العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة التوبة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 ربيع الثاني 1434هـ/10-03-2013م, 10:30 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي تفسير سورة التوبة [ الآيتين (34) ، (35) ]

تفسير سورة التوبة
[ الآيتين (34) ، (35) ]

بسم الله الرحمن الرحيم
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28 ربيع الثاني 1434هـ/10-03-2013م, 10:31 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا الثوري قال أنا أبو حصين عن أبي الضحى عن جعدة ابن هبيرة عن علي في قوله تعالى والذين يكنزون الذهب والفضة قال أربعة آلاف درهم فما دونها نفقة وما فوقها كنز). [تفسير عبد الرزاق: 1/273]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن منصور عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد قال نزلت هذه الآية والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله قال المهاجرون فأي المال نتخذ قال عمر فإني أسأل النبي عنه قال فأدركته على بعيري فقلت يا رسول الله إن المهاجرين قالوا أي المال نتخذ فقال رسول الله لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على دينه.
عن معمر عن قتادة قال ذكر لنا أن رسول الله كان يقول من فارق الروح جسده وهو بريء من ثلاث دخل الجنة الكنز والغلول والدين). [تفسير عبد الرزاق: 1/273]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة عن شهر بن حوشب بن أبي أمامة قال توفي رجل من أهل الصفة فوجد في إزاره دينار فقال النبي كية ثم توفي آخر فوجد في إزاره ديناران فقال النبي كيتان قال معمر كانوا يأكلون عند رسول الله فما بالهم يرفعون شيئا). [تفسير عبد الرزاق: 1/274]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال بلغني أن الكنز يتحول يوم القيامة شجاعا أقرع يتبع صاحبه وهو يفر منه يقول أنا كنزك لا يدرك منه شيئا إلا أخذه). [تفسير عبد الرزاق: 1/274]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل يوم القيامة صفائح من نار فكوى بها جنبه و جبهته و ظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين الناس ثم يرى سبيله وإن كانت إبلا إلا بطح بها بقاع قرقر في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة تطؤه بأخفافها حسبته قال وتعضه بأفواهها يرد أولها على آخرها حتى يقضى بين الناس ثم يرى سبيله وإن كانت غنما فكمثل ذلك إلا أنه قال تنطحه بقرونها و تطأه بأظلافها). [تفسير عبد الرزاق: 1/274]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن عاصم بن أبي النجود عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله من كان له مال فلم يؤد حقه جعل له يوم القيامة شجاع أقرع لفيه زبيبتان يتبعه حتى يضع يده فيه فلا يزال يقضمها حتى يقضى بين الخلائق). [تفسير عبد الرزاق: 1/275]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن أبي سلمة عن رجلين بينه وبين ابن مسعود عن ابن مسعود قال من كسب طيبا خبثه منع الزكاة ومن كسب خبيثا لم تطيبه الزكاة). [تفسير عبد الرزاق: 1/275]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن جعفر بن سليمان قال أخبرني ابن أبي سليمان عن يزيد الرقاشي قال سمعت أنس بن مالك يقول لا صلاة إلا بزكاة). [تفسير عبد الرزاق: 1/275]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة قال كان يقال إن الزكاة قنطرة بين الناس وبين الجنة فمن أدى الزكاة قطع القنطرة). [تفسير عبد الرزاق: 1/275]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن عمرو بن مرّة عن سالم بن أبي الجعد قال: لما نزلت {الذين يكنزون الذهب والفضة} قال: اشتدّ ذلك على المهاجرين قالوا: فأي شيء نتّخذ؟ فقال عمر: أنا أكفيكم فسأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم فقال: أي شيء نتخذ؟ قال: ((لسان ذاكر وقلب شاكر وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على دينه)) [الآية: 34]). [تفسير الثوري: 125]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ} [التوبة: 34]
- حدّثنا الحكم بن نافعٍ، أخبرنا شعيبٌ، حدّثنا أبو الزّناد: أنّ عبد الرّحمن الأعرج حدّثه، أنّه قال: حدّثني أبو هريرة رضي اللّه عنه، أنّه سمع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعًا أقرع»
- حدّثنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا جريرٌ، عن حصينٍ، عن زيد بن وهبٍ، قال: مررت على أبي ذرٍّ بالرّبذة فقلت: ما أنزلك بهذه الأرض؟ قال: " كنّا بالشّأم فقرأت: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة، ولا ينفقونها في سبيل اللّه، فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ} [التوبة: 34] " قال معاوية: ما هذه فينا، ما هذه إلّا في أهل الكتاب، قال: قلت: «إنّها لفينا وفيهم»). [صحيح البخاري: 6/65]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله والّذين يكنزون الذّهب والفضّة الآية)
[4659] قوله يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعًا أقرع كذا أورده مختصرًا وهو عند أبي نعيمٍ في المستخرج من وجهٍ آخر عن أبي اليمان وزاد يفرّ منه صاحبه ويطلبه أنا كنزك فلا يزال به حتّى يلقمه إصبعه وكذا أخرجه النّسائيّ من طريق عليّ بن عيّاشٍ عن شعيبٍ وقد تقدّم من وجهٍ آخر عن أبي هريرة في كتاب الزّكاة مع شرح الحديث ثمّ ذكر حديث أبي ذرٍّ في قصّته مع معاوية في تأويل قوله تعالى والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل الله وقد تقدّم في الزّكاة أيضًا مع شرحه). [فتح الباري: 8/324]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ} (التّوبة: 34)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: (والّذين) الآية، وليس في بعض النّسخ ذكر لفظ: باب، وهذه الآية نزلت في عامّة أهل الكتاب والمسلمين، وقيل: بل خاصّة بأهل الكتاب، وقيل: بل هو كلام مستأنف في حق من لا يزكي من هذه الأمة. قاله ابن عبّاس والسّديّ وعامة المفسّرين: وقرأ يحيى بن يعمر، بضم النّون والزّاي والعامة بكسر النّون، وأما الكنز فقال مالك: عن عبد الله ابن دينار عن ابن عمر أنه قال: الكنز هو المال الّذي لا تؤدّي منه الزّكاة وهو المستحق عليه الوعيد. قوله: (ولا ينفقونها) الضّمير يرجع إلى الذّهب والفضّة من جهة المعنى لأن كل واحد منهما جملة وافية وعدة كثيرة، وقيل: إلى الكنوز، وقيل: إلى الأموال. قوله: (فبشرهم بعذاب أليم) جعل الوعيد لهم بالعذاب موضع البشرى بالنعيم.
- حدّثنا الحكم بن نافعٍ أخبرنا شعيبٌ حدثنا أبو الزّناد أنّ عبد الرّحمان الأعرج حدّثه أنّه قال حدّثني أبو هريرة رضي الله عنه أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعاً أقرع.
مطابقته للتّرجمة تؤخذ من قوله: (شجاعاً أقرع) وأخرجه هنا مختصرا وقد مضى في كتاب الزّكاة في: باب إثم مانع الزّكاة، بغير هذا الإسناد عن أبي هريرة بأتم منه، وأخرج بالإسناد المذكور هنا بعينه عن أبي هريرة بعين المتن المذكور. وأبو الزّناد، بكسر الزّاي وبالنون الخفيفة: عبد الله بن ذكوان، وعبد الرّحمن هو ابن هرمز الأعرج، والشجاع الحيّة فإذا كان الشجاع أقرع يكون أقوى سما.
- حدّثنا قتيبة بن سعيدٍ حدّثنا جريرٌ عن حصينٍ عن زيد بن وهب قال مررت على أبى ذرٍّ بالرّبذة فقلت ما أنزلك بهاذه الأرض قال كنّا بالشّأم فقرأت: {والذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ} قال معاوية: ما هاذه فينا ما هاذه إلاّ في أهل الكتاب قال قلت إنّها لفينا وفيهم. .
مطابقته للتّرجمة ظاهرة، وجرير هو ابن عبد الحميد، وحصين، بضم الحاء وفتح الصّاد المهملتين: ابن عبد الرّحمن السّلميّ الكوفي، وزيد بن وهب الهمداني الكوفي خرج إلى النّبي صلى الله عليه وسلم فقبض النّبي وهو في الطّريق، مات سنة ستّ وسبعين، وأبو ذر اسمه جندب بضم الجيم.
والحديث مضى في كتاب الزّكاة في: باب ما أدّى زكاته فليس بكنز، فإنّه أخرجه هناك بأتم منه ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (بالربذة) ، بالراء المهملة والباء الموحدة والذال المعجمة المفتوحات: قرية قريبة من المدينة وكان سبب إقامته هناك أنه لما كان بالشّام وقعت بينه وبين معاوية مناظرة في تفسير هذه الآية، فتضجر خاطره فارتحل إلى المدينة ثمّ تضجر منها فارتحل إلى الربذة). [عمدة القاري: 18/264-265]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ}
(باب قوله) عز وجل ({والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقولها في سبيل الله}) والذين بالواو استئنافية مبتدأ ضمن معنى الشرط ودخلت الفاء في خبره وهو قوله: ({فبشرهم بعذاب أليم}) [التوبة: 34] لذلك ووحد الضمير والسابق شيئان الذهب والفضة لأنه يعود على المكنوزات وهي أعم من النقدين أو عودًا إلى الفضة لأنها أقرب مذكور، واكتفى ببيان حال صاحبها عن بيان حال صاحب الذهب، أو لأن الفضة أكثر انتفاعًا في المعاملات من الذهب وتخصيصهما بالذكر مع أن غيرهما إن لم تؤد زكاته كأموال التجارة يعذب صاحبه لكونهما ثمنًا له في الغالب، وأصل الكنز الجمع وكل شيء جمع بعضه إلى بعض فهو مكنوز، وأكثر علماء الصحابة على أن الكنز المذموم هو المال الذي لا تؤدى زكاته.
وروي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أيما مال أديت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونًا في الأرض وأيما مال لم تؤد زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه وإن كان على وجه الأرض، وقيل: المال الكثير إذا جمع فهو الكنز المذموم وإن أديت زكاته، واستدلّ له بعموم اللفظ، وقوله عليه الصلاة والسلام المروي في حديث علي عند عبد الرزاق ولفظه عن عليّ في قوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة} الآية قال النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-: "تبًّا للذهب تبًّا للفضة" يقولها ثلاثًا. قال: فشق ذلك على أصحابه وقالوا: فأي مال نتخذ؟ فقال عمر -رضي الله عنه-: أنا أعلم لكم ذلك فقال: يا رسول الله إن أصحابك قد شق عليهم ذلك وقالوا: فأي المال نتخذ؟ قال: "لسانًا ذاكرًا وقلبًا شاكرًا وزوجة تعين أحدكم على دينه" ويمكن أن يجاب بحمل ذلك على ترك الأولى لا أنه يعذب الإنسان على مال جمعه من حل وأخرج عنه حق الله تعالى، وقد قال عليه الصلاة والسلام "نعم المال الصالح للرجل الصالح" وسقط باب قوله لغير أبي ذر.
- حدّثنا الحكم بن نافعٍ، أخبرنا شعيبٌ، حدّثنا أبو الزّناد، أنّ عبد الرّحمن الأعرج حدّثه أنّه قال: حدّثني أبو هريرة -رضي الله عنه- أنّه سمع رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول: «يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعًا أقرع».
وبه قال: (حدّثنا الحكم بن نافع) أبو اليمان الحمصي قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (أن عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج حدثه أنه قال: حدّثني) بالإفراد (أبو هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول):
(يكون كنز أحدكم) بالكاف كذا في الفرع كأصله وغيرهما وفي نسخة مكنز أحدهم (يوم القيامة شجاعًا أقرع) أي حيّة تمعط جلد رأسها لكثرة السم وطول العمر وزاد أبو نعيم في مستخرجه يفر منه صاحبه ويطلبه أنا كنزك فلا يزال به حتى يلقمه أصبعه.
وقد سبق الحديث في الزكاة بتمامه من وجه آخر وقد أورده هنا مختصرًا.
- حدّثنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا جريرٌ عن حصينٍ، عن زيد بن وهبٍ، قال: مررت على أبي ذرٍّ بالرّبذة فقلت: ما أنزلك بهذه الأرض قال: كنّا بالشّأم فقرأت: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ} [التوبة: 34] قال معاوية: ما هذه فينا ما هذه إلاّ في أهل الكتاب، قال: قلت إنّها لفينا وفيهم.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي (عن زيد بن وهب) الجهني الهمداني الكوفي أنه (قال: مررت على أبي ذر) جندب بن جنادة على الأصح (بالربذة) بالراء والموحدة والمعجمة المفتوحات موضع قريب من المدينة (فقلت) له: (ما أنزلك بهذه الأرض؟ قال: كنا بالشام فقرأت) قوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقولها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} قال معاوية) بن أبي سفيان حين كان أميرًا على الشام: (ما هذه) الآية (فينا) نزلت (ما هذه إلا في أهل الكتاب). نظرًا إلى سياق الآية لأنها نزلت في الأحبار والرهبان الذين لا يؤتون الزكاة (قال) أبو ذر: (قلت) لمعاوية: (إنها لفينا وفيهم) نزلت نظرًا إلى عموم الآية، وزاد في الزكاة فكان بيني وبينه في ذلك، وكتب إلى عثمان -رضي الله عنه- يشكوني فكتب إليّ عثمان أن أقدم المدينة فقدمتها فكثر عليّ الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك فذكرت ذلك لعثمان فقال: إن شئت تنحيت فكنت قريبًا فذاك الذي أنزلني هذا المنزل). [إرشاد الساري: 7/145-146]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن منصورٍ، عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان، قال: لمّا نزلت {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة} قال: كنّا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في بعض أسفاره، فقال بعض أصحابه: أنزلت في الذّهب والفضّة، لو علمنا أيّ المال خيرٌ فنتّخذه؟ فقال: أفضله لسانٌ ذاكرٌ، وقلبٌ شاكرٌ، وزوجةٌ مؤمنةٌ تعينه على إيمانه.
هذا حديثٌ حسنٌ سألت محمّد بن إسماعيل، فقلت له: سالم بن أبي الجعد سمع من ثوبان؟ فقال: لا، فقلت له: ممّن سمع من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فقال: سمع من جابر بن عبد الله وأنس بن مالكٍ، وذكر غير واحدٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم). [سنن الترمذي: 5/128-129]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة}
- أخبرنا عمران بن بكّار بن راشدٍ، حدّثنا عليّ بن عيّاشٍ، حدّثنا شعيبٌ، حدّثني أبو الزّناد، ممّا حدّثه عبد الرّحمن الأعرج، ممّا ذكر أنّه سمع أبا هريرة يحدّث به قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يكون كنز أحدهم يوم القيامة شجاعًا أقرع، يفرّ منه صاحبه، ويطلبه أنا كنزك، فلا يزال به حتّى يلقمه أصبعه»
- أخبرنا قتيبة بن سعيدٍ، أخبرنا اللّيث، عن ابن عجلان، عن القعقاع، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعًا أقرع ذا زبيبتين يتبع صاحبه وهو يتعوّذ منه، ولا يزال يتبعه حتّى يلقمه أصبعه»
- أخبرنا أبو صالحٍ المكّيّ، حدّثنا فضيل يعني ابن عياضٍ، عن حصينٍ، عن زيد بن وهبٍ، قال: أتيت الرّبذة فدخلت على أبي ذرٍّ فقلت: ما أنزلك هذا؟ قال: كنت بالشّام فقرأت هذه الآية {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها} [التوبة: 34] إلى آخر الآية، فقال معاوية: ليست هذه الآية نزلت فينا، إنّما هي في أهل الكتاب، فقلت: إنّها فينا وفي أهل الكتاب، إلى أن كان قولٌ وتنازعٌ، وكتب إلى عثمان يشكوني، كتب إليّ عثمان رحمه الله أن اقدم، فقدمت المدينة فكثر ورائي النّاس كأنّهم لم يروني قطّ، فدخلت على عثمان فشكوت إليه ذلك، فقال: تنحّ، وكن قريبًا، فنزلت هذا المنزل، والله لو أمّر عليّ حبشيٌّ ما عصيته ولا أرجع عن قولي "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/113-114]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّ كثيرًا من الأحبار والرّهبان ليأكلون أموال النّاس بالباطل ويصدّون عن سبيل اللّه}.
يقول تعالى ذكره: يا أيّها الّذين صدّقوا اللّه ورسوله وأقرّوا بوحدانيّة ربّهم، إنّ كثيرًا من العلماء والقرّاء من بني إسرائيل من اليهود والنّصارى {ليأكلون أموال النّاس بالباطل} يقول: يأخذون الرّشى في أحكامهم، ويحرّفون كتاب اللّه، ويكتبون بأيديهم كتبًا ثمّ يقولون: هذه من عند اللّه، ويأخذون بها ثمنًا قليلاً من سفلتهم. {ويصدّون عن سبيل اللّه} يقول: ويمنعون من أراد الدّخول في الإسلام الدّخول فيه بينهم إيّاهم عنه.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّ كثيرًا من الأحبار والرّهبان ليأكلون أموال النّاس بالباطل} أما الأحبار، فمن اليهود، وأمّا الرّهبان: فمن النّصارى، وأمّا سبيل اللّه: فمحمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم.
القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ}.
يقول تعالى ذكره: {إنّ كثيرًا من الأحبار والرّهبان ليأكلون أموال النّاس بالباطل} ويأكلها أيضًا معهم {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ} يقول: بشّر الكثير من الأحبار والرّهبان الّذين يأكلون أموال النّاس بالباطل، والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه، بعذابٍ أليمٍ لهم يوم القيامة موجعٍ من اللّه.
واختلف أهل العلم في معنى الكنز، فقال بعضهم: هو كلّ مالٍ وجبت فيه الزّكاة فلم تؤدّ زكاته. قالوا: وعنى بقوله: {ولا ينفقونها في سبيل اللّه} ولا يؤدّون زكاتها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا أيّوب، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: كلّ مالٍ أدّيت زكاته فليس بكنزٍ وإن كان مدفونًا، وكلّ مالٍ لم تؤدّ زكاته فهو الكنز الّذي ذكره اللّه في القرآن يكوى به صاحبه وإن لم يكن مدفونًا.
- حدّثنا الحسين بن الجنيد، قال: حدّثنا سعيد بن مسلمة، قال: حدّثنا إسماعيل بن أميّة، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أنّه قال: كلّ مالٍ أدّيت منه الزّكاة فليس بكنزٍ وإن كان مدفونًا، وكلّ مالٍ لم تؤدّ منه الزّكاة وإن لم يكن مدفونًا فهو كنزٌ.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: أيّما مالٍ أدّيت زكاته فليس بكنزٍ وإن كان مدفونًا في الأرض، وأيّما مالٍ لم تؤدّ زكاته فهو بكنزٍ يكوى به صاحبه، وإن كان على وجه الأرض.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي وجريرٌ، عن الأعمش، عن عطيّة، عن ابن عمر، قال: ما أدّيت زكاته فليس بكنزٍ.
- قال: حدّثنا أبي، عن العمريّ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: ما أدّيت زكاته فليس بكنزٍ وإن كان تحت سبع أرضين، وما لم تؤدّ زكاته فهو كنزٌ وإن كان ظاهرًا.
- قال: حدّثنا جريرٌ، عن الشّيبانيّ، عن عكرمة، قال: ما أدّيت زكاته فليس بكنزٍ.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: أمّا الّذين يكنزون الذّهب والفضّة فهؤلاء أهل القبلة. والكنز: ما لم تؤدّ زكاته وإن كان على ظهر الأرض وإن قلّ، وإن كان كثيرًا قد أدّيت زكاته فليس بكنزٍ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابرٍ، قال: قلت لعامرٍ: مالٌ على رفٍّ بين السّماء والأرض لا تؤدّى زكاته، أكنزٌ هو؟ قال: يكوى به يوم القيامة.
وقال آخرون: كلّ مالٍ زاد على أربعة آلاف درهمٍ، فهو كنزٌ، أدّيت منه الزّكاة أو لم تؤدّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن أبي حصين، عن أبي الضّحى، عن جعدة بن هبيرة، عن عليٍّ، رحمة اللّه عليه قال: أربعة آلاف درهمٍ فما دونها نفقةٌ، فما كان أكثر من ذلك فهو كنزٌ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن أبي حصينٍ، عن أبي الضّحى، عن جعدة بن هبيرة، عن عليٍّ مثله.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الشّعبيّ، قال: أخبرني أبو حصينٍ، عن أبي الضّحى، عن جعدة بن هبيرة، عن عليٍّ رحمة اللّه عليه، في قوله: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة} قال: أربعة آلاف درهمٍ فما دونها نفقةٌ، وما فوقها كنزٌ.
وقال آخرون: الكنز كلّ ما فضل من المال عن حاجة صاحبه إليه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن معاذٍ، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا شعبة، عن أنسٍ، عن عبد الواحد، أنّه سمع أبا مجيبٍ، قال: كان نعل سيف أبي هريرة من فضّةٍ، فنهاه عنها أبو ذرٍّ، وقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: من ترك صفراء أو بيضاء كوي بها.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن الأعمش، وعمرو بن مرّة، عن سالم بن أبي الجعد، قال: لمّا نزلت: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه} قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: تبًّا للذّهب تبًّا للفضّة يقولها ثلاثًا. قال: فشقّ ذلك على أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قالوا: فأيّ مالٍ نتّخذه؟ فقال عمر: أنا أعلم لكم ذلك. فقال: يا رسول اللّه إنّ أصحابك قد شقّ عليهم وقالوا: فأيّ المال نتّخذ، فقال: لسانًا ذاكرًا، وقلبًا شاكرًا، وزوجةً تعين أحدكم على دينه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا إسرائيل، عن منصورٍ، عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان، بمثله.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن منصورٍ، عن عمرو بن مرّة، عن سالم بن أبي الجعد، قال: لمّا نزلت هذه الآية: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه} قال المهاجرون: وأيّ المال نتّخذ؟ فقال عمر: أسأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عنه. قال: فأدركته على بعيرٍ، فقلت: يا رسول اللّه إنّ المهاجرين قالوا: فأيّ المال نتّخذه؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لسانًا ذاكرًا، وقلبًا شاكرًا، وزوجةً مؤمنةً تعين أحدكم على دينه.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، عن شهر بن حوشبٍ، عن أبي أمامة، قال: توفّي رجلٌ من أهل الصّفّة، فوجد في مئزره دينارٌ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: كيّةٌ ثمّ توفّي آخر، فوجد في مئزره ديناران، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: كيّتان.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن شهر بن حوشبٍ، عن صديّ بن عجلان أبي أمامة، قال: مات رجلٌ من أهل الصّفّة، فوجد في مئزره دينارٌ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: كيّةٌ ثمّ توفّي آخر، فوجد في مئزره ديناران فقال نبيّ اللّه: كيّتان.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن سالمٍ، عن ثوبان، قال: كنّا في سفرٍ ونحن نسير مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال المهاجرون: لوددنا أنّا علمنا أيّ المال خيرٌ فنتّخذه؛ إذ نزل في الذّهب والفضّة ما نزل، فقال عمر: إن شئتم سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن ذلك. فقالوا: أجل. فانطلق فتبعته أوضع على بعيري، فقال: يا رسول اللّه إنّ المهاجرين لمّا أنزل اللّه في الذّهب والفضّة ما أنزل قالوا: وددنا أنّا علمنا أيّ المال خيرٌ فنتّخذه، قال: نعم، فيتّخذ أحدكم لسانًا ذاكرًا، وقلبًا شاكرًا، وزوجةً تعين أحدكم على إيمانه.
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال في ذلك بالصّحّة: القول الّذي ذكر عن ابن عمر من أنّ كلّ مالٍ أدّيت زكاته فليس بكنزٍ يحرم على صاحبه اكتنازه وإن كثر، وأنّ كلّ ما لم تؤدّ زكاته فصاحبه معاقبٌ مستحقٌّ وعيد اللّه إلاّ أن يتفضّل اللّه عليه بعفوه وإن قل إذا كان ممّا يجب فيه الزّكاة. وذلك أنّ اللّه أوجب في خمس أواقٍ من الورق على لسان رسوله ربع عشرها، وفي عشرين مثقالاً من الذّهب مثل ذلك ربع عشرها. فإذ كان ذلك فرض اللّه في الذّهب والفضّة على لسان رسوله، فمعلومٌ أنّ الكثير من المال وإن بلغ في الكثرة ألوف ألوفٍ لو كان، وإن أدّيت زكاته من الكنوز الّتي أوعد اللّه أهلها عليها العقاب، لم يكن فيه الزّكاة الّتي ذكرنا من ربع العشر؛ لأنّ ما كان فرضًا إخراج جميعه من المال وحرامٌ اتّخاذه فزكاته الخروج من جميعه إلى أهله لا ربع عشره، وذلك مثل المال المغصوب الّذي هو حرامٌ على الغاصب إمساكه وفرضٌ عليه إخراجه من يده إلى يده، فالتّطهّر منه ردّه إلى صاحبه. فلو كان ما زاد من المال على أربعة آلاف درهمٍ، أو ما فضل عن حاجة ربّه الّتي لا بدّ منها ممّا يستحقّ صاحبه باقتنائه إذا أدّى إلى أهل السّهمان حقوقهم منها من الصّدقة وعيد اللّه لم يكن اللاّزم ربّه فيه ربع عشره، بل كان اللاّزم له الخروج من جميعه إلى أهله وصرفه فيما يجب عليه صرفه، كالّذي ذكرنا من أنّ الواجب على غاصب رجلٍ ماله ردّه على ربّه.
وبعد فإنّ فيما:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، قال: قال معمرٌ: أخبرني سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: ما من رجلٍ لا يؤدّي زكاة ماله إلاّ جعل يوم القيامة صفائح من نارٍ يكوى بها جنبه وجبهته وظهره في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ حتّى يقضى بين النّاس ثمّ يرى سبيله وإن كانت إبلاً إلاّ بطح لها بقاعٍ قرقرٍ تطؤه بأخفافها حسبته قال: وتعضّه بأفواهها، يرد أولاها على أخراها، حتّى يقضى بين النّاس ثمّ يرى سبيله. وإن كانت غنمًا فمثل ذلك، إلاّ أنّها تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها.
وفي ذلك نظائر من الأخبار الّتي كرهنا الإطالة بذكرها الدّلالة الواضحة على أنّ الوعيد إنّما هو من اللّه على الأموال الّتي لم تؤدّ الوظائف المفروضة فيها لأهلها من الصّدقة، لا على اقتنائها واكتنازها.
وفيما بيّنّا من ذلك البيان الواضح على أنّ الآية لخاصٍّ كما قال ابن عبّاسٍ وذلك ما:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ} يقول: هم أهل الكتاب، وقال: هي خاصّةٌ وعامّةٌ يعني بقوله: هي خاصّةٌ وعامّةٌ، هي خاصّةٌ من المسلمين فيمن لم يؤدّ زكاة ماله منهم، وعامّةٌ في أهل الكتاب؛ لأنّهم كفّارٌ لا تقبل منهم نفقاتهم إن أنفقوا.
يدلّ على صحّة ما قلنا في تأويل قول ابن عبّاسٍ هذا ما:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها} إلى قوله: {هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون} قال: هم الّذين لا يؤدّون زكاة أموالهم. قال: وكلّ مالٍ لا تؤدّى زكاته كان على ظهر الأرض أو في بطنها فهو كنزٌ، وكلّ مالٍ تؤدّى زكاته فليس بكنزٍ كان على ظهر الأرض أو في بطنها.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة} قال: الكنز: ما كنز عن طاعة اللّه وفريضته، وذلك الكنز. وقال: افترضت الزّكاة والصّلاة جميعًا لم يفرّق بينهما.
وإنّما قلنا ذلك على الخصوص؛ لأنّ الكنز في كلام العرب: كلّ شيءٍ مجموعٌ بعضه على بعضٍ في بطن الأرض كان أو على ظهرها، يدلّ على ذلك قول الشّاعر:
لا درّ درّي إن أطعمت نازلهم = قرف الحتيّ وعندي البرّ مكنوز
يعني بذلك: وعندي البرّ مجموعٌ بعضه على بعضٍ، وكذلك تقول العرب للبدن المجتمع: مكتنزٌ لانضمام بعضه إلى بعضٍ.
وإذا كان ذلك معنى الكنز عندهم، وكان قوله: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة} معناه: والّذين يجمعون الذّهب والفضّة بعضها إلى بعضٍ {ولا ينفقونها في سبيل اللّه} وهو عامٌّ في التّلاوة، لم يكن في الآية بيانٌ كم ذلك القدر من الذّهب والفضّة الّذي إذا جمع بعضه إلى بعضٍ استحقّ الوعيد، كان معلومًا أنّ خصوص ذلك إنّما أدرك بوقف الرّسول عليه، وذلك كما بيّنّا من أنّه المال الّذي لم يؤدّ حقّ اللّه منه من الزّكاة دون غيره لما قد أوضحنا من الدّلالة على صحّته.
وقد كان بعض الصّحابة يقول: هي عامّةٌ في كلّ كنزٍ، غير أنّها خاصّةٌ في أهل الكتاب وإيّاهم عنى اللّه بها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني أبو حصينٍ عبد اللّه بن أحمد بن يونس، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: حدّثنا حصينٌ، عن زيد بن وهبٍ، قال: مررت بالرّبذة، فلقيت أبا ذرٍّ، فقلت: يا أبا ذرٍّ، ما أنزلك هذه البلاد؟ قال: كنت بالشّأم، فقرأت هذه الآية: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة} الآية، فقال معاوية: ليست هذه الآية فينا، إنّما هذه الآية في أهل الكتاب. قال: فقلت إنّها لفينا وفيهم. قال: فارتفع في ذلك بيني وبينه القول، فكتب إلى عثمان يشكوني، فكتب إليّ عثمان: أن أقبل إليّ، قال: فأقبلت، فلمّا قدمت المدينة ركبني النّاس كأنّهم لم يروني قبل يومئذٍ، فشكوت ذلك إلى عثمان، فقال لي: تنحّ قريبًا، قلت: واللّه لن أدع ما كنت أقول.
- حدّثنا أبو كريبٍ وأبو السّائب وابن وكيعٍ، قالوا: حدّثنا ابن إدريس، قال حدّثنا حصينٌ، عن زيد بن وهبٍ، قال: مررنا بالرّبذة، ثمّ ذكر عن أبي ذرٍّ نحوه.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن أشعث، وهشامٍ، عن أبي بشرٍ، قال: قال أبو ذرٍّ: خرجت إلى الشّام فقرأت هذه الآية: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه} فقال معاوية: إنّما هي في أهل الكتاب، قال: فقلت: إنّها لفينا وفيهم.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حصينٌ، عن زيد بن وهبٍ، قال: مررت بالرّبذة فإذا أنا بأبي ذرٍّ، قال: قلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشّام، فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه} قال: فقال: نزلت في أهل الكتاب. فقلت: نزلت فينا وفيهم. ثمّ ذكر نحو حديث هشيمٍ عن حصينٍ.
فإن قال قائلٌ: فكيف قيل: {ولا ينفقونها في سبيل اللّه} فأخرجت الهاء والألف مخرج الكناية عن أحد النّوعين؟
قيل: يحتمل ذلك وجهين:
أحدهما أن يكون الذّهب والفضّة مرادًا بها الكنوز، كأنّه قيل: {والّذين يكنزون} الكنوز {ولا ينفقونها في سبيل اللّه} لأنّ الذّهب والفضّة هي الكنوز في هذا الموضع.
والآخر: أن يكون استغنى بالخبر عن إحداهما في عائد ذكرهما من الخبر عن الأخرى، لدلالة الكلام على الخبر عن الأخرى مثل الخبر عنها. وذلك كثيرٌ موجودٌ في كلام العرب وأشعارها، ومنه قول الشّاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما = عندك راضٍ والرّأي مختلف
فقال: راضٍ، ولم يقل: راضون.
وقال الآخر:
إنّ شرح الشّباب والشّعر الأسـ = ود ما لم يعاص كان جنونًا
فقال: يعاص، ولم يقل: يعاصيا في أشياء كثيرةٍ. ومنه قول اللّه: {وإذا رأوا تجارةً أو لهوًا انفضّوا إليها} [الجمعة] ولم يقل: إليهما). [جامع البيان: 11/424-436]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها الّذين آمنوا إنّ كثيرًا من الأحبار والرّهبان ليأكلون أموال النّاس بالباطل ويصدّون عن سبيل اللّه والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ (34)
قوله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا إن كثيرًا من الأحبار والرهبان
- أخبرنا أحمد بن عثمان فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: إنّ كثيرًا من الأحبار أمّا الأحبار: فمن اليهود وأمّا الرّهبان: فمن النّصارى.
- حدّثنا أبي ثنا عمران بن موسى الطّرسوسيّ ثنا عبد الصّمد بن يزيد خادم الفضيل بن عياضٍ قال: سمعت الفضيل بن عياضٍ تلا هذه الآية إنّ كثيرًا من الأحبار والرّهبان قال: تفسير الأحبار: العلماء وتفسير الرّهبان: العبّاد.
قوله تعالى: ليأكلون أموال النّاس بالباطل
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ ثنا عبد اللّه بن لهيعة ثنا عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه بالباطل: يعني بالظلم.
- ذكره ابن أبي سلم ثنا إسحاق بن راهويه أنبأ محمّد بن يزيد ثنا جويبرٌ عن الضّحّاك في قوله: ليأكلون أموال النّاس بالباطل والباطل: كتبٌ كتبوها- واللّه لم ينزّلها اللّه، فأكلوا بها النّاس فذلك قوله: للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم.
قوله تعالى: ويصدون عن سبيل الله.
[الوجه الأول]
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ ثنا ابن مفضّلٌ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: ويصدّون عن سبيل اللّه أما سبيل اللّه: فمحمّدٌ- صلّى اللّه عليه وسلّم-.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا المسيّب بن واضحٍ ثنا عليّ بن بكّارٍ عن ابن عون في قول الله: يصدون عن سبيل اللّه. قال: هم الّذين يثبّطون عن الجهاد في سبيل اللّه.
قوله تعالى: والّذين يكنزون الذّهب والفضّة.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي ثنا حميد بن مالكٍ ثنا يحيى بن يعلى المحاربيّ ثنا أبي ثنا غيلان بن جامعٍ المحاربيّ عن عثمان بن اليقظان عن جعفر بن إياسٍ عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا نزلت هذه الآية والّذين يكنزون الذّهب والفضّة كبر ذلك على المسلمين، قالوا: ما يستطيع أحدٌ منّا لولده ما لا يبقى بعده فقال عمر: أنا أفرّج عنكم فانطلق عمر، واتّبعه ثوبان، فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا نبيّ اللّه، إنّه قد كبر على أصحابك هذه الآية فقال نبيّ اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- «إنّ اللّه لم يفرض الزّكاة إلا ليطيّب بها ما بقي من أموالكم وإنّما فرض المواريث في أموالٍ تبقى بعدكم». قال: فكبّر عمر ثمّ قال له النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم-: «ألا أخبرك بخير ما يكنزه المرء؟. المرأة الصّالحة الّتي إذا نظر إليها سرّته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته».
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا وكيعٌ عن عبد العزيز عن نافعٍ عن ابن عمير قال: ما أدي زكاته فليس بكنزٍ، وإن كان تحت سبع أرضين وما لم تؤدّ زكاته فهو كنزٌ وإن كان ظاهرًا
، وروي عن ابن عبّاسٍ قال: ما أدّي زكاته فليس بكنزٍ.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ الثّوريّ أخبرني أبو حصينٍ عن أبي الضّحى عن جعدة بن هبيرة عن عليٍّ في قوله: والّذين يكنزون الذّهب والفضّة. قال: أربعة آلافٍ فما دونها نفقةٌ وما فوقها كنزٌ.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنبأ عبد الرّزّاق عن الثّوريّ عن منصورٍ عن عمرو بن مرّة عن سالم بن أبي الجعد قال: لمّا نزلت والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه قال المهاجرون: فأيّ المال نتّخذ؟ فقال عمر: أسأل النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- عنه قال: فأدركته على بعيري، فقلت: يا رسول اللّه، إنّ المهاجرين قالوا: أيّ المال نتّخذ؟ فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم-: «لسانًا ذاكرًا وقلبًا شاكرًا وزوجةً مؤمنةً تعين أحدكم على دينه».
- حدّثنا محمّد بن عوفٍ ثنا حيوة بن شريحٍ ثنا بقيّة عن محمّد بن زيادٍ قال: سمعت أبا إمامة يقول: حلية السّيوف من الكنوز ما أحدّثكم إلا ما سمعت.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي ثنا حمّاد بن زاذان ثنا هشيمٌ عن حصينٍ عن زيد بن وهبٍ قال: مررت بالرّبذة فإذا أنا بأبي ذرٍّ فقال: اختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه. فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب.
والوجه الخامس:
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: والّذين يكنزون الذهب والفضة. فهؤلاء أهل القبلة.
والوجه السّادس:
- حدّثنا أبي ثنا ابن الطّبّاع ثنا أبو أسامة عن عبد الرّحمن بن زيادٍ عن راشد بن مسلمٍ عن عراك بن مالكٍ وعمر بن عبد العزيز أنّهما قالا: في قول اللّه والّذين يكنزون الذّهب والفضّة. قالا: نسختها الآية الأخرى، خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها.
قوله تعالى: ولا ينفقونها في سبيل اللّه.
- قرأت على محمّد بن الفضل ثنا محمّد بن عليٍّ ثنا محمّد بن مزاحمٍ ثنا بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: ولا ينفقونها في سبيل اللّه يعني: الزّكاة المفروضة والنّفقة في سبيل اللّه وفي طاعته.
قوله فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ
- حدّثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصمٍ النّبيل حدّثني أبي عمرو بن الضّحّاك حدّثنا أبي أنبأنا شبيب بن بشرٍ وأنبأنا عكرمة عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه بعذابٍ أليمٍ قال: أليمٌ: كلّ شيءٍ موجعٍ. وروي عن أبي العالية وسعد بن جبيرٍ وأبي مالكٍ والضّحّاك وقتادة وأبي عمران الجونيّ ومقاتل بن حيّان والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 6/1787-1789]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن حصين بن عبد الرحمن عن زيد بن وهب قال مررت بالربذة فقلت لأبي ذر الغفاري ما أنزلك ههنا فقال إني كنت بالشام فقرأت هذه الآية والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم فقال رجل إنما هذه الآية لأهل الكتاب وليست فينا فقلت هي فينا وفيهم فنزلت هذا المنزل فوالله لا أدع ما قلت ولو أمر علي عبد حبشي ما عصيته). [تفسير مجاهد: 277]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا عليّ بن محمّد بن عقبة الشّيبانيّ، ثنا إبراهيم بن إسحاق الزّهريّ، ثنا يحيى بن يعلى بن الحارث المحاربيّ، ثنا أبي، ثنا غيلان بن جامعٍ، عن عثمان بن القطّان الخزاعيّ، عن جعفر بن إياسٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: لمّا نزلت {الّذين يكنزون} [التوبة: 34] الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه كبر ذلك على المسلمين وقالوا: ما يستطيع أحدنا أن يترك مالًا لولده يبقى بعده. فقال عمر: أنا أفرّج عنكم، قال: فانطلقوا وانطلق عمر واتّبعه ثوبان فأتوا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقال عمر: يا نبيّ اللّه، قد كبر على أصحابك هذه الآية. فقال نبيّ اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ اللّه لم يفرض الزّكاة إلّا ليطيّب بها ما بقي من أموالكم، وإنّما فرض المواريث في أموالٍ تبقى بعدكم» قال: فكبّر عمر ثمّ قال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أخبرك بخير ما يكنزه المرء المرأة الصّالحة، إذا نظر إليها سرّته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/363]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ) زيد بن وهب -رحمه الله -: قال: مررت بالرّبذة، فإذا بأبي ذرٍّ، فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام، فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ} [التوبة: 34] فقال [معاوية] : نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في ذلك كلام، فكتب إلى عثمان يشكوني، فكتب إليّ عثمان: أن اقدم المدينة، فقدمتها فكثر عليّ الناس، حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذلك لعثمان، فقال لي: إن شئت تنحّيت، فكنت قريباً، فذاك الذي أنزلني هذا المنزل ولو أمّروا عليّ حبشيّاً لسمعت وأطعت. أخرجه البخاري.
[شرح الغريب]
(الربذة) : موضع قريب من المدينة.
(يكنزون) الكنز: الادخار والجمع. مصدر كنز المال يكنزه كنزاً). [جامع الأصول: 2/162-163]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (د) ابن عباس - رضي الله عنهما -: قال: لما نزلت هذه الآية: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة} كبر ذلك على المسلمين، فقال عمر: أنا أفرّج عنكم، فانطلق، فقال: يا نبيّ الله، إنه كبر على أصحابك هذه الآية، فقال [رسول الله صلى الله عليه وسلم] : «إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم، وإنما فرض المواريث لتكون لمن بعدكم»، فكبّر عمر، ثم قال له: «ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة: إذا نظر إليها سرّته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته». أخرجه أبو داود). [جامع الأصول: 2/163]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ ط) ابن عمر [بن الخطاب]- رضي الله عنهما -: قال له أعرابيٌّ: أخبرني عن قول الله- تعالى -: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذابٍ أليم} قال ابن عمر: من كنزها فلم يؤدّ زكاتها ويلٌ له، هذا كان قبل أن تنزل الزكاة، فلما أنزلت جعلها الله طهراً للأموال. أخرجه البخاري.
وفي رواية الموطأ، قال عبد الله بن دينارٍ: سمعت عبد الله بن عمر وهو يسأل عن الكنز ما هو؟ فقال: هو المال الذي لا تؤدّى منه الزكاة.
[شرح الغريب]
(ويل له) دعاء عليه بالعذاب، وقيل: ويل: واد في جنهم). [جامع الأصول: 2/163-164]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) ثوبان - رضي الله عنه -: قال: لما نزلت: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه} كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فقال بعض أصحابه: أنزلت في الذهب والفضة، فلو علمنا: أيّ المال خيرٌ اتخذناه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضله: لسانٌ ذاكرٌ، وقلبٌ شاكرٌ، وزوجةٌ صالحةٌ تعين المؤمن على إيمانه». أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/164]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ - يوم يحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها جباههم} [التوبة: 34 - 35].
- عن عبد اللّه - يعني ابن مسعودٍ - قال: لا يكوى رجلٌ يكنز فيمسّ درهمٌ درهمًا ولا دينارٌ دينارًا، يوسّع جلده حتّى يوضع كلّ دينارٍ ودرهمٍ على حدته.
رواه الطّبرانيّ، ورجاله رجال الصّحيح.
- وعن عبد اللّه بن عبّاسٍ قال: «لمّا نزلت هذه الآية {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ} [التوبة: 34] قال: كبر ذلك على المسلمين، وقالوا: ما يستطيع أحدٌ منّا لولده مالًا يبقى بعده، فقال: أنا أفرّج عنكم، فانطلقوا وانطلق عمر، واتّبعه ثوبان، فأتى النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - فقال: يا نبيّ اللّه، إنّه قد كبر على أصحابك هذه الآية، فقال نبيّ اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم -: " إنّا لم نفرض الزّكاة إلّا لما بقي من أموالكم، وإنّما فرض المواريث في الأموال لتبقى بعدكم ". فكبّر عمر، فقال له النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم -: " ألا أخبرك بما يكنز المرء؟ المرأة الصّالحة إذا نظر إليها سرّته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته».
رواه أبو يعلى، وفيه عثمان بن عميرٍ، وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/29-30]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (قال أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا يحيى بن يعلى، حدّثني أبي، ثنا غيلان، عن عثمان أبي اليقظان، عن جعفر بن إيّاس، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ- رضي اللّه عنهما- قال: "لمّا نزلت هذه الآية (والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ... ) قال: كبر ذلك على المسلمين، وقالوا: ما يستطيع أحد منا أن يترك، لولده مالًا يبقى بعده. فقال عمر: أنا أفرّج عنكم. فانطلقوا وانطلق عمر واتّبعه ثوبان فأتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا نبيّ اللّه، إنّه كبر على أصحابك هذه الآية. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه، لم يفرض الزّكاة إلّا لما بقي من أموالكم، وإنّما فرض المواريث في الأموال لتبقى بعدكم. قال: فكبّر عمر، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ألا أخبركم بما يكنز؟ المرأة الصّالحة، إذا نظر إليها سرّته، وإذا أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته".
- رواه أبو يعلى الموصليّ: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ... فذكره.
وقد تقدّم في كتاب النّكاح، وله شاهدٌ في سنن ابن ماجه من حديث أبي أمامة، ورواه التّرمذيّ وابن ماجه وابن مردويه في تفسيره من حديث ثوبان). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/215]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أحمد بن منيعٍ: ثنا يزيد بن هارون، أبنا محمّد بن عمرٍو، عن أبي عمرو بن حمّاسٍ، عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: "كنت أسمع بأبي ذرٍّ فلم يكن أحدٌ أحبّ إليّ أن أراه وألقاه منه، فكتب إليه عثمان أن يقدم عليه، فكتب إليه معاوية: إن كان لك بالشّام وأهله حاجة فأخرج أباذر فإنّه قد ثقل النّاس من عندي، فقدم أبو ذرٍّ وتصايح النّاس: هذا أبو ذرٍّ، هذا أبو ذرٍّ. فخرجت أنظر إليه فيمن ينظر، فدخل المسجد وعثمان فيه، فأتى ساريةً فصلّى عندها ركعتين ثمّ أتى عثمان فسلّم عليه، فما سبّه ولا أنّبه، فقال عثمان: أين كنت يوم أغير على لقاح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: كنت على البئر أستقي، ثمّ رفع أبو ذرٍّ بصوته الأشدّ فقرأ: (والّذين يكنزون الذّهب والفضّة) إلى قوله: (بما كنتم تكنزون) فأمره عثمان أن يخرج إلى الرّبذة".
ورواه محمّد بن يحيى بن أبي عمر، وتقدّم لفظه بسنده في كتاب الإمارة في باب طاعة الأمير وإن كان عبدًا حبشيًّا). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/215-216]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (حدثنا يحيى بن يعلى: ثنا أبي، ثنا غيلان، عن عثمان أبي اليقظان، عن جعفر بن إياس عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا نزلت هذه الآية: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة}، كبر ذلك على المسلمين (وقالوا): ما يستطيع أحدنا أن يترك لولده ما لا يبقى بعده؟ فقال (رضي الله عنه): أنا أفرّج عنكم، فانطلقوا وانطلق عمر رضي الله عنه، واتّبعه ثوبان رضي الله عنه. فأتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: يا نبيّ اللّه، إنّه كبر على أصحابك هذه الآية، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: (إنّا) لم نفرض الزّكاة، إلّا لما بقي من أموالكم، وإنّما فرضت المواريث في الأموال لتبقى بعدكم، قال: فكبّر عمر رضي الله عنه، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ألا أخبركم بما يكنز؟ المرأة الصّالحة، إذا نظر إليها سرّته، وإذا أمرها أطاعته (وإن) غاب عنها حفظته.
[2] وقال أبو يعلى: حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة بهذا). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/709]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 34.
أخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله {يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار} يعني علماء اليهود {والرهبان} علماء النصارى {ليأكلون أموال الناس بالباطل} والباطل كتب كتبوها لم ينزلها الله تعالى فأكلوا بها الناس وذلك قول الله تعالى (الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هو من عند الله وما هو من عند الله) (البقرة الآية 79).
وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في الآية قال: أما الأحبار فمن اليهود وأما الرهبان فمن النصارى وأما سبيل الله فمحمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج أبو الشيخ عن الفضيل بن عباس رضي الله عنه قال: اتبعوا عالم الآخرة واحذروا عالم الدنيا لا يضركم بشكره ثم تلا هذه الآية {إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله}
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {والذين يكنزون الذهب والفضة} الآية، قال: هم الذين لا يؤدون زكاة أموالهم وكل مال لا تؤدى زكاته كان على ظهر الأرض أو في بطنها فهو كنز وكل مال أدي زكاته فليس بكنز كان على ظهر الأرض أو في بطنها.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما أدي زكاته فليس بكنز.
وأخرج مالك، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ما أدي زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين وما لم تؤد زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرا.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا، مثله.
وأخرج ابن عدي والخطيب، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي مال أديت زكاته فليس كنز وأخرجه ابن أبي شيبة، عن جابر رضي الله عنه موقوفا.
وأخرج أحمد في الزهد والبخاري، وابن ماجة، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن ابن عمر رضي الله عنهما في الآية قال: إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة فلما أنزلت جعلها الله طهرة للأموال ثم قال: ما أبالي لو كان عندي مثل أحد ذهبا أعلم عدده أزكيه وأعمل فيه بطاعة الله.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن سعد بن أبي سعيد رضي الله عنه، أن رجلا باع دارا على عهد عمر رضي الله عنه فقال له عمر: احرز ثمنها احفر تحت فراش امرأتك، فقال: يا أمير المؤمنين أو ليس كنز قال: ليس بكنز ما أدي زكاته.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله إن لي أوضاحا من ذهب أو فضة أفكنز هو قال: كل شيء تؤدى زكاته فليس بكنز.
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه، وابن ماجة، وابن أبي حاتم، وابن شاهين في الترغيب في الذكر وأبو الشيخ، وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن ثوبان رضي الله عنه قال: لما نزلت {والذين يكنزون الذهب والفضة} كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فقال له أصحابه: لو علمنا أي المال خير فنتخذه، فقال أفضله لسان ذاكر وقلب شاكر وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه، وفي لفظ: تعينه على أمر الآخرة.
وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده وأبو داود وأبو يعلى، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت هذه الآية {والذين يكنزون الذهب والفضة} كبر ذلك على المسلمين وقالوا: ما يستطيع أحد منا لولده مالا يبقى بعده، فقال عمر رضي الله عنه: أنا أفرج عنكم، فانطلق عمر رضي الله عنه واتبعه ثوبان رضي الله عنه فأتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله إنه قد كبر على أصحابك هذه الآية، فقال إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم وإنما فرض المواريث من أموال تبقى بعدكم، فكبر عمر رضي الله عنه ثم قال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء المرأة الصالحة التي إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته.
وأخرج الدارقطني في الأفراد، وابن مردويه عن بريدة رضي الله عنه قال: الصالحة التي إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته.
وأخرج الدارقطني في الأفراد، وابن مردويه عن بريدة رضي الله عنه قال: لما نزلت {والذين يكنزون الذهب والفضة} الآية، قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: نزل اليوم في الكنز ما نزل، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله ماذا نكنز اليوم قال لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا وزوجة صالحة تعين أحدكم على إيمانه .
وأخرج أحمد عن عبدالله بن أبي الهذيل قال: حدثني صاحب لي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: تبا للذهب والفضة " . قال عمر: يا رسول الله فما ندخر ؟ قال: لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا وزوجة تعين على الآخرة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: من أدى زكاة ماله أدى الحق الذي عليه ومن زاد فهو خير له "..
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: إذا أخرجت صدقة كنزك فقد أذهبت شره وليس بكنز.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله {والذين يكنزون الذهب والفضة} قال: هم أهل الكتاب وقال: هي خاصة وعامة
وأخرج ابن الضريس عن علباء بن أحمر، أن عثمان بن عفان رضي الله عنه
قال: لما أراد أن يكتب المصاحف أرادوا أن يلغوا الواو التي في براءة {والذين يكنزون الذهب والفضة} قال لهم أبي رضي الله عنه: لتلحقنها أو لأضعن سيفي على عاتقي، فألحقوها.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أربعة آلاف فما دونها نفقة وما فوقها كنز.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله {والذين يكنزون الذهب والفضة} قال: هؤلاء أهل القبلة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عراك بن مالك وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما، أنهما قالا: في قول الله {والذين يكنزون الذهب والفضة} قالا: نسختها الآية الأخرى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) (الآية) ). [الدر المنثور: 7/328-333]

تفسير قوله تعالى: (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى فتكوى بها جباههم قال أبو ذر بشر أصحاب الكنوز بكي في الجباه وكي في الجنوب وكي في الظهور). [تفسير عبد الرزاق: 1/273]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن الأعمش عن عبد اللّه بن مرّة عن مسروقٍ عن عبد اللّه بن مسعودٍ في قوله: {يوم يحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم} قال: من كان عنده مالٌ يكتنزه قال: يوسّع جلده فلا يمسّ منها دينارٌ ولا درهم [الآية: 35]). [تفسير الثوري: 125-26]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {يوم يحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون} [التوبة: 35]
- وقال أحمد بن شبيب بن سعيدٍ: حدّثنا أبي، عن يونس، عن ابن شهابٍ، عن خالد بن أسلم، قال: خرجنا مع عبد اللّه بن عمر فقال: «هذا قبل أن تنزل الزّكاة، فلمّا أنزلت جعلها اللّه طهرًا للأموال»). [صحيح البخاري: 6/65-66]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله باب قوله عزّ وجلّ يوم يحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها الآية
[4661] قوله وقال أحمد بن شبيبٍ كذا أورده مختصرًا وتقدّم بأتمّ منه في كتاب الزّكاة مع شرحه). [فتح الباري: 8/324]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله باب {يوم يحمى عليها في نار جهنّم} الآية
- وقال أحمد بن شبيب بن سعيد ثنا أبي عن يونس عن ابن شهاب عن خالد بن أسلم قال خرجنا مع عبد الله بن عمر فقال هذا قبل أن تنزل الزّكاة فلمّا أنزلت جعلها الله طهرا للأموال
تقدم الكلام عليه في أول الزّكاة). [تغليق التعليق: 4/218]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله عزّ وجلّ: {يوم يحمى عليها في نار جهنّم فتكوي بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هاذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون} (التّوبة: 35)
أي: هذا باب في قوله عزل وجل: {يوم يحمى عليها} الآية، وليس في كثير من النّسخ لفظ: باب، ومضى تفسير هذه الآية في كتاب الزّكاة في: باب إثم مانع الزّكاة.
- وقال أحمد بن شبيب بن سعيدٍ حدثنا أبي عن يونس عن ابن شهابٍ عن خالد بن أسلم قال خرجنا مع عبد الله بن عمر فقال هاذا قبل أن تنزل الزّكاة فلمّا أنزلت جعلها طهراً للأموال. (انظر الحديث 1404) .
مطابقته للتّرجمة تؤخذ من قوله هذا قبل أن تنزل الزّكاة، وأحمد بن شبيب. بفتح الشين المعجمة وكسر الباء الموحدة الأولى: من أفراد البخاريّ يروي عن أبيه شبيب بن سعيد أبي عبد الرّحمن البصريّ، ويونس بن يزيد الأيلي، وابن شهاب محمّد بن مسلم الزّهريّ، وخالد بن أسلم على وزن أفعل التّفضيل أخو زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب، وهو من أفراد البخاريّ. والحديث مضى بهذا السّند بعينه في كتاب الزّكاة في: باب ما أدّى زكاته فليس بكنز، بأتم منه، ومضى الكلام فيه هناك). [عمدة القاري: 18/265]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله عزّ وجلّ: {يوم يحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون}
(باب قوله عز وجل {يوم يحمى عليها}) أي المكنوزات أو الدراهم ({في نار جهنم}) يجوز كون يحمي من حميته أو أحميته ثلاثيًا أو رباعيًا يقال: حميت الحديدة وأحميتها أي أوقدت عليها
لتحمي والفاعل المحذوف هو النار تقديره يوم تحمى النار عليها فلما حذف الفاعل ذهبت علامة التأنيث لذهابه كقولك: رفعت القصة إلى الأمير ثم تقول رفع إلى الأمير ({فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم}) تخصيص هذه الأعضاء لأن جمع المال والبخل به كان لطلب الوجاهة فوقع العذاب بنقيض المطلوب والظهر لأن البخيل يولي ظهره عن السائل أو لأنها أشرف الأعضاء لاشتمالها على الدماغ والقلب والكبد ({هذا ما كنزتم لأنفسكم}) معمول لقول محذوف أي يقال لهم هذا ما كنزتم لمنفعة أنفسكم فصار مضرة لها وسبب تعذيبها ({فذوفوا ما كنتم تكنزون}) [التوبة: 35] أي: جزاء الذين كنتم تكنزونه لأن المكنوز لا يذاق.
وثبت باب قوله عز وجل لأبي ذر وسقط له جباههم الخ وقال بعد قوله فتكوى بها الآية.
- وقال أحمد بن شبيب بن سعيدٍ، حدّثنا أبي عن يونس، عن ابن شهابٍ، عن خالد بن أسلم قال: خرجنا مع عبد اللّه بن عمر فقال: هذا قبل أن تنزل الزّكاة فلمّا أنزلت جعلها اللّه طهرًا للأموال.
وبه قال: (وقال أحمد بن شبيب بن سعيد) بفتح المعجمة وكسر الموحدة الأولى فيما وصله أبو داود في الناسخ والمنسوخ ووقع في رواية الكشميهني في باب ما أدى زكاته فليس بكنز حدّثنا أحمد بن شبيب قال: (حدّثنا أبي) شبيب بن سعيد البصري (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن خالد بن أسلم) أخي زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب أنه (قال: خرجنا مع عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما- زاد في الزكاة فقال أعرابي أخبرني قول الله {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقولها في سبيل الله} (فقال هذا قبل أن تنزل الزكاة) إذ كانت الصدقة فرضًا بما فضل عن الكفاية لقوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} [البقرة: 219] قاله ابن بطال: (فلما أنزلت) آية الزكاة (جعلها الله) أي الزكاة (طهرًا للأموال) ولمخرجها عن رذائل الأخلاق). [إرشاد الساري: 7/146]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب {يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون}
قوله: (جباههم وجنوبهم الخ) تخصيص هذه الأعضاء لأن جمع المال والبخل به كان لطلب الوجاهة، فوقع العذاب بنقيض المطلوب، والظهر لأن البخيل يولي ظهره عن السائل، أو لأنها أشرف الأعضاء لاشتمالها على الدماغ والقلب والكبد.
قوله: (هذا ما كنزتم الخ) معمول لقول محذوف، أي: يقال لهم: هذا ما كنزتم لمنفعة أنفسكم، فصار مضرة لها، وسبب تعذيبها.
قوله: (ما كنتم تكنزون) أي: جزاء الذي كنتم تكنزونه، لأن المكنوز لا يذاق اهـ قسطلاني). [حاشية السندي على البخاري: 3/52-53]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يوم يحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون}.
يقول تعالى ذكره: فبشّر هؤلاء الّذين يكنزون الذّهب والفضّة، ولا يخرجون حقوق اللّه منها يا محمّد بعذابٍ أليمٍ {يوم يحمى عليها في نار جهنّم} فاليوم من صلة العذاب الأليم، كأنّه قيل: يبشّرهم بعذابٍ أليمٍ يعذّبهم اللّه به في يوم يحمى عليها.
ويعني بقوله: {يحمى عليها} تدخل النّار فيوقد عليها، أي على الذّهب والفضّة الّتي كنزوها في نار جهنّم، فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، وكلّ شيءٍ أدخل النّار فقد أحمي إحماءً، يقال منه: أحميت الحديدة في النّار أحميها إحماءً.
وقوله: {فتكوى بها جباههم} يعني بالذّهب والفضّة المكنوزة. يحمى عليها في نار جهنّم يكوي اللّه بها، يقول: يحرق اللّه جباه كانزيها وجنوبهم وظهورهم.
{هذا ما كنزتم} ومعناه: ويقال لهم: هذا ما كنزتم في الدّنيا أيّها الكافرون الّذين منعوا كنوزهم من فرائض اللّه الواجبة فيها لأنفسكم {فذوقوا ما كنتم تكنزون} يقول: فيقال لهم: فأطعموا عذاب اللّه بما كنتم تمنعون من أموالكم حقوق اللّه وتكنزونها مكاثرةً ومباهاةً. وحذف من قوله هذا ما كنزتم ويقال لهم لدلالة الكلام عليه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: أخبرنا أيّوب، عن حميد بن هلالٍ، قال: كان أبو ذرٍّ يقول: بشّر الكنّازين بكيٍّ في الجباه وكيٍّ في الجنوب وكيٍّ في الظّهور، حتّى يلتقي الحرّ في أجوافهم.
- قال: حدّثنا ابن عليّة، عن الجريريّ، عن أبي العلاء بن الشّخّير، عن الأحنف بن قيسٍ، قال: قدمت المدينة، فبينا أنا في، حلقةٍ فيها ملأٌ من قريشٍ إذ جاء رجلٌ خشن الثّياب، خشن الجسد، خشن الوجه، فقام عليهم، فقال: بشّر الكنّازين برضفٍ يحمى عليه في نار جهنّم فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتّى يخرج من نغض كتفه، ويوضع على نغض كتفه حتّى يخرج من حلمة ثدييه يتزلزل قال: فوضع القوم رءوسهم، فما رأيت أحدًا منهم رجع إليه شيئًا. قال: وأدبر فاتّبعته، حتّى جلس إلى ساريةٍ، فقلت: ما رأيت هؤلاء إلاّ كرهوا ما قلت، فقال: إنّ هؤلاء لا يعقلون شيئًا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا الحكم، قال: حدّثني عمرو بن قيسٍ، عن عمرو بن مرّة الجمليّ، عن أبي نصرٍ، عن الأحنف بن قيسٍ، قال: رأيت في مسجد المدينة رجلاً غليظ الثّياب رثّ الهيئة، يطوف في الحلق وهو يقول: بشّر أصحاب الكنوز بكيٍّ في جنوبهم، وكيٍّ في جباههم، وكيٍّ في ظهورهم ثمّ انطلق وهو يتذمّر يقول: ما عسى تصنع بي قريشٌ؟.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، قال: قال أبو ذرٍّ: بشّر أصحاب الكنوز بكيٍّ في الجباه، وكيٍّ في الجنوب، وكيٍّ في الظّهور.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {يوم يحمى عليها في نار جهنّم} قال: حيّةٌ تنطوي على جبينه وجبهته، تقول: أنا مالك الّذي بخلت به.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن ثوبان، أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: من ترك بعده كنزًا مثّل له يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان، يتبعه يقول: ويلك ما أنت؟ فيقول: أنا كنزك الّذي تركته بعدك فلا يزال يتبعه حتّى يلقمه يده فيقضمها ثمّ يتبعه سائر جسده.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه، قال: بلغني أنّ الكنوز تتحوّل يوم القيامة شجاعًا يتبع صاحبه، وهو يفرّ منه ويقول: أنا كنزك، لا يدرك منه شيئًا إلاّ أخذه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن مسروقٍ، عن عبد اللّه، قال: والّذي لا إله غيره، لا يكوى عبدٌ بكنزٍ فيمسّ دينارٌ دينارًا ولا درهمٌ درهمًا، ولكن يوسّع جلده فيوضع كلّ دينارٍ ودرهمٍ على حدته.
- قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن مسروقٍ، عن عبد اللّه، قال: ما من رجلٍ يكوى بكنزٍ فيوضع دينارٌ على دينارٍ ولا درهمٌ على درهمٍ، ولكن يوسّع جلده). [جامع البيان: 11/436-439]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يوم يحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون (35)
قوله تعالى: يوم يحمى عليها في نار جهنّم.
- حدّثنا أبي ثنا أبو سلمة ثنا وهيبٌ وحمّادٌ عن سهيل ابن أبي صالحٍ عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «ما من صاحب كنزٍ لا يؤدّي زكاة كنزه إلا جيء به يوم القيامة وبكنزه فيحمى عليه صفائح من نار جهنّم فيكوى بها جبينه وجنبه وظهره حتّى يحكم اللّه بين عباده في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ... ممّا تعدّون». ثمّ يرى سبيله إمّا إلى الجنّة، وإمّا إلى النّار والسّياق لوهيبٍ.
قوله تعالى: فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا وكيعٌ عن سفيان عن قابوس عن أبيه عن ابن عبّاسٍ قوله: يوم يحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها جباههم. قال: شجاعٌ أقرع ينطوي على عنقه أو جبهته.
- حدّثنا عليّ بن الحسن ثنا مسدّدٌ ثنا يحيى عن سفيان عن الأعمش عن عبد اللّه بن مرّة عن مسروقٍ قال: قال عبد اللّه: يوم يحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها جباههم. قال: لا يعذّب رجلٌ يكنز بكنزه في أن يمسّ درهمٌ درهمًا، ولا دينارٌ دينارًا ولكن يوسّع جلده، ولا يمسّ درهمٌ درهمًا، ولا دينارٌ دينارًا.
- حدّثنا أبي ثنا أبو النّضر إسحاق بن إبراهيم الفرديسيّ ثنا معاوية بن يحيى الأطرابلسيّ حدّثنا أرطأة حدّثنا أبو عامرٍ الهوزنيّ قال: سمعت ثوبان مولى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «ما من رجلٍ يموت وعنده أحمرٌ أو أبيضٌ إلّا جعل اللّه له بكلّ قيراطٍ صفحةً من نارٍ يكوى بها قدمه إلى ذقنه مغفورًا له بعد أو معذّبًا».
قوله تعالى: هذا ما كنزتم لأنفسكم الآية.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي وائلٍ عن عبد اللّه قال: ثعبانٌ ينقر رأس أحدهم فيقول: أنا مالك الّذي بخلت، يعني قوله: سيطوّقون ما بخلوا به). [تفسير القرآن العظيم: 6/1790]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال أبو يعلى: حدثنا محمود بن خداشٍ، ثنا سيف بن محمّدٍ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا يكون الدّينار على الدّينار، ولا الدّرهم على الدّرهم، ولكن يوسّع جلده، {فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم} الآية
هذا ضعيفٌ جدًّا لضعف سيفٍ). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/688]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 35.
أخرج البخاري ومسلم وأبو داود، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا جعلت له يوم القيامة صفائح ثم أحمي عليها في نار جهنم ثم يكوى بها جبينه وجبهته وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين الناس فيرى سبيله إما إلى الجنة أو إلى النار.
وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يوضع الدينار على الدينار ولا الدرهم على الدرهم ولكن يوسع الله جلده {فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون}.
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله {يوم يحمى عليها في نار جهنم} قال: لا يعذب رجل بكنز يكنزه فيمس درهم
درهما ولا دينار دينارا ولكن يوسع جلده حتى يوضع كل دينار ودرهم على حدته ولا يمس درهم درهما ولا دينار دينارا.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {فتكوى بها} الآية، قال: يوسع بها جلده.
وأخرج أبو الشيخ رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {يوم يحمى عليها} الآية، قال: حية تنطوي على جنبيه وجبهته فتقول: أنا مالك الذي بخلت بي
وأخرج ابن أبي حاتم عن ثوبان رضي الله قال: ما من رجل يموت وعنده أحمر وأبيض إلا جعل الله له بكل قيراط صفحة من نار تكوى بها قدمه إلى ذقنه مغفورا له بعد أو معذبا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ثوبان رضي الله عنه مرفوعا، نحوه.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن أبي ذر رضي الله عنه قال: بشر أصحاب الكنوز بكي في الجباه وفي الجنوب وفي الظهور.
وأخرج ابن سعد، وابن أبي شيبة والبخاري، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن زيد بن وهب رضي الله عنه قال: مررت على أبي ذر رضي الله عنه بالربذة فقلت: ما أنزلك بهذه الأرض قال: كتابا لشام فقرأت {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} فقال معاوية: ما هذا فينا هذه في أهل الكتاب، قلت أنا: إنها لفينا وفيهم.
وأخرج مسلم، وابن مردويه عن الأحنف بن قيس رضي الله عنه قال: جاء أبو ذر رضي الله عنه فقال: بشر الكانزين بكي من قبل ظهورهم يخرج من جنوبهم وكي من جباهم يخرج من أقفائهم، فقلت: ماذا، قال: ما قلت إلا ما سمعت من نبيهم صلى الله عليه وسلم
وأخرج ابن سعد وأحمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال إن خليلي عهد إلي أن أي مال ذهب أو فضة أوكئ عليه فهو جمر على صاحبه حتى يفرغه في سبيل الله وكان إذا أخذ عطاءه دعا خادمه فسأله عما يكفيه لسنة فاشتراه ثم اشترى فلوسا بما بقي.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن مردويه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإبل صدقتها وفي البقر صدقتها وفي الغنم صدقتها وفي البز صدقته فمن رفع دينار أو درهما أو تبرا أو فضة لا يعده لغريمه ولا ينفقه في سبيل الله فهو كنز يكوى به يوم القيامة.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا، مثله.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، أنه قال الدينار كنز والدرهم كنز والقيراط كنز.
وأخرج أحمد والترمذي والنسائي، وابن ماجة، وابن حبان والحاكم، وابن مردويه عن ثوبان رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: من مات وهو برىء من ثلاث من الغول والكنز والدين دخل الجنة.
وأخرج ابن مردويه عن أبي مجيب الشامي قال: كان نصل سيف أبي هريرة رضي الله عنه من فضة فقال له أبو ذر رضي الله عنه: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من رجل ترك صفراء ولا بيضاء إلا كوي بها.
وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من أحد يموت فيترك صفراء أو بيضاء إلا كوي بها يوم القيامة مغفورا له بعد أو معذبا.
وأخرج ابن مردويه، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من ذي كنز لا يؤدي حقه إلا جيء به يوم القيامة يكوى به جبينه وجبهته وقيل له: هذا كنزك الذي بخلت به.
وأخرج الطبراني في الأوسط وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم القدر الذي يسع فقراءهم ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عروا إلا بما يمنع أغنياؤهم ألا وإن الله يحاسبهم حسابا شديدا أو يعذبهم عذابا أليما.
وأخرج الطبراني في الصغير عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مانع الزكاة يوم القيامة في النار.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: مانع الزكاة ليس بمسلم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك رضي الله عنه قال: لا صلاة إلا بزكاة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال لاوي الصدقة - يعني مانعها – ملعون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن بلال قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال ألق الله فقيرا ولا تلقه غنيا، قلت: وكيف لي بذلك قال: إذا رزقت فلا تخبأ وإذا سئلت فلا تمنع، قلت: وكيف لي بذلك قال: هو ذاك وإلا فالنار.
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي بكر بن المنكدر قال: بعث حبيب بن سلمة إلى أبي ذر وهو أمير الشام بثلاثمة دينار وقال: استعن بها على حاجتك، فقال أبو ذر: ارجع بها إليه أما وجد أحدا أغر بالله منا ما لنا إلا الظل نتوارى به وثلاثة من غنم تروح علينا ومولاة لنا تصدق علينا بخدمتها ثم إني لأنا أتخوف الفضل.
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: ذو الدرهمين أشد حبسا من ذي الدرهم.
وأخرج البخاري ومسلم عن الأحنف بن قيس قال: جلست إلى ملأ من قريش فجاء رجل خشن الشعر والثياب والهيئة حتى قام عليهم فسلم ثم قال: بشر الكانزين برضف يحمي عليه في نار جهنم ثم يوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه فيتدلدل، ثم ولى وجلس إلى سارية وتبعته وجلست إليه وأنا لا أدري من هو، فقلت: لا أرى القوم إلا قد كرهوا ما قلت، قال: إنهم لا يعقلون شيئا، قال لي خليلي، قلت: من خليلك قال: النّبيّ صلى الله عليه وسلم أتبصر أحدا قلت: نعم، قال: ما أحب أن يكون لي مثل أحد ذهبا أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير وإن هؤلاء لا يعقلون إنما يجمعون للدنيا والله لا أسألهم دنيا ولا أستفتيهم عن دين حتى ألقى الله عز وجل.
وأخرج أحمد والطبراني عن شداد بن أوس قال: كان أبو ذر رضي الله عنه يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر فيه الشدة ثم يخرج إلى باديته ثم يرخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فيحفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر الرخصة فلا يسمعها أبو ذر فيأخذ أبو ذر بالأمر الأول الذي سمع قبل ذلك). [الدر المنثور: 7/333-340]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 28 ربيع الثاني 1434هـ/10-03-2013م, 10:34 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه...}
ولم يقل: ينفقونهما. فإن شئت وجّهت الذهب والفضة إلى الكنوز فكان توحيدها من ذلك. وإن شئت اكتفيت بذكر أحدهما من صاحبه؛ كما قال: {وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضّوا إليها} فجعله للتجارة، وقوله: {ومن يكسب خطيئةً أو إثماً ثمّ يرم به بريئاً} فجعله - والله أعلم - للإثم، وقال الشاعر في مثل ذلك:

نحن بما عندنا وأنت بما عنـ = دك راضٍ والرأي مختلف
ولم يقل: راضون، وقال الآخر:

إني ضمنت لمن أتاني ما جنى =وأبى وكان وكنت غير غدور
ولم يقل: غدورين، وذلك لاتفاق المعنى يكتفى بذكر الواحد. وقوله: {والله ورسوله أحق أن يرضوه} إن شئت جعلته من ذلك: مما اكتفى ببعضه من بعض، وإن شئت جعلت الله تبارك وتعالى في هذا الموضع ذكر لتعظيمه، والمعنى للرسول صلى الله عيه وسلم؛ كما قال: {وإذ تقول للّذي أنعم اللّه عليه وأنعمت عليه} ألا ترى أنك قد تقول لعبدك: قد أعتقك الله وأعتقتك، فبدأت بالله تبارك وتعالى تفويضا إليه وتعظيما له، وإنما يقصد قصد نفسه). [معاني القرآن: 1/434]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها} صار الخبر عن أحدهما، ولم يقل (ولا ينفقونهما) والعرب تفعل ذلك، إذا أشركوا بين اثنين قصروا فخبّروا عن أحدهما استغناءً بذلك وتخفيفاً، لمعرفة السامع بأن الآخر قد شاركه ودخل معه في ذلك الخبر، قال:

فمن يك أمسى بالمدينة رحله..=. فإنّي وقيّارٌ بها لغريب
وقال:

نحن بما عندنا وأنت بما..=. عندك راض والرأي مختلف
وقال حسّان بن ثابت:
إن شرخ الشّباب والشّعر الأسـ .=.. ود ما لم يعاص كان جنونا
ولم يقل يعاصيا وقال جرير:
ما كان حينك والشقّاء لينتهي..=. حتى أزورك في مغار محصدٍ
لم يقل لينتهيا). [مجاز القرآن: 1/257-258]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {يا أيّها الّذين آمنوا إنّ كثيراً مّن الأحبار والرّهبان ليأكلون أموال النّاس بالباطل ويصدّون عن سبيل اللّه والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ * يوم يحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون}
وقال: {يكنزون الذّهب والفضّة} ثم قال: {يحمى عليها في نار جهنّم} فجعل الكلام على الآخر. وقال الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما = عندك راضٍ والرأي مختلف).
[معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّ كثيرا من الأحبار والرّهبان ليأكلون أموال النّاس بالباطل ويصدّون عن سبيل اللّه والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذاب أليم}
{والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذاب أليم}
أكثر التفسير إنما هو للمشركين، وقد قيل إنها فيمن منع الزكاة من أهل القبلة لأن من أدى من ماله زكاته فقد أنفق في سبيل الله ما يجب من ماله.
وقوله: {ويأبى اللّه إلّا أن يتمّ نوره}.
دخلت إلا، ولا جحد في الكلام، وأنت لا تقول ضربت إلا زيدا، لأن الكلام غير دال على المحذوف.
وإذا قلت: {ويأبى اللّه إلّا أن يتمّ نوره}.
فالمعنى يأبى اللّه كل شيء إلا أن يتم نوره وزعم بعض النحويين أن في " يأبى " طرفا من الجحد، والجحد والتحقيق ليسا بذي أطراف، وآلة الجحد لا، وما، ولم، ولن، وليس، فهذه لا أطراف لها. ينطق بها على حالها، ولا يكون الإيجاب جحدا ولو جاز هذا على أن فيه طرفا من الجحد لجاز: كرهت إلا أخاك، ولا دليل ههنا على
المكروه، ما هو ولا من هو، فكرهت مثل أبيت، إلا أن أبيت الحذف مستعمل وقوله: {ولا ينفقونها في سبيل اللّه}.
فقال: {الذهب والفضة} ولم يقل ولا ينفقونهما في سبيل اللّه، فإنما جاز ذلك لأن المعنى يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقون المكنوز في سبيل الله.
ويجوز أن يكون محمولا على الأموال، فيكون: {ولا ينفقونها}، ولا ينفقون الأموال، ويجوز أن يكون: ولا ينفقونها. ولا ينفقون الفضة، وحذف الذهب لأنه داخل في الفضّة كما قال الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما.=.. عندك راض والرأي مختلف.
يريد نحن بما عندنا راضون، وأنت بما عندك راض.
فحذف " راضون " فكذلك يكون المعنى:
والذين يكنزون الذهب ولا ينفقونه في سبيل اللّه، والفضة ولا ينفقونها في سبيل اللّه). [معاني القرآن: 2/444-445]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله}
يجوز أن يكون المعنى ولا ينفقون الكنوز لأن الكنوز تشتمل
على الذهب والفضة ههنا
ويجوز أن يكون لأحدهما كما قال والله ورسوله أحق أن يرضوه
وفي هذه الآية أقوال
روى عكرمة عن ابن عباس وعطية ونافع عن ابن عمر أنهما قالا ما أديت زكاته فليس بكنز
ويقوي ذلك أن ابن جريج روى عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت شره عنك
وقيل إن هذه الآية نزلت في المشركين
وقال أبو هريرة من خلف عشرة آلاف جعلت صفائح وعذب بها حتى ينقضي الحساب
وقال أبو أمامة من خلف بيضاء أو صفراء كوي بها مغفورا له أو غير مغفور له وإن حله السيف من ذلك
وروى موسى بن عبيدة عن عمران بن أبي أنس عن مالك ابن أوس بن الحدثان عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من جمع دينارا أو درهما أو تبرا أو فضة لا يعده لغريم ولا ينفقه في سبيل الله فهو كنز يكوى به يوم القيامة
وقال معاوية نزلت في أهل الكتاب فرد عليه أبو ذر وقال نزلت فينا وفيهم
وحديث ابن عمر في هذا حسن على توقيه وهو جيد الإسناد رواه مالك وأيوب وعبيد الله عن نافع عن ابن عمر
وقد روي أيضا عن عمر أنه قال ليس كنزا ما أديت زكاته
وكذلك قال سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز إلا أنه قال أراها منسوختا لقوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} وليس في الخبر ناسخ ولا منسوخ
وروى أبو زبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((ما من عبد لا يؤدي زكاة ماله إلا أتى له بماله فأحمي عليه في نار جهنم فتكوى به جنباه وجبهته وظهره حتى يحكم الله بين عباده)) وذكر الحديث). [معاني القرآن: 3/202-205]

تفسير قوله تعالى: (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) )
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {يوم يحمى عليها} فالفعل: أحميت الحديدة إحماءً؛ وسنذكر كل ما في هذا اللفظ في سورة الكهف إن شاء الله). [معاني القرآن لقطرب: 641]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28 ربيع الثاني 1434هـ/10-03-2013م, 10:37 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]


تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) }

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يخرج من النار رجل قد ذهب حِبره وسِبره».
وفي هذا الحديث اختلاف وبعضهم يرفعه وبعضهم لا يرفعه.
يقول عن مطرف بن عبد الله بن الشخير.
قال الأصمعي: قوله: «ذهب حِبره وسِبره»: هو الجمال والبهاء.
يقال: فلان حسن الحِبر والسِبر، قال ابن أحمر وذكر زمانا قد مضى:

لبسنا حِبره حتى اقتضينا = لأعمال وآجال قضينا
ويروى: حتى اقتنصنا يعني لبسنا جماله وهيئته.
وقال غيره: فلان حسن الحَبر والسَبر: إذا كان جميلا حسن الهيئة بالفتح جميعا.
وهو عندي بالحَبر أشبه لأنه مصدر من حبرته حبرا أي حسنته.
قال الأصمعي: وكان يقال لطفيل الغنوي في الجاهلية: المحبِّر لأنه كان يحسن الشعر ويحبره.
قال: وهو مأخوذ عندي من التحبير، وحسن الخط والمنطق.
قال: والحبار أثر الشيء. وأنشد:
لا تملأ الدلو وعرق فيها
ألا ترى حَبار من يسقيها
قوله: عرق فيها أي اجعل فيها ماء قليلا، ومنه قيل: طلاء معرق ومعرق، ويقال: أعرق وعرق.
وأما الحبر من قول الله جل ثناؤه: {من الأحبار والرهبان} فإن الفقهاء يختلفون فيه فبعضهم يقول: حَبْر وبعضهم يقول: حِبْر.
وقال الفراء: إنما هو حِبْر، يقال ذلك للعالم.
قال: وإنما قيل: كعب الحِبر لمكان هذا الحِبر الذي يكتب به، وذلك أنه كان صاحب كتب.
قال الأصمعي: لا أدري هو الحِبْر أو الحَبْر للرجل العالم). [غريب الحديث: 1/220-222]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) }
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : (ثم الجبهة وهو موضع السجود). [خلق الإنسان: 178]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 28 ربيع الثاني 1434هـ/10-03-2013م, 10:37 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 28 ربيع الثاني 1434هـ/10-03-2013م, 10:38 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:37 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:37 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: يا أيّها الّذين آمنوا إنّ كثيراً من الأحبار والرّهبان ليأكلون أموال النّاس بالباطل ويصدّون عن سبيل اللّه والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ (34) يوم يحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون (35)
المراد بهذه الآية بيان نقائص المذكورين، ونهي المؤمنين عن تلك النقائص مترتب ضمن ذلك، واللام في ليأكلون لام التأكيد، وصورة هذا الأكل هي بأنهم يأخذون من أموال أتباعهم ضرائب وفروضا باسم الكنائس والبيع وغير ذلك مما يوهمونهم أي النفقة فيه من الشرع والتزلف إلى الله، وهم خلال ذلك يحتجنون تلك الأموال كالذي ذكره سلمان في كتاب السير عن الراهب الذي استخرج كنزه، وقيل كانوا يأخذون منهم من غلاتهم وأموالهم ضرائب باسم حماية الدين والقيام بالشرع، وقيل كانوا يرتشون في الأحكام، ونحو ذلك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقوله تعالى: بالباطل، يعم هذا كله، وقوله يصدّون، الأشبه هنا أن يكون معدى أي يصدون غيرهم وهذا الترجيح إنما هو لنباهة منازلهم في قومهم و «صد» يستعمل واقفا ومتجاوزا، ومنه قول الشاعر [عمرو بن كلثوم]: [الوافر]
صددت الكأس عنا أم عمرو = وكان الكأس مجراها اليمينا
وسبيل اللّه الإسلام وشريعة محمد عليه السلام، ويحتمل أن يريد ويصدون عن سبيل الله في أكلهم الأموال بالباطل، والأول أرجح، وقوله والّذين ابتداء وخبره فبشّرهم، ويجوز أن يكون والّذين معطوفا على الضمير في قوله يأكلون على نظر في ذلك، لأن الضمير لم يؤكد، وأسند أبو حاتم إلى علباء بن أحمد أنه قال: لما أمر عثمان بكتب المصحف أراد أن ينقص الواو في قوله والّذين يكنزون فأبي ذلك أبي بن كعب وقال لتلحقنها أو لأضعن سيفي على عاتقي فألحقها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وعلى إرادة عثمان يجري قول معاوية، إن الآية في أهل الكتاب وخالفه أبو ذر فقال: بل هي فينا، فشكاه إلى عثمان فاستدعاه من الشام ثم خرج إلى الربذة، والذي يظهر من الألفاظ أنه لما ذكر نقص الأحبار والرهبان الآكلين المال بالباطل ذكر بعد ذلك بقول عامر نقص الكافرين المانعين حق المال، وقرأ طلحة بن مصرف «الذين يكنزون» بغير واو، ويكنزون معناه يجمعون ويحفظون في الأوعية، ومنه قول المنخل الهذلي: [البسيط]
لا در دري إن أطعمت نازلهم = قرف الحتيّ وعندي البر مكنوز
أي محفوظ في أوعيته، وليس من شروط الكنز الدفن لكن كثر في حفظة المال أن يدفنوه حتى تورق
في المدفون اسم الكنز، ومن اللفظة قولهم رجل مكتنز الخلق أي مجتمع، ومنه قول الراجز: [الرجز]
على شديد لحمه كناز = بات ينزيني على أوفاز
والتوعد في الكنز إنما وقع على منع الحقوق منه، ولذلك قال كثير من العلماء: الكنز هو المال الذي لا تؤدى زكاته وإن كان على وجه الأرض، وأما المدفون إذا خرجت زكاته فليس بكنز كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل ما أديت زكاته فليس بكنز»، وهذه الألفاظ مشهورة عن ابن عمر وروي هذا القول عن عكرمة والشعبي والسدي ومالك وجمهور أهل العلم، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أربعة آلاف درهم فما دونها نفقة وما زاد عليها فهو كنز وإن أديت زكاته. وقال أبو ذر وجماعة معه: ما فضل من مال الرجل عن حاجة نفسه فهو كنز، وهذان القولان يقتضيان أن الذم في حبس المال لا في منع زكاته فقط، ولكن قال عمر بن عبد العزيز: هي منسوخة بقوله خذ من أموالهم صدقةً [التوبة: 103] فأتى فرض الزكاة على هذا كله.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: كان مضمن الآية لا تجمعوا مالا فتعذبوا فنسخه التقرير الذي في قوله خذ من أموالهم [التوبة: 103]. والضمير في قوله ينفقونها يجوز أن يعود على الأموال والكنوز التي يتضمنها المعنى، ويجوز أن يعود على الذهب والفضة هما أنواع، وقيل عاد على الفضة واكتفي بضمير الواحد عن ضمير الآخر إذا فهمه المعنى وهذا نحو قول الشاعر [قيس بن الخطيم]: [المنسرح]
نحن بما عندنا وأنت بما عن = دك راض والرأي مختلف
ونحن قول حسان: [الخفيف]
إنّ شرخ الشباب والشّعر الأس = ود ما لم يعاص كان جنونا
وسيبويه يكره هذا في الكلام، وقد شبه كثير من المفسرين هذه الآية بقوله تعالى: وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضّوا إليها [الجمعة: 11] وهي لا تشبهها، لأن «أو» قد فصلت التجارة عن اللهو وحسنت عود الضمير على أحدهما دون الآخر، والذهب تؤنث وتذكر والتأنيث أشهر، وروي أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا قد ذم الله كسب الذهب والفضة، فلو علمنا أي المال خير حتى نكسبه، فقال عمر: أنا أسأل لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فسأله، فقال «لسان ذاكر وقلب شاكر وزوجة تعين المؤمن على دينه». وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت الآية «تبا للذهب تبا للفضة»، فحينئذ أشفق أصحابه وقالوا ما تقدم، والفاء في قوله فبشّرهم، جواب كما في قوله والّذين من معنى الشرط، وجاءت البشارة مع العذاب لما وقع التصريح بالعذاب وذلك أن البشارة تقيد بالخير والشر فإذا أطلقت لم تحمل إلا على الخير فقط، وقيل بل هي أبدا للخير فمتى قيدت بشر فإنما المعنى أقم لهم مقام البشارة عذابا أليما، وهذا نحو قول الشاعر [عمرو بن معديكرب]: [الوافر]
وخيل قد دلفت لها بخيل = تحية بينهم ضرب وجيع). [المحرر الوجيز: 4/ 300-303]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى يوم يحمى عليها الآية: يوم ظرف والعامل فيه أليمٍ وقرأ جمهور الناس «يحمى» بالياء بمعنى يحمى الوقود، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «تحمى» بالتاء من فوق بمعنى تحمى النار والضمير في عليها عائد على الكنوز أو الأموال حسبما تقدم، وقرأ قوم «جباهم» بالإدغام وأشموها الضم حكاه أبو حاتم، ووردت أحاديث كثيرة في معنى هذه الآية من الوعيد لكنها مفسرة في منع الزكاة فقط لا في كسب المال الحلال وحفظه، ويؤيد ذلك حال أصحابه وأموالهم رضي الله عنهم، فمن تلك الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم: «من ترك بعده كنزا لم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع» الحديث. وأسند الطبري قال كان نعل سيف أبي هريرة من فضة فنهاه أبو ذر، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ترك صفراء أو بيضاء كوي بها، وأسند إلى أبي أمامة الباهلي قال: مات رجل من أهل الصفة فوجد في برده دينار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كية ثم مات آخر فوجد له ديناران فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيتان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا إما لأنهما كانا يعيشان من الصدقات وعندهما التبر وإما لأن هذا كان في صدر الإسلام، ثم قرر الشرع ضبط المال وأداء حقه، ولو كان ضبط المال ممنوعا لكان حقه أن يخرج كله لا زكاته فقط، وليس في الأمة من يلزم هذا،
وقوله هذا ما كنزتم إشارة إلى المال الذي كوي به، ويحتمل أن تكون إلى الفعل النازل بهم، أي هذا جزاء ما كنزتم، وقال ابن مسعود: والله لا يمس دينار دينارا بل يمد الجلد حتى يكوى بكل دينار وبكل درهم، وقال الأحنف بن قيس: دخلت مسجد المدينة وإذا رجل خشن الهيئة رثها يطوف في الحلق وهو يقول: بشر أصحاب الكنوز بكي في جباهم وجنوبهم وظهورهم، ثم انطلق يتذمر وهو يقول وما عسى تصنع في قريش). [المحرر الوجيز: 4/ 304-305]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:37 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:38 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا إنّ كثيرًا من الأحبار والرّهبان ليأكلون أموال النّاس بالباطل ويصدّون عن سبيل اللّه والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ (34) يوم يحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون (35)}
قال السّدّيّ: الأحبار من اليهود، والرّهبان من النّصارى.
وهو كما قال، فإنّ الأحبار هم علماء اليهود، كما قال تعالى: {لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السّحت} [المائدة: 63]
والرّهبان: عبّاد النّصارى، والقسّيسون: علماؤهم، كما قال تعالى: {ذلك بأنّ منهم قسّيسين ورهبانًا وأنّهم لا يستكبرون} [المائدة: 82]
والمقصود: التّحذير من علماء السّوء وعبّاد الضّلال كما قال سفيان بن عيينة: من فسد من علمائنا كان فيه شبهٌ من اليهود، ومن فسد من عبّادنا كان فيه شبهٌ من النّصارى. وفي الحديث الصّحيح: "لتركبنّ سنن من كان قبلكم حذو القذّة بالقذّة". قالوا: اليهود والنّصارى؟ قال: "فمن؟ ". وفي روايةٍ: فارس والرّوم؟ قال: "ومن النّاس إلّا هؤلاء؟ "
والحاصل التّحذير من التّشبّه بهم في أحوالهم وأقوالهم؛ ولهذا قال تعالى: {ليأكلون أموال النّاس بالباطل} وذلك أنّهم يأكلون الدّنيا بالدّين ومناصبهم ورياستهم في النّاس، يأكلون أموالهم بذلك، كما كان لأحبار اليهود على أهل الجاهليّة شرفٌ، ولهم عندهم خرج وهدايا وضرائب تجيء إليهم، فلمّا بعث اللّه رسوله، صلوات اللّه وسلامه عليه استمرّوا على ضلالهم وكفرهم وعنادهم، طمعًا منهم أن تبقى لهم تلك الرّياسات، فأطفأها اللّه بنور النّبوّة، وسلبهم إيّاها، وعوّضهم بالذّلّة والمسكنة، وباءوا بغضبٍ من اللّه.
وقوله تعالى: {ويصدّون عن سبيل اللّه} أي: وهم مع أكلهم الحرام يصدّون النّاس عن اتّباع الحقّ، ويلبسون الحقّ بالباطل، ويظهرون لمن اتّبعهم من الجهلة أنّهم يدعون إلى الخير، وليسوا كما يزعمون، بل هم دعاةٌ إلى النّار، ويوم القيامة لا ينصرون.
وقوله: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ} هؤلاء هم القسم الثّالث من رءوس النّاس، فإنّ النّاس عالةٌ على العلماء، وعلى العبّاد، وعلى أرباب الأموال، فإذا فسدت أحوال هؤلاء فسدت أحوال النّاس، كما قال بعضهم
وهل أفسد الدّين إلّا الملوك = وأحبار سوءٍ ورهبانها?
وأمّا الكنز فقال مالكٌ، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر أنّه قال: هو المال الّذي لا تؤدّى منه الزّكاة.
وروى الثّوريّ وغيره عن عبيد اللّه عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: ما أدّي زكاته فليس بكنزٍ وإن كان تحت سبع أرضين، وما كان ظاهرًا لا تؤدّى زكاته فهو كنزٌ وقد روي هذا عن ابن عبّاسٍ، وجابرٍ، وأبي هريرة موقوفًا ومرفوعًا وعمر بن الخطّاب، نحوه، رضي اللّه عنهم: "أيّما مالٍ أدّيت زكاته فليس بكنزٍ وإن كان مدفونًا في الأرض، وأيّما مالٍ لم تؤدّ زكاته فهو كنزٌ يكوى به صاحبه وإن كان على وجه الأرض".
وروى البخاريّ من حديث الزّهريّ، عن خالد بن أسلم قال: خرجنا مع عبد اللّه بن عمر، فقال: هذا قبل أن تنزل الزّكاة، فلمّا نزلت جعلها اللّه طهرًا للأموال
وكذا قال عمر بن عبد العزيز، وعراك بن مالكٍ: نسخها قوله تعالى: {خذ من أموالهم} [التّوبة: 103]
وقال سعيد بن محمّد بن زيادٍ، عن أبي أمامة أنّه قال: حلية السّيوف من الكنز ما أحدّثكم إلّا ما سمعت.
وقال الثّوريّ، عن أبي حصينٍ، عن أبي الضّحى، عن جعدة بن هبيرة، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، قال: أربعة آلافٍ فما دونها نفقةٌ، فما كان أكثر منه فهو كنزٌ.
وهذا غريبٌ. وقد جاء في مدح التّقلّل من الذّهب والفضّة وذمّ التّكثّر منهما، أحاديث كثيرةٌ؛ ولنورد منها هنا طرفًا يدلّ على الباقي، فقال عبد الرازق: أخبرنا الثّوريّ، أخبرني أبو حصينٍ، عن أبي الضحى، بن جعدة بن هبيرة، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، في قوله: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه} قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "تبّا للذّهب، تبّا للفضّة" يقولها ثلاثًا، قال: فشقّ ذلك على أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وقالوا: فأيّ مالٍ نتّخذ؟ فقال: عمر، رضي اللّه عنه، أنا أعلم لكم ذلك فقال: يا رسول اللّه، إنّ أصحابك قد شقّ عليهم [و] قالوا: فأيّ مالٍ نتّخذ؟ قال: "لسانًا ذاكرًا، وقلبًا شاكرًا وزوجةً تعين أحدكم على دينه"
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، حدّثني سالمٌ، حدّثني عبد اللّه بن أبي الهذيل، حدّثني صاحبٌ لي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "تبًّا للذّهب والفضّة". قال: فحدّثني صاحبي أنّه انطلق مع عمر بن الخطّاب فقال: يا رسول اللّه، قولك: "تبًّا للذّهب والفضّة"، ماذا ندّخر؟. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لسانًا ذاكرًا، وقلبا شاكرا، وزوجة تعين على الآخرة"
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا وكيعٌ، حدّثنا عبد اللّه بن عمرو بن مرّة، عن أبيه، عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان قال: لمّا نزل في الفضّة والذّهب ما نزل قالوا: فأيّ المال نتّخذ؟ قال [عمر: أنا أعلم ذلك لكم فأوضع على بعيرٍ فأدركه، وأنا في أثره، فقال: يا رسول اللّه، أيّ المال نتّخذ؟ قال] ليتّخذ أحدكم قلبًا شاكرًا ولسانًا ذاكرًا وزوجةً تعين أحدكم في أمر الآخرة ".
ورواه التّرمذيّ، وابن ماجه، من غير وجهٍ، عن سالم بن أبي الجعد وقال التّرمذيّ: حسنٌ، وحكي عن البخاريّ أنّ سالمًا لم يسمعه من ثوبان.
قلت: ولهذا رواه بعضهم عنه مرسلًا واللّه أعلم.
حديثٌ آخر: قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا حميد بن مالكٍ، حدّثنا يحيى بن يعلى المحاربيّ، حدّثنا أبي، حدّثنا غيلان بن جامعٍ المحاربيّ، عن عثمان أبي اليقظان، عن جعفر بن إياسٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا نزلت هذه الآية: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة} الآية، كبر ذلك على المسلمين، وقالوا: ما يستطيع أحدٌ منّا أن يترك لولده ما لا يبقى بعده. فقال عمر: أنا أفرّج عنكم. فانطلق عمر واتّبعه ثوبان، فأتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا نبيّ اللّه، إنّه قد كبر على أصحابك هذه الآية. فقال نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ اللّه لم يفرض الزّكاة إلّا ليطيّب بها ما بقي من أموالكم، وإنّما فرض المواريث من أموالٍ تبقى بعدكم". قال: فكبّر عمر، ثمّ قال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصّالحة الّتي إذا نظر إليها سرّته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته".
ورواه أبو داود، والحاكم في مستدركه، وابن مردويه من حديث يحيى بن يعلى، به وقال الحاكم: صحيحٌ على شرطهما، ولم يخرجاه.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا روحٌ، حدّثنا الأوزاعيّ، عن حسّان بن عطيّة قال: كان شدّاد بن أوسٍ، رضي اللّه عنه، في سفرٍ، فنزل منزلًا فقال لغلامه: ائتنا بالشّفرة نعبث بها. فأنكرت عليه، فقال: ما تكلّمت بكلمةٍ منذ أسلمت إلّا وأنا أخطمها وأزمّها غير كلمتي هذه، فلا تحفظونها عليّ، واحفظوا ما أقول لكم: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "إذا كنز النّاس الذّهب والفضّة فاكنزوا هؤلاء الكلمات: اللّهمّ، إنّي أسألك الثّبات في الأمر، والعزيمة على الرّشد، وأسألك شكر نعمتك، وأسألك حسن عبادتك، وأسألك قلبًا سليمًا، وأسألك لسانًا صادقًا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شرّ ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب"). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 137-140]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {يوم يحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون} أي: يقال لهم هذا الكلام تبكيتًا وتقريعًا وتهكّمًا، كما في قوله: {ثمّ صبّوا فوق رأسه من عذاب الحميم ذق إنّك أنت العزيز الكريم} [الدّخان: 48، 49] أي: هذا بذاك، وهو الّذي كنتم تكنزون لأنفسكم؛ ولهذا يقال: من أحبّ شيئًا وقدّمه على طاعة اللّه، عذّب به. وهؤلاء لمّا كان جمع هذه الأموال آثر عندهم من رضا اللّه عنهم، عذّبوا بها، كما كان أبو لهبٍ، لعنه اللّه، جاهدًا في عداوة الرّسول، صلوات اللّه [وسلامه] عليه وامرأته تعينه في ذلك، كانت يوم القيامة عونًا على عذابه أيضًا {في جيدها} أي: [في] عنقها {حبلٌ من مسدٍ} [المسد: 5] أي: تجمع من الحطب في النّار وتلقي عليه، ليكون ذلك أبلغ في عذابه ممّن هو أشفق عليه -كان -في الدّنيا، كما أنّ هذه الأموال لمّا كانت أعزّ الأشياء على أربابها، كانت أضرّ الأشياء عليهم في الدّار الآخرة، فيحمى عليها في نار جهنّم، وناهيك بحرّها، فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم.
قال سفيان، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن مسروقٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ: واللّه الّذي لا إله غيره، لا يكوى عبدٌ بكنزٍ فيمسّ دينارٌ دينارًا، ولا درهمٌ درهمًا، ولكن يوسّع جلده، فيوضع كلّ دينارٍ ودرهمٍ على حدته
وقد رواه ابن مردويه، عن أبي هريرة مرفوعًا، ولا يصحّ رفعه، واللّه أعلم.
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: بلغني أنّ الكنز يتحوّل يوم القيامة شجاعًا يتبع صاحبه، وهو يفرّ منه ويقول: أنا كنزك! لا يدرك منه شيئًا إلّا أخذه.
وقال الإمام أبو جعفر بن جريرٍ: حدّثنا بشرٌ، حدّثنا يزيد، حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن ثوبان أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: "من ترك بعده كنزًا مثل له يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان، يتبعه، يقول: ويلك ما أنت؟ فيقول: أنا كنزك الّذي تركته بعدك! ولا يزال يتبعه حتّى يلقمه يده فيقصقصها ثمّ يتبعها سائر جسده".
ورواه ابن حبّان في صحيحه، من حديث يزيد، عن سعيدٍ به وأصل هذا الحديث في الصّحيحين من رواية أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه
وفي صحيح مسلمٍ، من حديث سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: "ما من رجلٍ لا يؤدّي زكاة ماله إلّا جعل يوم القيامة صفائح من نارٍ يكوى بها جنبه وجبهته وظهره، في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ، حتّى يقضى بين النّاس، ثمّ يرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار" وذكر تمام الحديث
وقال البخاريّ في تفسير هذه الآية: حدّثنا قتيبة، حدّثنا جريرٌ، عن حصين، عن زيد بن وهبٍ قال: مررت على أبي ذرٍّ بالرّبذة، فقلت: ما أنزلك بهذه الأرض، قال كنّا بالشّام، فقرأت: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ} فقال معاوية: ما هذه فينا ما هذه إلّا في أهل الكتاب. قال: قلت: إنّها لفينا وفيهم
ورواه ابن جريرٍ من حديث عبثر بن القاسم، عن حصينٍ، عن زيد بن وهبٍ، عن أبي ذرٍّ، رضي اللّه عنه، فذكره وزاد: فارتفع في ذلك بيني وبينه القول، فكتب إلى عثمان يشكوني، فكتب إليّ عثمان أن أقبل إليه، قال: فأقبلت، فلمّا قدمت المدينة ركبني النّاس كأنّهم لم يروني قبل يومئذٍ، فشكوت ذلك إلى عثمان، فقال لي: تنحّ قريبًا. قلت: واللّه لن أدع ما كنت أقول
قلت: كان من مذهب أبي ذرٍّ، رضي اللّه عنه، تحريم ادّخار ما زاد على نفقة العيال، وكان يفتي [النّاس] بذلك، ويحثّهم عليه، ويأمرهم به، ويغلظ في خلافه، فنهاه معاوية فلم ينته، فخشي أنّ يضرّ بالنّاس في هذا، فكتب يشكوه إلى أمير المؤمنين عثمان، وأن يأخذه إليه، فاستقدمه عثمان إلى المدينة، وأنزله بالرّبذة وحده، وبها مات، رضي اللّه عنه، في خلافة عثمان. وقد اختبره معاوية، رضي اللّه عنه وهو عنده، هل يوافق عمله قوله؟ فبعث إليه بألف دينارٍ، ففرّقها من يومه، ثمّ بعث إليه الّذي أتاه بها فقال: إنّ معاوية إنّما بعثني إلى غيرك فأخطأت، فهات الذّهب! فقال: ويحك! إنّها خرجت، ولكن إذا جاء مالي حاسبناك به.
وهكذا روى عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ أنّها عامّةٌ
وقال السّدّيّ: هي في أهل القبلة.
وقال الأحنف بن قيسٍ: قدمت المدينة، فبينا أنا في حلقةٍ فيها ملأ من قريشٍ، إذ جاء رجلٌ أخشن الثّياب، أخشن الجسد، أخشن الوجه، فقام عليهم فقال: بشّر الكانزين برضف يحمى عليه في نار جهنّم، فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتّى يخرج من نغض كتفه، ويوضع على نغض كتفه حتّى يخرج من حلمة ثديه يتزلزل -قال: فوضع القوم رءوسهم، فما رأيت أحدًا منهم رجع إليه شيئًا -قال: وأدبر فاتّبعته حتّى جلس إلى ساريةٍ، فقلت: ما رأيت هؤلاء إلّا كرهوا ما قلت لهم. فقال: إنّ هؤلاء لا يعلمون شيئًا.
وفي الصّحيح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لأبي ذرّ: "ما يسرّني أنّ عندي مثل أحدٍ ذهبًا يمرّ عليه ثالثةً وعندي منه شيءٌ إلّا دينارٌ أرصده لدينٍ"
فهذا -واللّه أعلم-هو الّذي حدا أبا ذرٍّ على القول بهذا.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا همّامٌ، حدّثنا قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن، عن عبد اللّه بن الصّامت، رضي اللّه عنه، أنّه كان مع أبي ذرٍّ، فخرج عطاؤه ومعه جاريةٌ له، فجعلت تقضي حوائجه، ففضلت معها سبعةٌ، فأمرها أن تشتري به فلوسًا. قال: قلت: لو ادّخرته للحاجّة تنوبك وللضّيف ينزل بك! قال: إنّ خليلي عهد إليّ أن أيّما ذهبٍ أو فضّةٍ أوكي عليه، فهو جمرٌ على صاحبه، حتّى يفرغه في سبيل اللّه، عزّ وجلّ
ورواه عن يزيد، عن همّامٍ، به وزاد: إفراغًا
وقال الحافظ ابن عساكر بسنده إلى أبي بكرٍ الشّبليّ في ترجمته، عن محمّد بن مهديٍّ: حدّثنا عمرو بن أبي سلمة، عن صدقة بن عبد اللّه، عن طلحة بن زيدٍ، عن أبي فروة الرّهاويّ، عن عطاءٍ، عن أبي سعيدٍ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "الق اللّه فقيرًا ولا تلقه غنيًّا". قال: يا رسول اللّه، كيف لي بذلك؟ قال: "ما سئلت فلا تمنع، وما رزقت فلا تخبأ"، قال: يا رسول اللّه، كيف لي بذلك؟ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "هو ذاك وإلّا فالنّار" إسناده ضعيفٌ.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا جعفر بن سليمان، حدّثنا عتيبة، عن بريد بن أصرم قال: سمعت عليًّا، رضي اللّه عنه، يقول: مات رجلٌ من أهل الصّفّة، وترك دينارين -أو: درهمين -فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كيّتان، صلوا على صاحبكم"
وقد روي هذا من طرف أخر
وقال قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامة صدي بن عجلان قال: مات رجلٌ من أهل الصّفّة، فوجد في مئزره دينارٌ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كيّة". ثمّ توفي رجلٌ آخر فوجد في مئزره ديناران، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كيّتان"
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو النّضر إسحاق بن إبراهيم الفراديسيّ، حدّثنا معاوية بن يحيى الأطرابلسيّ، حدّثني أرطاة، حدّثني أبو عامرٍ الهوزني، سمعت ثوبان مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ما من رجلٍ يموت وعنده أحمر أو أبيض، إلّا جعل اللّه بكلّ قيراطٍ صفحةً من نارٍ يكوى بها من قدمه إلى ذقنه.
وقال الحافظ أبو يعلى: حدّثنا محمّد بن خداشٍ، حدّثنا سيف بن محمّدٍ الثّوريّ، حدّثنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا يوضع الدّينار على الدّينار، ولا الدّرهم على الدّرهم، ولكن يوسّع جلده فيكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون" سيفٌ -هذا -كذّابٌ، متروكٌ).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 141-144]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:30 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة