العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 01:54 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة هود
[ من الآية (41) إلى الآية (44) ]

{ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) }

قوله تعالى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- قوله تعالى: {بسم الله مجرائها} [41].
قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم {مجرائها} بالإمالة وبفتح الميم.
والباقون {مجراها} بضم الميم وهما مصدران، فمن فتح الميم جعله مصدرًا لجرى مجرى، ومن ضم جعله مصدرًا لأجريته، والمصدر من أفعل مُفْعَل وإفعال لا ينكسر كقوله: {وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق} وقال الشاعر.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/280]
الحمد لله ممسانا ومصبحنا = بالخير صبحنا ربي ومسانا
لأنك تقول: أمسى وأصبح. وهذا البيت ينشد مفتوحًا ومضمومًا. وقال آخر:
وعُمرت حرسًا قبل مجرى داحس = لو كان للنفس اللجوج خلود
ينشد: (قبل مجرى) و(بمجرى). وعمرتُ؛ أي: بقيت وطال عمري، والحرس: الدهر.
وأبو عمرو يميل: {مجريها} ونافع بين بين، وكذلك عاصم في رواية أبي بكر. وابن كثير يفتح.
فأما {مرسها}.
فاتفق القراء على ضم الميم. وحمزة والكسائي يميلان وأبو عمرو ونافع ابن بين، وعاصم وابن كثير بالتفخيم.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/281]
وقرأ مجاهد {بسم الله مجريها ومرسيها} جعلهما نعتين لله تعالى، أي: الله أجراها فهو مجر، وأرساها فهو من مرس، وموضعها جر على هذه القراءة، ولا علامة للجر؛ لأن الياء قبلها كسرة مثل قاضيك وراميك.
وحدثني أحمد بن عبدان عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد قال: حدثني هشيم عن عوف عن أبي رجاء: {بسم الله مجريها ومرسيها} مثل قراءة مجاهد.
قال أبو عبيد: وكذلك قرأها حميد). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/282]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ الميم وفتحها من قوله عز وجل: مجراها [هود 41].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: مجراها بضم الميم.
وقرأ حمزة والكسائيّ: مجراها بفتح الميم وكسر الراء، وكذلك حفص عن عاصم: مجراها بفتح الميم، وكسر الراء من غير إضافة. قال: وليس يكسر في القرآن غير هذا الحرف، يعني الراء في: مجراها). [الحجة للقراء السبعة: 4/329]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وكلّهم قرأ: ومرساها [41] بضم الميم.
وكان ابن كثير وابن عامر يفتحان الراء والسين.
وكان نافع وعاصم في رواية أبي بكر يقرءانها بين الكسر والتفخيم.
وكان أبو عمرو وحمزة والكسائيّ يميلون الراء من مجراها ويفتح أبو عمرو وحفص عن عاصم السين من مرساها، وأمالها حمزة والكسائي. وليس فيهم أحد جعلها نعتا.
[الحجة للقراء السبعة: 4/329]
قال أبو علي: يجوز في قوله: بسم الله مجراها ومرساها أن يكون حالا من شيئين: من الضمير الذي في قوله: اركبوا ومن الضمير الذي في فيها، فإن جعلت قوله:
بسم الله مجراها خبر مبتدأ مقدّم في قول من لم يرفع بالظرف، أو جعلته مرتفعا بالظرف، لم يكن قوله: بسم الله مجراها إلا جملة في موضع الحال من الضمير الذي في فيها، ولا يجوز أن يكون من الضمير في قوله: اركبوا لأنه لا ذكر فيها يرجع إلى الضمير، ألا ترى أن الظرف في قول من رفع بالظرف قد ارتفع به الظاهر، وفي قول من رفع في هذا النحو بالابتداء، قد حمل في الظرف ضمير المبتدأ! فإذا كان كذلك، خلت الجملة من ذكر يعود من الحال إلى ذي الحال، وإذا خلا من ذلك، لم يكن إلّا حالا من الضمير الذي في فيها ويجوز أن يكون قوله: بسم الله حالا من الضمير الذي في اركبوا، على أن لا يكون الظرف خبرا عن الاسم الذي هو مجراها على ما كان في الوجه الأول، ولا يكون حالا عن الضمير على حدّ قولك: خرج بثيابه، وركب في سلاحه، والمعنى: ركب مستعدّا بسلاحه، أو متلبّسا بثيابه، وفي التنزيل: وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به [المائدة/ 61]، فكأنّ المعنى: اركبوا متبرّكين باسم الله، ومتمسّكين بذكر اسم الله. فيكون في بسم الله ذكر يعود إلى المأمورين، فإن قلت: فكيف اتصال المصدر الذي هو:
مجراها بالكلام على هذا، فإنه يكون متعلّقا بما في بسم الله من معنى الفعل، وجاز تعلّقه به لأنه يكون ظرفا على
[الحجة للقراء السبعة: 4/330]
نحو: من مقدم الحاج، وخفوق النجم، كأنه: متبرّكين، أو متمسّكين في وقت الجري، أو الإجراء، أو الرسوّ، أو الإرساء، على حسب الخلاف بين القراء ولا يكون الظرف متعلقا ب اركبوا لأن المعنى ليس عليه، ألا ترى أنه لا يراد:
اركبوا فيها في وقت الجري والثبات، إنما المعنى: اركبوا الآن متبرّكين باسم الله في الوقتين اللذين لا ينفكّ الراكبون فيها منهما من الإرساء والإجراء، ليس يراد: اركبوا وقت الجري والرسوّ، فموضع مجراها نصب على هذا الوجه بأنه ظرف عمل فيه المعنى، وفي الوجه الأول رفع بالابتداء أو بالظرف، يدلّ على أنه في الوجه الأول رفع، وأن ذلك الفعل الذي كان يتعلق به، لا معتبر الآن قول الشاعر:
وا بأبي
أنت وفوك الأشنب... كأنّما ذرّ عليه زرنب
وأما قوله: مجراها فحجة من فتح قوله: وهي تجري بهم في موج كالجبال [هود/ 42]، ولو كان مجراها لكان: وهي تجريهم.
وحجّة من ضمّ: أن جرت بهم، وأجرتهم يتقاربان في المعنى، فإذا قال: تجري بهم فكأنّه قال: تجريهم، ويقال:
[الحجة للقراء السبعة: 4/331]
جرى الشيء وجريت به، وأجريته، مثل: ذهب وذهبت به، وأذهبته. فمن قرأ: مجراها فهو مصدر من: جرى الشيء يجري، ويدلّ على مجراها قوله: وهي تجري بهم، ويقال: رسا الشيء يرسو، قال:
فصبرت عارفة لذلك حرّة... ترسو إذا نفس الجبان تطلّع
وقال: والجبال أرساها [النازعات/ 32]، وألقى في الأرض رواسي [النحل/ 15] فهذا يدلّ على رسا.
وقوله: أيان مرساها [الأعراف/ 187] يدلّ على أرسى.
وأمّا إمالة الألف من مرساها وتفخيمها فكلاهما حسن.
وقول أحمد بن موسى: وليس منهم أحد جعلها اسما.
يريد: ليس منهم أحد جعله اسم الفاعل وأجراها على اسم الله، فيقول: مجريها ومرسيها. وهي قراءة قد قرأ بها غيرهم، وليس ذلك بالوجه، لأنها لم تجر بعد، ولو جرت لكان فعل حال، فلا يكون صفة للمعرفة، فإذا لم يحسن على هذا الوجه حمل على البدل، بدل النكرة من المعرفة، كقوله: بالناصية ناصية كاذبة [العلق/ 15 - 16]). [الحجة للقراء السبعة: 4/332]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({بسم الله مجراها ومرساها}
[حجة القراءات: 339]
قرأ حمزة والكسائيّ وحفص {بسم الله مجراها} بفتح الميم وكسر الرّاء من جرت السّفينة جريا ومجرى وقالوا إن معنى ذلك بسم الله حين تجري وحجتهم قوله بعدها {وهي تجري بهم في موج كالجبال} ولم يقل وهي تجري فهذا أول دليل على صحة معنى مجراها بفتح الميم وإسناد إلى السّفينة في اللّفظ والمعنى
وقرأ الباقون {مجراها ومرساها} بضم الميمين أي باللّه إجراؤها وباللّه إرساؤها يقال أجريته مجرى وإجراء في معنى واحد وهما مصدران وحجتهم إجماع الجميع على ضم الميم في {مرساها} فرد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه). [حجة القراءات: 340]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (8- قوله: {ومجراها} قرأ حفص وحمزة والكسائي بفتح الميم والإمالة، بنوه على {جرت} فهو مصدر «جرت» دليله قوله: {تجري بهم} «42» ولو حمل على الضم لقال تجريهم، وقرأ الباقون بضم الميم، وأمال أبو عمرو، وقرأ ورش بين اللفظين، بنوه مصدرًا من «أجرى»، وهما لغتان، يقال: جريت به وأجريته، مثل ذهبت به وأذهبته، وقد أجمعوا على الضم في {مرساها} من «أرسيت»، وهم يقولون: رست، وقد أجمعوا على {الجبال أرساها} «النازعات 32» وعلى الضم في {أيان مرساها} «الأعراف 187» والضم في الميم في {مجراها} الاختيار؛ لأن الأكثر عليه، وقد ذكرنا علة الإمالة فيما تقدم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/528]

قوله تعالى: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- وقوله تعالى: {يا بني اركب معنا} [42].
قرأ عاصم وحده: {يا بني} بنصب الياء، أراد يا بنياه فرخم.
وقرأ الباقون: {يا بني} بكسر الياء، أرادوا: يا بنيي بالإضافة إلى النفس فسقطت، الياء اجتزاء بالكسرة، كما تقول: يا رب اغفر لي، ويا غلام تعال. وفيها ثلاث ياءات، ياء التصغير وهي الأولى، وياء أصلية، وهي الوسطى، وياء الإضافة إلى النفس وهي محذوفة.
وقرأ حمزة وحده: {اركب معنا} مظهرًا.
وقرأ الباقون: {اركب معنا} مدغمًا، وهو الاختيار؛ لأن الميم أخت الباء يخرجان ما بين الشفتين والأول ساكن، فكما يفتح إظهار: {ودت طائفة} و{قد تبين الرشد} للأختية بين الطاء والذال والتاء، كذلك يفتح بيان الباء مع الميم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/282]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر الياء وفتحها من قوله: يا بني اركب معنا [هود/ 42].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ: يا بني اركب معنا مضافة بكسر الياء.
وكذلك كلّ ما أضافه المتكلم إلى نفسه، فالياء فيه مكسورة، إذا كان الابن واحدا إلّا أنّ ابن كثير روي عنه في سورة لقمان أنه قرأ الأحرف الثلاثة [13، 16، 17] مختلفة الألفاظ فكان يقرأ: يا بني لا تشرك [13] بحذف ياء الإضافة، ولا يشدّد ويسكن الياء، وقرأ الثانية: يا بني إنها [16] مشدّدة الياء مكسورة. وقرأ الثالثة: يا بني أقم [17] مثل الأولى ساكنة الياء، هكذا قرأت على قنبل عن القوّاس وتابع البزيّ القواس في الأوليين، وخالفه في الثالثة [فقرأ]: يا بني أقم بفتح الياء.
وروى أبو بكر عن عاصم يا بني اركب معنا مفتوحة الياء في هذا الموضع، وسائر القرآن مكسورة الياء مثل حمزة وروى حفص عنه بالفتح في كلّ القرآن يا بني إذا كان واحدا.
قال أبو علي: الكسر في الياء الوجه في قوله يا بني وذلك أن اللام في ابن ياء أو واو حذفت من ابن، كما حذفت من اسم واثنين، وإذا حقّرت ألحقت ياء التحقير، فلزم أن تردّ
[الحجة للقراء السبعة: 4/333]
اللام التي حذفت، لأنّك لو لم تردّها لوجب أن تحرّك ياء التحقير بحركات الإعراب، وتعاقبها عليها، وهي لا تحرّك أبدا بحركة الإعراب ولا غيرها، ألا ترى أنّ من خفّف الهمزة الساكن ما قبلها نحو: الخبء [النحل/ 27] لم يفعل ذلك في الهمزة في نحو: أفياء، إنّما تبدل من الهمزة ياء، ويدغم فيها ياء التحقير كما يفعل ذلك مع ياء خطيئة، وواو مقروءة، ونحو ذلك من حروف المدّ التي لا تحرك. فإذا قلت: إن ياء التصغير أجريت هذا المجرى، علمت أنها لا تحرّك، كما لا تتحرك حروف المدّ التي أجريت ياء التحقير مجراها. ومما يدلّ على امتناع إلقاء حركة الإعراب على ياء التحقير أن حروف اللين إذا كانت حرف الإعراب، انقلبت ألفا نحو: عصا وقفا، فإن قلت: كيف انقلبت وحركة الإعراب غير لازمة؟ هلّا لم تنقلب كما لم تنقلب الواو المضمومة همزة في نحو: لا تنسوا الفضل بينكم [البقرة/ 237] حيث كانت غير لازمة. قيل: إن الحركة من حركات الإعراب، وإن كانت لا تلزم بعينها الحرف، فلا بدّ من لزوم حركة لغير عينها، فصارت حرف الإعراب لذلك، كأنه قد لزمته حركة واحدة، وهذا المعنى يوجب القلب، ألا ترى أنّ مثال الماضي من نحو: دعا، ورمى، قد لزم حرف الإعراب فيه الانقلاب، وكذلك لزم انقلاب لام نحو: عصا، ورحا، لأنّه لا يخلو من أن تلزمه حركة ما. فصار لذلك بمنزلة دعا، وقضى، ولم يكن بمنزلة قولهم: هذا فخذ، إذا وقعت ضمّة الإعراب فيها بعد كسرة العين من فخذ، لأنها لا تلزم، فالحركة التي ليست بعينها في إيجاب القلب، ليست كالحركة المعيّنة، فلو لم تردّ
[الحجة للقراء السبعة: 4/334]
اللام مع ياء التحقير وجعلتها محذوفة في التحقير، كما حذفتها في التكسير، للزم الياء التي للتحقير الانقلاب، كما لزم سائر حروف الإعراب، فتبطل دلالتها على التحقير،
كما أن الألف في التكسير لو حرّكتها لبطلت دلالتها على التكسير، فلذلك رددت اللام، فإذا رددتها، وأضفت إلى نفسك، اجتمعت ثلاث ياءات. الأولى منها التي للتحقير، والثانية لام الفعل والثالثة التي للإضافة، تقول: هذا بنيّي، فإذا ناديت جاز فيه وجهان: إثبات الياء وحذفها، فمن قال: يا عبادي فأثبت، فقياس قوله أن يقول: يا بنيّي. ومن قال: يا عباد* قال: يا بني، فحذف التي للإضافة وأبقى الكسرة دلالة عليها. وهذا الوجه هو الجيّد عندهم، وذاك أن الياء ينبغي أن تحذف في هذا الموضع لمشابهتها التنوين، وذاك من أجل ما بينهما من المقاربة، ومن ثمّ أدغم في الياء والواو وهي على حرف كما أن التنوين كذلك، ولا تنفصل من المضاف كما لا ينفصل التنوين لمّا شابهها من هذه الوجوه، ومن غيرها أجريت الياء مجرى التنوين في حذفها من المنادى، كحذف التنوين منه، فقالوا: يا بنيّ، كما تقول: يا غلام، فتحذف الياء، وتبقي الكسرة دلالة عليها، فتقول على هذا: يا بنيّ أقبل. فإن قلت:
فهلّا أثبت أبو عمرو الياء هنا، فقال: يا بنيي كما حكاه سيبويه عنه أنه قرأ: يا عبادي فاتقون [الزمر/ 39] بإثبات
[الحجة للقراء السبعة: 4/335]
الياء في يا عبادي فإنه يجوز أن يحذفها هنا، وإن أثبتها في قوله: يا عبادي لاجتماع الأمثال، ويجوز أن يكون أخذ بالوجهين جميعا، لأن إثبات الياء في المفرد وجه، فجعله بمنزلة الهاء في غلامه، وبمنزلة الندبة في: وا غلامك.
قال أحمد: إلا أن ابن كثير روي عنه في سورة لقمان أنه قرأ الثلاثة الأحرف مختلفة الألفاظ، فكان يقرأ يا بني* بحذف ياء الإضافة، ولا يشدّد، ويسكن الياء.
قال أبو علي: إذا قرئت على هذا، فقد حذفت ياء الإضافة، وحذفت الياء التي هي لام الفعل وبقيت الياء التي للتصغير. ووجه ذلك أنه على قوله على: «يا بنيّ أقبل» في الوصل، فإذا وقف قال: يا بنيّ، بياءين، مدغمة الأولى منهما في الأخرى، وخفّف في الوقف، كما يخفف في ضر وسر، فالراء من ضر مشددة، وكما خفّف في قول عمران:
قد كنت جارك حولا ما تروّعني... فيه روائع من إنس ولا جان
فخفف النون للوقف، وأطلقها كما شدّد للوقف، وأطلقها
[الحجة للقراء السبعة: 4/336]
في نحو «سبسبّا» و «عيهلّي». فلمّا حذفت الياء المدغم فيها بقيت الياء ساكنة، والموقوف عليها ياء التصغير، وكان ينبغي أن يكون ذلك في الوقف، فإن وصلها ساكنة فهو قياس «من إنس ولا جان» في أنه خفّف، وأدرجه بحرف الإطلاق، وكذلك وصله بقوله: إنها* [لقمان/ 16]. وغير هذا الوجه في القراءة أولى، وقياس هذا على ما ذكرت لك، ولو كان هذا في فاصلة كان أحسن، لأن الفاصلة في حكم القافية. فإن قلت:
فهلّا امتنع ذلك في الوقف على ياء التصغير، وياء التصغير لا يوقف عليها، ولا يلحق آخر الكلمة؛ قيل: إنها ليست في حكم الآخرة، وإن كان اللفظ على ذلك من حيث كان الحرف المحذوف للتخفيف في الوقف في حكم المثبت، لأن الحذف ليس بلازم له، يدلّك على ذلك قول الشاعر:
إن عديا ركبت إلى عدي... وجعلت أموالها في الحطمي
[الحجة للقراء السبعة: 4/337]
ارهن بنيك عنهم أرهن بني فالياء من بني مخففة للوقف، والتقدير: ارهن بنيّ يا هذا، فلمّا وقف عليه أسكن وخفّف، والياء المحذوفة في نية الثبات وحكمه، يدلّك على ذلك أنه لو كان على خلاف هذا لردّ النون في بنين، فلما لم يردّ النون، ولم يجز أن يردّها للخروج عن القافية، علمت أنها في حكم الثبات.
ومثل هذا ممّا هو في حكم الثبات في اللفظ، وإن كان محذوفا منه قوله:
وكحّل العينين بالعواور
[الحجة للقراء السبعة: 4/338]
فلولا أن الحرف في حكم الثبات، لهمزت كما همزت أوائل ونحوه.
ومثل هذا الحرف المحذوف للتخفيف، الحذف في قولهم: ضوء، وشيء، ومثله الحركة المحذوفة في قولهم:
لقضو الرجل، وقولهم: رضي. كلّ هذا وإن كان محذوفا في اللفظ فهو في حكم الثبات فيه، كما كان المحذوف فيه بعد ياء التحقير من: يا بني، في حكم الثبات.
وأمّا مخالفة البزيّ القواس في الثالثة، وقراءته لها: يا بني أقم بفتح الياء، ورواية أبي بكر عن عاصم في هذا الموضع كذلك؛ فالقول فيه أنه أراد به الإضافة، كما أرادها في قوله: يا بني* إذا كسر الياء التي هي لام الفعل، كأنه قال: يا بني* ثم أبدل من الكسرة الفتحة، ومن الياء الألف، فصار: يا بنيّا، كما قال:
يا بنت عمّا لا تلومي واهجعي ثمّ حذف الألف، كما كان يحذف الياء في: يا بني إنها وقد حذفت الياء التي للإضافة، إذا أبدلت الألف منها، أنشد أبو الحسن:
فلست بمدرك ما فات مني... بلهف ولا بليت ولا لوانّي
[الحجة للقراء السبعة: 4/339]
قال: كذا سمعناه من العرب، فقوله: بلهف، إنّما هو بلهفى، فحذف الألف، وقد أجريت الألف مجرى الياء في الحذف في هذا النحو في الشعر وغيره، وإن لم يكثر فقالوا:
أصاب الناس جهد، ولو تر ما أهل مكة، فحذفت الألف من ترى. كما حذفت الياء من يوم يأت لا تكلم نفس [هود/ 105] ونحوه، وحذف في الشعر من القافية، كما حذفت الياء قال:
ورهط ابن المعل وكذلك حذف الألف في بنيّ، كما حذف في النداء نحو: يا بنيّ، ولا يجوز أن يكون الحذف فيه على إرادة الندبة، قال أبو عثمان: ومن قال ذلك فقد أخطأ، قال: وذلك أن من كان من العرب لا يلحق في الندبة الألف فإنه يجعله نداء، فلو حذفها صار نداء على غير جهة الندبة، قال أبو عثمان: ووضع الألف مكان الياء في الإضافة مطّرد، وأجاز: يا زيد أقبل. إذا أردت الإضافة، قال: وعلى هذا قراءة من
[الحجة للقراء السبعة: 4/340]
قرأ، يا أبت لم تعبد [مريم/ 42] ويا قوم لا أسألكم [هود/ 29]، وأنشد أبو عثمان:
وقد زعموا أنّي جزعت عليهما... وهل جزع إن قلت وا بأباهما
فهذا الوجه أوجه من الإسكان، وقد أجازه أبو عثمان ورآه مطّردا، فعلى رأي أبي عثمان يكون ما رواه حفص عن عاصم أنه قرأ في كلّ القرآن: يا بني إذا كان واحدا). [الحجة للقراء السبعة: 4/341]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة علي بن أبي طالب -عليه السلام- وعروة بن الزبير وأبي جعفر محمد بن علي وأبي عبد الله جعفر بن محمد: [ونادَى نُوحٌ ابنَهَ]، ورُوي عنه عروة: [ابْنَها]. وقرأ: [ابْناه] ممدوة الألف السدي على النداء، وبلغني أنه على التَّرَثي، ورُوي عن ابن عباس: [نُوحٌ ابنَهْ] جزم.
قال أبو الفتح: أما [ابنَهَ] فإنه أراد ابنها، كما يُروى عن عروة فيما قرأ: [ابنها]؛ يعني: ابن امرأته؛ لأنه قد جرى ذكرها في قوله سبحانه: {وَأَهْلَكَ}، فحذف الألف تخفيفًا، كقراءة
[المحتسب: 1/322]
من قرأ: [يا أبَتَ]. قال أبو عثمان يريد: يا أبتاه، وقد ذكرنا حذف الألف فيما مضى، وأنشدنا البيت الذي أنشده أبو الحسن وابن الأعرابي جميعًا:
فلستُ بمدرِك ما فات مني ... بلهفَ ولا بِلَيْتَ ولا لو اني
أراد: بهلفا، وغَيَّره.
وقراءة السدي: [ابناه] يريد بها الندبة، وهو معنى قولهم: "الترثِّي، وهو على الحكاية؛ أي قال له: يا ابناه، على النداء. ولو أراد حقيقة الندبة لم يكن بُد من أحد الحرفين: يا ابناه، أو واابناه، كقولك فيها: وازيداه، ويازيداه.
وأما [ابْنَهْ] بجزم الهاء، فعلى اللغة التي ذكرناها لأزد السراة في نحو قوله:
ومِطْواي مشتاقان لَهُ أَرِقَانِ). [المحتسب: 1/323]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يا بني اركب معنا}
قرأ عاصم {يا بني اركب} بفتح الياء وقرأ الباقون بالكسر
قال الزّجاج كسرها من وجهين أحدهما أن الأصل يا بنيي والياء تحذف في النداء أعني ياء الإضافة وتبقى الكسرة تدل عليها ويجوز أن تحذف الياء لسكونها وسكون الرّاء من قوله {اركب} وتقر في الكتاب على ما هي في اللّفظ والفتح من جهتين الأصل يا بنيا بالألف فتبدل الألف من ياء الإضافة العرب تقول يا غلاما أقبل ثمّ تحذف الألف لسكونها وسكون الرّاء وتقر في الكتاب على ما هي في اللّفظ ويجوز أن تحذف الألف للنداء كما تحذف ياء الإضافة وإنّما حذفت ياء الإضافة وألف الإضافة في النداء
[حجة القراءات: 340]
كما تحذف التّنوين لأن ياء الإضافة زيادة في الاسم كما أن التّنوين زيادة). [حجة القراءات: 341]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (9- قوله: {يا بني اركب} قرأ عاصم بفتح الياء والتشديد، هنا وفي يوسف والصافات وثلاثة مواضع في لقمان ووافقه أبو بكر على الفتح هنا خاصة. وقرأ ابن كثير بإسكان الياء والتخفيف في لقمان في قوله: {يا بُني لا تشرك} «13» وقرأ في رواية قنبل عنه: {يا بني أقم الصلاة} «لقمان 17» بإسكان الياء والتخفيف، وفي رواية البزي بفتح الياء والتشديد كقراءة حفصن وقرأ جمع ذلك الباقون بكسر الياء والتشديد.
وحجة من شدد الياء وكسرها، وعليه أكثر القراء، وهو الاختيار؛ لأن الأصل فيه ثلاث ياءات: الأولى ياء التصغير والثانية هي لام الفعل في «ابن» لأن أصله «بنى» على «فعل» والتصغير يرد المصغرات إلى أصولها، فردت الياء؛ لأنها أصلية، وامتنعت ياء التصغير من دخول الحركات فيها، لئلا تقلب وتغير، والثالثة هي ياء الإضافة التي ينكسر ما قبلها أبدًا، فأدغمت ياء التصغير في الثانية، وفي لام الفعل، وكسرت لأجل ياء الإضافة، وحذفت ياء الإضافة لاجتماع ثلاث ياءات مع تشديد وكسرتين، ولأن فيه أكثر من غير اجتماع كسرات وياءات، فإذا اجتمع ما يستثقل كان الحذف آكد وأقوى، وبقيت الكسرة تدل على ياء الإضافة، كما تقول: يا غلام ويا صاحب تعال، فتحذف الياء وتبقى الكسرة تدل عليها، وإنما قوي الحذف لياء الإضافة في النداء لأنها بدل من التنوين، والتنوين لا يثبت في المعارف في النداء، فحذف ما هو بدل منه، وإثباتها جائز في كل موضع إلا فيما يقع فيه الاستثقال، لاجتماع الياءات، فإن الإثبات لياء الإضافة فيه ضعف قليل نحو: يا بني، ويا أخي، وشبهه.
10- وحجة من فتح الياء مشددة أنه لما أتى بالكلمة على أصلها بثلاث
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/529]
ياءات، استثقل اجتماع الياءات والكسرات، فأبدل من الكسرة التي قبل ياء الإضافة فتحة، فانقلبت ياء الإضافة ألفًا، ثم حذفت الألف، كما تحذف الياء في النداء، وبقيت الفتحة تدل على الألف المحذوفة، وقد أجاز المازني: «يا زيدا تعال» يريد: يا زيدي، ثم أبدل من كسرة الدال فتحة، ومن الياء ألفا، قال المازني: وضع الألف مكان الياء في النداء مطرد، وعلى هذا قرأ ابن عامر: {يا أبت} «يوسف 4» بفتح التاء، أراد: يا أبتي، ثم قلب وحذف الألف لدلالة الفتحة عليها.
11- وحجة من أسكن الياء أنه حذف ياء الإضافة، على أصل حذفها في النداء، ثم استثقل ياء مشددة مكسورة فحذف لام الفعل فبقيت ياء التصغير ساكنة، وهي قراءة فيها ضعف لتكرر الحذف، وقد جاءت في الشعر في غير الياءات، فهو في الياءات أجود لثقل ذلك). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/530]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (6- {يَا بُنَيَّ} [آية/ 42] والبزي بفتح الياء:
والوجه في كسر الياء أن أصله: يا بني كما سبق، مثل عبيدي، فحذفت
[الموضح: 644]
ياء الإضافة وأبقيت الكسرة دلالة عليها، وياء الإضافة قد تحذف من المنادى
[الموضح: 645]
كما يحذف التنوين منه، فيقال يا بني كما يقال يا غلام أقبل.
وحذف الياء ما يا بني أحسن من حذفها في يا عبيد، لاجتماع ثلاث ياءات: إحداها ياء التصغير، والثانية لام الفعل، والثالثة ياء الإضافة.
وأما قراءة ابن كثير في لقمان {يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ} بياء ساكنة خفيفة، فوجهها أنه لما حذف ياء الإضافة من يا بنيي بقي يا بني بياء مشددة مكسورة، ثم خفف الياء المشدد للوقف، كما يخفف ضر إذا وقف على ضر مشددة الراء في نحو قوله:
51- ما أفاد الله من سرٍ وضر
فبقي يا بني بياء واحدة ساكنة، وهي ياء التصغير؛ لأن التي هي لام الفعل قد حذفت للتخفيف، وهذا إنما يجوز في حال الوقف، لكنه أجري الوصل مجرى الوقف، وهذا في الفواصل أحسن؛ لأن الفواصل كالقوافي، وهذا التخفيف الذي ذكرناه بابه الشعر). [الموضح: 646]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (7- {اِرْكَبْ مَعَنَا} [آية/ 42] بالإظهار:
قرأها نافع ن- وابن عامر وحمزة ويعقوب والبزي عن ابن كثير.
والوجه أن ترك الإدغام في مثل هذا أصل؛ لأن الحرفين من كلمتين وهما متقاربان لا مثلان.
وقرأ أبو عمرو والكسائي و-ص- عن عاصم بالإدغام.
والوجه أنهما حرفان من مخرج واحد وهما الباء والميم، ولتقاربهما جاز إبدال أحدهما من الآخر، نحو أخذته من كثبٍ وكثمٍ، وضربة لازبٍ ولازمٍ، فلما كانا من مخرج واحد أشبها المثلين، فحسن إدغام أحدهما في الآخر). [الموضح: 647]

قوله تعالى: {قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)}

قوله تعالى: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعمش بخلاف: [على الْجُودِي] خفيف.
قال أبو الفتح: تخفيف ياءَي الإضافة قليل إلا في الشعر. أنشدنا أبو علي:
بَكِّي بعينكِ واكفَ القطر ... ابن الحواري العالي الذِّكْر
يريد: [الحواريّ]. ورُوي عنهم: لا أكلمك حِيْرِيْ دهر بتخفف الياء، يريد: حِيْرِيّ دهر، وهذا في النثر، فعليه قراءة الأعمش: [الْجُودِي] خفيفًا). [المحتسب: 1/323]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 01:55 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة هود

[ من الآية (45) إلى الآية (49) ]

{ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47) قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48) تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49) }

قوله تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)}

قوله تعالى: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (7- وقوله تعالى: {إنه عمل غير صالح} [46].
قرأ الكسائي وحده: {إنه عمل غير صالح} تقديره: إنه عمل عملاً غير صالح، وجاء في التفسير: أنه كان ابنه ولكن خالفه في النية والعمل.
واحتج من قرأ بهذه القراءة بما حدثنا أحمد عن علي عن أبي عبيد قال: حدثنا حجاج عن هارون، وحماد بن سلمة عن ثابت عن شهر بن حوشب قال أحدهما: عن أم سلمة، وقال الآخر: عن أسماء بنت يزيد إنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: {إنه عمل غير صالح}.
وقرأ الباقون: {عمل غير صالح} بالرفع أي: إن سؤلك إياي أن أنجي رجلاً كافرًا عمل غير صالح.
قال ابن مجاهد: والاختيار الرفع على قراءة أهل المدينة والحجاز، قال: ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حُفظ عنه {عمل غير صالح} لكان أهل المدينة أحفظ لها من غيرهم؛ لأنها مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/283]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (8- وقوله تعالى: {فلا تسئلن ما ليس لك به علم} [46].
قرأ ابن كثير {تسئلن} بفتح النون جعل «تسأل» جزمًا على النهي والنون للتأكيد ففتحت اللام لالتقاء الساكنين كما تقول: لا تضربن ولا تشتمن أحدًا.
وقرأ نافع في رواية قالون وابن عامر: {تسئلن} بكسر النون مع التشديد أراد: تسئلني، فحذف الياء اختصارًا.
وروى ورش عن نافع: {تسئلني} بالياء في الوصل وأنشد شاهدًا لورش:
فلا تجعلني كامرئ ليس بينة = وبينك من قربي ولا متنسب
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/283]
فصل واشجات بيننا من قرابة = ألا صلة الأرحام أبقى وأقرب
وقرأ الباقون {تسئلن} خفيفًا بنون مسكن اللام، غير أن أبا عمرو يثبت الياء وصلاً ويحذفها وقفًا. فمن قرأ بهذه القراءة فاللام ساكنة للجزم والنون مع الياء اسم المتكلم في موضع النصب كما تقول: لا تضربني ولا تشتمني.
وفيها قراءة سادسة. حدثني أحمد بن عبدان عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد قال: حدثني أبو نميلة يحيى بن واضح الخرساني عن الحسن بن واقد قال: سمعت ابن أبي مليكة يقرأ: {فلا تسلن} بفتح السين واللام والنون أراد الهمزة فنقل فتحها إلى السين وخزل الهمزة تخفيفًا في النهي كما يحذف في الأمر {سل بني إسرائيل} فاعرف ذلك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/284]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله تعالى: إنه عمل غير صالح [46] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة: إنه عمل رفع منون. غير صالح برفع الراء. وقرأ الكسائيّ وحده: إنه عمل غير صالح بفتح العين وكسر الميم، وفتح اللام، غير صالح بنصب الراء.
قال أبو علي: قول من قال: عمل فنوّن عملا، أن الضمير في إنه* قد قيل فيه أن المراد به أنّ سؤالك ما ليس لك به علم غير صالح، ويحتمل أن يكون الضمير لما دلّ عليه: اركب معنا ولا تكن مع الكافرين
[هود/ 42]، فيكون التقدير: إنّ كونك مع الكافرين وانحيازك إليهم، وتركك
[الحجة للقراء السبعة: 4/341]
الركوب معنا والدخول في جملتنا عمل غير صالح، ويجوز أن يكون الضمير لابن نوح كأنه جعل عملا غير صالح كما يجعل الشيء الشيء لكثرة ذلك منه كقولهم: الشعر زهير، أو يكون المراد أنه ذو عمل غير صالح، فحذف المضاف.
فأما قول نوح: إن ابني من أهلي [هود/ 45]، وقوله تعالى: إنه ليس من أهلك [هود/ 46]، فيجوز أن يكون نوح قال ذلك على ظاهر ما شاهد من ابنه من متابعته له، وتصديقه إياه. فقال له: ليس من أهلك أي: من أهل دينك، فحذف المضاف، ويجوز أن يكون المعنى: ليس من أهلك الذين وعدتهم أن أنجيهم من الغرق، لمخالفته لك من الدين، فبعّد المخالفة في الدين قرب النسب الذي بينكما للمباينة في الإيمان، كما تقرّب الموالاة فيه مع البعد في النسب، قال:
إنما المؤمنون إخوة [الحجرات/ 10].
ويجوز أن يكون الله تبارك وتعالى أطلع نوحا على باطن أمره، كما أطلع محمدا رسوله عليه السلام على ما استبطنه المنافقون.
ومن قرأ: إنه عمل غير صالح فقد زعموا أن ذلك روي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فيكون هذا في المعنى كقراءة من قرأ:
إنه عمل غير صالح وهو يجعل الضمير لابن نوح، فتكون
[الحجة للقراء السبعة: 4/342]
القراءتان متفقتين في المعنى، وإن اختلفتا في اللفظ.
فأمّا قوله: ما ليس لك به علم فيحتمل قوله: به* في الآية وجهين: أحدهما أن يكون كقوله:
كان جزائي بالعصا أن أجلدا إذا قدّمت بالعصا للتبيين، وكقوله: وكانوا فيه من الزاهدين [يوسف/ 20]، وإني لكما لمن الناصحين [الأعراف/ 21]، وأنا على ذلكم من الشاهدين [الأنبياء/ 56] وزعم أبو الحسن أن ذلك إنما يجوز في حروف الجر، والتقدير فيه التعليق بمضمر يفسّره هذا الذي ظهر بعد، وان كان يجوز تسلّطه عليه، ومثل ذلك قوله: يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين [الفرقان/ 22]، وقوله:
ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق أئنكم لفي خلق جديد [سبأ/ 7]، فانتصب يوم يرون بما دلّ عليه لا بشرى يومئذ ولا يجوز لما بعد لا* هذه أن تتسلّط على يوم يرون وكذلك قوله:
أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون [المؤمنون/ 82]، فإذا* يتعلق بما دلّ عليه إنا لمبعوثون ولا يجوز أن يتسلط
[الحجة للقراء السبعة: 4/343]
عليه، وكذلك إني لكما لمن الناصحين يتعلق بما يدل عليه النصح المظهر، وإن لم يتسلط عليه، والتقدير: إني ناصح لكما من الناصحين.
وكذلك: ما ليس لك به علم [هود/ 46] يتعلّق بما يدلّ عليه قوله: علم الظاهر وإن لم يجز أن يعمل فيه، ويجوز في قوله: ما ليس لك به علم وجه آخر وهو أن يكون متعلّقا بالمستتر، وهو العامل فيه كتعلق الظرف بالمعاني كما نقول: ليس لك فيه رضا، فيكون به* في الآية بمنزلة: فيه، والعلم يراد به العلم المتيقن الذي يعلم به الشيء على حقيقته، ليس العلم الذي يعلم به الشيء على ظاهره، كالذي في قوله:
فإن علمتموهن مؤمنات [الممتحنة/ 10] ونحو ما يعلمه الحاكم من شهادة الشاهدين، وإقرار المقرّ بما يدّعى عليه، ونحو ذلك مما يعلم به العلم الظاهر الذي يسع الحاكم الحكم بالشيء معه). [الحجة للقراء السبعة: 4/344]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: فلا تسألن ما ليس لك به علم [هود/ 46].
فقرأ ابن كثير وابن عامر: فلا تسألن مفتوحة اللام مشدّدة النون غير واقعة. هكذا روى أبو عبيد عن هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر.
وروى ابن ذكوان فلا تسألن مفتوحة اللام مشدّدة النون مكسورة النون، فهذا يدلّ على أنها واقعة خلاف ما روى أبو عبيد.
[الحجة للقراء السبعة: 4/344]
وقرأ نافع: فلا تسألن كما قرأ ابن كثير وابن عامر، غير أنه كسر النون. واختلف عنه في إثبات الياء في الوصل وحذفها، فروى ابن جمّاز وورش والكسائيّ عن إسماعيل بن جعفر، وأبو بكر بن أبي أويس عن نافع: مشدّدة بالياء في الوصل. وقال المسيّبي وقالون في رواية القاضي عنه، وأبو عبيد القاسم بن سلّام، وسليمان بن داود الهاشمي، عن إسماعيل بن جعفر وأبو بكر بن أبي أويس عن نافع فلا تسألن مكسورة من غير ياء في الوصل.
وقال أحمد بن صالح عن ورش: فلا تسألن السين ساكنة والهمزة قبل اللام واللام ساكنة، والياء مثبتة في الوصل.
وقال أحمد بن صالح عن قالون: اللام ساكنة والسين ساكنة، والنون مكسورة بغير ياء في وصل ولا وقف.
وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائيّ: فلا تسألن ما ليس لك خفيفة النون ساكنة اللام. وكان أبو عمرو يثبت الياء في الوصل مثل نافع في رواية من روى عنه ذلك.
وكان عاصم وحمزة والكسائي لا يثبتون الياء في الوصل والوقف.
قال أبو علي: سألت: فعل يتعدّى إلى مفعولين، وليس مما يدخل على المبتدأ وخبره، فيمتنع أن يتعدى إلى مفعول واحد، فمن قرأ: تسألن بفتح اللام، ولم يكسر النون، عدّى
[الحجة للقراء السبعة: 4/345]
السؤال إلى مفعول واحد في اللفظ، والمعنى على التعدي إلى ثان.
قال: وروى ابن ذكوان مفتوحة اللام مشدّدة النون مكسورة، فهذا يدلّ على أنها واقعة، يريد أن كسر نون فلا تسألن يدلّ على أنه قد عدّى السؤال إلى مفعولين أحدهما اسم المتكلم، والآخر الاسم الموصول، وحذفت النون المتصلة بياء المتكلّم لاجتماع النونات، كما حذفت النون من قولهم:
«إني» لذلك، وكما حذف من قوله:
يسوء الفاليات إذا فليني فأما إثبات الياء في الوصل فهو الأصل، وحذفها أخفّ والكسرة تدلّ عليها ويعلم أن المفعول مراد في المعنى). [الحجة للقراء السبعة: 4/346]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إنّه ليس من أهلك إنّه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم}
قرأ الكسائي {إنّه عمل غير صالح} بنصب اللّام والرّاء وحجته حديث أم سلمة قالت قلت يا رسول الله كيف أقرأ {عمل غير صالح} أو {عمل غير صالح} فقال {عمل غير صالح} بالنّصب فالهاء في هذه القراءة عائدة على ابن نوح لأنّه جرى ذكره قبل ذلك فكني عنه
وكان بعض أهل البصرة ينكر هذه القراءة فاحتج لذلك بأن العرب لا تقول عمل غير حسن حتّى تقول عمل عملا غير حسن وقد ذهب عنه وجه الصّواب فيما حكاه لأن القرآن نزل بخلاف قوله قال الله تعالى {ومن تاب وعمل صالحا} معناه ومن تاب وعمل عملا صالحا وقال {واعملوا صالحا} ولم يقل عملا وقال في موضع آخر {إلّا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا} وقال {ويتبع غير سبيل المؤمنين} ولم يقل سبيلا غير سبيل المؤمنين فكذلك قوله إنّه عمل غير صالح معناه إنّه عمل عملا غير صالح
وقرأ الباقون {إنّه عمل غير صالح} بفتح الميم وضم اللّام والرّاء وحجتهم ما روي في التّفسير جاء في قوله {إنّه عمل غير صالح}
[حجة القراءات: 341]
أي إن سؤالك إيّاي أن أنجي كافرًا عمل غير صالح لأن نوحًا قال {رب إن ابني من أهلي} فقال الله تعالى {إنّه ليس من أهلك} الّذين وعدتك أن أنجيهم إن سؤالك إيّاي {عمل غير صالح} وقيل {ليس من أهلك} أي من أهل دينك فالهاء في قراءتهم كناية عن السّؤال ولم يجر له ذكر ظاهر وذلك جائز فيا قد عرف موضعه أن يكني عنه أو جرى ما يدل عليه كقوله جلّ وعز {ولا يحسبن الّذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا} فكنى عن البخل لأنّه ذكر الّذين يبخلون اكتفاء به من ذكر البخل وكنى عنه وقال {حتّى توارت بالحجاب} يعني الشّمس وهذه أعلام لا يجهل موضعها قال الشّاعر:
إذا نهي السّفيه جرى إليه ... وخالف والسّفيه إلى خلاف
فقال جري إليه ولم يجر ذكر السّفه ولكن لما ذكر السّفيه دلّ على السّفه
والسّؤال في قصّة نوح لم يجر له ذكر ولكنه لما ذكر {إن ابني من أهلي} دلّ على السّؤال
وقال آخرون منهم الزّجاج الهاء كناية عن ابن نوح أي
[حجة القراءات: 342]
إنّه ذو عمل غير صالح كما قال الشّاعر:
ترتع ما رتعت حتّى إذا ادكرت ... فإنّما هي إقبال وإدبار
أي ذات إقبال وإدبار
قرأ ابن كثير {فلا تسألن} بفتح النّون مع التّشديد الأصل فلا تسأل جزما على النّهي ثمّ دخلت نون التوكيد ففتحت اللّام لالتقاء الساكنين كما تقول لا تضربن ولا تشتمن أحدا الأصل لا تضرب ثمّ دخلت نون التوكيد فبني الكلام على الفتح لاجتماع الساكنين
قرأ أهل المدينة {فلا تسألني} بتشديد النّون وإثبات الياء في الوصل الأصل فلا تسألنني فاجتمعت ثلاث نونات مثل ما اجتمعت في إنّني وكأنني ثمّ حذفوا النّون الّتي زيدت مع الياء فقيل إنّي وكذلك حذفت النّون في قوله {فلا تسألني}
وقرأ قالون عن نافع وابن عامر فلا تسألن مكسورة النّون مشدّدة من غير ياء الأصل كما ذكرنا إلّا أنهم حذفوا الياء لأن الكسرة تدل على الياء
وقرأ أبو عمرو {فلا تسألني} بتخفيف النّون وسكون اللّام مثبتة الياء في الوصل النّون مع الياء اسم المتكلّم في موضع نصب والنّون
[حجة القراءات: 343]
إنّما دخلت ليسلم سكون اللّام قال عبّاس سألت أبا عمرو فقلت وقرأ بعض القرّاء فلا {تسألن} بفتح النّون وأنا أقرأ {فلا تسألني} لقول الله تعالى {رب إنّي أعوذ بك أن أسألك} قال {أن أسألك} يدل على أنه نهاه أن يسأله
وقرأ أهل الكوفة {فلا تسألن} خفيفة النّون محذوفة الياء وإنّما حذفوا الياء اختصارا لأن الكسرة تدل على الياء). [حجة القراءات: 344]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (12- قوله: {إنه عمل غير صالح} قرأ الكسائي بكسر الميم وفتح اللام، ونصب {غير} وقرأ الباقون بفتح الميم، وضم اللام منونة، ورفع {غير}.
وحجة من قرأ برفع {عمل} و{غير} أنه جعل الكلام متصلا من قول الله جل ذكره لنوح، وجعل الضمير في {إنه} راجعًا إلى السؤال، فجعل «العمل» خبر «إن» لأنه هو السؤال، وجعل «غيرا» صفة لـ «العمل»، والتقدير: إن سؤالك أن أنجي كافرًا عمل منك غير صالح، وقيل: تقديره إن
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/530]
سؤالك ما ليس لك به علم عمل منك غير صالح. ويجوز أن تكون الهاء في {إنه} تعود على ما دل عليه أول الكلام، وهو قوله: {اركب معنا ولا تكن مع الكافرين} فيكون التقدير: إن كون الكافرين معك عمل منك غير صالح فيكون أيضًا من قول الله جل ذكره لـ {نوح} كالأول، ويجوز أن يكون الكلام من قول «نوح» لابنه يخاطبه بذلك ويقرعه، وتقديره: يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين إنه عمل غير صالح، أي: إن كونك مع الكافرين عمل منك غير صالح، ويجوز أن تكون الهاء لابن نوح على تقدير حذف مضاف مع العمل، أي: إن ابنك ذو عمل، فيكون من كلام الله جل ذكره لـ «نوح».
13- وحجة من قرأ بكسر الميم ونصب «غيرا» أنه جعل الضمير في «إنه» لابن نوح، فأخبر عنه بفعله، وجعله «غيرا» صفة لمصدر محذوف، والتقدير: إن ابنك عمل عملًا غير صالح، فيكون معناها كالمعنى في القراءة برفع {عمل} في قول من جعل الهاء لابن نوح، وأضمر مضافًا محذوفًا، ومعنى {ليس من أهلك} أي: ليس من أهل دينك، وقيل: ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم من الغرق، وقيل إنه كان ربيبه، ولم يكن ولده، وقد روت عائشة وأسماء ابنة يزيد أن النبي عليه السلام قرأ «عَمِل غيرَ صالح»، تعنى بكسر الميم ونصب {غير} وكذلك روت عنه أم سلمة أنه أمرها أن تقرأ كذلك بكسر الميم ونصب {غير} ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/531]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (14- قوله: {فلا تسألن} قرأه ابن كثير بفتح النون واللام مشددا، وقرأ نافع وابن عامر بكسر النون وفتح اللام مشددا، وقرأ الباقون بإسكان اللام وكسر النون مخففا.
وحجة من فتح النون وشدد أنه جعلها النون المشددة التي تدخل في الأمر والنهي للتأكيد، وفتح اللام التي قبلها، ولئلا يلتقي ساكنان، والفعل للواحد أبدا، مع النون الثقيلة والخفيفة، مبني على الفتح، وعدّى الفعل إلى مفعول واحد هو {ما} وذلك حسن في «سأل» لأنه غير داخل على ابتداء وخبرن وكذلك العلة لمن شدد وكسر النون غير أنه عدّى الفعل إلى مفعولين وهما الياء و{ما} فحذف الياء لدلالة الكسرة عليها، وكان أصله ثلاث نونات «تسألنني» في النون المشددة التي للتأكيد مقام نونين، فالنون التي تدخل مع الياء في اسم المضمر المفعول في نحو: ضربني، فحذف إحدى النونات لاجتماع الأمثال تخفيفًا، كما تحذف في «إني»، وأصلها «إنني».
15- وحجة من أسكن اللام وخفف النون أنه لم يدخل النون المشددة التي للتأكيد في الفعل، ووصل الفعل بضمير المتكلم، وهو المفعول الأول، و{ما} المفعول الثاني، وأسكن اللام للنهي وحذف الياء لدلالة الكسرة عليها، فالفعل في هذه القراءة معرب مجزوم للنهي، وفيما تقدم مبني على الفتح). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/532]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ} [آية/ 46] بكسر الميم وفتح اللام، ونصب {غَيْرَ}:
قرأها الكسائي ويعقوب.
والوجه أن الضمير في {إِنَّهُ} لابن نوح، والمعنى أن ابنك عمل عملًا غير صالح، فيكون {عَمِلَ} فعلًا ماضيًّا، وفيه ضمير الفاعل، و{غيرَ صالح}
[الموضح: 647]
مفعول به، والتقدير: عما عملًا غير صالح، فحُذف الموصوف وأُقيمت الصفة مقامه.
وقرأ الباقون {عَمَلٌ} بفتح العين ورفع اللام منونة، ورفع {غَيْرُ}.
والوجه أنه يجوز أن يكون الضمير في {إِنَّهُ} لابن نوح أيضًا، فيكون على حذف المضاف، والتقدير: إن ابنك ذو عمل غير صالحٍ، فحُذف المضاف وأُقيم المضاف إليه مقامه، أو يكون محمولًا على المجاز والاتساع، كأنه لكثرة ما يقع منه من عمل غير صالح جعله عملًا غير صالح، كما قالت الخنساء:
52- ترتع ما رتعت حتى إذا غفلت = فإنما هي إقبالٌ وإدبار
ويجوز أن يكون الضمير في {إِنّه} للسؤال، والتقدير: إن سؤالك ما ليس لك به علمٌ عملٌ غير صالحٍ، ويدل على السؤال ما بعده، وهو قوله {فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}.
[الموضح: 648]
ويجوز أن يكون ضمير {إنّهُ} لما يدل عليه قوله {وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ}، والتقدير: إن كون ابنك من الكافرين وانحيازه إليهم عملٌ غير صالح). [الموضح: 649]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {فَلَا تَسْأَلَنَّ} [آية/ 46] بفتح اللام والنون جميعًا مشددة:
قرأها ابن كثير وحده.
والوجه أن النون نون التأكيد الشديدة، وهي مفتوحة في فعل الواحد، والسؤال ههنا معدى إلى مفعول واحد، فإن سألت يتعدى إلى مفعولين، ويجوز الاقتصار على أحدهما، فاقتصر ههنا على أحد المفعولين.
وقرأ نافع وابن عامر بفتح اللام وكسر النون مشددة، لكن ش- و-يل- رويا عنه بإثبات الياء في حالة الوصل دون الوقف، وروى ن- عنه بغير ياء في الحالين.
والوجه أنه يجوز أن يكون أصله تسألنني بنون التأكيد الشديدة مع النون المتصلة بياء الإضافة، فحذف النون المتصلة بياء الإضافة لاجتماع النونات، كما حُذفت من إني، فبقي تسألني، ثم حُذفت الياء أيضًا في رواية ن- وبقيت الكسرة تدل عليها.
ويجوز أن يكون أصله تسألن بنون التأكيد الخفيفة دخلت عليها النون المتصلة بياء الإضافة، فبقي تسألني، ثم حُذفت الياء في رواية ن- وبقيت
[الموضح: 649]
الكسرة تدل عليها، وفعل السؤال ههنا يتعدى إلى مفعولين: أحدهما اسم المتكلم، والآخر اسم الموصول وهو قوله {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}.
وأما ما في رواية ش- من حذف الياء وإسكان النون في حالة الوقف فهو على حذف الكسرة التي أُبقيت للدلالة على الياء، وإنما ذلك في حال الوقف، كما قال الأعشى:
53- إذا ما انتسبت له أنكرن
وقرأ أهل البصرة والكوفة {فَلَا تَسْأَلْنِ} بسكون اللام وكسر النون.
وأثبت أبو عمرو الياء في الوصل دون الوقف، وأثبتها يعقوب في الحالين، وحذفها الكوفيون في الحالين.
والوجه أن النون في هذه القراءة هي التي تصحب ياء الإضافة، وليس في الفعل على هذه القراءة نون تأكيد، والفعل يتعدى إلى مفعولين: أحدهما الياء التي تتصل بها النون، والثاني قوله {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}.
وأما إثبات الياء في الوصل فهو الأصل، وكذلك إثباتها في الوقف، وأما حذفها في الوصل، فلأنه أخف، وفي الوقف لأنه موضع تغييرٍ، وللخفة أيضًا). [الموضح: 650]

قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47)}

قوله تعالى: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)}

قوله تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 01:57 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة هود
[ من الآية (50) إلى الآية (57) ]

{ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57) }

قوله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50)}
قوله تعالى: {يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51)}

قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)}

قوله تعالى: {قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53)}

قوله تعالى: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54)}

قوله تعالى: {مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55)}

قوله تعالى: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)}

قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 01:57 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة هود
[ من الآية (58) إلى الآية (60) ]

{ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58) وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60) }

قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58)}

قوله تعالى: {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)}

قوله تعالى: {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 02:02 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة هود
[ من الآية (61) إلى الآية (63) ]

{ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) }

قوله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61)}

قوله تعالى: {قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62)}

قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 02:03 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة هود
[ من الآية (64) إلى الآية (68) ]

{ وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68) }

قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64)}

قوله تعالى: {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65)}

قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (9- وقوله تعالى: {من خزي يومئذ} [66].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر مضافًا غير منون وكسروا الميم، وكذلك: {من فزع يومئذ} و{من عذاب يومئذ} فعلامة الخفض ف يكل هذا كسرة الميم.
وقرأ الكسائي {من فزع} منونًا ونصب {يومئذ} فمن نون لم يجز إلا النصب، ومن لم ينون جاز الخفض والنصب، فمن نصب مع ترك التنوين فله حجتان:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/284]
إحداهما: أنه جعل «يوم» مع: «إذ» بمنزلة اسمين جعلا اسما واحدًا كقولك: خمسة عشر ففتحه لذلك.
والحجة الثانية: أن الإضافة لا تصح إلى الحروف ولا إلى الأفعال، فلما كانت إضافة «يوم» إلى «إذ» غير محضة فتح.
وذلك في أسماء الزمان مطرد شائع، كقوله تعالى: {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} كذلك قرأها نافع نصبًا؛ لأن إضافة «يوم» إلى «ينفع» غير محصة قال الشاعر:
على حين عاينت المشيب على الصبا = وقلت ألما أصح والشيب وازع
وقرأ الكسائي الحرفين الباقيين منصوبًا غير منون.
وقرا حمزة وعاصم: {من خزي يومئذ} و{من عذاب يومئذ} إلا أن من نون {من فزع} نصب يومئذ.
وروى غيره عنه مثل أبي عمرو.
ويجب على القارئ إذا لفظ بقوله: {ومن خزي يومئذ} أن يشبع كسرة الياء الأولى بعد سكون الزاي لمجيىء الياء الثانية؛ لأن في إخراجها كلفة.
فإن سأل سائل: ألم تختلف القراء في قوله: {والأمر يومئذ لله} ونظيره: من القرآن؟
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/285]
فالجواب في ذلك: أن الظروف منصوبة كلها؛ لأنها مفعولات فيها، وإنما يكسر بعضها إذا دخل عليها حرف جر، كقولك: ركبت اليوم عندك، ثم تقول: ركبت في اليوم من عندك، فكذلك {من خزي يومئذ} وإنما جاز فتحها لما ذكرت، فقوله: {والأمر يومئذ لله} منصوب؛ لأنه ليس قبله ما يضاف إليه فاعرف ذلك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/286]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الميم وكسرها من قوله: يومئذ في ثلاثة مواضع: في هود [66] والنمل [89]، وسأل سائل [11].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ومن خزي يومئذ ومن عذاب يومئذ وهم من فزع يومئذ [النمل/ 89] مضافا ثلاثهن بكسر الميم.
وقرأ عاصم وحمزة: ومن خزي يومئذ ومن عذاب يومئذ مثل أبي عمرو وأصحابه، وخالفوهم في قوله: من فزع يومئذ، فنوّن عاصم وحمزة، وفتحا الميم في يومئذ.
وقرأ الكسائيّ: ومن خزي يومئذ ومن عذاب يومئذ
[الحجة للقراء السبعة: 4/346]
بفتح الميم فيهما مع الإضافة، وقرأ: وهم من فزع منونا، يومئذ نصبا.
واختلف عن نافع، فروى ابن جمّاز وأبو بكر بن أبي أويس، والمسيّبي وقالون، وورش، ويعقوب بن جعفر، كلّ هؤلاء عن نافع بالإضافة في الأحرف الثلاثة وفتح الميم، وقال إسماعيل بن جعفر عنه: بالإضافة في الثلاثة، وكسر الميم، ولا يجوز كسر الميم إذا نوّنت من فزع، ويجوز فتحها وكسرها إذا لم تنوّن.
قال أبو علي: قوله: من خزي يومئذ يوم: من قوله:
يومئذ* ظرف كسرت أو فتحت في المعنى إلا أنّه اتّسع فيه، فجعل اسما، كما اتّسع في قوله: بل مكر الليل والنهار [سبأ/ 33]، فأضيف المكر إليهما، وإنما هو فيهما، وكذلك العذاب والخزي والفزع، أضفن إلى اليوم، والمعنى على أن ذلك كلّه في اليوم، كما أن المكر في الليل والنهار، يدلّك على ذلك قوله: ولعذاب الآخرة أشق [الرعد/ 34]، ولعذاب الآخرة أخزى [فصلت/ 16]، وقوله: لا يحزنهم الفزع الأكبر [الأنبياء/ 103] وقوله: ففزع من في السموات ومن في الأرض [النمل/ 87]، وقوله: ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته [آل عمران/ 192].
فأمّا العذاب عذاب الدنيا فعلى ضروب، قال: وما كنا
[الحجة للقراء السبعة: 4/347]
معذبين حتى نبعث رسولا [الإسراء/ 15]، والمعنى، والله أعلم: ما كنّا معذّبين عذاب الاستئصال، ومثلها: وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا [القصص/ 59] كأن حجة العقل لا يستأصل بها إذا انفردت، ولم يؤخذ بها حتى يقع التنبيه عليها بالرسل، فإذا جاءت الرسل، فاقترحت عليهم الآيات، فلم يقع الإيمان عند مجيئها؛ عذّب حينئذ عذاب الاستئصال، قال: وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون [الإسراء/ 59]، فأخذوا بالاستئصال، فلو أتيناكم أنتم بالآيات التي اقترحتموها من نحو أن ننزّل عليكم كتابا من السّماء، أو نفجّر من الأرض ينبوعا، ونحو ذلك مما اقترحوا، فلم يؤمنوا؛ لمضى فيكم سنّة الأولين في امتناعهم من الإيمان، عند مجيء تلك الآيات، ومن ذلك قوله: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم [الأنفال/ 33]، أي: ليعذبهم عذاب الاستئصال، لأنّ أمم الأنبياء إذا أهلكوا، لم يكن أنبياؤهم فيهم، وعلى هذا قال: وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون [الدخان 21]، وقال: فأسر بأهلك بقطع من الليل [هود/ 81]، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون [الأنفال/ 33] أي: ومؤمنوهم يستغفرون ويصلّون، وما لهم ألا يعذبهم الله [الأنفال/ 34] أي:
بالسيف في صدّهم عن المسجد الحرام المسلمين من غير أن تكون لهم عليهم ولاية، وذلك لما منعوا عنه، فقال: هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام [الفتح/ 25].
فأمّا قراءة من قرأ: من عذاب يومئذ فكسر الميم فلأن يوما اسم معرب، أضيف إليه ما أضيف من العذاب، والخزي
[الحجة للقراء السبعة: 4/348]
والفزع، فانجرّ بالإضافة، ولم يفتح اليوم فيبنيه لإضافته إلى المبني، لأن المضاف منفصل من المضاف إليه، ولا تلزمه الإضافة، فلمّا لم تلزم الإضافة المضاف لم يلزم فيه البناء، يدلّ على ذلك أنك تقول: ثوب خزّ، ودار زيد، فلا يجوز فيه إلا إعرابه، وإن كان الاسمان قد عملا بمعنى الحرف، ولا يلزمهما البناء، كما يلزم ما لا ينفك منه معنى الحرف في نحو أين، وكيف، ومتى، فكما لم يبن المضاف، وإن كان قد عمل عمل الحرف من حيث كان غير لازم، كذلك لم يبن يوم للإضافة إلى «إذ» لأن إضافته لا تلزم كما لم يبن المضاف، وإن كان قد عمل في المضاف إليه بمعنى اللام ومعنى «من» لمّا لم تلزم الإضافة.
ومن فتح فقال: من عذاب يومئذ ففتح، مع أنه في موضع جر، فلأن المضاف يكتسي من المصاف إليه التعريف والتنكير، ومعنى الاستفهام والجزاء في نحو: غلام من تضرب؟
وغلام من تضرب أضربه. والنفي في نحو قولهم: ما أخذت باب دار أحد، فلما كان يكتسي من المضاف إليه هذه الأشياء اكتسى منه الإعراب والبناء أيضا، إذا كان المضاف من الأسماء الشائعة نحو: يوم، وحين، ومثل، وشبيه بهذا الشّياع الأسماء الشائعة المبنية نحو: أين وكيف، ولو كان المضاف مخصوصا نحو: رجل وغلام، لم يكتس منه البناء كما اكتسى من الأسماء الشائعة، فمما جاء من ذلك:
[الحجة للقراء السبعة: 4/349]
على حين عاتبت المشيب على الصّبا وقوله:
لم يمنع الشّرب منها غير أن هتفت ومن ذلك قوله: إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون
[الحجة للقراء السبعة: 4/350]
[الذاريات/ 23]. ومثل* في موضع رفع في قول سيبويه، وقد جرى وصفا على النكرة إلا أنه فتح للإضافة إلى أنّ ومن ذلك:
وتداعى منخراه بدم... مثل ما أثمر حمّاض الجبل
لما أضاف مثلا إلى المبنيّ وكان اسما شائعا بناه ولم يعربه، وأبو عثمان يذهب إلى أنه جعل مثلا مع ما بمنزلة اسم واحد، فبنى مثلا على الفتح، ولا دلالة قاطعة على هذا القول من هذا البيت، وإن كان ما ذهب إليه مستقيما لما نذكره في هذه المسألة إن شاء الله، فأمّا الكسر في إذ* فلالتقاء الساكنين، وذلك أن إذ من حكمها أن تضاف إلى الجملة من الابتداء والخبر، فلما اقتطعت عنها الإضافة نونت ليدل التنوين على أن المضاف إليه قد حذف فصار التنوين هنا ليدل على قطع الإضافة من المضاف كما صار يدلّ على انقضاء البيت في قول من نوّن في الإنشاد أواخر الأبيات. فقال:
[الحجة للقراء السبعة: 4/351]
يا صاح ما هاج الدموع الذّرّفن... و: أقلّي اللوم عاذل والعتابا
و: يا أبتا علّك أو عساكن فكما دلّ التنوين في هذه الأواخر على انقطاع الإضافة عن المضاف إليه، كذلك يدلّ في يومئذ وحينئذ على ذلك، فكسرت الذال لسكونها وسكون التنوين. والتنوين يجيء على غير ضرب في كلامهم، منه هذا الذي ذكرناه، ومنه ما يدخل على كلم مبنية؛ فيفصل بين المعرفة منها والنكرة مثل، غاق وغاق، ولا يجوز أن يكون هذا التنوين الذي في نحو رجل وفرس، لأن هذا التنوين لا يدخل إلا الأسماء المتمكّنة، وقد يمتنع من الدخول على بعض المتمكّن نحو ما لا ينصرف، فتعلم بهذا أن الذي في «إيه» ليس الذي يدخل المتمكن ومن ذلك التنوين الذي يدخل في مسلمات ونحوه في جمع المؤنث، ليس ذلك على الحدّ الذي في رجل، ونحوه لو كان كذلك لسقط من قوله: فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله
[الحجة للقراء السبعة: 4/352]
[البقرة/ 128]، فأما قول من أضاف من عذاب يومئذ وفزع يومئذ ومن خزي يومئذ فلأنها معارف تعرفت بالإضافة إلى اليوم، يدلّك على ذلك قوله: ولعذاب الآخرة أشق [الرعد/ 34]، وقوله: ففزع من في السموات [النمل/ 87]، وقوله: فقد أخزيته [آل عمران/ 192]، فهذه أمور قد تعرّفت بالإضافة إلى اليوم، فالوجه فيها الإضافة إليه. فأمّا تنوين الكسائي وهم من فزع يومئذ، وتنكيره الفزع، فهو في التخصيص مثل العذاب والخزي، فحقّه الإضافة، كالأخريين، وكأنّه فصل فنوّن، ولم يضف، لأنه لما جاء الفزع الأكبر دلّ ذلك على ضروب منه. فإذا نوّن فقد وقع الأمن من جميع ذلك، أكبره وأوسطه وأدونه، والفتحة في قوله:
من فزع يومئذ ينبغي أن تكون فتحة لا نصبة، لأنه قد فتح من عذاب يومئذ ومن خزي يومئذ، فبنى يوما لمّا أضافه إلى غير متمكن، فكذلك يبنيه إذا نوّن المصدر. ويجوز في قوله: يومئذ على هذه القراءة أن يكون معمول المصدر، ويجوز أيضا أن يكون معمول اسم الفاعل). [الحجة للقراء السبعة: 4/353]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ومن خزي يومئذٍ}
قرأ نافع والكسائيّ {ومن خزي يومئذٍ} بفتح الميم جعلا يوم وإذ بمنزلة اسمين جعلا اسما واحدًا كقولك خمسة عشرة وقيل إنّما فتح لأن الإضافة لا تصح إلى الحروف ولا إلى الأفعال فلمّا كانت إضافة يوم إلى إذ غير محضة فتح وبني
وقرأ الباقون {ومن خزي يومئذٍ} بكسر الميم أجروا الإضافة إلى يوم مجراها إلى سائر الأسماء فكسروا اليوم على الإضافة كما يكسر المضاف إليه من سائر الأسماء وعلامة الإضافة سقوط التّنوين من خزي). [حجة القراءات: 344]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (16- قوله: {ومن خزي يومئذٍ} قرأ نافع والكسائي بفتح الميم،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/532]
ومثله في النمل وسأل سائل، ووافقهما على ذلك في النمل خاصة حمزة وعاصم، وقرأهن الباقون بكسر الميم.
وحجة من كسر أنه أجراه مجرى سائر الأسماء، فخفضه لإضافة «الخزي» و«العذاب» إليه، ولم يبنوا «يوم» لإضافته إلى «إذ» لأنه يجوز أن ينفصل من «إذ» والبناء إنما يلزم إذا لزمت العلة.
17- وحجة من فتح أنه بناه على الفتح لإضافته إلى غير متمكن وهو «إذ» وعامل اللفظ ولم يعامل تقدير الانفصال). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/533]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {يَوْمِئِذٍ} [آية/ 66] بالإضافة وكسر الميم:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ونافع يل- ويعقوب، وكذلك في
[الموضح: 650]
النمل: {وَهُمْ مِنْ فَزَعِ يَوْمَئِذٍ}، وفي سأل سائلٌ: {مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ}.
وكذلك قرأ عاصم وحمزة، إلا في النمل فإنها نونا الفزع وفتحا {يَوْمَئِذٍ}.
وروى ش- و-ن- عن نافع {وَمِنْ خِزْيِ يَوْمَئِذٍ} و{مِنْ فَزَعِ يَوْمَئِذٍ} و{مِنْ عَذَابِ يَوْمَئِذٍ} بالإضافة في الأحرف الثلاثة مع فتح الميم.
وكذلك الكسائي، إلا أنه في النمل مثل حمزة وعاصم.
والوجه في الإضافة وكسر الميم أن كل واحد من الخزي والفزع والعذاب أُضيف إلى يوم، وهو اسمٌ معربٌ فانجرّ بالإضافة.
ووجه فتح الميم من {يَوْمَئِذٍ} مع الإضافة أن المضاف يكتسي من المضاف إليه كثيرًا من أحكامه، فاكتسى ههنا من المضاف إليه البناء؛ لأن اليوم ههنا مضاف إلى مبني، وهو إذ، فلما أُضيف إلى المبني بُني، واختير له الفتح لخفته.
وإنما كان {يومئذٍ} مختصًا بهذا الحكم لما كان اسم زمان؛ لأن هذا أعني اكتساء البناء من المضاف إليه يكون في الأسماء الشائعة كالأزمنة ونحوها، قال النابغة:
54- على حين عاتبت المشيب على الصبا = وقلت ألما تصح والشيب وازعٌ
[الموضح: 651]
وأما وجه التنوين من {فَزَع} وفتح الميم من {يَوْمَئِذٍ}، فهو أن فزعًا مصدرٌ عمل في الظرف وهو {يَوْمَئِذٍ}، و{يَوْمَئِذٍ} منصوب بأنه ظرف، كما تقول: عجبت من خروجٍ يوم الجمعة، فيوم الجمعة ظرفٌ للخروج.
ويجوز أن يكون {يَوْمَئِذٍ} ظرفًا لقوله {آمِنُونَ}، كأنه قال: وهم من فزعٍ آمنون يومئذٍ.
ولا فرق بين تنوين {فَزَعٍ} وبين إضافته إلى {يَوْمَئِذٍ}، لأن فزعًا لما كتنت نكرة صلحت أن تتناول جميع ضروب فزع اليوم.
وأما الكسر من إذٍ فلالتقاء الساكنين: أحدهما الذال والآخر التنوين.
وأما التنوين فيه فإنه عوضٌ عما حُذف منه من المضاف إليه؛ لأن من حكم إذ أن تكون مضافةً إلى الجمل، فقطعت عن الإضافة، وعُوّض منها التنوين، قال الشاعر:
55- نهيتك عن طلابك أم عمروٍ = بعاقبةٍ وأنت إذٍ صحيح). [الموضح: 652]

قوله تعالى: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67)}

قوله تعالى: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (10- وقوله تعالى: {ألا إن ثمودا كفروا ربهم} [68]. قرأ حمة وعاصم في رواية حفص بترك التنوين في جميع القرآن، جعلاه اسما لقبيلة، فلما اجتمعت علتان: التعريف والتأنيث امتنع من الصرف.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: {ألا إن ثمودا} منونًا {وعادا وثمودا وأصحاب الرس} وكذلك في (العنكبوت): {وثمودا وقد تبين} منونات، واختلف في آخر {والنجم}. وقرأ يحيى عن أبي بكر عن عاصم غير منون {وثمود فما أبقى} وقرأ الباقون عنه منونًا، فمن نون هؤلاء الأحرف ذهب إلى اتباع المصحف؛ لأنهن في المصحف مكتوبات بالألف، وتركوا سائر القرآن غير مجرى، فمن صرفه جعله اسمًا مذكرًا لحي أو رئيس، ويجوز لمن صرفه أن يجعله اسمًا عربيًا، فيكون ثمود فعولاً من الثمد وهو الماء القليل، وجمعه ثماد، قال النابغة:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/286]
واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت = إلى حمام شراع وارد الثمد
ويقال: رجل مثمود أيضًا مشفوه: إذا كثر من مسألة المعروف ويقال: رجل مثمود: إذا نزفت النساء ماءه في الجماع.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر أربعتهن منونات اتباعًا للمصحف أيضًا.
فإن سأل سائل فقال: قوله تعالى: {وءاتينا ثمود الناقة} في موضع النصب فهلا نون كما نون سائر المنصوبات؟
فالجواب في ذلك أن هذا الحرف كتب في المصحف بغير ألف، وإنما أرى ذلك؛ لأن الاسم منونًا فإذا استقبله ألف ولام جاز ترك التنوين كقوله: {أحد * الله الصمد} وكقوله الشاعر:
* إذا غطف السلمى فرا *
أراد: غطيف، فكأن (ثمود) أكثر العرب تتبع تنويه إذا لم يستقبله ألف ولام، فكان إذا استقبله ألف ولام حذف التنوين واجبًا.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/287]
وزاد الكسائي عن أبي عمرو وأصحابه حرفًا خامسًا {إلا إن ثمودا كفروا ربهم ألا بعدا لثمود} فقال: إنما أجريت الثاني لقربه من الأول؛ لأنه استوحش أن ينون اسما واحد ويدع التنوين في آية واحدة.
قال أب عبد الله (رضي الله عنه) وقد جود، لأن أبا عمرو سل لم شددت قله: {قل إن الله قادر على أن ينزل آية} وأنت تخفف (ينزل) في كل القرآن؟ قال: لقربه من قوله: {وقالوا لولا نزل عليه ءاية من ربه} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/288]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في صرف ثمود وترك إجرائه في خمسة مواضع، في هود: ألا إن ثمودا كفروا ربهم ألا بعدا لثمود [68]، وفي الفرقان: وعادا وثمودا وأصحاب الرس [38]، وفي العنكبوت: وعادا وثمودا وقد تبين لكم [38]، وفي النّجم: وثمود فما أبقى [51].
[الحجة للقراء السبعة: 4/353]
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر بالتنوين في أربعة مواضع: في هود: ألا إن ثمودا وفي الفرقان: وعادا وثمودا وأصحاب الرسّ وفي العنكبوت: وعادا وثمودا وقد تبين لكم وفي النجم: وثمودا فما أبقى، ولم يصرفوا: ألا بعدا لثمود [68].
وقرأ حمزة بترك صرف هذه الخمسة الأحرف.
وقرأ الكسائي بصرفهنّ جمع.
واختلف عن عاصم في التي في سورة النجم فروى يحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم أنه أجرى ثمودا في ثلاثة مواضع: في هود والفرقان، والعنكبوت ولم يجره في النجم.
وروى الكسائيّ عن أبي بكر وحسين الجعفي أيضا عن أبي بكر عن عاصم أنه أجرى الأربعة الأحرف، وروى حفص عن عاصم أنه لم يجر ثمود في شيء من القرآن مثل حمزة.
قال أبو علي: هذه الأسماء التي تجري على القبائل والأحياء على أضرب:
أحدها: أن يكون اسما للحيّ أو للأب، والآخر: أن يكون اسما للقبيلة. والثالث: أن يكون الغالب عليه الأب، أو الحيّ، أو القبيلة. والرابع: أن يستوي ذلك في الاسم، فيجيء على الوجهين، ولا يكون لأحد الوجهين مزيّة على الآخر في الكثرة.
[الحجة للقراء السبعة: 4/354]
فممّا جاء على أنه اسم الحيّ قولهم: ثقيف وقريش، وكلّ ما لا يقال فيه بنو فلان، وأمّا ما جاء اسما للقبيلة، فنحو: تميم، قالوا: تميم بن قرّ، قال سيبويه: وسمعناهم يقولون: قيس ابنة عيلان، وتميم صاحبة ذلك. وقالوا: تغلب ابنة وائل، قال:
لولا فوارس تغلب ابنة وائل... نزل العدوّ عليك كلّ مكان
وأما ما غلب اسما للحي أو القبيلة فقد قالوا: باهلة بن أعصر، وقالوا: يعصر، وباهلة اسم امرأة، قال سيبويه: ولكنه جعل اسم الحيّ ومجوس لم تجعل إلا اسم القبيلة، وسدوس أكثرهم يجعله اسم القبيلة وتميم أكثرهم يجعله اسم القبيلة، ومنهم من يجعله اسم الأب.
وأما ما استوى فيه أن يكون اسما للقبيلة، وأن يكون اسما للحيّ فقال سيبويه: ثمود وسبأ هما مرّة للقبيلتين، ومرّة للحيّين، وكثرتهما سواء، قال: وعادا وثمودا [الفرقان/ 38] وقال: ألا إن ثمودا كفروا ربهم [هود/ 68]، وقال: وآتينا ثمود الناقة [الإسراء/ 59]، فإذا استوى في ثمود أن يكون مرة للقبيلة، ومرة للحيّ، ولم يكن يحمله على أحد الوجهين مزيّة
[الحجة للقراء السبعة: 4/355]
في الكثرة، فمن صرف في جميع المواضع كان حسنا، ومن لم يصرف في جميع المواضع فكذلك.
وكذلك إن صرف في موضع ولم يصرف في موضع آخر، إلا أنّه لا ينبغي أن يخرج عما قرأت به القرّاء، لأنّ القراءة سنّة، فلا ينبغي أن تحمل على ما تجوّزه العربيّة حتى ينضم إلى ذلك الأثر من قراءة القرّاء.
ومثل ثمود في أنّه يكون مرّة مذكّرا اسما للأب أو الحيّ، فيصرف، ومرّة يؤنّث فيكون اسما للقبيلة فلا يصرف قوله تعالى: إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها [النمل/ 91]، وفي الأخرى: وهذا البلد الأمين [التين/ 3]، فعبّر عن مكان بعينه مرّة بلفظ التذكير، وأخرى بلفظ التأنيث، والبلدة المحرّمة يعني بها مكة وكذلك وهذا البلد الأمين فوصف بالأمن مثل قوله: ومن دخله كان آمنا [آل عمران/ 97]، فجرى الوصف على البلد في اللفظ، والمعنى على من فيه من طارئ وقاطن، وهذا آمن في حكم الشرع لا يهاج فيه، ولا يفعل به ما يكون يفعله به غير آمن، ومن ذلك قول الشاعر:
كسا الله حيّي تغلب ابنة وائل... من اللّؤم أظفارا بطيئا نصولها
[الحجة للقراء السبعة: 4/356]
أضاف إلى نفسه فقال: حيي، ثم قال: تغلب ابنة وائل، فجمع بين الحي والقبيلة، وجعلهما بمنزلة، ومن هذا الباب ما أنشده سيبويه:
سادوا البلاد وأصبحوا في آدم... بلغوا بها بيض الوجوه فحولا
القول في آدم أنّه لا يخلو أن يكون الاسم المخصوص، أو يراد به الحيّ أو القبيلة كتميم وتغلب وقريش، فلا يجوز أن يكون الاسم العلم لقوله: وأصبحوا في آدم، لو قلت: أصبحوا في زيد، وأنت تريد الاسم العلم، لم يجز كما يجوز ذلك إذا أردت به الاسم العام، كقوله:
أو تصبحي في الظّاعن المولّي فإذا لم يجز أن يكون العلم، ثبت أنه لا يخلو من أن يراد به الحيّ أو القبيلة أو يجوز الأمران فيه، ولا دلالة على إرادته واحدا منهما، ألا ترى أنه لو لم يصرف آدم لم تكن فيه دلالة على أحد هذه الأمور من اللفظ، لأنك إن أردت الحيّ لم تصرف كما تصرف أفكل اسم رجل، وإن أردت القبيلة، لم يجز أن ينصرف. كما أنك إذا سميت امرأة أفكل لم ينصرف، وكذلك لو استعمل فيه الأمران، فكذلك إذا صرفته في الشعر للضرورة، لم يكن فيه دليل على أحد الأمرين دون الآخر.
[الحجة للقراء السبعة: 4/357]
فإذا لم ينفصل ذلك ولم يتميز في اللفظ، علمت أنه لا يخلو من واحد من ذلك، ولا سبيل إلى أن يقطع على شيء مما يحتمله من جهة اللفظ، فأما قوله:
أولئك أولى من يهود بمدحة... إذا أنت يوما قلتها لم تؤنّب
فقد قامت الدّلالة على أن يهود استعملت على أنها للقبيلة ليس للحيّ من قوله: «أولئك أولى من يهود» لأنّ يهود لو كان الحيّ لم ينصرف، ولم يذكره سيبويه ليستشهد به على أن الاسم وضع للقبيلة، إنما أخبر أنّه في البيت للقبيلة، ويعلم ذلك في استعمالهم، ونحو ما أنشدناه أبو الحسن علي بن سليمان.
فرّت يهود وأسلمت جيرانها... صمّي لما فعلت يهود صمام
وكذلك في الحديث: «تقسم يهود»، فبهذا النحو علم أن هذا الاسم أريد به القبيلة. ومثل يهود في هذا مجوس ويدلّ على ذلك ما أنشده من قوله:
كنار مجوس تستعر استعارا
[الحجة للقراء السبعة: 4/358]
ألا ترى أنه لو كان للحي دون القبيلة، لانصرف، ولم يكن فيه مانع من الصرف). [الحجة للقراء السبعة: 4/359]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود}
قرأ حمزة وحفص {ألا إن ثمود كفروا ربهم} بغير تنوين
[حجة القراءات: 344]
وكذلك في الفرقان والعنكبوت والنجم ودخل معهما أبو بكر في النّجم وقرأ الباقون بالتّنوين
فمن ترك التّنوين جعله اسما لقبيلة فاجتمعت علّتان التّعريف والتأنيث فامتنع من الصّرف ومن نون جعله اسما مذكرا لحي أو رئيس وحجتهم في ذلك المصحف لأنّهنّ مكتوبات في المصحف بالألف وزاد الكسائي عليهم حرفا خامسًا وهو قوله {ألا بعدا لثمود} منونا وقال إنّما أجريت الثّاني لقربه من الأول لأنّه استقبح أن ينون اسما واحدًا ويدع التّنوين في آية واحدة ويخالف بين اللّفظين وقد جود الكسائي فيما قال لأن أبا عمرو سئل لم شددت قوله تعالى {قل إن الله قادر على أن ينزل آية} وأنت تخفف ينزل في كل القرآن فقال لقربه من قوله {وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية}
فإن سأل سائل فقال قوله {وآتينا ثمود النّاقة} من موضع نصب فهلا نون كما نون سائر المنصوبات الجواب أن هذا الحرف كتب في المصحف بغير ألف والاسم المنون إذا استقبله ألف ولام جاز ترك التّنوين كقوله {قل هو الله أحد الله الصّمد} ). [حجة القراءات: 345]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (18- قوله: {ألا إن ثمود} قرأ حفص وحمزة في هذه السورة بغير صرف، ومثله في العنكبوت والفرقان والنجم، ووافقهما أبو بكر على ترك الصرف في النجم خاصة، وصرفهن الباقون.
وحجة من صرف أنه جعل {ثمودًا} اسما مذكرا للأب أو للحي. فلا علة تمنع في صرفه، إذ الصرف أصل الأسماء كلها، وكل ما امتنع منها من الصرف لعلتين دخلتا عليه، فمنع التنوين والخفض.
19- وحجة من لم يصرف أنه جعله اسمًا للقبيلة، فمنعه من الصرف لوجود علتين فيه، وهما التعريف والتأنيث، وتفرَّد الكسائي بصرف قوله: {ألا بعدًا لثمود} جعله اسمًا للحي أو للأب، ولم يصرفه الباقون، جعلوه اسمًا
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/533]
للقبيلة، وما عليه الجماعة في ذلك كله هو الاختيار، إذ القراءتان متساويتان). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/534]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا} [آية/ 68] بلا تنوينٍ:
قرأها عاصم ص- وحمزة ويعقوب، وكذلك {أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ}، وكذلك في الفرقان والعنكبوت {وعادًا وثمودَ}، وفي النجم {وثمودَ فما أبقى}.
والوجه أنهم جعلوا ثمود اسمًا للقبيلة، فاجتمع فيه التعريف والتأنيث، فامتنع من الصرف.
وقرأ الكسائي {ثمودًا} بالتنوين في الخمسة الأحرف.
والوجه أنه جعل ثمودًا اسمًا للحي، والحي مذكر، فصرفه؛ لأنه لم يجتمع فيه سببان من الأسباب المانعة عن الصرف.
وروى ياش- عن عاصم في هود والنجم بغير تنوين، وفي الباقي بالتنوين.
[الموضح: 653]
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر {أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ} غير منونة، والباقي بالتنوين.
والوجه أنهم أرادوا الأخذ بالوجهين جميعًا؛ إذ كلاهما حسنٌ، هذا مع اتباع الأثر فيه، فإن القراءة سنة فلا يُعدل عنها). [الموضح: 654]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 02:08 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة هود
[ من الآية (69) إلى الآية (73) ]

{ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) }

قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (11- وقوله تعالى: {قالوا سلاما قال سلام} [69].
قرأ حمزة والكسائي {قال سلم} بكسر السين وجزم اللام.
وكذلك في (الذاريات) جعلاه من السلم وهو الصلح: {وإن جنحوا للسلم} مثله.
وقرأ الباقون: {قالوا سلاما قال سلام} بالألف جميعا جعلوه من التسليم والتسلم، ومعناه: قالوا: تسلمنا منكم تسلما كما تقول: لا يكن من فلان إلا سلامًا بسلامٍ أي: مباينًا له متاركًا، فالأول: نصب على المصدر، والثاني: رفع بالابتداء والتقدير: قالوا إنا سلام). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/288]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: قالوا سلاما قال سلام [هود/ 69، الذاريات/ 25]، فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم: قالوا سلاما قال سلام بألف في السورتين جميعا.
وقرأ حمزة والكسائي: قالوا سلاما قال سلم بكسر السين وتسكين اللام في السورتين جميعا، هاهنا وفي سورة الذاريات [25].
قال أبو علي: أخبرنا أبو إسحاق: قال سمعت محمد بن يزيد يقول: السلام في اللغة أربعة أشياء: فمنها مصدر سلّمت، ومنها: السلام جمع سلامة، ومنها السلام: اسم من أسماء الله تعالى، ومنها السلام: شجرة، ومنه قول الأخطل:
إلّا سلام وحرمل قال أبو علي: فقوله: دار السلام، يجوز أن يكون أضيفت إلى الله سبحانه تعظيما لها. ويجوز أن يكون: دار السلامة من العذاب، فمن جعل فيها كان على خلاف من وصف بقوله: ويأتيه الموت من كل مكان [إبراهيم/ 17].
[الحجة للقراء السبعة: 4/359]
فأما انتصاب قوله سلاما فلأنّه لم يحك شيء تكلّموا به، فيحكى كما تحكى الجمل، ولكن هو معنى ما تكلّمت به الرسل، كما أنّ القائل إذا قال: لا إله إلا الله، فقلت: حقا، أو قلت: إخلاصا، اختلف القول في المصدرين لأنّك ذكرت معنى ما قال، ولم تحك نفس الكلام الذي هو جملة تحكى، فكذلك نصب سلاما في قوله: قالوا سلاما لمّا كان معنى ما قيل، ولم يكن نفس المقول بعينه.
وأما قوله: وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما [الفرقان/ 63]، فقال سيبويه: زعم أبو الخطّاب أن مثله يريد:
مثل قولك: سبحان الله، تفسيره: براءة الله من السوء- قولك للرجل: سلاما تريد: تسلّما منك، لا التبس بشيء من أمرك. فعلى هذا المعنى وجه ما في الآية، قال: وزعم أن قول أميّة:
سلامك ربّنا في كلّ فجر... بريئا ما تغنّثك الذموم
[الحجة للقراء السبعة: 4/360]
على قوله: براءتك ربّنا من كلّ سوء.
فزعم سيبويه أن من العرب من يرفع سلاما إذا أراد معنى المبارأة، كما رفعوا حنان. قال: سمعنا بعض العرب يقول لرجل: لا تكوننّ منّي في شيء إلا سلام بسلام، أي: أمري وأمرك المبارأة والمتاركة، يريد أن حنانا في أكثر الأمر منصوب كما أن سلاما كذلك، فمن ذلك قوله:
حنانك ربّنا وله عنونا وقد رفع في قوله:
فقالت: حنان ما أتى بك هاهنا فإذا نصب سلاما بعد إلا، فانتصابه على ما كان ينتصب عليه قبل، وقوله: بسلام، صفة لسلام المنصوب، فإذا رفع كانت الجملة بعد إلا كقوله: ما أفعل كذا إلا حلّ ذاك أن أفعل، وتركوا إظهار الرافع. كما ترك إظهاره في قوله: حنان والمعنى:
أمرنا حنان وشأننا سلام.
وأما قوله: قال سلام فما لبث [هود/ 69] فقوله:
سلام مرفوع لأنه من جملة الجملة المحكيّة، والتقدير فيه:
سلام عليكم، فحذف الخبر كما حذف من قوله: فصبر جميل [يوسف/ 18] أي: صبر جميل أمثل، أو يكون المعنى: أمري سلام، وشأني سلام كما أن قوله: فصبر
[الحجة للقراء السبعة: 4/361]
جميل يصلح أن يكون المحذوف منه المبتدأ، ومثل ذلك قوله: فاصفح عنهم، وقل سلام [الزخرف/ 89] على حذف الخبر أو المبتدأ الذي سلام خبره.
وأكثر ما يستعمل سلام بغير ألف ولام، وذاك أنّه في معنى الدعاء، فهو مثل قولهم: «خير بين يديك، وأمت في حجر لا فيك» لما كان في معنى المنصوب استجيز فيه الابتداء بالنكرة، فمن ذلك قوله: قال سلام عليك سأستغفر لك ربي [مريم/ 47]، وقال: والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم [الرعد/ 23].
وقال: سلام على نوح في العالمين [الصافات/ 79]، سلام على إبراهيم [الصافات/ 109] وسلام على عباده الذين اصطفى [النمل/ 59]، ومما جاء في الشعر من ذلك:
.. لا سلام على عمرو
[الحجة للقراء السبعة: 4/362]
وقد جاء بالألف واللام، قال: والسلام على من اتبع الهدى [طه/ 47]، والسلام علي يوم ولدت [مريم/ 33].
وزعم أبو الحسن أن من العرب من يقول: سلام عليكم، ومنهم من يقول: السلام عليكم، فالذين ألحقوا الألف واللام حملوه على المعهود، والذين لم يلحقوه حملوه على غير المعهود، وزعم أن منهم من يقول: سلام عليكم، فلا ينوّن، وحمل ذلك على وجهين: أحدهما: أنه حذف الزيادة من الكلمة كما يحذف الأصل من نحو: لم يك، ولا أدر، ويوم يأت لا تكلم [هود/ 105]، والآخر: أنه لما كثر استعمال هذه الكلمة وفيها الألف واللام، حذفا منه لكثرة الاستعمال كما حذف من:
اللهم، فقالوا:
لا همّ إنّ عامر الفجور... قد حبس الخيل على معمور
وأمّا من قرأ: قالوا سلاما قال سلم [هود/ 69] فإن سلما، يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون بمعنى سلام، فيكون المعنى: أمرنا سلم، أو سلم عليكم، ويكون سلم* في أنه بمعنى سلام، لقولهم: حلّ وحلال وحرم وحرام، فيكون على هذا قراءة من قرأ: قال سلم وسلام بمعنى واحد وإن اختلف اللفظان.
والآخر: أن يكون سلم خلاف العدوّ والحرب، كأنّهم لمّا كفّوا عن تناول ما قدّمه إليهم، فنكرهم وأوجس منهم خيفة
[الحجة للقراء السبعة: 4/363]
[هود/ 70] قال: أنا سلم ولست بحرب ولا عدوّ، فلا تمتنعوا من تناول طعامي، كما يمتنع من تناول طعام العدو.
وقرأ حمزة والكسائيّ في الذاريات أيضا سلم* والقول فيه كما ذكرناه في هذا الموضع سواء. ألا ترى أن ثمّ إيجاس خيفة وامتناعا من تناول ما قدّم إليهم مثل ما هاهنا). [الحجة للقراء السبعة: 4/364]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا سلاما قال سلام}
[حجة القراءات: 345]
قرأ حمزة والكسائيّ (قالوا سلاما قال سلم) بكسر السّين وفي الذاريات مثله جعلاه من السّلم وهو الصّلح أي أمري سلم لست مريدا غير السّلامة والصّلح قال الفراء المعنى نحن سلم لأن التّسليم لا يكون من عدو وكأن الفراء ذهب إلى أن الملائكة لما سلموا عليه كان ذلك دليلا على براءتهم ممّا وقع في نفسه من أنهم عدو فقال لهم حينئذٍ نحن متسالمون آمنون إذ سلمتم علينا ويكون معنى قوله في الذاريات {قوم منكرون} أي غير معروفين في بلدنا وإن التّسليم منكم منكر لأنّه لا يعهده إلّا ممّن هو على دينه ولم يتقرّر عنده أنهم منهم قالوا والدّليل على أن الثّاني بخلاف معنى الأول أن إعرابهما مختلف فلو كانت الثّانية مخرجها مخرج الأولى نصبت كما نصبت الأولى وقال قوم يجوز أن يكون معنى قوله {سلم} في معنى سلام كما قالوا حل وحلال وحرم وحرام قالوا والدّليل على صحة ذلك أن التّفسير ورد بأنّهم سلموا عليه فرد عليهم
وقرأ الباقون {قال سلام} جعلوه من التّسليم وحجتهم في ذلك أنه مجمعون على الأول أنه بألف وهو تسليم الملائكة فردّوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه الأول نصب على المصدر على معنى سلمنا سلاما والثّاني رفع على إضمار عليكم سلام ومن قرأ {سلم} أي أمري سلم). [حجة القراءات: 346]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (20- قوله: {قال سلامٌ} قرأه حمزة والكسائي بكسر السين وسكون اللام من غير ألف، ومثله في الذاريات، وقرأهما الباقون {سلام} بفتح السين وبألف بعد اللام، وهما لغتان بمعنى التحية كقولهم: هو حِل وحلال، وحِرْم وحرام، ويجوز أن يكون {سلام} بمعنى المسالمة التي هي خلاف الحرب، كان إبراهيم صلى الله عليه وسلم لما رآهم لا يأكلون طعامه أوجس في نفسه خوفًا منهم، فقال لهم: سِلْم، أي أنا سِلْم لكم ولست بحرب لكم، فلا تمتنعوا من أكل طعامي كما يُمتنع من أكل طعام العدو، ومعنى {سلام} أي سلام عليكم، فالخبر محذوف، وهو رد السلام عليهم، إذ سلموا عليه وهو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه، وهو أبين في التحية ورد السلام، وقوله: {قالوا سلاما} نصب بإعمال القول فيه وليس بحكاية، وهو بمنزلة قولك: قلت حقا. فسلام هو معنى ما قالوا، وليس هو ما قالوا بعينه، ولو كان هو ما قالوا لحكيته كما قالوه، فأما قوله {قال سلام} فهو حكاية ما قال} فلذلك لم يعمل فيه القول ورفع. وروي عن النبي عليه السلام أمر أن يُقرأ: «قال سلم» بغير ألف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/534]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {قَالَ سِلْمٌ} [آية/ 69] بكسر السين من غير ألف:
قرأها حمزة والكسائي، وكذلك في الذاريات {قَالَ سِلْمٌ}.
والوجه أن السِّلْمَ هو الصلح، والمعنى: نحن سلمٌ لكم ولسنا بحربٍ فتمتنعوا من تناول طعامنا، وهو خبر مبتدأ محذوف، والتقدير نحن سلمٌ أي ذوو سلمٍ.
ويجوز أن يكون أراد السلام، فإن السلم والسلام واحد، كما يقال حرمٌ وحرامٌ وحل وحلالٌ، والتقدير: أمرنا سلامٌ أو عليكم سلامٌ.
وقرأ الباقون {قَالَ سَلَامٌ} بالألف، مفتوحة السين في السورتين.
والوجه أنه جواب تسليمهم، فقوله {سَلَامٌ} أي سلام عليكم، فحُذف الخبر، أو أمرنا سلام، فحُذف المبتدأ). [الموضح: 654]

قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70)}

قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (12- وقوله تعالى: {ومن وراء إسحاق يعقوب} [71]. قرأ حمزة وابن عامر وحفص عن عاصم {يعقوب} بالنصب.
وقرأ الباقون بالرفع. فمن نصب جعله عطفًا على {وبشرناه} كأنه جعل الكلام بمعنى الهبة، أي: وهبنا له يعقوب.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/288]
وقال بعض النحويين: من قرأ: {ومن وراء إسحاق يعقوب} فموضعه خفض إلا أنه لا ينصرف. وهذا غلط عند البصريين؛ لأنك لا تعطف على عاملين، محال أن تقول: مررت بزيد في الدار والحجرة عمرو، ومن رفع جعله ابتداء.
والوراء هاهنا -: ولد الولد. قال: أقبل الشعبي ومعه ابن ابن له فقيل: أهذا ابنك؟ فقال: هو ابني من الوراء، أي: هو ولد ولدي. فالوراء يكون قداما وخلفا قال الله عز وجل: {وكان وراءهم ملك} أي: أمامهم. أما الورى مقصور فالخلق، تقول العرب: لا أدري أي الورى هو؟ وأي الطمش هو؟ وأي الطبل؟ وأي ترحم هو؟، أي: أي الخلق؟
والورى مقصور أيضًا داء في الجوف عند الفراء. وقال غيره: هو الورى. ساكن مثل الدمي، وينشد:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/289]
قالت له وريا إذا تنحنح
يا ليته يسقى عن الذرحرح
فخطأه سائر النحويين. وقد وجدت للفراء حجة، وذلك أن العرب تقول في مثل لها: «بفيه البرى ورماه الله بالورى» بفتح الراء. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلىء شعرًا» وقال عبد بني الحسحاس.
وراهن ربي مثل ما قد ورينني = وأحمى على أكبادهن المكاويا
فلو كنت وردا لونه لعشقنني = ولكن ربي شانني بسواديا
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/290]
تقول العرب للشيخ إذا سنعل: وريا وقحايا، وللصبي إذا عطس: عمرا وشبابا، يدعون له بالبقاء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/291]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الباء وضمّها من قوله: يعقوب* [71].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي: ومن وراء إسحاق يعقوب رفعا.
وقرأ ابن عامر وحمزة: يعقوب نصبا.
واختلف عن عاصم، فروى عنه أبو بكر بالرفع، وروى حفص عنه بالنصب.
قال أبو علي: من رفع فقال: ومن وراء إسحاق يعقوب كان رفعه بالابتداء أو بالظرف في قول من رفع به، وكان بيّن الوجه.
ومن فتح فقال يعقوب: احتمل ثلاثة أضرب. أحدها: أن يكون يعقوب في موضع جرّ، المعنى: فبشّرناها بإسحاق ويعقوب، قال أبو الحسن: وهو أقوى في المعنى، لأنها قد بشّرت به، قال:
وفي إعمالها ضعف، لأنّك فصلت بين الجار والمجرور بالظرف. والآخر: أن تحمله على موضع الجار والمجرور كقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 4/364]
إذا ما تلاقينا من اليوم أو غدا وبقراءة من قرأ: وحورا عينا [الواقعة/ 22] بعد:
يطاف عليهم بكذا، ومثله:
فلسنا بالجبال ولا الحديدا والثالث: أن تحمله على فعل مضمر، كأنه: فبشّرناها بإسحاق، ووهبنا له يعقوب، فأمّا الأوّل فقد نصّ سيبويه على قبح مثله نحو: مررت بزيد أول من أمس، وأمس عمرو، وكذلك قال أبو الحسن: قال: لو قلت: مررت بزيد اليوم، وأمس عمرو؛ لم يحسن، فأما الحمل على الموضع على حدّ:
مررت بزيد وعمرا، فالفصل فيه أيضا قبيح، كما قبح الحمل على الجر، وغير الجر في هذا في القياس مثل الجر في القبح، وذلك أن الفعل يصل بحرف العطف، وحرف العطف هو الذي يشرك في الفعل، وبه يصل الفعل إلى المفعول به، كما يصل بحرف الجر، ولو قال: مررت بزيد قائما، فجعل الحال من المجرور، لم يجز التقديم عند سيبويه، لأن الجارّ هو الموصل للفعل، فكما قبح التقديم عنده لضعف الجارّ والعامل، كذلك الحرف العاطف مثل الجار في أنه يشرك في الفعل، كما يوصل الجارّ الفعل، وليس نفس الفعل العامل في الموضعين جميعا، وإذا كان كذلك قبح الفصل بالظرف في العطف على الموضع، وقبح أيضا الفصل في حروف الرفع
[الحجة للقراء السبعة: 4/365]
والنصب، كما قبح [.....] إن العاطف فيهما مثله في الجار، وليس العامل نفس الرافع والناصب، كما أن العامل فيما بعد حرف العطف ليس الجارّ، إنّما يشركه فيه العاطف، وقد جاء ذلك في الشعر. قال ابن أحمر:
أبو حنش يؤرّقنا وطلق... وعبّاد وآونة أثالا
ففصل بالظرف في العطف على الرافع، وقال الأعشى:
[الحجة للقراء السبعة: 4/366]
يوما تراها كشبه أردية ال... عصب ويوما أديمها نغلا
ففصل بالظرف بين المشترك في النصب، وما أشركه فيه، فإذا قبح الفصل في الحمل على الموضع كما قبح الفصل في الحمل على الجار؛ فينبغي أن تحمل قراءة من قرأ: يعقوب بالنصب على فعل آخر مضمر، يدلّ عليه بشرنا كما تقدم، ولا يحمل على الوجهين الآخرين لاستوائهما في القبح). [الحجة للقراء السبعة: 4/367]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة محمد بن زياد الأعرابي: [فَضَحَكَتْ] فتحًا.
قال أبو الفتح: روى ابن مجاهد قال: قال أبو عبد الله بن الأعرابي: الضَّحْك: هو الحيض، وأنشد:
ضَحْكُ الأرانب فوق الصفا ... كمثل دم الجوف يوم اللِّقا
[المحتسب: 1/323]
قال: وأنشد:
فجاءت بِمَزْج لم يَرَ الناس مثله ... هو الضّحْك إلا أنه عمَل النحل
وبعد، فليس في اللغة ضحَكَت؛ وإنما هو ضَحِكت؛ أي: حاضت. قال أحمد بن يحيى: ضحِكت وطَمِثت لوقتها، والضَّحك: الشهد؛ وهو الثلج، وقال أحمد بن يحيى: وهو الطلع، قال محمد بن الحسن: قلت لأبي حاتم في قوله:
تضحك الضبْع لِقتلي هذيلٍ
قال: من أين لهم أن الضبُع تحيض؟ وقال: يا بني، إنما تكشِر للقتلى إذا رأتهم، كما قالوا: يضحك العَيْر إذا انتزع الصلِّيَانَة.
ويقال فيه:
تضحك الضبْع لقتلَى هذيل
أي: تستبشر لقتلاهم لتأكلهم، فيهِرُّ بعضها على بعض، فجلعه ضحِكًا.
وترى الذئب لها يستهلُّ
أي: يعوي، فيستدعي الذئاب فرحًا بذلك). [المحتسب: 1/324]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب}
[حجة القراءات: 346]
قرأ حمزة وابن عامر وحفص ومن وراء إسحاق يعقوب بالنّصب وقرأ الباقون بالرّفع
قال الزّجاج فأما من قرأ {ومن وراء إسحاق يعقوب} في موضع نصب فمحمول على المعنى، المعنى وهبنا لها إسحاق ووهبنا لها يعقوب ومن قرأ {يعقوب} فرفعه على ضربين أحدهما ابتداء مؤخر معناه التّقديم والمعنى ويعقوب يحدث لها من وراء إسحاق ويجوز أن يكون مرفوعا بالفعل الّذي يعمل في قوله {من وراء} كأنّه قال ويثبت لها من وراء إسحاق يعقوب). [حجة القراءات: 347]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (21- قوله: {يعقوب}، {قالت} قرأه ابن عامر وحمزة وحفص بالنصب، ورفعه الباقون.
وحجة من رفع أنه جعل {يعقوب} ابتداء، والظرف المقدّم خبره، وهو {من وراء إسحاق}، ويحتمل رفعه بالظرف الذي قبله.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/534]
22- وحجة من نصب أنه جعله في موضع خفض، لكن لا ينصرف للعجمة والتعريف، وهو معطوف على {إسحاق} والتقدير: فبشرناها بإسحاق ويعقوب. وفيه غمز عن سيبويه والأخفش للتفرقة بين {يعقوب} وبين حرف العطف بالظرف فكأنما فصلت بين الجار والمجرور بالظرف؛ لأن حق حرف الجر، أن يكون ملاصقًا لحرف العطف في اللفظ أو في المعنى، ولو قلت: ومن وراء إسحاق يعقوب، فجئت بحرف الجر ملاصقًا لحرف العطف لم يجز، كما أنك لو قلت: مررت بزيد وبفي الدار عمرو، لم يجز، ويقبح «وفي الدار عمرو» للتفرقة بالظرف، ولكن يجوز نصب {يعقوب} بحمله على موضع {بإسحاق} لأن {بإسحاق} في موضع نصب؛ لأنه مفعول به في المعنى، وفيه بعد أيضًا للفصل بين الناصب والمنصوب بالطرف، ألا ترى أنك لو قلت: رأيت زيدًا وفي الدار عمرًا، قبح للتفرقة بالظرف، ويجوز أن تنصب {يعقوب} وهو حسن، والرفع هو الاختيار لصحة إعرابه ولأن الأكثر من القراء عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/535]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [آية/ 71] بالنصب:
قرأها ابن عامر وحمزة و-ص- عن عاصم.
والوجه أن {يعقوبَ} منصوبٌ بفعل مضمر يدل عليه: بشرنا، كأنه قال بشرناها بإسحق ووهبنا له من وراء إسحق يعقوب.
ولا يجوز أن يكون عطفًا على قوله {بِإِسْحَاقَ}، فيكون مفتوحًا في موضع الجر، للفصل بينه وبين ما عُطف (به) بالجار والمجرور، ولو نصبته أيضًا على موضع {بِإِسْحَاقَ} لم يجز أيضًا لذلك.
وقرأ الباقون {يَعْقُوبُ} بالرفع.
والوجه أن {يَعْقُوبُ} مرفوع بالابتداء، والظرف الذي قبله خبره، وهو قوله تعالى {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ}.
ويجوز أن يكون مرفوعًا بأنه فاعٌ للظرف المقدم عند من يرى الظرف عاملًا في جميع المواضع، كأنه قال وحصل له من وراء إسحق يعقوب). [الموضح: 655]

قوله تعالى: {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعمش: [وَهَذَا بَعْلِي شَيخ].
قال أبو الفتح: الرفع في [شيخ] من أربعة أوجه:
أحدها: أن يكون [شيخ] خبر مبتدأ محذوف؛ كأنه قال: هذا شيخ، والوقف إذن على قوله: {وَهَذَا بَعْلِي} ؛ لأن الجملة هناك قد تمت، ثم استأنف جملة ثانية فقال: [هذا شيخ].
والثاني: أن يكون [بعلي] بدلًا من [هذا]، و[شيخ] هو الخبر.
[المحتسب: 1/324]
والثالث: أن يكون "شيخ" بدلًا من "بعلي"، وكأنه قال: هذا شيخ، كما كان التقدير فيما قبله: بعلي شيخ.
والرابع: أن يكون "بعلي" و"شيخ" جميعًا خبرًا عن هذا؛ كقولك: هذا حُلو حامض؛ أي: قد جمع الحلاوة والحموضة، وكذلك هذا: أي قد جمع البعولة والشيخوخة.
فإن قلت: فهل تجيز أن يكون "بعلي" وصفًا "لـ"هذا"؟ قيل: لا؛ وذلك أن هذا ونحو من أسماء الإشارة لا يوصف بالمضاف، ألا تراهم لم يجيزوا مررت بهذا ذي المال، كما أجاوزا مررت بهذا الغلام؟ وإذا لم يجز أن يكون "بعلي" وصفًا لـ"هذا" من حيث ذكرنا لم يجز أيضًا أن يكون عطف بيان له؛ لأن صورة عطف البيان صورة الصفة، فافهم ذلك.
وهنا وجه خامس: لكنه على قياس مذهب الكسائي؛ وذلك أنه يعتقد في خبر المبتدأ أبدًا أن فيه ضميرًا وإن لم يكن مشتقًّا من الفعل، نحو: زيد أخوك، وهو يريد النسب، فإذا كان كذلك فقياس مذهبه أن يكون "شيخ" بدلًا من الضمير في "بعلي"؛ لأنه خبر عن "هذا".
فإن قلت: فإن الكوفيين لا يُجيزون إبدال النكرة من المعرفة إلا إذا كان من لفظها، نحو قول الله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ}، وليس قبل "شيخ" معرفة من لفظه، قيل: أجل، إلا أن هذا اعتبار في الاسمين الملفوظ بكل واحد منهما، فأما الضمير فيه فعلى قياس قول من استودعه إياه فلا لفظ له أيضًا فيعتبر خلافُه أو وفاقُه، وإذا سقط ذلك ساغ، وجاز إبدال النكرة منه لِما ذكرنا من تقديم لفظه المخالف للفظها). [المحتسب: 1/325]

قوله تعالى: {قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 02:09 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة هود
[ من الآية (74) إلى الآية (77) ]

{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)}

قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74)}

قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75)}

قوله تعالى: {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)}

قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 02:11 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة هود
[ من الآية (78) إلى الآية (83) ]

{ وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) }

قوله تعالى: {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة سعيد بن جبير والحسن بخلاف ومحمد بن مروان وعيسى الثقفي وابن أبي إسحاق: [هُنَّ أَطْهَرَ لَكُمْ] بالنصب.
قال أبو الفتح: ذكر سيبويه هذه القراءة وضعفها، وقال فيها: احتَبى ابن مروان في لحنه، وإنما قبح ذلك عنده؛ لأنه ذهب إلى أنه جعل "هن" فصلًا، وليست بين أحد الجزأين
[المحتسب: 1/325]
اللذين هما مبتدأ وخبر ونحو ذلك، كقولك: ظننت زيدًا هو خيرًا منك، وكان زيد هو القائم.
وأنا من بعدُ أرى أن لهذه القراءة وجهًا صحيحًا؛ وهو أن تجعل "هن" أحد جزأي الجملة، وتجعلها خبرًا لـ[بناتي]، كقولك: زيد أخوك هو، وتجعل [أطهر] حالًا من "هن" أو من "بناتي"، والعامل فيه معنى الإشارة، كقولك: هذا زيد هو قائمًا أو جالسًا، أو نحو ذلك. فعلى هذا مجازه، فأما على ما ذهب إليه سيبويه ففاسد كما قال). [المحتسب: 1/326]

قوله تعالى: {قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79)}

قوله تعالى: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه الحلواني عن قالون عن شيبة: [أو آوِيَ] بفتح الياء. ورُوي أيضًا عن أبي جعفر مثله. قال ابن مجاهد: ولا يجوز تحريك الياء هاهنا.
قال أبو الفتح: هذا الذي أنكره ابن مجاهد عندي سائغ جائز؛ وهو أن تعطف [آوِيَ] على "قوة" فكأنه قال: لو أن لي بكم قوة أو أُوِيًّا إلى ركن شديد. فإذا صرت إلى اعتقاد المصدر فقد وجب إضمار أن ونصب الفعل بها، ومثله قول مَيْسُون بنت بَحْدَل الكليبية:
للبسُ عباءة وتقرَّ عيني ... أحب إلى من لُبس الشفوف
فكأنها قالت: للبس عباءة وأن تقر عيني؛ أي: لأن ألبس عباءة وتقر عيني أحب إلي من كذا، وعليه بيت الكتاب أيضًا:
فلولا رجالٌ من رِزَامٍ أعزَّةٌ ... وآلُ سُبيع أو أَسُوءك عَلْقَمَا
[المحتسب: 1/326]
أي: أو أن أسوءَك، فكأن قال: أو مساءَتي إياك، فكذلك هذه القراءة: لو أن لي بكم قوة أو أُوِيًّا؛ أي: أن آوِيَ إلى ركن شديد، وهذا واضح). [المحتسب: 1/327]

قوله تعالى: {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (13- وقوله تعالى: {فأسر بأهلك} [81].
قرأ ابن كثير ونافع {فآسر بأهلك} بوصل الألف في كل القرآن من سرى يسري.
وقرأ الباقون {فأسر بأهلك} بقطع الألف من أسرى يسري وهما لغتان فصيحتان نزل بهما القرآن، قال الله تعالى: {سبحان الذي اسرى بعبده} وهذه حجة لمن قطع. وقال: {والليل إذا يسر} هذا حجة لمن وصل. وهذا البيت ينشد على وجهين:
أسرت عليه من الجوزاء سارية = تزجي الشمال عليها جامد البرد
ويروى: (سَرَتْ إليه) والسُّرى: سير الليل خاصة، ولا يكون بالنهار وهي مؤنثه، يقال: هذه سرى.
وأخبرني بذلك أبو بكر بن دريد عن أبي حاتم. وقال آخر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/291]
سريت بهم حتى تكل مطيهم = وحتى الجياد ما يقدن بأرسان
وقال آخر:
سرى ليلاً خيالا من سليمى = فأرقني وأصحابي هجود
وقد فرق قوم بين سرى وأسرى منهم أبو عمرو الشيباني فقال: سرى من أول الليل وأسرى من آخره). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/292]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (14- وقوله تعالى: {إلا امرأتك} [81].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالرفع {إلا امرأتك} على معنى: ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك فإنها ستلتفت، فعلى هذه القراءة المرأة من أهل لوط، وإنما أمطر عليها الحجارة لأنها خالفت فالتفتت.
وقرأ الباقون: {إلا امرأتك} جعلوها استثناء من قوله: {فأسر بأهلك ... إلا امرأتك} فعلى هذه القراءة المرأة ليست من أهل لوط. و{قطع من الليل} ساعة من الليل تقول العرب: جاءنا زيد بعدما هدأت الرجل، وبعد هزيع من الليل، وبعد سعواء من الليل، وبعد ميناء من الليل، وبعد قطع من الليل، وبعد طبيق من الليل، قال الشاعر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/292]
عميرة ما يدريك أن رب مهجع = تركت ومن ليل التمام طبيق
وقد غار لحم بعد لحم وقد دنت = أواخر أخرى فاستقل فريق). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/293]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في همز الألف وإسقاطها في الوصل في قوله: فأسر بأهلك [هود/ 81].
فقرأ ابن كثير ونافع: فاسر بأهلك* من سريت بغير همز.
وقرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ:
فأسر من: أسريت.
قال أبو علي: حجّة [من] قرأ بوصل الهمزة قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 4/367]
سرت عليه من الجوزاء سارية فسارية تدلّ على سرت، وقول الآخر:
أقلّ به ركب أتوه تئيّة... وأخوف إلّا ما وقى الله ساريا
وقول الآخر:
سرى بعد ما غار الثريا وبعد ما... كأنّ الثّريّا حلّة الغور منخل
وحجّة من قطع: ما في التنزيل من قوله: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا [الإسراء/ 1] ). [الحجة للقراء السبعة: 4/368]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في نصب التاء ورفعها من قوله: إلا امرأتك [هود/ 81].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: إلا امرأتك* برفع التاء.
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ: إلا امرأتك نصبا.
قال أبو علي: الوجه في قولهم: ما أتاني أحد إلا زيد، الرفع على البدل من أحد، وهو الأشيع في استعمالهم، والأقيس، وقوته من جهة القياس أن معنى: ما أتاني أحد إلا زيد ومعنى: ما أتاني إلا زيد، واحد. فكما اتفقوا في: ما أتاني إلا زيد، على الرفع، وكان: ما أتاني أحد إلا زيد، بمنزلته وبمعناه؛ اختاروا الرفع مع ذكر أحد، وأجروا ذلك مجرى: يذر، ويدع، في أنّ يذر لما كان في معنى يدع، فتح كما فتح يدع، وإن كان لم يكن في يذر حرف من حروف الحلق، وممّا يقوّي ذلك، أنّهم في الكلام وأكثر الاستعمال يقولون: ما جاءني إلا امرأة، فيذكّرون حملا على المعنى، ولا يكادون يؤنثون ذلك فيما زعم أبو الحسن إلا في الشعر كقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 4/369]
برى النّحز والأجرال ما في غروضها... فما بقيت إلّا الضلوع الجراشع
وقال:
... وما بقيت... إلا النّحيزة والألواح والعصب
فكما أجروه على المعنى في هذا الموضع، فلم يلحقوا الفعل علامة التأنيث، كذلك أجروه عليه في نحو: ما جاءني أحد إلا زيد، فرفعوا الاسم الواقع بعد الاستثناء.
وأما من نصب فقال: ما جاءني أحد إلا زيدا، فإنه جعل النفي بمنزلة الإيجاب، وذلك أن قوله: ما جاءني أحد، كلام
[الحجة للقراء السبعة: 4/370]
مستقلّ، كما أنّ: جاءني القوم، كذلك، فنصب مع النفي كما نصب مع الإيجاب من حيث اجتمعا في أن كل واحد منهما كلام مستقل، فأما قوله: ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك فإذا جعلت قوله إلا امرأتك مستثنى من لا يلتفت كان الوجهان:
الرفع، والنصب، والوجه الرفع، وإن جعلت الاستثناء في هذه من قوله: فاسر بأهلك* لم يكن إلا النصب. وزعموا أن في حرف عبد الله أو أبيّ: فاسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك وليس فيه: ولا يلتفت منكم أحد فهذا تقوية لقول من نصب، لأنه في هذه القراءة استثناء من قوله: فأسر بأهلك فكما أن الاستثناء من قوله: فاسر بأهلك دون أحد، كذلك إذا ذكرت أحدا يكون منه، ولا يكون على البدل من أحد.
قال سيبويه: ومن قال: أقول: ما أتاني القوم إلا أباك، لأنه بمنزلة قول: أتاني القوم إلا أباك، فإنه ينبغي له أن يقول:
ما فعلوه إلا قليل منهم [النساء/ 66]. وحدثني يونس أن أبا عمرو كان يقول: الوجه: ما أتاني القوم إلا عبد الله، ولو كان هذا بمنزلة قوله: أتاني القوم، لما جاز أن تقول: ما أتاني أحد، كما لا يجوز: أتاني أحد، ولكنّ المستثنى بدل من الاسم الأول. فهذا الكلام يعلم منه قدحه على قول من سوّى بين الإيجاب والنفي، واعتذر استقلال الكلام في
[الحجة للقراء السبعة: 4/371]
الموضعين، وقد تقدم ذكر الحجة على ذلك. فقول من رفع في الآية إلا امرأتك* أنه جعله بدلا من أحد* الثابت في قراءة العامة، وإذا ثبت أحد* لم يمتنع البدل منه، ولم يكن في ذلك كقراءة من لم يثبت في قراءته: ولا يلتفت منكم أحد، ومما يقوّي الرفع في قوله: ما جاءني أحد إلا زيد، أنه يحمل على المعنى، والمعنى: ما جاءني إلا زيد، كما حمل سيبويه قولهم: ما جاءني أحد إلا قد قال ذاك إلا زيدا، وعلى المعنى فلم يجز فيه إلا النصب في زيد، لمّا كان المعنى على: قال ذاك كلّ من جاءني إلا زيدا، فكما تحمل هذه المسألة على المعنى، ولم يجز فيه إلا النصب، كذلك قوله: ما جاءني أحد إلا زيد، ينبغي أن يحمل على المعنى، فيضعف النصب فيه، كما لم يجز إلا النصب في: ما جاءني أحد إلا قد قال ذاك إلا زيدا، لأن الاستثناء فيه من القائلين لا من أحد عنده.
قال أبو عمرو: وقد أجاز غير سيبويه فيها الرفع، قال: وهو يجوز ضعيفا أو على بعد، ألا ترى أنك تقول: ما رأيت أحدا ضرب أحدا، يريد أن الرفع يجوز، لأن الكلام في تقدير النفي، بدلالة جواز وقوع أحد فيه، وأحد إنما يقع في النفي، فكما جاز وقوع أحد فيه بعد الصفة، كذلك يجوز فيه الرفع، وكان ذلك أيضا للحمل على المعنى، لأن الصفة هي الموصوف، فإذا نفي الموصوف، فكأنّ الصفة أيضا قد نفيت من حيث كان هو هو، ومن ثمّ جاز البدل من الضمير الذي في الصفة، لما كان الموصوف في المعنى في نحو قول عديّ:
[الحجة للقراء السبعة: 4/372]
في ليلة لا نرى بها أحدا... يحكي علينا إلا كواكبها
فأبدل من الضمير الذي في صفة المنفي وإن كان الكلام الذي فيه هذا الضمير موجبا في المعنى). [الحجة للقراء السبعة: 4/373]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فأسر بأهلك بقطع من اللّيل ولا يلتفت منكم أحد إلّا امرأتك}
قرأ نافع وابن كثير {فأسر بأهلك} بوصل الألف في كل القرآن من سرى يسري
وقرأ الباقون {فأسر} بقطع الألف وهما لغتان فصيحتان نزل بهما القرآن قال الله تعالى {سبحان الّذي أسرى بعبده} وقال (واللّيل إذ يسري) يقال سريت وأسريت إذا سرت ليلًا وقال آخرون منهم أبو عمرو الشّيبانيّ يقال سرى في أول اللّيل وأسرى من آخره
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {ولا يلتفت منكم أحد إلّا امرأتك} بالرّفع على معنى ولا يلتفت منكم أحد إ لا امرأتك فإنّها ستلتفت فقوله {امرأتك} بدل من قوله {أحد} كقولك ما قام أحد إلّا
[حجة القراءات: 347]
أبوك وما رأيت أحدا إلّا أخاك وكان أبو عمرو يتأوّل أن لوطا كان سار بها في أهله وحجته ما روي عن ابن عبّاس أنه قال إنّها سمعت الوجبة فالتفتت فأصابها العذاب
وقرأ الباقون {امرأتك} بالنّصب استثناء من الإسراء وحجتهم ما روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال {فأسر بأهلك بقطع من اللّيل} {إلّا امرأتك} فدلّ ذلك ان الاستثناء كان من أهله الّذين أمر بالإسراء بهم لا من {أحد} والمعنى في هذه القراءة أنه لم يخرج امرأته مع أهله وفي القراءة الأخرى أنه خرج بها فالتفتت فأصابتها الحجارة). [حجة القراءات: 348]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (23- قوله: {فأسر بأهلك} قرأه الحرميان بوصل الألف من «سرى» كما قال: {والليل إذا يسر} «الفجر 4» وذلك حين وقع، وقرأ الباقون بالهمز من «أسرى» كما قال: {سبحان الذي أسرى} «الإسراء 1» فهما لغتان مشهورتان). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/535]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (24- قوله: {إلا امرأتك} قرأه ابن كثير وأبو عمرو بالرفع على البدل من {أحد}؛ لأنه نهي، والنهي نفي، والبدل في النفي وجه الكلام، لأنه بمعنى: ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك، وقرأ الباقون بالنصب، على الاستثناء من الإيجاب في قوله: {فأسر بأهلك} ويجوز أن يكون على الاستثناء من النهي؛ لأن الكلام قد تم قبله، والأول أحسن، وقد تقدم ذكر {أصلواتك} في براءة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/536]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {فَاسْرِ بِأَهْلِكَ} [آية/ 81] موصولة الألف:
قرأها ابن كثير ونافع، وكذلك {أَنِ اسْرِ} حيث وقع في القرآن.
[الموضح: 655]
وقرأ الباقون {فَأَسْر} و{أَنْ أَسْرِ} مقطوعة الألف حيث وقع.
والوجه أنهما لغتان، يقال سرى وأسرى بمعنى واحد، فمن وصل الألف فمن سرى، ومن قطعها فمن أسرى). [الموضح: 656]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (15- {إِلَّا امْرَأَتُكَ} [آية/ 81] بالرفع:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو.
والوجه أن {امرأتك} بدل من قوله {أَحَدٌ}، وهو قوله {وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ}، كما تقول: ما جاءني أحدٌ إلا زيدٌ، فالاستثناء من النفي، فيكون بدلًا عما قبل إلا، وهو مرفوعٌ، فالبدل عنه مرفوع.
وقرأ الباقون {إِلَّا امْرَأَتَكَ} بالنصب.
والوجه أنه مستثنىً من قوله {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ}، فالاستثناء من الموجب، فلذلك صار نصبًا، والمعنى: فأسر بأهلك إلا امرأتك، كما تقول: قام القوم إلا زيدًا). [الموضح: 656]

قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82)}

قوله تعالى: {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:13 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة