تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل من يرزقكم من السّماء والأرض أمّن يملك السّمع والأبصار ومن يخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميّت من الحيّ ومن يدبّر الأمر فسيقولون اللّه فقل أفلا تتّقون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل} يا محمّد لهؤلاء المشركين باللّه الأوثان والأصنام {من يرزقكم من السّماء} الغيث والقطر ويطلع لكم شمسها ويغطش ليلها ويخرج ضحاها. ومن {الأرض} أقواتكم وغذاءكم الّذي ينبته لكم وثمار أشجارها. {أمّن يملك السّمع والأبصار} يقول: أم من ذا الّذي يملك أسماعكم وأبصاركم الّتي تسمعون بها أن يزيد في قواها أو يسلبكموها فيجعلكم صمًّا، وأبصاركم الّتي تبصرون بها أن يضيئها لكم وينيرها، أو يذهب بنورها فيجعلكم عميًا لا تبصرون. {ومن يّخرج الحيّ من الميّت} يقول: ومن يخرج الشّيء الحيّ من الميّت. {ويخرج الميّت من الحيّ} يقول: ويخرج الشّيء الميّت من الحيّ.
وقد ذكرنا اختلاف المختلفين من أهل التّأويل والصّواب من القول عندنا في ذلك بالأدلّة الدّالّة على صحّته في سورة آل عمران بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
{ومن يدبّر الأمر} وقل لهم: من يدبّر أمر السّماء والأرض وما فيهنّ وأمركم وأمر الخلق. {فسيقولون اللّه} يقول جلّ ثناؤه: فسوف يجيبونك بأن يقولوا الّذي يفعل ذلك كلّه اللّه. {فقل أفلا تتّقون} يقول: أفلا تخافون عقاب اللّه على شرككم وادّعائكم ربًّا غير من هذه الصّفة صفته، وعبادتكم معه من لا يرزقكم شيئًا ولا يملك لكم ضرًّا ولا نفعًا). [جامع البيان: 12/175-176]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قل من يرزقكم من السّماء والأرض أم من يملك السّمع والأبصار ومن يخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميّت من الحيّ ومن يدبّر الأمر فسيقولون اللّه فقل أفلا تتّقون (31)
قوله تعالى: قل من يرزقكم من السّماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار
.......
قوله: يخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميّت من الحي
قد تقدّم تفسيره.
قوله تعالى: من يدبّر الأمر فسيقولون اللّه
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ يدبّر الأمر قال: يقضيه وحده.
قوله تعالى: أفلا تتّقون
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو صفوان، ثنا القسم بن يزيد بن عوانة، عن يحيى، ثنا جويبرٌ عن الضّحّاك، في قوله: أفلا تتّقون قال: تتّقون النّار بالصّلوات الخمس.
- أخبرنا عمر بن ثورٍ القيساريّ فيما كتب إليّ، ثنا الفريابيّ، ثنا سفيان عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ تتّقون: تستطيعون). [تفسير القرآن العظيم: 6/1950-1951]
تفسير قوله تعالى: (فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فذلكم اللّه ربّكم الحقّ فماذا بعد الحقّ إلاّ الضّلال فأنّى تصرفون}.
يقول تعالى ذكره لخلقه: أيّها النّاس، فهذا الّذي يفعل هذه الأفعال، فيرزقكم من السّماء والأرض ويملك السّمع والأبصار، ويخرج الحيّ من الميّت والميّت من الحيّ، ويدبّر الأمر {اللّه ربّكم الحقّ} لا شكّ فيه. {فماذا بعد الحقّ إلاّ الضّلال} يقول: فأيّ شيءٍ سوى الحقّ إلاّ الضّلال وهو الجور عن قصد السّبيل. يقول: فإذا كان الحقّ هو ذا، فادّعاؤكم غيره إلهًا وربًّا هو الضّلال والذّهاب عن الحقّ لا شكّ فيه. {فأنّى تصرفون} يقول: فأيّ وجهٍ عن الهدى والحقّ تصرفون وسواهما تسلكون وأنتم مقرّون بأنّ الّذي تصرفون عنه هو الحقّ). [جامع البيان: 12/177]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فذلكم اللّه ربّكم الحقّ فماذا بعد الحقّ إلّا الضّلال فأنّى تصرفون (32)
قوله تعالى: فذلكم اللّه ربّكم الحقّ فماذا بعد الحقّ إلا الضلال
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو الطّاهر، ثنا حرملة بن عبد العزيز قال: قلت لمالك بن أنسٍ: ما ترى في رجلٍ أمره يعنيني قال: ليس ذلك من الحقّ قال اللّه: فماذا بعد الحقّ إلا الضّلال
قرئ على يونس بن عبد الأعلى ومحمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، أنبأ أشهب قال: سئل مالكٌ عن شهادة اللعاب بالشّطرنج والنّرد أترى شهادته جائزةً؟ فقال: أمّا من أتى منها فما أرى شهادتهم طائلةً يقول اللّه عزّ وجلّ:
فماذا بعد الحقّ إلا الضّلال فهذا كلّه من الضّلال.
قوله تعالى: فأنّى تصرفون
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، ثنا بشرٌ بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: فأنى قال كيف). [تفسير القرآن العظيم: 6/1951]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن حرملة بن عبد العزيز قال: قلت لمالك بن أنس رضي الله عنه: ما تقول في رجل أمره يقيني قال: ليس ذلك من الحق، قال الله {فماذا بعد الحق إلا الضلال}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أشهب رضي الله عنه قال: سئل مالك عن شهادة اللعاب بالشطرنج والنرد فقال: أما من أدمنها فما أرى شهادتهم طائلة، يقول الله {فماذا بعد الحق إلا الضلال} والله أعلم). [الدر المنثور: 7/661-662]
تفسير قوله تعالى: (كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كذلك حقّت كلمة ربّك على الّذين فسقوا أنّهم لا يؤمنون}.
يقول تعالى ذكره: كما قد صرف هؤلاء المشركون عن الحقّ إلى الضّلال، {كذلك حقّت كلمة ربّك} يقول: وجب عليهم قضاؤه وحكمه في السّابق من علمه، {على الّذين فسقوا} فخرجوا من طاعة ربّهم إلى معصيته وكفروا به؛ {أنّهم لا يؤمنون} يقول: لا يصدّقون بوحدانيّة اللّه ولا بنبوّة نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم). [جامع البيان: 12/177]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (كذلك حقّت كلمة ربّك على الّذين فسقوا أنّهم لا يؤمنون (33)
قوله: كذلك حقّت كلمة ربّك على الّذين فسقوا
- وبه عن ابن عبّاسٍ في قوله: كذلك حقّت كلمة ربّك على الّذين فسقوا يقول: سبقت كلمة ربّك.
قوله تعالى: أنّهم لا يؤمنون
- ذكر الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا الحجّاج بن محمّدٍ قال ابن جريجٍ أخبرني ابن كثيرٍ عن مجاهدٍ قوله: لا يؤمنون قال: إذا جاءت بخبرٍ لا يؤمنون). [تفسير القرآن العظيم: 6/1951]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 33.
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {كذلك حقت كلمة ربك} يقول: سبقت كلمة ربك.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه {كذلك حقت} يقول: صدقت). [الدر المنثور: 7/662]