العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة النساء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 ربيع الثاني 1434هـ/21-02-2013م, 11:26 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة النساء [ الآية (43) ]

تفسير سورة النساء
[ الآية (43) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 07:23 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدّثني طلحة بن عمرٍو المكّيّ أنّه سمع عطاء بن أبي رباحٍ يحدّث عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: الملامسة الجماع). [الجامع في علوم القرآن: 1/89]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيبٍ عن المنذر بن قيسٍ أخبره أنّ سعيد بن جبيرٍ وعطاء بن أبي رباحٍ وعبيد بن عميرٍ قعدوا يومًا عند ابن عبّاسٍ فسألهم عن قول اللّه: {لامستم النساء}، فقال سعيدٌ وعطاءٌ: مسّ الفرج باليد، وقال عبيد ابن عميرٍ: الجماع؛ فقال ابن عبّاسٍ: أصاب العرب وأخطأ الموالي). [الجامع في علوم القرآن: 1/108]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني ابن لهيعة عن عبد ربّه بن سعيدٍ عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبيرٍ قال: قال ابن عبّاسٍ: {الرّفث}، المباشرة، و (الملامسة)، هو الجماع). [الجامع في علوم القرآن: 2/33] (م)
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدّثني اللّيث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب في قول الله: {ولا جنبا إلا عابري سبيلٍ}، إن رجالا من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد وكانوا تصيبهم الجنابة، ولا ماء عندهم، فيريدون الماء ولا يجدون ممرا إلا في المسجد، فأنزل الله: {ولا جنبا إلا عابري سبيلٍ}). [الجامع في علوم القرآن: 2/61-62]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال في سورة النساء: {يا أيها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون}؛
وقال في سورة البقرة {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما}؛
فنسخت في المائدة فقال: {يا أيها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون}). [الجامع في علوم القرآن: 3/70]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى قال كانوا يجتنبون السكر عند حضور الصلوات ثم نسخت في تحريم الخمر). [تفسير عبد الرزاق: 1/163]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة وابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى ولا جنبا إلا عابري سبيل قالا هو الرجل يكون في السفر فتصيبه الجنابة فيتيمم ويصلي). [تفسير عبد الرزاق: 1/163]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر قال أخبرني عبد الكريم الجزيري عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال هو المار في المسجد). [تفسير عبد الرزاق: 1/163]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن عطاء بن السّائب عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ أنّ رجلًا من الأنصار صنع طعامًا فدعا عليًّا وعبد الرّحمن بن عوفٍ وناسًا من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فسقاهم الخمر فلمّا حضرت المغرب قدّموا عليا فقرأ {قل يا أيها الكافرون} فخلط فيها فأنزل اللّه تعالى: {يا أيها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون} [الآية: 43]). [تفسير الثوري: 96]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون ولا جنبًا إلّا عابري سبيلٍ حتّى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النّساء فلم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيدًا طيّبًا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إنّ الله كان عفوًّا غفورًا} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن إبراهيم، عن سعيد بن أبي عروبةٍ، عن قتادة، قال: قلنا لسعيد بن جبيرٍ في قوله عزّ وجلّ: {وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط أو لمستم النّساء فلم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيدًا طيبًا}، قلت: ما رخصة المريض هاهنا؟ قال: إذا كانت به قروحٌ، أو جروح، أو كبر عليه الماء، يتيمّم بالصّعيد.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن بيان، عن عامرٍ الشّعبي، عن عبد اللّه قال: الملامسة ما دون الجماع، والقبلة منه، ومنها الوضوء.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: القبلة من اللّمس، ومنها الوضوء.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبيرٍ قال: كنّا في حجرة ابن عبّاسٍ، ومعنا عطاء بن أبي رباحٍ ونفرٌ من الموالي، وعبيد بن عمير، ونفرٌ من العرب فتذاكرنا اللّماس، فقلت أنا وعطاءٌ: اللّمس باليد، وقال عبيد بن عميرٍ والعرب: هو الجماع، فقلت: إنّ عندكم من هذا الفضل قريبٌ، فدخلت على ابن عبّاسٍ وهو قاعدٌ على سريرٍ، فقال لي: مهيم ؟ فقلت: تذاكرنا اللّمس، فقال بعضنا: هو اللّمس باليد، وقال بعضنا: هو الجماع. قال: من قال: هو الجماع؟ قلت: العرب. قال: فمن قال: هو اللّمس باليد؟ قلت: الموالي، قال: فمن أيّ الفريقين كنت؟ قلت: مع الموالي، فضحك، وقال: غلبت الموالي، غلبت الموالي - ثلاث مرّاتٍ - ثمّ قال: إنّ اللّمس، والمسّ، والمباشرة إلى الجماع إلى الجماع ما هو، ولكنّ اللّه عزّ وجلّ يكنّي ما شاء بما شاء.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيم قال: نا (أبو بشر)، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباس قال: اللّمس والمسّ والمباشرة إلى الجماع ما هو، ولكنّ اللّه عزّ وجلّ كنّى عنه.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم أنّه كان يقرأ: (أو لمستّم النّساء)، قال: يعني ما دون الجماع.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن إبراهيم، قال: نا سلمة بن علقمة، عن محمّد بن سيرين، قال: سألت عبيدة عن قوله عزّ وجلّ: {أو لامستم النساء}، فأشار بيده، وظننت ما قال.
- وقال محمّدٌ،:ونبّئت (عن) ابن عمر: أنّه كان إذا مسّ فرجه توضّأ، فظننت أنّ قول ابن عمر وعبيدة (شيءٌ واحدٌ).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا أبو الزّبير، عن جابرٍ قال: كان أحدنا يمرّ في المسجد جنبًا مجتازًا.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد العزيز بن محمّدٍ، عن هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، قال: رأيت رجالًا من أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يجلسون في المسجد وهم مجنبون؛ إذا توضّئوا وضوء الصّلاة.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد العزيز بن محمّدٍ، عن هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ قال: كان أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يدخلون المسجد ويخرجون منه ولا يصلّون فيه، ورأيت ابن عمر يفعله). [سنن سعيد بن منصور: 4/1254-1277]

قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط} [النساء: 43]
{صعيدًا} [النساء: 43]:«وجه الأرض» وقال جابرٌ: «كانت الطّواغيت الّتي يتحاكمون إليها، في جهينة واحدٌ، وفي أسلم واحدٌ، وفي كلّ حيٍّ واحدٌ، كهّانٌ ينزل عليهم الشّيطان» وقال عمر: " الجبت: السّحر، والطّاغوت: الشّيطان " وقال عكرمة: " الجبت: بلسان الحبشة شيطانٌ، والطّاغوت: الكاهن "
حدّثني محمّدٌ، أخبرنا عبدة، عن هشامٍ، عن أبيه، عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: هلكت قلادةٌ لأسماء، «فبعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في طلبها رجالًا، فحضرت الصّلاة، وليسوا على وضوءٍ، ولم يجدوا ماءً، فصلّوا وهم على غير وضوءٍ فأنزل اللّه» ، يعني آية التّيمّم). [صحيح البخاري: 6/45-46]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحد منكم من الغائط)
هذا القدر مشتركٌ في آيتي النّساء والمائدة وإيراد المصنّف له في تفسير سورة النّساء يشعر بأنّ آية النّساء نزلت في قصّة عائشة وقد سبق ما فيه في كتاب التّيمّم قوله صعيدًا وجه الأرض قال أبو عبيدة في قوله تعالى فتيمّموا صعيدًا طيّبًا تيمموا أي تعمّدوا قال والصّعيد وجه الأرض قال الزّجّاج لا أعلم خلافًا بين أهل اللّغة أنّ الصّعيد وجه الأرض سواءٌ كان عليها ترابٌ أم لا ومنه قوله تعالى صعيدًا جرزًا وصعيدا زلقا وإنّما سمّي صعيدًا لأنّه نهاية ما يصعد من الأرض وقال الطّبريّ بعد أن روى من طريق قتادة قال الصّعيد الأرض الّتي ليس فيها شجرٌ ولا نباتٌ ومن طريق عمرو بن قيسٍ قال الصّعيد التّراب ومن طريق بن زيدٍ قال الصّعيد الأرض المستوية الصّواب أنّ الصّعيد وجه الأرض المستوية الخالية من الغرس والنبات والبناء وأمّا الطّيّب فهو الّذي تمسّك به من اشترط في التّيمّم التّراب لأنّ الطّيّب هو التّراب المنبت قال اللّه تعالى والبلد الطّيّب يخرج نباته بإذن ربّه وروى عبد الرّزّاق من طريق بن عبّاسٍ الصّعيد الطّيّب الحرث). [فتح الباري: 8/251-252]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (ثمّ أورد المصنّف طرفًا من حديث عائشة في سقوط عقدها ونزول آية التّيمّم وقد مضى شرحه مستوفًى في كتاب التّيمّم). [فتح الباري: 8/253]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط} (النّساء: 43)

أي: هذا باب في بيان قوله تعالى: {وإن كنتم مرضى} الآية. قوله: (مرضى) ، جمع مريض، وأراد به مريضا يضرّه الماء كصاحب الجدري والجروح ومن يتضرّر باستعمال الماء هذا قول جماعة من الفقهاء إلاّ ما ذهب إليه عطاء والحسن أنه لا يتيمّم مع وجود الماء احتجاجا بقوله تعالى: {فإن لم تجدوا ماء} ولم يؤخذ به. قوله: (أو على سفر) ، أي: أو كنتم على سفر وليس السّفر شرطا لإباحة التّيمّم، وإنّما الشّرط عدم الماء، وإنّما ذكر السّفر لأن الماء يعدم فيه غالبا. قوله: (أو جاء أحد منكم من الغائط) ، وهو الموضع المطمئن من الأرض، كانوا يتبرزون هناك ليغيبوا عن أعين النّاس، فكنى عن الحدث بمكانه، ثمّ كثر الاستعمال حتّى صار كالحقيقة، والفعل منه: غاط يغوط، مثل عاد يعود.
صعيدٌ أوجه الأرض
أشار به إلى قوله تعالى: {فتيمّموا صعيدا طيبا} وفسّر صعيدا بقوله: وجه الأرض، ذكره أبو بكر بن المنذر عن أبي عبيدة). [عمدة القاري: 18/175]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثنا محمّدٌ أخبرنا عبدة عن هشامٍ عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت هلكت قلادةٌ لأسماء فبعث النبيّ صلى الله عليه وسلم في طلبها رجالاً فحضرت الصّلاة وليسوا على وضوء ولم يجدوا ماءً فصلّوا وهم على غير وضوءٍ فأنزل الله تعالى يعني آية التّيمّم.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة ومحمّد هو ابن سلام قاله الكرماني، وقال صاحب (التّلويح) قوله هذا حدثني محمّد أخبرنا عبدة، يشبه أن يكون البيكندي لأنّه ذكر روايته في (جامعه) في غير موضع قلت: البيكندي هذا هو محمّد بن سلام بن الفرج أبو عبد الله السّلميّ مولاهم البخاريّ البيكندي، سمع عبدة بن سليمان الكلابي ومن مشايخ البخاريّ البيكندي أخرجه أيضا وهو محمّد بن يوسف أبو أحمد البخاريّ البيكندي، ولم يذكر في (الجامع) أنه سمع عبدة. والحديث مر في التّيمّم في: باب إذا لم يجد ماء ولا ترابا، ومر الكلام فيه هناك). [عمدة القاري: 18/176]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله {وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط}
صعيدًا: وجه الأرض. وقال جابرٌ كانت الطّواغيت الّتي يتحاكمون إليها في جهينة واحدٌ وفي أسلم واحدٌ وفي كلّ حيٍّ واحدٌ كهّانٌ، ينزل عليهم الشّيطان. وقال عمر: الجبت: السّحر. والطّاغوت: الشّيطان. وقال عكرمة: الجبت بلسان الحبشة شيطانٌ. والطّاغوت: الكاهن.
(باب قوله) تعالى، وسقط الباب وتاليه لغير أبي ذر ({وإن كنتم مرضى}) مرضًا يخاف معه من استعمال الماء أو مرضًا يمنع من الوصول إليه والمرض انحراف مزاج تصدر معه الأفعال غير مستقيمة، والمراد هنا كل ما يخاف منه محذور ولو شيئًا فاحشًا في عضو ظاهر. وعن مجاهد فيما رواه ابن أبي حاتم أن قوله: {وإن كنتم مرضى} نزلت في رجل من الأنصار كان مريضًا فلم يستطع أن يقوم فيتوضأ ولم يكن له خادم يناوله فأتى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فذكر ذلك له فأنزل الله تعالى هذه الآية وهذا مرسل. ({أو على سفر}) طويل أو قصير لا تجدون فيه الماء والسفر هو الخروج عن الوطن، وينبغي أن يكون مباحًا ({أو جاء أحد منكم من الغائط}) [النساء: 43] فأحدث بخروج الخارج من أحد السبيلين وأصل الغائط المطمئن من الأرض وكانت عادة العرب إتيانه للحدث ليسترهم عن أعين الناس فكنوا به عن الخارج تسمية للشيء باسم مكانه.
(صعيدًا) يريد تفسير قوله تعالى: {فتيمموا صعيدًا طيبًا} قال: (وجه الأرض) بالنصب ولأبي ذر وجه الأرض بالرفع بتقدير هو والمراد بوجه الأرض ظاهرها سواء كان عليها تراب أم لا. ولذا قالت الحنفية لو ضرب المتيمم يده على حجر صلد ومسح أجزاءه.
وقالت الشافعية لا بدّ أن يعلق باليد شيء من التراب لقوله تعالى في سورة المائدة: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} [المائدة: 6] أي من بعضه وجعل من لابتداء الغاية تعسف إذ لا يفهم من نحو ذلك إلا التبعيض والمسح ببعض الخشب والحجر غير مقصود هذا وأنه وصف بالطيب والأرض الطيبة هي المنبتة وغير الطيبة لا تنبت وغير التراب لا ينبت، والذي لا ينبت لا يكون طيبًا فهو أمر بالتراب فقط. وقال الشافعي وهو القدوة في اللغة وقوله فيها الحجة لا يقع اسم الصعيد إلا على تراب ذي غبار، فأما البطحاء الغليظة والرقيقة فلا يقع عليها اسم الصعيد فإن خالطه تراب أو مدر يكون له غبار كان الذي خالطه هو الصعيد، وقد وافق الشافعي الفراء وأبو عبيد وفي حديث حذيفة عند الدارقطني في سننه وأبي عوانة في صحيحه مرفوعًا "جعلت لي الأرض مسجدًا وترابها لنا طهورًا". وعند مسلم تربتها وهذا مفسر للآية والمفسر يقضي على المجمل). [إرشاد الساري: 7/83-84]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا محمّدٌ أخبرنا عبدة عن هشامٍ، عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: هلكت قلادةٌ لأسماء فبعث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في طلبها رجالًا فحضرت الصّلاة، وليسوا على وضوءٍ ولم يجدوا ماءً فصلّوا وهم على غير وضوءٍ فأنزل اللّه يعني آية التّيمّم {أولى الأمر منكم} [النساء: 59] ذوي الأمر.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (محمد) هو ابن سلام البيكندي كما في رواية أبي ذر في الجهاد وبه جزم الكلاباذي وابن عساكر وغيرهما قال: (أخبرنا عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن سليمان الكوفي يقال اسمه عبد الرحمن (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: هلكت) أي ضاعت (قلادة) بكسر القاف كان ثمنها اثني عشر درهمًا (لأسماء) بنت أبي بكر كانت عائشة استعارتها منها وقولها في كتاب التيمم انقطع عقد لي فإضافتها لها إنما ذلك باعتبار حيازتها لذلك واستيلائها لمنفعته (فبعث النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في طلبها رجالًا) هم أسيد بن حضير ومن تبعه (فحضرت الصلاة وليسوا على وضوء ولم يجدوا ماء فصلوا وهم على غير وضوء فأنزل الله تعالى يعني آية التيمم) وسقط لأبي ذر قوله يعني آية، وحينئذٍ على المفعولية.
وهذا الحديث سبق تامًّا في كتاب التيمم). [إرشاد الساري: 7/84-85]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن الأعمش، نحو حديث معاوية بن هشامٍ.
حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن سعدٍ، عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن عطاء بن السّائب، عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ، عن عليّ بن أبي طالبٍ، قال: صنع لنا عبد الرّحمن بن عوفٍ طعامًا فدعانا وسقانا من الخمر، فأخذت الخمر منّا، وحضرت الصّلاة فقدّموني فقرأت: {قل يا أيّها الكافرون لا أعبد ما تعبدون} ونحن نعبد ما تعبدون. قال: فأنزل اللّه تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ). [سنن الترمذي: 5/88]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى}
- أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا أبو داود، حدّثنا سفيان، عن عليّ بن بذيمة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} [النساء: 43] قال: نسختها {يا أيّها الّذين آمنوا إذا قمتم إلى الصّلاة فاغسلوا وجوهكم} [المائدة: 6] الآية
- عن عمرو بن عليٍّ، عن ابن مهديٍّ، عن سفيان، عن عطاء بن السّائب، عن عبد الرّحمن السّلميّ، عن عليٍّ، أنّ رجلًا من الأنصار دعاه وعبد الرّحمن بن عوفٍ، فسقاهما قبل أن تحرّم الخمر، فأمّهم عليٌّ في المغرب فقرأ: قل يا أيّها الكافرون فخلط فيها، فنزلت: {لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون} [النساء: 43] "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/65]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {فلم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيدًا طيّبًا}
- أخبرنا قتيبة بن سعيدٍ، عن مالكٍ، عن عبد الرّحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: " خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بعض أسفاره حتّى إذا كنّا بالبيداء، أو بذات الجيش، انقطع عقدٌ لي، فأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على التماسه، وأقام النّاس معه وليسوا على ماءٍ، وليس معهم ماءٌ، فأتى النّاس أبا بكرٍ رضي الله عنه فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة، أقامت برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبالنّاس وليسوا على ماءٍ، وليس معهم ماءٌ؟ فجاء أبو بكرٍ ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على فخذي قد نام فقال: أحبست رسول الله والنّاس وليسوا على ماءٍ، وليس معهم ماءٌ؟ قالت: فعاتبني أبو بكرٍ وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فما يمنعني من التّحرّك إلّا مكان رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على فخذي، حتّى أصبح على غير ماءٍ، فأنزل الله عزّ وجلّ آية التّيمّم {فتيمّموا} [النساء: 43]، قال أسيد بن حضيرٍ: ما هي بأوّل بركتكم يا آل أبي بكرٍ، قال: فبعثنا البعير الّذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته). [السنن الكبرى للنسائي: 10/66]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ حتّى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النّساء فلم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيدًا طيّبًا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إنّ اللّه كان عفوًّا غفورًا}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {يا أيّها الّذين آمنوا}: صدّقوا اللّه ورسوله، {لا تقربوا الصّلاة}: لا تصلّوا، {وأنتم سكارى}: وهو جمع سكرانٍ، {حتّى تعلموا ما تقولون}: في صلاتكم، وتقرءون فيها ممّا أمركم اللّه جل ثناؤه، أو ندبكم إلى قيله فيها ممّا نهاكم عنه وزجركم ثمّ اختلف أهل التّأويل في السّكر الّذي عناه اللّه بقوله: {لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} فقال بعضهم: عنى بذلك: السّكر من الشّراب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن عطاء بن السّائب، عن أبي عبد الرّحمن، عن عليٍّ: أنّه كان هو وعبد الرّحمن ورجلٌ آخر شربوا الخمر، فصلّى بهم عبد الرّحمن، فقرأ: {قل يا أيّها الكافرون} فخلط فيها، فنزلت: {لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن عطاء بن السّائب، عن عبد اللّه بن حبيبٍ: أنّ عبد الرّحمن بن عوفٍ، صنع طعامًا وشرابًا، فدعا نفرًا من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأكلوا وشربوا حتّى ثملوا، فقدّموا عليًّا يصلّي بهم المغرب، فقرأ: قل يا أيّها الكافرون، أعبد ما تعبدون، وأنتم عابدون ما أعبد، وأنا عابدٌ ما عبدتم، لكم دينكم ولي دين. فأنزل اللّه تبارك وتعالى هذه الآية: {لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون}.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} قبل أن تحرّم الخمر، فقال اللّه: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} الآية.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن أبي رزينٍ، في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} قال: نزل هذا وهم يشربون الخمر، فقال: وكان هذا قبل أن ينزل تحريم الخمر.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن أبي رزينٍ، قال: كانوا يشربون الخمر بعد ما أنزلت الّتي في البقرة، وبعد الّتي في النّساء، فلمّا أنزلت الّتي في المائدة تركوها.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون} قال: نهوا أن يصلّوا وهم سكارى، ثمّ نسخها تحريم الخمر.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} قال: كانوا يجتنبون السّكر عند حضور الصّلوات، ثمّ نسخ تحريم الخمر.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن أبي وائلٍ، وأبي رزينٍ وإبراهيم في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} و{يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما} وقوله: {تتّخذون منه سكرًا ورزقًا حسنًا} قالوا: كان هذا قبل أن ينزل تحريم الخمر.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ عن عطاء عن أبى عبد الرحمن بن عوف فطعموا فأتهم بخمر فشربوا منها وذلك قبل أن تحرم الخمر فحضرت الصلاة فقدموا عليا فقرأ بهم قل يأيها الكافرون فلم يقرأها كما ينبغي فأنزل الله {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} قل يأيها الكافرون.
وقال آخرون: معنى ذلك: لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى من النّوم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سلمة بن نبيطٍ، عن الضّحّاك: {لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} قال: سكر النّوم.
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ الغفاريّ قال: حدّثنا أبو نعيمٍ قال: حدّثنا سلمة، عن الضّحّاك: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} قال: لم يعن بها سكر الخمر، وإنّما عنى بها سكر النّوم.
قال أبو جعفرٍ: وأولى القولين في ذلك بتأويل الآية، تأويل من قال ذلك نهي من اللّه المؤمنين عن أن يقربوا الصّلاة وهم سكارى من الشّراب قبل تحريم الخمر، للأخبار المتظاهرة عن أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأنّ ذلك كذلك نهي من اللّه، وأنّ هذه الآية نزلت فيمن ذكرت أنّها نزلت فيه.
فإن قال لنا قائلٌ: وكيف يكون ذلك معناه، والسّكران في حال زوال عقله نظير المجنون في حال زوال عقله، وأنت ممّن تحيل تكليف المجانين لفقدهم الفهم بما يؤمر وينهى؟ قيل له: إنّ السّكران لو كان في معنى المجنون لكان غير جائزٍ أمره ونهيه، ولكنّ السّكران هو الّذي يفهم ما يأتي ويذر، غير أنّ الشّراب قد أثقل لسانه وأحرّ جسمه وأخدره، حتّى عجز عن إقامة قراءته في صلاته وحدودها الواجبة عليه فيها من غير زوال عقله، فهو بما أمر به ونهي عنه عارفٌ فهمٌ، وعن أداء بعضه عاجزٌ بخدر جسمه من الشّراب. وأمّا من صار إلى حدٍّ لا يعقل ما يأتي ويذر، فذلك منتقلٌ من السّكر إلى الخبل، ومعدودٌ في المجانين المجانين, وليس ذلك الّذي خوطب بقوله: {لا تقربوا الصّلاة} لأنّ ذلك مجنونٌ، وإنّما خوطب به السّكران، والسّكران ما وصفنا صفته). [جامع البيان: 7/45-49]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ حتّى تغتسلوا}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون، ولا تقربوها جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ، يعني: إلاّ أن تكونوا مجتازي طريقٍ: أي مسافرين حتّى تغتسلوا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، ومحمّد بن المثنّى، قالا: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن قتادة، عن أبي مجلزٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ولا جنبًا} إلاّ عابري سبيلٍ قال: المسافر. وقال ابن المثنّى: في السّفر.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ} يقول: لا تقربوا الصّلاة وأنتم جنبٌ، إذا وجدتم الماء، فإن لم تجدوا الماء، فقد أحللت لكم أن تمسّحوا بالأرض.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن عبّاد بن عبد اللّه أو عن زرٍّ، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ} قال: إلا أن تكونوا مسافرين فلا تجدوا الماء فتيمّموا.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن سالمٍ الأفطس، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {ولا جنبًا} إلاّ عابري سبيلٍ قال: المسافر.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن قال: حدّثنا هشامٌ، عن قتادة، عن أبي مجلزٍ، عن ابن عبّاسٍ، بمثله.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال حدّثنا عبد الرحمن قال حدّثنا هشام عن قتادة عن أبى مجلز عن ابن عباس مثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرٍو، عن عبّاد بن عبد اللّه، عن عليٍّ رضي اللّه عنه قال: نزلت في السّفر: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ} وعابر السّبيل: المسافر إذا لم يجد ماءً تيمّم.
- حدّثنا ابن حميد, قال: حدّثنا هارون، عن ابن مجاهدٍ، عن أبيه: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ} قال: المسافر إذا لم يجد الماء فإنّه يتيمّم ويدخل ويصلّي.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، في قوله: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ} قالا: هو الرّجل يكون في السّفر فتصيبه الجنابة فيتيمّم ويصلّي.
حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ} قال: مسافرين لا يجدون ماءً فيتيمّمون صعيدًا
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ قال: مسافرين لا يجدون ماءً فيتيمّمون صعيدًا طيّبًا، حتّى يجدوا الماء فيغتسلوا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ} قال: مسافرين لا يجدون ماءً.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن مسعرٍ، عن بكير بن الأخنس، عن الحسن بن مسلمٍ، في قوله: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ} قال: إلاّ أن يكونوا مسافرين، فلم يجدوا الماء فيتيمّموا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرٍو، عن منصورٍ، عن الحكم: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ} قال: المسافر تصيبه الجنابة، فلا يجد ماءً فيتيمّم.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن سالمٍ الأفطس، عن سعيد بن جبيرٍ، وعن منصورٍ، عن الحكم في قوله: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ} قالا: المسافر الجنب لا يجد الماء فيتيمّم فيصلّي.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو نعيمٍ قال: حدّثنا سفيان، عن سالمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ} إلا أن يكون مسافرًا.
- حدّثنا المثنّى قال: حدّثنا أبو نعيمٍ قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن الحكم، نحوه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ، قال: كنّا نسمع أنّه في السّفر.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ} قال: هو المسافر الّذي لا يجد الماء فلا بدّ له من أن يتيمّم ويصلّي، فهو يتيمّم ويصلّي. قال: كان أبي يقول.ذلك
وقال آخرون: معنى ذلك: لا تقربوا المصلّى للصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون ولا تقربوه جنبًا حتّى تغتسلوا إلاّ عابري سبيلٍ، يعني: إلاّ مجتازين فيه للخروج منه.
فقال أهل هذه المقالة: أقيمت الصّلاة مقام المصلّى والمسجد، إذ كانت صلاة المسلمين المكتوبة في مساجدهم أيّامئذٍ لا يتخلّفون عن التّجميع فيها، فكان في النّهي عن أن يقربوا الصّلاة كفايةٌ عن ذكر المساجد والمصلّى الّذي يصلّون فيه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن عبد الكريم الجزريّ، عن أبي عبيدة بن عبد اللّه، عن أبيه، في قوله: {ولا جنبًا} إلاّ عابري سبيلٍ قال: هو الممرّ في المسجد.
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن زيد بن أسلم، عن ابن يسارٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ} قال: لا تقرب المسجد إلاّ أن يكون طريقك فيه، فتمرّ مرّا ولا تجلس.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا معاذ بن هشامٍ، قال: حدّثنا أبي، عن قتادة، عن سعيدٍ: في الجنب يمرّ في المسجد مجتازًا وهو قائمٌ لا يجلس وليس بمتوضئٍ، وتلا هذه الآية: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا هارون، عن نهشلٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: لا بأس للحائض والجنب أن يمرّا في المسجد ما لم يجلسا فيه.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا أبو الزّبير،عن جابر قال: كان أحدنا يمرّ في المسجد وهو جنبٌ مجتازًا.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن الحسن، في قوله: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ} قال: الجنب يمرّ في المسجد ولا يقعد فيه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو أحمد، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قالا جميعًا: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم، في قوله: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ} قال: إذا لم يجد طريقًا إلا المسجد يمرّ فيه.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو غسّان مالك بن إسماعيل قال: حدّثنا إسرائيل، عن منصورٍ، عن إبراهيم في هذه الآية: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ حتّى تغتسلوا} قال: لا بأس أن يمرّ الجنب في المسجد إذا لم يكن له طريقٌ غيره.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيم، مثله.
- حدّثني المثنّى قال حدثنا الحمانى, قال: حدّثنا شريكٌ، عن سالمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: الجنب يمرّ في المسجد ولا يجلس فيه، ثمّ قرأ: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن عبد الكريم، عن أبي عبيدة، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن سماكٍ، عن عكرمة، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن الحسن بن عبيد اللّه، عن أبي الضّحى، مثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا هارون، عن إسماعيل، عن الحسن، قال: لا بأس للحائض والجنب أن يمرّا في المسجد ولا يقعدا فيه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا هارون، عن عمرٍو، عن سعيدٍ، عن الزّهريّ، قال: رخّص للجنب أن يمرّ، في المسجد.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني اللّيث قال: حدّثني يزيد بن أبي حبيبٍ عن قول اللّه: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ} أنّ رجالاً من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد فكانت تصيبهم جنابةٌ ولا ماء عندهم، فيريدون الماء ولا يجدون ممرًّا إلاّ في المسجد، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ}.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ قال: أخبرنا ابن المبارك، عن شعبة، عن حمّادٍ، عن إبراهيم: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ} قال: لا يجتاز في المسجد إلاّ أن لا يجد طريقًا غيره.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا هارون، عن ابن مجاهدٍ، عن أبيه: لا يمرّ الجنب في المسجد يتّخذه طريقًا
وأولى القولين بالتّأويل لذلك تأويل من تأوّله: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ} إلا مجتازي طريقٍ فيه. وذلك أنّه قد بيّن حكم المسافر إذا عدم الماء وهو جنبٌ في قوله: {وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النّساء فلم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيدًا طيّبًا} فكان معلومًا بذلك أنّ قوله: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ حتّى تغتسلوا} لو كان معنيًّا به المسافر لم يكن لإعادة ذكره في قوله: {وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ} معنًى مفهومٌ، وقد مضى ذكر حكمه قبل ذلك.
وإذ كان ذلك كذلك، فتأويل الآية: يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا المساجد للصّلاة مصلّين فيها وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون، ولا تقربوها أيضًا جنبًا حتّى تغتسلوا إلاّ عابري سبيلٍ
والعابر السّبيل: المجتازه مرًّا وقطعًا، يقال منه: عبرت هذا الطّريق فأنا أعبره عبرًا وعبورًا، ومنه قيل: عبر فلانٌ النّهر: إذا قطعه وجازه، ومنه قيل للنّاقة القويّة على الأسفار لقوّتها: وهي عبر أسفارٍ؛ وهي عبر أسفارٍ لقوّتها على الأسفار). [جامع البيان: 7/50-58]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {وإن كنتم مرضى} من جرحٍ أو جدريٍّ وأنتم جنبٌ. كما:.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا أبو المنبّه الفضل بن سليمٍ، عن الضّحّاك، عن ابن مسعودٍ، قوله: {وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ} قال: المريض الّذي قد أرخص له في التّيمّم هو الكسير والجريح، فإذا أصابت الجنابة الكسير اغتسل ولم يحل جبائر, والجريح ولا يحلّ جراحته إلاّ جراحةً لا يخشى عليها.
- حدّثنا تميم بن المنتصر، قال: حدّثنا إسحاق بن يوسف الأزرق، عن شريكٍ، عن إسماعيل السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، قال في هذه الآية: {وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ} قال: هي للمريض الّذي به الجراحة الّتي يخاف منها أن يغتسل, فرخّص له في التّيمّم.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإن كنتم مرضى} والمرض: هو الجراح والجراحة الّتي يتخوّف عليها من الماء إن أصابه ضرّ صاحبه، فذلك يتيمّم صعيدًا طيبا.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: وإن كنتم مرضى والمرض: هو الجراح والجراحة الّتي يتخوّف عليها من الماء إن أصابه ضرّ صاحبه، فذلك يتيمّم صعيدًا طيّبًا.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن عزرة عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {وإن كنتم مرضى} قال: إذا كان به جروحٌ أو قروحٌ يتيمّم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرٍو، عن منصورٍ، عن إبراهيم: {وإن كنتم مرضى} قال: من القروح تكون في الذّراعين.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال حدّثنا هارون، عن عمرٍو، عن منصورٍ، عن إبراهيم: {وإن كنتم مرضى} قال: القروح في الذّراعين.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا هارون، عن عمرٍو، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قال: صاحب الجراحة الّتي يتخوّف عليه منها يتيمّم. ثمّ قرأ: {وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وإن كنتم مرضى} والمرض: أن يصيب الرّجل الجرح أو القرح أو الجدريّ، فيخاف على نفسه من برد الماء وأذاه، يتيمّم بالصّعيد كما يتيمّم المسافر الّذي لا يجد الماء.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا معاذ بن هشامٍ، قال: حدّثني أبي عن قتادة، عن عاصمٍ، يعني الأحول، عن الشّعبيّ، أنّه سئل عن المجدور، تصيبه الجنابة؟ قال: ذهب فرسان هذه الآية.
- حدثني ابن المثنى قال حدثني عمرو بن أبى سلمة عن سعيد بن عبد العزير أن عطاء الخراساني قال في الرجل تكون به الجائفة والمأمومة والجدري أنهم يتيممون ثم تلا هذه الآية {وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط}.
وقال آخرون في ذلك ما:
- حدّثني به، يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ} {فلم تجدوا ماءً فتيمّموا} قال: المريض الّذي لا يجد أحدًا يأتيه بالماء ولا يقدر عليه، وليس له خادمٌ، ولا عونٌ، فإذا لم يستطع أن يتناول الماء وليس عنده من يأتيه به ولا يحبو إليه، تيمّم وصلّى إذا حانته الصّلاة. قال: هذا كلّه قول أبي: إذا كان لا يستطيع أن يتناول الماء وليس عنده من يأتيه به لا يترك الصّلاة، وهو أعذر من المسافر.
فتأويل الآية إذا: وإن كنتم جرحى أو بكم قروحٌ أو كسرٌ أو علّةٌ لا تقدرون معها على الاغتسال من الجنابة، وأنتم مقيمون غير مسافرين، فتيمّموا صعيدًا طيّبًا.
وأمّا قوله: {أو على سفرٍ} أو إن كنتم مسافرين وأنتم أصحّاء جنبٌ، فتيمّموا صعيدًا.
وكذلك تأويل قوله: {أو جاء أحدٌ منكم من الغائط} يقول: أو إن جاء أحدٌ منكم من الغائط قد قضى حاجته وهو مسافرٌ صحيحٌ، فليتيمّم صعيدًا طيّبًا. أيضا والغائط: ما اتّسع من الأودية وتصوّب، وجعل كنايةً عن قضاء حاجة الإنسان، لأنّ العرب كانت تختار قضاء حاجتها في الغيطان فكثر ذلك منها حتّى غلب عليهم ذلك، فقيل لكلّ من قضى حاجته الّتي كانت تقضى في الغيطان حيث قضاها من الأرض: متغوّطٌ، وجاء فلانٌ من الغائط يعني به: قضى حاجته الّتي كانت تقضى في الغيطان من الأرض.
وذكر عن مجاهدٍ أنّه قال في الغائط: الوادي.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {أو جاء أحدٌ منكم من الغائط} قال: إن الغائط: الوادي). [جامع البيان: 7/59-63]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أو لامستم النّساء}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: أو باشرتم النّساء بأيديكم.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في اللّمس الّذي عناه اللّه بقوله: {أو لامستم النّساء} فقال بعضهم: عنى بذلك: الجماع.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: ذكروا اللّمس، فقال ناسٌ من الموالي: ليس بالجماع، وقال ناسٌ من العرب: اللّمس: الجماع. قال: فأتيت ابن عبّاسٍ، فقلت: إنّ ناسًا من الموالي والعرب اختلفوا في اللّمس، فقالت الموالي: ليس بالجماع، وقالت العرب: الجماع. قال: من أيّ الفريقين كنت؟ قلت: كنت من الموالي قال: غلب فريق الموالي، إنّ المسّ واللّمس والمباشرة: الجماع، ولكنّ اللّه يكنّي ما شاء بما شاء.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشر, عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت سعيد بن جبيرٍ، يحدّث عن ابن عبّاسٍ، أنّه قال: {أو لامستم النّساء} قال: هو الجماع.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا وهب بن جريرٍ قال: حدّثنا أبي، عن قتادة، عن سعيد بن جبيرٍ قال: اختلفت أنا وعطاءٌ وعبيد بن عميرٍ في قوله: {أو لامستم النّساء} فقال عبيد بن عميرٍ: هو الجماع، وقلت أنا وعطاءٌ: هو اللّمس. قال: فدخلنا على ابن عبّاسٍ، فسألناه، فقال: غلب فريق الموالي وأصابت العرب، هو الجماع، ولكنّ اللّه يعفّ ويكنّي.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا عبد الأعلى قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن عكرمة وسعيد بن جبيرٍ وعطاء بن أبي رباحٍ وعبيد بن عميرٍ: اختلفوا في الملامسة، فقال سعيد بن جبيرٍ وعطاءٌ: الملامسة ما دون الجماع. وقال عبيدٌ: هو النّكاح. فخرج عليهم ابن عبّاسٍ، فسألوه، فقال: أخطأ الموليان وأصاب العربيّ: الملامسة: النّكاح، ولكنّ اللّه يكني ويعفّ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا محمّد بن بشرٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة قال: اجتمع سعيد بن جبيرٍ وعطاءٌ وعبيد بن عميرٍ، فذكر نحوه.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا محمّد بن عثمة قال: حدّثنا سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة قال: قال: سعيد بن جبيرٍ وعطاءٌ في اللماس: الغمز باليد، وقال عبيد بن عميرٍ: الجماع. فخرج عليهم ابن عبّاسٍ فقال: أخطأ الموليان وأصاب العربيّ، ولكنّه يعفّ ويكنّي.
- حدّثنا أبو كريبٍ ويعقوب بن إبراهيم قال حدثتا إسماعيل ابن إبراهيم عن عكرمة: قال ابن عبّاسٍ: اللّمس: الجماع
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا ابن عليّة وعبد الوهّاب، عن خالدٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ مثله.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا هشيمٌ قال: حدّثنا أبو بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: اللّمس والمسّ والمباشرة: الجماع، ولكنّ اللّه يكني بما شاء.
- حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ قال: حدّثنا إسحاق الأزرق، عن سفيان، عن عاصمٍ الأحول عن بكر بن عبد اللّه، عن ابن عبّاسٍ قال: الملامسة: الجماع، ولكنّ اللّه كريمٌ يكني عمّا شاء حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم قال: حدّثنا أيّوب بن سويدٍ، عن سفيان، عن عاصمٍ، عن بكر بن عبد اللّه، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن داود، عن جعفر بن أبي وحشيّة، عن سعيد بن جبيرٍ قال: اختلفت العرب والموالي في الملامسة على باب ابن عبّاسٍ قالت العرب: الجماع، وقالت الموالي: باليد. قال: فخرج ابن عبّاسٍ، فقال: غلب فريق الموالي، الملامسة: الجماع.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا عبد الوهّاب قال: حدّثنا داود، عن رجلٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قال: كنّا على باب ابن عبّاسٍ، فذكر نحوه.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا داود، عن سعيد بن جبيرٍ قال: قعد قومٌ على باب ابن عبّاسٍ، فذكر نحوه.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {أو لامستم النّساء} الملامسة: هو النّكاح.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن الأعمش، عن عبد الملك بن ميسرة، عن سعيد بن جبيرٍ قال: اجتمعت الموالي والعرب في المسجد وابن عبّاسٍ في الصّفّة، فاجتمعت الموالي على أنّه اللّمس دون الجماع، واجتمعت العرب على أنّه الجماع، فقال ابن عبّاسٍ: من أيّ الفريقين أنت؟ قلت: من الموالي. قال: غلبت. الموالى
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: اللّمس: الجماع
وبه سفيان، عن عاصمٍ، عن بكرٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا حفصٌ، عن الأعمش، عن حبيبٍ، عن سعيدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: هو الجماع.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا مالكٌ، عن زهيرٍ، عن خصيفٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا حفصٌ، عن داود، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {أو لامستم النّساء} قال: الجماع.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن أشعث، عن الشّعبيّ، عن عليٍّ رضي اللّه عنه قال: الجماع.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، عن يونس، عن الحسن، قال: الجماع.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا مالكٌ، عن خصيفٍ، قال: سألت مجاهدًا، فقال ذلك.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، والحسن، قالا: غشيان النّساء.
وقال آخرون: عنى اللّه بذلك كلّ لمسٍ بيدٍ كان أو بغيرها من أعضاء جسد الإنسان. وأوجبوا الوضوء على من مسّ بشيءٍ من جسده شيئًا من جسدها مفضيًا إليه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن مخارقٍ، عن طارق بن شهابٍ، عن عبد اللّه، أنّه قال شيئًا هذا معناه: الملامسة: ما دون الجماع.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن منصورٍ، عن هلالٍ، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه أوعن أبي عبيدة، منصورٌ الّذي شكّ قال: القبلة من اللمسّ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن قال: حدّثنا سفيان، عن مخارقٍ، عن طارقٍ، عن عبد اللّه قال: اللّمس: ما دون الجماع.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا ابن عليّة، عن شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم قال: قال ابن مسعودٍ: اللّمس: ما دون الجماع.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه قال: القبلة من اللّمس.
- حدّثنا أبو السّائب قال: حدّثنا أبو معاوية وحدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: القبلة من اللّمس، وفيها الوضوء.
- حدّثنا تميم بن المنتصر قال: أخبرنا إسحاق، عن شريكٍ، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، مثله.
- حدّثنا أحمد بن عبدة الضّبّيّ، قال: أخبرنا سليم بن أخضر، قال: أخبرنا ابن عونٍ عن محمّدٍ، قال: سألت عبيدة عن قوله: {أو لامستم النّساء} قال: فأشار بيده هكذا، وحكاه سليمٌ، وأراناه أبو عبد اللّه، فضمّ أصابعه.
- حدّثني يعقوب وابن وكيعٍ قالا: حدّثنا ابن عليّة، عن سلمة بن علقمة، عن محمّدٍ قال: سألت عبيدة، عن قوله: {أو لامستم النّساء} قال بيده، فظننت ما عنى فلم أسأله.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن عونٍ، قال: ذكروا عند محمّدٍ مسّ الفرج، وأظنّهم ذكروا ما قال ابن عمر في ذلك، فقال محمّدٌ: قلت لعبيدة، قوله: {أو لامستم النّساء} فقال بيده. قال ابن عونٍ: بيده كأنّه يتناول شيئًا يقبض عليه.
- حدّثني يعقوب قال: حدّثنا ابن عليّة قال: أخبرنا خالدٌ، عن محمّدٍ قال: قال عبيدة: اللّمس باليد.
- حدثني يعقوب قال: حدّثنا ابن عليّة، عن هشامٍ، عن محمّدٍ قال: سألت عبيدة، عن هذه الآية: {أو لامستم النّساء} فقال بيده، وضمّ أصابعه، حتّى عرفت الّذي أراد.
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني عبيد اللّه بن عمر، عن نافعٍ: أنّ ابن عمر، كان يتوضّأ من قبلة المرأة، ويرى فيها الوضوء، ويقول: هي من اللّماس.
- حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ، قال: أخبرنا محمّد بن يزيد، عن إسماعيل، عن عامرٍ قال: الملامسة: ما دون الجماع.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا محلّ بن محرزٍ، عن إبراهيم، قال: اللّمس من شهوةٍ ينقض الوضوء.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم، وحمّادٍ، أنّهما قالا: اللّمس ما دون الجماع.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن عطاءٍ، قال: الملامسة: ما دون الجماع.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حفصٌ، عن أشعث، عن الشّعبيّ، عن أصحاب عبد اللّه، عن عبد اللّه، قال: ما دون الجماع.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا جريرٌ، عن بيانٍ، عن عامرٍ، عن عبد اللّه قال: الملامسة: ما دون الجماع
- حدثنا ابن وكيع قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد اللّه، مثله
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثني أبي عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد اللّه مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا محمّد بن بشرٍ، عن سعيدٍ، عن أبي معشرٍ، عن إبراهيم قال: قال عبد اللّه: الملامسة: ما دون الجماع، ثمّ قرأ: {أو لامستم النّساء فلم تجدوا ماءً}.
- حدثنا ابن وكيع قال حدثنا ابن بشر عن زكريا قال عامر الملامسة مادون الجماع.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا جريرٌ، عن هشامٍ، عن ابن سيرين قال: سألت عبيدة عن: {أو لامستم النّساء} فقال بيده هكذا، فعرفت ما يعني.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، وحسن بن صالحٍ، عن منصورٍ، عن هلال بن يسافٍ، عن أبي عبيدة، قال: القبلة من اللّمس.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا مالك بن إسماعيل، عن زهيرٍ، عن خصيفٍ، عن أبي عبيدة: القبلة والشيء.
قال أبو جعفرٍ: وأولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال: عنى اللّه بقوله: {أو لامستم النّساء}: الجماع دون غيره من معاني اللّمس، لصحّة الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قبّل بعض نسائه ثمّ صلّى ولم يتوضّأ.
- حدّثني بذلك إسماعيل بن موسى السّدّيّ قال: أخبرنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن عروة، عن عائشة، قالت: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يتوضّأ ثمّ يقبّل، ثمّ يصلّي ولا يتوضّأ.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا وكيعٌ، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن عروة، عن عائشة: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قبّل بعض نسائه ثمّ خرج إلى الصّلاة ولم يتوضّأ، قلت: من هي إلاّ أنت؟ فضحكت.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا حفص بن غياثٍ، عن حجّاجٍ، عن عمرو بن شعيبٍ، عن زينب السّهميّة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أنّه كان يقبّل، ثمّ يصلّي ولا يتوضّأ.
- حدّثنا أبو زيدٍ عمر بن شبّة قال: حدّثنا شهاب بن عبّادٍ قال: حدّثنا مندلٌ، عن ليثٍ، عن عطاءٍ، عن عائشة. وعن أبي روقٍ، عن إبراهيم التّيميّ، عن عائشة قالت: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ينال منّي القبلة بعد الوضوء، ثمّ لا يعيد الوضوء.
- حدّثنا سعيد بن يحيى الأمويّ، قال: حدّثنا أبي قال: حدّثني يزيد بن سنانٍ، عن عبد الرّحمن الأوزاعيّ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن أبي سلمة، عن أمّ سلمة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقبّلها وهو صائمٌ، ثمّ لا يفطر، ولا يحدّث وضوءًا
ففي صحّة الخبر فيما ذكرنا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الدّلالة الواضحة على أنّ اللّمس في هذا الموضع لمس الجماع لا جميع معاني اللّمس، كما قال الشّاعر:
وهنّ يمشين بنا هميسا = إن تصدق الطّير ننك لميسا
يعني بذلك: ننك لماسًا.
ذكر أنّ هذه الآية نزلت في قومٍ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أصابتهم جنابةٌ وهم جراحٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن محمّد بن جابرٍ، عن حمّادٍ، عن إبراهيم، في المريض لا يستطيع الغسل من الجنابة أو الحائض قال: يجزيهم التّيمّم اصاب اصحاب، ونال أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جراحةٌ، ففشت فيهم، ثمّ ابتلوا بالجنابة، فشكوا ذلك إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فنزلت: {وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط} الآية كلّها.
وقال آخرون: نزلت في قومٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أعوزهم الماء فلم يجدوه في سفرٍ لهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت عبيد اللّه بن عمر، عن عبد الرّحمن بن القاسم، عن عائشة، أنّها قالت: كنت في مسيرٍ مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، حتّى إذا كنّا بذات الجيش، ضلّ عقدي، فأخبرت بذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأمر بالتماسه، فالتمس فلم يوجد. فأناخ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأناخ النّاس فباتوا ليلتهم تلك؛ فقال النّاس: حبست عائشة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قالت: فجاء إليّ أبو بكرٍ، ورأس النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في حجري وهو نائمٌ، فجعل يهمزني ويقرصني ويقول: من أجل عقدك حبست النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. قالت: فلا أتحرّك مخافة أن يستيقظ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد أوجعني فلا أدري كيف أصنع. فلمّا رآني لا أحير إليه انطلق؛ فلمّا استيقظ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأراد الصّلاة فلم يجد ماءً. قالت: فأنزل اللّه تعالى آية التّيمّم. قالت: فقال ابن حضيرٍ: ما هذا بأوّل بركتكم يا آل أبي بكرٍ.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أيّوب، عن ابن أبي مليكة: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان في سفرٍ، ففقدت عائشة قلادةً لها، فأمر النّاس بالنّزول، فنزلوا وليس معهم ماءٌ، فأتى أبو بكرٍ على عائشة، فقال لها: شققت على النّاس. وقال أيّوب بيده، يصف أنّه قرصها قال: ونزلت آية التّيمّم، ووجدت القلادة في مناخ البعير، فقال النّاس: ما رأينا امرأةً أعظم بركةً منها.
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه الهلاليّ، قال: حدّثني عمران بن محمّدٍ الحدّاد قال: حدّثني الرّبيع بن بدرٍ قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن رجلٍ، منّا من بلعرج يقال له: الأسلع قال: كنت أخدم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأرحّل له، فقال لي ذات ليلةٍ: يا أسلع قم فأرحل لي قلت: يا رسول اللّه أصابتني جنابةٌ. فسكت ساعةً، ثمّ دعاني وأتاه جبريل عليه السّلام بآية الصّعيد، ووصف لنا ضربتين.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثنا عمرو بن خالدٍ، قال: حدّثني الرّبيع بن بدرٍ قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن رجلٍ، منّا يقال له الأسلع قال: كنت أخدم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكر مثله، إلاّ أنّه قال: فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شيئًا، أو قال: ساعةً، الشّكّ من عمرٍو، قال: وأتاه جبريل عليه السّلام بآية الصّعيد، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قم يا أسلع فتيمّم قال: فتيمّمت ثمّ رحّلت له. قال: فسرنا حتّى مررنا بماءٍ فقال: يا أسلع مسّ، أو أمسّ، بهذا جلدك قال: وأراني التّيمّم كما أراه أبوه: ضربةً للوجه وضربةً لليدين والمرفقين.
حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثنا عمرو بن خالدٍ، قال: حدّثني الرّبيع بن بدرٍ قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن رجلٍ، منّا يقال له الأسلع قال: كنت أخدم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكر مثله، إلاّ أنّه قال: فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شيئًا، أو قال: ساعةً، الشّكّ من عمرٍو، قال: وأتاه جبريل عليه السّلام بآية الصّعيد، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قم يا أسلع فتيمّم قال: فتيمّمت ثمّ رحّلت له. قال: فسرنا حتّى مررنا بماءٍ فقال: يا أسلع مسّ، أو أمسّ، بهذا جلدك قال: وأراني التّيمّم كما أراه أبوه: ضربةً للوجه وضربةً لليدين إلى المرفقين.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا حفص بن بغيلٍ، قال: حدّثنا زهير بن معاوية، قال: حدّثنا عبد اللّه بن عثمان بن خثيمٍ، قال: حدّثني عبد اللّه بن عبيد اللّه بن أبي مليكة أنّه حدّثه ذكوان أبو عمرٍو، حاجب عائشة: أنّ ابن عبّاسٍ، دخل عليها في مرضها، فقال: أبشري كنت أحبّ نساء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحبّ إلاّ طيّبًا، وسقطت قلادتك ليلة الأبواء، فأصبح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يلتقطها، حتّى أصبح في المنزل، فأصبح النّاس ليس معهم ماءٌ، فأنزل اللّه: {تيمّموا صعيدًا طيّبًا} فكان ذلك من سببك، وما أذن اللّه لهذه الأمّة من الرّخصة.
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن هشامٍ، عن أبيه، عن عائشة: أنّها استعارت من أسماء قلادةً، فهلكت، فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجالاً في طلبها فوجدوها، وأدركتهم الصّلاة، وليس معهم ماءٌ، فصلّوا بغير وضوءٍ، فشكوا ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه آية التّيمّم؛ فقال أسيد بن حضيرٍ لعائشة: جزاك اللّه خيرًا، فواللّه ما نزل بك أمرٌ تكرهينه إلاّ جعل اللّه لك وللمسلمين فيه خيرًا.
- حدّثنا أحمد بن عبد الرّحمن بن وهبٍ قال: حدّثني عبد اللّه بن وهبٍ قال: أخبرني عمرو بن الحارث أنّ عبد الرّحمن بن القاسم حدّثه عن أبيه، عن عائشة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، أنّها قالت: سقطت قلادةٌ لي بالبيداء ونحن داخلون إلى المدينة، فأناخ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ونزل، فبينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في حجري راقدٌ، أقبل أبي فلكزني لكزةً، ثمّ قال: حبست النّاس. ثمّ إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم استيقظ، وحضرت الصّبح، فالتمس الماء فلم يوجد، ونزلت: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا قمتم إلى الصّلاة} الآية. قال أسيد بن حضيرٍ: لقد بارك اللّه للنّاس فيكم يا آل أبي بكرٍ، ما أنتم إلا بركةً.
- حدّثني الحسن بن شبيبٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، قال: حدّثنا عبد اللّه بن عثمان بن خثيمٍ عن عبد اللّه بن أبي مليكة، قال: دخل ابن عبّاسٍ على عائشة، فقال: كنت أعظم المسلمين بركةً على المسلمين؛ سقطت قلادتك بالأبواء فأنزل اللّه فيك آية التّيمّم.
- حدّثني سعيد بن الرّبيع الرّازيّ، قال: حدّثنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: " سقطت قلادةٌ لها ليلة الأبواء، فأرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجلين، فأدركتهما الصّلاة، ولم يكن معهما ماءٌ، فلم يدريا كيف يصنعان، فأنزل اللّه التّيمّم، فقال لها أسيد بن حضيرٍ: جزاك اللّه خيرًا، فما نزل بك أمرٌ تكرهينه إلا جعل اللّه لك منه مخرجًا، وجعل للمسلمين فيه خيرًا
- حدثنا ابن بشار قال ابن أبى عدى قال حدثنا أبو عامر عن ابن أبى ملكية عن عائشة قالت كنا في مسير ففقدت قلادتى فالتمستها فجاء أبو بكر فقال حبست الناس وقد حضرت الصلاة وليس ماء فقلت أبى فقدت قلادتى فقال قحبها الله من قلادة فأنخ وأنخ الناس ونزلت اية التيمم متيمم الناس وصلوا الغدة قال ابن ملكية إنها كانت مباركة.
واختلف القرّاء في قراءة قوله: {أو لامستم النّساء}. فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة وبعض البصريّين والكوفيّين: {أو لامستم} بمعنى: أو لمستم نساءكم ولمستكم.
وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيّين: أو لمستم النّساء بمعنى: أو لمستم أنتم أيّها الرّجال نساءكم.
وهما قراءتان متقاربتا المعنى، لأنّه لا يكون الرّجل لامسًا امرأته إلاّ وهي لامسته، فاللمس في ذلك يدلّ على معنى اللّماس، واللّماس على معنى اللّمس من كلّ واحدٍ منهما صاحبه فبأيّ القراءتين قرأ ذلك القارئ فمصيبٌ لاتّفاق معنييهما). [جامع البيان: 7/63-80]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيدًا طيّبًا}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {فلم تجدوا ماءً} أو لمستم النّساء، فطلبتم الماء لتتطهّروا به، فلم تجدوه بثمنٍ ولا غير ثمنٍ {فتيمّموا} يقول: فتعمّدوا، وهو تفعّلوا من قول القائل: تيمّمت كذا: إذا قصدته وتعمّدته فأنا أتيمّمه، وقد يقال منه: يمّمه فلانٌ فهو ييمّمه، وأيممته أنا وأممته خفيفةً وتيمّمت وتأمّمت، ولم يسمع فيها يممت خفيفةً. ومنه قول أعشى بني ثعلبة:.
تيمّمت قيسًا وكم دونه = من الأرض من مهمةٍ ذي شزن
يعني بقوله: تيمّمت: تعمّدت وقصدت.
وقد ذكر أنّها في قراءة عبد اللّه: فأمّوا صعيدًا.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدّثني عبد اللّه بن محمّدٍ، قال: حدّثنا عبدان، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: سمعت سفيان، يقول في قوله: {فتيمّموا صعيدًا} طيّبًا قال: تحرّوا وتعمّدوا صعيدًا طيّبًا صعيدًا
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عبد اللّه بن محمّدٍ، قال: حدّثنا عبدان، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: سمعت سفيان، يقول في قوله: فتيمّموا صعيدًا طيّبًا قال: تحرّوا وتعمّدوا صعيدًا طيّبًا
وأمّا الصّعيد، فإنّ أهل التّأويل اختلفوا فيه، فقال بعضهم: هو الأرض الملساء الّتي لا نبات فيها ولا غراس.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {صعيدًا طيّبًا} قال الصعيد الأرض: الّتي ليس فيها شجرٌ ولا نباتٌ.
وقال آخرون: بل هو الأرض المستوية.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: الصّعيد: المستوي
وقال آخرون: بل الصّعيد: التّراب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا الحكم بن بشيرٍ، قال: حدّثنا عمرو بن قيسٍ الملائيّ، قال: الصّعيد: التّراب.
وقال آخرون: الصّعيد: وجه الأرض.
وقال آخرون: بل هو وجه الأرض ذات التّراب والغبار.
وأولى ذلك بالصّواب قول من قال: هو وجه الأرض الخالية من النّبات والغروس والبناء المستوية، ومنه قول ذي الرّمّة:
كأنّه بالضّحى يرمي الصّعيد به = دبّابةٌ في عظام الرّأس خرطوم
يعني: يضرب به وجه الأرض.
وأمّا قوله: طيّبًا، فإنّه يعني به: طاهرًا من الأقذار والنّجاسات.
واختلف أهل التّأويل في معنى قوله: {طيّبًا} فقال بعضهم: حلالاً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عبد اللّه بن محمّدٍ، قال: حدّثنا عبدان، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: سمعت سفيان، يقول في قوله: {صعيدًا طيّبًا} قال: قال: حلالا.
وقال بعضهم بما:
- حدّثني عبد اللّه، قال: حدّثنا عبدان، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريجٍ، قراءةً قال: قلت لعطاءٍ: {فتيمّموا صعيدًا طيّبًا} قال: الطّيّب: ما حولك. قلت: مكانٌ جردٌ غير بطحٍ، أيجزئ عنّي؟ قال: نعم.
ومعنى الكلام: فإن لم تجدوا ماءً أيّها النّاس، وكنتم مرضى، أو على سفرٍ، أو جاء أحدٌ منكم من الغائط، أو لمستم النّساء، فأردتم أن تصلّوا فتيمّموا، يقول: فتعمّدوا وجه الأرض الطّاهرة، فامسحوا بوجوهكم وأيديكم). [جامع البيان: 7/80-83]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: فامسحوا منه بوجوهكم وأيديكم، ولكنّه ترك ذكر منه اكتفاءً بدلالة الكلام عليه.
والمسح منه بالوجه أن يضرب المتيمّم بيديه على وجه الأرض الطّاهر، أو ما قام مقامه فيمسح بما علق من الغبار وجهه، فإن كان الّذي علق به الغبار كثيرًا، فنفخ عن يديه أو نفضه فهو جائزٌ. وإن لم يعلق بيديه من الغبار شيءٌ، وقد ضرب بيديه أو إحداهما الصّعيد، ثمّ مسح بهما أو بها وجهه أجزأه ذلك، لإجماع جميع الحجّة على أنّ المتيمّم لو ضرب بيديه الصّعيد وهو أرض رملٍ فلم يعلق بيديه منها شيءٌ فتيمّم به أنّ ذلك مجزئه، لم يخالف ذلك من يجوّز أن يعتدّ بخلافا.
فلمّا كان ذلك إجماعًا منهم كان معلومًا أنّ الّذي يراد به من ضرب الصّعيد باليدين مباشرة الصّعيد بهما بالمعنى الّذي أمر اللّه بمباشرته بهما، لا لأخذ ترابٍ منه.
وأمّا المسح باليدين، فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في الحدّ الّذي أمر اللّه بمسحه من اليدين.
فقال بعضهم: حدّ ذلك الكفّان إلى الزّندين، وليس على المتيمّم مسح ما وراء ذلك من السّاعدين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني أبو السّائب، سلم بن جنادة قال: حدّثنا ابن إدريس، عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ، قال: تيمّم عمّارٌ فضرب بيديه إلى التّراب ضربةً واحدةً، ثمّ مسح يديه واحدةً على الأخرى، ثمّ مسح وجهه، ثمّ ضرب بيديه أخرى، فجعل يلوي يده على الأخرى ولم يمسح الذّراع.
- حدّثنا أبو السّائب، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن ابن أبي خالدٍ، قال: رأيت الشّعبيّ وصف لنا التّيمّم: فضرب بيديه إلى الأرض ضربةً، ثمّ نفضهما ومسح وجهه، ثمّ ضرب أخرى، فجعل يلوي كفّيه إحداهما على الأخرى، ولم يذكر أنّه مسح الذّراع.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ، قال: وضع عمّار بن ياسرٍ كفّيه في التّراب، ثمّ رفعهما فنفخهما، فمسح وجهه وكفّيه، ثمّ قال: هكذا التّيمّم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا أبو تميلة، قال: حدّثنا سلاّمٌ، مولى حفصٍ قال: سمعت عكرمة، يقول: التّيمّم ضربتان: ضربةٌ للوجه، وضربةٌ للكفّين.
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، عن الأوزاعيّ، وسعيدٍ، وابن جابرٍ، أنّ مكحولاً، كان يقول: التّيمّم ضربةٌ للوجه والكفّين إلى الكوع، ويتأوّل مكحولٌ القرآن في ذلك: {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} وقوله في التّيمّم: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم} ولم يستثن فيه كما استثنى في الوضوء إلى المرافق. قال مكحولٌ: قال اللّه: {والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما} فإنّما تقطع يد السّارق من مفصل الكوع.
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدّثنا بشر بن بكرٍ التّنّيسيّ، عن ابن جابرٍ: أنّه رأى مكحولا يتيمّم يضرب بيديه على الصّعيد، ثمّ يمسح بهما وجهه وكفّيه بواحدةٍ.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن داود، عن الشّعبيّ، قال: التّيمّم: ضربةٌ للوجه والكفّين.
- وعلّة من قال هذه المقالة من الأثر ما: حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عبدة، ومحمّد بن بشرٍ، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن عبد الرّحمن بن أبزى، عن أبيه، عن عمّار بن ياسرٍ: أنّه سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن التّيمّم، فقال: مرّةً للكفّين والوجه
وفي حديث ابن بشرٍ: أنّ عمّارًا سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن التّيمّم.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عبيدة بن سعيدٍ القرشيّ، عن شعبة، عن الحكم، عن ابن أبزى، قال: جاء رجلٌ إلى عمر، فقال: إنّي أجنبت فلم أجد الماء، فقال عمر: لا تصلّ. فقال له عمّارٌ: أما تذكر أنّا في مسيرٍ على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأجنبت أنا وأنت، فأمّا أنت فلم تصلّ، وأمّا أنا فتمعّكت في التّراب وصلّيت، فأتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكرت ذلك له، فقال: إنّما كان يكفيك وضرب كفّيه الأرض ونفخ فيهما ومسح وجهه وكفّيه مرّةً واحدةً؟
وقالوا: أمر اللّه في التّيمّم بمسح الوجه واليدين، فما مسح من وجهه ويديه في التّيمّم أجزأه، إلاّ أن يمنع من ذلك ما يجب التّسليم له من أصلٍ أو قياسٍ.
وقال آخرون: حدّ المسح الّذي أمر اللّه به في التّيمّم أن يمسح جميع الوجه واليدين إلى المرفقين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عمران بن موسى القزّاز، قال: حدّثنا عبد الوارث بن سعيدٍ، قال: حدّثنا أيّوب، عن نافعٍ: أنّ ابن عمر، تيمّم بمربد النّعم، فضرب ضربةً فمسح وجهه، وضرب ضربةً فمسح يديه إلى المرفقين.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا المعتمر قال: سمعت عبيد اللّه، عن نافعٍ، عن عبد اللّه أنّه قال: التّيمّم مسحتان، يضرب الرّجل بيديه الأرض، يمسح بهما وجهه، ثمّ يضرب بهما مرّةً أخرى فيمسح يديه إلى المرفقين.
- حدّثني ابن المثنّى قال: حدّثنا يحيى بن عبيد اللّه قال: أخبرني نافعٌ، عن ابن عمر في التّيمّم قال: ضربةً للوجه، وضربةً للكفّين إلى المرفقين.
- حدّثنا أبو كريبٍ وأبو السّائب قالا: حدّثنا ابن إدريس، عن عبيد اللّه، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: كان يقول في المسح في التّيمّم إلى المرفقين.
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا بشر بن المفضّل، قال: حدّثنا ابن عونٍ، قال: سألت الحسن عن التّيمّم، فضرب بيديه على الأرض فمسح بهما وجهه، وضرب بيديه فمسح بهما ذراعيه ظاهرهما وباطنهما.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا داود، عن عامرٍ، أنّه قال في هذه الآية: {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} وقال في هذه الآية: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} قال: أمر أن يمسح في التّيمّم ما أمر أن يغسل في الوضوء وأبطل ما أمر أن يمسح في الوضوء الرّأس والرّجلان.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، وحدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثني محمّد بن أبي عديٍّ جميعًا، عن داود، عن الشّعبيّ، في التّيمّم قال: ضربةً للوجه، وضربةً لليدين إلى المرفقين.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن الشّعبيّ، قال: أمر بالتّيمّم فيما أمر بالغسل.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أيّوب، قال: سألت سالم بن عبد اللّه عن التّيمّم، فضرب بيديه على الأرض ضربةً فمسح بهما وجهه، ثمّ ضرب بيديه على الأرض ضربةً أخرى فمسح بهما يديه إلى المرفقين.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: وأخبرنا حبيب بن الشّهيد، عن الحسن، أنّه سئل عن التّيمّم، فقال: ضربةً يمسح بها وجهه، ثمّ ضربةً أخرى يمسح بها يديه إلى المرفقين.
وعلّة من قال هذه المقالة أنّ التّيمّم بدلٌ من الوضوء على المتيمّم أن يبلغ بالتّراب من وجهه ويديه ما كان عليه أن يبلغه بالماء منهما في الوضوء.
واعتلّوا من الآثر بما:
- حدّثني به، موسى بن سهلٍ الرّمليّ قال: حدّثنا نعيم بن حمّادٍ، قال: حدّثنا خارجة بن مصعبٍ، عن عبد اللّه بن عطاءٍ، عن موسى بن عقبة، عن الأعرج، عن أبي جهيمٍ، قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يبول فسلّمت عليه فلم يردّ عليّ، فلمّا فرغ قام إلى حائطٍ فضرب بيديه عليه، فمسح بهما وجهه، ثمّ ضرب بيديه إلى الحائط، فمسح بهما يديه إلى المرفقين، ثمّ ردّ عليّ السّلام.
وقال آخرون: الحدّ الّذي أمر اللّه أن يبلغ بالتّراب إليه في التّيمّم الآباط.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني أحمد بن عبد الرّحيم البرقيّ، قال: حدّثنا عمر بن أبي سلمة التّنّيسيّ، عن الأوزاعيّ، عن الزّهريّ، قال: التّيمّم إلى الآباط
وعلّة من قال ذلك أنّ اللّه أمر بمسح اليد في التّيمّم كما أمر بمسح الوجه، وقد اجمعوا أنّ عليه أن يمسح جميع الوجه، فكذلك عليه أن يمسح جميع اليد، ومن طرف الكفّ إلى الإبط يدٌ. واعتلّوا من الخبر بما:.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا صيفيّ بن ربعيٍّ، عن ابن أبي ذئبٍ، عن الزّهريّ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن أبي اليقظان، قال: كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فهلك عقدٌ لعائشة، فأقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى أضاء الصّبح، فتغيّظ أبو بكرٍ على عائشة، فنزلت عليه الرّخصة المسح بالصّعيد، فدخل أبو بكرٍ فقال لها: إنّك لمباركةٌ، نزل فيك رخصةٌ. فضربنا بأيدينا ضربةً لوجهنا، وضربةً بأيدينا إلى المناكب والأباط.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك أنّ الحدّ الّذي لا يجزئ المتيمّم أن يقصر عنه في مسحه بالتّراب من يديه، الكفّان إلى الزّندين لإجماع الجميع على أنّ التّقصير عن ذلك غير جائزٍ، ثمّ هو فيما جاوز ذلك مخيّرٌ إن شاء بلغ بمسحه المرفقين، وإن شاء الآباط.
والعلّة الّتي من أجلها جعلناه مخيّرًا فيما جاوز الكفّين أنّ اللّه لم يحدّ في مسح ذلك بالتّراب في التّيمّم حدًّا لا يجوز التّقصير عنه، فما مسح المتيمّم من يديه أجزأه، إلاّ ما أجمع عليه، أو قامت الحجّة بأنّه لا يجزئه التّقصير عنه، وقد أجمع الجميع على أنّ التّقصير عن الكفّين غير مجزئٍ، فخرج ذلك بالسّنّة، وما عدا ذلك فمختلفٌ فيه، وإذ كان مختلفًا فيه، وكان الماسح بكفّيه داخلاً في عموم الآية كان خارجًا ممّا لزمه من فرض ذلك.
واختلف أهل التّأويل في الجنب، هل هو ممّن دخل في رخصة التّيمّم إذا لم يجد الماء أم لا؟
فقال جماعةٌ أهل التّأويل من الصّحابة والتّابعين ومن بعدهم من الخالفين: حكم الجنب فيما لزمه من التّيمّم إذا لم يجد الماء حكم من جاء من الغائط، وسائر من أحدث ممّن جعل التّيمّم له طهورًا لصلاته، وقد ذكرت قول بعض من تأوّل قول اللّه: {أو لامستم النّساء} أو جامعتموهنّ، وتركنا ذكر الباقين لكثرة من قال ذلك.
واعتلّ قائلو هذه المقالة بأنّ للجنب التّيمّم إذا لم يجد الماء في سفره بإجماع الحجّة على ذلك نقلاً عن نبيّها صلّى اللّه عليه وسلّم الّذي يقطع العذر، ويزيل الشّكّ.
وقال جماعةٌ من المتقدّمين: لا يجزئ الجنب غير الاغتسال بالماء، وليس له أن يصلّي بالتّيمّم، والتّيمّم لا يطهّره. قالوا: وإنّما جعل التّيمّم رخصةً لغير الجنب، وتأوّلوا قول اللّه: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ} قالوا: وقد نهى اللّه الجنب أن يقرب مصلّى المسلمين إلاّ مجتازًا فيه حتّى يغتسل، ولم يرخّص له بالتّيمّم. قالوا: وتأويل قوله: {أو لامستم النّساء} أو لامستموهنّ باليد دون الفرج ودون الجماع. قالوا: فلم نجد اللّه رخّص للجنب في التّيمّم، بل أمره بالغسل وأن لا يقرب الصّلاة إلاّ مغتسلاً. قالوا: والتّيمّم لا يطهّره لصلاته.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، وأبو السّائب، قالا: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيقٍ، قال: كنت مع عبد اللّه بن مسعودٍ وأبي موسى الأشعريّ، فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرّحمن أرأيت رجلاً أجنب فلم يجد الماء شهرًا أيتيمّم؟ فقال عبد اللّه: لا يتيمّم وإن لم يجد الماء شهرًا. فقال أبو موسى: فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدة: {فتيمّموا صعيدًا طيّبًا} فقال عبد اللّه: إن رخّص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمّموا بالصّعيد. فقال له أبو موسى: إنّما كرهتم هذا لهذا؟ قال: نعم. قال أبو موسى: ألم تسمع قول عمّارٍ لعمر: بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في حاجةٍ، فأجنبت، فلم أجد الماء، فتمرّغت في الصّعيد كما تمرّغ الدّابّة قال: فذكرت ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: إنّما يكفيك أن تصنع هكذا وضرب بكفّيه ضربةً واحدةً ومسح بهما وجهه، ومسح كفّيه؟ قال عبد اللّه: ألم تر عمر لم يقنع لقول عمّارٍ؟.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال حدّثنا سفيان، عن سلمة، عن أبي مالكٍ وعن عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن أبزى، قال: كنّا عند عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه، فأتاه رجلٌ، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّا نمكث الشّهر والشّهرين لا نجد الماء. فقال عمر: أمّا أنا فلو لم أجد الماء لم أكن لأصلّي حتّى أجد الماء. قال عمّار بن ياسرٍ: أتذكر يا أمير المؤمنين حيث كنّا بمكان كذا وكذا، ونحن نرعى الإبل، فتعلم أنّا أجنبنا؟ قال: نعم فأمّا أنا فتمرّغت في التّراب، فأتينا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: إن كان الصّعيد لكافيك وضرب بكفّيه الأرض، ثمّ نفخ فيهما، ثمّ مسح وجهه وبعض ذراعيه؟ فقال: اتّق اللّه يا عمّار. فقال: يا أمير المؤمنين، إن شئت لم أذكره، فقال: لا، ولكن نولّيك من ذلك ما تولّيت.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم، قال: سالت إبراهيم، في دكّان مسلمٍ الأعور، فقلت: أرأيت إن لم تجد الماء وأنت جنبٌ؟ قال: لا أصلّي.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك، أنّ الجنب ممّن أمره اللّه بالتّيمّم إذا لم يجد الماء والصّلاة بقوله: {أو لامستم النّساء فلم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيدًا طيّبًا} وقد بيّنّا ثمّ أنّ معنى الملامسة في هذا الموضع: الجماع، بنقل الحجّة الّتي لا يجوز الخطأ فيما نقلته مجمعةً عليه ولا السّهو ولا التّواطؤ, واتشاعر بأنّ حكم الجنب في ذلك حكم سائر من أحدث فلزمه التّطهّر لصلاته مع ما قد روي في ذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الأخبار الّتي قد ذكرنا بعضها وتركنا ذكر كثيرٍ منها استغناءً بما ذكرنا منها عمّا لم نذكر، وكراهةً منّا إطالة الكتاب باستقصاء جميعه.
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {فلم تجدوا ماءً فتيمّموا} وهل ذلك أمرٌ من اللّه بالتّيمّم كلّما لزمه طلب الماء أم ذلك أمرٌ منه بالتّيمّم كلّما لزمه الطّلب وهو محدثٌ حدثًا يجب عليه منه الوضوء بالماء لو كان للماء واجدًا؟
فقال بعضهم: ذلك أمرٌ من اللّه بالتّيمّم كلّما لزمه فرض الطّلب بعد الطّلب محدثًا كان أو غير محدثٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن الحجّاج، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليٍّ رضي اللّه عنه أنّه كان يقول: التّيمّم لكلّ صلاةٍ.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا هشيمٌ قال: أخبرنا الحجّاج، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليٍّ، مثله.
- حدّثني عبد اللّه بن محمّدٍ، قال: حدّثنا عبدان المروزيّ، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا عبد الوارث، قال: أخبرنا عامرٌ الأحول، عن نافعٍ، أنّه حدّثه، عن ابن عمر، مثل ذلك.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا جابر بن نوحٍ، قال: أخبرنا مجالدٌ، عن الشّعبيّ، قال: لا يصلّى بالتّيمّم إلاّ صلاةً واحدةً.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سعيدٍ، عن قتادة، قال: يتيمّم لكلّ صلاةٍ. ويتأوّل هذه الآية: {فلم تجدوا ماءً}.
- حدثنا على ابن سهل، قال: حدّثنا الفريابيّ، عن الأوزاعيّ، عن يحيى بن سعيدٍ، وعبد الكريم بن ربيعة بن أبي عبد الرّحمن، قالوا: التّيمّم لكلّ صلاةٍ.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا عمران القطّان، عن قتادة، عن النّخعيّ، قال: يتيمّم لكلّ صلاةٍ.
وقال آخرون: بل ذلك أمرٌ من اللّه بالتّيمّم بعد طلب الماء من لزمه فرض الطّلب إذا كان محدثًا، فأمّا من لم يكن أحدث بعد تطهّره بالتّراب فلزمه فرض الطّلب، فليس عليه تجديد تيمّمه وله أن يصلّي بتيمّمه الأوّل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا سفيان بن حبيبٍ، عن يونس، عن الحسن، قال: التّيمّم بمنزلة الوضوء.
- حدّثنا إسماعيل بن موسى السّدّيّ، قال: حدّثنا عمر بن شاكرٍ، عن الحسن، قال: يصلّي المتيمّم بتيمّمه ما لم يحدث، فإن وجد الماء فليتوضّأ.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا ابن إدريس قال: أخبرنا هشامٌ، عن الحسن قال: كان الرّجل يصلّي الصّلوات كلّها بوضوءٍ واحدٍ ما لم يحدث، وكذلك المتّيمّم.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا ابن إدريس قال: أخبرنا هشامٌ، عن الحسن قال: كان الرّجل يصلّي الصّلوات كلّها بوضوءٍ واحدٍ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا أبو داود قال: حدّثنا أبي، عن قتادة، عن الحسن قال: يصلّي الصّلوات بالتّيمّم ما لم يحدث.
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا سفيان بن حبيبٍ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، قال: التّيمّم بمنزلة الوضوء.
قال أبو جعفرٍ: وأولى القولين في ذلك عندنا بالصّواب قول من قال: يتيمّم المصلّي لكلّ صلاةٍ لزمه طلب الماء للتّطهّر لها فرضًا لأنّ اللّه جلّ ثناؤه أمر كلّ قائمٍ إلى الصّلاة بالتّطهّر بالماء، فإن لم يجد الماء فالتّيمّم، ثمّ أخرج القائم إلى الصّلاة من كان قد تقدّم قيامه إليها الوضوء بالماء سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، إلاّ أن يكون قد أحدث حدثًا ينقض طهارته، فيسقط فرض الوضوء عنه بالسّنّة. وأمّا القائم إليها وقد تقدّم قيامه إليها بالتّيمّم لصلاةٍ قبلها، ففرض التّيمّم له لازمٌ بظاهر التّنزيل بعد طلبه الماء إذا أعوزه). [جامع البيان: 7/83-97]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّه كان عفوًّا غفورًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: إنّ اللّه لم يزل عفوًّا عن ذنوب عباده وتركه العقوبة على كثير منها ما لم يشركوا به، كما عفا لكم أيّها المؤمنون عن قيامكم إلى الصّلاة الّتي فرضها عليكم في مساجدكم وأنتم سكارى {غفورًا} يقول: فلم يزل يستر عليهم ذنوبهم بتركه معاجلتهم العذاب على خطاياهم، كما ستر عليكم أيّها المؤمنون بتركه معاجلتكم على صلاتكم في مساجدكم سكارى. يقول: فلا تعودوا لمثلها فينالكم بعودكم لما قد نهيتكم عنه من ذلك منكلةٌ). [جامع البيان: 7/97]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون ولا جنبًا إلّا عابري سبيلٍ حتّى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النّساء فلم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيدًا طيّبًا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إنّ اللّه كان عفوًّا غفورًا (43)
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا
قد تقدّم تفسيره.
قوله تعالى: لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى
[الوجه الأول]
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن شرحبيل قال: قال عمر: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر، فنزلت: قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس قال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر فنزلت:
لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى فقال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر، فنزلت إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ حتّى بلغ: فهل أنتم منتهون.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، ثنا عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن سعدٍ الدّشتكيّ، ثنا أبو جعفرٍ، عن عطاء بن السّائب، عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ، عن عليّ بن أبي طالبٍ قال: صنع لنا عبد الرّحمن بن عوفٍ طعاماً فدعانا وسقانا من الخمر، فأخذت الخمر منّا، وحضرت الصّلاة، فقدّموا فلاناً، قال: فقرأ: قل يا أيّها الكافرون أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون قال: فأنزل اللّه تعالى يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا شعبة، أخبرني سماك بن حربٍ، قال: سمعت مصعب بن سعدٍ يحدّث عن سعدٍ قال: نزلت فيّ أربع آياتٍ، صنع رجلٌ من الأنصار، فأكلنا وشربنا حتّى سكرنا، ثمّ افتخرنا فرفع رجلٌ في لحى بعيرٍ فغرز به أنف سعدٍ، فكان سعدٌ مغروز الأنف، وذلك قبل أن يحرّم الخمر، فنزلت: يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى
- حدّثنا موسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ أبو عيسى، وأحمد بن محمّد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان قالا: ثنا الحفريّ يعني: أبا داود، عن سفيان، عن عليّ بن بذيعة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة (وأنتم سكارى
قال: نسختها: يا أيّها الّذين آمنوا إذا قمتم إلى الصّلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم،
وروي عن عكرمة، ومجاهدٍ والحسن والضّحّاك وقتادة وعطاءٍ الخراسانيّ، وزيد بن أسلم أنّهم قالوا: منسوخةً.
قوله تعالى: الصّلاة
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ وعثمان بن عطاءٍ عن عطاءٍ، الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ في قوله في سورة النّساء: لا تقربوا الصّلاة قال: صلاة المساجد.
قوله تعالى: وأنتم سكارى
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن سلمة بن نبيطٍ الأشجعيّ، عن الضّحّاك قوله: لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى قال: السّكر: النّوم.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، ثنا عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: وأنتم سكارى يعني: نشاوى من الشّراب.
قوله تعالى: حتّى تعلموا ما تقولون
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ قوله: حتّى تعلموا ما تقولون يعني: ما تقرأون في صلاتكم.
قوله تعالى: ولا جنباً إلا عابري سبيل
[الوجه الأول]
- حدّثنا أحمد بن يحيى بن مالكٍ السّوسيّ، ثنا أبو بدرٍ، حدّثني عبد الرّحمن بن عبد اللّه، قال أبو بدرٍ: وليس هو المسعوديّ- عن المنهال بن عمرٍو، عن زرّ بن حبيشٍ، عن عليٍّ قال: نزلت هذه الآية في المسافر: ولا جنباً إلا عابري سبيلٍ حتّى تغتسلوا قال: إذا أجنب فلم يجد الماء ويتيم فيصلّي، حتّى يدرك الماء، فإذا أدرك الماء اغتسل وصلى.
- حدّثنا المنذر بن شاذان، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أخبرنا ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن زرّ بن حبيشٍ، عن عليٍّ ولا جنباً إلا عابري سبيلٍ قال: لا يقرب الصّلاة إلا أن يكون مسافراً تصيبه الجنابة فلا يجد ماءً، يتيمّم ويصلّي حتّى يجد الماء- وروي عن ابن عبّاسٍ في إحدى الرّوايات وسعيد بن جبيرٍ والضّحّاك نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، ثنا عبد الرّحمن الدّشتكيّ، أنبأ أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: ولا جنباً إلا عابري سبيلٍ قال: تمرّ به مرّاً ولا تجلس- وروي عن عبد اللّه بن مسعودٍ وأنس ابن مالكٍ، وأبي عبيدة، وسعيد بن المسيّب، وأبي الضّحى وعطاءٍ ومجاهدٍ ومسروقٍ وإبراهيم النّخعيّ وزيد بن أسلم وأبي مالكٍ، وعمرو بن دينارٍ، والحكم ابن عتيبة وعكرمة والحسن البصريّ، ويحيى بن سعيدٍ الأنصاريّ وابن شهابٍ، وقتادة نحو ذلك.
قوله تعالى: وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ
[الوجه الأول]
- حدّثنا الأشجّ، ثنا شجاع بن الوليد، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قوله: وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ قال: هو الرّجل المحدود أو به الجرح، فيخاف أن يغتسل فيموت فليتيمّم الصّعيد- وروي عن عكرمة ومجاهدٍ والحسن والسّدّيّ وعطاءٍ الخراسانيّ وإبراهيم النّخعيّ والحكم، وحمّادٍ نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ ابن جريجٍ قال: ذكرت لعطاءٍ شأن المحدود ورخصته في ألا يتوضّأ، وتلوت عليه: وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ وهو ساكتٌ، فكذلك حتّى جئت: فلم تجدوا ماءً قال: حسبك فإن لم تجدوا ماءً فإنّما ذلك إذا لم تجدوا ماءً فليتطهّروا، قلت: وإن احتلم المحذور عليه الغسل، واللّه لقد احتلمت مرّةً- عطاءٌ القائل- وأنا محدودٌ، فاغتسلت قال: هي لهم كلّهم إذا لم يجدوا ماءً.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن ميمونٍ الإسكندرانيّ، ثنا الوليد بن مسلمٍ، ثنا سعيد بن عبد العزيز، عن عطاءٍ الخراسانيّ، في قوله: وإن كنتم مرضى أو على سفر قال: الجدريّ والجائفة، والمأمومة يتيمّم ويصلّي، قال سعيدٌ: فتحدّثت به الزّهريّ فلم يعرف الجائفة والمأمومة، وقال: يغتسل ويترك موضع الجراح.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو غسّان مالك بن إسماعيل، ثنا قيسٌ، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ قوله: ولا جنباً إلا عابري سبيلٍ حتّى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ قال: نزلت في رجلٍ من الأنصار كان مريضاً فلم يستطع أن يقوم فيتوضّأ، ولم يكن له خادمٌ فينا له، فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فذكر ذلك له فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.
قوله تعالى: أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط والغائط: الوادي.
قوله تعالى: أو لامستم النّساء
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قوله: أو لامستم النّساء قال: الجماع- وروي عن عليٍّ، وأبيّ بن كعبٍ ومجاهدٍ وطاوسٍ والحسن وعبيد بن عميرٍ، وسعيد بن جبيرٍ والشّعبيّ وقتادة ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو عبد اللّه حمّاد بن الحسن بن عنبسة، ثنا أبو داود، عن شعبة، عن مخارقٍ، عن طارقٍ، عن عبد اللّه قال: اللّمس: ما دون الجماع. وروي عن ابن عمر وعبيدة وأبي عثمان النّهديّ وأبي عبيدة والشّعبيّ وثابت بن الحجّاج وإبراهيم النّخعيّ وزيد بن أسلم نحو ذلك.
قوله تعالى: فلم تجدوا ماءً
- حدّثنا المنذر بن شاذان، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن زرّ بن حبيشٍ، عن عليٍّ يعني قوله: فلم تجدوا ماءً قال: تصيبه الجنابة لا يجد الماء يتيمّم فيصلّي حتّى يجد الماء.
قوله تعالى: فتيمّموا صعيداً
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ وهارون بن إسحاق قالا: ثنا عبدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: هلكت قلادةٌ لأسماء، فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في طلبها، فحضرت الصّلاة وليسوا على وضوءٍ، ولم يجدوا ماءً فصلّوا على غير وضوءٍ، فذكروا ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه:
التّيمّم- والسّياق لهارون.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن نميرٍ، عن شريكٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، عن ابن عبّاسٍ: فتيمّموا صعيداً طيّباً قال: المريض إذا خاف على نفسه تيمّم.
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن سلمة النّحويّ الرّازيّ، ثنا حبّان بن موسى، أنبأ عبد اللّه يعني: ابن المبارك قال: سمعت سفيان يقول: فتيمّموا صعيداً طيّباً قال: تحرّوا تيمّموا صعيداً طيّباً.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ وهارون بن إسحاق، ثنا عبدة، عن هشام ابن عروة، عن زرّ بن حبيشٍ، عن عليٍّ يعني قوله: فلم تجدوا ماءً قال: تصيبه الجنابة لا يجد الماء يتيمّم فيصلّي حتّى يجد الماء.
قوله تعالى: صعيداً
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن إدريس، ثنا قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قال: إنّ أطيب الصّعيد أرض الحرث.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو جعفرٍ الجمّال، ثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن حمّادٍ، قال: كلّ شيءٍ وضعت عليه يدك فهو صعيدٌ حتّى غبار يدك فتيمّم به.
قوله تعالى: طيّباً
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن أبي حمّادٍ، ثنا مهران عن سفيان قوله: فتيمّموا صعيداً طيّباً قال: حلالٌ لكم.
- حدّثنا أبي، ثنا محمود بن خالدٍ، ثنا الوليد، قال: سألت سعيد بن بشيرٍ عن قول اللّه تعالى: فتيمّموا صعيداً طيّباً ما الطّيّب؟ فحدّثني أنّ الطّيّب: ما أتت عليه الأمطار وطهّرته.
قوله تعالى: فامسحوا بوجوهكم وأيديكم
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن المغيرة، أنبأ يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة قوله: فامسحوا بوجوهكم وأيديكم فإن أعياك الماء، فلا يعييك الصّعيد أن تضع فيه كفّك، ثمّ تنفضهما، فتمسّح بهما وجهك وكفّيك، ولا بعد ذلك لغسل جنابةٍ ولا لوضوء صلاةٍ، فمن تيمّم بالصّعيد وصلّى ثمّ قدر على الماء بعد. فعليه الغسل وحسبه صلاته الّتي كان صلّى.
قوله تعالى: إنّ اللّه كان عفوّاً غفوراً
- ذكر عن يزيد بن أبي حكيمٍ العدنيّ، ثنا الحكم بن أبان، قال ذكر سلمة بن وهرام صاحب طاوسٍ، أنّ اللّه تبارك وتعالى إنّما سمى نفسه العفو، ليعفوا والغفور ليغفر.
- حدّثنا عمرو بن عبد اللّه الأوديّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن يحيى ابن سعيدٍ، عن سعيد بن المسيّب قال: ليس شيءٌ أحبّ إليّ من عفو). [تفسير القرآن العظيم: 3/958-963]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال حدثنا أبو جعفر الرازي عن زيد بن اسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس إلا عابري سبيل قال يعني لا تدخل المسجد وأنت جنب إلا أن يكون طريقك فيه فتمر فيه ولا تجلس). [تفسير مجاهد: 158]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (حدثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ولا جنبا إلا عابري سبيل يعني مسافرين لا يجدون الماء فيتيممون ويصلون). [تفسير مجاهد: 158-159]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا المبارك بن فضالة عن الحسن الملامسة الجماع). [تفسير مجاهد: 159]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا محمّد بن عليّ بن دحيمٍ الشّيبانيّ، ثنا أحمد بن حازمٍ الغفاريّ، ثنا أبو نعيمٍ، وقبيصة، قالا: ثنا سفيان، عن عطاء بن السّائب، عن أبي عبد الرّحمن، عن عليٍّ رضي اللّه عنه، قال: دعانا رجلٌ من الأنصار قبل تحريم الخمر، فحضرت صلاة المغرب، فتقدّم رجلٌ " فقرأ قل يا أيّها الكافرون فالتبس عليه فنزلت {لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون} [النساء: 43] الآية «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه» وفي هذا الحديث فائدةٌ كثيرةٌ وهي أنّ الخوارج تنسب هذا السّكر، وهذه القراءة إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبٍ دون غيره وقد برّأه اللّه منها فإنّه راوي هذا الحديث "). [المستدرك: 2/336]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت د) علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: صنع لنا ابن عوفٍ طعاماً، فدعانا فأكلنا، وسقانا خمراً قبل أن تحرّم، فأخذت منّا، وحضرت الصلاة، فقدّموني، فقرأت: {قل يا أيّها الكافرون. لا أعبد ما تعبدون}:ونحن نعبد ما تعبدون، قال: فخلّطت، فنزلت: {لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون} [النساء: 43]، أخرجه الترمذي.
وأخرجه أبو داود " أن رجلاً من الأنصار دعاه وعبد الرحمن بن عوف، فسقاهما قبل أن تحرم الخمر، فحضرت الصلاة، فأمهم علي في المغرب فقرأ {قل يا أيّها الكافرون} فخلّط فيها، فنزلت {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون} "). [جامع الأصول: 2/91-92]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {ولا جنبًا إلّا عابري سبيلٍ} [النساء: 43]
- عن قتادة - رضي اللّه عنه - قال: «بلغنا أنّ نبيّ اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - لمّا نزلت هذه الآية {ولا جنبًا إلّا عابري سبيلٍ} [النساء: 43] فرخّص للمسافر إذا كان مسافرًا وهو جنبٌ لا يجد الماء أن يتيمّم ويصلّي».
رواه الطّبرانيّ في حديثٍ طويلٍ يأتي في قوله تعالى: " إنّما الخمر " وهو مرسلٌ. وبقيّة رجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 7/14] (م)
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال مسدّدٌ: ثنا يحيى، عن سفيان، ثنا عطاء بن السّائب، عن أبي عبد الرّحمن عن عليٍّ- رضي اللّه عنه- "أنّ رجلًا من الأنصار دعاه وعبد الرّحمن بن عوفٍ فسقاهما قبل أن تحرم الخمر، فأمّهم عليٌّ في المغرب وقرأ: "قل يا أيها الكافرون " فخلط فيها، قال: فنزل قوله تعالى (يا أيها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) .
هذا إسنادٌ رجاله ثقاتٌ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/194]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس والحاكم وصححه عن علي بن أبي طالب قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت الخمر منا وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت: قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون}.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن علي أنه كان هو وعبد الرحمن ورجل آخر شربوا الخمر فصلى بهم عبد الرحمن فقرأ (قل يا أيها الكافرون) (الكافرون الآية 1) فخلط فيها فنزلت {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى}.
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة في الآية قال: نزلت في أبي بكر وعمر وعلي وعبد الرحمن بن عوف وسعد صنع علي لهم طعاما وشرابا فأكلوا وشربوا ثم صلى علي بهم المغرب فقرأ (قل يا أيها الكافرون) (الكافرون الآية 1) حتى خاتمتها فقال: ليس لي دين وليس لكم دين، فنزلت {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى}.
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والنسائي والنحاس والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} قال: نسخها (إنما الخمر والميسر) (المائدة الآية 90) الآية.
واخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في الآية قال: كان قبل أن تحرم الخمر.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في الآية قال: نهوا أن يصلوا وهم سكارى ثم نسخها تحريم الخمر.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم والنحاس عن ابن عباس في قوله {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} قال: نسختها (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم) (المائة الآية 6).
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} قال: نسخها (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم) (المائدة الآية 6).
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} قال: نشاوى من الشراب {حتى تعلموا ما تقولون} يعني ما تقرؤون في صلاتكم.
وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال: لم يعن بها الخمر إنما عني بها سكر النوم.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله {وأنتم سكارى} قال: النعاس.
وأخرج البخاري عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا نعس أحدكم وهو يصلي فلينصرف فلينم حتى يعلم ما يقول
وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبة في المصنف، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن علي في قوله {ولا جنبا إلا عابري سبيل} قال: نزلت هذه الآية في المسافر تصيبه الجنابة فيتيمم ويصلي، وفي لفظ قال: لا يقرب الصلاة إلا أن يكون مسافرا تصيبه الجنابة فلا يجد الماء فيتيمم ويصلي حتى يجد الماء.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير من طرق عن ابن عباس في قوله {ولا جنبا إلا عابري سبيل} يقول: لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب إذا وجدتم الماء فإن لم تجدوا الماء فقد أحللت لكم أن تمسحوا بالأرض.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والطبراني عن ابن عباس {ولا جنبا إلا عابري سبيل} قال: هو المسافر الذي لا يجد ماء فيتيمم ويصلي.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: لا يمر الجنب ولا الحائض في المسجد إنما نزلت {ولا جنبا إلا عابري سبيل} للمسافر يتيمم ثم يصلي، واخرج عبد الرزاق عن مجاهد في قوله {ولا جنبا إلا عابري سبيل} قال: مسافرين لا تجدون ماء
وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده والقاضي إسماعيل في الأحكام والطحاوي في مشكل الآثار والباوردي في الصحابة والدارقطني والطبراني وأبو نعيم في المعرفة، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" والضياء المقدسي في المختارة عن الأسلع بن شريك قال: كنت أرحل ناقة النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأصابتني جنابة في ليلة باردة وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحلة فكرهت أن أرحل ناقته وأنا جنب وخشيت أن أغتسل بالماء البارد فأموت أو أمرض فأمرت رجلا من الأنصار فرحلها ثم رضفت أحجارا فأسخنت بها ماء فاغتسلت به، فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل} إلى {إن الله كان عفوا غفورا}.
وأخرج ابن سعد وعبد بن جبير، وابن جرير والطبراني في سننه من وجه آخر عن الأسلع قال: كنت أخدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأرحل له فقال لي ذات ليلة: يا أسلع قم فارحل لي، قلت: يا رسول الله أصابتني جنابة، فسكت عني ساعة حتى جاء جبريل بآية الصعيد فقال: قم يا أسلع فتيمم ثم أراني الأسلع كيف علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم التيمم قال: ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض فمسح وجهه ثم ثم ضرب فدلك إحداهما بالأخرى ثم نفضهما ثم مسح بهما ذراعيه ظاهرهما وباطنهما.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عطاء الخراساني عن ابن عباس {لا تقربوا الصلاة} قال: المساجد.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" من طريق عطاء بن يسار عن ابن عباس {ولا جنبا إلا عابري سبيل} قال: لا تدخلوا المسجد وأنتم جنب إلا عابري سبيل، قال: تمر به مرا ولا تجلس.
وأخرج ابن جرير عن يزيد بن أبي حبيب في قوله {ولا جنبا إلا عابري سبيل} قال: إن رجالا من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد فكانت تصيبهم جنابة ولا ماء عندهم فيريدون الماء ولا يجدون ممرا إلا في المسجد فأنزل الله هذه الآية.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله {ولا جنبا إلا عابري سبيل} قال: هو الممر في المسجد.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: لا بأس للحائض والجنب أن يمرا في المسجد ما لم يجلسا فيه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عبيدة قال: الجنب يمر في المسجد ولا يجلس فيه ثم قرأ {ولا جنبا إلا عابري سبيل}.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء في قوله {ولا جنبا إلا عابري سبيل} قال: الجنب يمر في المسجد.
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي في "سننه" عن ابن مسعود أنه كان يرخص للجنب أن يمر في المسجد مجتازا وقال {ولا جنبا إلا عابري سبيل}.
وأخرج البيهقي عن أنس في قوله {ولا جنبا إلا عابري سبيل} قال: يجتاز ولا يجلس
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير والبيهقي، عن جابر قال: كان أحدنا يمر في المسجد وهو جنب مجتازا.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {وإن كنتم مرضى} قال: نزلت في رجل من الأنصار كان مريضا فلم يستطع أن يقوم فيتوضأ ولم يكن له خادم فينا فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأنزل الله هذه الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله {وإن كنتم مرضى} قال: هو الرجل المجدور أو به الجراح أو القرح يجنب فيخاف إن اغتسل أن يموت فيتيمم.
وأخرج الحاكم والبيهقي في المعرفة عن ابن عباس رفعه في قوله {وإن كنتم مرضى} قال: إذا كانت بالرجل الجراحة في سبيل الله أو القروح أوالجدري فيجنب فيخاف إن اغتسل أن يموت فليتيمم.
وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد في قوله {وإن كنتم مرضى} قال: هي للمريض تصيبه الجنابة إذا خاف على نفسه الرخصة في التيمم مثل المسافر إذا لم يجد الماء
وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد أنه قال: للمريض المجدور وشبهه رخصة في أن لا يتوضأ وتلا {وإن كنتم مرضى أو على سفر} ثم يقول: هي مما خفي من تأويل القرآن.
وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي قال: نال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جراحة ففشت فيهم ثم ابتلوا بالجنابة فشكوا ذلك إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فنزلت {وإن كنتم مرضى} الآية كلها.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله {وإن كنتم مرضى} قال: المريض الذي قد أرخص له في التيمم هو الكسير والجريح فإذا أصابت الجنابة لا يحل جراحته إلا جراحة لا يخشى عليها.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير ومجاهد قالا في المريض تصيبه الجنابة فيخاف على نفسه: هو بمنزلة المسافر الذي لا يجد الماء يتيمم.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: المريض الذي لا يجد أحدا يأتيه بالماء ولا يقدر عليه وليس له خادم ولا عون يتيمم ويصلي.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {أو جاء أحد منكم من الغائط} قال: الغائط الوادي.
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور ومسدد، وابن أبي شيبة في مسنده، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم والبيهقي من طرق عن ابن مسعود في قوله {أو لامستم النساء} قال: اللمس، ما دون الجماع والقبلة منه وفيها الوضوء.
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود، أنه كان يقول في هذه الآية {أو لامستم النساء} هو الغمز.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن ابن عمر أنه كان يتوضأ من قبلة المرأة ويقول: هي اللماس.
وأخرج الشافعي في الأم وعبد الرزاق، وابن المنذر والبيهقي عن ابن عمر قال: قبلة
الرجل امرأته وجسها بيده من الملامسة فمن قبل امرأته أو جسها بيده فعليه الوضوء
وأخرج الحاكم والبيهقي عن عمر قال: إن القبلة من اللمس فتوضأ منها.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال: اللمس هو الجماع ولكن الله كنى عنه.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله {أو لامستم النساء} قال: هو الجماع.
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: كنا في حجرة ابن عباس ومعنا عطاء بن أبي رباح ونفر من الموالي وعبيد بن عمير ونفر من العرب فتذاكرنا اللماس فقلت أنا وعطاء والموالي: اللمس باليد، وقال عبيد بن عمير والعرب: هو الجماع، فدخلت على ابن عباس فأخبرته فقال: غلبت الموالي وأصابت العرب، ثم قال: إن اللمس والمس والمباشرة إلى الجماع ما هو ولكن الله يكني بما شاء
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله تعالى {أو لامستم النساء} قال: أو جامعتم النساء وهذيل تقول: اللمس باليد، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، قال أما سمعت لبيد بن ربيعة حيث يقول:
يلمس الاحلاس في منزله = بيديه كاليهودي المصل،
وقال الأعشى:
ورادعة صفراء بالطيب عندنا = للمس الندامى من يد الدرع مفتق.
وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي أنه كان يقرأ ((أو لمستم النساء)) قال: يعني ما دون الجماع، واخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير عن محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة عن قوله {أو لامستم النساء} فأشار بيده وضم أصابعه كأنه يتناول شيئا يقبض عليه، قال محمد: ونبئت عن ابن عمر أنه كان إذا مس مخرجه توضأ فظننت أن قول ابن عمر وعبيدة شيئا واحدا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عثمان قال: اللمس باليد
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عبيدة قال: ما دون الجماع.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي قال: الملامسة دون الجماع.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: الملامسة الجماع.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سفيان في قوله {فتيمموا صعيدا طيبا} قال: تحروا تعمدوا صعيدا طيبا.
وأخرج ابن جرير عن قتادة {صعيدا طيبا} قال: التي ليس فيها شجر ولا نبات.
وأخرج ابن جرير عن عمرو بن قيس الملائي قال: الصعيد التراب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن بشير في الآية قال: الطيب: ما أتت عليه الأمطار وطهرته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان في قوله {صعيدا طيبا} قال: حلالا لكم.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس قال: إن أطيب الصعيد أرض الحرث.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن حماد قال: كل شيء وضعت يدك عليه فهو صعيد حتى غبار لبدك فتيمم به.
وأخرج الشيرازي في الألقاب عن ابن عباس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم سئل أي الصعيد أطيب قال: أرض الحرث.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن أبي هريرة قال: لما نزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع فأتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فلم أجده فانطلقت أطلبه فاستقبلته فلما رآني عرف الذي جئت له فبال ثم ضرب بيديه الأرض فمسح بهما وجهه وكفيه.
وأخرج ابن عدي عن عائشة قالت: لما نزلت آية التيمم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على الأرض فمسح بهما وجهه وضرب بيده الأخرى ضربة فمسح بهما كفيه
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه عن عمار بن ياسر قال: كنت في سفر فأجنبت فتمعكت فصليت ثم ذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنما كان يكفيك أن تقول هكذا ثم ضرب بيديه الأرض فمسح بها وجهه وكفيه
وأخرج الطبراني والحاكم عن ابن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: التيمم ضربتان: ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين.
وأخرج الحاكم عن ابن عمر قال: تيممنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربنا بأيدينا على الصعيد الطيب ثم نفضنا أيدينا فمحسنا بها وجوهنا ثم ضربنا ضربة أخرى ثم نفضنا أيدينا فمحسنا بأيدينا من المرافق إلى الأكف على منابت الشعر من ظاهر وباطن.
وأخرج ابن جرير عن أبي مالك قال: تيمم عمار فمسح وجهه ويديه ولم يمسح الذراع.
وأخرج عن مكحول قال: التيمم ضربة للوجه والكفين إلى الكوع فإن الله قال في الوضوء (وأيديكم إلى المرافق) (المائدة الآية 6) وقال في التيمم {وأيديكم} ولم يستثن فيه كما استثنى في الوضوء إلى المرافق وقال الله (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) (المائدة الآية 38) فإنما تقطع يد السارق من مفصل الكوع.
وأخرج ابن جرير عن الزهري قال: التيمم إلى الآباط.
وأخرج ابن جرير والبيهقي في "سننه" عن عمار بن ياسر قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلك عقد لعائشة فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أضاء الصبح فتغيظ أبو بكر على عائشة فنزلت عليه رخصة المسح بالصعيد فدخل أبو بكر فقال لها: إنك لمباركة نزل فيك رخصة، فضربنا بأيدينا ضربة لوجهنا وضربة بأيدينا إلى المناكب والآباط، قال الشافعي: هذا منسوخ لأنه أول تيمم كان حين نزلت آية التيمم فكل تيمم جاء بعده يخالفه فهو له ناسخ.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والحاكم والبيهقي عن أبي ذر قال: اجتمعت غنيمة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا ذر ابد فيها فبدوت فيها إلى الربذة وكانت تصيبني الجنابة فأمكث الخمسة والستة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك.
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء.
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء، واخرج ابن أبي شيبة عن أبي عثمان الهندي قال: بلغني أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: تمسحوا بها فإنها بكم برة يعني الأرض.
وأخرج الطبراني والبيهقي عن ابن عباس قال: من السنة أن لا يصلي الرجل بالتيمم إلا صلاة واحدة ثم يتيمم للأخرى.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن علي، قال: يتيمم لكل صلاة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمرو بن العاص قال: يتيمم لكل صلاة). [الدر المنثور: 4/449-463]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 09:06 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى...}
نزلت في نفر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم شربوا وحضروا الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل تحريم الخمر، فأنزل الله تبارك وتعالى: {لا تقربوا الصّلاة} مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن صلّوها في رحالكم.

ثم قال
{ولا جنباًً} أي: لا تقربوها جنباً {حتّى تغتسلوا}
ثم استثنى فقال
{إلاّ عابري سبيلٍ} يقول: إلا أن تكونوا مسافرين لا تقدرون على الماء.
ثم قال {فتيمّموا} والتيمم: أن تقصد الصعد الطيّب حيث كان، وليس التيمم إلا ضربة للوجه وضربة لليدين للجنب وغير الجنب).
[معاني القرآن: 1/270]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولا جنباً إلاّ عابري سبيلٍ} معناه في هذا الموضع: لا تقربوا المصلّى جنباً إلاّ عابر سبيلٍ يقطعه، ولا يقعد فيه (والمصلّى) مختصر.

{أو على سفرٍ}: أو في سفر، وتقول: أنا على سفر، في معنى آخر: تقول: أنا متهىّءٌ له.
{أو جاء أحدٌ منكم من الغائط}: كناية عن حاجة ذي البطن، والغائط: الفيح من الأرض المتصوّب وهو أعظم من الوادي.
{أو لامستم النّساء}: اللماس النكاح: لمستم، ولامستم أكثر.
{فتيمّموا صعيداً طيّباً} أي: فتعمدوا ذاك، والصعيد: وجه الأرض). [مجاز القرآن: 1/128]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلاّ عابري سبيلٍ حتّى تغتسلوا وإن كنتم مّرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ مّنكم مّن الغائط أو لامستم النّساء فلم تجدوا ماء فتيمّموا صعيداً طيّباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إنّ اللّه كان عفوّاً غفوراً}
قوله:
{ولا جنباً} في اللفظ واحد وهو للجمع كذلك، وكذلك هو للرجال والنساء، كما قال: {والملائكة بعد ذلك ظهيرٌ} فجعل "الظهير" واحدا.
والعرب تقول: "هم لي صديقٌ".
وقال:
{عن اليمين وعن الشّمال قعيدٌ} وهما قعيدان.

وقال: {إنّا رسول ربّ العالمين} وقال: {فإنّهم عدوٌّ لي} لأن "فعول" و"فعيل" مما يجعل واحدا للاثنين والجمع.
وقال: {ولا جنباً إلاّ عابري سبيلٍ} لأنه قال: {لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} فقوله: {وأنتم سكارى} في موضع نصب على الحال، فقال: {ولا جنباً} على العطف كأنه قال: "ولا تقربوها جنباً إلاّ عابري سبيلٍ" كما تقول: "لا تأتي إلاّ راكباً"). [معاني القرآن: 1/203]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({الجنب}: الذكر والأنثى، والإثنان والجمع فيه سواء كالواحد.

{الغائط}: كناية عن قضاء الحاجة، والغائط: من الأرض الواسع الفسيح.
{أو لامستم النساء}: كناية عن الزواج
وقال بعضهم: الملامسة دون الجماع.
{فتيمموا}: تعمدوا.
{صعيدا}: الصعيد وجه الأرض). [غريب القرآن وتفسيره:118-119]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا جنباً إلّا عابري سبيلٍ} يعني: المساجد لا تقربوها وأنتم جنب، إلا مجتازين غير مقيمين ولا مطمئنين.
{الغائط} الحدث.
وأصل الغائط: المطمئن من الأرض، وكانوا إذا أرادوا قضاء الحاجة أتوا غائطا من الأرض ففعلوا ذلك فيه، فكني عن الحدث بالغائط.
{فتيمّموا} أي: تعمدوا. {صعيداً طيّباً} أي: ترابا نظيفا). [تفسير غريب القرآن: 127]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:
{يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلّا عابري سبيل حتّى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النّساء فلم تجدوا ماء فتيمّموا صعيدا طيّبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إنّ اللّه كان عفوّا غفورا}
قيل في التفسير: إنها نزلت قبل تحريم الخمر، لأن جماعة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - اجتمعوا فشربوا الخمر فبل تحريمها، وتقدم رجل منهم فصلى بهم فقرأ: قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون، وأنتم عابدون ما أعبد، وأنا عابد ما عبدتم فنزلت
{لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى}
ويروى أن عمر بن الخطاب قال:
اللهم إن الخمر تضرّ بالعقول وتذهب بالمال، فأنزل فيها أمرك، فنزل في سورة المائدة: {إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس}
وقال:
{يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير}
والتحريم نص بقوله - عزّ وجلّ -
{قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ}
فقد حرمت الخمر بأنه قال: إنها إثم كبير.

وقد حرم اللّه - عزّ وجلّ -: الإثم، فأمر اللّه - عزّ وجلّ - في ذلك الوقت ألا يقرب الصلاة السكران.
وحرم بعد ذلك: السّكر، لأن إجماع الأمّة أن السّكر حرام.
وإنما حرّم ذو السّكر، لأن حقيقة السكر إنّه لم يزل حراما وقد بيّنّا هذا في سورة البقرة.
وقوله:
{حتّى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلّا عابري سبيل حتّى تغتسلوا} أي: لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب، {إلا عابري سبيل} أي: إلا مسافرين لأن المسافر يعوزه الماء، وكذلك المريض الذي يضر به الغسل.
ويروى أن: قوما غسلوا مجدرا فمات، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
((قتلوه قتلهم اللّه، كان يجزيه التيمم)).
وقال قوم: لا تقربوا موضع الصلاة، حقيقته: لا تصلوا إذا كنتم جنبا حتى تغتسلوا، إلا أن لا تقدروا على الماء، وإلا أن تخافوا أن يضركم الغسل إضرارا شديدا، وذلك لا يكون إلا في حال مرض.

{فتيمّموا صعيدا طيّبا} معنى: تيمموا أقصدوا، والصعيد: وجه الأرض.
فعلى الإنسان في التيمم: أن يضرب بيديه ضربة واحدة فيمسح بهما جميعا وجهه، وكذلك يضرب ضربة واحدة، فيمسح بهما يديه، والطيب: هو النظيف الطاهر، ولا يبالي أكان في الموضع تراب أم لا، لأن الصعيد ليس هو التراب، إنما هو وجه الأرض، ترابا كان أو غيره، ولو أن أرضا كانت كلها صخرا لا تراب عليها ثم ضرب المتيمم يده على ذلك الصخر لكان ذلك طهورا إذا مسح به وجهه.

قال اللّه عزّ وجل -: {فتصبح صعيدا زلقا} فأعلمك أن الصعيد يكون زلقا، والصعدات الطرقات.
وإنما سمي صعيدا: لأنّها نهاية ما يصعد إليه من باطن الأرض، لا أعلم بين أهل اللغة اختلافا في أن الصعيد وجه الأرض.
{إنّ اللّه كان عفوّا غفورا} أي: يقبل منكم العفو ويغفر لكم، لأن قبوله التيمم تسهيل عليكم). [معاني القرآن: 2/54-56]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل:
{يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} قال الضحاك: أي سكارى من النوم.

وقال عكرمة وقتادة: هذا منسوخ.
وقال قتادة: نسخه تحريم الخمر.
يذهب إلى أن معنى سكارى: من الشراب، والدليل على أن هذا القول هو الصحيح: أن عمر بن الخطاب رحمه الله قال:
أقيمت الصلاة فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقربن الصلاة سكران.
وروي أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بقوم فقرأ {قل يا أيها الكافرون} فخلط فيها فنزلت {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} ثم نسخ هذا بتحريم الخمر). [معاني القرآن: 2/93-94]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} قال عبد الله بن عباس وأنس: إلا أن تمر ولا تجلس.

وروي عن ابن عباس: هو المسافر يمر بالمسجد مجتازا.
وروي عن عائشة رحمها الله أنها حاضت وهي محرمة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت)).). [معاني القرآن: 2/95]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط}
قال بعض الفقهاء، المعنى: وجاء أحد منكم من الغائط، وهذا لا يجوز عند أهل النظر من النحويين لأن لـ «أو» معناها وللواو معناها وهذا عندهم على الحذف، والمعنى: وإن كنتم مرضى لا تقدرون فيه على مس الماء أو على سفر ولم تجدوا ماء واحتجتم إلى الماء). [معاني القرآن: 2/95-96]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {أو لامستم النساء} قال ابن عباس: {لامستم} جامعتم.

ويقرأ (أو لمستم).

قال محمد بن يزيد: من ذهب إلى أنه: الجماع فالأحسن أ يقول لمستم مثل غشيتم وهذا الفعل إنما نسب إلى الرجل.
ومن ذهب إلى أنه: دون الجماع فالأحسن أن يقول لامستم). [معاني القرآن: 2/96-97]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فتيمموا صعيدا طيبا} معنى تيمموا: تعمدوا واقصدوا، يقال تيممت كذا وتأممته إذا قصدته.
والصعيد في اللغة: وجه الأرض كان عليه تراب أو لم يكن، والدليل على هذا: قوله عز وجل {فتصبح صعيدا زلقا} وإنما سمي صعيدا: لأنه نهاية ما يصعد إليه من الأرض.

والطيب: النظيف ثم قال تعالى: {إن الله كان عفوا غفورا} لأنه قد عفا جل وعز وسهل في التيمم).[معاني القرآن: 2/97-98]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ} أي: موضعها، يعني: المساجد.

وقيل معناه: لا تصلوا وأنتم سكارى، وهذا قبل تحريم الخمر.
وقيل: سكارى من النوم.
{وَلاَ جُنُبًا} أي: لا تقربوا المساجد وأنتم جُنُب، إلا أن تكونوا مسافرين، لا تجدون الماء، فتيمموا.

و{الْغَائِطِ} الحدث، وأصله: المطمئن من الأرض لتستقروا به، فكثر فسموا به الحدث.

و
{الجبت والطاغوت} هما كل معبودٍ من دون الله من الشيطان أو الحجر، أو غيره.

وقيل: هما هنا رجلان: وهما حُيي بن أخطب وكعب بن الأشرف، صدقوهما وأطاعوهما.
وقوله: {فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ}، يعني: الشيطان). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 61]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْغَائِطِ}: المتسع من الأرض.

(المُلاَمَسَةُ): الجماع.
{فَتَيَمَّمُواْ}: تعمدوا.
{الصَّعِيدُ}: وجه الأرض.
{طَيِّباً}: نظيفاً). [العمدة في غريب القرآن:111-112]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 10:12 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (تسمية النكاح
من الشهوة والشبق [باب]
قالوا في مثل نكاح الإنسان:
نكح الإنسان نَكْحا ونكاحا، ومطأ الرجل المرأة، وباشرها، ولامسها لماسا، والملامسة، والبضع، والعَتْر –بالتسكين والتحريك- النكاح كله.
ويقال: طمثها يطمثها ويطمثها: إذا غشيها، قال الله عز وجل: {لم يطمثهن إنس قبلهم}، قال ابن الحدادية الخزاعي:
يبوسان لم يطمثها در حالب = على الشوط والإتعاب كان مراهما).
[الفرق في اللغة: 77] (م)
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وما جمعته على فَعالى أو فُعالى أو فَعلى فهو مقصور يكتب بالياء، من ذلك كُسالة وكَسالى وسُكارى وسَكارى وصرعى وأسرى وأُسارى). [المقصور والممدود: 12]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (عن الكسائي: الغائط الأرض المطمئنة؛ وإنما سمي الخلاء غائطًا لأن أحدهم كان يقول: اذهب إلى الغائط فسمي به). [الغريب المصنف: 3/679]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن عسب الفحل.
[غريب الحديث: 3/195]
قال الأموي: العسب: الكراء الذي يؤخد على ضراب الفحل.
يقال منه: عسبت الرجل أعسبه عسبا: إذا أعطيته الكراء على ذلك.
وقال غيره: العسب هو الضراب نفسه لقول الشاعر وذكر قوما أسروا عبدا له فرماهم به:
فلولا عسبه لتركتموه = وشر منيحة عسب معار
والوجه عندي ما قال الأموي أنه الكراء ولو كان المعنى على الضراب نفسه لدخل النهي على كل من أنزى فحلا وفي هذا انقطاع النسل.
وأما قول الشاعر فقد يجوز لأن العرب تسمي الشيء باسم غيره إذا كان معه أو من سببه، كما قالوا للمزادة: راوية، وإنما الراوية البعير الذي يستقى عليه فسميت المزادة راوية به لأنها تكون عليه.
وكذلك الغائط من الإنسان. كان الكسائي يقول: إنما سمي الغائط غائطا لأن أحدهم كان إذا أراد قضاء الحاجة قال: حتى آتي الغائط فأقضي حاجتي، وإنما أصل الغائط المطمئن من الأرض.
قال: فكثر ذلك في كلامهم حتى سمي غائط الإنسان بذلك وكذلك العذرة إنما هي فناء الدار، فسميت به لأنه كان يلقى بأفنية الدور). [غريب الحديث: 3/196-197]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والقعود بالصعدات إلا من أدى حقها)).
حدثناه ابن علية، عن إسحاق بن سويد العدوي عن يحيى بن يعمر يرفعه.
قوله: الصعدات: يعني الطرق، وهي مأخوذة من الصعيد والصعيد: التراب، وجمع الصعيد صعد ثم الصعدات جمع الجمع، كما تقول: طريق وطرق ثم طرقات.
قال الله تبارك وتعالى: {فتيمموا صعيدا طيبا} فالتيمم في التفسير والكلام: التعمد للشيء، يقال منه: أممت فلانا أؤمه أما وتأممته وتيممته، ومعناه كله تعمدته وقصدت له قال الأعشى:

تيممت قيسا وكم دونه = من الأرض من مهمه ذي شزن
فقوله سبحانه: {فتيمموا صعيدا طيبا} هو في المعنى -والله أعلم-
تعمدوا الصعيد، ألا تراه يقول بعد ذلك: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} وكثر هذا في الكلام حتى صار التيمم عند الناس هو التمسح نفسه، وهذا كثير جائز في الكلام أن يكون الشيء إذا طالت صحبته للشيء سمى به، كقولهم: ذهب إلى الغائط، وإنما الغائط أصله المطمئن من الأرض). [غريب الحديث: 4/85-87]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (وأصل التيمم القصد ويقال تيممته إذا قصدت له قال الله جل وعز: {فتيمموا صعيدا طيبا} أي: اقصدوا لصعيد طيب ثم كثر استعمالهم هذه الكلمة حتى صار التيمم مسح الوجه واليدين بالتراب). [إصلاح المنطق: 315]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (

وغائط قد هبطت وحدي = للقلب من خوفه اجئلال
الغائط: ما اطمأن من الأرض واتسع). [شرح ديوان امرئ القيس: 596]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واحدة المهيرات مهيرة، وهي الحرّة الممهورة، و"مفعول" يخرج إلى "فعيل" كمقتولٍ وقتيل، ومجروح وجريح، قال الأعشى:

ومنكوحةٍ غير ممهورةٍ = وأخرى يقال لها فادها
فهذا المعروف في كلام العرب، مهرت المرأة فهي ممهورةٌ، ويقال وليس بالكثير أمهرتها فهي ممهرةٌ، أنشدني المازنيّ:
أخذن اغتصابًا خطبةً عجرفيّة = وأمهرن أرماحًا من الخط ذبّلا
وأهل الحجاز يرزن النكاح العقد دون الفعل، ولا ينكرونه في الفعل ويحتجّون بقول الله عزّ وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}، فهذا الأشيع في كلام العرب، قال الأعشى:

وأمتنعت نفسي من الغانيا = ت إمّا نكاحًا وإما أزن
ومن كل بيضاء رعبوبةٍ = لها بشرٌ ناصعٌ كاللّبن
ويكون النّكاح الجماع، وهو في الأصل كناية، قال الراجز:
إذا زنيت فأجد نكاحًا = وأعمل الغدوّ والرّواحا
والكناية تقع عن هذا الباب كثيرًا، والأصل ما ذكرنا لك، وفال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أنا من نكاح لا من سفاح". ومن خطب المسلمين: "إن الله عز وجل أحلّ النّكاح وحرم السّفاح".
والكناية تقع على جماع، قال الله عزّ وجل: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}، فهذه كناية عن الجماع، قال أكثر الفقهاء في قوله تبارك وتعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ}، قالوا: كناية عن الجماع، وليس الأمر عندنا كذلك، وما أصف مذهب أهل المدينة، قد فرغ من النكاح تصريحًا، وإنما الملامسة أن يلمسها الرجل بيد أو بإدناء جسدٍ من جسد، فذلك ينقض الوضوء في قول أهل المدينة، لأنه قال تبارك وتعالى بعد ذكر الجنب: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ}.
وقوله عزّ وجل: {كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ}، كنايةٌ بإجماع عن قضاء الحاجة، لأن كلّ من يأكل الطعام في الدنيا أنجى، يقال: نجا وأنجى، إذا قام لحاجة الإنسان. وكذلك: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا}. كناية عن الفروج، ومثله: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}، فإنما الغائط كالوادي، وقال عمرو بن معدي كرب:
وكم من غائط من دون سلمى = قليل الإنس ليس به كتيع).
[الكامل: 2/655-657] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واحدة المهيرات مهيرة، وهي الحرّة الممهورة، و"مفعول" يخرج إلى "فعيل" كمقتولٍ وقتيل، ومجروح وجريح، قال الأعشى:
ومنكوحةٍ غير ممهورةٍ = وأخرى يقال لها فادها
فهذا المعروف في كلام العرب، مهرت المرأة فهي ممهورةٌ، ويقال وليس بالكثير أمهرتها فهي ممهرةٌ، أنشدني المازنيّ:
أخذن اغتصابًا خطبةً عجرفيّة = وأمهرن أرماحًا من الخط ذبّلا
وأهل الحجاز يرزن النكاح العقد دون الفعل، ولا ينكرونه في الفعل ويحتجّون بقول الله عزّ وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}، فهذا الأشيع في كلام العرب، قال الأعشى:

وأمتنعت نفسي من الغانيا = ت إمّا نكاحًا وإما أزن
ومن كل بيضاء رعبوبةٍ = لها بشرٌ ناصعٌ كاللّبن
ويكون النّكاح الجماع، وهو في الأصل كناية، قال الراجز:
إذا زنيت فأجد نكاحًا = وأعمل الغدوّ والرّواحا
والكناية تقع عن هذا الباب كثيرًا، والأصل ما ذكرنا لك، وفال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أنا من نكاح لا من سفاح". ومن خطب المسلمين: "إن الله عز وجل أحلّ النّكاح وحرم السّفاح".
والكناية تقع على جماع، قال الله عزّ وجل: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}، فهذه كناية عن الجماع، قال أكثر الفقهاء في قوله تبارك وتعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ}، قالوا: كناية عن الجماع، وليس الأمر عندنا كذلك، وما أصف مذهب أهل المدينة، قد فرغ من النكاح تصريحًا، وإنما الملامسة أن يلمسها الرجل بيد أو بإدناء جسدٍ من جسد، فذلك ينقض الوضوء في قول أهل المدينة، لأنه قال تبارك وتعالى بعد ذكر الجنب: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ}.
وقوله عزّ وجل: {كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ}، كنايةٌ بإجماع عن قضاء الحاجة، لأن كلّ من يأكل الطعام في الدنيا أنجى، يقال: نجا وأنجى، إذا قام لحاجة الإنسان. وكذلك: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا}. كناية عن الفروج، ومثله: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}، فإنما الغائط كالوادي، وقال عمرو بن معدي كرب:
وكم من غائط من دون سلمى = قليل الإنس ليس به كتيع).
[الكامل: 2/655-657] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ويروى أن عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة قال شعرًا، وكتب به إلى امرأةٍ محرمةٍ بحضرة ابن أبي عتيق، وهو:

ألما بذاتِ الخالِ فاستطلعا لنا = على العهد باقٍ ودها أم تصرما
وقولاَ لها إن النوى أجنبيةٌ = بنا وبكر قد خفت أن تتيمما
قال: فقال له ابن أبي عتيقٍ: ماذا تريد إلى امرأةٍ مسلمةٍ محرمة تكتبُ إليها بمثل هذا الشعر! قال: فلما كان بعد مديدةٍ قال له ابن أبي ربيعة.
أعلمتَ أن الجوابَ جاء من عندِ ذاك الإنسان? فقال له: ما هو? فقال: كتبت:

أضحى قريضكَ بالهوى نماما = فاقصد هديتَ وكن له كتاما
واعلم بأن الخال حين ذكرته = قعد العدو به عليك وقاما
ويكن من الكناية - وذاك أحسنها- الرغبةُ عن اللفظ الخسيس المفحش إلى ما يدل على معناه من غيره، قال الله - وله المثل الأعلى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} وقال: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} والملامسة في قول أهل المدينة - مالكٍ وأصحابه - غير كنايةٍ، إنما هو اللمسُ بعينه، يقولون في الرجلِ تقع يده على امرأته أو على جاريتهِ بشهوةٍ: إن وضوءه قد انتقض.
وكذلك قولهم في قضاء الحاجةِ: جاء فلان من الغائطِ، وإنما الغائط الوادي، وكذلك المرأةُ، قال عمروُ بن معدي كرِب الزبيديُّ:
وكم من غائطٍ من دون سلمى = قليل الإنس ليس به كتيعُ
وقال الله جل وعزَّ في المسيح ابن مريمَ وأمهِ صلى الله عليهما: {كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ}، وإنما هو كنايةٌ عن قضاء الحاجة. وقال: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا}؛ وإنما هي كناية عن الفروج. ومثل هذا كثيرٌ). [الكامل: 2/855-857] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( والصلاة من الأضداد؛ يقال للمصلى من مساجد المسلمين: صلاة، ويقال لكنيسة اليهود: صلاة، قال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى}، أراد: لا تقربوا المصلى؛ هذا تفسير أبي عبيدة وغيره.
وقال عز ذكره: {لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد}، والصلوات عنى بها كنائس اليهود، واحدتها صلاة، وكان الكلبي يقرأ: (وصلوث) بالثاء، وكان الجحدري يقرأ: (وصلوت)، بالتاء ويزعم أنه سمع الحجاج بن يوسف، يقرأ: (وصلوب) بالباء.
وقال بعض المفسرين: الكنيسة بالعبرانية يقال لها: (صلوثا)، فعربتها العرب فقالت: صلاة. وقال بعض الشعراء:
واتق الله والصلاة فدعها = إن في الصوم والصلاة فسادا
أراد بـ (الصلاة) الكنيسة، وبـ (الصوم) ما يخرج من بطن النعام؛ يقال: قد صام الظليم إذا فعل كذلك.
وقال بعض المفسرين، لم يرد الله بالصلوات كنائس اليهود؛ ولكنه أراد بالصلوات، المعروفة؛ فقيل له: كيف تهدم الصلوات؟ فقال: تهديمها تعطيلها، وأخرجه من باب المجاز على مثل قو العرب: قد طعمت الماء؛ على معنى ذقته، وعلى مثل قولهم: قد آمنت محمدا، على معنى صدقته، قال الأعشى:

رب رفد هرقته ذلك اليو = م وأسرى من معشر وأقتال
وشيوخ جرجى بشطي أريك = ونساء كأنهن السعالى).
[كتاب الأضداد: 338-340]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (والغائط: المطمئن من الأرض). [الأمالي: 1/146]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 14 جمادى الآخرة 1435هـ/14-04-2014م, 12:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 14 جمادى الآخرة 1435هـ/14-04-2014م, 12:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 14 جمادى الآخرة 1435هـ/14-04-2014م, 12:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 14 جمادى الآخرة 1435هـ/14-04-2014م, 12:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلاّ عابري سبيلٍ حتّى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النّساء فلم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيداً طيّباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إنّ اللّه كان عفوًّا غفوراً (43)
سبب النهي عن قرب الصلاة في حال سكر: أن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شربت الخمر عند أحدهم قبل التحريم، فيهم أبو بكر وعمر وعلي وعبد الرحمن بن عوف، فحضرت الصلاة، فتقدمهم علي بن أبي طالب، فقرأ قل يا أيّها الكافرون [الكافرون: 1] فخلط فيها، بأن قال: «أعبد ما تعبدون، وأنتم عابدون ما أعبد»، فنزلت الآية، وروي أن المصلي عبد الرحمن بن عوف، وجمهور المفسرين على أن المراد سكر الخمر، إلا الضحاك، فإنه قال: إنما المراد سكر النوم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف، والخطاب لجميع الأمة الصالحين، وأما السكران إذا عدم الميز لسكره فليس بمخاطب في ذلك الوقت، وإنما هو مخاطب إذا صحا بامتثال ما يجب عليه، وبتكفير ما ضاع في وقت سكره من الأحكام التي تقرر تكليفه إياها قبل السكر، وليس في هذا تكليف ما لا يطاق، على ما ذهب إليه بعض الناس، وقرأت فرقة سكارى جمع سكران، وقرأت فرقة «سكرى» بفتح السين على مثال فعلى وقرأ الأعمش: «سكرى» بضم السين وسكون الكاف على مثال فعلى، وقرأ النخعي «سكرى» بفتح السين. قال أبو الفتح: هو تكسير سكران على سكارى، كما قالوا: روبى نياما وكقولهم: هلكى وميدى في جمع هالك ومائد، ويحتمل أن يكون صفة لمؤنثة واحدة، كأن المعنى وأنتم جماعة سكرى، وأما «سكرى» بضم السين فصفة لواحدة، كحبلى. والسكر انسداد الفهم، ومنه سكرت الماء إذا سددت طريقه، وقالت طائفة: الصّلاة هنا العبادة المعروفة، حسب السبب في نزول الآية، وقالت طائفة: الصّلاة هنا المراد بها موضع الصلاة والصلاة معا، لأنهم كانوا حينئذ لا يأتون المسجد إلا للصلاة، ولا يصلون إلا مجتمعين، فكانا متلازمين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وإنما احتيج إلى هذا الخلاف بحسب ما يأتي في تفسير عابري السبيل، ويظهر من قوله: حتّى تعلموا أن السكران لا يعلم ما يقول ولذلك قال عثمان بن عفان رضي الله عنه وغيره: إن السكران لا يلزمه طلاقه، فأسقط عنه أحكام القول، لهذا ولقول النبي عليه السلام للذي أقر بالزنى أسكران أنت؟ فمعناه: أنه لو كان سكران لم يلزمه الإقرار.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وبين طلاق السكران وإقراره بالزنى فرق، وذلك أن الطلاق والإقرار بالمال والقذف وما أشبهه هذا يتعلق به حقوق الغير من الآدميين، فيتهم السكران إن ادعى أنه لم يعلم، ويحكم عليه حكم العالم، والإقرار بالزنا إنما هو حق لله تعالى، فإذا ادعى فيه بعد الصحو أنه كان غير عالم دين، وأما أحكام الجنايات، فهي كلها لازمة للسكران وأنتم سكارى ابتداء وخبر، جملة في موضع الحال، وحكي عن ابن فورك أنه قال: معنى الآية النهي عن السكر، أي لا يكن منكم سكر، فيقع قرب الصلاة، إذ المرء مدعو إلى الصلاة دأبا، والظاهر أن الأمر ليس كذلك، وقد روي: أن الصحابة بعد هذه الآية كانوا يشربون ويقللون أثر الصبح وأثر العتمة، ولا تدخل عليهم صلاة إلا وهم صاحون، وقوله: ولا جنباً عطف على موضع هذه الجملة المنصوبة، والجنب هو غير الطاهر من إنزال أو مجاوزة ختان، هذا قول جمهور الأمة، وروي عن بعض الصحابة: لا غسل إلا على من أنزل، وهو من الجنابة، وهي: البعد، كأنه جانب الطهر أو من الجنب، كأنه ضاجع ومس بجنبه جنبا، وقرأت فرقة «جنبا» بإسكان النون، و «عابري سبيل» هو من العبور أي: الخطور والجواز، ومنه: عبر السفينة النهر، ومنه: ناقة عبر السير والفلاة والمهاجرة أي تعبرها بسرعة السير. قال الشاعر: وهي امرأة: [الكامل]
عيرانة سرح اليدين شملّة = عبر الهواجر كالهزفّ الخاضب
وقال علي بن أبي طالب وابن عباس وابن جبير ومجاهد والحكم وغيرهم: عابر السبيل هو المسافر، فلا يصح لأحد أن يقرب الصلاة وهو جنب إلا بعد الاغتسال، إلا المسافر فإنه يتيمم، وقال ابن عباس أيضا وابن مسعود وعكرمة والنخعي وغيرهم: عابر السبيل الخاطر في المسجد، وهو المقصود في الآية، وهذا يحتاج إلى ما تقدم من أن القول بأن الصلاة هي المسجد والمصلى، وروى بعضهم: أن سبب الآية: أن قوما من الأنصار كانت أبواب دورهم شارعة في المسجد، فإذا أصابت أحدهم الجنابة اضطر إلى المرور في المسجد، فنزلت الآية في ذلك، ثم نزلت وإن كنتم مرضى إلى آخر الآية، بسبب عدم الصحابة الماء في غزوة المريسيع حين أقام على التماس العقد، هكذا قال الجمهور، وقال النخعي: نزلت في قوم أصابتهم جراح ثم أجنبوا، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية، ذكر النقاش: أن ذلك
نزل بعبد الرحمن بن عوف، والمريض المقصود في هذه الآية هو الحضري، والذي يصح له التيمم هو الذي يخاف الموت لبرد الماء وللعلة به، وهذا يتيمم بإجماع، إلا ما روي عن عطاء: أنه يتطهر وإن مات، والذي يخاف حدوث علة على علة أو زيادة علة، والذي يخاف بطء برء، فهؤلاء يتيممون بإجماع من المذهب فيما حفظت، والأسباب التي لا يجد المريض بها الماء هي إما عدم المناول، وإما خوف ما ذكرناه. وقال داود: كل من انطلق عليه اسم المريض فجائز له التيمم، وهذا قول خلف، وإنما هو عند علماء الأمة المجدور، والمحصوب، والعلل المخوفة عليها من الماء، والمسافر في هذه الآية: هو الغائب عن الحضر، كان السفر مما تقصر فيه الصلاة أو لا تقصر، هذا مذهب مالك وجمهور الفقهاء، وقال الشافعي في كتاب الأشراف: وقال قوم: لا يتيمم إلا في سفر يجوز فيه التقصير، وهذا ضعيف.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وكذلك قالت فرقة: لا يتيمم في سفر معصية، وهذا أيضا ضعيف، والأسباب التي لا يجد بها المسافر الماء هي إما عدمه جملة، وإما خوف فوات الرفيق بسبب طلبه، وإما خوف على الرحل بسبب طلبه، وإما خوف سباع أو إذاية عليه، واختلف في وقت إيقاعه التيمم، فقال الشافعي: في أول الوقت، وقال أبو حنيفة وغيره: في آخر الوقت، وفرق مالك بين اليائس والعالم الطامع بإدراكه في الوقت، والجاهل بأمره جملة، وقال إسحق بن راهويه: لا يلزم المسافر طلب الماء إلا بين يديه وحوله، وقالت طائفة: يخرج من طلبه الغلوتين ونحوهما، وفي مذهب مالك يمشي في طلبه ثلاثة أميال، وقال الشافعي: يمشي في طلبه ما لم يخف فوات رفيق أو فوات الوقت.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول حسن، وأصل الغائط ما انخفض من الأرض، وكانت العرب تقصد بقضاء حاجتها ذلك الصنف من المواضع، حتى كثر استعماله في قضاء الحاجة وصار عرفه، وقرأ قتادة والزهري «من الغيط» ساكنة الياء من غير ألف، قال ابن جني: هو محذوف من فيعل، عين هذه الكلمة واو، وهذا اللفظ يجمع بالمعنى جميع الأحداث الناقضة للطهارة الصغرى، واختلف الناس في حصرها، وأنبل ما اعتقد في ذلك: أن أنواع الأحداث ثلاثة، ما خرج من السبيلين معتاد، وما أذهب العقل، واللمس، هذا على مذهب مالك، وعلى مذهب أبي حنيفة ما خرج من النجاسات من الجسد، ولا يراعى المخرج ولا غيره، ولا يعد اللمس فيها. وعلى مذهب الشافعي ما خرج من السبيلين، ولا يراعى الاعتياد، والإجماع من الأحداث على تسعة، أربعة من الذكر، وهي البول والمني والودي والمذي، وواحد من فرج المرأة وهو دم الحيض، واثنان من الدبر، وهما الريح والغائط، وذهاب العقل كالجنون والإغماء والنوم الثقيل، فهذه تنقض الطهارة الصغرى إجماعا، وغير ذلك كاللمس والدود يخرج من الدبر وما أشبهه مختلف فيه، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم لامستم وقرأ حمزة والكسائي «لمستم» وهي في اللغة لفظة قد تقع للمس الذي هو الجماع، وفي اللمس الذي هو جس اليد والقبلة ونحوه، إذ في جميع ذلك لمس، واختلف أهل العلم في موقعها هنا. فمالك رحمه الله يقول: اللفظة هنا على أتم عمومها تقتضي الوجهين، فالملامس بالجماع يتيمم، والملامس باليد يتيمم، لأن اللمس نقض وضوءه، وقالت طائفة: هي هنا مخصصة للمس اليد، والجنب لا ذكر له إلا مع الماء، ولا سبيل له إلى التيمم، وإنما يغتسل الجنب أو يدع الصلاة حتى يجد الماء، روي هذا القول عن عمر رضي الله عنه وعن عبد الله بن
مسعود وغيرهما، وقال أبو حنيفة: هي هنا مخصصة للمس الذي هو الجماع، فالجنب يتيمم، واللامس باليد لم يجر له ذكر فليس بحدث، ولا هو ناقض لوضوء، فإذا قبّل الرجل امرأته للذة لم ينتقض وضوءه، ومالك رحمه الله يرى: أن اللمس ينقض إذا كان للذة، ولا ينقض إذا لم يقصد به اللذة، ولا إذا كان لابنة أو لأم، والشافعي رحمه الله يعمم لفظة النّساء، فإذا لمس الرجل عنده أمه أو ابنته على أي وجه كان انتقض وضوءه، وعدم وجود الماء يترتب للمريض وللمسافر حسبما ذكرناه، ويترتب للصحيح الحاضر بالغلاء الذي يعم جميع الأصناف، واختلف فيه، فقال الحسن: يشتري الرجل الماء بماله كله ويبقى عديما، وهذا قول ضعيف، لأن دين الله يسر كما قال صلى الله عليه وسلم، ويريد بنا اليسر ولم يجعل علينا في الدين من حرج، وقالت طائفة: يشتري ما لم يزد على القيمة الثلث فصاعدا، وقالت طائفة: يشتري قيمة الدرهم بالدرهمين والثلاثة، ونحو هذا، وهذا كله في مذهب مالك رحمه الله، وقيل لأشهب: أيشتري القربة بعشرة دراهم؟ فقال ما أرى ذلك على الناس.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقدر هذه المسألة إنما هو بحسب غنى المشتري وحاجته، والوجه عندي أن يشتري ما لم يؤذ غلاؤه، ويترتب أيضا عدم الماء للصحيح الحاضر بأن يسجن أو يربط، وهذا هو الذي يقال فيه: إنه لم يجد ماء ولا ترابا، كما ترجم البخاري، ففيه أربعة أقوال، فقال مالك وابن نافع: لا يصلي ولا يعيد، وقال ابن القاسم: يصلي ويعيد، وقال أشهب: يصلي ولا يعيد، وقال أصبغ: لا يصلي ويقضي، إذا خاف الحضري فوات الوقت إن تناول الماء، فلمالك رحمه الله قولان في المدونة: إنه يتيمم ولا يعيد، وقال: إنه يعيد، وفي الواضحة وغيرها عنه: أنه يتناول الماء ويغتسل وإن طلعت الشمس. وعلى القول بأنه يتيمم ولا يعيد إذا بقي من الوقت شيء بقدر ما كان يتوضأ ويصلي ركعة، فقيل: يعيد، وقيل: لا يعيد، ومعنى قوله فتيمّموا في اللغة: اقصدوا، ومنه قول امرئ القيس [الطويل]
تيمّمت العين التي عند ضارج = يفيء عليها الظّلّ عرمضها طامي
ومنه قول أعشى بني ثعلبة: [المتقارب]
تيمّمت قيسا وكم دونه = من الأرض من مهمه ذي شزن
ثم غلب هذا الاسم في الشرع على العبادة المعروفة، والصعيد في اللغة: وجه الأرض، قاله الخليل وغيره، ومنه قول ذي الرمة: [البسيط]
كأنّه بالضّحى ترمي الصّعيد به = دبّابة في عظام الرّأس خرطوم
واختلف الفقهاء فيه من أجل تقييد الآية إياه بالطيب، فقالت طائفة: يتيمم بوجه الأرض، ترابا كان أو رملا أو حجارة أو معدنا أو سبخة، وجعلت «الطيب» بمعنى الطاهر، وهذا مذهب مالك، وقالت طائفة منهم: «الطيب» بمعنى الحلال، وهذا في هذا الموضع قلق، وقال الشافعي وطائفة: «الطيب» بمعنى المنبت، كما قال جل ذكره والبلد الطّيّب يخرج نباته [الأعراف: 58] فيجيء الصعيد على هذا التراب، وهذه الطائفة لا تجيز التيمم بغير ذلك مما ذكرناه، فمكان الإجماع: أن يتيمم الرجل في تراب منبت طاهر غير منقول ولا مغصوب، ومكان الإجماع في المنع: أن يتيمم الرجل على الذهب الصرف،
أو الفضة والياقوت والزمرد، أو الأطعمة، كالخبز واللحم وغيرهما، أو على النجاسات- واختلف في غير هذا كالمعادن، فأجيز، وهو مذهب مالك، ومنع، وهو مذهب الشافعي، وأشار أبو الحسن اللخمي إلى أن الخلاف فيه موجود في المذهب، وأما الملح فأجيز في المذهب المعدني والجامد، ومنعا، وأجيز المعدني ومنع الجامد، والثلج في المدونة جوازه، ولمالك في غيرها منعه، وذكر النقاش عن ابن علية وابن كيسان:
أنهما أجازا التيمم بالمسك والزعفران.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا خطأ بحت من جهات، وأما التراب المنقول في طبق وغيره، فجمهور المذهب جواز التيمم به، وفي المذهب المنع، وهو في غير المذهب أكثر، وأما ما طبخ كالآجر والجص ففيه في المذهب قولان، الإجازة والمنع، وفي التيمم على الجدار الخلاف، وأما التيمم على النبات والعود فاختلف فيه في مذهب مالك، فالجمهور على منع التيمم على العود، وفي مختصر الوقار: أنه جائز، وحكى الطبري في لفظة «الصعيد» اختلافا: أنها الأرض الملساء وأنها الأرض المستوية، وأن «الصعيد» التراب، وأنه وجه الأرض.
وترتيب القرآن الوجه قبل اليدين، وبه قال الجمهور، ووقع في حديث عمار في البخاري في بعض الطرق تقديم اليدين، وقاله بعض أهل العلم: قياسا على تنكيس الوضوء، وتراعى في الوجه حدوده المعلومة في الوضوء، فالجمهور على أن استيعابه بالمسح في التيمم واجب، ويتتبعه كما يصنع بالماء، وأن لا يقصد ترك شيء منه، وأجاز بعضهم أن لا يتتبع كالغضون في الخفين، وما بين الأصابع في اليدين، وهو في المذهب قول محمد بن مسلمة. ومذهب مالك في المدونة: أن التيمم بضربتين، وقال ابن الجهم: التيمم واحدة، وقال مالك في كتاب محمد: إن تيمم بضربة أجزاه، وقال غيره في المذهب: يعيد في الوقت، وقال ابن نافع: يعيد أبدا، وقال مالك في المدونة: يبدأ بأصابع اليسرى على أصابع اليمنى، ثم يمر كذلك إلى المرفق، ثم يلوي بالكف اليسرى على باطن الذراع الأيمن، حتى يصل إلى الكوع. ثم يفعل باليمنى على اليسرى كذلك، فظاهر هذا الكلام أنه يستغنى عن مسح الكف بالأخرى، ووجهه أنهما في الإمرار على الذراع ماسحة ممسوحة، قال ابن حبيب: يمر بعد ذلك كفيه، فهذا مع تحكيم ظاهر المدونة خلاف، قال اللخمي: في كلام المدونة يريد ثم يمسح كفه بالأخرى فيجيء على تأويل أبي الحسن كلام ابن حبيب تفسيرا، وقالت طائفة: يبدأ بالشمال كما في المدونة، فإذا وصل على باطن الذراع إلى الرسغ، مشى على الكف، ثم كذلك باليمنى في اليسرى، ووجه هذا القول أن لا يترك من عضو بعد التلبس به موضعا، ثم يحتاج إلى العودة إليه بعد غيره، وقالت طائفة: يتناول بالتراب كما يتناول بالماء في صورة الإمرار دون رتبة، وقال مالك في المدونة: يمسح يديه إلى المرفقين، فإن مسح إلى الكوعين أعاد في الوقت، وقال ابن نافع: يعيد أبدا، قال غيرهما: في المذهب يمسح إلى الكوعين وهذا قول مكحول وجماعة من العلماء، وفي غير المذهب يمسح الكفين فقط، وفي ذلك حديث عن عمار بن ياسر، وهو قول الشعبي، وقال ابن شهاب: يمسح إلى الآباط، وذكره الطبري عن أبي بكر الصديق أنه قال لعائشة حين نزلت آية التيمم: إنك لمباركة، نزلت فيه رخصة، فضربنا ضربة لوجوهنا، وضربة بأيدينا إلى المناكب والآباط، وفي مصنف أبي داود عن الأعمش: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مسح إلى أنصاف ذراعيه، ولم يقل بهذا الحديث أحد من العلماء فيما حفظت، وما حكي الداودي من أن الكوعين فرض والمرافق سنة والآباط فضيلة، فكلام لا يعضده قياس ولا دليل، وإنما عمم قوم لفظة اليد فأوجبوه من المنكب، وقاس قوم على الوضوء فأوجبوه من المرافق، وعمم جمهور الأمة، ووقف قوم مع الحديث في الكوعين، وقيس أيضا على القطع، إذ هو حكم شرعي وتطهير، كما هذا تطهير، ووقف آخرون مع حديث عمار في الكفين، واختلف المذهب في تحريك الخاتم وتخليل الأصابع على قولين، يجب ولا يجب). [المحرر الوجيز: 2/559-569]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 14 جمادى الآخرة 1435هـ/14-04-2014م, 12:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 14 جمادى الآخرة 1435هـ/14-04-2014م, 12:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون ولا جنبًا إلا عابري سبيلٍ حتّى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النّساء فلم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيدًا طيّبًا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إنّ اللّه كان عفوًّا غفورًا (43)}
ينهى تعالى عباده المؤمنين عن فعل الصّلاة في حال السّكر، الّذي لا يدري معه المصلّي ما يقول، وعن قربان محلّها -وهي المساجد-للجنب، إلّا أنّ يكون مجتازًا من بابٍ إلى بابٍ من غير مكثٍ وقد كان هذا قبل تحريم الخمر، كما دلّ الحديث الّذي ذكرناه في سورة البقرة، عند قوله [تعالى] {يسألونك عن الخمر والميسر [قل فيهما إثمٌ كبيرٌ]} الآية [البقرة: 219]؛ فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تلاها على عمر، فقال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فلمّا نزلت هذه الآية، تلاها عليه، فقال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فكانوا لا يشربون الخمر في أوقات الصّلوات فلمّا نزل قوله [تعالى] {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون} إلى قوله: {فهل أنتم منتهون} [المائدة: 90، 91] فقال عمر: انتهينا، انتهينا.
وفي رواية إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرٍو -وهو ابن شرحبيل-عن عمر بن الخطّاب في قصّة تحريم الخمر، فذكر الحديث وفيه: فنزلت الآية الّتي في] سورة [ النّساء: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون} فكان منادي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا قامت الصّلاة ينادي: ألّا يقربنّ الصّلاة سكران. لفظ أبي داود.
وذكروا في سبب نزول هذه الآية ما رواه ابن أبي حاتمٍ.
حدّثنا يونس بن حبيبٍ، حدّثنا أبو داود، حدّثنا شعبة، أخبرني سماك بن حربٍ قال: سمعت مصعب بن سعدٍ يحدّث عن سعدٍ قال: نزلت فيّ أربع آياتٍ: صنع رجلٌ من الأنصار طعامًا، فدعا أناسًا من المهاجرين وأناسًا من الأنصار، فأكلنا وشربنا حتّى سكرنا، ثمّ افتخرنا فرفع رجلٌ لحي بعيرٍ ففزر بها أنف سعدٍ، فكان سعدٌ مفزور الأنف، وذلك قبل أن تحرّم الخمر، فنزلت: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} الآية.
والحديث بطوله عند مسلمٍ من رواية شعبة. ورواه أهل السّنن إلّا ابن ماجه، من طرق عن سماكٍ به.
سببٌ آخر: قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن عمّار، حدّثنا عبد الرّحمن بن عبد اللّه الدّشتكي، حدّثنا أبو جعفرٍ عن عطاء بن السّائب، عن أبي عبد الرّحمن السّلمي، عن عليّ بن أبي طالبٍ قال: صنع لنا عبد الرّحمن بن عوفٍ طعامًا، فدعانا وسقانا من الخمر، فأخذت الخمر منّا، وحضرت الصلاة فقدّموا فلانًا -قال: فقرأ: قل يا أيّها الكافرون، ما أعبد ما تعبدون، ونحن نعبد ما تعبدون. [قال] فأنزل اللّه تعالى {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون}
هكذا رواه ابن أبي حاتمٍ، وكذا رواه التّرمذيّ عن عبد بن حميدٍ، عن عبد الرّحمن الدّشتكي، به، وقال: حسنٌ صحيحٌ.
وقد رواه ابن جريرٍ، عن محمّد بن بشّارٍ، عن عبد الرّحمن بن مهدي، عن سفيان الثّوريّ، عن عطاء بن السّائب، عن أبي عبد الرّحمن، عن عليٍّ؛ أنّه كان هو وعبد الرّحمن ورجلٌ آخر شربوا الخمر، فصلّى بهم عبد الرّحمن فقرأ: {قل [يا] أيّها الكافرون} فخلط فيها، فنزلت: {لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى}.
وهكذا رواه أبو داود والنّسائيّ، من حديث الثوري، به.
ورواه ابن جرير أيضًا، عن ابن حميدٍ، عن جريرٍ، عن عطاءٍ، عن أبي عبد اللّه السّلميّ قال: كان عليٌّ في نفرٌ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في بيت عبد الرّحمن بن عوفٍ، فطعموا فآتاهم بخمرٍ فشربوا منها، وذلك قبل أن يحرّم الخمر، فحضرت الصّلاة فقدّموا عليًّا فقرأ بهم: {قل يا أيّها الكافرون} فلم يقرأها كما ينبغي، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى}
ثمّ قال: حدّثني المثنّى، حدّثنا الحجّاج بن المنهال، حدّثنا حمّاد، عن عطاء بن السّائب، عن عبد اللّه بن حبيبٍ -وهو أبو عبد الرّحمن السّلمي؛ أنّ عبد الرّحمن بن عوفٍ صنع طعامًا وشرابًا، فدعا نفرًا من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فصلّى بهم المغرب، فقرأ: قل يا أيّها الكافرون. أعبد ما تعبدون. وأنتم عابدون ما أعبد. وأنا عابدٌ ما عبدتم. لكم دينكم ولي دينٌ. فأنزل اللّه، عزّ وجلّ، هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون}.
وقال العوفي عن ابن عبّاسٍ في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى [حتّى تعلموا ما تقولون]} وذلك أنّ رجالًا كانوا يأتون الصّلاة وهم سكارى، قبل أن تحرّم الخمر، فقال اللّه: {لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} الآية. رواه ابن جريرٍ. وكذا قال أبو رزين ومجاهدٌ. وقال عبد الرّزّاق، عن معمرٍ عن قتادة: كانوا يجتنبون السّكر عند حضور الصّلوات ثمّ نسخ بتحريم الخمر.
وقال الضّحّاك في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} لم يعن بها سكر الخمر، وإنّما عنى بها سكر النّوّم. رواه ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ.
ثمّ قال ابن جريرٍ: والصّواب أنّ المراد سكر الشّراب. قال: ولم يتوجّه النّهي إلى السكران الّذي لا يفهم الخطاب؛ لأنّ ذاك في حكم المجنون، وإنّما خوطب بالنّهي الثّمل الّذي يفهم التّكليف.
وهذا حاصل ما قاله. وقد ذكره غير واحدٍ من الأصوليّين، وهو أنّ الخطاب يتوجّه إلى من يفهم الكلام، دون السّكران الّذي لا يدري ما يقال له؛ فإنّ الفهم شرط التّكليف. وقد يحتمل أن يكون المراد التّعريض بالنّهي عن السّكر بالكلّيّة؛ لكونهم مأمورين بالصّلاة في الخمسة الأوقات من اللّيل والنّهار، فلا يتمكنّ شارب الخمر من أداء الصّلاة في أوقاتها دائمًا، واللّه أعلم. وعلى هذا فيكون كقوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران: 102] وهو الأمر لهم بالتّأهّب للموت على الإسلام والمداومة على الطّاعة لأجل ذلك.
وقوله: {حتّى تعلموا ما تقولون} هذا أحسن ما يقال في حدّ السّكران: إنّه الذي لا يدري ما يقول فإنّ المخمور فيه تخليطٌ في القراءة وعدم تدبّره وخشوعه فيها، وقد قال الإمام أحمد:
حدّثنا عبد الصّمد، حدّثنا أبي، حدّثنا أيّوب، عن أبي قلابة، عن أنسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا نعس أحدكم وهو يصلّي، فلينصرف فليتمّ حتّى يعلم ما يقول. انفرد بإخراجه البخاريّ دون مسلمٍ، ورواه هو والنّسائيّ من حديث أيّوب، به وفي بعض ألفاظ الحديث فلعلّه يذهب يستغفر فيسبّ نفسه.
وقوله: {ولا جنبًا إلا عابري سبيلٍ حتّى تغتسلوا} قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، حدّثنا عبد الرّحمن الدّشتكي، أخبرنا أبو جعفرٍ الرّازيّ عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسارٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ولا جنبًا إلا عابري سبيلٍ حتّى تغتسلوا} قال: لا تدخلوا المسجد وأنتم جنبٌ إلّا عابري سبيلٍ، قال: تمرّ به مرًّا ولا تجلس. ثمّ قال: وروي عن عبد اللّه بن مسعودٍ، وأنسٍ، وأبي عبيدة، وسعيد بن المسيّب، وأبي الضّحى، وعطاءٍ، ومجاهد، ومسروقٍ، وإبراهيم النّخعي، وزيد بن أسلم، وأبي مالكٍ، وعمرو بن دينارٍ، والحكم بن عتيبة وعكرمة، والحسن البصريّ، ويحيى بن سعيدٍ الأنصاريّ، وابن شهابٍ، وقتادة، نحو ذلك.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني المثنّى، حدّثنا أبو صالحٍ، حدّثني اللّيث، حدّثني يزيد بن أبي حبيبٍ عن قول اللّه عزّ وجلّ {ولا جنبًا إلا عابري سبيلٍ} أنّ رجالًا من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد، فكانت تصيبهم الجنابة ولا ماء عندهم، فيردون الماء ولا يجدون ممرًّا إلّا في المسجد، فأنزل اللّه: {ولا جنبًا إلا عابري سبيلٍ}
ويشهد لصحّة ما قاله يزيد بن أبي حبيبٍ، رحمه الله، ما ثبت في صحيح البخاريّ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "سدّوا كلّ خوخة في المسجد إلّا خوخة أبي بكرٍ".
وهذا قاله في آخر حياته صلّى اللّه عليه وسلّم، علمًا منه أنّ أبا بكرٍ، رضي اللّه عنه، سيلي الأمر بعده، ويحتاج إلى الدّخول في المسجد كثيرًا للأمور المهمّة فيما يصلح للمسلمين، فأمر بسدّ الأبواب الشّارعة إلى المسجد إلّا بابه، رضي اللّه عنه. ومن روى: "إلّا باب عليٍّ" كما وقع في بعض السّنن، فهو خطأٌ، والصّحيح. ما ثبت في الصّحيح. ومن هذه الآية احتجّ كثيرٌ من الأئمّة على أنّه يحرم على الجنب اللّبث في المسجد، ويجوز له المرور، وكذا الحائض والنّفساء أيضًا في معناه؛ إلّا أنّ بعضهم قال: يمنع مرورهما لاحتمال التّلويث. ومنهم من قال: إن أمنت كلّ واحدةٍ منهما التّلويث في حال المرور جاز لهما المرور وإلّا فلا.
وقد ثبت في صحيح مسلمٍ عن عائشة، رضي اللّه عنها قالت: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ناوليني الخمرة من المسجد" فقلت: إنّي حائضٌ. فقال: "إنّ حيضتك ليست في يدك". وله عن أبي هريرة مثله ففيه دلالةٌ على جواز مرور الحائض في المسجد، والنّفساء في معناها واللّه أعلم.
وروى أبو داود من حديث أفلت بن خليفة العامريّ، عن جسرة بنت دجاجة، عن عائشة] رضي اللّه عنها [ قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّي لا أحلّ المسجد لحائضٍ ولا جنبٍ" قال أبو مسلمٍ الخطّابي: ضعّف هذا الحديث جماعةٌ وقالوا: أفلت مجهولٌ. لكن رواه ابن ماجه من حديث أبي الخطّاب الهجري، عن محدوج الذّهليّ، عن جسرة، عن أمّ سلمة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، به. قال أبو زرعة الرّازّيّ: يقولون: جسرة عن أمّ سلمة. والصّحيح جسرة عن عائشة.
فأمّا ما رواه أبو عيسى التّرمذيّ، من حديث سالم بن أبي حفصة، عن عطيّة، عن أبي سعيدٍ الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا عليّ، لا يحلّ لأحدٍ أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك. إنّه حديثٌ ضعيفٌ لا يثبت؛ فإنّ سالمًا هذا متروكٌ، وشيخه عطيّة ضعيفٌ واللّه أعلم.
قولٌ آخر في معنى الآية: قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا المنذر بن شاذان، حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، أخبرني ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن زرّ بن حبيش، عن عليٍّ: {ولا جنبًا إلا عابري سبيلٍ} قال: لا يقرب الصّلاة، إلّا أن يكون مسافرًا تصيبه الجنابة، فلا يجد الماء فيصلّي حتّى يجد الماء.
ثمّ رواه من وجهٍ آخر، عن المنهال بن عمرٍو، عن زرّ، عن عليّ بن أبي طالبٍ، فذكره. قال: وروي عن ابن عبّاسٍ في إحدى الرّوايات وسعيد بن جبيرٍ، والضّحّاك، نحو ذلك.
وقد روى ابن جرير من حديث وكيع، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن عبّاد بن عبد الله أو عن زرّ بن حبيش -عن عليٍّ فذكره. ورواه من طريق العوفي وأبي مجلز، عن ابن عبّاسٍ، فذكره. ورواه عن سعيد بن جبيرٍ، وعن مجاهدٍ، والحسن بن مسلمٍ، والحكم بن عتيبة وزيد بن أسلم، وابنه عبد الرّحمن، مثل ذلك، وروي من طريق ابن جريج، عن عبد اللّه بن كثير قال: كنّا نسمع أنّه في السّفر.
ويستشهد لهذا القول بالحديث الّذي رواه الإمام أحمد وأهل السّنن، من حديث أبي قلابة، عن عمرو بن بجدان عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "الصعيد الطّيّب طهور المسلم، وإن لم تجد الماء عشر حججٍ، فإذا وجدت الماء فأمسسه بشرتك فإنّ ذلك خير".
ثمّ قال ابن جريرٍ -بعد حكايته القولين-: والأولى قول من قال: {ولا جنبًا إلا عابري سبيلٍ} إلّا مجتازي طريقٍ فيه. وذلك أنّه قد بيّن حكم المسافر إذا عدم الماء وهو جنبٌ في قوله: أو {وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النّساء فلم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيدًا طيّبًا} [المائدة: 6] إلى آخره. فكان معلومًا بذلك أنّ قوله: {ولا جنبًا إلا عابري سبيلٍ حتّى تغتسلوا} لو كان معنيًّا به المسافر، لم يكن لإعادة ذكره في قوله: {وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ} معنًى مفهومٌ، وقد مضى حكم ذكره قبل ذلك، فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الآية: يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا المساجد للصّلاة مصلّين فيها وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون، ولا تقربوها أيضًا جنبًا حتّى تغتسلوا، إلّا عابري سبيلٍ. قال: والعابر السّبيل: المجتاز مرّا وقطعًا. يقال منه: "عبرت هذا الطّريق فأنا أعبره عبرًا وعبورًا" ومنه قيل: "عبر فلانٌ النّهر" إذا قطعه وجاوزه. ومنه قيل للنّاقة القويّة على الأسفار: هي عبر أسفارٍ وعبر أسفارٍ؛ لقوّتها على قطع الأسفار.
وهذا الّذي نصره هو قول الجمهور، وهو الظّاهر من الآية، وكأنّه تعالى نهى عن تعاطي الصّلاة على هيئةٍ ناقصةٍ تناقض مقصودها، وعن الدّخول إلى محلّها على هيئةٍ ناقصةٍ، وهي الجنابة المباعدة للصّلاة ولمحلّها أيضًا، واللّه أعلم.
وقوله: {حتّى تغتسلوا} دليلٌ لما ذهب إليه الأئمّة الثّلاثة: أبو حنيفة ومالكٌ والشّافعيّ: أنّه يحرم على الجنب المكث في المسجد حتّى يغتسل أو يتيمّم، إنّ عدم الماء، أو لم يقدر على استعماله بطريقةٍ. وذهب الإمام أحمد إلى أنّه متى توضّأ الجنب جاز له المكث في المسجد، لما روى هو وسعيد بن منصورٍ في سننه بإسنادٍ صحيحٍ: أنّ الصّحابة كانوا يفعلون ذلك؛ قال سعيد بن منصورٍ:
حدّثنا عبد العزيز بن محمّدٍ -هو الدراوردي-عن هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار قال: رأيت رجالًا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤوا وضوء الصّلاة، وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ، فاللّه أعلم.
وقوله: {وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النّساء فلم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيدًا طيّبًا} أمّا المرض المبيح للتّيمّم، فهو الّذي يخاف معه من استعمال الماء فوات عضوٍ أو شينه أو تطويل البرء. ومن العلماء من جوّز التّيمّم بمجرّد المرض لعموم الآية. وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو غسّان مالك بن إسماعيل، حدّثنا قيس عن خصيف عن مجاهدٍ في قوله: {وإن كنتم مرضى} قال: نزلت في رجلٍ من الأنصار، كان مريضًا فلم يستطع أن يقوم فيتوضّأ، ولم يكن له خادمٌ فيناوله، فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فذكر ذلك له، فأنزل اللّه هذه الآية.
هذا مرسلٌ. والسّفر معروفٌ، ولا فرق فيه بين الطويل والقصير.
وقوله: {أو جاء أحدٌ منكم من الغائط} الغائط: هو المكان المطمئنّ من الأرض، كنّى بذلك عن التّغوّط، وهو الحدث الأصغر.
وأمّا قوله: {أو لامستم النّساء} فقرئ: "لمستم" و"لامستم" واختلف المفسّرون والأئمّة في معنى ذلك، على قولين:
أحدهما: "أنّ ذلك كنايةً عن الجماع؛ لقوله {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم} [البقرة: 237] وقال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّةٍ تعتدّونها} [الأحزاب: 49].
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {أو لمستم النّساء} قال: الجماع. وروي عن عليٍّ، وأبيّ بن كعبٍ، ومجاهدٍ، وطاوسٍ، والحسن، وعبيد بن عميرٍ، وسعيد بن جبيرٍ، والشّعبي، وقتادة، ومقاتل بن حيّان -نحو ذلك.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني حميد بن مسعدة، حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبيرٍ قال: ذكروا اللّمس، فقال ناسٌ من الموالي: ليس بالجماع. وقال ناسٌ من العرب: اللّمس الجماع: قال: فأتيت ابن عبّاسٍ فقلت له: إن ناسًا من الموالي والعرب اختلفوا في اللّمس، فقالت الموالي. ليس بالجماع. وقالت العرب: الجماع. قال: من أيّ الفريقين كنت؟ قلت: كنت من الموالي. قال: غلب فريق الموالي. إنّ اللّمس والمسّ والمباشرة: الجماع، ولكنّ اللّه يكنّي ما شاء بما شاء.
ثمّ رواه عن ابن بشّار، عن غندر، عن شعبة -به نحوه. ثمّ رواه من غير وجهٍ عن سعيد بن جبيرٍ، نحوه.
ومثله قال: حدّثني يعقوب، حدّثنا هشيمٌ قال: حدّثنا أبو بشرٍ، أخبرنا سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: اللّمس والمسّ والمباشرة: الجماع، ولكنّ اللّه يكنّي بما يشاء.
حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ، أنبأنا إسحاق الأزرق، عن سفيان، عن عاصمٍ الأحول، عن بكر بن عبد اللّه، عن ابن عبّاسٍ قال: الملامسة: الجماع، ولكنّ اللّه كريمٌ يكنّي بما يشاء.
وقد صحّ من غير وجهٍ، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ أنّه قال ذلك. ثمّ رواه ابن جريرٍ عن بعض من حكاه ابن أبي حاتمٍ عنهم.
ثمّ قال ابن جريرٍ: وقال آخرون: عنى اللّه بذلك كلّ لمسٍ بيدٍ كان أو بغيرها من أعضاء الإنسان، وأوجب الوضوء على كلّ من مسّ بشيءٍ من جسده شيئًا من جسدها مفضيًا إليه.
ثمّ قال: حدّثنا ابن بشّارٍ، حدّثنا عبد الرّحمن، حدّثنا سفيان عن مخارقٍ، عن طارق عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: اللّمس ما دون الجماع.
وقد رواه من طرقٍ متعدّدةٍ عن ابن مسعودٍ بمثله. وروي من حديث الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: القبلة من المسّ، وفيها الوضوء.
وقال: حدّثني يونس، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني عبيد اللّه بن عمر، عن نافعٍ: أنّ ابن عمر كان يتوضّأ من قبلة المرأة، ويرى فيها الوضوء، ويقول: هي من اللّماس.
وروى ابن أبي حاتمٍ وابن جريرٍ أيضًا من طريق شعبة، عن مخارقٍ، عن طارقٍ، عن عبد اللّه قال: اللّمس ما دون الجماع.
ثمّ قال ابن أبي حاتمٍ: وروي عن ابن عمر، وعبيدة، وأبي عثمان النّهدي وأبي عبيدة -يعني ابن عبد اللّه بن مسعودٍ-وعامرٍ الشّعبي، وثابت بن الحجّاج، وإبراهيم النّخعي، وزيد بن أسلم نحو ذلك.
قلت: وروى مالكٌ، عن الزّهريّ، عن سالم بن عبد اللّه بن عمر، عن أبيه أنّه كان يقول: قبلة الرّجل امرأته وجسّه بيده من الملامسة، فمن قبّل امرأته أو جسّها بيده، فعليه الوضوء.
وروى الحافظ أبو الحسن الدارقطني [في سننه] عن أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب نحو ذلك. ولكن روينا عنه من وجهٍ آخر: أنّه كان يقّبل امرأته، ثمّ يصلّي ولا يتوضّأ. فالرّواية عنه مختلفةٌ، فيحمل ما قاله في الوضوء إن صحّ عنه على الاستحباب، واللّه أعلم.
والقول بوجوب الوضوء من المسّ هو قول الشّافعيّ وأصحابه ومالكٍ والمشهور عن أحمد بن حنبلٍ، رحمهم اللّه، قال ناصر هذه المقالة: قد قرئ في هذه الآية {لامستم} {ولمستم} واللّمس يطلق في الشّرع على الجسّ باليد قال] اللّه [ تعالى: {ولو نزلنا عليك كتابًا في قرطاسٍ فلمسوه بأيديهم} [الأنعام: 7]، أي جسّوه وقال [رسول اللّه] صلّى اللّه عليه وسلّم لماعزٍ -حين أقرّ بالزّنا يعرض له بالرّجوع عن الإقرار-: "لعلّك قبّلت أو لمست" وفي الحديث الصّحيح: "واليد زناها اللّمس" وقالت عائشة، رضي اللّه عنها: قلّ يومٌ إلّا ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يطوف علينا، فيقبّل ويلمس. ومنه ما ثبت في الصحيحين: أنّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نهى عن بيع الملامسة وهو يرجع إلى الجسّ باليد على كلا التّفسيرين قالوا: ويطلق في اللّغة على الجسّ باليد، كما يطلق على الجماع، قال الشّاعر:
وألمست كفي كفّه أطلب الغنى
واستأنسوا أيضًا بالحديث الّذي رواه الإمام أحمد: حدّثنا عبد اللّه بن مهديٍّ وأبو سعيدٍ قالا حدّثنا زائدة، عن عبد الملك بن عميرٍ -وقال أبو سعيدٍ: حدّثنا عبد الملك بن عمير، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن معاذٍ قال: أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجلٌ فقال: يا رسول اللّه، ما تقول في رجلٍ لقي امرأةً لا يعرفها، فليس يأتي الرّجل من امرأته شيء إلا أتاه منها، غير أنّه لم يجامعها؟ قال: فأنزل اللّه عزّ وجلّ هذه الآية: {وأقم الصّلاة طرفي النّهار وزلفًا من اللّيل إنّ الحسنات يذهبن السّيّئات ذلك ذكرى للذّاكرين} [هودٍ: 114] قال: فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "توضّأ ثمّ صلّ". قال معاذٌ: فقلت: يا رسول اللّه، أله خاصّةً أم للمؤمنين عامّةً؟ قال: "بل للمؤمنين عامّةً".
ورواه التّرمذيّ من حديث زائدة به، وقال: ليس بمتّصلٍ. وأخرجه النّسائيّ من حديث شعبة، عن عبد الملك بن عميرٍ، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى مرسلًا.
قالوا: فأمره بالوضوء؛ لأنّه لمس المرأة ولم يجامعها. وأجيب بأنّه منقطعٌ بين أبي ليلى ومعاذٍ، فإنّه لم يلقه، ثمّ يحتمل أنّه إنّما أمره بالوضوء والصّلاة للتّوبة، كما تقدّم في حديث الصدّيق [رضي اللّه عنه] ما من عبدٍ يذنب ذنبًا فيتوضّأ ويصلّي ركعتين إلّا غفر اللّه له" الحديث، وهو مذكورٌ في سورة آل عمران عند قوله: {ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم [ومن يغفر الذّنوب إلا اللّه]} الآية [آل عمران:135].
ثمّ قال ابن جريرٍ: وأولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال: عنى اللّه بقوله: {أو لامستم النّساء} الجماع دون غيره من معاني اللّمس، لصحّة الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قبّل بعض نسائه ثمّ صلّى ولم يتوضّأ، ثمّ قال: حدّثني بذلك إسماعيل بن موسى السّدّيّ قال: أخبرنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن عروة عن عائشة قالت: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يتوضّأ ثمّ يقبّل، ثمّ يصلّي ولا يتوضّأ.
ثمّ قال: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا وكيع، عن الأعمش، عن حبيبٍ، عن عروة، عن عائشة؛ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قبّل بعض نسائه، ثمّ خرج إلى الصّلاة ولم يتوضّأ، قلت: من هي إلّا أنت؟ فضحكت.
وهكذا رواه أبو داود والتّرمذيّ، وابن ماجه عن جماعةٍ من مشايخهم، عن وكيعٍ، به.
ثمّ قال أبو داود: روي عن الثّوريّ أنّه قال: ما حدّثنا حبيبٌ إلّا عن عروة المزنيّ، وقال يحيى القطّان لرجلٍ: احك عنّي أنّ هذا الحديث شبه لا شيء.
وقال التّرمذيّ: سمعت البخاريّ يضعّف هذا الحديث وقال: حبيب بن أبي ثابتٍ لم يسمع من عروة.
وقد وقع في رواية ابن ماجه: عن أبي بكر بن أبي شيبة وعليّ بن محمّدٍ الطّنافسيّ، عن وكيعٍ عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن عروة بن الزّبير، عن عائشة.
وأبلغ من ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده، من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة وهذا نصٌّ في كونه عروة بن الزّبير، ويشهد له قوله: من هي إلّا أنت، فضحكت.
لكن روى أبو داود، عن إبراهيم بن مخلد الطّالقاني، عن عبد الرّحمن بن مغراء، عن الأعمش قال: حدّثنا أصحابٌ لنا عن عروة المزنيّ عن عائشة فذكره، واللّه أعلم.
وقال ابن جريرٍ أيضًا: حدّثنا أبو زيدٍ عمر بن شبّة، عن شهاب بن عبّاد، حدّثنا مندل بن عليٍّ، عن ليثٍ، عن عطاءٍ، عن عائشة -وعن أبي روق، عن إبراهيم التّيمي، عن عائشة قالت: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ينال منّي القبلة بعد الوضوء، ثمّ لا يعيد الوضوء.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا وكيعٌ، حدّثنا سفيان، عن أبي روقٍ الهمداني، عن إبراهيم التّيميّ، عن عائشة؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبّل ثمّ صلّى ولم يتوضّأ.
[و] رواه أبو داود والنّسائيّ من حديث يحيى القطّان -زاد أبو داود: وابن مهديٍّ-كلاهما عن سفيان الثّوريّ به. ثمّ قال أبو داود، والنّسائيّ: لم يسمع إبراهيم التّيميّ من عائشة.
وقال ابن جريرٍ أيضًا: حدّثنا سعيد بن يحيى الأمويّ، حدّثنا أبي، حدّثنا يزيد بن سنان، عن عبد الرّحمن الأوزاعيّ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن أبي سلمة، عن أمّ سلمة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم كان يقبّلها وهو صائمٌ، ثمّ لا يفطر، ولا يحدث وضوءًا.
وقال أيضًا: حدّثنا أبو كريبٍ، حدّثنا حفص بن غياث، عن حجّاجٍ، عن عمرو بن شعيبٍ، عن زينب السّهمية عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أنّه كان يقبّل ثمّ يصلّي ولا يتوضّأ.
وقد رواه الإمام أحمد، عن محمّد بن فضيل، عن حجّاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيبٍ، عن زينب السّهميّة، عن عائشة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم، به.
وقوله: {فإن لم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيدًا طيّبًا} استنبط كثيرٌ من الفقهاء من هذه الآية: أنّه لا يجوز التّيمّم لعادم الماء إلّا بعد تطلّبه، فمتى طلبه فلم يجده جاز له حينئذٍ التّيمّم. وقد ذكروا كيفيّة الطّلب في كتب الفروع، كما هو مقرّرٌ في موضعه، كما هو في الصّحيحين، من حديث عمران بن حصينٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رأى رجلًا معتزلًا لم يصلّ في القوم، فقال: "يا فلان، ما منعك أن تصلّي مع القوم؟ ألست برجلٍ مسلمٍ؟ " قال: بلى يا رسول اللّه، ولكن أصابتني جنابةٌ ولا ماء. قال: "عليك بالصّعيد، فإنّه يكفيك".
ولهذا قال تعالى: {فإن لم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيدًا طيّبًا} فالتّيمّم في اللّغة هو: القصد. تقول العرب: تيمّمك اللّه بحفظه، أي: قصدك. ومنه قول امرئ القيس
ولمّا رأت أنّ المنية وردها = وأنّ الحصى من تحت أقدامها دام
تيمّمت العين الّتي عند ضارجٍ = يفيء عليها الفيء عرمضها طام
والصّعيد قيل: هو كلّ ما صعد على وجه الأرض، فيدخل فيه التّراب، والرّمل، والشّجر، والحجر، والنّبات، وهو قول مالكٍ. وقيل: ما كان من جنس التّراب فيختصّ التّراب والرّمل والزّرنيخ، والنّورة، وهذا مذهب أبي حنيفة. وقيل: هو التّراب فقط، وهو مذهب الشّافعيّ وأحمد بن حنبلٍ وأصحابهما، واحتجّوا بقوله تعالى: {فتصبح صعيدًا زلقًا} [الكهف: 40] أي: ترابًا أملس طيّبًا، وبما ثبت في صحيح مسلمٍ، عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "فضّلنا على النّاس بثلاثٍ: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلّها مسجدًا، وجعلت تربتها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء" وفي لفظٍ: "وجعل ترابها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء". قالوا: فخصّص الطّهوريّة بالتّراب في مقام الامتنان، فلو كان غيره يقوم مقامه لذكره معه.
والطّيّب هاهنا قيل: الحلال. وقيل: الّذي ليس بنجسٍ. كما رواه الإمام أحمد وأهل السّنن إلّا ابن ماجه، من حديث أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "الصّعيد الطّيّب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر حججٍ، فإذا وجده، فليمسّه بشرته، فإنّ ذلك خير له".
وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ: وصحّحه ابن حبّان أيضًا ورواه الحافظ أبو بكرٍ البزّار في مسنده عن أبي هريرة وصحّحه الحافظ أبو الحسن القطّان. وقال ابن عبّاسٍ: أطيب الصّعيد تراب الحرث. رواه ابن أبي حاتمٍ، ورفعه ابن مردويه في تفسيره.
وقوله: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم} التّيمّم بدلٌ عن الوضوء في التّطهّر به، لا أنّه بدلٌ منه في جميع أعضائه، بل يكفي مسح الوجه واليدين فقط بالإجماع، ولكن اختلف الأئمّة في كيفيّة التّيمّم على أقوالٍ.
أحدها -وهو مذهب الشّافعيّ في الجديد-: أنّه يجب أن يمسح الوجه واليدين إلى المرفقين بضربتين؛ لأنّ لفظ اليدين يصدق إطلاقهما على ما يبلغ المنكبين، وعلى ما يبلغ المرفقين، كما في آية الوضوء، ويطلق ويراد بهما ما يبلغ الكفّين، كما في آية السّرقة: {فاقطعوا أيديهما} [المائدة: 38] قالوا: وحمل ما أطلق هاهنا على ما قيّد في آية الوضوء أولى لجامع الطّهوريّة. وذكر بعضهم ما رواه الدّارقطنيّ، عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "التّيمّم ضربتان: ضربةٌ للوجه، وضربةٌ لليدين إلى المرفقين". ولكن لا يصحّ؛ لأنّ في أسانيده ضعفاء لا يثبت الحديث بهم وروى أبو داود عن ابن عمر -في حديثٍ-أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه، ثمّ ضرب ضربةً أخرى فمسح بها ذراعيه.
ولكن في إسناده محمّد بن ثابتٍ العبدي، وقد ضعّفه بعض الحفّاظ، ورواه غيره من الثّقات فوقفوه على فعل ابن عمر، قال البخاريّ وأبو زرعة وابن عدي: هو الصّواب. وقال البيهقيّ: رفع هذا الحديث منكرٌ .
واحتجّ الشّافعيّ بما رواه عن إبراهيم بن محمّدٍ عن أبي الحويرث عن عبد الرّحمن بن معاوية، عن الأعرج، عن ابن الصّمّة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تيمّم فمسح وجهه وذراعيه.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني موسى بن سهلٍ الرّمليّ، حدّثنا نعيم بن حمّاد، حدّثنا خارجة بن مصعب، عن عبد اللّه بن عطاءٍ، عن موسى بن عقبة، عن الأعرج، عن أبي جهيم قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يبول، فسلّمت عليه، فلم يردّ عليّ حتّى فرغ، ثمّ قام إلى الحائط فضرب بيديه عليه، فمسح بهما وجهه، ثمّ ضرب بيديه على الحائط فمسح بهما يديه إلى المرفقين، ثم رد علي السلام.
والقول الثّاني: إنّه يجب مسح الوجه واليدين إلى الكفّين بضربتين، وهو القول القديم للشّافعيّ.
والثّالث: أنّه يكفي مسح الوجه والكفّين بضربةٍ واحدةٍ؛ قال الإمام أحمد:
حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة عن الحكم، عن ذرّ، عن ابن عبد الرّحمن بن أبزى، عن أبيه؛ أنّ رجلًا أتى عمر فقال: إنّي أجنبت فلم أجد ماءً؟ فقال عمر: لا تصلّ. فقال عمّارٌ: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سريّةٍ فأجنبنا فلم نجد ماءً، فأمّا أنت فلم تصلّ، وأمّا أنا فتمعّكت في التّراب فصلّيت، فلمّا أتينا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ذكرت ذلك له، فقال: "إنّما كان يكفيك". وضرب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بيده الأرض، ثمّ نفخ فيها ومسح بها وجهه وكفّيه.
وقال أحمد أيضًا: حدّثنا عفّان، حدّثنا أبانٌ، حدّثنا قتادة، عن عزرة عن سعيد بن عبد الرّحمن بن أبزى، عن أبيه، عن عمّارٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال في التّيمّم: "ضربةٌ للوجه والكفّين".
طريقٌ أخرى: قال أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا عبد الواحد، حدّثنا سليمان الأعمش، حدّثنا شقيقٌ قال: كنت قاعدًا مع عبد اللّه وأبي موسى فقال أبو موسى لعبد اللّه: لو أنّ رجلًا لم يجد الماء لم يصلّ؟ فقال عبد اللّه: لا. فقال أبو موسى: أما تذكر إذ قال عمّار لعمر: ألا تذكر إذ بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وإيّاك في إبلٍ، فأصابتني جنابةٌ، فتمرّغت في التّراب؟ فلمّا رجعت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أخبرته، فضحك وقال: "إنّما كان يكفيك أن تقول هكذا"، وضرب بكفّيه إلى الأرض، ثمّ مسح كفّيه جميعًا، ومسح وجهه مسحةً واحدةً بضربةٍ واحدةٍ؟ فقال عبد اللّه: لا جرم، ما رأيت عمر قنع بذاك قال: فقال له أبو موسى: فكيف بهذه الآية في سورة النساء: {فلم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيًدا طيّبًا}؟ قال: فما درى عبد اللّه ما يقول، وقال: لو رخّصنا لهم في التّيمّم لأوشك أحدهم إذا برد الماء على جلده أن يتيمّم.
وقال تعالى في آية المائدة: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} [المائدة:6]،استدلّ بذلك الشّافعيّ، رحمه اللّه تعالى، على أنّه لا بدّ في التّيمّم أن يكون بترابٍ طاهرٍ له غبارٌ يعلق بالوجه واليدين منه شيءٌ، كما رواه الشّافعيّ بإسناده المتقدّم عن ابن الصّمّة: أنّه مرّ بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يبول، فسلّم عليه فلم يردّ عليه، حتّى قام إلى جدارٍ فحتّه بعصًا كانت معه، فضرب بيده عليه ثمّ مسح بها وجهه وذراعيه.
وقوله: {ما يريد اللّه ليجعل عليكم من حرجٍ} أي: في الدّين الّذي شرعه لكم {ولكن يريد ليطهّركم} فلهذا أباح إذا لم تجدوا الماء أن تعدلوا إلى التّيمّم بالصّعيد {وليتمّ نعمتة عليكم لعلّكم تشكرون}
ولهذا كانت هذه الأمّة مختصّةً بشرعيّة التّيمّم دون سائر الأمم، كما ثبت في الصّحيحين، عن جابر بن عبد اللّه، رضي اللّه عنهما، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أعطيت خمسًا لم يعطهنّ أحدٌ قبلي: نصرت بالرّعب مسيرة شهرٍ وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيّما رجلٍ من أمّتي أدركته الصلاة فليصل -وفي لفظ: فعنده طهوره مسجده-وأحلّت لي الغنائم ولم تحلّ لأحدٍ قبلي، وأعطيت الشّفاعة، وكان النّبيّ يبعث إلى قومه وبعثت إلى النّاس عامّةً".
وتقدّم في حديث حذيفة عند مسلمٍ: "فضّلنا على النّاس بثلاثٍ: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض مسجدًا، وتربتها طهورًا إذا لم نجد الماء".
وقال تعالى في هذه الآية الكريمة: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إنّ الله كان عفوًّا غفورًا} أي: ومن عفوه عنكم وغفره لكم أن شرع التّيمّم، وأباح لكم فعل الصّلاة به إذا فقدتم الماء توسعةً عليكم ورخصةً لكم، وذلك أنّ هذه الآية الكريمة فيها تنزيه الصّلاة أن تفعل على هيئةٍ ناقصةٍ من سكرٍ حتّى يصحو المكلّف ويعقل ما يقول، أو جنابةٍ حتّى يغتسل، أو حدثٍ حتّى يتوضّأ، إلّا أن يكون مريضًا أو عادمًا للماء، فإنّ اللّه، عزّ وجلّ، قد أرخص في التّيمّم والحالة هذه، رحمةً بعباده ورأفةً بهم، وتوسعةً عليهم، وللّه الحمد والمنّة.
ذكر سبب نزول مشروعيّة التّيمّم:
وإنّما ذكرنا ذلك هاهنا؛ لأنّ هذه الآية الّتي في النّساء متقدّمة النّزول على آية المائدة، وبيانه أنّ هذه نزلت قبل تحتّم تحريم الخمر، والخمر إنّما حرّم بعد أحدٍ، يقال: في محاصرة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لبني النّضير بعد أحدٍ بيسيرٍ، وأمّا المائدة فإنّها من أواخر ما نزل، ولا سيّما صدرها، فناسب أن يذكر السّبب هاهنا، وباللّه الثّقة.
قال الإمام أحمد: حدّثنا ابن نميرٍ، حدّثنا هشامٌ، عن أبيه، عن عائشة: أنّها استعارت من أسماء قلادةً، فهلكت، فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجالًا في طلبها فوجدوها، فأدركتهم الصّلاة وليس معهم ماءٌ، فصلّوها بغير وضوءٍ، فشكوا ذلك إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأنزل اللّه آية التّيمّم، فقال أسيد بن الحضير لعائشة: جزاك اللّه خيرًا، فواللّه ما نزل بك أمرٌ تكرهينه إلّا جعل اللّه لك وللمسلمين فيه خيرًا.
طريقٌ أخرى: قال البخاريّ: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، أنبأنا مالكٌ، عن عبد الرّحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في بعض أسفاره، حتّى إذا كنّا في البيداء -أو بذات الجيش-انقطع عقدٌ لي، فأقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على التماسه، وأقام النّاس معه، وليسوا على ماءٍ وليس معهم ماءٌ، فأتى النّاس إلى أبي بكرٍ فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وبالنّاس، وليسوا على ماءٍ وليس معهم ماءٌ! فجاء أبو بكرٍ، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم واضعٌ رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والنّاس، وليسوا على ماءٍ وليس معهم ماءٌ! قالت عائشة: فعاتبني أبو بكرٍ وقال ما شاء اللّه أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، ولا يمنعني من التّحرّك إلّا مكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على فخذي، فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على غير ماءٍ، فأنزل اللّه آية التّيمّم فتيمّموا، فقال أسيد بن الحضير: ما هي بأوّل بركتكم يا آل أبي بكرٍ. قالت: فبعثنا البعير الّذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته.
وقد رواه البخاريّ أيضًا عن قتيبة وإسماعيل. ورواه مسلمٌ عن يحيى بن يحيى، عن مالكٍ.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا يعقوب، حدّثنا أبي، عن صالحٍ قال: قال ابن شهابٍ: حدّثني عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن ابن عبّاسٍ، عن عمّار بن ياسرٍ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرّس بأولات الجيش ومعه عائشة زوجته، فانقطع عقدٌ لها من جزع ظفار، فحبس النّاس ابتغاء عقدها، وذلك حتّى أضاء الفجر، وليس مع النّاس ماءٌ، فأنزل اللّه، عزّ وجلّ، على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم رخصة التّطهّر بالصّعيد الطّيّب، فقام المسلمون مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فضربوا بأيديهم الأرض، ثمّ رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التّراب شيئًا، فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب، ومن بطون أيديهم إلى الآباط.
وقد رواه ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا صيفيٌّ، عن ابن أبي ذئبٍ،] عن الزّهرى [ عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن أبي اليقظان قال: كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فهلك عقدٌ لعائشة، فأقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى أضاء الفجر فتغيّظ أبو بكرٍ على عائشة] رضي اللّه عنها [ فنزلت عليه الرّخصة: المسح بالصّعيد الطّيّب. فدخل أبو بكرٍ فقال لها: إنّك لمباركةٌ! نزلت فيك رخصةٌ! فضربنا بأيدينا ضربةً لوجوهنا، وضربةً لأيدينا إلى المناكب والآباط.
حديثٌ آخر: قال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدّثنا محمّد بن أحمد بن إبراهيم، حدّثنا الحسن بن أحمد حدّثنا اللّيث حدّثنا محمّد بن مرزوقٍ، حدّثنا العلاء بن أبي سويّة، حدّثني الهيثم عن زريق المالكيّ -من بني مالك بن كعب بن سعدٍ، وعاش مائةً وسبع عشرة سنةً-عن أبيه، عن الأسلع بن شريكٍ قال: كنت أرحّل ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابتني جنابةٌ في ليلةٍ باردةٍ، وأراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الرّحلة، فكرهت أن أرحّل ناقته وأنا جنبٌ، وخشيت أن أغتسل بالماء البارد فأموت أو أمرض، فأمرت رجلًا من الأنصار فرحّلها، ثمّ رضفت أحجارًا فأسخنت بها ماءً، فاغتسلت. ثمّ لحقت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه فقال: "يا أسلع، مالي أرى رحلتك تغيّرت؟ " قلت: يا رسول اللّه، لم أرحّلها، رحّلها رجلٌ من الأنصار، قال: "ولم؟ " قلت: إنّي أصابتني جنابةٌ، فخشيت القرّ على نفسي، فأمرته أن يرحّلها، ورضفت أحجارًا فأسخنت بها ماءً فاغتسلت به، فأنزل اللّه تعالى: {لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون [ولا جنبًا إلا عابري سبيلٍ حتّى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النّساء فلم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيدًا طيّبًا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم] إنّ الله كان عفوًّا غفورًا} وقد روي من وجهٍ آخر عنه). [تفسير القرآن العظيم: 2/308-323]



رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:27 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة