يكونون عليهم قرناء.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ويكونون عليهم ضدًّا} قرناء في النّار، يلعن بعضهم بعضًا، ويتبرّأ بعضهم من بعضٍ.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله {ضدًّا} قال: قرناء في النّار.
وقال آخرون: معنى الضّدّ ههنا: العدوّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله {ويكونون عليهم ضدًّا} قال: أعداءً.
وقال آخرون: معنى الضّدّ في هذا الموضع: البلاء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ويكونون عليهم ضدًّا} قال: يكونون عليهم بلاءً.
الضّدّ: البلاء، والضّدّ في كلام العرب: هو الخلاف، يقال: فلانٌ يضادّ فلانًا في كذا، إذا كان يخالفه في صنيعه، فيفسد ما أصلحه، ويصلح ما أفسده، وإذ كان ذلك معناه، وكانت آلهة هؤلاء المشركين الّذين ذكرهم اللّه في هذا الموضع يتبرّءون منهم، وينتفون يومئذٍ، صاروا لهم أضدادًا، فوصفوا بذلك.
وقد اختلف أهل العربيّة في وجه توحيد الضّدّ، وهو صفةٌ لجماعةٍ، فكان بعض نحويّي البصرة يقول: وحّد لأنّه يكون جماعةً، وواحدًا مثل الرّصد والأرصاد. قال: ويكون الرّصد أيضًا لجماعةٍ.
وقال بعض نحويّي الكوفة وحّد، لأنّ معناه عونًا.
وذكر أنّ أبا نهيكٍ كان يقرأ ذلك كما؛
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا عبد المؤمن، قال: سمعت أبا نهيكٍ الأزديّ، يقرأ: {كلاّ سيكفرون} يعني الآلهة كلّها أنّهم سيكفرون بعبادتهم). [جامع البيان: 15/623-626]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ويكونون عليهم ضدا يقول يكونون عونا عليهم يعني أوثانهم تخاصمهم وتكذبهم بيوم القيامة في النار). [تفسير مجاهد: 390-391]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي نهيك أنه قرأ {كلا سيكفرون بعبادتهم} برفع الكاف، قال: يعني الآلهة كلها إنهم {سيكفرون بعبادتهم} ). [الدر المنثور: 10/129]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ويكونون عليهم ضدا} قال: أعوانا). [الدر المنثور: 10/129-130]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {ويكونون عليهم ضدا} قال: أوثانهم يوم القيامة في النار تكون عليهم عونا يعني أوثانهم تخاصمهم وتكذبهم يوم القيامة في النار). [الدر المنثور: 10/130]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ويكونون عليهم ضدا} قال: حسرة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة مثله). [الدر المنثور: 10/130]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ويكونون عليهم ضدا} قال: قرناء في النار يلعن بعضهم بعضا ويتبرأ بعضهم من بعض). [الدر المنثور: 10/130]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {ويكونون عليهم ضدا} قال: أعداء). [الدر المنثور: 10/130]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن الأنباري في الوقف عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ويكونون عليهم ضدا} ما الضد قال: قال فيه حمزة بن عبد المطلب:
وإن تكونوا لهم ضدا نكن لكم * ضدا بغلباء مثل الليل مكتوم). [الدر المنثور: 10/130-131]