تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا صفوان بن عمرو، قال: حدثني سليم بن عامر، قال: خرجنا في جنازة في باب دمشق، ومعنا أبو أمامة، فلما صلى على الجنازة وأخذوا في دفنها، قال أبو أمامة: يا أيها الناس، أصبحتم وأمسيتم في منزل تقتسمون فيه الحسنات والسيئات، وتوشكوا أن تظعنوا منه إلى منزل آخر، وهو هذا، فيشير إلى القبر، بيت الوحدة، وبيت الظلمة، وبيت الدود، وبيت الضيق، إلا ما وسع الله، ثم تنتقلوا منه إلى مواطن يوم القيامة، فإنكم لفي بعض تلك المواطن حين يغشى الناس أمر من الله، فتبيض وجوه، وتسود وجوه، ثم تنتقلون إلى منزل آخر، فيغشى الناس ظلمة شديدة، ثم يقسم النور فيعطى المؤمن نورًا، ويترك الكافر والمنافق، فلا يعطيان شيئًا من النور، وهو المثل الذي ضرب الله في كتابه: {أو كظلمات في بحرٍ لجي} [سورة النور: 40] إلى قوله: {فما له من نور}، فلا يستضيء الكافر والمنافق بنور المؤمن، كما لا يستضيء الأعمى ببصر البصير، فيقول المنافقون للذين آمنوا: {انظروا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورًا} [سورة الحديد: 13]، وهي خدعة الله التي يخدع بها المنافقين، قال الله تبارك وتعالى: {يخادعون الله وهو خادعهم} [سورة النساء: 142]، فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور، فلا يجدون شيئًا، فينصرفون إليهم وقد ضرب {بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم}، نصلي صلاتكم، ونغزو مغازيكم؟ {قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني}، إلى قوله: {وبئس المصير} [سورة الحديد: 14- 15].
ويقول سليم: فما يزال المنافق مغترًا حتى يقسم النور، ويميز الله بين المؤمن والمنافق). [الزهد لابن المبارك: 2/ 741-742]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا أبو أسامة، عن أبي الأشهب، قال: قرأ الحسن حتّى بلغ: {ولا يذكرون اللّه إلاّ قليلاً} قال: إنّما قلّ لأنّه كان لغير الله). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 398]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ المنافقين يخادعون اللّه وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصّلاة قاموا كسالى يراءون النّاس ولا يذكرون اللّه إلاّ قليلاً}
قد دلّلنا فيما مضى قبل على معنى خداع المنافق ربّه ووجه خداع اللّه إيّاهم، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، مع اختلاف المختلفين في ذلك.
فتأويل ذلك: أنّ المنافقين يخادعون اللّه بإحرازهم بنفاقهم دماءهم وأموالهم، واللّه خادعهم بما حكم فيهم من منع دمائهم بما أظهروا بألسنتهم من الإيمان، مع علمه بباطن ضمائرهم، واعتقادهم الكفر، استدراجًا منه لهم في الدّنيا حتّى يلقوه في الآخرة، فيوردهم بما استبطنوا من الكفر نار جهنّم. كما:.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {إنّ المنافقين يخادعون اللّه وهو خادعهم} قال: يعطيهم يوم القيامة نورًا يمشون به مع المسلمين كما كانوا معهم في الدّنيا، ثمّ يسلبهم ذلك النّور فيطفئه، فيقومون في ظلمتهم ويضرب بينهم بالسّور.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: {إنّ المنافقين يخادعون اللّه وهو خادعهم} قال: نزلت في عبد اللّه بن أبيٍّ وأبي عامر بن النّعمان، وفي المنافقين؛ يخادعون اللّه وهو خادعهم، قال: مثل قوله في البقرة: {يخادعون اللّه والّذين آمنوا وما يخدعون إلاّ أنفسهم}. قال: وأمّا قوله: {وهو خادعهم} فيقول: في النّور الّذي يعطى المنافقون مع المؤمنين، فيعطون النّور، فإذا بلغوا السّور، وما ذكر اللّه من قوله: {انظرونا نقتبس من نوركم} قال: قوله: {وهو خادعهم}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسينٍ، عن الحسن، أنّه كان إذا قرأ: {إنّ المنافقين يخادعون اللّه وهو خادعهم} قال: يلقى على كلّ مؤمنٍ ومنافقٍ نورٌ يمشون به، حتّى إذا انتهوا إلى الصّراط طفئ نور المنافقين، ومضى المؤمنون بنورهم، فينادونهم: {انظرونا نقتبس من نوركم} إلى قوله: {ولكنّكم فتنتم أنفسكم} قال الحسن: فتلك خديعة اللّه إيّاهم.
وأمّا قوله: {وإذا قاموا إلى الصّلاة قاموا كسالى يراءون النّاس} فإنّه يعني: أنّ المنافقين لا يعملون شيئًا من الأعمال الّتي فرضها اللّه على المؤمنين على وجه التّقرّب بها إلى اللّه، لأنّهم غير موقنين بمعادٍ ولا ثوابٍ ولا عقابٍ، وإنّما يعملون ما عملوا من الأعمال الظّاهرة بقاءً على أنفسهم وحذرًا من المؤمنين عليها أن يقتلوا أو يسلبوا أموالهم، فهم إذا قاموا إلى الصّلاة الّتي هي من الفرائض الظّاهرة، قاموا كسالى إليها، رياءً للمؤمنين، ليحسبوهم منهم وليسوا منهم؛ لأنّهم غير معتقدي فرضها ووجوبها عليهم، فهم في قيامهم إليها كسالى.
كما:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وإذا قاموا إلى الصّلاة قاموا كسالى} قال: واللّه لولا النّاس ما صلّى المنافق ولا يصلّي إلاّ رياءً وسمعةً.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وإذا قاموا إلى الصّلاة قاموا كسالى يراءون النّاس} قال: هم المنافقون، لولا الرّياء ما صلّوا.
وأمّا قوله: {ولا يذكرون اللّه إلاّ قليلاً} فلعلّ قائلاً أن يقول: وهل من ذكر اللّه شيءٌ قليلٌ؟
قيل له: إنّ معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبت، إنّما معناه: ولا يذكرون اللّه إلاّ ذكرًا رياءً، ليدفعوا به عن أنفسهم القتل والسّباء وسلب الأموال، لا ذكر موقنٍ مصدّقٍ بتوحيد اللّه مخلصٍ له الرّبوبيّة، فلذلك سمّاه اللّه قليلاً، لأنّه غير مقصودٍ به اللّه ولا مبتغًى به التّقرّب إلى اللّه، ولا مرادًا به ثواب اللّه، وما عنده فهو وإن كثر من وجه نصب عامله، وذاكره في معنى السّراب الّذي له ظاهرٌ بغير حقيقة ماءٍ.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن أبي الأشهب، قال: قرأ الحسن: {ولا يذكرون اللّه إلاّ قليلاً} قال: إنّما قلّ لأنّه كان لغير اللّه.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ولا يذكرون اللّه إلاّ قليلاً} قال: إنّما قلّ ذكر المنافق لأنّ اللّه لم يقبله، وكلّ ما ردّ اللّه قليلٌ وكلّ ما قبل اللّه كثيرٌ).
[جامع البيان: 7/611-614]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ المنافقين يخادعون اللّه وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصّلاة قاموا كسالى يراءون النّاس ولا يذكرون اللّه إلّا قليلًا (142)
قوله تعالى: إنّ المنافقين يخادعون اللّه وهو خادعهم
- وبه عن السّدّيّ قوله: إنّ المنافقين يخادعون اللّه وهو خادعهم
قال: يعطيهم يوم القيامة نورًا يمشون به مع المسلمين كما كانوا معهم في الدّنيا، ثمّ يسلبهم ذلك النّور فيطفيه، فيقومون في ظلمتهم ويضرب بينهم بالسّور.
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا يزيد بن هارون، أنبأ سفيان بن حسينٍ، عن الحسن في قوله: إنّ المنافقين يخادعون اللّه وهو خادعهم
قال: يعطى المؤمن يوم القيامة نورًا ويعطى المنافق نورًا يمشون به حتّى ينتهوا إلى الصّراط، فإذا انتهوا إلى الصّراط مضى المؤمنون بنورهم ويطفي نور المنافقين، ف ينادونهم ألم نكن معكم؟ قالوا: بلى ولكنّكم فتنتم أنفسكم وتربّصتم وارتبتم وغرّتكم الأمانيّ حتّى جاء أمر اللّه وغرّكم باللّه الغرور قال الحسن: فتلك خديعة اللّه إيّاهم.
قوله تعالى: وإذا قاموا إلى الصّلاة قاموا كسالى.
- أخبرنا أبو بدرٍ عبّاد بن الوليد الغبريّ فيما كتب إليّ، ثنا الوليد بن خالدٍ الأعرابيّ، ثنا شعبة، عن مسعر بن كدامٍ، عن سماكٍ الحنفيّ، عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يكره أن يقول الرّجل: إنّي كسلانٌ ويتأوّل هذه الآية: وإذا قاموا إلى الصّلاة قاموا كسالى.
قوله تعالى: يراؤن النّاس.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن المغيرة، أنبأ يزيد بن زريعٍ عن سعيدٍ، عن قتادة قوله: يراؤن النّاس
وإنّه واللّه لولا النّاس ما صلّى المنافق، ما يصلّي إلا رياءً وسمعةً.
قوله تعالى: ولا يذكرون اللّه إلا قليلا.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن أبي الأشهب عن الحسن: ولا يذكرون اللّه إلا قليلا
قال: إنّما قلّ لأنّه كان لغير اللّه.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد السّلام بن مطهّرٍ وعبد الكبير بن المعافى بن عمران الموصليّ قالا: ثنا جعفر بن سليمان، عن عوفٍ، عن الحسن قال: قرأ هذه يراؤن النّاس ولا يذكرون اللّه إلا قليلا
قال الحسن: فو الله لو كان ذلك القليل منهم للّه لقبله، ولكن كان ذلك القليل منهم رياءً.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن المغيرة وثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: ولا يذكرون اللّه إلا قليلا
وإنّما قال ذكر المنافق، لأنّ اللّه لم يقبله كلّ ما ردّ اللّه قليلٌ كلّ ما قبل اللّه كثيرٌ).
[تفسير القرآن العظيم: 4/1095-1096]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر عن الحسن في الآية قال: يلقى على كل مؤمن ومنافق نور يمشون به يوم القيامة حتى إذا انتهوا إلى الصراط طفئ نور المنافقين ومضى المؤمنون بنورهم فتلك خديعة الله إياهم.
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {وهو خادعهم} قال: يعطيهم يوم القيامة نورا يمشون فيه مع المسلمين كما كانوا معه في الدنيا ثم يسلبهم ذلك النور فيطفئه فيقومون في ظلمتهم.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد وسعيد بن جبير، نحوه.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في الآية قال: نزلت في عبد الله بن أبي وأبي عامر بن النعمان.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن أبي الدنيا في الصمت عن ابن عباس أنه كان يكره أن يقول الرجل إني كسلان ويتأول هذه الآية.
وأخرج أبو يعلى عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حسن الصلاة حيث يراه الناس وأساءها حيث يخلو فتلك استهانة استهان بها ربه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن المنذر عن قتادة {يراؤون الناس} قال: والله لولا الناس ما صلى المنافق ولا يصلي إلا رياء وسمعة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن الحسن {ولا يذكرون الله إلا قليلا} قال: إنما لأنه كان لغير الله.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة {ولا يذكرون الله إلا قليلا}
قال: إنما قل ذكر المنافق لأن الله لم يقبله وكل ما رد الله قليل وكل ما قبل الله كثير.
وأخرج ابن المنذر، عن علي، قال: لا يقل عمل مع تقوى وكيف يقل ما يتقبل.
وأخرج مسلم وأبو داود والبيهقي في "سننه" عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا).
[الدر المنثور: 5/81-83]
تفسير قوله تعالى: (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلاً}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {مذبذبين} مردّدين، وأصل التّذبذب: التّحرّك والاضطراب، كما قال النّابغة:.
ألم تر أنّ اللّه أعطاك سورةً = ترى كلّ ملكٍ دونها يتذبذب
وإنّما عنى بذلك: أنّ المنافقين متحيّرون في دينهم، لا يرجعون إلى اعتقاد شيءٍ على صحّةٍ فهم لا مع المؤمنين على بصيرةٍ، ولا مع المشركين على جهالةٍ، ولكنّهم حيارى بين ذلك، فمثلهم المثل الّذي ضرب لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم،
الّذي:
- حدّثنا به، محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن نافعٍ عن ابن عمر، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: مثل المنافق كمثل الشّاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرّةً وإلى هذه مرّة، لا تدري أيّتهما تتبع.
- وحدّثنا به محمّد بن المثنّى مرّةً أخرى عن عبد الوهّاب، فوقفه على ابن عمر ولم يرفعه. قال: حدّثنا عبد الوهّاب مرّتين كذلك.
- حدّثني عمران بن بكّارٍ، قال: حدّثنا أبو روحٍ، قال: حدّثنا ابن عيّاشٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن عمر، عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، مثله
وبنحو الّذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء} يقول: ليسوا بمشركين فيظهروا الشّرك، وليسوا بمؤمنين.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء} يقول: ليسوا بمؤمنين مخلصين ولا مشركين مصرّحين بالشّرك. قال: وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه عليه الصّلاة والسّلام كان يضرب مثلاً للمؤمن والمنافق والكافر، كمثل رهطٍ ثلاثةٍ دفعوا إلى نهرٍ، فوقع المؤمن فقطع، ثمّ وقع المنافق حتّى إذا كاد يصل إلى المؤمن ناداه الكافر: أن هلمّ إليّ فإنّي أخشى عليك، وناداه المؤمن: أن هلمّ إليّ فإنّ عندي وعندي، يحصي له ما عنده. فما زال المنافق يتردّد بينهما حتّى أتى عليه الماء فغرّقه، وإنّ المنافق لم يزل في شكٍّ وشبهةٍ حتّى أتى عليه الموت وهو كذلك. قال: وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: مثل المنافق كمثل ثاغيةٍ بين غنمين رأت غنمًا على نشزٍ، فأتتها فلم تعرف، ثمّ رأت غنمًا على نشزٍ فأتتها وشامّتها فلم تعرف ثم رأت غنما على نشرف أتتها وشامتها فلم تعرف.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {مذبذبين} قال: المنافقون.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء} يقول: لا إلى أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، ولا إلى هؤلاء اليهود.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {مذبذبين بين ذلك} قال: لم يخلصوا الإيمان فيكونوا مع المؤمنين، وليسوا مع أهل الشّرك.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {مذبذبين بين ذلك} بين الإسلام والكفر {لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء}.
وأمّا قوله: {ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلاً} فإنّه يعني: من يخذله اللّه عن طريق الرّشاد وذلك هو الإسلام الّذي دعا اللّه إليه عباده، يقول: من يخذله اللّه عنه فلم يوفّقه له، فلن تجد له يا محمّد سبيلاً: يعني طريقًا يسلكه إلى الحقّ غيره. وأيّ سبيلٍ يكون له إلى الحقّ غير الإسلام؟ وقد أخبر اللّه جلّ ثناؤه: أنّه من يتّبع غيره دينًا فلن يقبل منه، ومن أضلّه اللّه عنه فقد غوى، فلا هادي له غيره). [جامع البيان: 7/614-617]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلًا (143)
قوله تعالى: مذبذبين بين ذلك.
- حدّثنا أبي، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ إسرائيل، عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد اللّه قال: مثل المؤمن والمنافق والكافر مثل ثلاثة نفرٍ انتهوا إلى وادٍي فوقع أحدهم فعبر، ثمّ وقع الآخر حتّى أتى على نصف الوادي ناداه الّذي على شفير الوادي: ويلك أين تذهب؟ إلى الهلكة، إرجع عودك على بدئك، وناداه الّذي عبر: هلمّ النّجاة فجعل ينظر إلى هذا مرّةً وإلى هذا مرّةً، قال: فجاء سيلٌ فأغرقه والّذي عبر المؤمن والّذي غرق المنافق، مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء والذي مكث الكافر.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: مذبذبين بين ذلك قال: هم المنافقون.
قوله تعالى: لا إلى هؤلاء. [6146]
حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: لا إلى هؤلاء لأصحاب محمّدٍ.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن المغيرة، ثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ عن قتادة قوله: لا إلى هؤلاء يقول: ليسوا بمؤمنين مخلصين ولا بمشركين مصرّحين بالشرك.
قوله تعالى: ولا إلى هؤلاء.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: لا إلى هؤلاء اليهود.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: لا إلى هؤلاء يقول: ليسوا بمشركين فيظهرون الشّرك وليسوا بمؤمنين.
قوله تعالى: سبيلا.
- وبه عن السّدّيّ: سبيلا يقول: حجّةً). [تفسير القرآن العظيم: 4/1096-1097]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله مذبذبين بين ذلك قال هم المنافقون لا مع المؤمنين ولا مع اليهود). [تفسير مجاهد: 178-179]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: مثل المؤمن والمنافق والكافر مثل ثلاثة نفر انتهوا إلى واد فوقع أحدهم فعبر حتى أتى ثم وقع أحدهم حتى أتى على نصف الوادي ناداه الذي على شفير الوادي: ويلك أين تذهب إلى الهلكة ارجع عودك على بدئك وناداه الذي عبر: هلم النجاة، فجعل ينتظر إلى هذا مرة وإلى هذا مرة قال: فجاءه سيل فأغرقه فالذي عبر المؤمن والذي غرق المنافق مذبذب بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء والذي مكث الكافر
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في الآية {مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء} يقول: ليسوا بمؤمنين مخلصين ولا مشركين مصرحين بالشرك، قال: وذكر لنا: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يضرب مثلا للمؤمن والكافر والمنافق كمثل رهط ثلاثة دفعوا إلى نهر فوقع المؤمن فقطع ثم وقع المنافق حتى كاد يصل إلى المؤمن ناداه الكافر: أن هلم إلي فإني أخشى عليك وناداه المؤمن أن هلم إلي فإن عندي وعندي يحصي له ما عنده فما زال المنافق يتردد بينهما حتى أتى عليه الماء فغرقه وإن المنافق لم يزل في شك وشبهة حتى أتى عليه الموت وهو كذلك.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {مذبذبين بين ذلك} قال: هم المنافقون {لا إلى هؤلاء} يقول: لا إلى أصحاب محمد ولا إلى هؤلاء اليهود.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد {مذبذبين بين ذلك} قال: بين الإسلام والكفر.
وأخرج عبد بن حميد والبخاري في تاريخه ومسلم، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة لا تدري أيها تتبع.
وأخرج أحمد والبيهقي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن مثل المنافق يوم القيامة كالشاة بين الغنمين إن أتت هؤلاء نطحتها وإن أتت هؤلاء نطحتها).
[الدر المنثور: 5/83-85]