العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الروم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 11:58 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة الروم [ من الآية (26) إلى الآية (32) ]

تفسير سورة الروم
[ من الآية (26) إلى الآية (32) ]

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (29) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14 جمادى الأولى 1434هـ/25-03-2013م, 08:55 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وله من في السّموات والأرض كلٌّ له قانتون (26) وهو الّذي يبدأ الخلق ثمّ يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السّماوات والأرض وهو العزيز الحكيم}.
يقول تعالى ذكره: وقوله: {من في السّموات والأرض} من ملكٍ وجنٍّ وإنسٍ عبيدٍ وملوكٍ {كلٌّ له قانتون} يقول: كلّهم له مطيعون، فيقول قائلٌ: وكيف قيل {كلٌّ له قانتون} وقد علم أنّ أكثر الإنس والجنّ له عاصون؟ فنقول: اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فنذكر اختلافهم، ثمّ نبيّن الصّواب عندنا في ذلك من القول، فقال بعضهم: ذلك كلامٌ مخرجه مخرج العموم، والمراد به الخصوص، ومعناه: كلٌّ له قانتون في الحياة والبقاء والموت، والفناء والبعث والنّشور، لا يمتنع عليه شيءٌ من ذلك، وإن عصاه بعضهم من غير ذلك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله {ومن آياته أن تقوم السّماء والأرض بأمره} إلى {كلٌّ له قانتون} يقول: مطيعون، يعني الحياة والنّشور والموت، وهم عاصون له فيما سوى ذلك من العبادة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: كلٌّ له قانتون بإقرارهم بأنّه ربّهم وخالقهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {كلٌّ له قانتون} أي مطيعٌ مقرٌّ بأنّ اللّه ربّه وخالقه.
وقال آخرون: هو على الخصوص، والمعنى: وله من في السّماوات والأرض من ملكٍ وعبدٍ مؤمنٍ للّه مطيعٍ دون غيرهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {كلٌّ له قانتون} قال: كلٌّ له مطيعون. المطيع: القانت، قال: وليس شيءٌ إلاّ وهو مطيعٌ، إلاّ ابن آدم، وكان أحقّهم أن يكون أطوعهم للّه. وفي قوله {وقوموا للّه قانتين} قال: هذا في الصّلاة، لا تتكلّموا في الصّلاة كما يتكلّم أهل الكتاب في الصّلاة، قال: وأهل الكتاب يمشي بعضهم إلى بعضٍ في الصّلاة، قال: ويتقاتلون في الصّلاة، فإذا قيل لهم في ذلك، قالوا: لكي تذهب الشّحناء من قلوبنا وتسلم قلوب بعضنا لبعضٍ، فقال اللّه: {وقوموا للّه قانتين} لا تزولوا كم يزولون. {قانتين}: لا تتكلّموا كما يتكلّمون. قال: فأمّا ما سوى هذا كلّه في القرآن من القنوت فهو الطّاعة، إلاّ هذه الواحدة.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب القول الّذي ذكرناه عن ابن عبّاسٍ: وهو أنّ كلّ من في السّماوات والأرض من خلقٍ للّه مطيعٍ في تصرّفه فيما أراد تعالى ذكره من حياةٍ وموتٍ، وما أشبه ذلك، وإن عصاه فيما يكتسبه بقواه، وفيما له السّبيل إلى اختياره، وإيثاره على خلافه.
وإنّما قلت: ذلك أولى بالصّواب في تأويل ذلك، لأنّ العصاة من خلقه فيما لهم السّبيل إلى اكتسابه كثيرٌ عددهم، وقد أخبر تعالى ذكره عن جميعهم أنّهم له قانتون، فغير جائزٍ أن يخبر عمّن هو عاصٍ أنّه له قانتٌ فيما هو له عاصٍ. وإذا كان ذلك كذلك، فالّذي فيه عاصٍ هو ما وصفت، والّذي هو له قانتٌ ما بيّنت). [جامع البيان: 18/483-485]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله (كل له قانتون) يقول: مطيعون يعني الحياة والنشور والموت، وهم عاصون له فيما سوى ذلك من العبادة، والله تعالى أعلم). [الدر المنثور: 11/595]

تفسير قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وهو الّذي يبدأ الخلق ثمّ يعيده} يقول تعالى ذكره: والّذي له هذه الصّفات تبارك وتعالى، هو الّذي يبدأ الخلق من غير أصلٍ فينشئه ويوجده، بعد أن لم يكن شيئًا، ثمّ يفنيه بعد ذلك، ثمّ يعيده، كما بدأه بعد فنائه، وهو أهون عليه.
اختلف أهل التّأويل، في معنى قوله: {وهو أهون عليه} فقال بعضهم: معناه: وهو هيّنٌ عليه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ العطّار، عن سفيان، عمّن ذكره، عن منذرٍ الثّوريّ، عن الرّبيع بن خثيمٍ، {وهو أهون عليه} قال: ما شيءٌ عليه بعزيزٍ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله {وهو الّذي يبدأ الخلق ثمّ يعيده وهو أهون عليه} يقول: كلّ شيءٍ عليه هيّنٌ.
وقال آخرون: معناه: وإعادة الخلق بعد فنائهم أهون عليه من ابتداء خلقهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله {وهو أهون عليه} قال: يقول: أيسر عليه.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {وهو أهون عليه} قال: الإعادة أهون عليه من البداءة، والبداءة عليه هيّنٌ.
- حدّثني ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن سماكٍ، عن عكرمة، قرأ هذا الحرف {وهو الّذي يبدأ الخلق ثمّ يعيده وهو أهون عليه} قال: تعجّب الكفّار من إحياء اللّه الموتى، قال: فنزلت هذه الآية {وهو الّذي يبدأ الخلق ثمّ يعيده، وهو أهون عليه} إعادة الخلق أهون عليه من إبداء الخلق.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا غندرٌ، عن شعبة، عن سماكٍ، عن عكرمة بنحوه، إلاّ أنّه قال: إعادة الخلق أهون عليه من ابتدائه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {وهو أهون عليه} يقول: إعادته أهون عليه من بدئه، وكلٌّ على اللّه هيّنٌ.
وفي بعض القراءة: (وكلٌّ على اللّه هيّنٌ).
وقد يحتمل هذا الكلام وجهين، غير القولين اللّذين ذكرت، وهو أن يكون معناه: وهو الّذي يبدأ الخلق ثمّ يعيده، وهو أهون على الخلق: أي إعادة الشّيء أهون على الخلق من ابتدائه. والّذي ذكرنا عن ابن عبّاسٍ الخبر الّذي حدّثني به ابن سعدٍ، قولٌ أيضًا له وجهٌ.
وقد وجّه غير واحدٍ من أهل العربيّة قول ذي الرّمّة:
أخي قفراتٍ دببت في عظامه = شفافات أعجاز الكرى فهو أخضع
إلى أنّه بمعنى خاضعٌ. وقول الآخر:
لعمرك إنّ الزّبرقان لباذلٌ = لمعروفه عند السّنين وأفضل
كريمٌ له عن كلّ ذمٍّ تأخّرٌ = وفي كلّ أسباب المكارم أوّل
إلى أنّه بمعنى: وفاضلٌ؛ وقول معنٍ:
لعمرك ما أدري وإنّي لأوجل = على أيّنا تعدو المنيّة أوّل
إلى أنّه بمعنى: وإنّي لوجلٌ؛ وقول الآخر:
تمنّى امرؤ القيس موتي وإن أمت = فتلك سبيلٌ لست فيها بأوحد
إلى أنّه بمعنى: لست فيها بواحدٍ؛ وقول الفرزدق:
إنّ الّذي سمك السّماء بنى لنا = بيتًا دعائمه أعزّ وأطول
إلى أنّه بمعنى: عزيزةٌ طويلةٌ. قالوا: ومنه قولهم في الأذان: اللّه أكبر، بمعنى: اللّه كبيرٌ؛ وقالوا: إن قال قائلٌ: إنّ اللّه لا يوصف بهذا، وإنّما يوصف به الخلق، فزعم أنّه وهو أهون على الخلق، فإنّ الحجّة عليه قول اللّه: {وكان ذلك على اللّه يسيرًا}، وقوله: {ولا يئوده حفظهما}، أي لا يثقله حفظهما.
وقوله: {وله المثل الأعلى} يقول: وللّه المثل الأعلى في السّماوات والأرض، وهو أنّه لا إله إلاّ هو وحده لا شريك له، ليس كمثله شيءٌ، فذلك المثل الأعلى، تعالى ربّنا وتقدّس.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله {وله المثل الأعلى في السّموات} يقول: ليس كمثله شيءٌ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {وله المثل الأعلى في السّموات والأرض} مثله أنّه لا إله إلاّ هو، ولا ربّ غيره.
وقوله: {وهو العزيز الحكيم} يقول تعالى ذكره: وهو العزيز في انتقامه من أعدائه، الحكيم في تدبيره خلقه، وتصريفهم فيما أراد من إحياءٍ وإماتةٍ، وبعثٍ ونشرٍ، وما شاء). [جامع البيان: 18/485-489]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وهو أهون عليه قال الإعادة والبداءة عليه هين). [تفسير مجاهد: 500]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: وهو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم.
أخرج ابن أبي شيبه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الانباري في المصاحف عن عكرمة قال: تعجب الكفار من احياء الله الموتى فنزلت {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه} قال: اعادة الخلق أهون عليه من ابتدائه). [الدر المنثور: 11/595]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج آدم بن أبي اياس والفريابي، وابن أبي شيبه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الانباري والبيهقي في الاسماء والصفات عن مجاهد في قوله {وهو أهون عليه} قال: الاعادة أهون عليه من البداءة والبداءة عليه هين). [الدر المنثور: 11/596]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وهو أهون عليه} قال: أيسر). [الدر المنثور: 11/596]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في الآية قال: في عقولكم إعادة شيء إلى شيء كان أهون من ابتدائه إلى شيء لم يكن). [الدر المنثور: 11/596]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن الانباري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله وهو أهون عليه قال: الاعادة أهون على المخلوق لأنه يقول له يوم القيامة {كن فيكون} وابتداء الخلق من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة.
وأخرج ابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه قال: كل عليه هين). [الدر المنثور: 11/596]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وله المثل الأعلى} يقول {ليس كمثله شيء} الشورى الآية 11). [الدر المنثور: 11/596]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه {وله المثل الأعلى} قال: شهادة ان لا اله إلا الله). [الدر المنثور: 11/596-597]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه {وله المثل الأعلى} قال: مثله انه لا اله إلا هو ولا معبود غيره). [الدر المنثور: 11/597]

تفسير قوله تعالى: (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني طلحة بن عمرو أنه سمع عطاء بن أبي رباح يقول: {ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواءٌ تخافونهم كخيفتكم أنفسكم}، قال: هل أنت، يا ابن آدم، مشرك شيئا مما خولتك في شيء مما رزقتك لا تنفق منه شيئا إلا بعلمه تخاف أن تنفق شيئا منه إلا بعلمه، فقلت: لا أشرك عبدي في شيءٍ مما رزقتني، قال: فرب العالمين تبارك وتعالى يأبى ذلك على ما خولك وتريده أنت، يا ابن آدم، منه). [الجامع في علوم القرآن: 1/89-90]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ضرب لكم مثلا من أنفسكم قال هذا مثل ضرب للمشركين يقول ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقنكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم يقول ليس من أحد يرضى لنفسه أن يشاركه عبده في ماله ونفسه وزوجه حتى يكون بمثله ويقول فقد رضي بذلك ناس لله فجعله معه إلها شريكا). [تفسير عبد الرزاق: 2/102]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: {هل لكم ممّا ملكت أيمانكم} : " في الآلهة، وفيه {تخافونهم} [الروم: 28] : أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضًا "). [صحيح البخاري: 6/114]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله قال ابن عبّاسٍ هل لكم ممّا ملكت أيمانكم في الآلهة وفيه تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضًا وصله الطّبريّ من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عبّاسٍ في هذه الآية قال هي في الآلهة وفيه يقول تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضًا والضّمير في قوله فيه لله تعالى أي أنّ المثل للّه وللأصنام فاللّه المالك والأصنام مملوكةٌ والمملوك لا يساوي المالك ومن طريق أبي مجلزٍ قال إنّ مملوكك لا تخاف أن يقاسمك مالك وليس له ذلك كذلك اللّه لا شريك له ولابن أبي حاتمٍ من طريق سعيدٍ عن قتادة قال هذا مثلٌ ضربه اللّه لمن عدل به شيئًا من خلقه يقول أكان أحدٌ منكم مشاركًا مملوكه في فراشه وزوجته وكذلك لا يرضى اللّه أن يعدل به أحدٌ من خلقه). [فتح الباري: 8/511-512]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: {هل لكم ممّا ملكت أيمانكم} (الرّوم: 28) في الآلهة وفيه تخاوفونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضاً
أي: قال ابن عبّاس في قوله تعالى: {ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم ممّا ملكت أيمانكم من شركاء فبما رزقنا كم فأنتم فيه سواء تخافونهم}. قوله: (في الآلهة) ، أي: نزل هذا في حق الآلهة. قوله: (وفيه) ، أي: وفي حق الله، وهذا على سبيل المثل، أي: هل ترضون لأنفسكم أن يشارككم بعض عبيدكم فيما رزقناكم تكونون أنتم وهم فيه سواء من غير تفرقة بينكم وبين عبيدكم تخافونهم أن يرث بعضهم بعضكم أو أن يستبدوا بتصرّف دونكم كما يخاف بعض الأحرار بعضًا. فإذا لم ترضوا ذلك لأنفسكم فكيف ترضون لرب الأرباب أن تجعلوا بعض عباده شريكا له؟). [عمدة القاري: 19/109-110]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (قال ابن عباس) في قوله تعالى: {هل لكم مما ملكت أيمانكم} [الروم: 28] المسبوق بقوله جل وعلا {ضرب لكم مثلًا من أنفسكم} نزل (في الآلهة) التي كانوا يعبدونها من دون الله (وفيه) تعالى والمعنى أخذ مثلًا وانتزعه من أقرب شيء إليكم وهو أنفسكم ثم بين المثل فقال: {هل لكم مما ملكت أيمانكم} أي من مماليككم من شركاء فيما رزقناكم من المال وغيره وجواب الاستفهام الذي بمعنى النفي قوله: فأنتم فيه سواء ({تخافونهم}) أي تخافون أيها السادة مماليككم (أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضًا) والمراد نفي الثلاثة الشركة والاستواء وخوفهم إياهم فإذا لم يجز أن يكون مماليككم شركاء مع جواز صيرورتهم مثلكم من جميع الوجوه فكيف أن أشركوا مع الله غيره). [إرشاد الساري: 7/286]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواءٌ تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصّل الآيات لقومٍ يعقلون}.
يقول تعالى ذكره: مثّل لكم أيّها القوم ربّكم مثلاً من أنفسكم، {هل لكم من ما ملكت أيمانكم} يقول: من مماليككم من شركاء، {في ما رزقناكم} من مالٍ، {فأنتم فيه سواءٌ} وهم. يقول: فإذا لم ترضوا بذلك لأنفسكم فكيف رضيتم أن تكون آلهتكم الّتي تعبدونها لي شركاء في عبادتكم إيّاي، وأنتم وهم عبيدي ومماليكي، وأنا مالكٌ جميعكم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواءٌ} قال: مثلٌ ضربه اللّه لمن عدل به شيئًا من خلقه، يقول: أكان أحدكم مشاركًا مملوكه في فراشه وزوجته؟! فكذلكم اللّه لا يرضى أن يعدل به أحدٌ من خلقه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواءٌ} قال: تجد أحدًا يجعل عبده هكذا في ماله، فكيف تعمد أنت وأنت تشهد أنّهم عبيدي وخلقي، وتحمل لهم نصيبًا في عبادتي، كيف يكون هذا؟ قال: وهذا مثلٌ ضربه اللّه لهم، وقرأ: {كذلك نفصّل الآيات لقومٍ يعقلون}.
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {تخافونهم كخيفتكم أنفسكم} فقال بعضهم: معنى ذلك: تخافون هؤلاء الشّركاء ممّا ملكت أيمانكم أن يرثوكم أموالكم من بعد وفاتكم، كما يرث بعضكم بعضًا.
ذكر من قال ذلك:
- حديثٌ عن حجّاجٍ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ، قال: في الآلهة، وفيه يقول: تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضًا.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: تخافون هؤلاء الشّركاء ممّا ملكت أيمانكم أن يقاسموكم أموالكم، كما تقاسم بعضًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر، قال: سمعت عمران، قال: قال أبو مجلزٍ: إنّ مملوكك لا تخاف أن يقاسمك مالك، وليس له ذلك، كذلك اللّه لا شريك له.
وأولى القولين بالصّواب في تأويل هذا القول الثّاني، لأنّه أشبههما بما دلّ عليه ظاهر الكلام، وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه وبّخ هؤلاء المشركين في الّذين جعلوا له من خلقه آلهةً يعبدونها، وأشركوهم في عبادتهم إيّاه، وهم مع ذلك يقرّون بأنّها خلقه وهم عبيده، وعيّرهم بفعلهم ذلك، فقال لهم: هل لكم من عبيدكم شركاء فيما خوّلناكم من نعمنا، فهم سواءٌ، أنتم في ذلك تخافون أن يقاسموكم ذلك المال الّذي هو بينكم وبينهم، كخيفة بعضكم بعضًا أن يقاسمه ما بينه وبينه من المال شركةً، فالخيفة الّتي ذكرها تعالى ذكره بأن تكون خيفةً ممّا يخاف الشّريك من مقاسمة شريكه المال الّذي بينهما إيّاه أشبه من أن تكون خيفةً منه بأن يرثه، لأنّ ذكر الشّركة لا يدلّ على خيفة الوراثة، وقد يدلّ على خيفة الفراق والمقاسمة.
وقوله: {كذلك نفصّل الآيات لقومٍ يعقلون} يقول تعالى ذكره: كما بيّنّا لكم أيّها القوم حججنا في هذه الآيات من هذه السّورة على قدرتنا على ما نشاء من إنشاء ما نشاء، وإفناء ما نحبّ، وإعادة ما نريد إعادته بعد فنائه، ودللنا على أنّه لا تصلح العبادة إلاّ للواحد القهّار، الّذي بيده ملكوت كلّ شيءٍ، كذلك نبيّن حججنا في كلّ حقٍّ لقومٍ يعقلون، فيتدبّرونها إذا سمعوها، ويعتبرون فيتّعظون بها). [جامع البيان: 18/489-492]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت إيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون * بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين.
أخرج الطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان يلبي أهل الشرك لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه ملك فأنزل الله {هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء} ). [الدر المنثور: 11/597]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {هل لكم من ما ملكت أيمانكم} الآية، قال: هي في الآلهة وفيه يقول: تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا). [الدر المنثور: 11/597]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {ضرب لكم} الآية، قال هذا مثل ضربه الله لمن عدل به شيئا من خلقه يقول: أكان أحد منكم مشاركا مملوكه في ماله ونفسه وزوجته فكذلك لا يرضى الله تعالى أن يعدل به أحد من خلقه). [الدر المنثور: 11/597-598]

تفسير قوله تعالى: (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {بل اتّبع الّذين ظلموا أهواءهم بغير علمٍ فمن يهدي من أضلّ اللّه وما لهم من ناصرين}.
يقول تعالى ذكره: ما ذلك كذلك، ولا أشرك هؤلاء المشركون في عبادة اللّه الآلهة والأوثان، لأنّ لهم شركاء فيما رزقهم اللّه من ملك أيمانهم، فهم وعبيدهم فيه سواءٌ، يخافونهم أن يقاسموهم ما هم وشركاؤهم فيه، فرضوا للّه من أجل ذلك بما رضوا به لأنفسهم، فأشركوهم في عبادته، ولكنّ الّذين ظلموا أنفسهم فكفروا باللّه، اتّبعوا أهواءهم، جهلاً منهم لحقّ اللّه عليهم، فأشركوا الآلهة والأوثان في عبادته {فمن يهدي من أضلّ اللّه} يقول: فمن يسدّد للصّواب من الطّرق، يعني بذلك من يوفّق للإسلام من أضلّ اللّه عن الاستقامة والرّشاد؟ {وما لهم من ناصرين} يقول: وما لمن أضلّ اللّه من ناصرين ينصرونه، فينقذونه من الضّلاّل الّذي يبتليه به تعالى ذكره). [جامع البيان: 18/492]

تفسير قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب أن أبا هريرة قال: قال النبي كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله قال معمر وقال قتادة لا تبديل لدين الله). [تفسير عبد الرزاق: 2/102-103]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (وقال معمر وكان الحسن يقول فطرة الله الإسلام). [تفسير عبد الرزاق: 2/103]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {لا تبديل لخلق اللّه} [الروم: 30] : لدين اللّه " خلق الأوّلين: دين الأوّلين، والفطرة الإسلام "
- حدّثنا عبدان، أخبرنا عبد اللّه، أخبرنا يونس، عن الزّهريّ، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرّحمن، أنّ أبا هريرة رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مولودٍ إلّا يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه، كما تنتج البهيمة بهيمةً جمعاء، هل تحسّون فيها من جدعاء»، ثمّ يقول: {فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدّين القيّم} [الروم: 30]). [صحيح البخاري: 6/114]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب لا تبديل لخلق الله)
لدين اللّه خلق الأوّلين دين الأوّلين أخرج الطّبريّ من طريق إبراهيم النّخعيّ في قوله لا تبديل لخلق الله قال لدين اللّه ومن طرقٍ عن مجاهدٍ وعكرمة وقتادة وسعيد بن جبيرٍ والضّحّاك مثله وفيه قولٌ آخر أخرجه الطّبريّ من طرقٍ عن بن عبّاس وعكرمة ومجاهد قال الإحصاء وروى بن أبي حاتمٍ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ في قوله إن هذا إلّا خلق الأوّلين يقول دين الأوّلين وهذا يؤيّد الأوّل وفيه قول آخر أخرجه بن أبي حاتمٍ من طريق الشّعبيّ عن علقمة في قوله خلق الأوّلين قال اختلاق الأوّلين ومن طريق بن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قال كذبهم ومن طريق قتادة قال سيرتهم
قوله والفطرة الإسلام هو قول عكرمة وصله الطّبريّ من طريقه وقد تقدّم نقل الخلاف في ذلك في أواخر كتاب الجنائز ثمّ ذكر حديث أبي هريرة ما من مولودٍ إلّا يولد على الفطرة وقد تقدّم بسنده ومتنه في كتاب الجنائز مع شرحه في باب ما قيل في أولاد المشركين). [فتح الباري: 8/512-513]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب: {لا تبديل لخلق الله} (الرّوم: 30) لدين الله. {خلق الأولين} (الشّعراء: 137) دين الأوّلين والفطرة الإسلام)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {لا تبديل لخلق الله} وليس في كثير من النّسخ لفظ: باب. قوله: (لدين الله) ، تفسير: الخلق الله، وكذا روى الطّبريّ عن إبراهيم النّخعيّ في قوله: {لا تبديل لخلق الله} قال: لدين الله، وفي التّفسير أي: لدين الله، أي: لا يصح ذلك ولا ينبغي أن يفعل، ظاهره نفي ومعناها نهي، هذا قول أكثر العلماء، وعن عكرمة ومجاهد: لا تغيير لخلق الله تعالى من البهائم بالخصا ونحوها. قوله: {خلق الأوّلين دين الأوّلين} ، أشار به إلى أن معنى قوله تعالى: {إن هذا إلاّ خلق الأوّلين} يعني: دين الأوّلين، وهكذا روي عن ابن عبّاس، أخرجه ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه. قوله: (والفطرة الإسلام) ، أشار به إلى قوله تعالى: {فطرة الله الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدّين القيم ولكن أكثر النّاس لا يعلمون} (الرّوم: 30) . وفسّر الفطرة بالإسلام، وهو قول عكرمة، وقيل: الفطرة هنا هي الفقر والفاقة، وفطرة الله نصب على المصدر، أي: فطر فطرة، وقيل: نصب على الإغراء، والدّين القيم أي المستقيم.
- حدّثنا عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزّهريّ قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرّحمان أنّ أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مولودٍ إلا يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسّون فيها من جدعاء ثمّ يقول: {فطرة الله الّتي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذالك الدّين القيّم}.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة، وعبدان هو عبد الله بن عثمان المروزي وعبدان لقبه، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، ويونس هو ابن يزيد، والزهريّ هو محمّد بن مسلم بن شهاب، وأبو سلمة هو ابن عبد الرّحمن بن عوف والمشهور أن هذه الكنية هي اسمه، والحديث مضى في كتاب الجنائز في: باب إذا أسلم الصّبي فمات، بعين هذا الإسناد والمتن، ومضى الكلام فيه مستوفى.
قوله: (كما تنتج البهيمة) ، على صيغة المجهول، (وبهيمة) مفعول ثان له، (وجمعاء) تامّة الأعضاء غير ناقصة الأطراف، والجدعاء الّتي قطعت أذنها أو أنفها. قوله: (فأبواه) ، أي: أبو المولود. قوله: (ثمّ يقول) أي: أبو هريرة). [عمدة القاري: 19/111]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {لا تبديل لخلق اللّه}: لدين اللّه {خلق الأوّلين}: دين الأوّلين. والفطرة: الإسلام
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({لا تبديل لخلق الله}) [الروم: 30] أي (لدين الله) قاله إبراهيم النخعي فيما أخرجه عنه الطبري فهو خبر بمعنى النهي أي لا تبدلوا دين الله.
({خلق الأوّلين}) أي (دين الأوّلين) ساقه شاهد التفسير الأوّل (والفطرة) في قوله: {فطرة الله التي فطر الناس عليها} [الروم: 30] هي (الإسلام) قاله عكرمة فيما وصله الطبري وسقط لفظ باب لغير أبي ذر.
- حدّثنا عبدان أخبرنا عبد اللّه، أخبرنا يونس عن الزّهريّ، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرّحمن، أنّ أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «ما من مولودٍ إلاّ يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه، كما تنتج البهيمة بهيمةً جمعاء، هل تحسّون فيها من جدعاء؟ ثمّ يقول: {فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدّين القيّم}».
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-): (ما من مولود إلا يولد على الفطرة) قيل يعني العهد الذي أخذه عليهم بقوله: {ألست بربكم قالوا بلى} [الأعراف: 172] وكل مولود في العالم على ذلك الإقرار وهي الحنيفية التي وقعت الخلقة عليها وإن عبد غيره ولكن لا عبرة بالإيمان الفطري إنما المعتبر الإيمان الشرعي المأمور به. وقال ابن المبارك معنى الحديث أن كل مولود يولد على فطرته أي خلقته التي جبل عليها في علم الله من السعادة والشقاوة فكل منهم صائر في العاقبة إلى ما فطر عليها وعامل في الدنيا بالعمل المشاكل لها، فمن أمارات الشقاء أن يولد بين يهوديين أو نصرانيين أو مجوسيين فيحملانه لشقائه على اعتقاد دينهما، وقيل المعنى أن كل مولود يولد في مبدأ الخلقة على الجبلة السليمة والطبع المتهيئ لقبول الدين فلو ترك عليها لاستمرّ على لزومها لكن تطرأ على بعضهم الأديان الفاسدة كما قال: (فأبواه
يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج) بضم أوّله وفتح ثالثه على صيغة المبني للمفعول أي تلد (البهيمة بهيمة جمعاء) بفتح الجيم وسكون الميم ممدودًا تامة الأعضاء (هل تحسون فيها من جدعاء) بفتح الجيم وسكون المهملة ممدودًا مقطوعة الأذن أو الأنف أي لا جدع فيها من أصل الخلقة إنما يجدعها أهلها بعد ذلك فكذلك المولود يولد على الفطرة ثم يتغير بعد.
ونقل في المصابيح عن القاضي أبي بكر بن العربي أن معنى قوله: فأبواه الخ أنه ملحق بهما في الأحكام من تحريم الصلاة عليه ومن ضرب الجزية عليه إلى غير ذلك ولولا أنه ولد على فراشهما لمنع من ذلك كله قال ولم يرد أنهما يجعلانه يهوديًا أو نصرانيًّا إذ لا قدرة لهما على أن يفعلا فيه الاعتقاد أصلًا. اهـ.
فليتأمل.
(ثم يقول) أي أبو هريرة مستشهدًا لما ذكر ({فطرة الله}) أي خلقته نصب على الإغراء ({التي فطر الناس عليها}) أي خلقهم عليها وهي قبولهم للحق ({لا تبديل لخلق الله}) أي ما ينبغي أن يبدل أو خبر بمعنى النهي ({ذلك الدين القيم}) الذي لا عوج فيه.
وهذا الحديث سبق في باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه من كتاب الجنائز). [إرشاد الساري: 7/287-288]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فأقم وجهك للدّين حنيفًا فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدّين القيّم ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون}.
يقول تعالى ذكره: فسدّد وجهك نحو الوجه الّذي وجّهك إليه ربّك يا محمّد لطاعته، وهي الدّين، {حنيفًا} يقول: مستقيمًا لدينه وطاعته، {فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها} يقول: صنعة اللّه الّتي خلق النّاس عليها، ونصبت فطرة على المصدر من معنى قوله {فأقم وجهك للدّين حنيفًا} وذلك أنّ معنى ذلك: فطر اللّه النّاس على ذلك فطرةً.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها} قال: الإسلام مذ خلقهم اللّه من آدم جميعًا، يقرّون بذلك، وقرأ: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا} قال: {كان النّاس أمّةً واحدةً فبعث اللّه النّبيّين} بعد.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {فطرة اللّه} قال: الإسلام.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضعٍ، قالا: حدّثنا يونس بن أبي صالحٍ، عن يزيد بن أبي مريم، قال: مرّ عمر بمعاذ بن جبلٍ، فقال: ما قوام هذه الأمّة؟ قال معاذٌ: ثلاثٌ، وهنّ المنجيات: الإخلاص، وهو الفطرة {فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها} والصّلاة؛ وهي الملّة والطّاعة؛ وهي العصمة، فقال عمر: صدقت.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثني ابن عليّة، قال: حدّثنا أيّوب، عن أبي قلابة، أنّ عمر قال لمعاذٍ: ما قوام هذه الأمّة؟ ثمّ ذكر نحوه.
وقوله {لا تبديل لخلق اللّه} يقول: لا تغيير لدين اللّه: أي لا يصلح ذلك، ولا ينبغي أن يفعل.
واختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم نحو الّذي قلنا في ذلك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {لا تبديل لخلق اللّه} قال: لدينه.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن ليثٍ، قال: أرسل مجاهدٌ رجلاً يقال له قاسمٌ إلى عكرمة يسأله عن قول اللّه: {لا تبديل لخلق اللّه} قال: إنّما هو الدّين، وقرأ {لا تبديل لخلق اللّه، ذلك الدّين القيّم}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا زيد بن حبابٍ، عن حسين بن واقدٍ، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة: {فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها} قال: الإسلام.
- قال: حدّثنا أبي، عن نضر بن عربيٍّ، عن عكرمة: {لا تبديل لخلق اللّه} قال: لدين اللّه.
- قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: لدين اللّه.
- قال: حدّثنا أبي، عن عبد الجبّار بن الورد، عن القاسم بن أبي بزّة، قال: قال مجاهدٌ، فسل عنها عكرمة، فسألته، فقال عكرمة: دين اللّه تعالى، ما له أخزاه اللّه؟ ألم يسمع إلى قوله: {فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها، لا تبديل لخلق اللّه}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {لا تبديل لخلق اللّه} أي لدين اللّه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حفص بن غياثٍ، عن ليثٍ، عن عكرمة، قال: لدين اللّه.
- قال: حدّثنا ابن عيينة، عن حميدٍ الأعرج، قال: قال سعيد بن جبيرٍ {لا تبديل لخلق اللّه} قال: لدين اللّه.
- قال: حدّثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، {لا تبديل لخلق اللّه} قال: لدين اللّه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {لا تبديل لخلق اللّه} قال: دين اللّه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن مسعرٍ، وسفيان، عن قيس بن مسلمٍ، عن إبراهيم، قال {لا تبديل لخلق اللّه} قال: لدين اللّه.
- قال: حدّثنا أبي، عن جعفرٍ الرّازيّ، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: لدين اللّه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تغيير لخلق اللّه من البهائم بأن يخصى الفحول منها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن مطرّفٍ، عن رجلٍ، سأل ابن عبّاسٍ عن خصاء البهائم، فكرهه، وقال: {لا تبديل لخلق اللّه}.
- قال: حدّثنا ابن عيينة، عن حميدٍ الأعرج، قال: قال عكرمة: الإخصاء.
- قال: حدّثنا حفص بن غياثٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: الإخصاء.
وقوله: {ذلك الدّين القيّم} يقول تعالى ذكره: إنّ إقامتك وجهك للدّين حنيفًا غير مغيّرٍ ولا مبدّل هو الدّين القيّم، يعني المستقيم الّذي لا عوج فيه عن الاستقامة من الحنيفيّة إلى اليهوديّة والنّصرانيّة، وغير ذلك من الضّلالات والبدع المحدثة.
وقد وجّه بعضهم معنى الدّين في هذا الموضع إلى الحساب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمارة، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، قال أخبرنا أبو ليلى، عن بريدة، {ذلك الدّين القيّم} قال: الحساب القيّم. {ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون} يقول تعالى ذكره: ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون أنّ الدّين الّذي أمرتك يا محمّد به بقولي {فأقم وجهك للدّين حنيفًا} هو الدّين الحقّ دون سائر الأديان غيره). [جامع البيان: 18/492-497]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فطرة الله التي فطر الناس عليها قال الفطرة الدين الإسلام). [تفسير مجاهد: 500]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس في قوله لا تبديل لخلق الله قال هو الإخصاء). [تفسير مجاهد: 500]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد يعني لدين الله). [تفسير مجاهد: 501]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن المغيرة عن إبراهيم مثله قال لا تبديل لدين الله). [تفسير مجاهد: 501]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
أخرج الفريابي، وابن أبي شيبه، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {فطرة الله التي فطر الناس عليها} قال: الدين الإسلام {لا تبديل لخلق الله} قال: لدين الله). [الدر المنثور: 11/598]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبه، وابن جرير، وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه في قوله {فطرة الله التي فطر الناس عليها} قال: الإسلام). [الدر المنثور: 11/598]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله {فطرة الله التي فطر الناس عليها} قال: دين الله الذي فطر خلقه عليه). [الدر المنثور: 11/598]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الاصول عن مكحول رضي الله عنه، ان الفطرة معرفة الله). [الدر المنثور: 11/598]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {لا تبديل لخلق الله} قال: دين الله {ذلك الدين القيم} قال: القضاء القيم). [الدر المنثور: 11/598]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن حماد بن عمر الصفار قال: سألت قتادة رضي الله عنه عن قوله {فطرة الله التي فطر الناس عليها} فقال: حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {فطرة الله التي فطر الناس عليها} قال: دين الله). [الدر المنثور: 11/598-599]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، أن عمر رضي الله عنه قال له: ما قوام هذه الأمة قال: ثلاث وهي المنجيات، الإخلاص: وهي الفطرة التي فطر الناس عليها، والصلاة: وهي الملة، والطاعة: وهي العصمة، فقال عمر رضي الله عنه: صدقت). [الدر المنثور: 11/599]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير رضي الله عنه {لا تبديل لخلق الله} قال: لدين الله.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة وقتادة والضحاك وإبراهيم، وابن زيد، مثله). [الدر المنثور: 11/599]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: اقرأوا إن شئتم {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم} ). [الدر المنثور: 11/599-600]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج مالك وأبو داود، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه كما تنتج الإبل من بهيمة جمعاء هل تحس من جدعاء) قالوا: يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير قال: الله أعلم بما كانوا عاملين). [الدر المنثور: 11/600]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبه وأحمد والنسائي والحاكم وصححه، وابن مردويه عن الأسود بن سريع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى خيبر فقاتلوا المشركين فانتهى بهم القتل إلى الذرية فلما جاؤا قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ما حملكم على قتل الذرية قالوا: يا رسول الله إنما كانوا أولاد المشركين قال: وهل خياركم إلا أولاد المشركين والذي نفسي بيده ما من نسمة تولد إلا على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها). [الدر المنثور: 11/600]

تفسير قوله تعالى: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {منيبين إليه واتّقوه وأقيموا الصّلاة ولا تكونوا من المشركين (31) من الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا كلّ حزبٍ بما لديهم فرحون}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {منيبين إليه} تائبين راجعين إلى اللّه مقبلين.
- كما حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {منيبين إليه} قال: المنيب إلى اللّه: المطيع للّه، الّذي أناب إلى طاعة اللّه وأمره، ورجع عن الأمور الّتي كان عليها قبل ذلك. كان القوم كفّارًا، فنزعوا ورجعوا إلى الإسلام.
وتأويل الكلام: فأقم وجهك يا محمّد للدّين حنيفًا {منيبين إليه} إلى اللّه؛ فالمنيبون حالٌ من الكاف الّتي في {وجهك}.
فإن قال قائلٌ: وكيف يكون حالاً منها، والكاف كنايةٌ عن واحدٍ، والمنيبون صفةٌ لجماعةٍ؟
قيل: لأنّ الأمر لمن الكاف كناية اسمه من اللّه في هذا الموضع أمرٌ منه له ولأمّته، فكأنّه قيل له: فأقم وجهك أنت وأمّتك للدّين حنيفًا للّه، منيبين إليه.
وقوله: {واتّقوه} يقول جلّ ثناؤه: وخافوا اللّه وراقبوه أن تفرّطوا في طاعته، وتركبوا معصيته، {ولا تكونوا من المشركين} يقول: ولا تكونوا من أهل الشّرك باللّه بتضييعكم فرائضه وركوبكم معاصيه، وخلافكم الدّين الّذي دعاكم إليه). [جامع البيان: 18/497-498]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {منيبين إليه} قال: تائبين اليه). [الدر المنثور: 11/600]

تفسير قوله تعالى: (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {من الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا} يقول: ولا تكونوا من المشركين الّذين بدّلوا دينهم وخالفوه ففارقوه {وكانوا شيعًا} يقول: وكانوا أحزابًا فرقًا كاليهود والنّصارى.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا} وهم اليهود والنّصارى.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا} إلى آخر الآية قال: هؤلاء يهود.
فلو وجّه قوله {من الّذين فرّقوا دينهم} إلى أنّه خبرٌ مستأنفٌ منقطعٌ عن قوله: {ولا تكونوا من المشركين} وأنّ معناه: من الّذين فرّقوا دينهم {وكانوا شيعًا} أحزابًا {كلّ حزبٍ بما لديهم فرحون} كان وجهًا يحتمله الكلام.
وقوله: {كلّ حزبٍ بما لديهم فرحون} يقول: كلّ طائفةٍ وفرقةٍ من هؤلاء الّذين فارقوا دينهم الحقّ، فأحدثوا البدع الّتي أحدثوا بما لديهم فرحون. يقول: بما هم به متمسّكون من المذهب، فرحون: مسرورون، يحسبون أنّ الصّواب معهم دون غيرهم). [جامع البيان: 18/498]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة {من الذين فرقوا دينهم} قال: هم اليهود والنصارى، وفي قوله {أم أنزلنا عليهم سلطانا} قال: يأمرهم بذلك). [الدر المنثور: 11/601]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 17 جمادى الأولى 1434هـ/28-03-2013م, 01:56 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى:{وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وله من في السّموات والأرض كلٌّ له قانتون} [الروم: 26] يقول: مقرّون له بالعبوديّة، تفسير السّدّيّ.
وتفسير الحسن: كلٌّ له قائمٌ بالشّهادة.
وتفسير الكلبيّ: {كلٌّ له قانتون} [الروم: 26]، يعني: كلٌّ له مطيعون في الآخرة، ولا يقبل ذلك من الكفّار). [تفسير القرآن العظيم: 2/653]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ)
: ({كلٌّ لّه قانتون}: أي : مطيعون , و " كلٌ " لفظه لفظ الواحد , ويقع معناه على الجميع , فهو هاهنا جميع , وفي الكلام: كل له مطيع أيضاً.).
[مجاز القرآن: 2/121]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {كلٌّ له قانتون}: أي مقرّون بالعبوديّة.). [تفسير غريب القرآن: 340]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (القنوت: القيام. وسئل صلّى الله عليه وسلم: أيّ الصلاة أفضل؟ فقال: ((طول القنوت)) أي طول القيام. وقال تعالى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} [الزمر: 9]، أي أمن هو مصلّ، فسميت الصلاة قنوتا: لأنها بالقيام تكون.
وروي عنه، عليه السلام، أنه قال: ((مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القانت الصائم))، يعني المصلّي الصّائم).
ثم قيل للدعاء: قنوت؛ لأنّه إنما يدعو به قائما في الصلاة قبل الركوع أو بعده.
وقيل، الإمساك عن الكلام في الصلاة قنوت، لأن الإمساك عن الكلام يكون في القيام، لا يجوز لأحد أن يأتي فيه بشيء غير القرآن.
قال زيد بن أرقم: (كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}، فنهينا عن الكلام وأمرنا بالسكوت).
ويقال: إن قانتين في هذا الوضع: مطيعين. والقنوت: الإقرار بالعبوديّة، كقوله: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ}، أي مقرّون بعبوديته. والقنوت: الطاعة، كقوله: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ}، أي: المطيعين والمطيعات.
وقوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ}، أي مطيعا لله. ولا أرى أصل هذا الحرف إلا الطاعة؛ لأنّ جميع هذه الخلال: من الصلاة، والقيام فيها، والدعاء وغير ذلك- يكون عنها). [تأويل مشكل القرآن: 451-452] (م)

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله:{وله من في السّماوات والأرض كلّ له قانتون (26)} معناه : مطيعون، والمعنى: وهذا من آياته، ولم يذكر " ومن آياته " ؛ لأنه قد تقدم ذكر ذلك مرات. ومعنى " قانتون " : مطيعون طاعة لا يجوز أن تقع معها معصية، لأن القنوت القيام بالطاعة.
ومعنى الطاعة ههنا: أن من في السّماوات الأرض في خلقهم دليل على أنهم مخلوقون بإرادة الله عزّ وجلّ , لا يقدر أحد على تغيير الخلقة، ولا يقدر عليه فلك مقرب، فآثار الصنعة والخلقة تدل على الطاعة، ليس يعني طاعة العباد، إنما هي طاعة الإرادة , والمشيئة.). [معاني القرآن: 4/182-183]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وله من في السموات والأرض كل له قانتون} وهذا أيضا من آياته ., وحذف ؛ لأن في الكلام دليلا عليه , والقانت القائم بالطاعة , والقيام ههنا : الانقياد لله جل وعز على ما حب العباد , أو كرهوا.). [معاني القرآن: 5/254]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ}: أي: مقرون بالعبودية.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 187]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وهو الّذي يبدأ الخلق ثمّ يعيده} [الروم: 27] بعد الموت، يعني: البعث.
{وهو أهون عليه} [الروم: 27]، يعني: وهو أسرع عليه، بدأ الخلق خلقًا
[تفسير القرآن العظيم: 2/653]
بعد خلقٍ، ثمّ يبعثهم مرّةً واحدةً.
حدّثني الحسن بن دينارٍ، عن الحسن، قال: اللّه {يبدأ الخلق ثمّ يعيده} [الروم: 27] قال: خلقًا بعد خلقٍ {وهو أهون عليه} [الروم: 27] قال: أسرع عليه، وأظنّه قال: يجمعهم.
قوله عزّ وجلّ: {وله المثل الأعلى في السّموات والأرض} [الروم: 27] عمّا قال المشركون، أي: أنّه ليس له ندٌّ ولا شبهٌ.
قال: {وهو العزيز الحكيم} [الروم: 27]، {العزيز} في نقمته، {الحكيم} في أمره، ينزّه نفسه عمّا قال المشركون أن جعلوا للّه الأنداد فعبدوهم دونه). [تفسير القرآن العظيم: 2/654]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {وهو أهون عليه...}

[...] حدّث الحسن بن عمارة , عن الحكم , عن مجاهد أنه قال: (الإنشاءة أهون عليه من الابتداء), قال أبو زكريّاء: ولا أشتهي ذلك , والقول فيه أنه مثل ضربه الله فقال: أتكفرون بالبعث، فابتداء خلقكم من لا شيء أشدّ, فالإنشاءة من شيء عندكم بأهل الكفر ينبغي أن تكون أهون عليه. ثم قال : {وله المثل الأعلى} , فهذا شاهدٌ أنه مثل ضربه الله.
[...] حدثني حبّان , عن الكلبيّ , عن أبي صالح , عن ابن عباسٍ قال : {وهو أهون عليه}: (على المخلوق، لأنه يقول له يوم القيامة: كن فيكون , وأوّل خلقه نطفة, ثم من علقة , ثم من مضغةٍ)). [معاني القرآن: 2/324]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وهو الّذي يبدؤ الخلق ثمّ يعيده}: مجازه أنه خلقه , ولم يكن من البدء شيئا , ثم يحيه بعد موته , {وهو أهون عليه}: فجاز مجازه: وذلك هين عليه؛ لأن " أفعل " يوضع في موضع الفاعل , قال:
لعمرك ما أدري. وإني لأوجل= على أيّنا تعدو المنيّة أوّل
أي وإني لواجلٌ أي لوجلٌ، وقال:
= فتلك سبيلٌ لست فيها بأوحد
أي: بواحد , وفي الأذان: الله أكبر , أي: الله كبير, وقال الشاعر:
أصبحت أمنحك الصّدود وإنني= قسماً إليك مع الصدود لأميل
وقال الفرزدق:
إن الذي سمك السماء بنى لنا= بيتا دعائمه أعزّ وأطول
أي : عزيزة طويلة، فإن احتج محتجٌ , فقال : إن الله لا يوصف بهذا , وإنما يوصف به الخلق , فزعم أنه , وهو أهون على الخلق , وإن الحجة عليه قول الله :{وكان ذلك على اللّه يسيراً }, وفي آية أخرى: {ولا يؤده حفظهما }, أي : لا يثقله.). [مجاز القرآن: 2/121-122]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وهو أهون عليه} قال أبو عبيدة: «وهو هين عليه، كما يقال: اللّه أكبر، أي كبير, وأنت أوحد، أي: واحد الناس. وإني لأوجل، أي: وجل, وقال أوس بن حجر:
وقد أعتب أبن العمّ إن كنت ظالما = وأغفر عنه الجهل إن كان أجهلا
أي : أن كان جاهلا. وفي تفسير أبي صالح: {وهو أهون عليه} : أي : على المخلوق, لأنه يقال له يوم القيامة: كن، فيكون. وأول خلقه نطفة، ثم علقة، ثم مضغة.). [تفسير غريب القرآن: 340-341]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ضرب لكم مثلًا من أنفسكم ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}. هذا مثل ضربه الله لمن جعل له شركاء من خلقه، فقال قبل المثل:
{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} يريد: إعادته على المخلوق أهون من ابتدائه؛ لأنه ابتدأه في الرحم نطفة، وعلقة، ومضغة، وإعادته تكون بأن يقول له: {كُنْ فَيَكُونُ} فذلك أهون على المخلوق من النشأة الأولى. كذلك قال ابن عباس في رواية أبي صالح.
وإن جعلته لله، جعلت أهون بمعنى: وهو هيّن عليه، أي سهل عليه. {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} يعني: شهادة أن لا إله إلا الله.
ثم ضرب المثل فقال: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ} وذلك أقرب عليكم هل لكم من شركاء من عبيدكم الذين تملكون {فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ} وعبيدكم {سَوَاءٌ} يأمرون فيه كأمركم، ويحكمون كحكمكم، وأنتم {تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} أي كما يخاف الرجل الحرّ شريكه الحرّ في المال يكون بينهما، فلا يأمر فيه بشيء دون أمره، ولا يمضي فيه عطيّة بغير إذنه).
وهو مثل قوله: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} أي لا تعيبوا إخوانكم من المسلمين.
وقوله: {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} أي بأمثالهم من المؤمنين. يقول: فإذا كنتم أنتم بهذه المنزلة فيما بينكم وبين أرقائكم، فكيف تجعلون لله من عبيده شركاء في ملكه؟
ومثله قوله: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} فجعل منكم المالك والمملوك {فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا} يعني: السادة {بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} من عبيدهم حتى يكونوا فيه شركاء. يريد: فإذا كان هذا لا يجوز بينكم، فكيف تجعلونه لله؟). [تأويل مشكل القرآن: 382-383]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وهو الّذي يبدأ الخلق ثمّ يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السّماوات والأرض وهو العزيز الحكيم (27)} فيه غير قول، فمنها أن الهاء تعود على الخلق، فالمعنى : الإعادة , والبعث أهون على الإنسان من إنشائه؛ لأنه يقاسي في النشء ما لا يقاسيه في الإعادة والبعث.
وقال أبو عبيدة , وكثير من أهل اللغة: إن معناه: وهو هيّن عليه. وإن " أهون " ههنا ليس معناه أن الإعادة أهون عليه من الابتداء؛ لأن الإعادة والابتداء كل سهل عليه , ومن ذلك من الشعر:
لعمرك ما أدري وإنّي لأوجل= على أيّنا تغدو المنيّة أوّل
فمعنى لأوجل : لوجل، وقالوا : الله أكبر , أي : اللّه كبير، وهو غير منكر، وأحسن من هذين الوجهين : أنه خاطب العباد بما يعقلون , فأعلمهم أنه يجب عندهم أن يكون البعث أسهل وأهون من الابتداء والإنشاء، وجعله مثلا لهم فقال:{وله المثل الأعلى في السّماوات والأرض} أي قوله: {وهو أهون عليه}, قد ضربه لكم مثلا , فبما يصعب ويسهل.). [معاني القرآن:4/183-184]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه}
في معناه ثلاثة أقوال:
في رواية صالح , عن ابن عباس :{وهو أهون عليه }: (وهو أهون على المخلوق ؛ لأنه ابتدأ خلقه من نطفة , ثم من علقة , ثم من مضغة , والإعادة بأن يقول له : كن , فيكون , فذلك أهون على المخلوق) .
وقال مجاهد : (الإعادة أهون عليه من البدأة , وكل عليه هين . والمعنى على هذا : وهو أهون عليه عندكم , وفيما تعرفون على التمثيل , وبعده :{وله المثل الأعلى }).
وقال قتادة : {وهو أهون عليه} : (أي : هين) , وهذا قول حسن , ومنه الله أكبر , أي: كبير ومنه قول الشاعر:
لعمرك ما أدري وإني لأوجل = على أينا تعدو المنية أول
وقول الآخر:
إن الذي سمك السماء بنى لنا = بيتا دعائمه أعز وأطول
وروى معمر عن قتادة قال في قراءة عبد الله بن مسعود: (وهو هين عليه).
ثم قال جل وعز: {وله المثل الأعلى في السموات والأرض} روى ابن أبي طلحة , عن ابن عباس قال: (يقول: ليس كمثله شيء) . وقيل : يعني : لا إله إلا الله , وحقيقته في اللغة :{وله الوصف الأعلى}.). [معاني القرآن: 5/255-257]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}: أي: على الخالق، و{أَهْوَنُ}: بمعنى هين، وقيل: هو أهون على المخلوق؛ لأنه يقال له : كن فيكون، ولا ينتقل من حال إلى حال كأول مرة. و{أَهْوَنُ} على بابه ليس بمعنى هين.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 187]

تفسير قوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ضرب لكم مثلا من أنفسكم} [الروم: 28] ثمّ ذكر ذلك المثل فقال: {هل لكم} [الروم: 28]، يعني: ألكم.
{من ما ملكت أيمانكم} [الروم: 28] قال السّدّيّ: يعني: عبيدكم.
{من شركاء في ما رزقناكم فأنتم} [الروم: 28] وهم.
{فيه سواءٌ} [الروم: 28]، يعني: شرعًا سواءً، أي: هل يشارك أحدكم مملوكه في زوجته وماله فأنتم فيه سواءٌ.
{تخافونهم} [الروم: 28] تخافون لائمتهم.
{كخيفتكم أنفسكم} [الروم: 28] كخيفة بعضكم بعضا، أي: أنّه ليس أحدٌ منكم هكذا، فأنا أحقّ ألا يشرك بعبادتي غيري، فكيف تعبدون دوني غيري تشركونه في إلهيّتي وربوبيّتي، وهي مثل قوله: {واللّه فضّل بعضكم على بعضٍ في الرّزق فما الّذين فضّلوا برادّي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواءٌ} [النحل: 71].
[تفسير القرآن العظيم: 2/654]
قال: {كذلك نفصّل الآيات} [الروم: 28] نبيّن الآيات.
{لقومٍ يعقلون} [الروم: 24] وهم المؤمنون). [تفسير القرآن العظيم: 2/655]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {كخيفتكم أنفسكم...}
نصبت الأنفس؛ لأن تأويل الكاف والميم في {خيفتكم} مرفوع, ولو نويت به - بالكاف والميم - أن يكون في تأويل نصبٍ رفعت ما بعدها. تقول في الكلام: عجبت من موافقتك كثرة شرب الماء، عجبت من اشترائك عبداً لا تحتاج إليه, فإذا وقع مثلها في الكلام , فأجره بالمعنى لا باللفظ. والعرب تقول: عجبت من قيامكم أجمعون وأجمعين، وقيامكم كلّكم , وكلّكم. فمن خفض أتبعه اللفظ؛ لأنه خفض في الظاهر , ومن رفع ذهب إلى التأويل, ومثله : {لإيلاف قريشٍ إيلافهم رحلة الشّتاء والصّيف}, أوقعت الفعل من قريش على {رحلة}. والعرب تقول: عجبت من تساقطها بعضها فوق بعض، وبعضها، على مثل ذلك: هذا إذا كنوا, فإذا قالوا : سمعت قرع أنيابه بعضها بعضاً , خفضوا {بعض}, وهو الوجه في الكلام؛ لأن الذي قبله اسم ظاهر، فاتبعوه إيّاه, لو رفعت {بعضها} كان على التأويل). [معاني القرآن: 2/324]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ( {ضرب لكم مثلًا من أنفسكم} مفسر في كتاب «تأويل المشكل»).
[تفسير غريب القرآن: 341]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله تعالى: {ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصّل الآيات لقوم يعقلون (28)}
هذا مثل ضربه اللّه عزّ وجلّ لمن جعل له شريكا من خلقه. فأعلم عزّ وجلّ : أنّ مملوك الإنسان ليس بشريكه في ماله , وزوجته، وأنه لا يخاف من مملوكه أن يرثه , فقال: ضرب لكم مثلا من أنفسكم : أن جعلتم ما هو ملك لله من خلقه مثل اللّه، وأنتم كلكم بشر، ليس مماليككم بمنزلتكم في أموالكم، فاللّه عزّ وجلّ أجدر ألّا يكون يعدل به خلقه. {كذلك نفصّل الآيات}: موضع الكاف نصب.). [معاني القرآن: 4/183-184]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ)
: (وقوله جل وعز: {ضرب لكم مثلا من أنفسكم}
قال قتادة : هذا مثل ضربه الله عز وجل للمشركين , فقال: {هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء} , أي : هل يرضى أحدكم أن يكون مملوكه في ماله ونفسه مثله , فإذا لم ترضوا بهذا , فكيف جعلتم لله جل وعز شريكاً؟!. قال أبو جعفر : هذا قول حسن : أي : هل يرضى أحدكم أن يجعل مملوكه مثل نفسه , أي : مثل شريكه الحر الذي لا يقطع أمرا دونه , كما قال تعالى: {ولا تلمزوا أنفسكم}, أي : لا يعب بعضكم بعضًا وكذا قوله تعالى: {كخيفتكم أنفسكم} , وكما قال جل وعز: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا} , وكما قال تعالى: {فاقتلوا أنفسكم} وقيل ك: ما يخاف من قبلكم إنفاقها , أي : فأنتم لا تجعلون مماليككم مثلكم , وأنتم كلكم أرقاء لله جل وعز , فكيف تجعلون لله جل وعز شريكا , وليس كمثله شيء؟!.). [معاني القرآن: 5/257-259]

تفسير قوله تعالى: (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {بل اتّبع الّذين ظلموا أهواءهم بغير علمٍ} [الروم: 29] أتاهم من اللّه بعبادة الأوثان.
{فمن يهدي من أضلّ اللّه} [الروم: 29]، أي: لا أحد يهديه.
{وما لهم من ناصرين} [الروم: 29] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/655]

تفسير قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {فأقم وجهك} [الروم: 30]، أي: وجهتك.
{للدّين حنيفًا} [الروم: 30] مخلصًا في تفسير الحسن.
وقال الكلبيّ: مسلمًا.
قوله: {فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها} [الروم: 30]، يعني: خلق النّاس عليها وهو مثل قوله: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى} [الأعراف: 172] قال: وذلك أنّ أوّل ما خلق اللّه تبارك وتعالى القلم، فقال: اكتب، قال: ربّ وما أكتب؟ قال: ما هو كائنٌ، قال: فجرى القلم بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة.
قال: فأعمال العباد تعرض في كلّ يوم اثنين وخميسٍ، فيجدونه على ما في الكتاب، ثمّ مسح اللّه تبارك وتعالى بعد ذلك على ظهر آدم، فأخرج منه كلّ نسمةٍ هو خالقها، فأخرجهم مثل الذّرّ فقال: {ألست بربّكم قالوا بلى} [الأعراف: 172] ثمّ أعادهم في صلب آدم،
[تفسير القرآن العظيم: 2/655]
ثمّ يكتب بعد ذلك العبد في بطن أمّه شقيًّا أو سعيدًا على ما في الكتاب الأوّل، فمن كان في الكتاب الأوّل شقيًّا عمّر حتّى
يجري عليه القلم، فينقض الميثاق الّذي أخذ عليه في صلب آدم بالشّرك فيكون شقيًّا، ومن كان في الكتاب الأوّل سعيدًا عمّر حتّى يجري عليه القلم فيؤمن فيصير سعيدًا، ومن مات صغيرًا من أولاد المؤمنين قبل أن يجري عليه القلم فهم مع آبائهم في الجنّة من ملوك أهل الجنّة لأنّ اللّه تبارك وتعالى يقول: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم} [الطور: 21].
- قال يحيى: وحدّثني قرّة بن خالدٍ، عن الحسن، قال: توفّي بنيّ رجلٍ من الأنصار، فدنخ في بيته، أي: قعد في بيته، أي: قعد، فافتقده النّبيّ فسأل عنه قال سعدٌ: يا رسول اللّه، توفّي بنيّه فدنخ في بيته، ثمّ لقي سعدٌ الرّجل فقال: أمّا رسول اللّه فذكرك اليوم، فأتى الرّجل النّبيّ عليه السّلام فقال: يا رسول اللّه توفّي بنيّي، فقعدت في بيتي، فقال رسول اللّه: أما
ترضى أن تكفى مئونته في الدّنيا ولا تأتي على بابٍ من أبواب الجنّة إلا وجدته بإزائه ينتظر.
قال: وحدّثنيه الحسن، عن الحسن.
قال يحيى: ومن كان من أولاد المشركين، فمات قبل أن يجري عليه القلم، فليس يكونوا من آبائهم في النّار لأنّهم ماتوا على الميثاق الّذي أخذ عليهم في صلب آدم، ولم ينقضوا الميثاق، فهم خدمٌ لأهل الجنّة.
- حدّثني الرّبيع بن صبيحٍ، عن يزيد الرّقاشيّ، عن أنس بن مالكٍ، قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن أطفال المشركين، فقال: لم تكن لهم
[تفسير القرآن العظيم: 2/656]
حسناتٌ، فيجزون بها، فيكونوا من ملوك أهل الجنّة، ولم تكن لهم سيّئاتٌ، فيعاقبوا بها، فيكونوا من أهل النّار، فهم خدمٌ لأهل الجنّة.
- قال الخليل بن مرّة، وهمّام بن يحيى، عن قتادة، عن أبي مراية العجليّ، عن سلمان الفارسيّ، قال: أطفال المشركين خدمٌ لأهل الجنّة
قال الخليل: قال قتادة: فذكرت ذلك للحسن قال: وما تنكرون؟ قومٌ أكرمهم اللّه وأكرم بهم، يعني: أهل الجنّة.
- وحدّثني ابن أبي ذئبٍ، عن الزّهريّ، عن عطاء بن يزيد اللّيثيّ، عن أبي هريرة، أنّ النّبيّ عليه السّلام سئل عن أطفال المشركين، فقال: اللّه أعلم بما كانوا عاملين.
قال يحيى: أي: لو بلغوا.
- وحدّثنا عثمان، عن نعيم بن عبد اللّه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه عليه السّلام: " كلّ مولودٍ يولد على الفطرة حتّى يعبّر عنه لسانه، فأبواه يهوّدانه وينصّرانه، قيل: يا رسول اللّه، فالّذي يموت صغيرًا؟ قال: اللّه أعلم بما كانوا عاملين ".
- وحدّثني قرّة بن خالدٍ، عن الحسن، قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من في الجنّة، فقال: «النّبيّ في الجنّة، والشّهيد في الجنّة، والمولود في الجنّة، والموءودة في الجنّة».
[تفسير القرآن العظيم: 2/657]
وحدّثني قرّة بن خالدٍ، عن الحسن، قال: أربعةٌ يرجّون العذر يوم القيامة: من مات قبل الإسلام، ومن أدركه الإسلام وهو هرمٌ قد ذهب عقله، ومن ولدته أمّه لا يسمع الصّوت، والّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ، فكلّ هؤلاء يرجّون العذر يوم القيامة، قال: فيرسل اللّه تبارك وتعالى إليهم رسولا، فيوقد نارًا فيأمرهم أن يقعوا فيها فمن بين واقعٍ ومن بين هاربٍ.
قال يحيى: بلغني أنّه من واقعها نجا من النّار، ومن لم يقعها دخل النّار.
قال يحيى: نرى أنّ الّذي ينجو من النّار: من ولدته أمّه لا يسمع الصّوت، والّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ، والاثنان الآخران ليس لهما عذرٌ: الّذي مات قبل الإسلام، ومن أدركه الإسلام وهو هرمٌ قد ذهب عقله، وهو قول اللّه عزّ وجلّ: {إنّهم ألفوا آباءهم ضالّين {69} فهم على آثارهم يهرعون {70}} [الصافات: 69-70].
- حمّاد بن سلمة، عن حمّاد بن أبي سليمان، أنّ أبا هريرة قال: ثلاثةٌ يحتجّون على اللّه يوم القيامة: رجلٌ مات في الجاهليّة، ورجلٌ أدرك الإسلام هرمًا، ومعتوهٌ أصمّ أبكم.
قوله عزّ وجلّ: {لا تبديل لخلق اللّه} [الروم: 30] لدين اللّه، كقوله: {إنّ عبادي} [الحجر: 42]، أي: المؤمنين {ليس لك عليهم سلطانٌ} [الحجر: 42] وكقوله: {من يهد اللّه فهو المهتد} [الكهف: 17] لا يستطيع أحدٌ أن يضلّه، وكقوله: {إنّه ليس له سلطانٌ على الّذين آمنوا} [النحل: 99].
قال: {ذلك الدّين القيّم ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون} [الروم: 30] وهم المشركون). [تفسير القرآن العظيم: 2/658]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فطرت اللّه...} يريد: دين الله منصوب على الفعل، كقوله: {صبغة الله}, وقوله: {الّتي فطر النّاس عليها} يقول: المولود على الفطرة حتى يكون أبواه اللذان ينصّرانه , أو يهوّدانه, ويقال : فطرة الله , أن الله فطر العباد على هذا: على أن يعرفوا أنّ لهم ربّاً ومدبّراً.). [معاني القرآن: 2/324]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ)
: ({ فطرة الله الّتي فطر النّاس عليها }, أي : صبغة الله التي خلق عليها الناس، وفي الحديث: ((كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه الذين يهودانه , وينصرانه )), أي: على الملة , والصبغة, وهي واحدة وهي العهد الذي كان أخذه الله منهم ونصبوها على موضع المصدر وإن شئت فعلى موضع الفعل قال:

إنّ نزاراً أصبحت نزاراً= دعوة أبرارٍ دعوا أبرارا). [مجاز القرآن: 2/122]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ)
: ({فأقم وجهك للدّين حنيفاً فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدّين القيّم ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون}
وقال: {فطرت اللّه} , فنصبها على الفعل , كأنه قال "فطر الله تلك فطرةً".). [معاني القرآن: 3/27]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ)
: ({منيبين إليه واتّقوه وأقيموا الصّلاة ولا تكونوا من المشركين}
وقال: {منيبين} على الحال لأنه حين قال: {فأقم وجهك} قد أمره , وأمر قومه حتى ؛ كأنه قال "فأقيموا وجوهكم منيبين".). [معاني القرآن: 3/27] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها}, أي : خلقة اللّه التي خلق الناس عليها، وهي: أن فطرهم جميعا على أن يعلموا أن لهم خالقا ومدبّرا, {لا تبديل لخلق اللّه} , أي : لا تغيير لما فطرهم عليه من ذلك. ثم قال عز من قائل: {ذلك الدّين القيّم ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون} ). [تفسير غريب القرآن: 341]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والخلق: الدّين، كقوله تعالى: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}، أي لدين الله. وقال تعالى: {وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}، أي دينه: ويقال: تغيير خلقه بالخصاء وبتك الآذان، وأشباه ذلك). [تأويل مشكل القرآن: 507] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله عزّ وجلّ:{فأقم وجهك للدّين حنيفا فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدّين القيّم ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون (30)} الحنيف : الذي يميل إلى الشيء , فلا يرجع عنه كالحنف في الرجل , وهو ميلها إلى خارجها خلقة, لا يملك الأحنف إن يردّ حنفه. وقوله عزّ وجلّ :{فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها} {فطرت اللّه}: منصوب بمعنى : اتبع فطرة اللّه، لأن معنى {فأقم وجهك}اتبع الدين القيّم, اتبع فطرة اللّه، ومعنى : فطرة الله : خلقة اللّه التي خلق عليها البشر، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه .)). معناه: أن اللّه عزّ وجلّ فطر الخلق على الإيمان على ما جاء في الحديث، أن اللّه جل ثناؤه أخرج من صلب آدم ذريته كالذّرّ، وأشهدهم على أنفسهم بأنه خالقهم، قال اللّه عزّ وجلّ: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى} فكل مولود , فهو من تلك الذرية التي شهدت بأنّ اللّه خالقها. فمعنى {فطرت اللّه}:دين الله الذي فطر الناس عليه. وقوله عزّ وجلّ:{لا تبديل لخلق اللّه} أكثر ما جاء في التفسير أن معناه : لا تبديل لدين اللّه، وما بعده يدل عليه، وهو قوله: {ذلك الدّين القيّم ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون}, أي : لا يعلمون بحقيقة ذلك.). [معاني القرآن: 4/184-185]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ)
: (وقوله جل وعز: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها}
الفطرة ابتداء الخلق , ومنه فاطر السموات , ومنه فطر ناب البعير , ومنه فطرت البئر, أي: ابتدأت حفرها. أي: ابتدأ خلقهم على أنهم يعلمون أن لهم خالقا ومدبراً. وفي الحديث , عن النبي صلى الله عليه وسلم :((كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه, وينصرانه)). قال الأوزاعي, وحماد بن سلمة هذا مثل قوله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} والمعنى على هذا:كل مولود يولد على العهد الذي أخذ عليه. وفي الحديث: (( أخرجهم أمثال الذر فأخذ عليهم العهد , فكل مولود يولد على ذلك العهد.)), وإن نسب عبادته إلى غير الله جل وعز أو ووصفه بغير صفته حتى يكون أبواه يعلمانه اليهودية , والنصرانية. وقيل : على الخلقة التي تعرفونها لا تميز شيئا .
وقال عبد الله بن المبارك : هذا لمن يكون مسلما يذهب إلى أنه مخصوص .
وقال محمد بن الحسن : هذا من قبل أن تنزل الفرائض , ويؤمر بالجهاد.

قال أبو جعفر : وأولاها القول الأول , وهو قول أهل السنة, وهو موافق للغة, ولا يجوز أن يكون منسوخا لأنه خبر , ولا يكون خاصا , وإنما أشكل معنى الحديث ؛ لأنهم تأولوا الفطرة على الإسلام , وإنما هي: ابتداء الخلق.).
[معاني القرآن: 5/259-261]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ)
: ({فِطْرَةَ اللَّهِ}: خلق الله.). [العمدة في غريب القرآن: 238]


تفسير قوله تعالى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {منيبين إليه} [الروم: 31] مقبلين إليه بالإخلاص، مخلصين له، وهذا تبعٌ للكلام الأوّل: {فأقم وجهك للدّين} [الروم: 30]، يعني: التّوحيد، وهو تفسير السّدّيّ {حنيفًا} [الروم: 30].
قال: {واتّقوه وأقيموا الصّلاة} [الروم: 31] المفروضة.
{ولا تكونوا من المشركين {31}). [تفسير القرآن العظيم: 2/659]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {منيبين...} منصوبة على الفعل، وإن شئت على القطع: فأقم وجهك , ومن معك منيبين , مقبلين إليه. وقوله: {ولا تكونوا من المشركين}, {من الّذين فارقوا دينهم} , فهذا وجهٌ.). [معاني القرآن: 2/325]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({منيبين إليه}: أي : راجعين تائبين.). [مجاز القرآن: 2/122]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({منيبين إليه واتّقوه وأقيموا الصّلاة ولا تكونوا من المشركين} وقال: {منيبين} على الحال؛ لأنه حين قال: {فأقم وجهك}, قد أمره , وأمر قومه حتى كأنه قال : "فأقيموا وجوهكم منيبين"). [معاني القرآن: 3/27]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {منيبين إليه} : أي : مقبلين إليه بالطاعة, ويقال: أناب ينيب، إذا رجع عن باطل الذي كان عليه.). [تفسير غريب القرآن: 341]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله: {منيبين إليه واتّقوه وأقيموا الصّلاة ولا تكونوا من المشركين (31)}
{منيبين}: منصوب على الحال , بقوله: {فأقم وجهك}. زعم جميع النحويين أن معنى هذا : فأقيموا وجوهكم منيبين إليه، لأن مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم يدخل معه فيها الأمة، والدليل على ذلك قوله: {يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء} وقوله :{منيبين}, معناه : راجعين إليه , إلى كل ما أمر به , ولا يخرجون عن شيء من أمره، فأعلمهم اللّه عزّ وجلّ أن الطريقة المستقيمة في دين الإسلام هي : اتباع الفطرة , والتقوى مع الإسلام , وأداء الفرائض., وأنه لا ينفع ذلك إلا بالإخلاص في التوحيد , فقال:{ولا تكونوا من المشركين (31) من الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا كلّ حزب بما لديهم فرحون (32) }). [معاني القرآن: 4/185]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين} : منيبين إليه , أي: راجعين إليه بالطاعة . والمعنى : فأقيموا وجوهكم منيبين إليه.). [معاني القرآن: 5/261]

تفسير قوله تعالى:{مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({من الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا} [الروم: 32] فرقًا.
وقال السّدّيّ: أحزابًا، يعني: أهل الكتاب.
{كلّ حزبٍ} [الروم: 32] كلّ قومٍ.
{بما لديهم} [الروم: 32] بما عندهم، أي: بما هم عليه.
{فرحون} [الروم: 32] يقول: راضون، وهو تفسير السّدّيّ). [تفسير القرآن العظيم: 2/659]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا تكونوا من المشركين}{من الّذين فارقوا دينهم} فهذا وجهٌ. وإن شئت استأنفت, فقلت: {من الّذين فارقوا دينهم وكانوا شيعاً كلّ حزبٍ بما لديهم فرحون}. كأنك قلت: الذين تفرقوا , وتشايعوا , كلّ حزبٍ بما في يده فرح.). [معاني القرآن: 2/325]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ)
: ({كانوا شيعاً}: أي: أحزاباً فرقا, {كلّ حزبٍ بما لديهم فرحون }, أي : كل شيعة , وفرقة بما عندهم ,{ فتمتعوا فسوف تعلمون}: مجازه مجاز التوعد , والتهدد , وليس بأمر طاعة , ولا فريضة.). [مجاز القرآن: 2/122]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):
(والفرح: الرضا؛ لأنه عن المسرة يكون، قال الله تعالى: {كلّ حزبٍ بما لديهم فرحون} أي راضون، وقال: {فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} أي رضوا). [تأويل مشكل القرآن: 491]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {ولا تكونوا من المشركين (31) من الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا كلّ حزب بما لديهم فرحون (32)} {فارقوا دينهم}, وقرئت:{فرّقوا دينهم} {وكانوا شيعا}: فرقا، فأمرهم اللّه عزّ وجلّ بالاجتماع , والألفة , ولزوم الجماعة، والسنة في الهداية، والضلالة : هي الفرقة. وقوله عزّ وجلّ: {كل حزب بما لديهم فرحون} : أي : كل حزب من هذه الجماعة الذين فارقوا دينهم فرح , يظن: أنه هو المهتدي.). [معاني القرآن: 4/185-186]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ومعنى {كل حزب بما لديهم فرحون} : كل يقول: إني على الهدى.). [معاني القرآن: 5/262]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الآخرة 1434هـ/11-04-2013م, 01:26 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) }

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ولو قلت: أتتني جاريتك وامرأة أخرى كان غير جائز. فإن قلت: أتاني أخوك، وإنسان آخر جاز وإن عنيت بالإنسان امرأة؛ لأن الباب الذي ذكرتها به يجمعها. وكذلك: جاءتني جاريتك وإنسان آخر، وأنت تعني بالإنسان رجلاً فهو جيد بالغ. فأما قوله:
صلى على عزة الرحمن وابنتها = ليلى وصلى على جاراتها الأخر
فإنه جعل ابنتها جارة لها، ولولا ذلك لم يجز. ألا ترى إلى قول الله عز وجل: {فعدةٌ من أيامٍ أخر} لما قدم من ذكر الأيام. وكذلك: {منه آياتٌ محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهاتٌ}. فهذا باب هذا. وكان حد آخر أن يكون معه من كذا، وكذا إلا أن أفعل يقع على وجهين: أحدهما: أن يكون نعتاً قائماً في المنعوت، نحو: أحمر، وأصفر، وأعور. والوجه الآخر: أن يكون للتفضيل، نحو: هذا أفضل من زيد، وأكبر من عبد الله فإن أردت هذا الوجه لم يكن إلا أن تقول: من كذا، كذا، أو بالألف واللام؛ نحو: هذا الأصغر، والأكبر. فأما قوله في الآذان: الله أكبر، فتأويله: كبير؛ كما قال عز وجل: {وهو أهون عليه}. فإنما تأويله: وهو عليه هين؛ لأنه لا يقال: شيءٌ أهون عليه من شيءٍ. ونظير ذلك قوله:
لعمرك ما أدري وإني لأوجلعلى أينا تعدو المنية أول
أي: إني لوجل. فأما إذا أردت من كذا وكذا فلا بد من منه أو الألف واللام؛ كقولك: جاءني زيد ورجل آخر، إنما معناه: آخر منه. ولكن علم أن الآخر لا يكون إلا بعد مذكور أو بعد أول، فلم يحتج إلى منه. والدليل على أن الأصل هذا قولهم في مؤنثه: أخرى؛ كما تقول: هذا أول منك، وهذه الأولى، والأوسط، والوسطى، والأكبر والكبرى. فلولا أن آخر قد استغنى فيه عن ذكر من كذا لكان لازماً؛ كما يلزم قولك: هذه أول من ذاك؛ ولذلك قلت: في أخر بغير الصرف؛ لأنها محدودة عن وجهها؛ لأن الباب لا يستعمل إلا بالألف واللام أو من كذا. فلما سقط، من كذا سقط ما يعاقبه، فلم يصرف. قال الله عز ذكره: {وأخر متشابهاتٌ} فلم يصرف. وقال: {فعدةٌ من أيامٍ أخر}، فلم يصرف. فهذان دليلان بينان مع المعنى الذي يجمعه). [المقتضب: 3/244-247] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فأما قوله جل ثناؤه: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} وفيه قولان: أحدهما – وهو المرضي عندنا -: إنما هو: وهو عليه هينٌ، لأن الله جلَّ وعزَّ لا يكون عليه شيء أهون من شيءٍ آخرَ. وقد قال معن بن أوسٍ:
لعمركَ من أدري وإني لأؤجل = على أينا تغدو المنيةُ أولُ).
[الكامل: 2/876]

تفسير قوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) }

تفسير قوله تعالى: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29) }

تفسير قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) }

تفسير قوله تعالى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) }

تفسير قوله تعالى: {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 03:33 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 03:34 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 03:39 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وله من في السماوات والأرض كل له قانتون * وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم * ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون}
اللام في له الأولى لام الملك، وفي الثانية لام تعدية لـ"قنت" وقنت بمعنى خضع في طاعته وانقياده. وهذه الآية ظاهر لفظها العموم في القنت، والعموم في كل من يعقل، وتعميم ذلك في المعنى لا يصح; لأنه خبر ونحن نجد كثيرا من الجن والإنس لا يقنت في كثير من المعتقد والأعمال، فلا بد أن عموم ظاهر هذه الآية معناه الخصوص، واختلف المتأولون في هذا الخصوص أين هو؟
فقال ابن عباس رضي الله عنهما: هو في القنت والطاعة، وذلك أن جميع من يعقل هو قانت لله في معظم الأمور من الحياة والموت والرزق والقدرة ونحو ذلك، وبعضهم يبخل بالعبادة وبالمعتقدات فلا يقنت فيها، فكأنه قال: كل له قانتون في معظم الأمور وفي غالب الشأن.
وقال ابن زيد ما معناه: إن الخصوص هو في الأعيان المذكورين، كأنه قال: وله من في السماوات والأرض من ملك ومؤمن). [المحرر الوجيز: 7/ 19-20]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {يبدأ الخلق} معناه: ينشئه ويخرجه من العدم، وجاء الفعل بصيغة الحال لما كان في هذا المعنى ما قد مضى كآدم وسائر القرون، وفيه ما يأتي في المستقبل، فكأن صيغة الحال تعطي هذا كله. و"يعيده" معناه يبعثه من القبور وينشئه تارة أخرى.
واختلف المتأولون في قوله تعالى: {وهو أهون عليه}، فقال ابن عباس، والربيع بن خيثم: المعنى: وهو هين، ونظيره قول الشاعر:
لعمرك ما أدري وإني لأوجل
بمعنى لوجل. وقول الآخر:
بيتا دعائمه أعز وأطول
وقولهم في الأذان: "الله أكبر"، وقول الشافعي رحمة الله عليه:
فتلك سبيل لست فيها بأوحد
يريد: بواحد، واستشهد بهذا البيت أبو عبيدة، وهذا شاهد كثير، وفي بعض المصاحف "وكل هين عليه".
وقال ابن عباس أيضا، ومجاهد، وعكرمة: المعنى: وهو أيسر عليه، وإن كان الكل من اليسر عليه في حيز واحد وحال متماثلة، قال: ولكن هذا التفضيل بحسب معتقد البشر، وما يعطيهم النظر في الشاهد من أن الإعادة في كثير من الأشياء أهون علينا من البداءة; للتمرن والاستغناء عن الروية التي كانت في البداءة. وهذان القولان الضميران فيهما عائدان على الله تبارك وتعالى.
وقالت فرقة أخرى: الضمير في "عليه" عائد على "الخلق".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فهو بمعنى "المخلوق" فقط، وعلى التأويلين الأولين يصح أن يكون "المخلوق"، أو يكون مصدرا من "خلق". فقال الحسن: إن الإعادة أهون على المخلوق من إنشائه; لأنه في إنشائه يصير من حالة إلى حالة، من نطفة إلى علقة إلى مضغة ونحو هذا، وفي الإعادة إنما يقوم في حين واحدة، فكأنه قال: وهو أيسر عليه، أي: أقصر مدة وأقل انتقالا.
وقال بعضهم: وهو أهون على المخلوق أن يعيد شيئا بعد إنشائه، فهذا عرف المخلوقين، فكيف تنكرون أنتم الإعادة في جانب الخالق.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والأظهر عندي عود الضمير على الله تعالى، ويؤيده قوله: {وله المثل الأعلى}، لما جاء بلفظ فيه استعارة واستشهاد بالمخلوق على الخالق، وتشبيه بما يعهده الناس من أنفسهم، خلص جانب العظمة بأن جعل له المثل الأعلى الذي لا يصل إليه تكييف ولا تماثل مع شيء. والعزة والحكمة صفتان موافقتان لمعنى الآية، فبهما يعيد وينفذ أمره في عباده كيف شاء). [المحرر الوجيز: 7/ 20-22]

تفسير قوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم بين تعالى أمر الأصنام وفساد معتقد من يشركها بالله بضرب هذا المثل، ومعناه: إنكم أيها الناس إذا كان لكم عبيد تملكونهم فإنكم لا تشركونهم في أموالكم ولا في أموركم ولا في شيء على جهة استواء المنزلة، وليس من شأنكم أن تخافوهم في أن يرثوا أموالكم أو يقاسموكم إياها في حياتكم، كما يفعل بعضكم ببعض، فإذا كان هذا فيكم فكيف تقولون: إن من عبيده وملكه شركاء في سلطانه وألوهيته، وتثبتون في جانبه ما لا يليق بكم عندكم بجوانبكم؟ هذا تفسير ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة، وجاء هذا المعنى في معرض السؤال والتقرير.
وقرأ الناس: كخيفتكم أنفسكم بنصب السين، وقرأ ابن أبي عبلة بضمها. وقرأ الجمهور: "نفصل" بالنون حملا على "رزقناكم"، وقرأ عباس عن أبي عمرو: "يفصل" بالياء حملا على "ضرب لكم مثلا"). [المحرر الوجيز: 7/ 22-23]

تفسير قوله تعالى: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين * فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون * منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين * من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون}
الإضراب بـ"بل" هو عما تضمنه معنى الآية الأولى، كأنه يقول: ليس لهم حجة ولا معذرة فيما فعلوا من تشريكهم مع الله تعالى، بل اتبعوا أهواءهم جهالة وشهوة وقصدا لأمر دنياهم. ثم قرر - على جهة التوبيخ لهم - على من يهدي إذا أضل الله؟ أي: لا هادي لأهل هذه الحال، ثم أخبر أنه لا ناصر لهم). [المحرر الوجيز: 7/ 23]

تفسير قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بإقامة وجهه للدين المستقيم، وهو دين الإسلام، وإقامة الوجه هي تقويم المقصد والقوة على الجد في أعمال الدين، وذكر الوجه لأنه جامع حواس الإنسان وأشرفه، و"حنيفا" معناه: معتدلا مائلا عن جميع الأديان المحرفة المنسوخة، وقوله: {فطرت الله التي فطر الناس عليها} نصب على المصدر، كقوله: {صبغة الله}، وقيل: هو نصب بفعل مضمر تقديره: اتبع والزم فطرة الله تعالى، واختلف الناس في الفطرة هاهنا، فذكر مكي وغيره في ذلك جميع ما يمكن أن تصرف هذه اللفظة عليه، وفي بعض ذلك قلق، والذي يعتمد عليه في تفسير هذه اللفظة أنها الخلقة والهيئة في نفس الطفل التي هي معدة مهيأة لأن يميز بها مصنوعات الله تعالى، ويستدل بها على ربه جل وعلا ويعرف شرائعه، ويؤمن به، فكأنه تعالى قال: فأقم وجهك للدين الذي هو الحنيف وهو فطرة الله الذي على الإعداد له فطر البشر، لكن تعرضهم العوارض، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه ..." الحديث، فذكر الأبوين إنما هو مثال للعوارض التي هي كثيرة.
وقوله تعالى: {لا تبديل لخلق الله} يحتمل تأويلين: أحدهما أن يريد بها هذه الفطرة المذكورة، أي: اعلم أن هذه الفطرة لا تبديل لها من جهة الخالق، ولا يجيء الأمر على خلافها بوجه، والآخران أن يكون قوله: {لا تبديل لخلق الله} إنحاء على الكفرة، اعترض به أثناء الكلام، كأنه يقول: أقم وجهك للدين الذي من صفته كذا وكذا، فإن هؤلاء الكفار قد خلق الله لهم الكفر، ولا تبديل لخلق الله، أي إنهم لا يفلحون. وقال مجاهد: المعنى: لا تبديل لدين الله، وهو قول ابن جبير، والضحاك، وابن زيد، والنخعي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا معناه: لا تبديل للمعتقدات التي هي في الدين الحنيف، فإن كل شريعة هي عقائدها.
وذهب بعض المفسرين في هذه الآية إلى تأويلات: منها قول عكرمة - وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما -: لا تبديل لخلق الله معناه: النهي عن خصاء الفحول من الحيوان. ومنها قول بعضهم في الفطرة: إنها الملة. على أنه قد قيل في الفطرة: الدين. وتأول قوله تبارك وتعالى: "فطر الناس" على الخصوص، أي: المؤمنين. وقيل: الفطرة هو العهد الذي أخذه الله تعالى على ذرية آدم حين أخرجهم نسما من ظهره، ونحوه حديث معاذ رضي الله عنه حين مر به عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا معاذ، ما قوام هذه الأمة؟ قال: الإخلاص، وهو الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والصلاة وهي الدين، والطاعة وهي العصمة، فقال عمر رضي الله عنه: صدقت.
و"القيم" بناء مبالغة من القيام الذي هو بمعنى الاستقامة). [المحرر الوجيز: 7/ 23-25]

تفسير قوله تعالى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "منيبين" يحتمل أن يكون حالا من قوله: {فطر الناس}، لا سيما على رأي من رأى أن ذلك خصوص في المؤمنين، ويحتمل أن يكون حالا من قوله: {فأقم وجهك}، وجمعه لأن الخطاب بإقامة الوجه للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته، نظيرها قوله تبارك وتعالى: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} و"المنيب": الراجع المخلص المائل إلى جهة ما توده نفسه، و"المشركون" المشار إليهم في هذه الآية هم اليهود والنصارى، قاله قتادة، وقال ابن زيد: هم اليهود، وقالت عائشة وأبو هريرة رضي الله عنهما: هي في أهل القبلة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فلفظة الإشراك - على هذا - فيها تجوز، فإنهم صاروا في دينهم فرقا، و"الشيع": الفرق، واحدها: شيعة، وقوله: {كل حزب بما لديهم فرحون} معناه أنهم مفتونون بآرائهم، معجبون بضلالهم، وذلك أصيل فيهم. وقرأت فرقة: "فارقوا دينهم" بالألف). [المحرر الوجيز: 7/ 25]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 07:35 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 07:48 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وله من في السّموات والأرض كلٌّ له قانتون (26) وهو الّذي يبدأ الخلق ثمّ يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السّموات والأرض وهو العزيز الحكيم (27)}.
يقول تعالى: {وله من في السّموات والأرض} أي: ملكه وعبيده، {كلٌّ له قانتون} أي: خاضعون خاشعون طوعًا وكرهًا.
وفي حديث درّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ، مرفوعًا: " كلّ حرف في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطّاعة"). [تفسير ابن كثير: 6/ 311]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وهو الّذي يبدأ الخلق ثمّ يعيده وهو أهون عليه} قال [عليّ] بن أبي طلحة عن ابن عباس: يعني: أيسر عليه.
وقال مجاهدٌ: الإعادة أهون عليه من البداءة، والبداءة عليه هينٌ. وكذا قال عكرمة وغيره.
وقال البخاريّ: حدّثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيبٌ، أخبرنا أبو الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "قال اللّه: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأمّا تكذيبه إيّاي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أوّل الخلق بأهون عليّ من إعادته. وأمّا شتمه إيّاي فقوله: اتّخذ اللّه ولدًا، وأنا الأحد الصّمد، الّذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحدٌ".
انفرد بإخراجه البخاريّ كما انفرد بروايته -أيضًا -من حديث عبد الرّزّاق عن معمر، عن همّامٍ، عن أبي هريرة، به. وقد رواه الإمام أحمد منفردًا به عن حسن بن موسى، عن ابن لهيعة، حدّثنا أبو يونس سليم بن جبير، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه، أو مثله.
وقال آخرون: كلاهما بالنّسبة إلى القدرة على السواء.
قال العوفي، عن ابن عبّاسٍ: كلٌّ عليه هيّنٌ. وكذا قال الرّبيع بن خثيم. ومال إليه ابن جريرٍ، وذكر عليه شواهد كثيرةً، قال: ويحتمل أن يعود الضّمير في قوله: {وهو أهون عليه} إلى الخلق، أي: وهو أهون على الخلق.
وقوله: {وله المثل الأعلى في السّموات والأرض} قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ كقوله: {ليس كمثله شيءٌ} [الشّورى: 11].
وقال قتادة: مثله أنّه لا إله إلّا هو، ولا ربّ غيره، وقال مثل هذا ابن جريرٍ.
وقد أنشد بعض المفسرين عند ذكر هذه الآية لبعض أهل المعارف:
إذا سكن الغدير على صفاء = وجنب أن يحرّكه النّسيم...
ترى فيه السّماء بلا امتراء = كذاك الشّمس تبدو والنّجوم...
كذاك قلوب أرباب التّجلّي = يرى في صفوها الله العظيم...
{وهو العزيز} الّذي لا يغالب ولا يمانع، بل قد غلب كلّ شيءٍ، وقهر كلّ شيءٍ بقدرته وسلطانه، {الحكيم} في أفعاله وأقواله، شرعًا وقدرا.
وعن مالكٍ في تفسيره المرويّ عنه، عن محمّد بن المنكدر، في قوله تعالى: {وله المثل الأعلى}، قال: لا إله إلّا اللّه). [تفسير ابن كثير: 6/ 311-312]

تفسير قوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواءٌ تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصّل الآيات لقومٍ يعقلون (28) بل اتّبع الّذين ظلموا أهواءهم بغير علمٍ فمن يهدي من أضلّ اللّه وما لهم من ناصرين (29)}
هذا مثلٌ ضربه اللّه تعالى للمشركين به، العابدين معه غيره، الجاعلين له شركاء وهم مع ذلك معترفون أنّ شركاءه من الأصنام والأنداد عبيدٌ له، ملكٌ له، كما كانوا في تلبيتهم يقولون: لبّيك لا شريك لك، إلّا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك. فقال تعالى: {ضرب لكم مثلا من أنفسكم} أي: تشهدونه وتفهمونه من أنفسكم، {هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواءٌ} أي: لا يرتضي أحدٌ منكم أن يكون عبده شريكًا له في ماله، فهو وهو فيه على السّواء {تخافونهم كخيفتكم أنفسكم} أي: تخافون أن يقاسموكم الأموال.
قال أبو مجلز: إنّ مملوكك لا تخاف أن يقاسمك مالك، وليس له ذاك، كذلك اللّه لا شريك له.
والمعنى: أنّ أحدكم يأنف من ذلك، فكيف تجعلون للّه الأنداد من خلقه. وهذا كقوله تعالى: {ويجعلون للّه ما يكرهون} [النّحل: 62] أي: من البنات، حيث جعلوا الملائكة الّذين هم عباد الرّحمن إناثًا، وجعلوها بنات اللّه، وقد كان أحدهم إذا بشر بالأنثى ظلّ وجهه مسودًّا وهو كظيمٌ، يتوارى من القوم من سوء ما بشّر به، أيمسكه على هونٍ أم يدسّه في التّراب، فهم يأنفون من البنات. وجعلوا الملائكة بنات اللّه، فنسبوا إليه ما لا يرتضونه لأنفسهم، فهذا أغلظ الكفر. وهكذا في هذا المقام جعلوا له شركاء من عبيده وخلقه، وأحدهم يأبى غاية الإباء ويأنف غاية الأنفة من ذلك، أن يكون عبده شريكه في ماله، يساويه فيه. ولو شاء لقاسمه عليه، تعالى اللّه عن ذلك علوًّا كبيرًا.
قال الطّبرانيّ: حدّثنا محمود بن الفرج الأصبهانيّ، حدّثنا إسماعيل بن عمرٍو البجليّ، حدّثنا حمّاد بن شعيبٍ، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: كان يلبّي أهل الشّرك: لبّيك اللّهمّ [لبّيك]، لبّيك لا شريك لك، إلّا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك. فأنزل اللّه: {هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواءٌ تخافونهم كخيفتكم أنفسكم}.
ولـمّا كان التّنبيه بهذا المثل على براءته تعالى ونزاهته بطريق الأولى والأحرى، قال: {كذلك نفصّل الآيات لقومٍ يعقلون}). [تفسير ابن كثير: 6/ 312-313]

تفسير قوله تعالى: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال تعالى مبيّنًا أنّ المشركين إنّما عبدوا غيره سفهًا من أنفسهم وجهلًا {بل اتّبع الّذين ظلموا} أي: المشركون {أهواءهم} أي: في عبادتهم الأنداد بغير علمٍ، {فمن يهدي من أضلّ اللّه} [أي: فلا أحد يهديهم إذا كتب اللّه إضلالهم]، {وما لهم من ناصرين} أي: ليس لهم من قدرة اللّه منقذٌ ولا مجيرٌ، ولا محيد لهم عنه؛ لأنّه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن). [تفسير ابن كثير: 6/ 313]

تفسير قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فأقم وجهك للدّين حنيفًا فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدّين القيّم ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون (30) منيبين إليه واتّقوه وأقيموا الصّلاة ولا تكونوا من المشركين (31) من الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا كلّ حزبٍ بما لديهم فرحون (32)}
يقول تعالى: فسدّد وجهك واستمرّ على الّذي شرعه اللّه لك، من الحنيفيّة ملّة إبراهيم، الّذي هداك اللّه لها، وكمّلها لك غاية الكمال، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السّليمة، الّتي فطر اللّه الخلق عليها، فإنّه تعالى فطر خلقه على [معرفته وتوحيده، وأنّه لا إله غيره، كما تقدّم عند قوله تعالى: {وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى} [الأعراف: 172]، وفي الحديث: "إني خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشّياطين عن دينهم". وسنذكر في الأحاديث أنّ اللّه تعالى فطر خلقه على] الإسلام، ثمّ طرأ على بعضهم الأديان الفاسدة كاليهوديّة أو النّصرانيّة أو المجوسيّة.
وقوله: {لا تبديل لخلق اللّه} قال بعضهم: معناه لا تبدّلوا خلق اللّه، فتغيّروا النّاس عن فطرتهم الّتي فطرهم اللّه عليها. فيكون خبرًا بمعنى الطّلب، كقوله تعالى: {ومن دخله كان آمنًا} [آل عمران: 97]، وهذا معنًى حسنٌ صحيحٌ.
وقال آخرون: هو خبرٌ على بابه، ومعناه: أنّه تعالى ساوى بين خلقه كلّهم في الفطرة على الجبلّة المستقيمة، لا يولد أحدٌ إلّا على ذلك، ولا تفاوت بين النّاس في ذلك؛ ولهذا قال ابن عبّاسٍ، وإبراهيم النّخعي، وسعيد بن جبير، ومجاهدٌ، وعكرمة، وقتادة، والضّحّاك، وابن زيدٍ في قوله: {لا تبديل لخلق اللّه} أي: لدين اللّه.
وقال البخاريّ: قوله: {لا تبديل لخلق اللّه}: لدين اللّه، خلق الأوّلين: [دين الأوّلين]، والدّين والفطرة: الإسلام.
حدّثنا عبدان، أخبرنا عبد اللّه، أخبرنا يونس، عن الزّهريّ، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرّحمن أنّ أبا هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما من مولودٍ يولد إلّا على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمةً جمعاء، هل تحسّون فيها من جدعاء"؟ ثمّ يقول: {فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدّين القيّم}.
ورواه مسلمٌ من حديث عبد اللّه بن وهبٍ، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن الزّهريّ، به. وأخرجاه -أيضًا -من حديث عبد الرّزّاق، عن معمر، عن همّامٍ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وفي معنى هذا الحديث قد وردت أحاديث عن جماعةٍ من الصّحابة، فمنهم الأسود بن سريع التّميميّ. قال الإمام أحمد:
حدّثنا إسماعيل، حدّثنا يونس، عن الحسن عن الأسود بن سريع [التّميميّ] قال: أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وغزوت معه، فأصبت ظهرًا، فقتل النّاس يومئذٍ، حتّى قتلوا الولدان. فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "ما بال أقوامٍ جاوزهم القتل اليوم حتّى قتلوا الذّرّيّة؟ ". فقال رجلٌ: يا رسول اللّه، أما هم أبناء المشركين؟ فقال: "ألا إنّما خياركم أبناء المشركين". ثمّ قال: "لا تقتلوا ذرّيّةً، لا تقتلوا ذرّيّةً". وقال: "كلّ نسمةٍ تولد على الفطرة، حتّى يعرب عنها لسانها، فأبواها يهوّدانها أو ينصرانها".
ورواه النّسائيّ في كتاب السّير، عن زياد بن أيّوب، عن هشيم، عن يونس -وهو ابن عبيدٍ -عن الحسن البصريّ، به .
ومنهم جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ، قال الإمام أحمد:
حدّثنا هاشمٌ، حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن الحسن، عن جابر عن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كلّ مولودٍ يولد على الفطرة، حتّى يعرب عنه لسانه، فإذا عبّر عنه لسانه إمّا شاكرًا وإمّا كفورًا".
ومنهم عبد اللّه بن عبّاسٍ الهاشميّ، قال الإمام أحمد:
حدّثنا عفّان، حدّثنا أبو عوانة، حدّثنا أبو بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سئل عن أولاد المشركين، فقال: "اللّه أعلم بما كانوا عاملين إذ خلقهم". أخرجاه في الصّحيحين، من حديث أبي بشرٍ جعفر بن إياسٍ اليشكري، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ مرفوعًا بذلك.
وقد قال أحمد أيضًا: حدّثنا عفّان، حدّثنا حمّادٌ -يعني ابن سلمة -أنبأنا عمّار بن أبي عمّارٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: أتى عليّ زمانٌ وأنا أقول: أولاد المسلمين مع أولاد المسلمين، وأولاد المشركين مع المشركين. حتّى حدّثني فلانٌ عن فلانٍ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنهم فقال: "اللّه أعلم بما كانوا عاملين". قال: فلقيت الرّجل فأخبرني. فأمسكت عن قولي.
ومنهم عياض بن حمار المجاشعيّ، قال الإمام أحمد:
حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، حدّثنا هشامٌ، حدّثنا قتادة، عن مطرّف، عن عياض بن حمارٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خطب ذات يومٍ فقال في خطبته: "إنّ ربّي، عزّ وجلّ، أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني في يومي هذا، كلّ مالٍ نحلته عبادي حلالٌ، وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم، وإنّهم أتتهم الشّياطين فأضلّتهم عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزّل به سلطانًا، ثمّ إنّ اللّه، عزّ وجلّ، نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء، تقرؤه نائمًا ويقظان.
ثمّ إنّ اللّه أمرني أن أحرّق قريشًا، فقلت: يا ربّ إذًا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزةً. قال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نغزك، وأنفق عليهم فسننفق عليك. وابعث جيشًا نبعث خمسةً مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك". قال: "وأهل الجنّة: ثلاثةٌ ذو سلطانٍ مقسط متصدّقٌ موفّقٌ، ورجلٌ رحيمٌ رقيق القلب بكلّ ذي قربى ومسلمٍ، ورجلٌ عفيفٌ فقيرٌ متصدّقٌ. وأهل النّار خمسةٌ: الضّعيف الّذي لا زبر له، الّذين هم فيكم تبعًا، لا يبتغون أهلًا ولا مالًا. والخائن الّذي لا يخفى له طمعٌ وإن دقّ إلّا خانه. ورجلٌ لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك" وذكر البخيل، أو الكذّاب، والشّنظير: الفحّاش.
انفرد بإخراجه مسلمٌ، فرواه من طرقٍ عن قتادة، به.
وقوله تعالى: {ذلك الدّين القيّم} أي: التّمسّك بالشّريعة والفطرة السّليمة هو الدّين القويم المستقيم، {ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون} أي: فلهذا لا يعرفه أكثر النّاس، فهم عنه ناكبون، كما قال تعالى: {وما أكثر النّاس ولو حرصت بمؤمنين} [يوسف: 103]، {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلّوك عن سبيل اللّه} الآية [الأنعام: 116]). [تفسير ابن كثير: 6/ 313-316]

تفسير قوله تعالى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {منيبين إليه} قال ابن زيدٍ، وابن جريج: أي راجعين إليه، {واتّقوه} أي: خافوه وراقبوه، {وأقيموا الصّلاة} وهي الطّاعة العظيمة، {ولا تكونوا من المشركين} أي: بل من الموحّدين المخلصين له العبادة، لا يريدون بها سواه.
قال ابن جريرٍ: [حدّثنا ابن حميد]، حدّثنا يحيى بن واضحٍ، حدّثنا يونس بن أبي إسحاق، عن يزيد بن أبي مريم قال: مرّ عمر، رضي اللّه عنه، بمعاذ بن جبلٍ فقال: ما قوام هذه الأمّة ؟ قال معاذٌ: ثلاثٌ، وهنّ [من] المنجيات: الإخلاص، وهي الفطرة، فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها، والصّلاة وهي الملّة، والطّاعة وهي العصمة. فقال عمر: صدقت.
حدّثني يعقوب، حدّثنا ابن عليّة، حدّثنا أيّوب، عن أبي قلابة: أنّ عمر، رضي اللّه عنه، قال لمعاذٍ: ما قوام هذا الأمر؟ فذكره نحوه). [تفسير ابن كثير: 6/ 316]

تفسير قوله تعالى: {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {من الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا كلّ حزبٍ بما لديهم فرحون} أي: لا تكونوا من المشركين الّذين قد فرّقوا دينهم أي: بدّلوه وغيّروه وآمنوا ببعضٍ وكفروا ببعضٍ.
وقرأ بعضهم: "فارقوا دينهم" أي: تركوه وراء ظهورهم، وهؤلاء كاليهود والنّصارى والمجوس وعبدة الأوثان، وسائر أهل الأديان الباطلة، ممّا عدا أهل الإسلام، كما قال تعالى: {إنّ الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيءٍ إنّما أمرهم إلى اللّه ثمّ ينبّئهم بما كانوا يفعلون} [الأنعام: 159]، فأهل الأديان قبلنا اختلفوا فيما بينهم على آراءٍ وملل باطلةٍ، وكلّ فرقةٍ منهم تزعم أنّهم على شيء، وهذه الأمّة أيضًا اختلفوا فيما بينهم على نحلٍ كلّها ضلالةٌ إلّا واحدةً، وهم أهل السّنّة والجماعة، المتمسّكون بكتاب اللّه وسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وبما كان عليه الصّدر الأوّل من الصّحابة والتّابعين، وأئمّة المسلمين في قديم الدّهر وحديثه، كما رواه الحاكم في مستدركه أنّه سئل، عليه السّلام عن الفرقة النّاجية منهم، فقال: "ما أنا عليه [اليوم] وأصحابي"). [تفسير ابن كثير: 6/ 316-317]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:30 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة