العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة النساء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 ربيع الثاني 1434هـ/21-02-2013م, 11:41 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة النساء [ من الآية (92) إلى الآية (93) ]

تفسير سورة النساء
[ من الآية (92) إلى الآية (93) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 07:29 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة قال هو المسلم يكون في المشركين فيقتله المؤمن ولا يدري ففيه عتق رقبة وليست له دية). [تفسير عبد الرزاق: 1/165]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن الزهري في قوله تعالى وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق قال هو المعاهد). [تفسير عبد الرزاق: 1/167]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرني الثوري عن الأعمش عن إبراهيم قال كل شيء في القرآن تحرير رقبة مؤمنة قال الذي قد صلى وما لم تكن مؤمنة فتجزيه ما لم يصل). [تفسير عبد الرزاق: 1/168]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن قال الرجل المؤمن يكون في العدو من المشركين فيقتله المسلم ولا يعلم فإنه يعتق رقبة وليس عليه دية). [تفسير عبد الرزاق: 1/168]

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمنًا إلّا خطأً ومن قتل مؤمنًا خطأً فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ وديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله إلّا أن يصّدّقوا فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ فديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله وتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبةً من الله وكان الله عليمًا حكيمًا} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم - في قوله عزّ وجلّ: {وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمنًا إلا خطًأ ومن قتل مؤمنًا خطأً فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ وديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله إلّا أن يصّدّقوا} - قال: هذا المسلم الّذي ورثته المسلمون، {فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ فتحرير رقبةٍ مؤمنة}، قال: هذا الرّجل المسلم وقومه مشركون، وليس بينهم وبين رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم عقد، {وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ فديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله وتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ}، قال: هذا الرّجل المسلم وقومه مشركون، وبينهم وبين رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم عقد، فيقتل، فيكون ميراثه للمسلمين، وتكون ديته لقومه؛ لأنّهم يعقلون عنه.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن عيّاش، عن حجّاج، عن عطاء بن أبي رباح، وابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، قالا - في قوله: {عدوٍّ لكم وهو مؤمن} -، قالا: الرّجل يكون من العدوّ، فيسلم، فيريد أن يأتي المسلمين، فيقتل خطأً، قالا: لا دية له، وعليه تحرير رقبة). [سنن سعيد بن منصور: 4/1315-1317]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمنًا إلاّ خطأً ومن قتل مؤمنًا خطأً فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ وديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله إلاّ أن يصّدّقوا فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ فديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله وتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبةً من اللّه وكان اللّه عليمًا حكيمًا}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمنًا إلاّ خطأً} وما أذن اللّه لمؤمنٍ ولا أباح له أن يقتل مؤمنًا. يقول: ما كان ذلك له فيما جعل له ربّه وأذن له فيه من الأشياء البتّة.
كما:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمنًا إلاّ خطأً} يقول: ما كان له ذلك فيما أتاه من ربّه من عهد اللّه الّذي عهد إليه.
وأمّا قوله: {إلاّ خطأً} فإنّه يقول: إلاّ أنّ المؤمن قد يقتل المؤمن خطأً، وليس ذلك له ممّا جعل له ربّه فأباحه له. وهذا من الاستثناء الّذي تسمّيه أهل العربيّة: الاستثناء المنقطع، كما قال جرير بن عطيّة:.
من البيض لم تظعن بعيدًا ولم تطأ = على الأرض إلا ريط بردٍ مرحّل
يعني: لم تطأ على الأرض إلاّ أن تطأ ذيل البرد، وليس ذيل البرد من الأرض.
ثمّ أخبر جلّ ثناؤه عباده بحكم من قتل من المؤمنين مؤمنا خطأً، فقال: {ومن قتل مؤمنًا خطأً فتحرير رقبةٍ} يقول: فعليه تحرير رقبةٍ مؤمنةٍ من ماله وديةٌ مسلّمةٌ يؤدّيها عاقلته إلى أهله {إلاّ أن يصّدّقوا} يقول: إلاّ أن يصدّق أهل القتيل خطأً على من لزمته ديّة قتيلهم فيعفوا عنه ويتجاوزوا عن ديته، فيسقط عنه.
وموضع أن من قوله {إلاّ أن يصّدّقوا} نصب لأنّ معناه: فعليه ذلك إلاّ أن يصدّقوا.
وذكر أنّ هذه الآية نزلت في عيّاش بن أبي ربيعة المخزوميّ، وكان قد قتل رجلاً مسلمًا بعد إسلامه وهو لا يعلم بإسلامه.
ذكر الآثار بذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمنًا إلاّ خطأً} قال عيّاش بن أبي ربيعة: قتل رجلاً مؤمنًا كان يعذّبه مع أبي جهلٍ، وهو أخوه لأمّه، فاتّبع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يحسب أنّ ذلك الرّجل كان كما هو وكان عيّاشٌ هاجر إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مؤمنًا، فجاء أبو جهلٍ وهو أخوه لأمّه، فقال: إنّ أمّك تناشدك رحمها وحقّها أن ترجع إليها. وهي أسماء ابنت مخرمة. فأقبل معه، فربطه أبو جهلٍ حتّى قدم مكّة؛ فلمّا رآه الكفّار زادهم ذلك كفرًا وافتتانًا، وقالوا: إنّ أبا جهلٍ ليقدر من محمّدٍ على ما يشاء ويأخذ أصحابه.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ بنحوه، إلاّ أنّه قال في حديثه: فاتّبع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ذلك الرّجل وعيّاشٌ يحسبه أنّه كافرٌ كما هو، وكان عيّاشٌ هاجر إلى المدينة مؤمنًا، فجاءه أبو جهلٍ وهو أخوه لأمّه، فقال: إنّ أمّك تنشدك برحمها وحقّها إلاّ رجعت إليها. وقال أيضًا: فيأخذ أصحابه فيربطهم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، بنحوه.قال ابن جريجٍ، عن عكرمة، وكان الحارث بن يزيد بن أنيسة من بني عامر بن لؤيٍّ يعذّب عيّاش بن أبي ربيعة مع أبي جهلٍ. ثمّ خرج الحارث بن يزيد مهاجرًا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فلقيه عيّاشٌ بالحرّة فعلاه بالسّيف حتّى سكت، وهو يحسب أنّه كافرٌ. ثمّ جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبره، ونزلت: {وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمنًا إلاّ خطأً} الآية فقرأها عليه، ثمّ قال له: قم فحرّر.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمنًا إلاّ خطأً} قال: نزلت في عيّاش بن أبي ربيعة المخزوميّ، فكان أخًا لأبي جهل بن هشامٍ لأمّه. وإنّه أسلم وهاجر مع المهاجرين الأوّلين قبل قدوم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فطلبه أبو جهلٍ والحارث بن هشامٍ وتبعهما رجلٌ من بني عامر بن لؤيٍّ فأتوه بالمدينة، وكان عيّاشٌ أحبّ إخوته إلى أمّه، فكلّموه وقالوا: إنّ أمّك قد حلفت أن لا يظلّها بيتٌ حتّى تراك وهي مضطجعةٌ في الشّمس، فأتها فلتنظر إليك ثمّ ارجع. وأعطوه موثقًا من اللّه لا يهيجونه حتّى يرجع إلى المدينة. فأعطاه بعض أصحابه بعيرًا له نجيبًا، وقال: إن خفت منهم شيئًا فاقعد على النّجيب. فلمّا أخرجوه من المدينة أخذوه فأوثقوه، وجلده العامريّ، فحلف ليقتلنّ العامريّ. فلم يزل محبوسًا بمكّة حتّى خرج عام الفتح، فاستقبله العامريّ وقد أسلم ولا يعلم عيّاشٌ بإسلامه، فضربه فقتله، فأنزل اللّه: {وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمنًا إلاّ خطأً} يقول: وهو لا يعلم أنّه مؤمنٌ {ومن قتل مؤمنًا خطأً فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ وديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله إلاّ أن يصّدّقوا} فيتركوا الدّية.
وقال آخرون:بل نزلت هذه الآية في أبي الدّرداء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمنًا إلاّ خطأً} الآية. قال: نزلت هذا الايه في رجلٍ قتله أبو الدّرداء أنزل هذه كله فيه كان كانوا في سريّةٍ، فعدل أبو الدّرداء إلى شعبٍ يريد حاجةً له، فوجد رجلاً من القوم في غنمٍ له، فحمل عليه بالسّيف، فقال: لا إله إلاّ اللّه قال:فبدر فضربه ثمّ جاء بغنمه إلى القوم. ثمّ وجد في نفسه شيئًا، فأتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكر ذلك له، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ألا شققت عن قلبه؟ فقال: ما عسيت أن أجد. هل هو يا رسول اللّه إلاّ دمٌ أو ماءٌ؟ قال: فقد أخبرك بلسانه فلم تصدّقه قال: كيف بي يا رسول اللّه؟ قال: فكيف بلا إله إلاّ اللّه؟ قال: فكيف بي يا رسول اللّه؟ قال: فكيف بلا إله إلاّ اللّه حتّى تمنّيت أن يكون ذلك مبتدأ إسلامي. قال: ونزل القرآن: {وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمنًا إلاّ خطأً} حتّى بلغ: {إلاّ أن يصّدّقوا} قال: إلا أن يضعوها.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّ اللّه عرّف عباده بهذه الآية ما على من قتل مؤمنًا خطأً من كفّارةٍ وديةٍ. وجائزٌ أن تكون الآية هذه نزلت في عيّاش بن أبي ربيعة وقتيله، وفي أبي الدّرداء وصاحبه. وأيّ ذلك كان فالّذي عنى اللّه تعالى بهذه بالآية تعريف عباده ما ذكرنا، وقد عرف ذلك من عقل ذلك عنه من عباده وتنزيله، وغير ضائرهم جهلهم بمن نزلت فيه.
وأمّا الرّقبة المؤمنة فإنّ أهل العلم مختلفون في صفته، فقال بعضهم: لا تكون الرّقبة مؤمنةً حتّى تكون قد اختارت الإيمان بعد بلوغها وصلّت وصامت، ولا يستحقّ الطّفل هذه الصّفة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أبي حيّان، قال: سألت الشّعبيّ عن قوله: {فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ} قال: قد صلّت وعرفت الإيمان.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ} يعني بالمؤمنة: من قد عقل الإيمان وصام وصلّى.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: ما كان في القرآن من رقبةٍ مؤمنةٍ فلا يجزي إلا من صام وصلّى، وما كان في القرآن من رقبةٍ ليست مؤمنةً، فالصّبيّ يجزئ.
- حدّثت عن يزيد بن هارون، عن هشام بن حسّان، عن الحسن، قال: كلّ شيءٍ في كتاب اللّه {فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ} فمن صام وصلّى وعقل، وإذا قال: فتحرير رقبةٍ: فما شاء.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: كلّ شيءٍ في القرآن {فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ} فالّذي قد صلّى، وما لم تكن مؤمنةً، فتحرير من لم يصلّ.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ} والرّقبة المؤمنة عند قتادة: من قد صلّى. وكان يكره أن يعتق في هذا الطّفل الّذي لم يصلّ ولم يبلغ ذلك.
- حدّثني يحيى بن طلحة اليربوعيّ، قال: حدّثنا فضيل بن عياضٍ، عن مغيرة، عن إبراهيم، في قوله: {فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ} قال: إذا عقل دينه.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن قتادة، قال في حرف أبى: {فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ} لا يجزئ فيها صبيّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ} يعني بالمؤمنة: من قد عقل الإيمان وصام وصلّى، فإن لم يجد رقبةً فصيام شهرين متتابعينٍ، وعليه ديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله، إلا أن يصّدّق بها عليه.
وقال آخرون: إذا كان مولودًا بين أبوين مسلمين فهو مؤمنٌ وإن كان طفلاً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، قال: كلّ رقبةٍ ولدت في الإسلام فهي تجزئ.
قال أبو جعفرٍ: وأولى القولين بالصّواب في ذلك، قول من قال: لا يجزئ في قتل الخطأ من الرّقاب إلاّ من قد آمن وهو يعقل الإيمان مس بالغ الرّجال والنّساء إذا كان ممّن كان أبواه على ملّةٍ من الملل سوى الإسلام وولد بينهمًا وهما كذلك، ثمّ لم يسلما ولا واحدٌ منهما حتّى أعتق في كفّارة الخطأ. وأمّا من ولد بين أبوين مسلمين فقد أجمع الجميع من أهل العلم أنّه وإن لم يبلغ حدّ الاختيار والتّمييز ولم يدرك الحلم فمحكومٌ له بحكم أهل الإيمان في الموارثة والصّلاة عليه إن مات، وما يجب عليه إن جنى، ويجب له إن جني عليه، وفي المناكحة. فإذا كان ذلك من جميعهم إجماعًا، فواجبٌ أن يكون له من الحكم فيما يجزئ فيه من كفّارة الخطأ إن أعتق فيها من حكم أهل الإيمان مثل الّذي له من حكم الإيمان في سائر المعاني الّتي ذكرنا غيرها. ومن أبى ذلك عكس عليه الأمر فيه، ثمّ سئل الفرق بين ذلك من أصلٍ أو قياسٍ، فلن يقول في شيءٍ من ذلك قولاً إلاّ ألزم في غيره مثله.
وأمّا الدّية المسلّمة إلى أهل القتيل فهي المدفوعة إليهم على ما وجب لهم موفّرةً غير منتقصةٍ حقوق أهلها منها. وذكر عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقول: هي الموفّرة.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ، قوله: {وديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله} قال: موفّرةٌ.
وأمّا قوله: {إلاّ أن يصّدّقوا} فإنّه يعني به: إلاّ أن يتصدّقوا بالدّية على القاتل أو على عاقلته؛ فأدغمت التّاء من قوله: يتصدّقوا في الصّاد فصارتا صادًا مشددة.
وقد ذكر أنّ ذلك في قراءة أبيٍّ: إلاّ أن يتصدّقوا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا بكر بن الشّرود قال: في حرف أبيٍّ: إلا أن يتصدّقوا). [جامع البيان: 7/304-314]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله: {فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ} فإن كان هذا القتيل الّذي قتله المؤمن خطأً من قومٍ عدوٍّ لكم، يعني: من عداد قومٍ أعداءٍ لكم في الدّين مشركون،قد نصبوكم الحرب على خلافكم على الإسلام، وهو مؤمنٌ {فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ} يقول: فإذا قتل المسلم خطأً رجلاً من عداد المشركين والمقتول مؤمنٌ والقاتل يحسب أنّه على كفره، فعليه تحرير رقبةٍ مؤمنةٍ.
واختلف أهل التّأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: وإن كان المقتول من قومٍ هم عدوٌّ لكم وهو مؤمنٌ؛ أي بين أظهركم لم يهاجر، فقتله مؤمنٌ، فلا دية عليه وعليه تحرير رقبةٍ مؤمنةٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن سفيان، عن سماكٍ، عن عكرمة، والمغيرة، عن إبراهيم، في قوله: {فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ} قالا: هو الرّجل يسلم في دار الحرب، فيقتل. فقالا: ليس فيه ديةٌ، وفيه الكفّارة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، في قوله: {فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ} قال: يعني: المقتول يكون مؤمنًا وقومه كفّارٌ قال: فليس له ديةٌ، ولكن تحرير رقبةٍ مؤمنةٍ.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو غسّان، قال: حدّثنا إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ} قال: يكون الرّجل مؤمنًا وقومه كفّارٌ، فلا دية له، ولكن تحرير رقبةٍ مؤمنةٍ.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ} في دار الحرب، يقول: {فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ} وليس له ديةٌ.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ} ولا دية لأهله من أجل أنّهم كفّارٌ، وليس بينهم وبين نبى اللّه صلى الله عليه وسلم عهدٌ ولا ذمّةٌ.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا الحجّاج قال: حدّثنا حمّادٌ قال: أخبرنا عطاء بن السّائب، عن ابن أبي غياضٍ أنّه قال في قول اللّه: {فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ} إلى آخر الآية قال: كان الرّجل يسلم، ثمّ يأتي قومه فيقيم فيهم وهم مشركون، فيمرّ بهم الجيش لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فيقتل فيمن يقتل، فيعتق قاتله رقبةً ولا دية له.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم: {فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ فتحرير رقبةٍ} قال: هذا إذا كان الرّجل المسلم من قومٍ عدوٍّ وليس لهم عهدٌ فقتل خطأً، فإنّما على من قتله تحرير رقبةٍ مؤمنةٍ.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو صالحٍ قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ} فإن كان في أهل الحرب وهو مؤمنٌ، فقتله خطأً، فعلى قاتله أن يكفّر بتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ، أو صيام شهرين متتابعين، ولا دية عليه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ} القتيل مسلمٌ وقومه كفّارٌ {فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ} ولا يؤدّي إليهم الدّية فيتقوون بها عليكم.
وقال آخرون: بل عنى به الرّجل من أهل الحرب يقدم دار الإسلام فيسلم ثمّ يرجع إلى دار الحرب، فإذا مرّ بهم الجيش من أهل الإسلام هرب قومه، وأقام ذلك المسلم بينهم فيها، فيقتله المسلمون وهم يحسبونه كافرًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ} فهو المؤمن يكون في العدوّ بين المشركين يسمعون بالسّريّة من أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فيفرّون ويلبث المؤمن فيقتل، ففيه تحرير رقبةٍ مؤمنةٍ). [جامع البيان: 7/314-317]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ فديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله وتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ} أي وإن كان القتيل الّذي قتله المؤمن خطأً من قومٍ بينكم أيّها المؤمنون وبينهم ميثاقٌ: أي عهدٌ وذمّةٌ، وليسوا أهل حربٍ لكم، {فديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله} يقول: فعلى قاتله ديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله يتحمّلها عاقلته، وتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ كفّارةً لقتله.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في صفة هذا القتيل الّذي هو من قومٍ بيننا وبينهم ميثاقٌ أهو مؤمنٌ أو كافرٌ؟ فقال بعضهم: هو كافرٌ، إلاّ أنّه لزمت قاتله ديته؛ لأنّ له ولقومه عهدًا، فواجبٌ أداء ديته إلى قومه للعهد الّذي بينهم وبين المؤمنين، وأنّها مالٌ من أموالهم، ولا يحلّ للمؤمنين شيءٌ من أموالهم بغير طيب أنفسهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ} يقول: إذا كان كافرًا في ذمّتكم فقتل، فعلى قاتله الدّية مسلّمةٌ إلى أهله، وتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ، أو صيام شهرين متتابعين.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أيّوب، قال: سمعت الزّهريّ يقول: دية الذّمّيّ دية المسلم. قال: وكان يتأوّل: {وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ فديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن إدريس، عن عيسى بن أبي المغيرة، عن الشّعبيّ، في قوله: {وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ فديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله} قال: من أهل العهد، وليس بمؤمنٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، عن هشيمٍ، عن مغيرة، عن إبراهيم: {وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ} وليس بمؤمنٍ.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ فديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله وتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ} بقتله: أي بالّذي أصاب من أهل ذمّته وعهده {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبةً من اللّه} الآية.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ فديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله} يقول: فأدّوا إليهم الدّية بالميثاق. قال: وأهل الذّمّة يدخلون في هذا، وتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.
وقال آخرون: بل هو مؤمنٌ، فعلى قاتله ديةٌ يؤدّيها إلى قومه من المشركين، لأنّهم أهل ذمّةٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم: {وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ فديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله وتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ} قال: هذا الرّجل المسلم وقومه مشركون لهم عقدٌ، فتكون ديته لقومه وميراثه للمسلمين، ويعقل عنه قومه ولهم ديته.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن هشيمٍ، عن أبي إسحاق الكوفيّ، عن جابر بن زيدٍ، في قوله: {وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ} قال: وهو مؤمنٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، عن حمّاد بن سلمة، عن يونس، عن الحسن، في قوله: {وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ} قال كلهم مؤمن.
قال أبو جعفرٍ: وأولى القولين في ذلك بتأويل الآية قول من قال: عنى بذلك المقتول من أهل العهد، لأنّ اللّه أبهم ذلك، فقال: {وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم} ولم يقل: وهو مؤمنٌ كما قال في القتيل من المؤمنين وأهل الحرب؛ إذ عنى المؤمن منهم وهو مؤمنٌ. فكان في تركه وصفه بالإيمان الّذي وصف به القتيلين الماضي ذكرهما قبل، الدّليل الواضح على صحّة ما قلنا في ذلك.
فإن ظنّ ظانٌّ أنّ في قوله تبارك وتعالى: {فديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله} دليلاً على أنّه من أهل الإيمان، لأنّ الدّية عنده لا تكون إلاّ لمؤمنٍ، فقد ظنّ خطأً؛ وذلك أنّ دية الذّمّيّ وأهل الإسلام سواءٌ، لإجماع جميعهم على أنّ ديات عبيدهم الكفّار وعبيد المؤمنين من أهل الإيمان سواءٌ، فكذلك حكم ديات أحرارهم سواءٌ، مع أنّ دياتهم لو كانت على ما قال من خالفنا في ذلك، فجعلها على النّصف من ديات أهل الإيمان أو على الثّلث، لم يكن في ذلك دليلٌ على أنّ المعنيّ بقوله: {وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ} من أهل الإيمان، لأنّ دية المؤمنة لا خلاف بين الجميع، إلاّ من لا يعدّ خلافًا أنّها على النّصف من دية المؤمن، وذلك غير مخرجها من أن تكون ديةً، فكذلك حكم ديات أهل الذّمّة لو كانت مقصّرةً عن ديات أهل الإيمان لم يخرجها ذلك من أن تكون دياتٍ، فكيف والأمر في ذلك بخلافه ودياتهم وديات المؤمنين سواءٌ؟.
وأمّا الميثاق: فإنّه العهد والذّمّة، وقد بيّنّا في غير هذا الموضع أنّ ذلك كذلك والأصل الّذي منه أخذ بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ في قوله: {وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ} يقول: عهدٌ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، في قوله: {وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ} قال: هو المعاهدة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو غسّان، قال: حدّثنا إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ} عهدٌ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، مثله.
فإن قال قائلٌ: وما صفة الخطأ الّذي إذا قتل المؤمن المؤمن أو المعاهد لزمته ديته والكفّارة؟
قيل: هو ما قال النّخعيّ في ذلك. وذلك ما:.
- حدّثنا به ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: الخطأ أن يريد الشّيء، فيصيب غيره.
- حدّثنا أبو كريبٍ، ويعقوب بن إبراهيم، قالا: حدّثنا هشيمٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: الخطأ أن يرمي الشّيء، فيصيب إنسانًا وهو لا يريده، فهو خطأٌ، وهو على العاقلة
فإن قال قائل: فما بال الدّية الواجبة في ذلك؟
قيل: أمّا في قتل المؤمن فمائةٌ من الإبل إن كان من أهل الإبل على عاقلة قاتله، لا خلاف بين الجميع في ذلك، وإن كان في مبلغ أسنانها اختلافٌ بين أهل العلم، فمنهم من يقول: هي أرباعٌ: خمسٌ وعشرون منها حقّةٌ، وخمسٌ وعشرون منها جذعةٌ، وخمسٌ وعشرون بنات مخاضٍ، وخمسٌ وعشرون بنات لبونٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه: في الخطأ شبه العمد ثلاثٌ وثلاثون حقّةً، وثلاثٌ وثلاثون جذعةً، وأربعٌ وثلاثون ثنيّةً إلى بازل عامها؛ وفي الخطأ: خمسٌ وعشرون حقّةً، وخمسٌ وعشرون جذعةً، وخمسٌ وعشرون بنات مخاضٍ، وخمسٌ وعشرون بنات لبونٍ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن قال: حدّثنا سفيان، عن فراسٍ والشّيبانيّ، عن الشّعبيّ، عن عليّ بن أبي طالبٍ، بمثله.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن عليٍّ رضي اللّه عنه، بنحوه.
- حدّثني واصل بن عبد الأعلى قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن أشعث بن سوّارٍ، عن الشّعبيّ، عن عليٍّ رضي اللّه عنه أنّه قال: في قتل الخطأ الدّية مائةٌ أرباعًا، ثمّ ذكر مثله.
وقال آخرون: هي أخماسٌ: عشرون حقّةً، وعشرون جذعةً، وعشرون بنات لبونٍ، وعشرون بني لبونٍ، وعشرون بنات مخاضٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن أبي مجلزٍ، عن أبي عبيدة، عن أبيه عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: في الخطأ عشرون حقّةً، وعشرون جذعةً، وعشرون بنات لبونٍ، وعشرون بني لبونٍ، وعشرون بنات مخاضٍ
ذكر من قال ذلك:
حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن أبي مجلزٍ، عن أبي عبيدة، عن أبيه عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: في الخطأ عشرون حقّةً، وعشرون جذعةً وعشرون بنات لبونٍ، وعشرون بني لبونٍ، وعشرون بنات مخاضٍ.
- حدّثني واصل بن عبد الأعلى قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن أشعث، عن عامرٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ: في قتل الخطأ مائةٌ من الإبل أخماسًا: خمس جذاعٍ، وخمس حقاقٍ، وخمس بنات لبونٍ، وخمس بنات مخاضٍ، وخمس بنو مخاضٍ.
- حدّثنا مجاهد بن موسى قال: حدّثنا يزيد قال: أخبرنا سليمان التّيميّ، عن أبي مجلزٍ، عن أبي عبيدة عن عبد اللّه قال: الدّية أخماسٌ دية الخطأ: خمسٌ بناتٌ مخاضٍ، وخمسٌ بنات لبونٍ، وخمسٌ حقاقٌ، وخمسٌ جذاعٌ، وخمسٌ جذاع.
واعتلّ قائل هذه المقالة بحديث:
- حدّثنا به أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا يحيى بن أبي زائدة، وأبو خالدٍ الأحمر، عن حجّاجٍ، عن زيد بن جبيرٍ، عن الخشف بن مالكٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قضى في الدّية في الخطأ أخماسًا. قال أبو هشامٍ: قال ابن أبي زائدة: عشرون حقّةً، وعشرون جذعةً، وعشرون ابنة لبونٍ، وعشرون ابنة مخاضٍ، وعشرون بني مخاضٍ.
- حدّثنا أبو هشامٍ قال: حدّثنا يحيى، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن علقمة، عن عبد اللّه أنّه قضى بذلك.
وقال آخرون: هي أرباعٌ، غير أنّها ثلاثون حقّةً، وثلاثون بنات لبونٍ، وعشرون بنت مخاضٍ، وعشرون بنو لبونٍ ذكورٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثني محمّد بن بكرٍ قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن عبد ربّه عن أبي عياضٍ، عن عثمان، وزيد بن ثابتٍ، قالا: في الخطأ شبه العمد: أربعون جذعةً خلفةً، وثلاثون حقّةً، وثلاثون بنات مخاضٍ؛ وفي الخطأ: ثلاثون حقّةً، وثلاثون جذعةً، وعشرون بنات مخاضٍ، وعشرون بنو لبونٍ ذكورٌ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، عن زيد بن ثابتٍ، في دية الخطأ: ثلاثون حقّةً، وثلاثون بنات لبونٍ، وعشرون بنات مخاضٍ، وعشرون بنو لبونٍ ذكورٌ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا ابن عثمة قال: حدّثنا سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة، عن عبد ربّه، عن أبي عياضٍ، عن عثمان بن عفّان رضي اللّه عنه قال وحدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب عن زيد بن ثابتٍ، مثله
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من ذلك عندنا أن الجميع مجمعون على أنّ في قتل الخطأ المحض على أهل الإبل مائةً من الإبل. ثمّ اختلفوا في مبالغ أسنانها، وأجمعوا على أنّه لا يقتصر بها في الّذي وجبت له الأسنان عن أقلّ ما ذكرنا من أسنانها الّتي حدّها الّذين ذكرنا اختلافهم فيها، وأنّه لا يجاوز بها الّذي وجبت عليه عن علاها. وإن كان ذلك من جميعهم إجماعًا، فالواجب أن يكون مجزيًا من لزمته دية قتلٍ خطأٍ: أي هذه الأسنان الّتي اختلف المختلفون فيها أدّاها إلى من وجبت له، لأنّ اللّه تعالى لم يحدّ ذلك بحدٍّ لا يجاوز به ولا يقصر عنه ولا رسوله إلاّ ما ذكرت من إجماعهم فيما أجمعوا عليه، فإنّه ليس للإمام مجاوزة ذلك في الحكم بتقصيرٍ ولا زيادةٍ، وله التّخيير فيما بين ذلك بما رأى الصّلاح فيه للفريقين.
وإن كانت عاقلة القاتل من أهل الذّهب فإنّ لورثة القتيل عليهم عندنا ألف دينارٍ، وعليه علماء الأمصار.
وقال بعضهم: ذلك تقويمٌ من عمر رضي اللّه عنه الإبلٍ على أهل الذّهب في عصره، والواجب أن يقوّم في كلّ زمانٍ قيمتها إذا عدم الإبل عاقلة القاتل.
واعتلّوا في ذلك بما:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أيّوب بن موسى، عن مكحولٍ، قال: كانت الدّية ترتفع وتنخفض، فتوفّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهي ثمانمائة دينارٍ، فخشي عمر من بعده، فجعلها اثني عشر ألف درهمٍ أو ألف دينارٍ.
وأمّا الّذين أوجبوها في كلّ زمانٍ على أهل الذّهب ذهبًا ألف دينارٍ، فقالوا: ذلك فريضةٌ فرضها اللّه على لسان رسوله، كما فرض الإبل على أهل الإبل. قالوا: وفي إجماع علماء الأمصار في كلّ عصرٍ، وزمانٍ إلاّ من شذّ عنهم، على أنّها لا تزاد على ألف دينارٍ ولا تنقص عنها، أوضح الدّليل على أنّها الواجبة على أهل الذّهب وجوب الإبل على أهل الإبل، لأنّها لو كانت قيمةً المائةٍ من الإبل لاختلف ذلك بالزّيادة والنّقصان لتغيّر أسعار الإبل.
وهذا القول هو الحقّ في ذلك عندي لما ذكرنا من إجماع الحجّة عليه.
وأمّا من الورق على أهل الورق عندنا، فاثنا عشر ألف درهمٍ، وقد بيّنّا العلل في ذلك في كتابنا كتابٌ لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام
وقال آخرون: إنّما على أهل الورق من الورق عشرة آلاف درهمٍ.
وأمّا دية المعاهد الّذي بيننا وبين قومه ميثاقٌ، فإنّ أهل العلم اختلفوا في مبلغها، فقال بعضهم: ديته ودية الحرّ المسلم سواءٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا بشر بن السّريّ، عن إبراهيم بن سعدٍ، عن الزّهريّ: أنّ أبا بكرٍ، وعثمان، رضوان اللّه عليهما كانا يجعلان دية اليهوديّ والنّصرانيّ إذا كانا معاهدين كدية المسلم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا بشر بن السّريّ، عن الدّستوائيّ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن الحكم بن عتيبة: أنّ ابن مسعودٍ، كان يجعل دية أهل الكتاب إذا كانوا أهل ذمّةٍ كدية المسلمين.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن حمّادٍ، قال: سألني عبد الحميد عن دية، أهل الكتاب، فأخبرته أنّ إبراهيم قال: إنّ ديتهم وديتنا سواءٌ.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا أبو الوليد، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن إبراهيم، وداود، عن الشّعبيّ، أنّهما قالا: دية اليهوديّ والنّصرانيّ والمجوسيّ مثل دية الحرّ المسلم.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: كان يقال: دية اليهوديّ والنّصرانيّ والمجوسيّ كدية المسلم إذا كانت له ذمّةٌ.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، وعطاءٍ أنّهما قالا: دية المعاهد دية السلم.
حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، وعطاءٍ أنّهما قالا: دية المعاهد دية المسلم.
- حدّثنا سوّار بن عبد اللّه قال: حدّثنا بشر بن المفضّل قال: حدّثنا المسعوديّ، عن حمّادٍ، عن إبراهيم، أنّه قال: دية المسلم والمعاهد سواءٌ.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أيّوب، قال: سمعت الزّهريّ، يقول: دية الذّمّيّ دية المسلم.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، عن أشعث، عن عامرٍ، قال: دية الذّمّيّ مثل دية المسلم.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن أبي معشرٍ عن إبراهيم مثله.
- حدّثني أبو السّائب قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال دية اليهودي والنصراني والمجوسي من أهل العهد كدية المسلم مثله.
- حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ، قال: أخبرنا محمّد بن يزيد، عن إسماعيل، عن عامرٍ، وبلغه، أنّ الحسن، كان يقول: دية المجوسيّ ثمانمائةٍ ودية اليهوديّ والنّصرانيّ أربعة آلافٍ، أربعة آلافٍ فقال: ديتهم واحدةٌ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن قال: حدّثنا سفيان، عن قيس بن مسلمٍ، عن الشّعبيّ قال: دية المعاهد والمسلم في كفّارتهما سواءٌ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم قال: دية المعاهد والمسلم سواءٌ.
وقال آخرون: بل ديته على النّصف من دية المسلم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن عمرو بن شعيبٍ، في دية اليهوديّ والنّصرانيّ قال: جعلها عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه نصف دية المسلم، ودية المجوسيّ ثمانمائةٍ. فقلت لعمرو بن شعيبٍ: إنّ الحسن يقول: أربعة آلافٍ قال: لعلّه كان ذلك قبل، القيمة وقال: إنّما جعل دية المجوسيّ بمنزلة العبد.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه الأشجعيّ، عن سفيان، عن أبي الزّناد، عن عمر بن عبد العزيز، قال: دية المعاهد على النّصف من دية المسلم.
وقال آخرون: بل ديته على الثّلث من دية المسلم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني واصل بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن مطرّفٍ، عن أبي عثمان قال: كان قاضيًا لأهل مرو، قال: جعل عمر رضي اللّه عنه دية اليهوديّ والنّصرانيّ أربعة آلافٍ أربعة آلافٍ.
- حدّثنا عمّار بن خالدٍ الواسطيّ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن الأعمش، عن ثابتٍ عن سعيد بن المسيّب، قال: قال عمر: دية النّصرانيّ أربعة آلافٍ، والمجوسيّ ثمانمائةٍ.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى قال: حدّثنا عبد الصّمد قال: حدّثنا شعبة، عن ثابتٍ قال: سمعت سعيد بن المسيّب يقول: قال عمر: دية أهل الكتاب أربعة آلافٍ، ودية المجوسيّ ثمانمائةٍ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن قال: حدّثنا سفيان، عن ثابتٍ، عن سعيد بن المسيّب، أنّ عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه قال، فذكر مثله.
- حدثنا ابن المثنى قال حدثنا أبو الوليد قال حدثنا حماد ابن سلمة عن قتادة عن سعيد ابن المسيب وحميد عن الحسن عن عمر مثله.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن أبي المليح: أنّ رجلاً من قومه رمى يهوديًّا أو نصرانيًّا بسهمٍ فقتله، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطّاب، فأغرمه ديته أربعة آلافٍ.
- حدثنا ابن بشار قال حدّثنا ابن أبى عدى عن سعيد عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب قال: قال عمر: دية اليهوديّ والنّصرانيّ أربعة آلافٍ، أربعة آلافٍ.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا هشيمٌ قال: أخبرنا بعض أصحابنا، عن سعيد بن المسيّب، عن عمر مثله.
- أخبرنا يعقوب قال حدّثنا هشيمٌ، عن ابن أبي ليلى، عن عطاءٍ، عن عمر، مثله.
- حدثنا يعقوب قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا يحيى بن سعيدٍ، عن سليمان بن يسارٍ، أنّه قال: دية اليهوديّ والنّصرانيّ أربعة آلافٍ، والمجوسيّ ثمانمائةٍ.
- حدّثنا سوّار بن عبد اللّه، قال: حدّثنا خالد بن الحارث، قال: حدّثنا عبد الملك، عن عطاءٍ، مثله.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، في قوله: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين} الصّيام لمن لا يجد رقبةً، وأمّا الدّية فواجبةٌ لا يبطلها شيءٌ). [جامع البيان: 7/318-334]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبةً من اللّه وكان اللّه عليمًا حكيمًا}
يعني تعالى ذكره بقوله: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين} فمن لم يجد رقبةً مؤمنةً يحرّرها كفّارةً لخطئه في قتله من قتل من مؤمنٍ أو معاهدٍ لعسرته بثمنها {فصيام شهرين متتابعين} يقول: فعليه صيام شهرين متتابعين.
واختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم فيه بنحو ما قلنا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين} قال: من لم يجد عتقًا، أو عتاقةً، شكّ أبو عصامٍ، في قتل مؤمنٍ خطأً قال: وأنزلت في عيّاش بن أبي ربيعة قتل مؤمنًا خطأً.
وقال آخرون: صوم الشّهرين عن الدّية والرّقبة. قالوا: وتأويل الآية: فمن لم يجد رقبةً مؤمنةً ولا دية يسلّمها إلى أهلها فعليه صوم شهرين متتابعين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن زكريّا، عن الشّعبيّ، عن مسروقٍ: أنّه سئل عن الآية الّتي، في سورة النّساء: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين} صيام الشّهرين عن الرّقبة وحدها، أو عن الدّية والرّقبة؟ فقال: من لم يجد فهو عن الدّية والرّقبة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن زكريّا، عن عامرٍ، عن مسروقٍ بنحوه.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك أنّ الصّوم عن الرّقبة دون الدّية، لأنّ دية الخطأ على عاقلة القاتل، والكفّارة على القاتل بإجماع الحجّة على ذلك، نقلاً عن نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم، فلا يقضي صوم صائمٍ عمّا لزم غيره في ماله.
والمتابعة صوم الشّهرين،مما لا يقطعه بإفطار بعض أيّامه لغير علّةٍ حائلةٍ بينه وبين صومه.
ثمّ قال جلّ ثناؤه: {توبةً من اللّه وكان اللّه عليمًا حكيمًا} يعني: رجعة من اللّه لكم إلى التّيسير عليكم بتخفيفه عنكم ما خفّف عنكم من فرض تحرير الرّقبة المؤمنة إذا أعسرتم بها بإيجابه عليكم صوم شهرين متتابعين {وكان اللّه عليمًا حكيمًا} يقول: ولم يزل اللّه عليمًا بما يصلح عباده فيما يكلّفهم من فرائضه وغير ذلك، حكيمًا بما يقضي فيهم ويريد). [جامع البيان: 7/334-336]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمنًا إلّا خطأً ومن قتل مؤمنًا خطأً فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ وديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله إلّا أن يصّدّقوا فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ فديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله وتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبةً من اللّه وكان اللّه عليمًا حكيمًا (92)
قوله تعالى: وما كان
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: وما كان لمؤمنٍ يعني: ما ينبغي لمؤمنٍ. وروي عن مقاتل بن حيّان نحو ذلك.
قوله تعالى: لمؤمنٍ. [5780]
حدّثنا هارون بن إسحاق، ثنا مطّلب بن زيادٍ، عن السّدّيّ قوله: وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمنًا إلّا خطاً قال: المؤمن لا يقتل مؤمناً.
قوله تعالى: أن يقتل مؤمناً إلا خطاً. [5781]
حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمنًا إلّا خطاً عيّاش بن أبي ربيعة قتل رجلا مؤمناً كان يعذّبه هو وأبو جهلٍ وهو أخوه لأمّه في اتّباع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وعيّاشٌ يحسب أنّ ذاك الرّجل كافرٌ كما هو، وكان عيّاشٌ هاجر إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مؤمناً، جاءه أخوه أبو جهلٍ وهو أخوه لأمّه، فقال: إنّ أمّك تناشدك رحمها وحقّها أن ترجع إليها، وهي أسماء بنت مخرمة، فأقبل معه فربطه أبو جهلٍ، حتّى قدم به مكّة، فلمّا رآه الكفّار زادهم كفراً وافتتاناً، فقالوا: إنّ أبا جهلٍ ليقدر من محمّدٍ على ما يشاء ويأخذ أصحابه.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمناً إلا خطاً وذلك أنّ عيّاش بن أبي ربيعة المخزوميّ وكان حلف على الحارث بن يزيد مولى بني عامر بن لؤيٍّ ليقتلنّه وكان الحارث يومئذٍ مشركاً، وأسلم الحارث ولم يعلم به عيّاشٌ، فلقيه بالمدينة فقتله وكان قتله ذلك خطأً. وروي عن السّدّيّ نحو ذلك.
قوله تعالى: ومن قتل مؤمناً خطاً. [5783]
حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا جريرٌ عن المغيرة، عن إبراهيم يعني في قوله: ومن قتل مؤمناً خطاً قال: إذا قتل المسلم فهذا له ولورثته المسلمين.
قوله تعالى: فتحرير رقبةٍ. [5784]
حدّثنا سليمان بن داود مولى عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالبٍ، ثنا سهل ابن عثمان، ثنا وكيعٍ، عن إسرائيل، عن جابرٍ، عن محمّد بن عليٍّ فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ قال: في الخطأ إذا أقرّت ولم يعلم منها إلا خيرا.
قوله تعالى: مؤمنة.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: أتي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم رجلٌ فقال: إنّ عليّ أي رقبةً، وعندي أمةٌ سوداء، فقال: ائتني بها، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أتشهدين أن لا إله إلا اللّه وأنّي رسول اللّه؟
قالت: نعم. قال: أعتقها.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن يمانٍ، عن سفيان، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ في قوله: فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ قال: ولدت على الإسلام.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ يعني بالمؤمنة من قد عقل الإيمان وصام وصلّى. وروي عن سعيد بن جبيرٍ، والحسن، وإبراهيم، والحكم نحو ذلك.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن يمانٍ، عن سفيان الثّوريّ، عن أبي حيّان التّيميّ، عن الشّعبيّ فتحرير رقبةٍ مؤمنة قال: قد صلّت. وروي عن مجاهدٍ، وعطاءٍ. وقتادة نحو ذلك.
قوله تعالى: وديةٌ. [5789]
حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني اللّيثٌ حدّثني عقيلٌ، عن ابن شهابٍ عن قول اللّه تعالى: وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمنًا إلا خطاً ومن قتل مؤمناً خطاً فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ وديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله فقد بلغنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فرضها مائةً من الإبل.
قوله تعالى: مسلّمةٌ. [5790]
حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا جعفر بن مسافرٍ، ثنا عليّ بن عاصمٍ، ثنا سفيان بن حسينٍ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب في قوله: فديةٌ مسلّمةٌ قال: المسلمة: التامة.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: وديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله يعني:
تسلّمها عاقلة القاتل.
قوله تعالى: إلى أهله. [5792]
وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: إلى أهله إلى أولياء المقتول.
وروي عن إبراهيم النّخعيّ، وقتادة، ومقاتل بن حيّان أنّهم قالوا: إلى ورثة المقتول.
قوله تعالى: إلا أن يصّدّقوا. [5793]
حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاس يعني قوله: إلا أن يصّدّقوا: إلا أن يتصدّق بها عليه.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاءٌ، عن سعيد بن جبيرٍ قال: ثمّ استثنى، ثمّ قال: إلا أن يصدّقوا يعني إلا أن يصّدّق أولياء المقتول بالدّية على القاتل فهو خيرٌ لهم، فأمّا عتق رقبةٍ فإنّه واجبٌ على القاتل من ماله.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: إلا أن يصّدّقوا فيتركوا الدّية. وروي عن إبراهيم النّخعيّ نحو ذلك.
قوله تعالى: فإن كان.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: فإن كان يعني المقتول من قومٍ عدوٍّ لكم.
- أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، ثنا أبو الجوّاب الأحوص بن جوّابٍ، ثنا عمار ابن زريق، عن عطاء بن السّائب، عن أبي يحيى، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ قال: كان الرّجل يأتي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ يرجع إلى قومه فيكون معهم وهم مشركون فيصيبه المسلمون خطاً في سريّةٍ أو غارةٍ فيعتق الّذي يصيبه رقبةً.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ يعني من أهل الحرب وهو مؤمنٌ يعني المقتول قال: نزلت في مرداس بن عمرٍو وكان أسلم، وقومه كفّارٌ من أهل الحرب فقتله أسامة بن زيدٍ خطاً، فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ ولا دية لهم، لأنّهم أهل الحرب.
وروي عن إبراهيم، وعكرمة، والشّعبيّ، وقتادة، والسّدّيّ، وابن عبّاسٍ نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ أبو وهبٍ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ قال: إن كان المؤمن الّذي قتل ليس له ورثة بين ظهراني المسلمين ووراثة المشركون من أهل الحرب للمسلمين فتحرير رقبةٍ فلم يجعل له ذرّيّةً.
قوله تعالى: فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاق
[الوجه الأول]
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ، ثنا الأحوص بن جواب، ثنا عمار بن زريق عن عطاء بن السّائب، عن أبي يحيى، عن ابن عبّاسٍ قوله: وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ قال: هو الرّجل يكون معاهداً ويكون قومه أهل عهدٍ فيسلّم إليهم دينه ويعتق الّذي أصابه رقبةً.
وروي عن سعيد بن جبيرٍ، وعكرمة، والسّدّيّ، والزّهريّ، وعطاءٍ الخراسانيّ، وقتادة، وإبراهيم النّخعيّ أنّهم قالوا: عهدٌ.
والوجه الثّاني:
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ يقول: إن كان المؤمن الّذي قتل ليس له ذرّيّةٌ في المسلمين وله ذرّيّةٌ في المشركين من أهل عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيمن بين النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ميثاقٌ يقول: ادفعوا الدّية إلى ورثته.
قوله تعالى: فديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله وتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ. [5802]
حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: فديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله فعلى قاتله الدّية مسلّمةٌ إلى أهله.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني اللّيثٌ، حدّثني عقيلٌ، عن ابن شهابٍ: فديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله بلغنا أنّ دية المعاهد كانت كدية مسلمٍ، ثمّ نقصت بعد في آخر الزّمان فجعلت مثل نصف دية المسلم، وأنّ اللّه تعالى أمر بتسليم دية المعاهد إلى أهله وجعل معها تحرير رقبةٍ مؤمنةٍ.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء ابن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: فديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله قال: لأهل المقتول من أهل العهد من مشركي العرب.
قوله تعالى: فمن لم يجد. [5805]
حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: فمن لم يجد يقول: من لم يجد دية عتاقه في قتل مؤمنٍ خطاً.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء ابن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: فمن لم يجد قال: فمن لم يجد رقبةً فصيام شهرين. وروي عن مقاتلٍ نحو ذلك.
- حدّثنا عمّار بن خالدٍ التّمّار، ثنا أسباطٌ، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة قال: إذا كان فمن لم يجد فالأوّل الأوّل.
قوله تعالى: فصيام شهرين متتابعين. [5808]
حدّثنا المنذر بن شاذان، ثنا يعلى، ثنا زكريّا، عن عامرٍ، قال: سئل مسروقٌ عن قوله: فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فسألوه عن صيام الشّهرين المتتابعين عن الرّقبة وحدها، أو عن الدّية والرّقبة؟ قال: من لم يجد عن الدّية والرقبة.
- حدّثنا أبي، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا مباركٌ، ثنا الحسن قوله: فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين تغليظاً وتشديداً من اللّه قال: هذا في الخطأ تشديدٌ من اللّه.
قوله تعالى: متتابعين. [5810]
حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، وسألته عن صيام شهرين متتابعين قال: لا يفطر فيها ولا يقطع صيامها فإن فعل من غير مرضٍ ولا عذرٍ استقبل صيامها جميعاً، فإن عرض له مرضٌ أو عذرٌ صام ما بقي منهما فإن مات ولم يصم أطعم عنه ستّون مسكيناً لكلّ مسكينٍ مدٌّ.
قوله تعالى: توبةً من اللّه. [5811]
حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: توبةً من اللّه يعني تجاوزاً من اللّه لهذه الأمّة حين جعل في قتل الخطأ كفّارةً وديةً.
قوله تعالى: وكان اللّه عليماً حكيماً. [5812]
وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: وكان اللّه عليماً حكيماً يعني حكم الكفّارة لمن قتل خطاً ثمّ صارت ديةً في العهد والموادعة لمشركي العرب منسوخةً، نسختها الآية الّتي في براءةٍ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم
وقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لا يتوارث أهل ملّتين). [تفسير القرآن العظيم: 3/1030-1036]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أسلم عياش بن أبي ربيعة وهاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه أبو جهل بن هشام وهو أخوه لأمه ورجل أخر معه فقال إن أمك تناشدك رحمها وحقها أن ترجع إليها وهي أسماء بنت مخرمة فأقبل معهما فربطاه حتى قدما به مكة فكانا يعذبانه فلما رآهما الكفار زادهم ذلك كفرا وافتنانا وقالوا إن أبا جهل ليقدر من محمد صلى الله عليه وسلم على ما شاء ويأخذ أصحابه فأسلم ذلك الرجل الذي كان مع أبي جهل فقتله عياش ولا يعلم بإسلامه فأنزل الله عز وجل وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ). [تفسير مجاهد: 169-170]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا محمّد بن إسحاق الصّغانيّ، ثنا أبو الجوّاب، ثنا عمّار بن رزيقٍ، ثنا عطاء بن السّائب، عن أبي يحيى، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، في قوله تعالى " {فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ} [النساء: 92] قال: كان الرّجل يأتي رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فيسلم، ثمّ يرجع إلى قومه فيكون فيهم مشركون، فيصيبه المسلمون خطأً في سريّةٍ أو غزاةٍ، فيعتق الرّجل رقبةً {وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ، فديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله، وتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ} [النساء: 92] قال: يكون الرّجل معاهدًا، وقومه أهل عهدٍ، فيسلم إليهم ديته، ويعتق الّذي أصابه رقبةً «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/337]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ} [النساء: 92]
- عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: {فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ} [النساء: 92] قال: كان الرّجل يأتي النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - فيسلم، ثمّ يرجع إلى قومه وهم مشركون في سريّةٍ أو غزاةٍ فيعتق الّذي يصيبه رقبةً، {وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ} [النساء: 92]، قال: هو الرّجل يكون معاهدًا، ويكون قومه أهل عهدٍ، فيسلّم إليهم الدّية، ويعتق الّذي أصابه رقبةً.
رواه الطّبرانيّ في الأوسط، وفيه عطاء بن السّائب، وقد اختلط). [مجمع الزوائد: 7/7-8]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ} يقول: ما كان له ذلك فيما آتاه من ربه من عهد الله الذي عهد إليه.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن السدي {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ} قال: المؤمن لا يقتل مؤمنا.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال: كان الحرث بن يزيد بن نبيشة من بني عامر بن لؤي يعذب عياش بن أبي ربيعة مع أبي جهل ثم خرج مهاجرا إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فلقيه عياش بالحرة فعلاه بالسيف وهو يحسب أنه كافر ثم جاء إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره فنزلت {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ} الآية، فقرأها عليه ثم قال له قم فحرر.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ} قال: عياش بن أبي ربيعة: قتل رجلا
مؤمنا كان يعذبه هو وأبو جهل وهو أخوه لأمه في اتباع النّبيّ صلى الله عليه وسلم وعياش يحسب أن ذلك الرجل كافر كما هو وكان عياش هاجر إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم مؤمنا فجاءه أبو جهل وهو أخوه لأمه فقال: إن أمك تناشدك رحمها وحقها أن ترجع إليها - وهي أميمة بنت مخرمة - فأقبل معه فربطه أبو جهل حتى قدم به مكة فلما رآه الكفار زادهم كفرا وافتتانا فقالوا: إن أبا جهل ليقدر من محمد على ما يشاء ويأخذ أصحابه فيربطهم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن السدي في قوله {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ} الآية، قال: نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي كان قد أسلم وهاجر إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وكان عياش أخا أبي جهل والحارث بن هشام لأمهما وكان أحب ولدها إليها فلما لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم شق ذلك عليها فحلفت أن لا يظلها سقف بيت حتى تراه فأقبل أبو جهل والحارث حتى قدما المدينة فأخبرا عياشا بما لقيت أمه وسألاه أن يرجع معهما فتنظر إليه ولا يمنعاه أن يرجع وأعطياه موثقا أن يخليا سبيله بعد أن تراه أمه، فانطلق معهما حتى إذا خرجا من المدينة عمدا إليه فشداه وثاقا وجلداه نحو من مائة جلدة وأعانهما على ذلك رجل من بني كنانة فحلف عياش ليقتلن الكناني إن قدر عليه فقدما به مكة فلم يزل محبوسا حتى فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فخرج عياش فلقي الكناني وقد أسلم وعياش لا يعلم بإسلام الكناني فضربه عياش حتى قتله، فأنزل الله {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ} يقول: وهو لا يعلم أنه مؤمن {ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا} فيتركوا الدية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال: إن عياش بن أبي ربيعة المخزومي كان حلف على الحارث بن يزيد مولى بني عامر بن لؤي ليقتلنه وكان الحارث يومئذ مشركا وأسلم الحارث ولم يعلم به عياش فلقيه بالمدينة فقتله وكان قتله ذلك خطأ.
وأخرج ابن المنذر والبيهقي في "سننه" من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن الحارث بن زيد كان شديدا على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فجاء وهو يريد الإسلام وعياش لا يشعر فلقيه عياش بن أبي ربيعة فحمل عليه فقتله فأنزل الله {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ}.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: نزلت في رجل قتله أبو الدرادء كانوا في سرية فعدل أبو الدرداء إلى شعب يريد حاجة له فوجد رجلا من القوم في غنم له فحمل عليه السيف فقال: لا إله إلا الله، فضربه ثم جاء بغنمه إلى القوم ثم وجد في نفسه شيئا فأتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا شققت عن قلبه فقال: ما عسيت أجد، هل هو يا رسول الله إلا دم أو ماء فقال: فقد أخبرك بلسانه فلم تصدقه، قال: كيف بي يا رسول الله قال: فكيف بلا إله إلا الله قال: فكيف بي يا رسول الله قال: فكيف بلا إله إلا الله حتى تمنيت أن يكون ذلك مبتدأ إسلامي، قال: ونزل القرآن {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ} حتى بلغ {إلا أن يصدقوا} قال: إلا أن يضعوها.
وأخرج الروياني، وابن منده وأبو نعيم معا في المعرفة عن بكر بن حارثة الجهني قال: كنت في سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقتتلنا نحن والمشركون وحملت على رجل من المشركين فتعوذ مني بالإسلام فقتلته فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم فغضب وأقصاني فأوحى الله إليه {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ} الآية، فرضي عني وأدناني.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله {فتحرير رقبة مؤمنة} قال: يعني بالمؤمنة من قد عقل الإيمان وصام وصلى وكل رقبة في القرآن لم تسم مؤمنة فإنه يجوز المولود فما فوقه ممن ليس به زمانة وفي قوله {ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا} قال: عليه الدية مسلمة إلا أن يتصدق بها عليه.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة قال: في حرف أبي: {فتحرير رقبة مؤمنة} لا يجري فيها صبي.
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والبيهقي في "سننه" عن أبي هريرة أن رجلا أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بجارية سوداء فقال: يا رسول الله إن علي عتق رقبة مؤمنة، فقال لها: أين الله فأشارت إلى السماء بأصبعها فقال لها: من أنا فأشارت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى السماء أي أنت رسول الله فقال: اعتقها فإنها مؤمنة.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجل فقال: إن علي رقبة مؤمنة وعندي أمة سوداء، فقال: ائتني بها فقال: أتشهدين أن لا إله إلا الله وأني رسول الله قالت: نعم، قال: أعتقها.
وأخرج عبد الرزاق وأحمد، وعبد بن حميد عن رجل من الأنصار أنه جاء بأمة له سوداء فقال: يا رسول الله إن علي رقبة مؤمنة فإن كنت ترى هذه مؤمنة أعتقها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشهدين أن لا إله إلا الله قالت: نعم، قال: أتشهدين أني رسول الله قالت: نعم، قال: تؤمنين بالبعث بعد الموت قالت: نعم، قال: أعتقها فإنها مؤمنة.
وأخرج الطيالسي ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن معاوية بت الحكم الأسلمي أنه لطم جارية له فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك قال: فقلت: يا رسول الله أفلا أعتقها قال: بلى ائتني بها، قال: فجئت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها: أين الله قالت: في السماء، قال: فمن أنا قالت: أنت رسول الله، قال: إنها مؤمنة فأعتقها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب في قوله {ودية مسلمة} قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضها مائة من الإبل.
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه، وابن المنذر عن ابن مسعود قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم دية الخطأ عشرين بنت مخاض وعشرين بني مخاض ذكورا وعشرين بنت لبون وعشرين جذعة وعشرين حقة.
وأخرج أبو داود، وابن المنذر عن ابن عباس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم جعل الدية اثني عشر ألفا.
وأخرج ابن المنذر عن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات وبعث به مع عمرو بن حزم وفيه وعلى أهل الذهب ألف دينار يعني في الدية.
وأخرج أبو داود، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاة ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة وعلى أهل القمح شيئا لم يحفظه محمد بن إسحاق.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله {ودية مسلمة} قال: موفرة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب في قوله {مسلمة إلى أهله} قال: المسلمة التامة.
وأخرج ابن المنذر عن السدي {مسلمة إلى أهله} قال: تدفع {إلا أن يصدقوا} إلا أن يدعوا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة {مسلمة إلى أهله} أي إلى أهل القتيل {إلا أن يصدقوا} إلا أن يصدق أهل القتيل فيعفوا ويتجاوزوا عن الدية
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {ودية مسلمة} يعني يسلمها عاقلة القاتل إلى أهله إلى أولياء المقتول {إلا أن يصدقوا} يعني إلا أن يصدق أولياء المقتول بالدية على القاتل فهو خير لهم فأما عتق رقبة فإنه واجب على القاتل في ماله.
وأخرج ابن جرير عن بكر بن الشرود قال: في حرف أبي إلا أن يتصدقوا.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن إبراهيم النخعي في قوله {ودية مسلمة إلى أهله} قال: هذا المسلم الذي ورثته مسلمون {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن} قال: هذا الرجل المسلم وقومه مشركون وبينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد فيقتل فيكون ميراثه للمسلمين وتكون ديته لقومهم لأنهم يعقلون عنه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر من طريق علي عن ابن عباس في قوله: {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن} يقول: فإن كان في أهل الحرب وهو مؤمن فقتله خطأ فعلى قاتله أن يكفر بتحرير رقبة مؤمنة أو صيام شهرين متتابعين ولا دية عليه وفي قوله {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق} يقول: إذا كان كافرا في ذمتكم فقتل فعلى قاتله الدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن} قال: هو المؤمن يكون في العدو من المشركين يسمعون بالسرية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيفرون ويثبت المؤمن فيقتل ففيه تحرير رقبة.
وأخرج ابن جرير والبيهقي في "سننه" من طريق عكرمة عن ابن عباس {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن}
قال: يكون الرجل مؤمنا وقومه كفار فلا دية له ولكن تحرير رقبة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر من طريق عطاء بن السائب عن أبي عياض قال: كان الرجل يجيء فيسلم ثم يأتي قومه وهم مشركون فيقيم فيهم فتغزوهم جيوش النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيقتل الرجل فيمن يقتل، فأنزلت هذه الآية {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة} وليست له دية، واخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" من طريق عطاء بن السائب عن أبي يحيى عن ابن عباس في قوله {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن} قال: كان الرجل يأتي النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يرجع إلى قومه فيكون فيهم وهم مشركون فيصيبه المسلمون خطأ في سرية أو غارة فيعتق الذي يصيبه رقبة وفي قوله {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق} قال: كان الرجل يكون معاهدا وقومه أهل عهد فيسلم إليهم ديته ويعتق الذي أصابه رقبة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن} قال: نزلت في مرداس بن عمرو وكان أسلم وقومه كفار من أهل الحرب فقتله أسامة بن زيد خطأ {فتحرير رقبة مؤمنة} ولا دية لهم لأنهم أهل الحرب.
وأخرج ابن المنذر عن جرير بن عبد الله البجلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أقام مع المشركين فقد برئت منه الذمة
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن الشعبي في قوله {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق} قال: من أهل العهد وليس بمؤمن.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن جابر بن زيد {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق} قال: وهو مؤمن.
وأخرج ابن جرير عن الحسن {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق} قال: هو كافر.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر والبيهقي من طريق عكرمة عن ابن عباس {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق} قال: عهد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله} قال: بلغنا أن دية المعاهد كانت كدية المسلم ثم نقصت بعد في آخر الزمان فجعلت مثل نصف دية المسلم وإن الله أمر بتسليم دية المعاهد إلى أهله وجعل معها تحرير رقبة مؤمنة.
وأخرج أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلمين وكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر فقام خطيبا فقال: إن الإبل قد غلت ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألفا وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاة ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية.
وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي والحاكم وصححه عن أبي بكرة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ريح الجنة يوجد من مسيرة مائة عام وما من عبد يقتل نفسا معاهدة إلا حرم الله عليه الجنة ورائحتها أن يجدها
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري، وابن ماجه والحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قتل قتيلا من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ألا من قتل معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم فقد خفر ذمة الله ولا يرح ريح الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا.
وأخرج الشافعي وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وابن جرير عن سعيد بن المسيب قال: قال عمر بن الخطاب: دية أهل الكتاب أربعة آلاف درهم ودية المجوس ثمانمائة.
وأخرج ابن جرير عن إبراهيم قال: الخطأ أن يريد الشيء فيصيب غيره.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين} قال: من لم يجد عتقا في قتل مؤمن خطأ، قال: وأنزلت في عياش بن أبي ربيعة قتل مؤمنا خطأ.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {فمن لم يجد} قال: فمن لم يجد رقبة فصيام شهرين.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك {فمن لم يجد فصيام شهرين} قال: الصيام لمن لا يجد رقبة وأما الدية فواجبة لا يبطلها شيء.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مسروق أنه سئل عن الآية التي في سورة النساء {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين} صيام الشهرين عن الرقبة وحدها أو عن الدية والرقبة قال: من لم يجد فهو عن الدية والرقبة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد أنه سئل عن صيام شهرين متتابعين قال: لا يفطر فيها ولا يقطع صيامها فإن فعل من غير مرض ولا عذر استقبل صيامها جميعا فإن عرض له مرض أو عذر صام ما بقي منهما فإن مات ولم يصم أطعم عنه ستون مسكينا لكل مسكين مد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن {فصيام شهرين متتابعين} تغليظا وتشديدا من الله قال: هذا في الخطأ تشديد من الله.
وأخرج عن سعيد بن جبير في قوله {توبة من الله} يعني تجاوزا من الله لهذه الأمة حين جعل في قتل الخطأ كفارة ودية {وكان الله عليما حكيما} يعني حكم الكفارة لمن قتل خطأ ثم صارت دية العهد والموادعة لمشركي العرب منسوخة نسختها الآية التي في براءة (اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) (التوبة الآية 5) وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: لا يتوراث أهل ملتين). [الدر المنثور: 4/576-591]

تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت أنه دخل على أبيه وعنده رجلٌ من أهل العراق وهو يسأله عن الآية التي في {تبارك الّذي نزّل الفرقان على عبده}، والتي في النساء: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا}، فقال زيد: قد عرفت الناسخة من المنسوخة، نسختها التي في النساء بعدها بستة أشهر). [الجامع في علوم القرآن: 3/86-87] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا الثوري عن أبي حصين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا قال ليس لقاتل مؤمن توبة إلا أن يستغفر الله). [تفسير عبد الرزاق: 1/167]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا الثوري عن جويبر عن الضحاك بن مزاحم قال بينهما ثماني سنين التي في النساء بعد التي في الفرقان). [تفسير عبد الرزاق: 1/167-168]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن عيينة عن أبي الزناد قال سمعت رجلا يحدث خارجة بن زيد قال سمعت أباك في هذا المكان بمنى يقول نزلت الشديدة بعد الهينة قال أراه قال بستة أشهر يعني ومن يقتل مؤمنا متعمدا بعد إن الله لا يغفر أن يشرك به). [تفسير عبد الرزاق: 1/168]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا} قال: ليس لقاتل المؤمن توبةٌ ما نسختها آية منذ نزلت [الآية: 93]). [تفسير الثوري: 96-97]

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذابًا عظيمًا} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمّار الدّهني، ويحيى الجابر، عن سالم بن أبي الجعد، قال: سأل رجلٌ ابن عبّاسٍ: ما تقول في رجلٍ قتل رجلًا مؤمنًا متعمّدًا، ثمّ تاب وآمن وعمل صالحًا، ثمّ اهتدى؟ قال: وأنّى له الهدى ثكلته أمّه ؟، سمعت نبيّكم صلّى الله عليه وسلم يقول: ((يجيء المقتول يوم القيامة معلّقًا رأسه وأوداجه تشخب دمًا، فيقول: يا ربّ سل هذا: لم قتلني؟)) فوالله ما نسخها شيء بعد ما أنزلت: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم خالدًا فيها وغضب اللّه عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن أبي الزّناد، قال: سمعت شيخًا يقول لخارجة بن زيدٍ:سمعت أباك هاهنا يقول: نزلت الشّديدة هذه الآية، والهيّنة الّتي في الفرقان:{ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ ولا يزنون...} إلى قوله: {إلّا من تاب}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن كردم، أنّ أبا هريرة وابن عبّاسٍ وابن عمر سئلوا عن الرّجل يقتل مؤمنًا متعمّدًا، فقالوا: هل يستطيع أن لا يموت؟ هل يستطيع أن يبتغي نفقًا في الأرض أو سلّمًا في السّماء أو يحييه؟.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا حمّاد بن يحيى الأبحّ، قال: نا سعيد بن مينا، عن أبي هريرة قال: كنت جالسًا بجنبه، إذ
جاءه رجلٌ، (فقال):يا أبا هريرة، ما تقول في قاتل المؤمن، هل له من توبةٍ؟ فقال: لا، والّذي لا إله إلّا هو، لا يدخل الجنّة حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا حمّاد بن يحيى الأبحّ، قال: نا سعيد بن مينا، قال: كان بين صاحبٍ لي ورجلٍ من أهل السّوق بمكّة لحاء، فأخذ صاحبي كرسيًّا، فضرب به رأس الرّجل، فقتله، وندم، وقال: إنّي سأخرج من مالي، ثمّ أنطلق فأجعل نفسي حبيسًا في سبيل اللّه عزّ وجلّ. قال: قلت: انطلق بنا إلى (ابن عمر) نسله: هل لك من توبةٍ؟ فانطلقنا حتّى دخلنا عليه وهو يومئذٍ بمكّة، قال: قلت له: يا أبا عبد الرّحمن...، فاقتصصت عليه القصّة على ما كانت، قال: قلت: هل ترى له من توبةٍ؟ قال: كل واشرب، أفٍّ، قم عنّي، إنّه يزعم أنّه لم يرد قتله، قال: كذب، (يعمد) أحدكم إلى الخشبة، فيضرب بها رأس الرّجل المسلم، ثمّ يقول: إنّي لم أرد قتله، كذب، كل واشرب ما استطعت، أفٍّ، قم عنّي، فلم يزدنا على ذلك حتّى قمنا.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ قال: نا العوّام بن حوشب، قال: حدّثت عن ابن مسعودٍ أنّه كان يقول: قتل المؤمن معقلة.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا حمّاد بن يحيى، عن عبّادٍ المنقري، عن الحسن قال: واللّه لو تمالأ أهل الأرض وأهل السّماء على قتل مؤمنٍ، لأدخلهم اللّه النّار جميعًا.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه، عن عبد اللّه بن عمرٍو، قال: لزوال الدّنيا بأسرها أهون على اللّه تعالى من دم امرئٍ مسلمٍ يسفك بغير حقّ.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن سليمان التّيمي، عن أبي مجلز - في قوله عزّ وجلّ: {فجزاؤه جهنّم} -، قال: جزاؤه جهنّم، فإن شاء غفر له.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن كردم، عن ابن عبّاسٍ قال: أتاه رجلٌ، فقال: ملأت حوضي أنتظر ظميّتي ترد عليّ، فلم أستيقظ، (إلّا برجلٍ) قد أشرع ناقته، وثلم الحوض، وسال الماء، فقمت فزعًا، فضربته بالسّيف، فقتلته؟ فقال: ليس هذا مثل الّذي قال، فأمره بالتّوبة. قال سفيان: كان أهل العلم إذا سئلوا قالوا: لا توبة له، فإذا ابتلي رجلٌ قالوا له: تب.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا جريرٌ، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: قال عبد اللّه: لا يزال الرّجل في فسحةٍ من دينه ما لم يسفك دمًا حرامًا، فإذا سفك دمًا حرامًا نزع منه الحياء). [سنن سعيد بن منصور: 4/1318-1348]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم} [النساء: 93]
- حدّثنا آدم بن أبي إياسٍ، حدّثنا شعبة، حدّثنا مغيرة بن النّعمان، قال: سمعت سعيد بن جبيرٍ، قال: آيةٌ اختلف فيها أهل الكوفة، فرحلت فيها إلى ابن عبّاسٍ فسألته عنها، فقال: " نزلت هذه الآية: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم} [النساء: 93] هي آخر ما نزل، وما نسخها شيءٌ "). [صحيح البخاري: 6/47]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم)
يقال نزلت في مقيس بن ضبابة وكان أسلم هو وأخوه هشامٌ فقتل هشامًا رجلٌ من الأنصار غيلةً فلم يعرف فأرسل إليهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم رجلًا يأمرهم أن يدفعوا إلى مقيسٍ دية أخيه ففعلوا فأخذ الدّية وقتل الرّسول ولحق بمكّة مرتدًّا فنزلت فيه وهو ممّن أهدر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم دمه يوم الفتح أخرجه بن أبي حاتمٍ من طريق سعيد بن جبيرٍ

[4590] قوله شعبة حدّثنا مغيرة بن النّعمان لشعبة فيه شيخٌ آخر وهو منصورٌ كما سيأتي في سورة الفرقان قوله آيةٌ اختلف فيها أهل الكوفة فرحلت فيها إلى بن عبّاسٍ فسألته عنها سقط لفظ آيةٍ لغير أبي ذرٍّ وسيأتي مزيدٌ فيه في الفرقان وقع في تفسير الفرقان من طريق غندرٍ عن شعبة بلفظ اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن فدخلت فيه إلى بن عبّاسٍ وفي رواية الكشميهنيّ فرحلت بالرّاء والمهملة وهي أصوب وسيأتي شرح الحديث مستوفًى هناك إن شاء اللّه تعالى وقوله هي آخر ما نزل أي في شأن قتل المؤمن عمدا بالنّسبة لآية الفرقان). [فتح الباري: 8/258]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {ومن يقتل مؤمنا متعمّدا فجزاؤه جهنّم} (النّساء: 93)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمنا} (النّساء: 93) الآية. قال الواحدي عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس، رضي الله تعالى عنهما: إن مقيس بن صبابة اللّيثيّ وجد أخاه هشام بن صبابة قتيلا في بني النجار، وكان مسلما فأتى مقيس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأرسل معه رسولا من بني فهر إلى بني النجار يأمرهم إن علموا قاتله يدفعوه إلى أخيه فيقتص منه، وإن لم يعلموا له قاتلا أن يدفعوا إليه الدّية. فقالوا: سمعا وطاعة. والله ما نعلم له قاتلا ولكنّا نؤدّي إليه ديته، فأعطوه مائة من الإبل فوسوس إليه الشّيطان فقتل الفهري، ورجع إلى مكّة كافرًا، فنزلت فيه هذه الآية ثمّ أهدر النّبي صلى الله عليه وسلم دمه يوم الفتح، فقتل بأسياف المسلمين بالسوق. وذكر مقاتل أن الفهري اسمه: عمرو، قلت: قيس، بفتح الميم وكسرها وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة وصبابة، بضم الصّاد المهملة وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف باء أخرى، وقال أبو عمر: وهشام بن صبابة أخو مقيس بن صبابة قتل في غزوة ذي قرد مسلما، وذلك في سنة ستّ من الهجرة أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصّامت وهو يرى أنه من العدو فقالته خطأ، وقال الذّهبيّ: هشام بن صبابة الكناني اللّيثيّ أخو مقيس، أسلم ووجد قتيلا في بني النجار، وقال ابن إسحاق وغيره قتل في غزوة المريسيع قتله أنصاري فظنه من العدو.

- حدّثنا آدم بن إياسٍ حدّثنا شعبة حدّثنا المغيرة بن النّعمان قال سمعت سعيد بن جبيرٍ قال آيةٌ اختلف فيها أهل الكوفة فدخلت فيها إلى ابن عبّاسٍ فسألته عنها فقال نزلت هاذه الآية {ومن يقتل مؤمنا متعمّدا فجزاؤه جهنّم} هي آخر ما نزل وما نسخها شيءٌ.

مطابقته للتّرجمة ظاهرة. والمغيرة، بضم الميم وكسرها ابن النّعمان بضم النّون النّخعيّ الكوفي.
والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب عن أبي موسى وبندار. وأخرجه أبو داود في الفتن عن أحمد بن حنبل. وأخرجه النّسائيّ في القصاص وفي المحاربة وفي التّفسير عن أزهر بن جميل.
قوله: (آية اختلف فيها أهل الكوفة فدخلت فيها) وفي تفسير سورة الفرقان عن غندر عن شعبة بلفظ: اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن، فدخلت فيه إلى ابن عبّاس، وفي رواية الكشميهني: فرحلت، بالراء والحاء المهملة، وهذه أصوب، والوجه في رواية، فدخلت بالدّال والخاء المعجمة أن يقدر شيء تقديره، فدخلت بعد رحلتي إلى ابن عبّاس، وكلمة إلى، يجوز أن تكون بمعنى: عند، وعلى أصل بابها والمعنى: انتهى دخولي إليه. قوله: (فيها) ، أي: في حكمها، وقال الكرماني، رحمه الله في قوله: اختلف فيها أهل الكوفة، ويروى: اختلف فيها فقهاء أهل الكوفة، جمع فقيه، قال: ولفظ، فيها حينئذٍ مقدّر قوله: (متعمدا) أي: قاصدا قتله بعمد، وصورة العمد أن يقتله بالسّيف، أو بغيره ممّا يفرق الأجزاء من الآلات الّتي يقصد بها القتل. وانتصابه على الحال. قوله: (فجزاؤه) خبر قوله: (ومن يقتل) ودخلت الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشّرط. قوله: (هي آخر ما نزل) أي: الآية المذكورة آخر ما نزل في هذا الباب (وما نسخها شيء) أي: من آخر ما نزل وذكر أبو جعفر النّحاس أن للعلماء في هذه الآية الكريمة المذكورة أقوالاً الأول: لا توبة له، روي ذلك عن ابن عبّاس وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وأبي سلمة بن عبد الرّحمن وعبيد بن عمير والحسن البصريّ الضّحّاك. فقالوا: الآية محكمة.
الثّاني: أنه له توبة، قاله جماعة من العلماء، وروي أيضا عن ابن عمر وابن عبّاس وزيد بن ثابت.
الثّالث: أن أمره إلى الله تعالى تاب أو لم يتب، وعليه الفقهاء: أبو حنيفة وأصحابه ومحمّد بن إدريس يقوله في كثير من هذا إلاّ أن يعفو الله تعالى عنه. أو معنى هذا الرّابع: قال أبو مجلز لاحق بن حميد المعنى جزاؤه إن جازاه، وروى عاصم بن أبي النجود عن ابن جبير عن ابن عبّاس، أنه قال: هو جزاؤه إن جازاه، وروى ابن سيرين عن أبي هريرة عن النّبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال في الآية: (هو جزاؤه إن جازاه) .
وذكر أبو عبد الله الموصلي الحنبليّ في كتابه (النّاسخ والمنسوخ) ذهب كثير من العلماء إلى أن آية النّساء منسوخة. ثمّ اختلفوا في النّاسخ. فقال بعضهم: نسختها آية الفرقان. لأنّه قال: (إلاّ من تاب) بعد ذكر الشّرك والزنى والقتل، وقال أكثرهم: نسخت بقوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وقد اختلف عن ابن عبّاس أيضا فروي عنه أن هذه الآية نزلت في أهل الشّرك وعنه نسختها الّتي في النّساء، وقال أبو الحسن بن الحصار في كتابه (النّاسخ والمنسوخ) الآيتان لم يتواردا على حكم واحد لأن الّتي في الفرقان نزلت في الكفّار، والّتي في النّساء نزلت فيمن عقل الإيمان ودخل فيه، فلا تعارض بينهما أو إنّما نزلت آية النّساء فيمن قتل مؤمنا مستحلاً لقتله متعمدا للتكذيب من غير جهالة فتكذيبه كتكذيب إبليس، ولذلك قال ابن عبّاس لا توبة له كما لا توبة لإبليس، وكيف يشكل حكم هذه الآية على عالم قد بينه الله عز وجل غاية البيان، وأخبر بأنّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك؟ انتهى.
وأما الّذين قالوا: إن هذه الآية محكمة فاختلفوا في وجه أحكامها، فذهب عكرمة إلى أن المعنى مستحلاً لقتله فيستحق التخليد لاستحلاله، وذهب بعضهم إلى أنّها لم يلحقها ناسخ وهي باقية على أحكامها، وقد روى عبد بن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير عن يحيى الجابري عن سالم بن أبي الجعد قال: (كنّا عند ابن عبّاس بعدما كف بصره، فأتاه رجل فناداه: يا عبد الله بن عبّاس، ما ترى في رجل قتل مؤمنا متعمدا؟ فقال: جزاؤه جهنّم خالدا فيها، وغضب الله عليه، ولعنه وأعدّ له عذابا عظيما. قال: أفرأيت إن تاب وعمل صالحا ثمّ اهتدى؟ قال ابن عبّاس: ثكلته أمه وأنّى له التّوبة والهدى؟ والّذي نفسي بيده لقد سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم، يقول: ثكلته أمه قاتل مؤمن متعمدا جاء يوم القيامة أخذه بيمينه. أو بشماله تشخب أوداجه دمًا قبل عرش الرّحمن يلزمه قاتله بيده الأخرى. يقول: سل هذا فيم قتلني؟ وأيم الّذي نفس عبد الله بيده لقد أنزلت هذه الآية فما نسختها من آية حتّى قبض نبيكم صلى الله عليه وسلم، وما نزل بعدها من برهان. وقال الثّعلبيّ: قالت الخوارج والمعتزلة، المؤمن إذا قتل مؤمنا إن هذا الوعيد لاحق به، وقالت المرجئة: نزلت هذه الآية الكريمة في كافر قتل مؤمنا، فأما مؤمن قتل مؤمنا فلا يدخل النّار، وقالت طائفة من أصحاب الحديث: نزلت في مؤمن قتل مؤمنا والوعيد عليه ثابت، إلاّ أن يتوب ويستغفر، وقالت طائفة: كل مؤمن قتل مؤمنا فهو خالد في النّار غير مؤبد ويخرج منها بشفاعة الشافعين، وعندنا. أن المؤمن إذا قتل مؤمنا لا يكفر بفعله ولا يخرج به من الإيمان إلاّ أن يقتله استحلالاً فإن أقيد بمن قتله فذلك كفّارة له، وإن كان تائبًا من ذلك ولم يكن مقادا بمن قتل كانت التّوبة أيضا كفّارة له فإن خرج من الدّنيا بلا توبة ولا قود فأمره إلى الله تعالى، والعذاب قد يكون نارا وقد يكون غيرها في الدّنيا ألا ترى إلى قوله تعالى: {يعذبهم الله بأيدكم} (التّوبة: 14) يعني: بالقتل والأسر.
ويجاب عن قول الخوارج ومن معهم، بأن المراد من التخليد المكث بطول المدّة، ألا ترى إلى قوله تعالى: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد} (الأنبياء: 34) ومن المعلوم أن الدّنيا تفنى، وعن قول المرجئة بأن كلمة من في الآية عامّة، فإن قالوا: إن الله لا يغضب إلاّ على كافر أو خارج من الإيمان، فالجواب: أن الآية لا توجب غضبا عليه، لأن معناه فجزاؤه جهنّم وجزاؤه أن يغضب عليه ويلعنه، ما ذكر الله تعالى من شيء وجعله جزاء لشيء فليس ذلك واجبا. كقوله تعالى: {إنّما جزاء الّذين يحاربون الله ورسوله} (المائدة: 33) ورب محارب لله ورسوله لم يحل عليه شيء من هذه المعاني حتّى فارق الدّنيا، وإن قالوا: قوله تعالى: {وغضب الله عليه ولعنه} (النّساء: 93) من الأفعال الماضية، فالجواب أنه قد يرد الخطاب بلفظ الماضي. والمراد به المستقبل. كقوله تعالى: {ونفخ في الصّور} (الكهف: 99) {وحشرناهم} (الكهف: 47) وقد يرد المستقبل بمعنى الماضي كقوله: {وما نقموا منهم إلاّ أن يؤمنوا باللّه} (البروج: 8) أي: إلاّ أن آمنوا. فإن قلت: رويت أخبار بأن القاتل لا توبة له. قلت: إن صحت فتأويلها إذا لم ير القتل ذنبا ولم يستغفر الله تعالى منه. قال صاحب (التّلويح) . ما رواه أبو الدّرداء، سمعت النّبي صلى الله عليه وسلم يقول: كل ذنب عسى الله أن يغفره إلاّ من مات مشركًا، أو مؤمن قتل مؤمنا متعمدا. ولم يتب وقال ابن كثير في تفسيره وأما قوله معاوية كل ذنب عسى الله أن يغفره الا الرجل يموت كافر أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا فعسى للترجي وانتفاء الترجي في هاتين الصّورتين لا ينفي وقوع ذلك في أحدهما وهو القتل انتهى. فهذا كما رأيت ذكره عن معاوية. ولم يذكر لفظ لم يتب. وأوله بهذا المعنى، والله أعلم، وأجمع المسلمون على صحة توبة القاتل عمدا وكيف لا تصح توبته وتصح توبة الكافر وتوبة من ارتدّ عن الإسلام ثمّ قتل المؤمن عمدا ثمّ رجع إلى الإسلام؟ وقال عبد الله بن عمر: كنّا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نشك في قاتل المؤمن وآكل مال اليتيم وشاهد الزّور وقاطع الرّحم، يعني: لا نشك في الشّهادة لهم بالنّار حتّى نزلت: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك} (النّساء: 48، 116) فأمسكنا عن الشّهادة لهم. فإن قلت: ما تقول في الرجل الّذي سأل أبا هريرة وابن عمر وابن عبّاس عن قتل العمد، فكلهم قال: هل يستطيع أن يجيبه؟ قلت: هذا على وجه تعظيم القتل والزجر، وما أما مطالبة المقتول القاتل يوم القيامة فإنّه حق من حقوق الآدميّين وهو لا يسقط بالتّوبة فلا بد من أدائه وإلاّ فلا بد من المطالبة يوم القيامة، ولكن لا يلزم من وقوع المطالبة المجازاة، وقد يكون للقاتل أعمال صالحة تصرف إلى المقتول أو بعضها. ثمّ يفضل له أجر يدخل به الجنّة، أو يعوض الله المقتول من فضله بما يشاء من قصور الجنّة ونعيمها ورفع درجته ونحو ذلك، والله أعلم). [عمدة القاري: 18/181-184]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم}
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ومن يقتل مؤمنًا}) حال كونه ({متعمدًا فجزاؤه جهنم}) [النساء: 93] خبر ومن يقتل ودخلت الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط وتمام الآية {خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذابًا عظيمًا} [النساء: 93] وهذا تهديد شديد، ووعيد أكيد. اشتمل على أنواع من العذاب لم تجتمع في غير هذا الذنب العظيم المقرون بالشرك في غير ما آية، ومن ثم قال ابن عباس: إن قاتل المؤمن عمدًا لا تقبل توبته.
- حدّثنا آدم بن أبي إياسٍ، حدّثنا شعبة حدّثنا مغيرة بن النّعمان، قال: سمعت سعيد بن جبيرٍ قال: آيةٌ اختلف فيها أهل الكوفة، فرحلت فيها إلى ابن عبّاسٍ فسألته عنها، فقال: نزلت هذه الآية {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم} [النساء: 93] هي آخر ما نزل وما نسخها شيءٌ.
وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) العسقلاني الخراساني الأصل قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا مغيرة بن النعمان) النخعي الكوفي (قال: سمعت سعيد بن جبير) الأسدي مولاهم الكوفي (قال: آية اختلف فيها) أي في حكمها (أهل الكوفة) وسقط قوله آية لغير أبوي ذر والوقت (فرحلت فيها) بالراء والحاء المهملة ولأبي ذر فدخلت بالدال والخاء المعجمة أي بعد رحلتي (إلى ابن عباس فسألته عنها؟ فقال: نزلت هده الآية: {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم} هي آخر ما نزل) في هذا الباب (وما نسخها شيء).
وروى أحمد والطبري من طريق يحيى الجابر والنسائي وابن ماجة من طريق عمار الذهبي كلاهما عن سالم بن أبي الجعد قال: كنا عند ابن عباس بعد ما كف بصره فأتاه رجل فناداه: يا عبد الله بن عباس ما ترى في رجل قتل مؤمنًا متعمدًا؟ فقال: {جزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذابًا عظيمًا}. قال: أفرأيت إن تاب وعمل صالحًا ثم اهتدى؟ قال ابن عباس: ثكلته أمه وأنى له التوبة والهدى والذي نفسي بيده لقد سمعت نبيكم يقول: ثكلته أمه قاتل مؤمن متعمدًا جاء يوم القيامة آخذ بيمينه تشخب أوداجه، ثم قال: وايم الذي نفسي بيده لقد أنزلت هذه الآية وما نسختها من آية حتى قبض نبيكم صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقد روي هذا عن ابن عباس من طرق كثيرة وقال به جماعة من السلف وهو محمول عند الجمهور على الزجر والتغليظ للدلائل الدالة على خلافه، وإلاّ فكل ذنب ممحوّ بالتوبة وناهيك بمحو الشرك دليلًا فهو في التغليظ كحديث "لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم" وحديث "من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبًا بين عينيه آيسًا من رحمة الله" وكقوله تعالى: ({ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}) [آل عمران: 97] أي لم يحج تغليظًا وتشديدًا، وكل ذلك لا يعارض نصوص الكتاب الدالة على عموم العفو فلا بد من التخصيص بمن لم يتب أو فعله مستحلًا أو الخلود المكث الطويل، فإن الدلائل متظاهرة على أن عصاة المسلمين لا يدوم عذابهم والحق أنه متى صدر عن المؤمن مثل هذا الذنب فمات ولم يتب فحكمه إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه بقدر ما يشاء ثم يخرجه إلى الجنة وفي سنن أبي داود عن أبي مجلز هي جزاؤه فإن شاء الله أن يتجاوز عن جزائه فعل قال الواحدي والأصل أن الله تعالى يجوز أن يخلف الوعيد وإن كان لا يجوز أن يخلف الوعد وبهذا وردت السنة فإذن لا مدخل لذكر التوبة وتركها في الآية ولا يفتقر إخراج المؤمن من النار إلى دليل ولا إلى تخصيص عام ولا إلى تفسير الخلود بالمكث الطويل قاله في فتوح الغيب، وسيكون لنا إن شاء الله عودة إلى البحث في ذلك في سورة الفرقان بعون الله وقوته). [إرشاد الساري: 7/90]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا الحسن بن محمّدٍ الزّعفرانيّ، قال: حدّثنا شبابة، قال: حدّثنا ورقاء بن عمر، عن عمرو بن دينارٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده وأوداجه تشخب دمًا، يقول: يا ربّ، قتلني هذا، حتّى يدنيه من العرش قال: فذكروا لابن عبّاسٍ، التّوبة، فتلا هذه الآية: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا}، قال: ما نسخت هذه الآية، ولا بدّلت، وأنّى له التّوبة.
هذا حديثٌ حسنٌ, وقد روى بعضهم هذا الحديث، عن عمرو بن دينارٍ، عن ابن عبّاسٍ، نحوه، ولم يرفعه). [سنن الترمذي: 5/90]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم}
- أخبرنا محمّد بن المثنّى، حدّثنا محمّدٌ، حدّثنا شعبة، عن منصورٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: أمرني عبد الرّحمن بن أبزى أن أسأل ابن عبّاسٍ عن هاتين الآيتين: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم} [النساء: 93] فسألته فقال: " لم ينسخها شيءٌ، وعن هذه الآية {والّذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ} [الفرقان: 68] قال: أنزلت في أهل الشّرك "
- أخبرنا أزهر بن جميلٍ، حدّثنا خالد بن الحارث، حدّثنا شعبة، عن المغيرة بن نعمان، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: " اختلف أهل الكوفة في هذه الآية {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا} [النساء: 93] فرحلت إلى ابن عبّاسٍ فسألته فقال: لقد نزلت في آخر ما نزلت، ما نسخها شيءٌ "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/69]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم خالدًا فيها وغضب اللّه عليه ولعنه وأعدّ له عذابًا عظيمًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: ومن يقتل مؤمنًا عامدًا قتله، مريدًا إتلاف نفسه، {فجزاؤه جهنّم} يقول: فثوابه من قتله إيّاه جهنّم، يعني: عذاب جهنّم {خالدًا فيها} يعني: باقيًا فيها. والهاء والألف في قوله: {فيها} من ذكر جهنّم. {وغضب اللّه عليه} يقول: وغضب اللّه بقتله إيّاه متعمّدًا {ولعنه} يقول: وأبعده من رحمته وأخزاه وأعدّ له عذابًا عظيمًا، وذلك ما لا يعلم قدر مبلغه سواه تعالى ذكره.
واختلف أهل التّأويل في صفة القتل الّذي يستحقّ صاحبه أن يسمّى متعمّدًا بعد إجماع جميعهم على أنّه إذا ضرب رجلٌ رجلاً بحدّ حديدٍ يجرح بحدّه، يبضع ويقطع، فلم يقلع عنه ضربًا به، حتّى أتلف نفسه، وهو في حال ضربه إيّاه به قاصدٌ ضربه أنّه عامدٌ قتله. ثمّ اختلفوا فيما عدا ذلك، فقال بعضهم: لا عمد إلاّ ما كان كذلك على الصّفة الّتي وصفنا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: قال عطاءٌ: العمد: السّلاح، أو قال: الحديد قال: وقال سعيد بن المسيّب: هو السّلاح.
- حدّثنا أبو كريبٍ، ويعقوب بن إبراهيم، قالا: حدّثنا هشيمٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: العمد ما كان بحديدةٍ، وما كان بدون حديدةٍ فهو شبه العمد، لا قود فيه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن قال: حدّثنا سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم قال: العمد ما كان بحديدةٍ، وشبه العمد: ما كان بخشبةٍ، وشبه العمد لا يكون إلاّ في النّفس.
- حدّثني أحمد بن حمّادٍ الدّولابيّ، قال: حدّثنا سفيان، عن عمرٍو، عن طاووسٍ، قال: من قتل في عصبيّةٍ في رميا يكون بينهم بحجارةٍ أو جلدٍ بالسّياط أو ضربٍ بالعصيّ فهو خطأٌ ديته دية الخطأ، ومن قتل عمدًا فهو قودٌ يديه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ،عن مغيرة، عن الحارث، وأصحابه في: الرّجل يضرب الرّجل فيكون مريضًا حتّى يموت قال: أسأل الشّهود أنّه ضربه، فلم يزل مريضًا من ضربته حتّى مات، فإن كان بسلاحٍ فهو قودٌ، وإن كان بغير ذلك فهو شبه العمد
وقال آخرون: كلّ ما عمد به الضّارب إتلاف نفس المضروب فهو عمدٌ، إذا كان الّذي ضرب به الأغلب منه أنّه يقتل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا عبد الرّحمن بن يحيى، عن حبّان بن أبي جبلة، عن عبيد بن عميرٍ، أنّه قال: وأيّ عمدٍ هو أعمد من أن يضرب رجلاً بعصًا ثمّ لا يقلع عنه حتّى يموت.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي هاشمٍ، عن إبراهيم، قال: إذا خنقه بحبلٍ حتّى يموت أو ضربه بخشبةٍ حتّى يموت فهو القود.
وعلّة من قال كلّ ما عدا الحديد خطأٌ ما: حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن جابرٍ، عن أبي عازبٍ، عن النّعمان بن بشيرٍ، قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: كلّ شيءٍ خطأٌ إلاّ السّيف، ولكلّ خطأٍ أرشٌ.
وعلّة من قال: حكم كلّ ما قتل المضروب به من شيءٍ حكم السّيف من أنّ من قتل به فهو قتيل عمدٍ ما:
- حدّثنا به ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو الوليد، قال: حدّثنا همّامٌ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ: أن يهوديًّا، قتل جاريةً على أوضاحٍ لها بين حجرين، فأتي به النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقتله بين حجرين.
قالوا: فأقاد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من قاتلٍ بحجرٍ وذلك غير حديدٍ. قالوا: وكذلك حكم كلّ من قتل رجلاً بشيءٍ الأغلب منه أنّه يقتل مثل المقتول به، نظير حكم اليهوديّ القاتل الجارية بين الحجرين.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك عندنا قول من قال: كلّ من ضرب إنسانًا بشيءٍ الأغلب منه أنّه يتلفه، فلم يقلع عنه حتّى أتلفه نفسه به أنّه قاتل عمدٍ ما كان المضروب به من شيءٍ؛ للّذي ذكرنا من الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وأمّا قوله: {فجزاؤه جهنّم خالدًا فيها} فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في معناه، فقال بعضهم: معناه: فجزاؤه جهنّم إن جازاه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن سليمان التّيميّ، عن أبي مجلزٍ، في قوله: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم} قال: هو جزاؤه، وإن شاء تجاوز عنه.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا أبو النّعمان الحكم بن عبد اللّه، قال: حدّثنا شعبة، عن يسارٍ، عن أبي صالحٍ: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم} قال: جزاؤه إن جازاه
وقال آخرون: عنّي بذلك رجلٌ بعينه كان أسلم، فارتدّ عن إسلامه وقتل رجلاً مؤمنًا؛ قالوا: فمعنى الآية: ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا مستحلًّا قتله، فجزاؤه جهنّم خالدًا فيها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة: أنّ رجلاً، من الأنصار قتل أخا مقيس بن ضبابة، فأعطاه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الدّية فقبلها، ثمّ وثب على قاتل أخيه فقتله. قال ابن جريجٍ وقال غيره: ضرب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ديته على بني النّجّار، ثمّ بعث مقيسًا وبعث معه رجلاً من بني فهرٍ في حاجةٍ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فاحتمل مقيسٌ الفهريّ وكان أيّدًا، فضرب به الأرض، ورضخ رأسه بين حجرينٍ، ثمّ ألفي يتغنّى:.
قتلت به فهرًا وحمّلت عقله = سراة بني النّجّار أرباب فارع
فقال النّبيّ: أظنّه قد أحدث حدثًا، أما واللّه لئن كان فعل لا أؤمّنه في حلٍّ ولا حرمٍ، ولا سلمٍ ولا حربٍ فقتل يوم الفتح؛ قال ابن جريجٍ: وفيه نزلت هذه الآية {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا} الآية.
وقال آخرون: معنى ذلك: إلاّ من تاب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ، أو حدّثني الحكم، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: سألت ابن عبّاسٍ عن قوله: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم} قال: إنّ الرّجل إذا عرف الإسلام وشرائع الإسلام ثمّ قتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم، ولا توبة له. فذكرت ذلك لمجاهدٍ، فقال: إلا من ندم.
وقال آخرون: ذلك إيجابٌ من اللّه الوعيد لقاتل المؤمن متعمّدًا كائنًا من كان القاتل، على ما وصفه في كتابه، ولم يجعل له توبةً من فعله. قالوا: فكلّ قاتل مؤمنٍ عمدًا فله ما أوعده اللّه من العذاب والخلود في النّار، ولا توبة له. وقالوا: نزلت هذه الآية بعد الّتي في سورة الفرقان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا جريرٌ، عن يحيى الجابر، عن سالم بن أبي الجعد، قال: كنّا عند ابن عبّاسٍ بعد ما كفّ بصره، فأتاه رجلٌ فناداه: يا عبد اللّه بن عبّاسٍ، ما ترى في رجلٍ قتل مؤمنًا متعمّدًا؟ فقال: جزاؤه جهنّم خالدًا فيها، وغضب اللّه عليه ولعنه، وأعدّ له عذابًا عظيمًا. قال: أفرأيت إن تاب وآمن وعمل صالحًا ثمّ اهتدى؟ قال ابن عبّاسٍ: ثكلته أمّه، وأنّى له التّوبة والهدى، فوالّذي نفسي بيده لقد سمعت نبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: ثكلته أمّه، قاتل مومن متعمّدًا، جاء يوم القيامة آخذًا بيمينه أو بشماله، تشخب أوداجه دمًا، في قبل عرش الرّحمن، يلزم قاتله بيده الأخرى يقول: سل هذا فيم قتلني. والّذي نفس عبد اللّه بيده لقد أنزلت هذه الآية فما نسختها من آيةٍ حتّى قبض نبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم، وما نزل بعدها من برهان.
- حدثنا عثمان ابن يحيى عن عثمان القرقساني قال حدثنا سفيان عن عمار عن سلم قال سئل ابن العباس عن رجل قتل مؤمن متعمدا تاب وآمن وعمل صالحا قال فاني له الهدى سمعت نبيكم صلّى اللّه عليه وسلّم يقول يجيء المقتول يوم القيامة متعلقا يقول أي رب سل هذا فيم قتلني ويحه أنى له الهدى لقد انزلها الله على نبيكم عليه السلام ثم ما نسخها بعد إذ أنزلها.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو خالدٍ، عن عمرو بن قيسٍ، عن يحيى بن الحارث التّيميّ، عن سالم بن أبي الجعد، عن ابن عبّاسٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم خالدًا فيها وغضب اللّه عليه ولعنه وأعدّ له عذابًا عظيمًا} فقيل له: وإن تاب وآمن وعمل صالحًا؟ فقال: وأنّى له التّوبة؟.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا موسى بن داود قال: حدّثنا همّام بن يحيى، عن رجلٍ، عن سالمٍ قال كنت جالسًا مع ابن عبّاسٍ، فسأله رجلٌ فقال: أرأيت رجلاً قتل مؤمنًا متعمّدًا أين منزله؟ قال: جهنّم خالدًا فيها، وغضب اللّه عليه ولعنه، وأعدّ له عذابًا عظيمًا. قال: أفرأيت إن هو تاب وآمن وعمل صالحًا ثمّ اهتدى؟ قال: وأنّى له الهدى ثكلته أمّه. والّذي نفسي بيده لسمعته يقول، يعني النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: يجيء يوم القيامة معلّقًا رأسه بإحدى يديه، إمّا بيمينه أو بشماله، آخذًا صاحبه بيده الأخرى تشخب أوداجه حيال عرش الرّحمن يقول: يا ربّ سل عبدك هذا علام قتلني؟ فما جاء نبيّ بعد نبيّكم، ولا نزل كتابٌ بعد كتابكم.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا قبيصة قال: حدّثنا عثمان بن زريقٍ، عن عمّارٍ الدّهنيّ، عن سالم بن أبي الجعد، عن ابن عبّاسٍ بنحوه، إلاّ أنّه قال في حديثه: فواللّه لقد أنزلت على نبيّكم ثمّ ما نسخها شيءٌ، ولقد سمعته يقول: ويلٌ لقاتل المؤمن، يجيء يوم القيامة آخذًا رأسه بيده ثمّ ذكر الحديث نحوه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن شعبهٍ، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قال لي عبد الرّحمن بن أبزى: سئل ابن عبّاسٍ عن قوله: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم} فقال: لم ينسخها شيءٌ. وقال في هذه الآية: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلاّ بالحقّ ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثامًا} قال: نزلت في أهل الشّرك.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن منصورٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قال: أمرني عبد الرّحمن بن أبزى أن أسأل ابن عبّاسٍ عن هاتين الآيتين، فذكر مثله.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا طلق بن غنّامٍ، عن زائدة، عن منصورٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ - أو حدّثت عن سعيد بن جبيرٍ - أنّ عبد الرّحمن بن أبزى، أمره أن يسأل ابن عبّاسٍ، عن هاتين الآيتين الّتي، في النّساء: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم} إلى آخر الآية، والّتي في الفرقان: {ومن يفعل ذلك يلق أثامًا} إلى: {ويخلد فيه مهانًا} قال ابن عبّاسٍ: إذا دخل الرّجل في الإسلام وعلم شرائعه وأمره ثمّ قتل مؤمنًا متعمّدًا فلا توبة له. وأمّا الّتي في الفرقان، فإنّها لمّا أنزلت قال المشركون من أهل مكّة: فقد عدلنا باللّه وقتلنا النّفس الّتي حرّم اللّه بغير الحقّ وآتينا الفواحش، فما ينفعنا الإسلام؟ قال: فنزلت {إلا من تاب} الآية.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن المغيرة بن النّعمان عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم} قال: ما نسخها شيءٌ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن قال: حدّثنا شعبة، عن المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: هي من آخر ما نزلت ما نسخها شيءٌ.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن المغيرة بن النّعمان عن سعيد بن جبيرٍ قال: اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن، فدخلت إلى ابن عبّاسٍ فسألته، فقال: لقد نزلت في آخر ما نزل من القرآن وما نسخها شيءٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم العسقلانيّ، قال: حدّثنا شعبة، قال: حدّثنا أبو إياس معاوية بن قرّة قال: أخبرني شهر بن حوشبٍ، قال: سمعت ابن عبّاسٍ، يقول: نزلت هذه الآية: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم} بعد قوله: {إلاّ من تاب وآمن وعمل عملاً صالحًا} بسنةٍ.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا سلم بن قتيبة قال: حدّثنا شعبة، عن معاوية بن قرّة، عن ابن عبّاسٍ قال: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم} قال: نزلت بعد: {إلاّ من تاب} [مريم] بسنةٍ.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا عبد الصّمد بن عبد الوارث قال: حدّثنا شعبة قال: حدّثنا أبو إياس قال: حدّثني من سمع ابن عبّاسٍ يقول: في قاتل المؤمن نزلت بعد ذلك بسنةٍ، فقلت لأبي إياس: من أخبرك؟ فقال: شهر بن حوشبٍ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن أبي حصينٍ، عن سعيدٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا} قال: ليس لقاتلٍ توبةٌ إلا أن يستغفر اللّه.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا} الآية قال عطيّة: وسئل عنها ابن عبّاسٍ، فزعم أنّها نزلت بعد الآية الّتي في سورة الفرقان بثمان سنين، وهو قوله: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر} إلى قوله: {غفورًا رحيمًا}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن مطرّفٍ، عن أبي السّفر، عن ناجية، عن ابن عبّاسٍ، قال: هما المبهمتان: الشّرك، والقتل.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: أكبر الكبائر: الإشراك باللّه وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه؛ لأنّ اللّه سبحانه يقول: {فجزاؤه جهنّم خالدًا فيها وغضب اللّه عليه ولعنه وأعدّ له عذابًا عظيمًا}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن بعض أشياخه الكوفيّين، عن الشّعبيّ، عن مسروقٍ، عن ابن مسعودٍ، في قوله: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم} قال: إنّها لمحكمةٌ، وما تزداد إلا شدّةً.
- حدّثنا ابن البرقيّ، قال: حدّثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا نافع بن يزيد، قال: حدّثني أبو صخرٍ عن أبي معاوية البجليّ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: يأتي المقتول يوم القيامة آخذًا رأسه بيمينه وأوداجه تشخب دمًا، يقول: يا ربّ دمي عند فلانٍ. فيؤخذان فيسندان إلى العرش، فما أدري ما يقضي بينهما. ثمّ نزع بهذه الآية: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم خالدًا فيها} الآية. قال ابن عبّاسٍ: والّذي نفسي بيده ما نسخها اللّه جلّ وعزّ منذ أنزلها على نبيّكم عليه الصّلاة والسّلام.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثني هيّاج بن بسطامٍ، عن محمّد بن عمرٍو، عن موسى بن عقبة، عن أبي الزّناد، عن خارجة بن زيدٍ، عن زيد بن ثابتٍ، قال: نزلت سورة النّساء بعد سورة الفرقان بستّة أشهرٍ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن ابن عيينة، عن أبي الزّناد، قال: سمعت رجلاً، يحدّث خارجة بن زيد بن ثابتٍ، عن زيد بن ثابتٍ، قال: سمعت أباك، يقول: نزلت الشّديدة بعد الهيّنة بستّة أشهرٍ، قوله: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا} إلى آخر الآية، بعد قوله: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر} إلى آخر الآية.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا ابن عيينة، عن أبي الزّناد قال: سمعت رجلاً، يحدّث خارجة بن زيدٍ قال: سمعت أباك، في هذا المكان بمنًى يقول: نزلت الشّديدة بعد الهيّنة قال: أراه بستّة أشهرٍ، يعني: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا} بعد: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سلمة بن نبيطٍ، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ، قال: ما نسخها شيءٌ منذ نزلت، وليس له توبةٌ.
قال أبو جعفرٍ: وأولى القول في ذلك بالصّواب قول من قال: معناه: ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه إن جزاه جهنّم خالدًا فيها، ولكنّه يعفو أو يتفضّل على أهل الإيمان به وبرسوله، فلا يجازيهم بالخلود فيها، ولكنّه عزّ ذكره إمّا أن يعفو بفضله فلا يدخله النّار، وإمّا أن يدخله إيّاها ثمّ يخرجه منها بفضل رحمته لما سلف من وعده عباده المؤمنين بقوله: {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا}.
فإن ظنّ ظانٌّ أنّ القاتل إن وجب أن يكون داخلا في هذه الآية، فقد يجب أن يكون المشرك داخلا فيه، لأنّ الشّرك من الذّنوب، فإنّ اللّه عزّ ذكره قد أخبر أنّه غير غافرٍ الشّرك لأحدٍ بقوله: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} والقتل دون الشّرك). [جامع البيان: 7/336-350]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم خالدًا فيها وغضب اللّه عليه ولعنه وأعدّ له عذابًا عظيمًا (93)
قوله تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا
[الوجه الأول]
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ، ثنا سفيان، عن عمّارٍ يعني الدّهنيّ، عن سالم بن أبي الجعد قال: سئل ابن عبّاسٍ عن رجلٍ قتل قتيلا متعمّداً، ثمّ تاب وعمل صالحاً، ثمّ اهتدى. قال: ويحك وأنّى له الهدى، سمعت نبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: يجيء المقتول يوم القيامة متعلّقاً بالقاتل فيقول: سل هذا لم قتلني؟ واللّه لقد أنزلها اللّه على نبيّه ثم ما نسخها.
- حدّثنا ابن المقرئ، ثنا سفيان قال: سمعت أبا الزّناد قال: سمعت شيخاً في مسجد منًى يحدّث خارجة بن زيدٍ يقول: سمعت أباك يقول: نزلت الشّديدة يعني قوله: ومن يقتل مؤمناً متعمّداً الآية بعد الهينة يعني ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ الآية بستّة أشهرٍ.
- حدّثني أبي، حدّثني النّفيليّ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي الزّناد، عن أبيه، عن مجالد بن عوفٍ، عن زيد بن ثابتٍ بنحوه.
وروي عن أبي هريرة، وابن عمر، وأبي سلمة، وعبيد بن عميرٍ، والحسن، والضّحّاك، وقتادة قالوا: ليس له توبةٌ والآية محكمةٌ.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء ابن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قوله ومن يقتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه جهنّم قال:
نزلت في مقيس بن ضبابة الكنانيّ، وذلك أنّه أسلم وأخوه هشام بن ضبابة، وكان بالمدينة فوجد مقيس أخاه هشاماً ذات يومٍ قتيلا في الأنصار في بني النّجّار، فانطلق إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأخبره بذلك، فأرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجلا من قريش من بني فهرٍ ومعه مقيسٌ إلى بني النّجّار ومنازلهم يومئذٍ بقباءٍ أن ادفعوا إلى مقيسٍ قاتل أخيه أن علمتم ذلك وإلا فادفعوا إليه الدّية، فلمّا جاءهم الرّسول، قالوا: السّمع والطّاعة للّه وللرّسول، واللّه ما نعلم له قاتلا ولكن نؤدّي الدّية فدفعوا إلى مقيسٍ مائةً من الإبل دية أخيه، فلمّا انصرف مقيسٌ والفهريّ راجعين من قباءٍ إلى المدينة وبينهما ساعةً، عمد مقيسٌ إلى الفهريّ رسول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقتله، وارتدّ عن الإسلام وركب جملا منها وساق معه البقيّة ولحق بمكّة وهو يقول في شعرٍ له:
قتلت به فهراً وحمّلت عقله = سراة بني النّجّار أرباب فارع
وأدركت ثأري واضطجعت موسّداً = وكنت إلى الأوثان أوّل راجعٍ
فنزلت فيه بعد قتل النّفس وأخذ الدّية وارتدّ عن الإسلام ولحق بمكّة كافراً ومن يقتل مؤمنا متعمدا.
وروي عن عكرمة أنّه قال: له توبةٌ.
قوله تعالى: متعمّداً. [5817]
حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: ومن يقتل مؤمناً متعمّداً قال: متعمّداً لقتله.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ، عن ابن جريجٍ، عمّن سمع سعيد ابن المسيّب يقول: العمد: الإبرة فما فوقها من السلاح.
قوله تعالى: فجزاؤه جهنم.
[الوجه الأول]
- حدّثني أبي، ثنا محمّد بن جامعٍ، قال: حدّثني العلاء بن ميمونٍ العنزيّ، ثنا الحجّاج بن الأسود، عن محمّد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: ومن يقتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه جهنم قال: هو جزاءه إن جازاه.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، أنبأ بشرٌ بن عمارة، عن أبي روقٍ قال:
وكان ابن عبّاسٍ يقول: فجزاؤه جهنّم إن جازاه يعني للمؤمن وليس للكافرٍ، فإن شاء عفى عن المؤمن وإن شاء عاقب. وروي عن أبي صالحٍ، ومحمّد بن سيرين، وأبي مجلزٍ، وعون بن عبد اللّه، وعمرو بن دينارٍ نحو ذلك
والوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا سلمة بن سليمان المروزيّ، أنبأ ابن المبارك، أنبأ المبارك بن فضالة، عن الحسن في هذه الآية قوله: فجزاؤه جهنّم قال: قد أوجب اللّه هذا عليك، فانظر من يضع هذا عنك ومن يعزّك يا لكع.
قوله تعالى: خالداً فيها. [5822]
حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء ابن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: خالداً فيها فجعل له الخلود في النّار بكفره، كما جعل لمن كفر بقسمة المواريث.
قوله تعالى: وغضب اللّه عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً. [5823]
قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: وغضب اللّه عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً يعني: عذاباً وافرًا). [تفسير القرآن العظيم: 3/1036-1039]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (د س) خارجة بن زيد - رضي الله عنه - قال: سمعت زيد بن ثابت في هذا المكان يقول: أنزلت هذه الآية: {ومن يقتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها} [النساء: 93] بعد التي في الفرقان {والّذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النّفس التي حرّم الله إلا بالحق} بستة أشهر. أخرجه أبو داود والنسائي.
وفي أخرى للنسائي: «بثمانية أشهر».
وفي أخرى له، قال: لما نزلت، أشفقنا منها، فنزلت الآية التي في الفرقان: {والّذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر...} الآية [الفرقان: 68]). [جامع الأصول: 2/94-95]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م د س) سعيد بن جبير - رحمه الله - قال: قلت لابن عباسٍ: ألمن قتل مؤمناً متعمّداً من توبةٍ؟ قال: لا، فتلوت عليه هذه الآية التي في الفرقان {والّذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النّفس التي حرّم الله إلّا بالحقّ...} إلى آخر الآية، قال: هذه آية مكية، نسختها آية مدنية {ومن يقتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه جهنّم}.
وفي رواية، قال: اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن، فرحلت فيه إلى ابن عبّاسٍ، فقال: نزلت في آخر ما نزل، ولم ينسخها شيء.
وفي أخرى، قال ابن عباس: نزلت هذه الآية بمكة {والّذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر} - إلى قوله -: {مهاناً} فقال المشركون: وما يغني عنا الإسلام وقد عدلنا بالله، وقد قتلنا النّفس التي حرّم الله، وأتينا الفواحش، فأنزل الله عز وجل {إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً}... إلى آخر الآية [الفرقان: 70].
زاد في رواية: فأمّا من دخل في الإسلام وعقله، ثم قتل، فلا توبة له. هذه روايات البخاري ومسلم، ولهما روايات أخر بنحو هذه.
وأخرجه أبو داود: أنّ سعيد بن جبير سأل ابن عباسٍ؟ فقال: لما نزلت الآية التي في الفرقان - وذكر الحديث - نحو الرواية الأولى.
وله في أخرى: قال في هذه القصة: في الذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر: أهل الشرك، قال: ونزل {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} [الزمر: 53].
وفي أخرى، قال: {ومن يقتل مؤمناً متعمّداً} ما نسخها شيء.
وأخرجه النسائي مثل الرواية الأولى من روايات البخاري ومسلم.
وفي أخرى لهما وله، قال سعيد: أمرني عبد الرحمن بن أبزى أن أسأل ابن عباسٍ عن هاتين الآيتين؟ {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم} فسألته، فقال: لم ينسخها شيء، وعن هذه الآية {والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرّم الله إلا بالحق} قال: نزلت في أهل الشرك.
[شرح الغريب]
(عدلنا بالله):أشركنا به، والعدل: الميل.
(الفواحش) جمع فاحشة، وهي المعصية، وقيل: الزنا خاصة، والأصل فيها: الشيء المستقبح بين الناس). [جامع الأصول: 2/95-97]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت س) ابن عباس - رضي الله عنهما - سئل عمّن قتل مؤمناً متعمّداً، ثم تاب وآمن، وعمل صالحاً، ثم اهتدى؟ فقال ابن عباس: فأنّى له بالتوبة؟ سمعت نبيّكم - صلى الله عليه وسلم- يقول: «يجيء المقتول متعلقاً بالقاتل، تشخب أوداجه دماً، فيقول: أي ربّ، سل هذا فيم قتلني؟» ثم قال: «والله، لقد أنزلها الله، ثم ما نسخها». هذه رواية النسائي.
وفي رواية له أيضاً وللترمذي: أنّ ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة، ناصيته ورأسه بيده، وأوداجه تشخب دماً، يقول: يا ربّ، قتلني هذا، حتى يدنيه من العرش، قال: فذكروا لابن عبّاسٍ التّوبة، فتلا هذه الآية: {ومن يقتل مؤمناً متعمّداً} قال: ما نسخت هذه الآية، ولا بدّلت، وأنّى له التوبة ؟ !».
[شرح الغريب]
(تشخب ناصيته) أي: تسيل، والناصية: شعر مقدم الرأس). [جامع الأصول: 2/97-98]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (د) أبو مجلزٍ - رحمه الله - في قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه جهنّم} قال: هي جزاؤه، فإن شاء الله أن يتجاوز عن جزائه فعل. أخرجه أبو داود). [جامع الأصول: 2/98]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا} [النساء: 93]
- عن أبي هريرة - رضي اللّه عنه - «عن النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - في قوله عزّ وجلّ: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم} [النساء: 93]، قال: " إن جازاه».
رواه الطّبرانيّ في الأوسط، وفيه محمّد بن جامعٍ العطّار، وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/8]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أحمّد بن منيعٍ: ثنا أبو أحمد، ثنا أبانٌ البجليّ، عن أبي بكر بن حفصٍ قال: "قال ابن عبّاسٍ- رضي اللّه عنهما- في قاتل المؤمن: وأنى له توبةٌ، واللّه لقد أنزل اللّه- عزّ وجلّ- هذه الآية وما غيّرها ولا بدّلها: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً) إلى آخرها"). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/195]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جريج، وابن المنذر من طريق ابن جريج عن عكرمة أن رجلا من الأنصار قتل أخا مقيس بن ضبابة فأعطاه النّبيّ صلى الله عليه وسلم الدية فقبلها ثم وثب على قاتل أخيه فقتله، قال ابن جريج وقال غيره: ضرب النّبيّ صلى الله عليه وسلم ديته على بني النجار ثم بعث مقيسا وبعث معه رجلا من بني فهر في حاجة للنبي صلى الله عليه وسلم فاحتمل مقيس الفهري - وكان رجلا شديدا - فضرب به الأرض ورضخ رأسه بين حجرين ثم ألقى يتغنى:
قتلت به فهرا وحملت عقله = سراة بني النجار أرباب قارع
فأخبر به النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: أظنه قد أحدث حدثا أما والله لئن كان فعل لا أومنه في حل ولا حرم ولا سلم ولا حرب فقتل يوم الفتح، قال ابن جريج: وفيه نزلت هذه الآية {ومن يقتل مؤمنا متعمدا} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم} قال: نزلت في مقيس بن ضبابة الكناني وذلك أنه أسلم وأخوه هشام بن ضبابة وكانا بالمدينة فوجد مقيس أخاه هشاما ذات يوم قتيلا في الأنصار في بني النجار فانطلق إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من قريش من بني فهر ومعه مقيس إلى بني النجار - ومنازلهم يومئذ بقباء - أن ادفعوا إلى مقيس قاتل أخيه إن علمتم ذلك وإلا فادفعوا إليه الدية، فلما جاءهم الرسول قالوا: السمع والطاعة لله وللرسول والله ما نعلم له قاتلا ولكن نؤدي إليه الدية فدفعوا إلى مقيس مائة من الإبل دية أخيه فلما انصرف مقيس والفهري راجعين من قباء إلى المدينة وبينهما ساعة عمد مقيس إلى الفهري رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله وارتد عن الإسلام وركب جملا منها وساق معه البقية ولحق بمكة وهو يقول في شعر له:
قتلت به فهرا وحملت عقله = سراة بني النجار أرباب قارع
وأدركت ثأري واضطجعت موسدا = وكنت إلى الأوثان أول راجع
فنزلت فيه بعد قتل النفس وأخذ الدية وارتد عن الإسلام ولحق بمكة كافرا {ومن يقتل مؤمنا متعمدا}.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، مثله سواء.
وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وابن جرير والطبراني من طريق سعيد بن جبير قال: اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن فرحلت فيها إلى ابن عباس فسألته عنها فقال: نزلت هذه الآية {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم} هي آخر ما نزل وما نسخها شيء.
وأخرج أحمد وسعيد بن منصور والنسائي، وابن ماجه، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والطبراني من طريق سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس أن رجلا أتاه فقال: أرأيت رجلا قتل رجلا متعمدا قال {فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما} قال: لقد نزلت في آخر ما نزل ما نسخها شيء حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وما نزل وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أرأيت إن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى قال: وأنى له بالتوبة وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ثكلته أمه رجل قتل رجلا متعمدا يجيء يوم القيامة آخذا قاتله بيمينه أو بيساره وآخذا رأسه بيمينه أو بشماله تشخب أوداجه دما في قبل العرش يقول: يا رب سل عبدك فيم قتلني.
وأخرج الترمذي وحسنه من طريق عمرو بن دينار عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده وأوداجه تشخب دما يقول: يا رب قتلني هذا حتى يدنيه من العرش قال: فذكروا لابن عباس التوبة فتلا هذه الآية {ومن يقتل مؤمنا متعمدا} قال: ما نسخت هذه الآية ولا بدلت وأنى له التوبة
وأخرج عبد بن حميد والبخاري، وابن جري عن سعيد بن جبير قال: قال لي عبد الرحمن بن أبزي: سل ابن عباس عن قوله {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم} فقال: لم ينسخها شيء وقال في هذه الآية (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) (الفرقان الآية 68) الآية، قال: نزلت في أهل الشرك.
وأخرج عبد بن حميد والبخاري، وابن جرير والحاكم، وابن مردويه عن سعيد بن جبير أن عبد الرحمن بن أبزي سأله: أن يسأل ابن عباس عن هاتين الآيتين التي في النساء {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم} إلى آخر الآية والتي في الفرقان (ومن يفعل ذلك يلق أثاما) (الفرقان الآية 68) الآية، قال: فسألته فقال: إذا دخل الرجل في الإسلام وعلم شرائعه وأمره ثم قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم لا توبة له وأما التي في الفرقان فإنها لما أنزلت قال المشركون من أهل مكة: فقد عدلنا بالله وقتلنا النفس التي حرم الله بغير الحق وأتينا الفواحش فما نفعنا الإسلام فنزلت (إلا من تاب) (الفرقان الآية 70) الآية، فهي لأولئك
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب قال: سمعت ابن عباس يقول: نزلت هذه الآية {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم} بعد قوله (إلا من تاب وآمن وعمل صالحا) (الفرقان الآية 70) بسنة.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية {ومن يقتل مؤمنا متعمدا} بعد التي في سورة الفرقان بثماني سنين وهي قوله (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) (الفرقان الآية 68) إلى قوله (غفورا رحيما) (الفرقان الآية 70).
وأخرج ابن جرير والنحاس والطبراني عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس هل لمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة قال: لا، فقرأت عليه الآية التي في الفرقان (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) (الفرقان الآية 68) فقال هذه الآية مكية نسختها آية مدينة {ومن يقتل مؤمنا متعمدا} الآية.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن زيد بن ثابت قال: نزلت الشديدة بعد الهينة بستة أشهر يعني {ومن يقتل مؤمنا متعمدا} بعد (إن الله لا يغفر أن يشرك به) (النساء الآية 48).
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن زيد بن ثابت قال: نزلت الشديدة بعد الهينة بستة أشهر قوله {ومن يقتل مؤمنا متعمدا} بعد قوله (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) (الفرقان الآية 68) إلى آخر الآية.
وأخرج أبو داود، وابن جرير والنحاس والطبراني، وابن مردويه والبيهقي عن زيد بن ثابت قال: نزلت الآية التي في سورة النساء بعد الآيات التي في سورة الفرقان بستة أشهر.
وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن زيد بن ثابت قال: لما نزلت هذه الآية في الفرقان (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) (الفرقان الآية 78) الآية، عجبنا للينها فلبثنا سبعة أشهر ثم نزلت التي في النساء {ومن يقتل مؤمنا متعمدا} الآية.
وأخرج عبد الرزاق عن الضحاك قال: بينهما ثماني سنين التي في النساء بعد التي في الفرقان
وأخرج سمويه في فوائده عن زيد بن ثابت قال: نزلت هذه التي في النساء بعد قوله (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) (النساء الآية 48) بأربعة أشهر.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله وقتل النفس التي حرم الله لأن الله يقول {فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن ابن عباس قال: هما المبهمتان: الشرك والقتل.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن ابن مسعود في قوله {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم} قال: هي محكمة ولا تزداد إلا شدة.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن كردم أن أبا هريرة، وابن عباس، وابن عمر سئلوا عن الرجل يقتل مؤمنا متعمدا فقالوا: هل تستطيع أن لا تموت هل تستطيع أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء أو تحييه.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن سعيد بن ميناء قال: كنت جالسا بجنب أبي هريرة إذ أتاه رجل فسأله عن قاتل المؤمن هل له من توبة فقال: والذي لا إله إلا هو لا يدخل الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط.
وأخرج ابن المنذر من طريق أبي رزين عن ابن عباس قال: هي مبهمة لا يعلم له توبة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن الضحاك قال: ليس لمن قتل مؤمنا توبة لم ينسخها شيء.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن سعيد بن ميناء قال: كان بين صاحب لي وبين رجل من أهل السوق لجاجة فأخذ صاحبي كرسيا فضرب به رأس الرجل فقتله وندم وقال: إني سأخرج من مالي ثم أنطلق فأجعل نفسي حبيسا في سبيل الله، قلت: انطلق بنا إلى ابن عمر نسأله هل لك من توبة فانطلقا حتى دخلنا عليه فقصصت عليه القصة على ما كانت قلت: هل ترى له من توبة قال: كل واشرب أف قم عني، قلت: يزعم أنه لم يرد قتله قال: كذب يعمد أحدكم إلى الخشبة فيضرب بها رأس الرجل المسلم ثم يقول: لم أرد قتله كذب كل واشرب ما استطعت أف قم عني، فلم يزدنا على ذلك حتى قمنا.
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود قال: قتل المؤمن معقلة.
وأخرج البخاري عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما.
وأخرج أحمد والنسائي، وابن المنذر عن معاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا.
وأخرج ابن المنذر عن أبي الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركا أو من قتل مؤمنا متعمدا.
وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أعان في قتل مسلم بشطر كلمة يلقى الله يوم يلقاه مكتوب على جبهته آيس من رحمة الله.
وأخرج ابن عدي والبيهقي في البعث عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أعان على دم امرئ مسلم بشطر كلمة كتب بين عينيه يوم القيامة: آيس من رحمة الله.
وأخرج ابن المنذر عن أبي عون قال: إذا سمعت في القرآن خلودا فلا توبة له، واخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نازلت ربي في قاتل المؤمن في أن يجعل له توبة فأبى علي.
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو القاسم بن بشران في أماليه بسند ضعيف عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم} قال: هو جزاؤه إن جازاه.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس أنه كان يقول: جزاؤه جهنم إن جازاه يعني للمؤمن وليس للكافر فإن شاء عفا عن المؤمن وإن شاء عاقب.
وأخرج ابن المنذر من طريق عاصم بن أبي النجود عن ابن عباس في قوله {فجزاؤه جهنم} قال: هي جزاؤه إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي في البعث عن أبي مجلز في قوله {فجزاؤه جهنم} قال: هي جزاؤه فإن شاء الله أن يتجاوز عن جزائه فعل.
وأخرج ابن المنذر عن عون بن عبد الله في قوله {فجزاؤه جهنم} قال: إن هو جازاه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن أبي صالح، مثله.
وأخرج ابن المنذر عن إسماعيل بن ثوبان قال: جالست الناس قبل الداء الأعظم في المسجد الأكبر فسمعتهم يقولون {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم} إلى {عذابا عظيما} قال المهاجرون والأنصار: وجبت لمن فعل هذا النار حتى نزلت (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) (النساء الآية 48) فقال المهاجرون والأنصار: ما شاء يصنع الله ما شاء فسكت عنهم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر والبيهقي في البعث عن هشام بن حسان قال: كنا عند محمد بن سيرين فقال له رجل (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) حتى ختم الآية فغضب محمد وقال: أين أنت عن هذه الآية (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) قم عني اخرج عني قال: فأخرج
وأخرج القتبي والبيهقي في البعث عن قريش بن أنس قال: سمعت عمرو بن عبيد يقول: يؤتى بي يوم القيامة فأقام بين يدي الله قيقول لي لم قلت إن القاتل في النار فأقول أنت قلته ثم تلا هذه الآية (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) قلت له: وما في البيت أصغر مني أرأيت إن قال لك فإني قد قلت (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) من أين علمت أني لا أشاء أن أغفر قال: فما استطاع أن يرد علي شيئا، واخرج عبد بن حميد عن أبي إسحاق قال أتى رجل عمر فقال لقاتل المؤمن توبة قال: نعم ثم قرأ (حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب).
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قاتل المؤمن قال: كان يقال: له توبة إذا ندم.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة، مثله.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن كردم عن ابن عباس قال: أتاه رجل فقال: ملأت حوضي أنتطر طميتي ترد علي فلم أستيقظ إلا ورجل أشرع ناقته فتلم الحوض وسال الماء فقمت فزعا فضربته بالسيف فقتلته فقال: ليس هذا مثل الذي قال فأمره بالتوبة، قال سفيان: كان أهل العلم إذا سئلوا قالوا: لا توبة له، فإذا ابتلى به رجل قالوا: كذبت.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن عبد الله بن جعفر قال: كفارة القتل القتل.
وأخرج عبد بن حميد والنحاس عن سعد بن عبيدة أن ابن عباس كان يقول: لمن قتل مؤمنا توبة، قال: فجاءه رجل فسأله ألمن قتل مؤمنا توبة قال: لا إلا النار، فلما قام الرجل قال له جلساؤه: ما كنت هكذا تفتينا كنت تفتينا أن لمن قتل مؤمنا توبة مقبولة فما شأن هذا اليوم قال: إني أظنه رجل يغضب يريد أن يقتل مؤمنا فبعثوا في أثره فوجدوه كذلك.
وأخرج النحاس عن نافع وسالم أن رجلا سأل عبد الله بن عمر كيف ترى في رجل قتل قتل رجلا عمدا قال: أنت قتلته قال: نعم، قال: تب إلى الله يتب عليك.
وأخرج عبد بن حميد عن زيد بن أسلم قال: ليس للقاتل توبة إلا أن يقاد منه أو يعفى عنه أو تؤخذ منه الدية
وأخرج عبد بن حميد عن سفيان قال: بلغنا أن الذي يقتل متعمدا فكفارته أن يقيد من نفسه أو أن يعفى عنه أو تؤخذ منه الدية فإن فعل به ذلك رجونا أن تكون كفارته ويستغفر ربه فإن لم يفعل من ذلك شيئا فهو في مشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء لم يغفر له فقال سفيان: فإذا جاءك من لم يقتل فشدد عليه ولا ترخص له لكي يفرض وإن كان ممن قتل فسألك فأخبره لعله يتوب ولا تؤيسه.
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال: لأن أتوب من الشرك أحب إلي من أتوب من قتل المؤمن.
وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لقي الله لا يشرك به شيئا وأدى زكاة ماله طيبة بها نفسه محتبسا وسمع وأطاع فله الجنة، وخمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله وقتل النفس بغير حق وبهت مؤمن والفرار من الزحف ويمين صابرة تقتطع بها مالا بغير حق.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال: إن الرجل ليقتل يوم القيامة ألف قتلة، قال أبو زرعة: بضروب ما قتل.
وأخرج ابن شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن ماجه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ":أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء" .
وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله للدنيا وما فيها أهون على الله من قتل مسلم بغير حق.
وأخرج النسائي والنحاس عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عمرو قال: قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا.
وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا.
وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب عن بريدة عن النّبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: لقتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا.
وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن مسعود قال: لا يزل الرجل في فسحة من دينه ما نقيت كفه من الدم فإذا أغمس يده في الدم الحرام نزع حياؤه
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يجيء الرجل آخذا بيد الرجل فيقول: يا رب هذا قتلني، قال: لم قتلته فيقول لتكون العزة لك، فيقول: فإنها لي، ويجيء الرجل آخذا بيد الرجل فيقول: يا رب قتلني هذا، فيقول الله: لم قتلت هذا فيقول: قتلته لتكون العزة لفلان، فيقول: إنها ليست له بؤ بإثمه، وأخرجه ابن أبي شيبة عن عمرو بن شرحبيل، موقوفا.
وأخرج البيهقي عن أبي الدرداء قال: يجلس المقتول يوم القيامة فإذا مر الذي قتله قام فأخذه فينطلق فيقول: يا رب سله لم قتلني فيقول: فيم قتلته فيقول: أمرني فلان فيعذب القاتل والآمر.
وأخرج ابن المنذر والبيهقي عن أبي سعيد وأبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله جميعا في النار.
وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب والأصبهاني في الترغيب عن البراء ابن عازب أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لزوال الدنيا وما فيها أهون عند الله من قتل مؤمن ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله النار.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال: قتل بالمدينة قتيل على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يعلم من قتله فصعد النّبيّ صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: أيها الناس قتل قتيل وأنا فيكم ولا نعلم من قتله ولو اجتمع أهل السماء والأرض على قتل امرئ لعذبهم الله إلا أن يفعل ما يشاء.
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن جندب البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين الجنة ملء كف من دم امرئ مسلم أن يهرقه كلما تعرض لباب من أبواب الجنة حال بينه وبينه.
وأخرج الأصبهاني عن أبي الدرداء عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال المؤمن معنقا صالحا ما لم يصب دما فإذا أصاب دما حراما بلح.
وأخرج الأصبهاني عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أن الثقلين اجتمعوا على قتل مؤمن لأكبهم الله على مناخرهم في النار وإن الله حرم الجنة على القاتل والآمر.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن رجل من الصحابة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قسمت النار سبعين جزءا، للآمر تسعة وستين وللقاتل جزءا.
وأخرج البيهقي عن محمد بن عجلان قال: كنت بالإسكندرية فحضرت رجلا الوفاة لم نر من خلق الله أحدا كان أخشى لله منه فكنا نلقنه فيقبل كلما لقناه من سبحان الله والحمد لله فإذا جاءت لا إله إلا الله أبى فقلنا له: ما رأينا من خلق الله أحدا كان أخشى لله منك فنلقنك فتلقن حتى إذا جاءت لا إله إلا الله أبيت قال: إنه حيل بيني وبينها وذلك أني قتلت نفسا في شبيبتي.
وأخرج ابن ماجه، وابن مردويه والبيهقي عن عقبة بن عامر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد يلقى الله لا يشرك به شيئا لم يتند بدم حرام إلا أدخل الجنة من أي أبواب الجنة شاء.
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن مسلم أخي الزهري قال: كنت جالسا عند سالم بن عبد الله في نفر من أهل المدينة فقال رجل: ضرب الأمير آنفا رجلا أسواطا فمات، فقال سالم: عاب الله على موسى عليه السلام في نفس كافر قتلها.
وأخرج البيهقي عن شهر بن حوشب أن أعرابيا أتى أبا ذر فقال: إنه قتل حاج بيت الله ظالما فهل له من مخرج فقال له أبو ذر: ويحك، أحي والداك قال: لا، قال: فأحدهما قال: لا، قال: لو كانا حيين أو أحدهما لرجوت لك وما أجد لك مخرجا إلا في إحدى ثلاث قال: وما هن قال: هل تستطيع أن تحييه كما قتلته قال: لا والله قال: فهل تستطيع أن لا تموت قال: لا والله ما من الموت بد فما الثالثة قال: هل تستطيع أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فقام الرجل وله صراخ فلقيه أبو هريرة فسأله فقال: ويحك، حيان والداك قال: لا، قال: لو كانا حيين أو أحدهما لرجوت لك ولكن اغز في سبيل الله وتعرض للشهادة فعسى). [الدر المنثور: 4/591-610]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 09:27 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{فتحرير رقبةٍ مّؤمنةٍ...}
مرفوع على قولك: فعليه تحرير رقبة.

والمؤمنة: المصلّية المدركة.، فإن لم يقل: رقبة مؤمنة، أجزأت الصغيرة التي لم تصلّ ولم تبلغ.
وقوله: {فإن كان من قومٍ عدوٍّ لّكم وهو مؤمنٌ} كان الرجل يسلم في قومه وهم كفّار فيكتم إسلامه، فمن قتل وهو غير معلوم إسلامه من هؤلاء أعتق قاتله رقبة ولم تدفع ديته إلى الكفار فيقووا بها على أهل الإسلام، وذلك إذا لم
يكن بين قومه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد، فإن كان عهد جرى مجرى المسلم). [معاني القرآن: 1/282-283]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (
{وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمناً إلاّ خطئاً}، هذا كلام تستثنى العرب الشيء من الشيء وليس منه على اختصار وضمير، وليس لمؤمن أن يقتل مؤمناً على حالٍ إلاّ أن يقتله مخطئاً، فإن قتله خطئا فعليه ما قال الله في القرآن، وفي القرآن: {الّذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلاّ اللّمم} واللّمم: ليس من الكبائر، وهو في التمثيل: إلا أن يلمّوا من غير الكبائر والفواحش، قال جرير:
من البيض لم تظعن بعيداً ولم تطأ... على الأرض إلا ذيل مرطٍ مرحّل
المرحّل: برد في حاشيته خطوط، فكأنه قال: لم تطأ على الأرض إلا أن تطأ ذيل البرد، وليس هو من الأرض، ومثله في قول بعضهم:

وبلدةٍ ليس بها أنيس... إلاّ اليعافير وإلاّ العيس
يقول: إلاّ أن يكون بها. وقال أبو خراش الهذليّ:
أمسى سقام خلاءً لا أنيس به... إلا السّباع ومرّ الريح بالغرف
سقام: وادٍ لهذيل؛ الغرف: شجرٌ تعمل منه الغرابيل، وكان أبو عمرو الهذلي يرفع ذلك). [مجاز القرآن: 1/136-138]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمناً إلاّ خطأً ومن قتل مؤمناً خطأً فتحرير رقبةٍ مّؤمنةٍ وديةٌ مّسلّمةٌ إلى أهله إلاّ أن يصّدّقوا فإن كان من قومٍ عدوٍّ لّكم وهو مؤمنٌ فتحرير رقبةٍ مّؤمنةٍ وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم مّيثاقٌ فديةٌ مّسلّمةٌ إلى أهله وتحرير رقبةٍ مّؤمنةٍ فمن لّم يجد فصيام شهرين متتابعين توبةً مّن اللّه وكان اللّه عليماً حكيماً}
قال: {فديةٌ مّسلّمةٌ إلى أهله وتحرير رقبةٍ مّؤمنةً}.

وقال: {فصيام شهرين} أي: فعليه ذلك.

وقال: {إلاّ أن يصّدّقوا}: فعليكم ذلك إلاّ أن يصّدّقوا). [معاني القرآن: 1/209]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إلّا أن يصّدّقوا} أي: يتصدقوا عليهم بالدّية، فأدغمت التاء في الصاد).
[تفسير غريب القرآن: 134]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله
: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلّا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلّمة إلى أهله إلّا أن يصّدّقوا فإن كان من قوم عدوّ لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلّمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من اللّه وكان اللّه عليما حكيما} المعنى: ما كان لمؤمن ألبتّة.
و
{إلّا خطأ} استثناء ليس من الأول، المعنى: إلا أن يخطئ المؤمن فكفارة خطئه ما ذكر بعد.
وقال بعض أهل العلم:
{وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلّا خطأ} على معنى: أن دم المسلم إنما يصفح عن أن يؤخذ به القاتل في الخطأ فقد عفي له عن قتل الخطأ، إلا أن الله جل ثناؤه فرض في كتابه على القاتل خطأ تحرير رقبة ودية مسلمة إلى أولياء المقتول، وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دية الخطأ على العاقلة، وعلى القاتل أن يؤدّي في ذلك لقوله عزّ وجلّ: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من اللّه}.
ويحتمل أن يكون الصّيام بدلا من الرقبة وبدلا مما ينبغي أن يؤدّى في الدّية.
فإن قتل المؤمن خطأ رجلا مؤمنا من قوم كفرة فعليه تحرير رقبة، ولا مال للكفار الذين هم حرب، لأن الدية في الخطأ إنما جعلت - واللّه أعلم - ليحذر الناس حذرا شديدا من أن يخطئوا خطأ يؤدي إلى القتل، لتذهب الضغائن بينهم..
{وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلّمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة} وإن كان من قوم بينهم وبين المسلمين عهد فتحرير رقبة وتسليم الدية إلى ذوي الميثاق لئلا تقع ضغينة بين أهل الميثاق والمؤمنين.
ونصب {توبة من اللّه} على جهة نصب فعلت ذلك حذار الشر.

المعنى: فعليه صيام شهرين وعليه دية إذا وجد توبة من اللّه، أي: فعل ذلك توبة من اللّه.

فأمّا قتل النفس فجزاؤه: كما قال اللّه - عزّ وجلّ - النّفس بالنّفس في الدنيا، وفي الآخرة جهنم). [معاني القرآن: 2/90-91]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ} فهذا استثناء ليس من الأول.
قال أبو إسحاق المعنى {ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا} ألبتة ثم قال {إلا خطأ} أي: لكن إن قتله خطأ ومن قال أن إلا بمعنى الواو فقوله خطأ من جهتين:
إحداهما: أنه لا يعرف أن تكون إلا بمعنى حرف عاطف.

والجهة الأخرى: أن الخطأ لا يحصر لأنه ليس بشيء يقصد ولو كان يقصد لكان عمدا وذكر سيبويه أن إلا تأتي بمعنى لكن كثير وأنشد:
من كان أسرع في تفرق فالج فلبونه جربت معا وأغدت
إلا كنا شرة الذي ضيعتم كالغصن في غلوائه المتنبت
وكان سبب نزول هذه الآية: فيما روى ابن أبي نجيح عن مجاهد أن عياش بن أبي ربيعة أخا أبي جهل لامه قتل رجلا مؤمنا كان يعذبه مع أبي جهل في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فحسب أنه كافر كما هو فقتله).
[معاني القرآن: 2/158-160]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا} وإنما غلظ في قتل الخطأ ليتحرز من القتل، والمعنى: إلا أن يتصدقوا عليكم بالدية.

وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ (إلا أن يتصدقوا).
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي (إلا أن تصدقوا) والمعنى: إلا أن تتصدقوا ثم أدغم التاء في الصاد، ويجوز على هذه القراءة: إلا أن تصدقوا بحذف إحدى التاءين). [معاني القرآن: 2/161]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة} معنى {عدو}: كمعنى أعداء
وروى عكرمة عن ابن عباس أن المعنى وإن كان مؤمنا وقومه كفار فلا تدفعوا إليهم الدية وعليكم عتق رقبة .
فمعنى هذا: إذا قتل مسلم خطأ وليس له قوم مسلمون فلا دية على قاتله كان قتله في دار المسلمين أو في دار الحرب.

وروى عطاء بن السائب عن أبي عياض قال: كان الرجل يجيء يسلم ثم يأتي قومه وهم مشركون فيقيم معهم فيفرون فيقتل فيمن يقتل فنزلت: {وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة} قال: وليس له دية، فمعنى هذا: أن يقتل في دار الحرب خاصة.
وقال قوم: وإن قتل في دار الإسلام فحكمه حكم المسلمين). [معاني القرآن: 2/161-162]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة}
قال الزهري: الميثاق العهد، فالمعنى: إن كان المقتول من قوم بينكم وبينهم عهد فادفعوا إليهم الدية لئلا توغروا صدورهم). [معاني القرآن: 2/162-163]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين} أي: فمن لم يجد الدية وعتق رقبة فعليه هذا توبة من الله، أي: فعل هذا ليتوبوا توبة).
[معاني القرآن: 2/163]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قال اللّه جلّ وعزّ:
{ومن يقتل مؤمنا متعمّدا فجزاؤه جهنّم خالدا فيها وغضب اللّه عليه ولعنه وأعدّ له عذابا عظيما} وهذا وعيد شديد في القتل حظر اللّه عزّ وجلّ به الدّماء). [معاني القرآن: 2/91]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها} روى شعبة عن منصور عن سعيد بن جبير قال: أمرني ابن أبزى أن أسأل ابن عباس عن هذه الآية {ومن يقتل مؤمنا متعمدا} فسألته فقال: ما نسخها شيء.

وروي عن زيد بن ثابت: نزلت الشديدة بعد الهينة لستة أشهر ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم بعد التي في الفرقان {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر} إلى قوله جل وعز: {إلا من تاب}
وذهب قوم إلى: أن هذا على المجازاة إن جازاه بذلك وأن العفو مرجو له مع التوبة
، وهذا لا يحتاج أن يقال فيه إن جازاه، ولكن القول فيه عند العلماء أهل النظر أنه محكم وأنه يجازيه إذا لم يتب فإن تاب فقد بين أمره لقوله عز وجل: {وإني لغفار لمن تاب} فهذا لا يخرج عنه شيء). [معاني القرآن: 2/163-166]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27 ربيع الثاني 1434هـ/9-03-2013م, 11:41 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) }
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (وتقول: خطئت من الخطيئة أخطأ خطأ وأخطأت إخطاء والاسم الخطأ). [كتاب الهمز: 19] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 06:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 06:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 06:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 06:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمناً إلاّ خطأً ومن قتل مؤمناً خطأً فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ وديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله إلاّ أن يصّدّقوا فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ فديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله وتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبةً من اللّه وكان اللّه عليماً حكيماً (92)
قال جمهور المفسرين: معنى هذه الآية: وما كان في إذن الله وفي أمره للمؤمن أن يقتل مؤمنا بوجه، ثم استثنى استثناء منقطعا ليس من الأول، وهو الذي تكون فيه إلا بمعنى لكن، والتقدير لكن الخطأ قد يقع.
وهذا كقول الشاعر [الهذلي]: [البسيط]
أمسى سقام خلاء لا أنيس به = إلّا السّباع وإلّا الرّيح بالغرف
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: سقام اسم واد، والغرف شجر يدبغ بلحائه، وكما قال جرير: [الطويل]
من البيض لم تظعن بعيدا ولم تطأ = على الأرض إلّا ريط برد مرحّل
وفي هذا الشاهد نظر، ويتجه في معنى الآية وجه آخر، وهو أن تقدر كان بمعنى استقر ووجد، كأنه قال، وما وجد ولا تقرر ولا ساغ لمؤمنٍ أن يقتل مؤمناً إلّا خطأً، إذ هو مغلوب فيه أحيانا، فيجيء الاستثناء على هذا غير منقطع، وتتضمن الآية على هذا إعظام العمد وبشاعة شأنه، كما تقول: ما كان لك يا فلان أن تتكلم بهذا إلا ناسيا، إعظاما للعمد والقصد مع خطر الكلام به البتة، وقرأ الزهري «خطا» مقصورا غير مهموز، وقرأ الحسن والأعمش مهموزا ممدودا، وقال مجاهد وعكرمة والسدي وغيرهم نزلت هذه الآية في عياش بن أبي ربيعة المخزومي حين قتل الحارث بن يزيد بن نبيشة، وذلك أنه كان يعذبه بمكة، ثم أسلم الحارث وجاء مهاجرا فلقيه عياش بالحرة، فظنه على كفره فقتله، ثم جاء فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام فشق ذلك عليه ونزلت الآية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قم فحرر»، وقال ابن زيد: نزلت في رجل قتله أبو الدرداء كان يرعى غنما وهو يتشهد فقتله وساق غنمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلت الآية وقيل: نزلت في أبي حذيفة اليمان حين قتل خطأ يوم أحد، وقيل غير هذا، والله أعلم، وقوله تعالى: ومن قتل مؤمناً الآية. بيّن الله تعالى في هذه الآية حكم المؤمن إذا قتل المؤمن خطأ، وحقيقة الخطأ أن لا يقصده بالقتل، ووجوه الخطأ كثيرة لا تحصى، يربطها عدم القصد، قال ابن عباس
والحسن والشعبي والنخعي وقتادة وغيرهم: «الرقبة المؤمنة» هي الكبيرة التي قد صلت وعقلت الإيمان، ولا يجزئ في ذلك الصغير، وقال عطاء بن أبي رباح: يجزئ الصغير المولود بين المسلمين، وقالت جماعة منهم مالك بن أنس: يجزئ كل من يحكم له بحكم الإسلام في الصلاة عليه إن مات ودفنه، قال مالك:
ومن صلى وصام أحب إليّ، وأجمع أهل العلم على أن الناقص النقصان الكثير كقطع اليدين أو الرجلين أو الأعمى لا يجزئ فيما حفظت، فإن كان النقصان يسيرا تتفق له معه المعيشة والتحرف، كالعرج ونحوه ففيه قولان، ومسلّمةٌ معناه مؤداة مدفوعة، وهي على العاقلة فيما جاز ثلث الدية، وإلّا أن يصّدّقوا يريد أولياء القتيل، وقرأ أبي بن كعب «يتصدقوا» وقرأ الحسن وأبو عبد الرحمن وعبد الوارث عن أبي عمرو «تصدقوا» بالتاء على المخاطبة للحاضر، وقرأ نبيح العتري «تصدقوا» بالتاء وتخفيف الصاد، و «الدية» مائة من الإبل على أهل الإبل عند قوم، وعند آخرين على الناس كلهم، إلا أن لا يجد الإبل أهل الذهب والفضة، فحينئذ ينتقلون إلى الذهب والفضة، يعطون منها قيمة الإبل في وقت النازلة بالغة ما بلغت، واختلف في المائة من الإبل، فقال علي بن أبي طالب: هي مربعة، ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وعشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وقال عبد الله بن مسعود: مخمسة، عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن لبون ذكرا، ولبعض الفقهاء غير هذا الترتيب، وعمر بن الخطاب وغيره يرى الدية من البقر مائتي بقرة. ومن الغنم ألفي شاة، ومن الحلل مائة حلة، وورد بذلك حديث عن النبي عليه السلام في مصنف أبي داود، والحلة ثوبان من نوع واحد في كلام العرب، وكانت في ذلك الزمن صفة تقاوم المائة من الإبل، فمضى القول على ذلك، وأما الذهب فهي ألف دينار، قررها عمر ومشى الناس عليها، وأما الفضة فقررها عمر اثني عشر ألفا، وبه قال مالك، وجماعة تقول: عشرة آلاف درهم. وقوله تعالى: فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم الآية. المعنى عند ابن عباس وقتادة والسدي وإبراهيم وعكرمة وغيرهم، فإن كان هذا المقتول خطأ رجلا مؤمنا، قد آمن وبقي في قومه وهم كفرة عدو لكم، فلا دية فيه، وإنما كفارته تحرير الرقبة، والسبب عندهم في نزولها أن جيوش رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تمر بقبائل الكفار فربما قتل من قد آمن ولم يهاجر، أو من قد هاجر ثم رجع إلى قومه، فيقتل في حملات الحرب على أنه من الكفار، فنزلت الآية، وتسقط الدية عند قائلي هذه المقالة لوجهين، أولهما أن أولياء القتيل كفار فلا يصح أن تدفع الدية إليهم يتقوون بها، والآخر أن حرمة هذا الذي آمن ولم يهاجر قليلة، فلا دية فيه، واحتجوا بقوله تعالى: والّذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيءٍ حتّى يهاجروا [الأنفال: 72] وقالت فرقة: بل الوجه في سقوط الدية أن الأولياء كفار فقط، فسواء كان القتيل خطأ بين أظهر المسلمين أو بين قومه، لم يهاجر أو هاجر ثم رجع إلى قومه، كفارته التحرير ولا دية فيه، لأنه لا يصح دفعها إلى الكفار.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقائل المقالة الأولى يقول: إن قتل المؤمن في بلد المسلمين وقومه حرب ففيه الدية لبيت المال والكفارة، وقوله تعالى: وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ المعنى عند الحسن وجابر بن زيد وإبراهيم وغيرهم وإن كان هذا المقتول خطأ مؤمنا من قوم معاهدين لكم، فعهدهم يوجب أنهم أحق بدية صاحبهم، فكفارته التحرير وأداء الدية، وقرأ الحسن «وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق وهو مؤمن» وقال ابن عباس والشعبي وإبراهيم أيضا. المقتول من أهل العهد خطأ لا يبالى كان مؤمنا أو كافرا على عهد قومه فيه الدية كدية المسلم والتحرير، واختلف على هذا في دية المعاهد، فقال أبو حنيفة وغيره: ديته كدية المسلم، وروي ذلك عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وقال مالك وأصحابه: ديته على نصف دية المسلم، وقال الشافعي وأبو ثور: ديته على ثلث دية المسلم، وقوله تعالى: فمن لم يجد الآية يريد عند الجمهور فمن لم يجد العتق ولا اتسع ماله له فيجزيه «صيام شهرين» متتابعين في الأيام لا يتخللها فطر، وقال مكي عن الشعبي: «صيام الشهرين» يجزئ عن الدية والعتق لمن لم يجدها، وهذا القول وهم، لأن الدية إنما هي على العاقلة وليست على القاتل، والطبري حكى القول عن مسروق، وتوبةً نصب على المصدر ومعناه رجوعا بكم إلى التيسير والتسهيل). [المحرر الوجيز: 2/626-631]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ومن يقتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها وغضب اللّه عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً (93)
«المتعمد» في لغة العرب القاصد إلى الشيء، واختلف العلماء في صفة المتعمد في القتل، فقال عطاء وإبراهيم النخعي وغيرهما: هو من قتل بحديدة كالسيف أو الخنجر وسنان الرمح ونحو ذلك من المشحوذ المعد للقطع أو بما يعلم أن فيه الموت من ثقيل الحجارة ونحوه، وقالت فرقة: «المتعمد» كل من قتل بحديدة كان القتل أو بحجر أو بعصا أو بغير ذلك، وهذا قول الجمهور وهو الأصح، ورأى الشافعي وغيره أن القتل بغير الحديد المشحوذ هو شبه العمد، ورأوا فيه تغليظ الدية، ومالك رحمه الله لا يرى شبه العمد ولا يقول به في شيء، وإنما القتل عنده ما ذكره الله تعالى عمدا وخطأ لا غير، والقتل بالسم عنده عمد، وإن قال ما أردت إلا سكره، وقوله: فجزاؤه جهنّم
تقديره عند أهل السنة، فجزاؤه أن جازاه بذلك أي هو أهل ذلك ومستحقه لعظم ذنبه، ونص على هذا أبو مجلز وأبو صالح وغيرهما وهذا مبني على القول بالمشيئة في جميع العصاة قاتل وغيره، وذهبت المعتزلة إلى عموم هذه الآية، وأنها مخصصة بعمومها لقوله تعالى: ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [النساء: 48- 116] وتوركوا في ذلك على ما روي عن زيد بن ثابت أنه قال: نزلت الشديدة بعد الهينة، يريد نزلت ومن يقتل مؤمناً متعمّداً بعد ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [النساء: 48 و 116] فهم يرون أن هذا الوعيد نافذ حتما على كل قاتل يقتل مؤمنا، ويرونه عموما ماضيا لوجهه، مخصصا للعموم في قوله تعالى: ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [النساء: 48 و 116] كأنه قال: إلا من قتل عمدا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وأهل الحق يقولون لهم: هذا العموم منكسر غير ماض لوجهه من جهتين، إحداهما ما أنتم معنا مجمعون عليه من الرجل الذي بشهد عليه أو يقر بالقتل عمدا ويأتي السلطان أو الأولياء فيقام عليه الحد ويقتل قودا، فهذا غير متبع في الآخرة، والوعيد غير نافذ عليه إجماعا متركبا على الحديث الصحيح من طريق عبادة بن الصامت، أنه من عوقب في الدنيا فهو كفارة له، وهذا نقض
للعموم، والجهة الأخرى أن لفظ هذه الآية ليس بلفظ عموم، بل لفظ مشترك يقع كثيرا للخصوص، كقوله تعالى: ومن لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون [المائدة: 44] وليس حكام المؤمنين إذا حكموا بغير الحق في أمر بكفرة بوجه، وكقول الشاعر [زهير بن أبي سلمى]: [الطويل]
ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه = يهدّم ومن لا يظلم النّاس يظلم
وهذا إنما معناه الخصوص، لأنه ليس كل من لا يظلم يظلم، فهذه جهة أخرى تدل على أن العموم غير مترتب، وما احتجوا به من قول زيد بن ثابت فليس كما ذكروه، وإنما أراد زيد أن هذه الآية نزلت بعد سورة الفرقان، ومراده باللينة قوله تعالى: ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ [الفرقان: 68]، وإن كان المهدوي قد حكى عنه أنه قال: أنزلت الآية ومن يقتل مؤمناً متعمّداً بعد قوله تعالى: إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به [النساء: 48- 116] بأربعة أشهر فإذا دخله التخصيص، فالوجه أن هذه الآية مخصوصة في الكافر يقتل المؤمن، أما على ما روي أنها نزلت في شأن مقيس بن حبابة، حين قتل أخاه هشام بن حبابة رجل من الأنصار، فأخذ له رسول الله صلى الله عليه وسلم الدية، ثم بعثه مع رجل من فهر بعد ذلك في أمر ما، فعدا عليه مقيس فقتله ورجع إلى مكة مرتدا، وجعل ينشد: [الطويل]
قتلت به فهرا وحمّلت عقله = سراة بني النّجّار أرباب فارع
حللت به وتري وأدركت ثورتي = وكنت إلى الأوثان أوّل راجع
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أؤمنه في حل ولا في حرم»، وأمر بقتله يوم فتح مكة، وهو متعلق بالكعبة، وأما أن يكون على ما حكي عن ابن عباس أنه قال متعمّداً معناه مستحلا لقتله. فهذا يؤول أيضا إلى الكفر، وفي المؤمن الذي قد سبق في علم الله أنه يعذبه بمعصيته على ما قدمنا من تأويل، فجزاؤه أن جازاه، ويكون قوله خالداً إذا كانت في المؤمن بمعنى باق مدة طويلة على نحو دعائهم للملوك بالتخليد ونحو ذلك، ويدل على هذا سقوط قوله «أبدا» فإن التأبيد لا يقترن بالخلود إلا في ذكر الكفار.
واختلف العلماء في قبول توبة القاتل، فجماعة على أن لا تقبل توبته، وروي ذلك عن ابن عباس وابن مسعود وابن عمر، وكان ابن عباس يقول: الشرك والقتل مبهمان، من مات عليهما خلد، وكان يقول:
هذه الآية مدنية نسخت الآية التي في الفرقان، إذ الفرقان مكية والجمهور على قبول توبته، وروي عن بعض العلماء أنهم كانوا يقصدون الإغلاظ والتخويف أحيانا، فيطلقون: لا تقبل توبة القاتل، منهم ابن شهاب كان إذا سأله من يفهم منه أنه قد قتل قال له: توبتك مقبولة، وإذا سأله من لم يفعل، قال له: لا توبة للقاتل، ومنهم ابن عباس وقع عنه في تفسير عبد بن حميد أن رجلا سأله أللقاتل توبة؟ فقال له: لا توبة للقاتل وجزاؤه جهنم، فلما مضى السائل قال له أصحابه: ما هكذا كنا نعرفك تقول إلا أن للقاتل التوبة، فقال لهم: إني رأيته مغضبا وأظنه يريد أن يقتل، فقاموا فطلبوه وسألوا عنه، فإذا هو كذلك. وذكر هبة الله في كتاب الناسخ والمنسوخ له: أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [النساء: 48- 116] وقال: هذا إجماع الناس إلا ابن عباس وابن عمر، فإنهما قالا: هي محكمة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفيما قاله هبة الله نظر، لأنه موضع عموم وتخصيص، لا موضع نسخ، وإنما ركب كلامه على اختلاف الناس في قبول توبة القاتل. والله أعلم). [المحرر الوجيز: 2/631-634]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 06:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 06:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمنًا إلا خطأً ومن قتل مؤمنًا خطأً فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ وديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله إلا أن يصّدّقوا فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ فديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله وتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبةً من اللّه وكان اللّه عليمًا حكيمًا (92) ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم خالدًا فيها وغضب اللّه عليه ولعنه وأعدّ له عذابًا عظيمًا (93)}
يقول تعالى: ليس لمؤمنٍ أن يقتل أخاه المؤمن بوجهٍ من الوجوه، كما ثبت في الصّحيحين، عن ابن مسعودٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لا يحلّ دم امرئٍ مسلمٍ يشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأنّي رسول اللّه إلّا بإحدى ثلاثٍ: النّفس بالنّفس، والثّيّب الزّاني، والتّارك لدينه المفارق للجماعة".
ثمّ إذا وقع شيءٌ من هذه الثّلاث، فليس لأحدٍ من آحاد الرّعيّة أن يقتله، وإنّما ذلك إلى الإمام أو نائبه.
وقوله: {إلا خطأً} قالوا: هو استثناءٌ منقطعٌ، كقول الشّاعر
من البيض لم تظعن بعيدًا ولم تطأ = على الأرض إلّا ريط برد مرحّل.
ولهذا شواهد كثيرةٌ.
واختلف في سبب نزول هذه [الآية] فقال مجاهدٌ وغير واحدٍ: نزلت في عياش بن أبي ربيعة أخي أبي جهلٍ لأمّه -وهي أسماء بنت مخرّبة - وذلك أنّه قتل رجلًا كان يعذّبه مع أخيه على الإسلام، وهو الحارث بن يزيد العامريّ، فأضمر له عيّاش السّوء، فأسلم ذلك الرّجل وهاجر، وعياشٌ لا يشعر، فلمّا كان يوم الفتح رآه، فظنّ أنّه على دينه، فحمل عليه فقتله. فأنزل اللّه هذه الآية.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: نزلت في أبي الدّرداء؛ لأنّه قتل رجلًا وقد قال كلمة الإسلام حين رفع السّيف، فأهوى به إليه، فقال كلمته، فلمّا ذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: إنّما قالها متعوّذًا. فقال له: "هل شققت عن قلبه" [وهذه القصّة في الصّحيح لغير أبي الدّرداء].
وقوله: {ومن قتل مؤمنًا خطأً فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ وديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله [إلا أن يصّدّقوا]} هذان واجبان في قتل الخطأ، أحدهما: الكفّارة لما ارتكبه من الذّنب العظيم، وإن كان خطأً، ومن شرطها أن تكون عتق رقبةٍ مؤمنةٍ فلا تجزئ الكافرة.
وحكى ابن جريرٍ، عن ابن عبّاسٍ والشّعبيّ وإبراهيم النّخعي والحسن البصريّ أنّهم قالوا: لا يجزئ الصّغير حتّى يكون قاصدًا للإيمان. وروي من طريق عبد الرّزّاق عن معمرٍ، عن قتادة قال: في حرف، أبي: {فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ} لا يجزئ فيها صبيٌّ.
واختار ابن جريرٍ إن كان مولودًا بين أبوين مسلمين أجزأ، وإلّا فلا. والّذي عليه الجمهور: أنّه متى كان مسلمًا صحّ عتقه عن الكفّارة، سواءٌ كان صغيرًا أو كبيرًا.
وقال الإمام أحمد: أنبأنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن الزّهري، عن عبد اللّه بن عبد اللّه، عن رجلٍ من الأنصار؛ أنّه جاء بأمةٍ سوداء، فقال: يا رسول اللّه، إنّ عليّ رقبةً مؤمنةً، فإن كنت ترى هذه مؤمنةً أعتقتها. فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أتشهدين أن لا إله إلّا اللّه؟ " قالت: نعم. قال: "أتشهدين أني رسول الله؟ " قالت نعم. قال:"أتؤمنين بالبعث بعد الموت؟ " قالت: نعم، قال: "أعتقها".
وهذا إسنادٌ صحيحٌ، وجهالة الصّحابيّ لا تضرّ.
وفي موطّأ [الإمام] مالكٍ ومسندي الشّافعيّ وأحمد، وصحيح مسلمٍ، وسنن أبي داود والنّسائيّ، من طريق هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسارٍ، عن معاوية بن الحكم أنّه لمّا جاء بتلك الجارية السّوداء قال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أين اللّه؟ " قالت: في السّماء. قال: "من أنا" قالت: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أعتقها فإنّها مؤمنةٌ".
وقوله: {وديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله} هو الواجب الثّاني فيما بين القاتل وأهل القتيل، عوضًا لهم عمّا فاتهم من قريبهم. وهذه الدّية إنّما تجب أخماسًا، كما رواه الإمام أحمد وأهل السّنن، من حديث الحجّاج بن أرطأة، عن زيد بن جبيرٍ، عن خشف بن مالكٍ، عن ابن مسعودٍ قال: قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في دية الخطأ عشرين بنت مخاضٍ، وعشرين بني مخاضٍ ذكورًا، وعشرين بنت لبونٍ، وعشرين جذعة وعشرين حقّة.
لفظ النّسائيّ، وقال التّرمذيّ: لا نعرفه مرفوعًا إلّا من هذا الوجه، وقد روي عن عبد اللّه موقوفًا.
وكذا روي عن [عليٍّ و] طائفةٍ.
وقيل: تجب أرباعًا. وهذه الدّية إنّما تجب على عاقلة القاتل، لا في ماله، قال الشّافعيّ، رحمه اللّه: لم أعلم مخالفًا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قضى بالدّية على العاقلة، وهو أكثر من حديث الخاصّة وهذا الّذي أشار إليه، رحمه اللّه، قد ثبت في غير ما حديثٍ، فمن ذلك ما ثبت في الصّحيحين عن أبي هريرة قال: اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجرٍ فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقضى أنّ دية جنينها غرّة عبدٍ أو أمةٍ، وقضى بدية المرأة على عاقلتها.
وهذا يقتضي أنّ حكم عمد الخطأ حكم الخطأ المحض في وجوب الدّية، لكنّ هذا تجب فيه الدّية أثلاثًا كالعمد، لشبهه به.
وفي صحيح البخاريّ، عن عبد اللّه بن عمر قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا. فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا. فجعل خالدٌ يقتلهم، فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فرفع يديه وقال: "اللّهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا صنع خالدٌ". وبعث عليًّا فودى قتلاهم وما أتلف من أموالهم، حتّى ميلغة الكلب.
وهذا [الحديث] يؤخذ منه أنّ خطأ الإمام أو نائبه يكون في بيت المال.
وقوله: {إلا أن يصّدّقوا} أي: فتجب فيه الدّية مسلّمةٌ إلى أهله إلّا أن يتصدقوا بها فلا تجب.
وقوله: {فإن كان من قومٍ عدوٍّ لكم وهو مؤمنٌ فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ} أي: إذا كان القتيل مؤمنًا، ولكن أولياؤه من الكفّار أهل حربٍ، فلا دية لهم، وعلى القاتل تحرير رقبةٍ مؤمنةٍ لا غير.
وقوله: {وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ [فديةٌ مسلّمةٌ إلى أهله وتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ]} الآية، أي: فإن كان القتيل أولياؤه أهل ذمّةٍ أو هدنةٍ، فلهم دية قتيلهم، فإن كان مؤمنًا فديةٌ كاملةٌ، وكذا إن كان كافرًا أيضًا عند طائفةٍ من العلماء. وقيل: يجب في الكافر نصف دية المسلم، وقيل: ثلثها، كما هو مفصّلٌ في [كتاب الأحكام] ويجب أيضًا على القاتل تحرير رقبةٍ مؤمنةٍ.
{فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين} أي: لا إفطار بينهما، بل يسرد صومهما إلى آخرهما، فإن أفطر من غير عذرٍ، من مرضٍ أو حيضٍ أو نفاسٍ، استأنف. واختلفوا في السّفر: هل يقطع أم لا؟ على قولين.
وقوله: {توبةً من الله وكان اللّه عليمًا حكيمًا} أي: هذه توبة القاتل خطأً إذا لم يجد العتق صام شهرين متتابعين.
واختلفوا فيمن لا يستطيع الصّيام: هل يجب عليه إطعام ستّين مسكينًا، كما في كفّارة الظّهار؟ على قولين؛ أحدهما: نعم. كما هو منصوصٌ عليه في كفّارة الظّهار، وإنّما لم يذكر هاهنا؛ لأنّ هذا مقام تهديدٍ وتخويفٍ وتحذيرٍ، فلا يناسب أن يذكر فيه الإطعام لما فيه من التّسهيل والتّرخيص. القول الثّاني: لا يعدل إلى الإطعام؛ لأنّه لو كان واجبًا لما أخّر بيانه عن وقت الحاجة.
{وكان اللّه عليمًا حكيمًا} قد تقدّم تفسيره غير مرّةٍ). [تفسير القرآن العظيم: 2/372-376]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ لمّا بيّن تعالى حكم القتل الخطأ، شرع في بيان حكم القتل العمد، فقال: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا [فجزاؤه جهنّم خالدًا فيها وغضب اللّه عليه ولعنه وأعدّ له عذابًا عظيمًا]} وهذا تهديدٌ شديدٌ ووعيدٌ أكيدٌ لمن تعاطى هذا الذّنب العظيم، الّذي هو مقرونٌ بالشّرك باللّه في غير ما آيةٍ في كتاب اللّه، حيث يقول، سبحانه، في سورة الفرقان: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ [ولا يزنون]} الآية [الفرقان: 68] وقال تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألا تشركوا به شيئًا} [إلى أن قال:
{ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ ذلكم وصّاكم به لعلّكم تعقلون} [الأنعام: 151].
والأحاديث في تحريم القتل كثيرةٌ جدًّا. من ذلك ما ثبت في الصّحيحين عن ابن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أوّل ما يقضى بين النّاس يوم القيامة في الدّماء" وفي الحديث الآخر الّذي رواه أبو داود، من رواية عمرو بن الوليد بن عبدة المصريّ، عن عبادة بن الصّامت قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا يزال المؤمن معنقا صالحًا ما لم يصب دمًا حرامًا، فإذا أصاب دمًا حرامًا بلّح" وفي حديثٍ آخر: "لزوال الدّنيا أهون عند اللّه من قتل رجلٍ مسلمٍ" وفي الحديث الآخر: "لو أجمع أهل السموات والأرض على قتل رجلٍ مسلمٍ، لأكبّهم اللّه في النّار" وفي الحديث الآخر: "من أعان على قتل مسلمٍ ولو بشطر كلمةٍ، جاء يوم القيامة مكتوبٌ بين عينيه: آيسٌ من رحمة اللّه".
وقد كان ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، يرى أنّه لا توبة للقاتل عمدًا لمؤمنٍ.
وقال البخاريّ: حدّثنا آدم، حدّثنا شعبة، حدّثنا مغيرة بن النّعمان قال: سمعت ابن جبيرٍ قال: اختلف فيها أهل الكوفة، فرحلت إلى ابن عبّاسٍ فسألته عنها فقال: نزلت هذه الآية: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم [خالدًا]} هي آخر ما نزل وما نسخها شيءٌ.
وكذا رواه هو أيضًا ومسلمٌ والنّسائيّ من طرقٍ، عن شعبة، به ورواه أبو داود، عن أحمد بن حنبلٍ، عن ابن مهديٍّ، عن سفيان الثّوريّ، عن مغيرة بن النّعمان، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم خالدًا} فقال: لم ينسخها شيءٌ.
[وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن بشّارٍ حدّثنا ابن أبي عديٍّ حدّثنا شعبة عن أبي بشرٍ عن سعيد بن جبيرٍ قال: قال عبد الرحمن بن أبزة: سئل ابن عبّاسٍ عن قوله: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم خالدًا} فقال: لم ينسخها شيءٌ] وقال في هذه الآية: {والّذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر [ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثامًا]} [الفرقان: 68] قال نزلت في أهل الشّرك.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن حميدٍ، حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، حدّثني سعيد بن جبيرٍ -أو حدّثني الحكم، عن سعيد بن جبيرٍ-قال: سألت ابن عبّاسٍ عن قوله [تعالى] {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم} قال: إنّ الرّجل إذا عرف الإسلام وشرائع الإسلام، ثمّ قتل مؤمنًا متعمّدًا، فجزاؤه جهنّم ولا توبة له. فذكرت ذلك لمجاهدٍ فقال: إلّا من ندم.
حدّثنا ابن حميدٍ، وابن وكيع قالا حدّثنا جريرٌ، عن يحيى الجابر، عن سالم بن أبي الجعد قال: كنّا عند ابن عبّاسٍ بعد ما كف بصره، فأتاه رجلٌ فناداه: يا عبد اللّه بن عبّاسٍ، ما ترى في رجل قتل مؤمنًا متعمّدًا؟ فقال: {جزاؤه جهنّم خالدًا فيها وغضب اللّه عليه ولعنه وأعدّ له عذابًا عظيمًا} قال: أفرأيت إن تاب وعمل صالحًا ثمّ اهتدى؟ قال ابن عبّاسٍ: ثكلته أمّه، وأنّى له التّوبة والهدى؟ والّذي نفسي بيده! لقد سمعت نبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "ثكلته أمّه، قاتل مؤمنٍ متعمّدًا، جاء يوم القيامة آخذه بيمينه أو بشماله، تشخب أوداجه دمًا في قبل عرش الرّحمن، يلزم قاتله بشماله بيده الأخرى، يقول: سل هذا فيم قتلني" ؟ وايم الّذي نفس عبد اللّه بيده! لقد أنزلت هذه الآية، فما نسختها من آيةٍ حتّى قبض نبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم، وما نزل بعدها من برهانٍ.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، سمعت يحيى بن المجبّر يحدّث عن سالم بن أبي الجعد، عن ابن عبّاسٍ؛ أنّ رجلًا أتاه فقال: أرأيت رجلًا قتل رجلًا متعمّدًا؟ فقال: {جزاؤه جهنّم خالدًا فيها [وغضب اللّه عليه ولعنه وأعدّ له عذابًا عظيمًا]} قال: لقد نزلت في آخر ما نزل، ما نسخها شيءٌ حتّى قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وما نزل وحيٌّ بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قال: أرأيت إن تاب وآمن وعمل صالحًا ثمّ اهتدى؟ قال: وأنّى له بالتّوبة. وقد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. يقول: "ثكلته أمّه، رجلٌ قتل رجلًا متعمّدًا، يجيء يوم القيامة آخذًا قاتله بيمينه أو بيساره -وآخذًا رأسه بيمينه أو بشماله-تشخب أوداجه دمًا من قبل العرش يقول: يا ربّ، سل عبدك فيم قتلني؟ ".
وقد رواه النّسائيّ عن قتيبة وابن ماجه عن محمّد بن الصّبّاح، عن سفيان بن عيينة، عن عمّارٍ الدّهني، ويحيى الجابر وثابتٍ الثّماليّ عن سالم بن أبي الجعد، عن ابن عبّاسٍ، فذكره وقد روي هذا عن ابن عبّاسٍ من طرقٍ كثيرةٍ.
وممّن ذهب إلى أنّه لا توبة له من السّلف: زيد بن ثابتٍ، وأبو هريرة، وعبد اللّه بن عمر، وأبو سلمة بن عبد الرّحمن، وعبيد بن عمر، والحسن، وقتادة، والضّحّاك بن مزاحمٍ، نقله ابن أبي حاتمٍ.
وفي الباب أحاديث كثيرةٌ: من ذلك ما رواه أبو بكر بن مردويه الحافظ في تفسيره: حدّثنا دعلج بن أحمد، حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن سعيدٍ البوشنجي وحدّثنا عبد اللّه بن جعفرٍ، حدّثنا إبراهيم بن فهدٍ قالا حدّثنا عبيد بن عبيدة، حدّثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الأعمش، عن أبي عمرو بن شرحبيل، عن عبد اللّه بن مسعودٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "يجيء المقتول متعلّقًا بقاتله يوم القيامة، آخذًا رأسه بيده الأخرى فيقول: يا ربّ، سل هذا فيم قتلني؟ " قال: "فيقول: قتلته لتكون العزّة لك. فيقول: فإنّها لي". قال: "ويجيء آخر متعلّقًا بقاتله فيقول: ربّ، سل هذا فيم قتلني؟ " قال: "فيقول قتلته لتكون العزة لفلانٍ". قال: "فإنّها ليست له بؤ بإثمه". قال: "فيهوي في النّار سبعين خريفًا".
وقد رواه عن النّسائيّ، عن إبراهيم بن المستمرّ العوفي، عن عمرو بن عاصمٍ، عن معتمر بن سليمان، به
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا صفوان بن عيسى، حدّثنا ثور بن يزيد، عن أبي عونٍ، عن أبي إدريس قال: سمعت معاوية، رضي اللّه عنه، يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "كلّ ذنبٍ عسى اللّه أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا، أو الرجل يقتل مؤمنًا متعمّدًا".
وكذا رواه النّسائيّ، عن محمّد بن المثنّى، عن صفوان بن عيسى، به.
وقال ابن مردويه: حدّثنا عبد اللّه بن جعفرٍ، حدّثنا سمّويه، حدّثنا عبد الأعلى بن مسهر، حدّثنا صدقة بن خالدٍ، حدّثنا خالد بن دهقان، حدّثنا ابن أبي زكريّا قال: سمعت أمّ الدّرداء تقول: سمعت أبا الدّرداء يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "كلّ ذنبٍ عسى اللّه أن يغفره إلّا من مات مشركًا، أو من قتل مؤمنًا متعمّدًا".
وهذا غريبٌ جدًّا من هذا الوجه. والمحفوظ حديث معاوية المتقدّم فاللّه أعلم.
ثمّ روى ابن مردويه من طريق بقيّة بن الوليد، عن نافع بن يزيد، حدّثني ابن جبيرٍ الأنصاريّ، عن داود بن الحصين، عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم قال: "من قتل مؤمنًا متعمّدًا فقد كفر باللّه عزّ وجلّ".
وهذا حديثٌ منكرٌ أيضًا، وإسناده تكلم فيه جدًّا.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا النّضر، حدّثنا سليمان بن المغيرة، حدّثنا حميدٌ قال: أتاني أبو العالية أنا وصاحبٌ لي، فقال لنا: هلمّا فأنتما أشبّ شيئًا منّي، وأوعى للحديث منّي، فانطلق بنا إلى بشر بن عاصمٍ -فقال له أبو العالية: حدّث هؤلاء حديثك. فقال: حدّثنا عقبة بن مالكٍ اللّيثيّ قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سريّةً، فأغارت على قومٍ، فشدّ من القوم رجلٌ، فاتّبعه رجلٌ من السّريّة شاهرًا سيفه فقال الشّادّ من القوم: إنّي مسلمٌ. فلم ينظر فيما قال، فضربه فقتله، فنمى الحديث إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فقال فيه قولًا شديدًا، فبلغ القاتل. فبينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يخطب، إذ قال القاتل: واللّه ما قال الّذي قال إلّا تعوّذًا من القتل. قال: فأعرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عنه وعمّن قبله من النّاس، وأخذ في خطبته، ثمّ قال أيضًا: يا رسول اللّه، ما قال الّذي قال إلّا تعوّذًا من القتل، فأعرض عنه وعمّن قبله من النّاس، وأخذ في خطبته، ثمّ لم يصبر، فقال الثّالثة: واللّه يا رسول اللّه ما قال إلّا تعوذا من القتل.
فأقبل عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تعرف المساءة في وجهه، فقال: "إنّ اللّه أبى على من قتل مؤمنًا" ثلاثًا.
ورواه النّسائيّ من حديث سليمان بن المغيرة
والّذي عليه الجمهور من سلف الأمّة وخلفها: أنّ القاتل له توبةٌ فيما بينه وبين ربّه عزّ وجلّ، فإن تاب وأناب وخشع وخضع، وعمل عملًا صالحًا، بدّل اللّه سيّئاته حسناتٍ، وعوّض المقتول من ظلامته وأرضاه عن طلابته.
قال اللّه تعالى: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر [ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثامًا * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا]. إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحًا [فأولئك يبدّل اللّه سيّئاتهم حسناتٍ وكان اللّه غفورًا رحيمًا]} [الفرقان: 68، 69] وهذا خبرٌ لا يجوز نسخه. وحمله على المشركين، وحمل هذه الآية على المؤمنين خلاف الظّاهر، ويحتاج حمله إلى دليلٍ، واللّه أعلم.
وقال تعالى: {قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله [إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا إنّه هو الغفور الرّحيم]} [الزّمر:53] وهذا عامٌّ في جميع الذّنوب، من كفرٍ وشركٍ، وشكٍّ ونفاقٍ، وقتلٍ وفسقٍ، وغير ذلك: كلّ من تاب من أيّ ذلك تاب اللّه عليه.
وقال تعالى: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النّساء: 48]. فهذه الآية عامّةٌ في جميع الذّنوب ما عدا الشّرك، وهي مذكورةٌ في هذه السّورة الكريمة بعد هذه الآية وقبلها، لتقوية الرّجاء، واللّه أعلم.
وثبت في الصّحيحين خبر الإسرائيليّ الّذي قتل مائة نفسٍ، ثمّ سأل عالمًا: هل لي من توبةٍ؟ فقال: ومن يحول بينك وبين التّوبة؟! ثمّ أرشده إلى بلدٍ يعبد اللّه فيه، فهاجر إليه، فمات في الطّريق، فقبضته ملائكة الرّحمة. كما ذكرناه غير مرّةٍ، إن كان هذا في بني إسرائيل فلأن يكون في هذه الأمّة التّوبة مقبولةٌ بطريق الأولى والأحرى؛ لأنّ اللّه وضع عنّا الأغلال والآصار الّتي كانت عليهم، وبعث نبيّنا بالحنيفيّة السّمحة. فأمّا الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا [فجزاؤه جهنّم خالدًا فيها وغضب اللّه عليه ولعنه وأعدّ له عذابًا عظيمًا]} فقد قال أبو هريرة وجماعةٌ من السّلف: هذا جزاؤه إن جازاه، وقد رواه ابن مردويه مرفوعًا، من طريق محمّد بن جامعٍ العطّار، عن العلاء بن ميمونٍ العنبريّ، عن حجّاجٍ الأسود، عن محمّد بن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعًا، ولكن لا يصحّ ومعنى هذه الصّيغة: أنّ هذا جزاؤه إن جوزي عليه، وكذا كلّ وعيدٍ على ذنبٍ، لكن قد يكون كذلك معارض من أعمالٍ صالحةٍ تمنع وصول ذلك الجزاء إليه، على قولي أصحاب الموازنة أو الإحباط. وهذا أحسن ما يسلك في باب الوعيد، واللّه أعلم بالصّواب. وبتقدير دخول القاتل إلى النّار، أمّا على قول ابن عبّاسٍ ومن وافقه أنّه لا توبة له، أو على قول الجمهور حيث لا عمل له صالحًا ينجو به، فليس يخلد فيها أبدًا، بل الخلود هو المكث الطّويل. وقد تواردت الأحاديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أنّه يخرج من النّار من كان في قلبه أدنى ذرّةٍ من إيمانٍ. وأمّا حديث معاوية: "كلّ ذنبٍ عسى اللّه أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا، أو الرّجل يقتل مؤمنًا متعمّدًا": "عسى" للتّرجّي، فإذا انتفى التّرجّي في هاتين الصّورتين لا ينتفى وقوع ذلك في أحدهما، وهو القتل؛ لما ذكرنا من الأدلّة. وأمّا من مات كافرًا؛ فالنّصّ أنّه لا يغفر له البتّة، وأمّا مطالبة المقتول القاتل يوم القيامة فإنّه حقٌّ من حقوق الآدميّين وهي لا تسقط بالتّوبة، ولا فرق بين المقتول والمسروق منه، والمغضوب منه والمقذوف وسائر حقوق الآدميّين، فإنّ الإجماع منعقدٌ على أنّها لا تسقط بالتّوبة، ولا بدّ من أدائها إليهم في صحّة التّوبة، فإنّ تعذّر ذلك فلا بدّ من الطّلابة يوم القيامة، لكن لا يلزم من وقوع الطّلابة وقوع المجازاة، وقد يكون للقاتل أعمالٌ صالحةٌ تصرف إلى المقتول أو بعضها، ثمّ يفضل له أجرٌ يدخل به الجنّة، أو يعوض الله المقتول من فضله بمايشاء، من قصور الجنّة ونعيمها، ورفع درجته فيها ونحو ذلك، واللّه أعلم.
ثمّ للقتل العمد أحكامٌ في الدّنيا وأحكامٌ في الآخرة أمّا [في] الدّنيا فتسلّط أولياء المقتول عليه، قال اللّه تعالى: {ومن قتل مظلومًا فقد جعلنا لوليّه سلطانًا [فلا يسرف في القتل إنّه كان منصورًا]} [الإسراء: 33] ثمّ هم مخيّرون بين أن يقتلوا، أو يعفوا، أو يأخذوا ديةً مغلّظةً أثلاثًا: ثلاثون حقّة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفه كما هو مقرّرٌ في كتب الأحكام.
واختلف الأئمّة: هل تجب عليه كفّارةٌ عتق رقبةٍ، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعامٌ؟ على أحد القولين، كما تقدّم في كفّارة الخطأ، على قولين: فالشّافعيّ وأصحابه وطائفةٌ من العلماء يقولون: نعم، يجب عليه؛ لأنّه إذا وجبت الكفّارة في الخطأ فلأن تجب عليه في العمد أولى. وطردوا هذا في كفّارة اليمين الغموس، واعتضدوا بقضاء الصّلوات المتروكة عمدًا، كما أجمعوا على ذلك في الخطأ.
قال أصحاب الإمام أحمد وآخرون: قتل العمد أعظم من أن يكفّر، فلا كفّارة فيه، وكذا اليمين الغموس، ولا سبيل لهم إلى الفرق بين هاتين الصّورتين وبين الصّلاة المتروكة عمدًا، فإنّهم يقولون: بوجوب قضائها وإن تركت عمدًا.
وقد احتجّ من ذهب إلى وجوب الكفّارة في قتل العمد بما رواه الإمام أحمد حيث قال: حدّثنا عارم بن الفضل، حدّثنا عبد اللّه بن المبارك، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن الغريف بن عيّاشٍ، عن واثلة بن الأسقع قال: أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نفرٌ من بني سليمٍ فقالوا: إنّ صاحبًا لنا قد أوجب. قال: "فليعتق رقبةً، يفدي اللّه بكلّ عضوٍ منها عضوا منه من النار".
وقال أحمد: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق، حدّثنا ضمرة بن ربيعة، عن إبراهيم بن أبي عبلة عن الغريف الدّيلميّ قال: أتينا واثلة بن الأسقع اللّيثيّ فقلنا: حدّثنا حديثًا سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: أتينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في صاحبٍ لنا قد أوجب، فقال: "أعتقوا عنه، يعتق اللّه بكلّ عضوٍ منه عضوًا منه من النّار".
وكذا رواه أبو داود والنّسائيّ، من حديث إبراهيم بن أبي عبلة، به ولفظ أبي داود عن الغريف الدّيلميّ قال: أتينا واثلة بن الأسقع فقلنا: حدّثنا حديثًا ليس فيه زيادةٌ ولا نقصانٌ. فغضب فقال: إن أحدكم ليقرأ ومصحفه معلّقٌ في بيته فيزيد وينقص، قلنا: إنّا أردنا حديثًا سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: أتينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في صاحبٍ لنا قد أوجب -يعني النّار-بالقتل، فقال: "أعتقوا عنه، يعتق اللّه بكلّ عضوٍ منه عضوًا من النّار"). [تفسير القرآن العظيم: 2/376-382]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:49 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة