العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:57 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة

[من الآية (216) إلى الآية (218) ]

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)}

قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)}

قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)}

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:58 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (219) إلى الآية (221) ]

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)}

قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قل فيهما إثمٌ كبيرٌ... (219).
قرأ حمزة والكسائي: (إثمٌ كثيرٌ) بالثاء.
وقرأ الباقون: (إثمٌ كبيرٌ).
قال أبو منصور: ما أقرب معنى الكثير من الكبير فاقرأ كيف شئت.
وقوله جلّ وعزّ: (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو... (219).
قرأ أبو عمرو وحده: (قل العفو) بالرفع.
وقرأ الباقون: (قل العفو) نصبا.
قال أبو منصور: من جعل (ماذا) اسما واحدًا ردّ (العقو) عليه فنصبه.
ومن جعل (ما) اسمًا و(ذا) خبره وهي في المعنى (الذي) رد (العفو) عليه فرفعه، المعنى: ما الذي ينفقون؟
فقال: العفو، أي: الذي ينفقون العفو.
والعفو: ما عفا وتيسر ولم يشقّ، وأصل العفو: الفضل الذي لا يعنّي صاحبه). [معاني القراءات وعللها: 1/201]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الباء والثاء من قوله تعالى: إثمٌ كبيرٌ [البقرة/ 219] فقرأ الكسائيّ وحمزة: إثم كثير بالثاء. وقرأ الباقون: كبيرٌ بالباء.
قال أبو علي: حرّمت الخمر بقوله: قل فيهما إثم كثير سعيد عن قتادة: قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ذمّها ولم يحرّمها، وهي يومئذٍ حلالٌ، فأنزل الله تعالى: لا تقربوا الصّلاة [النساء/ 43] وأنزل الآي في المائدة، فحرم قليلها وكثيرها.
[الحجة للقراء السبعة: 2/307]
ومن أهل النظر من يذهب إلى أن قوله جل وعز: قل فيهما إثمٌ كبيرٌ [البقرة/ 219] دلالة على تحريمها لقوله: قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي [الأعراف/ 33] فقد حرّم الإثم، وقال: قل فيهما إثمٌ كبيرٌ فوجب أن يكون محرماً.
وقال: قل فيهما إثمٌ كبيرٌ، والمعنى: في استحلالهما.
ألا ترى أنّ المحرم إنّما هو بعض المعاني التي فيهما، وكذلك في سائر الأعيان المحرّمة. وقال أبو حنيفة فيما أخبرنا أبو الحسن: أنه إذا نظر إليها على وجه التلذّذ بها فقد أتى محظوراً، وكذلك قوله تعالى: وإثمهما أكبر من نفعهما إنما هو إثم معاصٍ تفعل فيها، وأسبابٍ لها.
وقال بعض نقلة الآثار: تواتر الخبر أن الآية التي في البقرة نزلت، ولم يحرّم بها، وقد اختلف في الآية التي حرّمت [بها الخمر، فقال قوم: حرمت بهذه الآية، وقال قوم:
حرمت] بالآي التي في المائدة.
فيعلم من ذلك أنّ الاثم يجوز أن يقع على الكبير وعلى الصغير، لأن شربها قبل التحريم لم يكن كبيراً، وقد قال:
فيهما إثمٌ كبير. وقال: ومن يكسب خطيئةً أو إثماً ثمّ يرم به بريئاً [النساء/ 112] فالخطيئة تقع على الصغير والكبير، فمن الصغير قوله: والّذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدّين
[الحجة للقراء السبعة: 2/308]
[الشعراء/ 82] ومن الكبير: وأحاطت به خطيئته [البقرة/ 81] فهذا كبيرٌ.
فإن قلت: فكيف تقدير قوله: ومن يكسب خطيئةً أو إثماً [النساء/ 112] والخطيئة قد وقعت على الصغيرة والكبيرة، والإثم كذلك، فكأنه بمنزلة من يكسب صغيراً أو صغيراً، أو من يكسب كبيراً أو كبيراً؟.
قيل له: ليس المعنى كذلك، ولكنّ الإثم قد وقع في التنزيل على ما يقتطعه الإنسان من مال من لا يجوز له أن يقتطع من ماله. فإذا كان كذلك، جاز أن يكون التقدير: من يكسب ذنباً بينه وبين الله، أو ذنباً هو من مظالم العباد، فهما جنسان، فجاز دخول «أو» في الكلام، على أن المعنى: من يكسب أحد هذين الذنبين.
والموضع الذي وقع فيه الإثم على المظلمة قوله تعالى:
فإن عثر على أنّهما استحقّا إثماً [المائدة/ 107] أي: إن اطلعتم على أن الشاهدين اقتطعا بشهادتهما، أو يمينهما على الشهادة إثماً؛ فالأولى بالميت وبولاية أمره، آخران يقومان مقامهما.
وإنّما جاز وقوع الإثم عليه على أحد أمرين: إما أن يكون أريد بالإثم: ذا إثم، أي: ما اقتطعه الإنسان مما اؤتمن فيه من مال صاحبه إثمٌ فيه، أو يكون سمّى المقتطع إثماً لمّا كان يؤدّي آخذه إلى الإثم، كما سمّي مظلمةً لأنه يؤدي إلى الظلم.
[الحجة للقراء السبعة: 2/309]
قال سيبويه: المظلمة: اسم ما أخذ منك. فكأنّ تقدير: ومن يكسب خطيئةً أو إثماً: من أذنب ذنباً بينه وبين الله، أو اقتطع حقاً للعباد، وهذان جنسان.
ومما يقوي ذلك: أن قوله: ومن يكسب خطيئةً أو إثماً إنما نزل في رجل سرق شيئا من آخر، فكأنّ ذلك المسروق أوقع عليه اسم الإثم كما أوقع عليه في الآية الأخرى. فأما الذّكر الذي في ربّه على الإفراد فلأن المعنى: ثم يرم به بأحد هذين، بريئا. أو يكون عاد الذكر إلى الإثم، كما عاد إلى التجارة في قوله عز وجل: وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضّوا إليها [الجمعة/ 11] وقد يكون الذكر في إليها عائداً على المعنى، لأن المعنى: إذا رأوا إحدى هاتين الخصلتين.
وقال تعالى: فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه [البقرة/ 203] والإثم إنما يظنّ أن يكون على المتعجّل، فأمّا المتأخر فليس بآثم لإتمامه نسكه، فقيل:
من تأخّر فلا إثم عليه، فذكر المتأخر بوضع الإثم عنه، كما ذكر المتعجل، فقال بعض المتأولين: ذكر أن وضع الإثم عنهما، وإن كان الذي يلحقه الإثم أحدهما.
قال: وقد يكون المعنى: لا يؤثّمنّ أحدهما الآخر، فلا يقول المتأخر للمتعجل: أنت مقصر. ومثل الوجه الأول عنده قوله في المختلفين: فلا جناح عليهما فيما افتدت به
[الحجة للقراء السبعة: 2/310]
[البقرة/ 229]، والجناح على الزوج، لأنه أخذ ما أعطى، وقد جاء: ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً [البقرة/ 229] وقال: فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً [النساء/ 20] فقد وقع الإثم هنا أيضاً على المأخوذ منه.
وقد يجوز أن يكون: لا جناح على كل واحد منهما إذا كان ذلك عن تراض منهما. وشبّه المتأول ما ذكرنا بقوله تعالى: نسيا حوتهما [الكهف/ 61] وبقوله: يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان [الرحمن/ 22] فنسب النسيان إليهما، والناسي فتى موسى، لا موسى. والمخرج منه اللؤلؤ أحدهما.
وهذا يجوز أن يكون على حذف المضاف، كأنه: يخرج من أحدهما، ونسي أحدهما، فحذف المضاف كما حذف في قوله: على رجلٍ من القريتين عظيمٍ [الزخرف/ 31] فالتقدير: على رجل من رجلي القريتين عظيم. وحذف المضاف كثيرٌ جداً.
وقال: ولا نكتم شهادة اللّه إنّا إذاً لمن الآثمين [المائدة/ 106]. وقال: ولا تكتموا الشّهادة ومن يكتمها فإنّه آثمٌ قلبه [البقرة/ 283] فوقع الإثم في الموضعين على من لم يؤدّ الأمانة في إقامة الشهادة. وأما قوله تعالى
[الحجة للقراء السبعة: 2/311]
وإذا قيل له اتّق اللّه أخذته العزّة بالإثم [البقرة/ 206] فإن الجار يجوز تعلقه بشيئين، بالأخذ وبالعزة، فإن علقته بالأخذ، كان المعنى: (أخذته بما يؤثم)، أي: أخذته بما يكسبه ذلك، والمعنى: للعزّة، أنه يرتكب ما لا ينبغي له أن يرتكبه، فكأن العزة حملته على ذلك وقلة الخشوع. وقد يكون المعنى:
الاعتزاز بالإثم، أي: يعتزّ بما يؤثمه فيبعده مما يرضاه الله.
وقالوا: تأثّم الرجل: إذا ترك الإثم واجتنبه، وتحوّب: إذا ترك الحوب. وكان القياس أن يكون تأثّم: إذا ركب الإثم، وفعله، مثل: تفوّق، وتجرّع. ومثل تحوّب أنهم قد قالوا:
هجد الرجل: إذا نام، وهجّدته: نوّمته، قال لبيد:
قال هجّدنا فقد طال السّرى أي: نوّمنا. وقالوا تهجّد إذا سهر، فهذا مثل تأثّم إذا اجتنب الإثم وتحوّب. وفي التنزيل: ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لك [الإسراء/ 79].
قال أبو علي: حجة من قرأ بالباء: إثمٌ كبيرٌ أن يقول:
الباء أولى، لأن الكبر مثل العظم، ومقابل الكبر الصغر، قال تعالى: وكلّ صغيرٍ وكبيرٍ مستطرٌ [القمر/ 53]. وقد استعملوا في الذنب إذا كان موبقا الكبير، يدلّ على ذلك قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/312]
الّذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش [النجم/ 53] وقال تعالى: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه [النساء/ 31].
فكما جاء: كبائر الإثم والفواحش وكبائر ما تنهون عنه بالباء، كذلك ينبغي أن يكون قوله: قل فيهما إثمٌ كبيرٌ بالباء، ألا ترى أن شرب الخمر والميسر من الكبير، وكما وصف الموبق بالعظم في قوله عز وجل: إنّ الشّرك لظلمٌ عظيمٌ [لقمان/ 13] كذلك ينبغي أن يوصف بالكبر في قوله: قل فيهما إثمٌ كبيرٌ وقالوا في غير الموبق: صغيرٌ وصغيرةٌ، ولم يقولوا: قليل. فلو كان كثيرٌ متجهاً في هذا الباب، لوجب أن يقال في غير الموبق: قليل، ألا ترى أن القلة مقابل الكثرة، كما أن الصغر مقابل الكبر؟
ومما يدل على حسن: قل فيهما إثمٌ كبيرٌ قوله تعالى: وإثمهما أكبر من نفعهما واتفاقهم على أكبر ورفضهم لأكثر.
ومما يقوي ذلك أنه قد وصف بالعظم في قوله سبحانه: فقد افترى إثماً عظيماً [النساء/ 48] فكما وصف بالعظم، كذلك ينبغي أن يوصف بالكبر.
ووجه قراءة من قرأ بالثاء أنه قد جاء فيهما: إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر اللّه وعن الصّلاة فهل أنتم منتهون [المائدة/ 91] وجاء في الحديث فيما حدثنا ابن قرين
[الحجة للقراء السبعة: 2/313]
ببغداد في درب الحسن بن زيد، قال: حدثنا إبراهيم بن مرزوق بمصر في سنة ثمانٍ وستين ومائتين
قال: حدثنا أبو عاصم عن شبيب عن أنس بن مالك قال: «لعن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، في الخمر عشرةً: مشتريها، وبائعها، والمشتراة له، وعاصرها والمعصورة له، وساقيها، والمسقاها، وحاملها، والمحمولة إليه. وآكل ثمنها»
فهذا يقوي قراءة من قرأ (كثيرٌ).
فإن قال قائل: إن الكثرة إنما ذكرت ليس في نفس الخمر، ولا في نفس الميسر، إنما هي في أشياء تحدث عنها أو تؤدّي إليها، قيل: إن ذلك، وإن كان كما ذكرت، فقد وقع الذمّ في التنزيل عليها، ألا ترى أنه قال عز وجل: إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر والميسر: قمارٌ، وأكل المال بالباطل، وقد قال: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [النساء/ 29].
ومما يقوي قراءة من قرأ كثير قوله تعالى: ومنافع للنّاس [البقرة/ 219] فكأن الإثم عودل به المنافع، فلما عودل به المنافع حسن أن يوصف بالكثرة، لأنه كأنه قال: فيه مضارٌّ كثيرة، ومنافع. فلما صار الإثم كالمعادل للمنافع، والمنافع يحسن أن توصف بالكثرة، كما جاء: لكم فيها منافع كثيرةٌ: [المؤمنون/ 21]
[الحجة للقراء السبعة: 2/314]
كذلك حسن أن يوصف الذي عودل به بالكثرة. وليس الخمر بالنبيذ في اللغة. والأسماء الأول لا توضع بالمقاييس، يدلّ على ذلك قول أبي الأسود:
دع الخمر تشربها الغواة فإنّني... رأيت أخاها مجزئاً بمكانها
فإلّا يكنها أو تكنه، فإنّه... أخوها غذته أمّه بلبانها
ألا ترى أن الشيء لا يكون أخا نفسه، وأن ما أدى إلى ذلك كان فاسداً.
اختلفوا في فتح الواو وضمها من قوله جل وعز: قل العفو [البقرة/ 219].
فقرأ أبو عمرٍو وحده: قل العفو رفعاً.
وقرأ الباقون: العفو نصباً.
وروي عن ابن عامرٍ نصب الواو أيضاً.
[الحجة للقراء السبعة: 2/315]
حدثني عبد الله بن عمرٍو بن أبي سعدٍ الوراق قال:
حدثنا أبو زيد عمر بن شبّة، عن محبوب بن الحسن، عن إسماعيل المكي عن عبد الله بن كثير أنه قرأ: قل العفو رفعاً. والذي عليه أهل مكة الآن النصب.
قال أبو علي: قال ابن عباس: العفو: ما فضل عن أهلك.
عطاءٌ وقتادة والسدّي: العفو: الفضل. قال الحسن: قل العفو: ما لا يجهدكم صفوه من أموالكم، ليس بالأصول. أبو عبيدة: العفو: الطاقة التي تطيقها، والقصد، يقال: ما عفا
لك أي ما صفا لك. غيره: غير الجهد من أموالكم.
قال أبو علي: اعلم أن قولهم: (ماذا) تستعمل على وجهين: أحدهما: أن يكون ما مع ذا اسماً واحداً، والآخر: أن يكون ذا بمنزلة الذي. والدليل على جعلهما جميعاً بمنزلة اسم واحد قول العرب: عمّا ذا تسأل؟ فأثبتوا الألف في (ما). فلولا أن «ما» مع «ذا» بمنزلة اسم واحد لقالوا: عمّ ذا تسأل؟ فحذفوا الألف من آخر ما، كما حذف من قوله: عمّ يتساءلون
[الحجة للقراء السبعة: 2/316]
[النبأ/ 1] وفيم أنت من ذكراها [النازعات/ 43] فلما لم يحذفوا الألف من آخر «ما» علمت أنه مع «ذا» بمنزلة اسم واحد، فلم تحذف الألف منه لمّا لم يكن آخر الاسم، والحذف إنما يقع إذا كانت الألف آخراً إلا أن يكون في شعرٍ، كقول الشاعر:
على ما قام يشتمني لئيمٌ... كخنزيرٍ تمرّغ في دمان
ويدل على ذلك قول الشاعر:
دعي ماذا علمت سأتّقيه... ولكن بالمغيّب نبّئيني
كأنه قال:
دعي شيئاً علمت، ومما يحمل على أن «ماذا» فيه شيءٌ واحد قول الشاعر:
يا خزر تغلب ماذا بال نسوتكم... لا يستفقن إلى الدّيرين تحنانا
[الحجة للقراء السبعة: 2/317]
فإنما قوله: «ماذا بال نسوتكم» بمنزلة: ما بال نسوتكم، فاستعملوا ماذا استعمال ما، من غير أن ينضم إليها ذا. ألا ترى أنّك لو حملت ذا على الذي في البيت لم يسهل: ما الذي هو بال نسوتكم؟ لأن المستعمل: ما بالك دون الآخر. فإنما جعل ماذا بمنزلة ما، كما جعل الآخر في قوله:
دعي ماذا علمت...
بمنزلة: دعي ما علمت، ألا ترى أنك لو لم تجعلهما اسماً واحداً، لجعلت ما استفهاماً، ولا يجوز وقوع دعي ونحوه من الأفعال قبل الاستفهام، ولا يعلّق عنه.
فإذا تبين بما ذكرنا أن ما مع (ذا) بمنزلة اسم واحد كان قوله تعالى: ماذا ينفقون بمنزلة قوله: ما ينفقون، وقوله: ماذا في موضعٍ نصبٍ، كما أن ما في قولك: ما ينفقون؟ وأيّا في قولك: أياً ينفقون؟ كذلك، فجواب هذا: العفو بالنصب.
كما تقول في جواب ما أنفقت؟ درهماً. أي: أنفقت درهماً.
فهذا وجه قول من نصب العفو في الآية.
وأما وجه قول من رفع فقال: قل العفو فإن ذا تجعل بمنزلة الذي بعد ما. ولا تجعل معها بمنزلة اسم واحد، فإذا قال: ماذا أنزل ربّكم [النحل/ 24] فكأنه قال: ما الذي أنزله ربّكم؟ فجواب هذا: قرآنٌ وموعظةٌ حسنةٌ، فتضمر المبتدأ الذي كان خبراً في سؤال السائل، كما تقول في جواب: ما الذي أنفقته؟ مال زيد، أي: الذي أنفقته مال زيد. فمما جاء
[الحجة للقراء السبعة: 2/318]
على هذا في التنزيل قوله تعالى: وإذا قيل لهم: ماذا أنزل ربّكم قالوا أساطير الأوّلين [النحل/ 24] فأساطير الأولين في قول سيبويه: يرتفع على ما ذكرته لك. وقد روي عن أبي زيدٍ وغيره من النحويين أنهم قالوا: لم يقرّوا، يريدون: أنهم لم يقرّوا بإنزال الله جلّ وعزّ لذلك، فكأنهم لم يجعلوا: أساطير الأوّلين خبر الذي أنزل.
ووجه قول سيبويه: أن أساطير الأولين خبر «ذا» الذي بمعنى الذي في قوله: ماذا أنزل ربّكم على أن يكون المعنى: الذي أنزل ربّكم عندكم أساطير الأولين.
كما جاءت: وقالوا: يا أيّها السّاحر ادع لنا ربّك [الزخرف/ 49] وكما قال: وقالوا يا أيّها الّذي نزّل عليه الذّكر إنّك لمجنونٌ [الشعراء/ 27] أي الذي نزّل عليه الذكر عنده وعند من تبعه. ومما جاء على هذا قول لبيد:
ألا تسألان المرء ماذا يحاول... أنحبٌ فيقضى أم ضلالٌ وباطلٌ
كأنه لما قال: ما الذي يحاوله؟ أبدل بعد، فقال: أنحب؟
أي: الذي يحاوله نحبٌ فيقضى أم ضلال وباطل.
فقوله: فيقضى في موضع نصبٍ على أنه جواب
[الحجة للقراء السبعة: 2/319]
الاستفهام، وليس بمعطوف على ما في الصلة، ولو كان كذلك لكان رفعاً.
فقول من رفع فقال: العفو على هذا، كأنه لما قال:
ماذا ينفقون فكان المعنى: ما الّذي ينفقون؟ قال:
العفو، أي الذي ينفقون: العفو. فهذا وجه الرفع، ونظيره في التنزيل، في قول سيبويه الآية التي مرّت.
واعلم أنّ سيبويه لا يجيز أن يكون ذا بمنزلة الذي، إلا في هذا الموضع لما قام على ذلك من الدّلالة التي تقدمت.
والبغداديون يجيزون أن يكون ذا بمنزلة الذي في غير هذا الموضع. ويحتجون في ذلك بقول الشاعر:
عدس ما لعبّاد عليك إمارةٌ... نجوت وهذا تحملين طليق
فيذهبون إلى أن المعنى: والذي تحملين طليق.
ويحتجون أيضاً بقوله تعالى: وما تلك بيمينك يا موسى [طه/ 17] فيتأولونه على أن المعنى: ما التي بيمينك؟.
ولا دلالة على ما ذهبوا إليه من حمل الحكم على ذا،
[الحجة للقراء السبعة: 2/320]
بأنه بمنزلة الذي، وذلك أن قوله: بيمينك يجوز أن يكون ظرفاً في موضع الحال فلا يكون صلةً، وكذلك: «تحملين» في البيت يجوز أن يكون في موضع حال، والعامل في الحال في الموضعين ما في الاسمين المبهمين من معنى الفعل. وإذا أمكن أن يكون على غير ما قالوا لم يكن على قولهم دلالة.
وقد تأوّل أحد شيوخنا: ذلك هو الضّلال البعيد يدعوا [الحج/ 12، 13] على مذهبهم هذا فقال: ذلك بمنزلة الذي، وما بعده صلةٌ، والاسم المبهم مع صلته في موضع نصب بيدعو. وهذا الذي تأوّله عليه تأويلٌ مستقيمٌ إذا صحّ الأصل بدلالةٍ تقام عليه). [الحجة للقراء السبعة: 2/321]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}
قرأ حمزة والكسائيّ {قل فيهما إثم كبير} بالثاء وقرأ الباقون {إثم كبير} بالباء وحجتهم قوله {وإثمهما أكبر} ولم يقل أكثر
[حجة القراءات: 132]
وحجّة أخرى وهي أنهم استعملوا في الذّنب إذا كان موبقا يدل على ذلك قوله {الّذين يجتنبون كبائر الإثم} قالوا كذلك ينبغي أن يكون إثم {كبير} لأن شرب الخمر والميسر من الكبير
وحجّة من قرأ بالثاء قوله {إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصّلاة} فذكر أشياء من الإثم وحجّة أخرى أن الإثم واحد يراد به الآثام فوحد في اللّفظ ومعناه الجمع والّذي يدل عليه {ومنافع للنّاس} فعودل الإثم بالمنافع فلمّا عودل بها حسن أن يوصف بالكثير فإن قال قائل ينبغي أن يقرأ وإثمهما أكثر بالثاء قيل هذا لا يلزم من وجهين أحدهما أنهم مجمعون على الباء من وجهين وما خرج بالإجماع فلا نظر فيه والوجه الثّاني أن الاسم الثّاني بخلاف معنى الأول لأن الأول بمعنى الآثام فوحد في اللّفظ ومعناه الجمع والدّليل على ذلك {ومنافع للنّاس} وتقدير الكلام قل فيهما آثام كثيرة ومنافع للنّاس كما قال {يتفيأ ظلاله عن اليمين والشّمائل} فوحد اليمين في اللّفظ والمراد الأيمان فلذلك عطف عليه بالشمائل وهي جمع وأما قوله وإثمهما أكبر من نفعهما فلفظه ومعناه معنى التّوحيد يدل على ذلك أنه أتي بالنفع بعده موحدا
قرأ أبو عمرو {قل العفو} بالرّفع وقرأ الباقون بالنّصب من جعل ما اسما وذا خبرها وهي في موضع الّذي رد
[حجة القراءات: 133]
{العفو} فرفغ كأنّه قال ما الّذي ينفقون فقال العفو أي الّذي ينفقون العفو فيخرج الجواب على معنى لفظ السّؤال وحجته قوله {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأوّلين} قال أبو زيد أساطير ليس بجواب هذا السّؤال لأن الكفّار لم يؤمنوا بإنزال القرآن على النّبي صلى الله عليه وقال {إنّما يعلمه بشر} ولو أقرّوا أن الله ينزل عليه لما قالوا {أساطير الأوّلين} فهذا عدول عن الجواب ولكن التّقدير الّذي تزعمون أنه أنزل ربكم هو أساطير الأوّلين
من نصب {العفو} جعل {ماذا} اسما واحدًا بمعنى الاستفهام أي أي شيء ينفقون رد العفو عليه فينصب أي شيء ينفقون فخرج الجواب على لفظ السّؤال منصوبًا وحجتهم قوله {وقيل للّذين اتّقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا} على معنى أي شيء أنزل فقالوا خيرا فجاء الجواب على لفظ السّؤال منصوبًا). [حجة القراءات: 134]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (131- قوله: {إثم كبير} قرأه حمزة والكسائي بالثاء، جعلاه من الكثرة حملًا على المعنى، وذلك أن الخمر تحدث، مع شربها، آثام كثيرة من لغط وتخليط، وسب وأيمان، وعداوة وخيانة، وتفريط في الفرائض، وفي ذكر الله وفي غير ذلك، فوجب أن توصف بالكثرة، وقد قال بعد «ذلك ومنافع للناس» فجمع المنافع، وكذلك يجب أن تكون الآثام جمعًا، والجمع يوصف بالكثرة، وأيضًا فإن وصف الإثم بالكثرة أبلغ، من وصفه بالكبر، وقد قال الله جل ذكره: {وادعوا ثبورًا كثيرًا} «الفرقان 14» وقال: {ذكرًا كثيرًا} «الأحزاب 41» فأما قوله {وإثمهما أكبر} «البقرة 219» فأتى بالباء، فإنما ذلك؛ لأن الإثم الثاني واحد، والأولى بمعنى الآثام، فحسن في الأول الكثرة لكثرته، ولم يحسن في الثاني الكثرة لقلته في المعنى، وأيضًا فإنه إجماع، ويدل على أن الأول بمعنى الجمع قوله: {ومنافع} فعطف عليه بجمع، فهو مثله، ولمعنى الكثرة مزية على معنى الكبر، لأن الكثرة تستوعب معنى العظم ومعنى الكثرة، ولا يستوعب العظم معنى الكثرة؛ لأن الاثم يكون عظيمًا، ولا يكون كثيرًا إلا وهو عظيم، وتقول: كل كثير كبير، ولا تقول: كل كبير كثير، فالقراءة بالثاء أعم، لتضمنها معنى الكثرة والكبر، وقرأ الباقون بالباء، من الكبر، على معنى العظم، أي: فيهما إثم عليه السلام عظيم، ويقوي ذلك إجماعهم على قوله: {وإثمهما أكبر من نفعهما} بالباء، من العظم، وقد أجمعوا على أن شرب الخمر من الكبائر، فوجب أن يوصف إثمه بالكبر، وقد وصف الله الشرك بالعظم فقال: {إن الشرك لظلم عظيم} «لقمان 13» فكذلك ينبغي أن يوصف ما قرب من
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/291]
الشرك بالعظم، وهو شرب الخمر، لأنهما كبائر، والعظم والكبر سواء، ولما قالوا فيما هو دون الكبائر صغائر، وصغير وصغيرة وجب أن يُقال في الكبائر كثير، لأن الكثير مقابل للقليل، والكبير مقابل للصغير، وقد وصف الله الإثم بالعظم في قوله: {فقد افترى إثمًا عظيمًا} «النساء 48» والكبر مقابل للعظم في المعنى، قال أبو محمد: القراءتان حسنتان متداخلتان؛ لأن القراءة بالثاء مراد بها العظم، ولا شك أن ما عظم فقد كثر، وقد كبر، والباء أحبُّ إلي، لأن الجماعة عليه، ولقوله: {حوبًا كبيرًا} «النساء 2» والحوب الإثم، فوصفه بالكبر، وقال تعالى: {والفتنة أكبر من القتل} «البقرة 217» والفتنة هنا الكفر والكفر يشتمل على كل الآثام، وقد وصفه بالكبر، وهو اختيار أبي حاتم وأبي طاهر وأبي عبيد، وبه قرأ الحسن وأبو رجاء والأعرج وأبو جعفر وشيبة ومجاهد وقتادة وابن أبي إسحاق، وعليه العامة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/292]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (132- قوله: {قل العفو} قرأه أبو عمرو بالرفع، ونصب الباقون.
133- ووجه القراءة بالرفع أنه جعل «ما» و«ذا» اسمين، «ذا» بمعنى «الذي» و«ما» استفهام، تقديره: أي شيء الذي تنفقونه فـ «ما» مبتدأ و«الذي» خبره، فيجب أن يكون الجواب مرفوعًا أيضًا، من ابتداء وخبر، تقديره: الذي تنفقونه العفو، فيكون الجواب في الإعراب كالسؤال في الإعراب، والهاء محذوفة، من الصلة، في الجواب، أي: تنفقونه كذلك، هي مقدرة محذوفة من الصلة، وهو مثل قوله: {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين} «النحل 24» تقديره: أي شيء الذي أنزله ربكم قالوا الذي أنزله أساطير الأولين، فأتى الجواب على نحو السؤال في الإعراب والإضمار،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/292]
لكن حذف الابتداء، لصلته من الجواب، لدلالة الأول عليه، وكذلك هو في الآية مع «العفو».
134- ووجه القراءة بالنصب أن تكون «ما» و«ذا» اسمًا واحدًا في موضع نصب بـ «ينفقون» فيجب أن يكون الجواب أيضًا منصوبًا، كما تقول: ما أنفقت؟ فتقول: درهمًا، أي: أنفقت درهمًا، ولا هاء محذوفة مع النصب، ولا ابتداء مضمر مع النصب، إنما تُضمر فعلًا، تنصب به «العفو»، يدل عليه الأول، تقديره: يسألونك: أي شيء ينفقون، قل ينفقون العفو. ومثله قوله تعالى: {وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرًا} «النحل 30» فـ «ما» و«ذا» اسم واحد، في موضع نصب بـ «أنزل» و«خيرًا» جواب منصوب كالسؤال تقديره: قالوا: أنزل خيرًا، والاختيار النصب للإجماع عليه، والقراءتان متقاربتان، لأن كل واحدة محمولة على إعراب السؤال). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/293]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (73- {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} [آية/ 219]:-
بالثاء، قرأها حمزة والكسائي.
[الموضح: 324]
ووجه ذلك أن الإثم ههنا عودل به المنافع التي تتصف بالكثرة؛ لكونها جمعًا في قوله تعالى: {ومَنافِعُ للنّاسِ}. فلما عودل به ما تقرر فيه الكثرة حسن فيه أيضًا أن يوصف بالكثرة، ويدل على ذلك قوله تعالى {إنّما يُرِيدُ الشّيطانُ أَنْ يُوقِعَ} الآية، فبين أن ما يحدث من الخمر مضار كثيرة في باب الدين، فدل على أن كثرة الإثم متقررة فيهما.
وقرأ الباقون {كَبِيرٌ} بالباء.
وذلك لأن الإثم إنما يوصف بالكبر نحو قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ} {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ}، ثم إنهم أجمعوا في قوله تعالى {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ} على الباء دون الثاء، فإجماعهم عليه في الثاني يدل على أنه في الأول أيضًا بالباء). [الموضح: 325]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (74- {قل العفو} [آية/ 219]:
بالرفع قرأها أبو عمرو وحده.
وجه ذلك أنه جعل «ذا» من قوله «ماذا» بمنزلة الذي، ولم يجعلها مع ما بمنزلة اسمٍ واحدٍ، فيكون التقدير على هذا: ويسئلونك ما الذي ينفقونه؟ قال العفو، بالرفع، الذي ينفقونه العفو، فيرتفع العفو بخبر المبتدإ، ومبتدأه
[الموضح: 325]
مضمر، يدل عليه الذي ينفقون، وهو ما في سؤالهم.
وقرأ الباقون {العَفْوَ} بالنصب.
وذلك لأنهم جعلوا «ماذا» اسمًا واحدًا في قوله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} فهو مثل قولك: ما ينفقون، فماذا على هذا في موضع النصب بأنه مفعول {يُنْفِقُونَ}، كما تقول: ويسئلونك أي شيء ينفقون؟ فقوله تعالى {العَفْوَ} بالنصب جواب {مَاذَا يُنْفِقُونَ} وهو في موضع نصبٍ، فجوابه أيضًا نصب، كأنه قال: ينفقون العفو). [الموضح: 326]

قوله تعالى: {فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولو شاء اللّه لأعنتكم... (220).
قرأ ابن كثيرٍ: (ولو شاء اللّه لأعنتكم) بغير همز، وهمز الباقون.
قال أبو منصور: الاختيار الهمز، لأن ألف أعنتكم مقطوعة، وهي كالأصلية، فهمزها أكمل وأعرب.
وأما قراءة ابن كثير فهو عندي على اختياره تليين الهمزة، لا أنه حذف الهمزة). [معاني القراءات وعللها: 1/204]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه ابن طاوس عن أبيه أنه قرأ: [وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ أَصْلِحْ إِلَيْهِمْ خَيْرٌ].
قال أبو الفتح: خير مرفوع؛ لأنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: أصلح إليهم فذلك خير. وإذا جاز حذف هذه الفاء مع مبتدئها في الشرط الصحيح نحو قوله:
بني ثُعَل لا تنكَعوا العنز شِرْبَها ... بني ثعل من ينكع العنز ظالم
أي: فهو ظالم، كان حذف الفاء هنا، وإنما الكلام بمعنى الشرط لا بصريح لفظه، أجدر وأحرى بالجواز.
وقال: "إليهم" لما دخله معنى الإحسان إليهم، وقد ذكرنا نحو ذلك كثيرًا مما هو محمول على المعنى). [المحتسب: 1/122]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (77- {لَأَعْنَتَكُمْ} [آية/ 220]:-
غير مهموز، قرأها ابن كثير وحده في رواية البزي، ولم يذكر ابن مجاهد هذا الحرف، وابن كثير لم يحذف الهمزة وإنما لينها وخففها فجعلها بين بين، فتوهموا أنها محذوفة، فإن الهمزة من أعنت همزة قطعٍ، فلا تسقط حالة الوصل، كما تسقط همزات الوصل عند الصل، ألا ترى أنها همزة أفعل، وليست همزتها مما يسقط في حال الإدراج.
وقرأ الباقون «لأعْنَتَكُمْ» بالهمز، على الأصل، وهو الأولى). [الموضح: 328]

قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27 محرم 1440هـ/7-10-2018م, 12:00 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (222) إلى الآية (225) ]

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)}

قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (حتّى يطهرن... (222).
قرأ عاصم وحمزة والكسائي: (حتّى يطّهّرن) بتشديد الطاء والهاء.
وقرأ الباقون: (حتّى يطهرن) مخففا.
قال أبو منصور: من قرأ (حتّى يطّهّرن) والأصل: يتطهّرن والتطهر يكون بالماء، فأدغمت التاء في الطاء فشددت.
ومن قرأ (حتّى يطهرن) فالمعنى: يطهرن من دم المحيض إذا انقطع الدم. وجانز أن يكون يطهرن الطهر التام بالماء بعد انقطاع الدم). [معاني القراءات وعللها: 1/202]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تخفيف الطاء وضمّ الهاء. وتشديد الطاء وفتح الهاء من قوله جل وعز: حتّى يطهرن [البقرة/ 222].
فقرأ ابن كثيرٍ ونافعٌ وأبو عمرٍو وابن عامرٍ: يطهرن خفيفةً.
وقرأ عاصمٌ، في رواية أبي بكر والمفضل، وحمزة والكسائيّ: يطهرن مشدّدة.
حفصٌ عن عاصمٍ يطهرن خفيفةً.
قال أبو علي: قال أبو الحسن: طهرت المرأة. قال:
وقال بعضهم: طهرت. قال: وقالوا: طهرت طهراً وطهارةً.
[الحجة للقراء السبعة: 2/321]
والقول في ذلك: أنّ طهرت بفتح العين أقيس، لأنها خلاف طمثت، فينبغي أن يكون على بناء ما خالفه، مثل: عطش وروي ونحو ذلك.
ويقوي طهرت أيضاً قولهم: طاهرٌ، فهذا يدل على أنه مثل: قعد يقعد فهو قاعدٌ. ويحتمل أن يكون طهرت ويطهرن:
انقطع الدم الذي كان به طمثت. كما روي عن الحسن في تفسير قوله تعالى: حتّى يطهرن: حتى ينقطع الدم. ويحتمل أن يكون حتّى يطهرن: حتى يفعلن الطهارة التي هي الغسل، لأنّها ما لم تفعل ذلك كانت في حكم الحيض، لكونها ممنوعةً من الصلاة والتلاوة، وأن لزوجها أن يراجعها إذا كانت مطلّقةً، فانقطع الدم ولم تغتسل، كما كان له أن يراجعها قبل انقطاع الدم، وهذا قول عمر وعبد الله وعبادة بن الصامت، وأبي الدرداء. وروي لنا عن الشعبي أنه روى عن ثلاثة عشر من الصحابة، منهم أبو بكر وعمر وابن مسعود وابن عباس ذلك.
فإذا كان حكم انقطاع الدم قبل الاغتسال حكم اتصاله، وجب أن لا تقرب حتى تغتسل. وإذا كان كذلك، كان قراءة من قرأ: حتّى يطهرن أرجح، لأنها ما لم تتطهر في حكم الحيّض، فيجب أن لا تقرب، كما لا تقرب إذا كانت حائضاً. ويؤكد ذلك قوله تعالى: وإن كنتم جنباً فاطّهّروا [المائدة/ 6] فكما أن الجنب يتطهّر بالماء إذا وجده، كذلك الحائض، لاجتماعهما في وجوب الغسل عليهما، وأن لفظ المتطهّر يختص بالتّطهّر بالماء أو ما قام مقامه.
[الحجة للقراء السبعة: 2/322]
وقراءة من قرأ: حتّى يطهرن على هذا التأويل، يحتمل أن يكون المراد بها: حتى يفعلن الطهارة، فلكونهنّ إذا لم يفعلن في حكم الحيّض، وحال من لم ينقطع الدم عنه منهنّ.
ويؤكد قراءة من قرأ: حتّى يطهرن إجماعهم في قوله:
فإذا تطهّرن فأتوهنّ [البقرة/ 222]. فكما أن هذا لا يكون إلا على الطهارة، فكذلك قوله: حتّى يطهرن يجب أن يكون على هذا اللفظ، ألا ترى شرط إتيانهنّ بعد التّطهّر في قوله:
فإذا تطهّرن فأتوهنّ.
وأما قولهم: الطّهور فلفظه على ضربين: اسم، وصفةٍ.
فإذا كان اسماً كان على ضربين:
أحدهما: أنه مصدر، وذلك قولهم فيما حكاه سيبويه:
تطهّرت طهوراً حسناً، وتوضأت وضوءاً، فهذا مصدرٌ على فعولٍ بفتح الفاء. ومثله: وقدت النار وقوداً، في أحرفٍ أخر.
وأما الاسم الذي ليس بمصدر، فما جاء من
قوله: «طهور إناء أحدكم كذا»
فالطّهور اسم لما يطهّر، كالفطور، والوجور، والسّعوط، واللّدود.
[الحجة للقراء السبعة: 2/323]
وأما كونه صفةً فهو قوله تعالى: وأنزلنا من السّماء ماءً طهوراً [الفرقان/ 48] فهذا كالرسول، والعجوز، ونحو ذلك من الصفات التي جاءت على فعولٍ ولا دلالة فيه على التكرير، كما لم يكن متعدّياً نحو: ضروبٍ، ألا ترى أن فعله غير متعدٍ تعدّي ضربت. ومن الصفة قوله جل وعز:
وسقاهم ربّهم شراباً طهوراً [الإنسان/ 21] فوصف بالطّهور لمّا كان خلافا لما ذكر في قوله: ويسقى من ماءٍ صديدٍ [إبراهيم/ 16]. ومن ذلك
قوله: «هو الطهور ماؤه».
فالطّهور هنا صفة، ألا ترى أنه قد ارتفع به الماء كما ارتفع الاسم بالصفات المتقدمة؟ وقال تعالى: خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم [التوبة/ 103] فمن جعل في تطهرهم ضمير الصدقة، ولم يجعله ضمير فعل المخاطب، فلما جاء من
«أن الصدقة أوساخ الناس»
فإذا أخذت منهم كان كالرفع لذلك، ورفعه تطهيرٌ [وقال تعالى ]: وطهّر بيتي للطّائفين [الحج/ 26] فجاء فيه طهّر لما جاء في المطهّر منه الرجس في قوله: فاجتنبوا الرّجس من الأوثان [الحج/ 30]. وقال سبحانه: ولهم فيها أزواجٌ مطهّرةٌ [البقرة/ 25] فوصفهنّ
[الحجة للقراء السبعة: 2/324]
بالطهارة يحتمل أمرين: يجوز أن يكنّ تطهّرن مما يكون فيهن من الحيض، ونحوه من الأقذار. ويجوز أن يكنّ مطهّراتٍ من الأخلاق السيئة لما فيهن من حسن التبعّل. ودلّ على ذلك قوله: فجعلناهنّ أبكاراً عرباً أتراباً [الواقعة/ 37] وأنشد يعقوب وثعلب:
وبالبشر قتلى لم تطهّر ثيابها وفسّراه بأنه لم يطلب بثأرهم ووجه ذلك: أنهم إذا قتلوا قتيلًا قالوا: دمه في ثوب فلانٍ، يعنون القاتل. وعلى هذا قول أوسٍ.
نبّئت أنّ دماً حراماً نلته... وهريق في بردٍ عليك محبّر
وقال:
نبّئت أن بني جذيمة أدخلوا... أبياتهم تامور نفس المنذر
وقال [أبو ذؤيب]:
[الحجة للقراء السبعة: 2/325]
تبرّأ من دم القتيل وثوبه... وقد علقت دم القتيل إزارها
علامة التأنيث في علقت للإزار. وأنّثها كما أنّثه ابن أحمر في قوله:
طرحنا إزاراً فوقها أيزنيّةٌ... على منهلٍ من قدقداء
ومورد وأنشد الأعشى بإلحاق علامته في قوله:
ترفل في البقيرة والإزاره
[الحجة للقراء السبعة: 2/326]
وإذا علقت إزاره دمها، صار دمه في ثوبها. فأما قوله عز وجل: وثيابك فطهّر [المدثر/ 4] فإنه أمر بالتزكّي واجتناب المأثم. قال قتادة: كانوا يقولون للرجل إذا نكث، ولم يوف بالعهد دنس الثياب، فإذا أوفى وأصلح قالوا: طاهر الثياب. فمما سلكوا فيه هذا المسلك قوله:
وقد لبست بعد الزبير مجاشعٌ... ثياب التي حاضت ولم تغسل الدّما
وكذلك قوله:
ثياب بني عوفٍ طهارى نقيّةٌ... وأوجههم بيض المسافر غرّان
يريد: أنهم لا يأتون ما يقال لهم فيه دنسو الثياب، وكذلك قوله: وأوجههم بيض المسافر، يريد: أنهم لا يرتكبون ما يدنّس الثياب ويسوّد الوجوه، قال تعالى: وإذا بشّر أحدهم بالأنثى ظلّ وجهه مسودًّا [النحل/ 58] فليس المعنى السواد الذي هو خلاف البياض، ولكن على ما يلحق من غضاضةٍ عن مذمّةٍ. ونزّلوا ولادة الأنثى- وإن لم يكن
[الحجة للقراء السبعة: 2/327]
فعلهم - منزلة ما يكون من فعلهم، مما يلحق من أجله العار. وعلى هذا ما يمتدح به من الوصف بالبياض، ليس يراد به بياض اللون، كقول الأعشى:
وأبيض مختلطٍ بالكرام... يجود ويغزو إذا ما عدم
وقول الآخر:
أمّك بيضاء من قضاعة قد... نمت لك الأمهات والنّضد). [الحجة للقراء السبعة: 2/328]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا تقربوهن حتّى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}
قرأ حمزة والكسائيّ وأبو بكر يطهرن بتشديد الطّاء والهاء
[حجة القراءات: 134]
وحجتهم ما جاء في التّفسير حتّى يغتسلن بالماء بعد انقطاع الدّم وذلك أن الله أمر عباده باعتزالهن في حال الحيض إلى أن يتطهرن بالماء وحجّة أخرى وهي قوله {فإذا تطهرن} قالوا وهي على وزن تفعلن فيجب أن يكون لها فعل وفعلها إنّما هو الاغتسال لأن انقطاع الدّم ليس من فعلها وحجّة أخرى اعتبارا بقراءة أبي حتّى يتطهرن ثمّ أدغموا التّاء في الطّاء
وقرأ الباقون {يطهرن} بتخفيف الطّاء وضم الهاء وحجتهم أن معنى ذلك حتّى ينقطع الدّم عنهن {فإذا تطهرن} أي بالماء قالوا إن الله أمر عباده باعتزال النّساء في المحيض إلى حين انقطاع دم الحيض قال الزّجاج يقال طهرت المرأة وطهرت إذا انقطع الدّم عنها). [حجة القراءات: 135]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (135- قوله: {حتى يطهرن} قرأه الحرميان وأبو عمرو وابن عامر وحفص مضموم الهاء، مخففًا، على معنى ارتفاع الدم وانقطاعه، ولكن لم تتم الفائدة إلا بقوله: {فإذا تطهرن} أي: بالماء، فأتوهن، فبهذا تمت الفائدة والحكم؛ لأن الكلام متصل بعضه ببعض، فلا يحسن أن يكون «يطهرن» مخففًا، تتم عليها الفائدة والحكم؛ لأنه يوجب إتيان المرأة، إذا انقطع عنها الدم، وإن لم تتطهر بالماء، ويكون قوله: {فإذا تطهرن} لا فائدة له؛ إذا الوطء قد يتم بزوال الدم، فلابد من اتصال، فإذا تطهرن بما قبله، وبه يتم الحكم، والفائدة في أن لا توطأ الحائض إلا بانقطاع الدم، والتطهير بالماء، فلو حمل الأول على التشديد، وفتح الهاء محمل الثاني، للزم أن توطأ الحائض، إذا تطهرت، وإن لم ينقطع عنها الدم، ففي التخفيف بيان الشرطين اللذين مع وجودهما،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/293]
توطأ الحائض، وهما: انقطاع الدم، والتطهير بالماء، وليس مع التشديد للطاء فيها دليل على أن انقطاع الدم شرط للوطء، فالقراءة بالتخفيف فيها بيان الحكم وفائدته، وهو الاختيار لأن فيها بيان إباحة الوطء بعد انقطاع الدم والتطهير بالماء، وقرأ الباقون بفتح الهاء مشددًا، على معنى التطهير بالماء دليله إجماعهم على التشديد في قوله: {فإذا تطهرن} فحمل الأول على الثاني، وأيضًا فإن التخفيف في الأول يوهم جواز إتيان الحائض إذا ارتفع عنها الدم، وإن لم تطهر بالماء فكأن التشديد فيه رفع التوهم أو هي في حكم الحائض ما لم تطهر وهي ممنوعة من الصلاة ما لم تتطهر، ولزوجها مراجعتها ما لم تطهر بالماء، وإن كان الدم قد انقطع، وهذا قول عمر وعبادة بن الصامت وأبي الدرداء وقال الشعبي: روي ذلك عن ثلاثة عشر من الصحابة منهم أبو بكر وعمر وابن مسعود وابن عباس، فإذا كان حكم انقطاع الدم من غير غسل، حكم ثبوته، ووجب أن يؤثر التشديد، ليفيد الخروج عن حكم الحائض في جواز الوطء، وإباحة الصلاة ومنع الرجعة، ويدل على قوة التشديد أن في حرف أبي وابن مسعود «حتى يتطهرن» بياء وتاء، وهذا يدل على التطهير بالماء، ويدل على إدغام في الطاء، قال أبو محمد: ولولا اتفاق الحرميين، وابن عامر وأبي عمرو وحفص على التخفيف، لكان التشديد مختارًا أيضًا؛ لما ذكرنا من العلة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/295]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (75- {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [آية/ 222]:-
بفتح الطاء والهاء وتشديدهما، قرأها حمزة والكسائي وعاصم ياش-؛ لأن معناه: حتى يتطهرن بالماء، وأراد الاغتسال؛ لأنهن ما لم يغتسلن فهن في حكم الحيض في كثير من الأشياء، ويؤيد ذلك أنهم أجمعوا على {تَطَهَّرْنَ} في قوله {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} في قوله {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ}، فكما أن ذلك لا يكون إلا الاغتسال، فكذلك ينبغي أن يكون معنى هذا أيضًا.
وقرأ الباقون {حَتَّى يَطْهُرْنَ} بسكون الطاء وضم الهاء، ومعناه حتى ينقطع دم حيضهن، ويجوز أن يكون {يَطْهُرْنَ} أيضًا بمعنى {يَطَّهَّرْنَ}؛ لأنهن إنما يطهرن طهرًا تامًا إذا اغتسلن). [الموضح: 326]

قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)}

قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224)}

قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27 محرم 1440هـ/7-10-2018م, 12:01 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (226) إلى الآية (230) ]

{الَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)}


قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)}

قوله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)}

قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة مسلمة بن محارب: [وَبُعُولَتْهُنَّ أَحَقُّ] ساكنة التاء.
[المحتسب: 1/122]
قال أبو الفتح: قد سبق نحو هذا في قراءة أبي عمرو: [يأمُرْكم]، وأنشدنا فيه الأبيات التي أحدها قول جرير:
سيروا بني العم فالأهواز منزلكم ... ونهر تيرى ولا تعرفْكم العرب
أراد: لا تعرفُكم، فأسكن الفاء استخفافًا لثقل الضمة مع كثرة الحركات). [المحتسب: 1/123]

قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إلّا أن يخافا... (229).
قرأ حمزة ويعقوب: (يخافا) بضم الياء.
وقرأ الباقون: (يخافا).
قال أبو منصور: من قرأ (يخافا) بفتح الياء فإن الفراء قال: الخوف
[معاني القراءات وعللها: 1/202]
في هذا الموضع كالظن. قال: والاختيار (إلّا أن يخافا).
قال: وأما ما قرأ به حمزة (إلّا أن يخافا) فإنه اعتبر قراءة عبد الله التي رويت له "إلا أن تخافوا).
قال: ولم يصب حمزة، والله أعلم؛ لأن الخوف إنما وقع على (أن) وحدها إذ قال: (إلا أن تخافوا أن لا تقيموا"، وحمزة قد أوقع الخوف على الرجل والمرأة، وعلى (أن) ألا ترى أن اسمها في الخوف مرفوع بما لم يسم فاعله، فلو أراد: إلا أن يخافا على هذا، ويخافا بذا، أو من ذا.
فيكون على غير اعتبار قراءة عبد الله كان جائزًا.
[معاني القراءات وعللها: 1/203]
قال أبو منصور: الاختيار (إلّا أن يخافا) بفتح الياء، وهو قراءة أكثر القراء). [معاني القراءات وعللها: 1/204]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضم الياء وفتحها من قوله جلّ وعزّ: إلّا أن يخافا [البقرة/ 229].
فقرأ حمزة وحده: يخافا بضم الياء. وقرأ الباقون:
يخافا بفتح الياء.
[قال أبو علي] قال أبو عبيدة: إلّا أن يخافا معناها:
يوقنا، فإن خفتم هاهنا: فإن أيقنتم. و: إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه [البقرة/ 230] معناه: أيقنا.
وقال بعض البغداذيين: إلّا أن يخافا مثل: يظنا، قال:
[الحجة للقراء السبعة: 2/328]
والظن والخوف واحد.
قال أبو علي: خاف: فعلٌ يتعدى إلى مفعولٍ واحد.
وذلك المفعول يكون أن وصلتها ويكون غيرها، فأما تعديه إلى غير أن فنحو قوله عزّ وجلّ: تخافونهم كخيفتكم أنفسكم [الروم/ 28] وتعديته إلى «أن» كقوله تعالى: تخافون أن يتخطّفكم النّاس [الأنفال/ 26] وقوله: أم يخافون أن يحيف اللّه عليهم [النور/ 50]. فإن عدّيته إلى مفعولٍ ثانٍ، ضعّفت العين، أو اجتلبت حرف الجر، كقولك: خوّفت الناس ضعيفهم قويّهم، وحرف الجر كقوله:
لو خافك الله عليه حرّمه ومن ذلك قوله عزّ اسمه: إنّما ذلكم الشّيطان يخوّف أولياءه [آل عمران/ 175] ف يخوّف قد حذف معه مفعولٌ يقتضيه تقديره: يخوّف المؤمنين بأوليائه، فحذف المفعول والجارّ، فوصل الفعل إلى المفعول الثاني، ألا ترى أنه لا
[الحجة للقراء السبعة: 2/329]
يخوّف أولياءه، على حدّ قولك: خوّفت اللصّ، إنما يخوّف غيرهم ممن لا استنصار له بهم، ومثل هذه في حذف المفعول منه قوله تعالى: فإذا خفت عليه فألقيه في اليمّ [القصص/ 7] المعنى: إذا خفت عليه فرعون، أو الهلاك.
فالجارّ المظهر في قوله: فإذا خفت عليه بمنزلة المحذوف من قوله: أولياءه.
وإذا كان تعدي هذا الفعل على ما وصفنا، فقول حمزة:
إلّا أن يخافا مستقيمٌ، لأنه لما بنى الفعل للمفعول به، أسند الفعل إليه، فلم يبق شيءٌ يتعدى إليه.
فأما (أن) في قوله تعالى: أن لا يقيما فإن الفعل يتعدى إليه بالجار، كما تعدّى بالجار في قوله:
لو خافك الله عليه حرّمه وموضع أن في قوله: إلّا أن يخافا: جرّ بالجار
[الحجة للقراء السبعة: 2/330]
المقدّر على قول الخليل والكسائي، ونصب على قول غيرهما، لأنه لما حذف الجارّ وصل الفعل إلى المفعول الثاني، مثل:
أستغفر الله ذنباً..
و: أمرتك الخير...
فقوله مستقيم على ما رأيت.
فإن قال قائل: لو كان يخافا كما قرأ، لكان ينبغي أن يكون: فإن خيفا، قيل: لا يلزمه هذا السؤال لمن خالفه في قراءته، لأنهم قد قرءوا: إلّا أن يخافا ولم يقولوا: فإن خافا فهذا لا يلزمه لهؤلاء.
وليس يلزم الجميع هذا السؤال لأمرين: أحدهما أن يكون انصرف من الغيبة إلى الخطاب كما قال: الحمد للّه ثم قال: إيّاك نعبد وقال: وما آتيتم من زكاةٍ تريدون وجه اللّه فأولئك هم المضعفون [الروم/ 39] وهذا النحو كثيرٌ في التنزيل وغيره.
والآخر: أن يكون الخطاب في قوله تعالى: فإن خفتم
[الحجة للقراء السبعة: 2/331]
مصروفاً إلى الولاة والفقهاء، الذين يقومون بأمور الكافة، وجاز أن يكون الخطاب للكثرة، فيمن جعله انصرافاً من الغيبة إلى الخطاب، لأن ضمير الاثنين في يخافا ليس يراد به اثنان مخصوصان، إنما يراد به أن كلّ من كان هذا شأنه فهذا حكمه.
فأمّا من قرأ: يخافا بفتح الياء، فالمعنى أنه إذا خاف كلّ واحدٍ من الزّوج والمرأة ألا يقيما حدود الله تعالى، حلّ الافتداء، ولا يحتاج في قولهم إلى تقدير الجار، وذلك أن الفعل يقتضي مفعولًا يتعدى إليه كما يقتضيه في نحو قوله تعالى: فلا تخافوهم وخافوني [آل عمران/ 175]، ولا بد من تقدير الجارّ في قراءة من ضمّ الياء، لأن الفعل قد أسند إلى المفعول، فلا يتعدى إلى المفعول الآخر إلا بالجار.
فأمّا ما قاله الفرّاء في قراءة حمزة: إلا بأن يخافا
[الحجة للقراء السبعة: 2/332]
من أنّه اعتبر قراءة عبد الله: إلا أن تخافوا فلم يصبه، لأن الخوف في قراءة عبد الله واقع على أن، وفي قول حمزة:
على الرجل والمرأة. فإن بلغه ذلك في رواية عنه فذاك، وإلا، فإذا اتجه قراءته على وجه صحيح، لم يجز أن ينسب إليه الخطأ، وقد قال عمر [رحمه الله]: لا تحمل فعل أخيك على القبيح ما وجدت له في الحسن مذهباً). [الحجة للقراء السبعة: 2/333]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا يحل لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئا إلّا أن يخافا ألا يقيما حدود الله}
قرأ حمزة {إلّا أن يخافا} بضم الياء وحجته قوله بعدها فإن خفتم فجعل الخوف لغيرهما ولم يقل فإن خافا
وقرأ الباقون {إلّا أن يخافا} وحجتهم ما جاء في التّفسير {إلّا أن يخافا} أي إلّا أن يخاف الزّوج والمرأة ألا يقيما حدود الله فيما يجب لكل واحد منهما على صاحبه م الحق والعشرة). [حجة القراءات: 135]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (136- قوله: {إلا أن يخافا} قرأ حمزة بضم الياء، وفتحها الباقون.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/294]
137- وحجة قراءة حمزة بضم الياء أنه بنى الفعل للمفعول، والضمير في «يخافا» مرفوع لم يُسم فاعله، يرجع للزوجين، والفاعل محذوف وهو الولاة والحكام والخوف بمعنى اليقين، وقيل: بمعنى «الظن» وقد ألزم من قرأ بضم الياء أن يقرأ: فإن خيفا، وهذا لا يلزم؛ لأن من قرأ بفتح الياء يلزمه أيضًا، أن يقرأ: فإن خافا، ولكنه في القراءتين جميعًا حسن من باب الخروج من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة كقوله: {حتى إذا كنتم} ثم قال: {وجرين بهم} «يونس 22» وكقوله: {الحمد لله رب العالمين} ثم قال: {إياك نعبد} وهو كثير.
138- ووجه القراءة بفتح الياء أنه حُمل على ظاهر الخطاب، يُراد به الزوجان إذا خاف كل واحد منهما ألا يقيما حدود الله حل الاقتداء، فهما الفاعلان، و«أن» في القراءة الأولى مقدر معها حذف حرف الجر؛ لأن الفعل قد تعدى إلى مفعوله، واقيم مقام الفاعل فـ «أن» في موضع جر، بإضمار حرف الجر، على قول الخليل والكسائي، ولكثرة حذفه مع «أن» فكأنه ملفوظ به، فحسن عندهما عمله، وهو محذوف، ولا يقاس عليه، و«أن» عند غيرهما من الكوفيين في موضع نصب لحذف حرف الجرف، فأما من قرأ بفتح الياء فـ «أن» في موضع نصب بالفعل؛ لأنه لم يتعد إلى مفعول، وهو يقتضي التعدي إلى مفعول، فتعدى إلى «أن» فهي في موضع نصب به، والاختيار ما عليه الجماعة من فتح الياء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/295]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (76- {إِلَّا أَنْ يَخَافَا} [آية/ 229]:-
بضم الياء قرأها حمزة ويعقوب.
ووجه ذلك أن الخوف في الحقيقة لا ينبغي أن يكون واقعًا عليهما؛ لأنهما لا يخافان ترك حدود الله تعالى، بل يخاف عليهما ذلك، فلهذا بني الفعل للمفعول به، فأسند إليهما، والتقدير: إلا أن يخافا على أن لا يقيما حدود الله، فحذف الجار وأوصل الفعل، فموضع أن وما بعده بوقوع الفعل عليهما، وعند الخليل والكسائي جر بتقدير الجار.
وقرأ الباقون {يَخَافَا} بفتح الياء.
ومعنى الخوف ههنا عند الفراء الظن، وعند غيره العلم، قال:
15- ولا تدفنني في الفلاة فإنني = أخاف إذا ما مت ألا أذوقها
أي أعلم، والمعنى على هذا: إلا أن يظنا أو يعلما أن لا يقيما حدود الله، ولا تحتاج إلى تقدير الجار في هذه القراءة؛ لأنه يقال: خفت الرجل والشيء، قال الله تعالى {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ} ). [الموضح: 327]

قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يبيّنها... (230).
اتفق القراء على الياء في (يبيّنها) إلا ما روى المفضل عن عاصم: (نبيّنها) بالنون.
والمعنى فيمن قرأ بالنون والياء قريب من السواء، إلا أن القراءة
[معاني القراءات وعللها: 1/204]
بالياء أجود لاتفاق القراء عليها). [معاني القراءات وعللها: 1/205]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 08:40 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (231) إلى الآية (232) ]

{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)}

قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)}

قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 08:50 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (233) إلى الآية (234) ]

{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)}

قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لا تضارّ والدةٌ بولدها... (233).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (لا تضارّ والدةٌ) رفعًا.
وروى أبان عن عاصم الرفع أيضًا، وقال أبو بكر بن مجاهد: أخبرني ابن أبي الرجال عن بشر بن هلال عن بكار عن أبان بن يزيد عن عاصم: (لا تضارر والدةٌ).
قال: كذا هو في كتابي راءين.
وقرأ الباقون: (لا تضارّ) نصبًا.
قال أبو منصور: من قرأ (لا تضارّ والدةٌ) بفتح الراء.
والموضع موضع جزم على النهي، ولفظه لفظ الخبر، الأصل (لاتضارر) فأدغمت الأولى في الثانية، وانفتحت لالتقاء الساكنين، وهو الاختيار في المضاعف، كقولك عضّ زيدا، وضارّ عمرًا يا رجل، يعني: لا تضارّ والدةٌ بولدها، أي: لاتترك إرضاع ولدها ضرارًا لأبيه فتضر بالولد؛ لأن الوالدة أشفق على ولدها من الأجنبية، ولبنها له أهنأ وأمرأ.
[معاني القراءات وعللها: 1/205]
وقوله جلّ وعزّ: (ولا مولودٌ له بولده... (233).
أي: لا يضارّ الوالد الأمّ فيأخذه منها يروم بذلك غيظها فيضر بولده.
ومن قرأ (لا تضارّ) برفع الراء فإن المنذري أخبرني عن أحمد بن يحيى أنه قال: كان ابن كثير وأبو عمرو يقرآن (لاتضارّ)، قال: وأحسبهما آثرا الرفع عطفا على قوله: (لا تكلّف نفسٌ) فأتبعا الرفع الرفع وجعلاه خبرا، والمعنى نهي.
قال: والقراءة بالنهي، لأنه نهي صحيح.
قوده جلّ وعزّ: (إذا سلّمتم ما آتيتم... (233)
قرأ ابن كثير وحده: (ما أتيتم) بقصر الألف.
وقرأ الباقون: (ما آتيتنم).
قال أبو منصور: (ما آتيتم) معناه: ما أعطيتم، من أتى يؤتي، والمعنى: إذا سلمتم الأجرة إلى المرضعة، وقيل: إذا سلمتم، أي: ما أعطاه بعضكم
[معاني القراءات وعللها: 1/206]
لبعض من التراضي في ذلك.
ومن قرأ (ما أتيتم) بقصر الألف فإن ابن الأنباري قال: لا يحتمل أن يكون معناه غير ما جئتم بالمعروف، من المجيء.
قال: وليست في هذا الموضع حسنة، والقراء (ما آتيتم) ). [معاني القراءات وعللها: 1/207]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في نصب الراء ورفعها من قوله جلّ وعزّ: لا تضارّ والدةٌ [البقرة/ 233].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبان عن عاصم: لا تضارّ والدةٌ رفعاً.
وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي: لا تضارّ نصباً.
وليس عندي عن ابن عامر في هذا شيء من رواية ابن ذكوان، ولكنّ المعروف عن أهل الشام النصب.
قال أبو علي: وجه قول من رفع أنّ قبله مرفوعا، وهو قوله لا تكلّف نفسٌ إلّا وسعها [البقرة/ 233] فإذا أتبعته ما قبله كان أحسن لتشابه اللفظ.
فإن قلت: إنّ ذلك خبر، وهذا أمر؛ قيل: فالأمر قد يجيء على لفظ الخبر في التنزيل، ألا ترى أنّ قوله والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ [البقرة/ 228] وقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/333]
تجاهدون في سبيل اللّه [الصف/ 11]، وهذا النحو، مثل ذلك، ويؤكد ذلك أن ما بعده على لفظ الخبر، وهو قوله:
وعلى الوارث مثل ذلك [البقرة/ 233]، والمعنى: ينبغي ذلك، فلما وقع موقعه صار في لفظه.
ومن فتح جعله أمراً، وفتح الراء لتكون حركته موافقة لما قبلها وهو الألف، وعلى هذا قول سيبويه: لو سمّيت رجلا بإسحارّ، فرخّمته على قول من قال: يا حار، لقلت: يا إسحارّ، ففتحت من أجل الألف التي قبلها، وعلى هذا حرّك بالفتح قول الشاعر:
وذي ولد لم يلده أبوان حرّك بالفتح لالتقاء الساكنين، لأن أقرب الحركات إليه الفتحة.
فأما قوله ولا يضارّ كاتبٌ ولا شهيدٌ [البقرة/ 282] فيحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون الفعل مسنداً إلى الفاعل، كأنه: لا يضارر كاتب ولا شهيد بتقاعده عن الكتاب والشهادة.
والآخر: لا يضارر أي: لا يشغل عن ضيعته ومعاشه باستدعاء شهادته وكتابته، وهو مفتوح لأن قبله أمراً، وليس الذي قبله خبراً، كما أنّ قبل الآية الأخرى خبراً، فالفتح للجزم بالنهي أحسن.
[الحجة للقراء السبعة: 2/334]
واختلفوا في المدّ والقصر من قوله جلّ وعزّ: إذا سلّمتم ما آتيتم [البقرة/ 233]، فقرأ ابن كثير وحده: إذا سلمتم ما أتيتم قصراً، كذا قرأته على قنبل.
وقرأ الباقون: ما آتيتم بالمدّ، أنّ المعنى على الإعطاء.
قال أبو علي: قد جاء: آتوهنّ أجورهنّ بالمعروف [النساء/ 25] وقال تعالى: وآتيتم إحداهنّ قنطاراً [النساء/ 20]، والمراد هنا: إعطاء المهر، وقال تعالى:
ولا جناح عليكم أن تنكحوهنّ إذا آتيتموهنّ أجورهنّ [الممتحنة/ 10]؛ فكما جاء في هذه المواضع في المهر آتى؛ فكذلك ينبغي أن تكون في الموضع الذي اختلف فيه.
ووجه قول ابن كثير أن يقدّر: إذا سلّمتم ما أتيتم نقده، أو أتيتم سوقه؛ فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، وحذف الهاء من الصّلة، وكأنه قال: أتيت نقد ألف، أي:
بذلته، كما تقول: أتيت جميلًا، أي: فعلته.
ومما يقوي قوله قول زهير:
فما يك من خير أتوه فإنّما... توارثه آباء آبائهم قبل
[الحجة للقراء السبعة: 2/335]
فكما تقول: أتيت خيراً، وأتيت جميلًا، فكذلك تقول:
أتيت نقد ألف.
وقد وقع أتيت موقع آتيت. ويجوز أن يكون ما في الآية مصدراً، فيكون التقدير: إذا سلّمتم الإتيان، والإتيان:
المأتيّ، مما يبدّل بسوق أو نقد، كقولك: ضرب الأمير، تريد: مضروبه.
فأما قوله: بالمعروف يجوز أن يتعلق ب سلّمتم كأنه:
إذا سلمتم بالمعروف ما آتيتم. ويجوز أن يتعلق ب آتيتم على حدّ قولك: آتيته بزيد). [الحجة للقراء السبعة: 2/336]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه هارون عن أَسِيد عن الأعرج أنه قرأ: [لا تُضارْ والدة] جزم، كذا قال، جزم.
قال أبو الفتح: إذا صح سكون الراء في [تضار] فينبغي أن يكون أراد: لا تضارِر، كقراءة إبي عمرو، إلا أنه حذف إحدى الراءين تخفيفًا، وينبغي أن تكون المحذوفة الثانية؛ لأنها أضعف، وبتكريرها وقع الاستثقال. فأما قول الله تعالى: {ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا} فإن المحذوف هي الأولى؛ وذلك أنهم شبهوا المضعف بالمعتل العين، فكما قالوا: لستَ قالوا: ظلت، ومثله مَستُ في مسِستُ، وأحسْتُ في أحسستُ، قال أبو زُبيد:
خلا أن العِتاق من المطايا ... أحسن بن فهُنَّ إليه شُوسُ
فإن قلت: فهلا كانت الأولى هي المحذوفة من تضارِر كما حذفت الأولى من ظلِلت ومسِست وأحسست؟
قيل: هذه الأحرف إنما حُذفن لأنهن شُبهن بحروف اللين، وحروف اللين تصح بعد هذه الألف نحو: عَاوَدَ وطَاوَلَ وبَايَعَ وسَايَر، والثانية في موضع اللام المحذوفة، نحو: لا تُرامِ.
فإن قيل: فكان يجب على هذا [لا تضارِ]؛ لأن الأولى مكسورة في الأصل؛ فيجب أن تُقر على كسرها.
[المحتسب: 1/123]
قيل: لا، بل لما حذفت الثانية وقد كانت الأولى ساكنة؛ لأنها كانت مدغمة في الثانية أُقرت على سكونها؛ ليكون دليلًا على أنها قد كانت مدغمة قبل الحذف، ولذلك نظائر منها قوله:
وكحَل العينين بالعواوِر
صحح الواو الثانية وإن كانت تلي الطرف، وقبل الألف التي قبلها واو؛ لأنه جعل الصحة في الواو دليلًا على أنه أراد العواوير، ولو لم يرد لذلك لوجب أنه يهمز فيقول: العوائر، كما همزوا في أوائل وأصلها أواول، وكما جعلوا صحة العين في حَوِلَ وعَوِرَ دليلًا على كون المثال في معنى ما لا بد من صحته، وهو احولَّ واعورَّ، وكما جعلوا ترك رد النون في قوله:
ارهن بنيك عنهم أرهن بني
دليلًا على أنه أراد بنيّ، فلما حذف الياء الثانية التي هي ضمير المتكلم لم يرجع النون من بنين؛ لأنه جعله دليلًا على إرادة الياء في بَنيّ، وأنه إنما حذفها للقافية، وهي في نفسه مرادة. وكما قال:
مال إلى أرطاة حِقف فاضطجع
ثم أبدل الضاد لامًا فقال: الطجع، وقد كان يجب إذا زالت الضاد أن ترجع تاء افتعل إلى اللفظ، وذلك أن أصله اضتجع افتعل من الضجعة، فيظهر التاء كما يقال: التجأ إليه والتفت والتقم؛ لكنه ترك الطاء بحالها تنبيهًا على أنه يريد الضاد، وأنه لما أبدلها لامًا اعتدها مع ذلك اعتداد الثابت.
ولذلك نظائر كثيرة، فكذلك ترك الراء من [تُضَارْ]ساكنة كما كانت تكون ساكنة لو خرجت على الإدغام المراد فيها. نعم، وإذا كان نافع قد قرأ: [ومَحْيايْ ومماتي] ساكن الياء من [محيايْ]، ولا تقدير إدغام هناك كان سكون الراء من [لا تضارْ] -وهو يريد تضارّ- أجدر.
وبعد هذا كله ففيه ضعف، ألا ترى أنك لو رخمت قاصًّا -اسم رجل- على قولك: يا حارِ؛ لقلت: يا قاصِ، فرددت عين الفعل إلى الكسر لأنه فاعل، وأصله قاصِص، فمن هنا ضعفت هذه القراءة وإن كان فيها من الاعتذار والاعتلال ما قدمنا ذكره.
[المحتسب: 1/124]
وقد روي فيها تشديد الراء مع السكون، ويجب أن يكون هذا على نية الوقف عليها، رُوي ذلك عن أبي جعفر يزيد بن القعقاع). [المحتسب: 1/125]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({لا تكلّف نفس إلّا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {لا تضار والدة} بالرّفع على الخبر وحجتهما قوله قبلها {لا تكلّف نفس إلّا وسعها} فأتبعا الرّفع الرّفع نسقا عليه وجعلاه خبرا بمعنى النّهي فإن قلت إن ذلك خبر وهذا أمر قيل فالأمر قد يجيء على لفظ الخبر في التّنزيل ألا ترى قوله {والمطلقات يتربّصن بأنفسهنّ} و{لا تظلمون ولا تظلمون} والأصل لا تضارر والعرب لا تذكر في الأفعال حرفين من جنس واحد متحركين فسكن الأول وأدغم في الثّاني وهو وإن كان مرفوعا في معنى النّهي
وقرأ الباقون {لا تضار} بفتح الرّاء على النّهي وحجتهم قراءة ابن مسعود وابن عبّاس قرأ ذلك (لا تضارر) براءين فدلّ ذلك على أنه نهي محض فلمّا اجتمعت الراءان أدغمت الأولى في الثّانية وفتحت الثّانية لالتقاء الساكنين وهذا هو الاختيار في التّضعيف إذا كان قبله فتح أو ألف الاختيار ضار يا رجل
[حجة القراءات: 136]
قرا ابن كثير {إذا سلمتم ما آتيتم} مقصورة الألف أي ما جئتم وفي الكلام حذف المعنى إذا سلمتم ما أتيتم به
وقرأ الباقون {ما آتيتم} بالمدّ أي أعطيتم وحجتهم قوله {إذا سلمتم} لأن التّسليم لا يكون إلّا مع الإعطاء). [حجة القراءات: 137]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (139- قوله: {لا تُضار والدة} قرأه ابن كثير وأبو عمرو بالرفع وفتحه الباقون.
140- ووجه القراءة بالرفع أنه جعله نفيًا لا نهيًا، وأنه أتبعه ما قبله من قوله: {لا تكلف نفس إلا وسعها} وأيضًا فإن النفي خبر، والخبر قد يأتي في موضع الأمر، نحو قوله: {والمطلقات يتربصن} «البقرة 228» وقوله: {تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله} «الصف 11» فكذلك هذا أتى بلفظ الخبر، ومعناه النهي، فذلك شائع في كلام العرب.
141- ووجه القراءة بالفتح أنه جعله نهيًا على ظاهر الخطاب، فهو مجزوم، لكن تفتح الراء لالتقاء الساكنين، لسكونها وسكون أول المشدد، وخصها بالفتح دون الكسر، لتكون حركتها موافقة لما قبلها، وهو الألف، ويقوي حمله على النهي أن بعده أمرًا في قوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} و«والدة» يحتمل أن تكون فاعلة و«تضار» بمعنى يفاعل، أي: لا تضار والدة بولدها، فتطلب عليه ما ليس لها، وتمتنع من رضاع ولدها مضارة ويحتمل أن تكون مفعولة لم يُسم فاعلها، وتضار بمعنى تفاعل على معنى: لا تضار والدة بولدها، فتمتنع من ولدها في الرضاع، وهي تأخذ مثل ما تأخذ غيرها، ولا تُمنع من نفقته، وعلى ذلك يحمل، ولا مولود بولده، ويحتمل الوجهين جميعًا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/296]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (142- قوله: {ما آتيتم بالمعروف} قرأه ابن كثير بغير مد، من باب المجيء؛ إذ لم يظهر في الكلام مفعولان، فيحمل على باب الإعطاء، لأن «أتى» من باب المجيء مقصور، يتعدى إلى مفعول، بحرف وبغير حرف جر من
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/296]
باب الإعطاء يمد فيتعدى إلى مفعولين، فلما لم يكن في الكلام إلا مفعول واحد بحرف جر، فحمل على باب المجيء، وقوي ذلك إتيان الباء بعده في «بالمعروف» وباب المجيء يتعدى إلى مفعول بحرف جر وبغير حرف كما قال تعالى: {أتينا بها} «الأنبياء 47» وقال: {فأتاهم الله} «الحشر 2» فأما «ما» فيحسن أن تكون مع الفعل مصدرًا بمعنى «الإتيان» في قراءة من قصر «آتيتم» و«الإتيان» بمعنى «التأتي» في قراءة من قصر «آتيتم»، و«الإتيان» بمعنى «التأتي» ويكون في قراءة من مد «آتيتم» مع الفعل بمعنى «الإيتاء» لأنه رباعي، و«الإيتاء» بمعنى المأتي، ويجوز أن تكون «ما» بمعنى الذي في القراءتين فتقدر «هاء» محذوفة من «آتيتم» وتكون الهاء هي المفعول لـ «آتيتم» لمن قصر، تعدى إليه بغير حرف، وتكون هي المفعول الأول، لمن مد «آتيتم» والثاني محذوف كما تقول: أعطيت زيدًا، ولا تذكر العطية، وقرأ الباقون «آتيتم» بالمد، من باب الإعطاء، لأنه يراد به إعطاء النفقة للأم أو للمرضعة، في الرضاعة، وقد قال تعالى: {فآتوهن أجورهن} «النساء 24» يعني الرضاعة، وقال: {إذا آتيتموهن أجورهن} «المائدة 5» فهو إجماع، فحمل هذا عليه، وهو الاختيار لإجماع القراء عليه، وكون «ما» بمعنى «الذي » أحسن، والهاء محذوفة وهي المفعول لـ «آتيتم» اقتصر فيه على مفعول واحد). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/297]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (78- {لَا تُضَارَّ} [آية/ 233]:-
بالرفع قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب.
ووجه ذلك أن ما قبله مرفوع، فهو يتبعه، وذلك قوله تعالى {لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ} فيكون بدلاً عنه وإخبارًا مثله في اللفظ، وإن كان نهيًا في المعنى، وإذا توافقت الجملتان كان أحسن.
وقرأ الباقون {تُضَارَّ} بفتح الراء.
ذلك لأنهم جعلوه نهيًا، فسكنت الراء الأخيرة للجزم، وسكنت الراء
[الموضح: 328]
الأولى للإدغام، فالتقى ساكنان، فحرك الآخر منهما على الفتح، ليوافقه الألف التي قبل الراء؛ لأن الألف والفتحة متجانستان). [الموضح: 329]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (79- {إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ} [آية/ 233]:-
بالقصر، قرأها ابن كثير وحده.
وذلك أن معنى أتيت فعلت، تقول: أتيت جميلاً وأتيت خيرًا: فعلته، وتقديره: ما أتيتم نقده أو أتيتم إعطاءه، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، والهاء في القراءتين محذوفة من الصلة، والتقدير: أتيتموه، وقد ذكر بعضهم أن أتيت قد جاء بمعنى آتيت.
وقرأ الباقون {آتَيْتُمْ} بالمد.
وذلك أن آتيت بمعنى أعطيت، وقال الله تعالى {وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} {وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا}، فلما جاء آتى في المواضع المتفق عليها، فكذلك ينبغي أن يكون عليه في الموضع المختلف فيه). [الموضح: 329]

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه أبو عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب عليه السلام: [وَالَّذِينَ يَتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ] بفتح الياء.
قال ابن مجاهد: ولا يُقرأ بها.
قال أبو الفتح: هذا الذي أنكره ابن مجاهد عندي مستقيم جائز؛ وذلك أنه على حذف المفعول؛ أي: والذين يتوفون أيامهم أو أعمارهم أو آجالهم، كما قال سبحانه: {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ}، و{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ}، وحَذْفُ المفعول كثير من القرآن وفصيح الكلام، وذلك إذا كان هناك دليل عليه، قال تعالى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} أي: شيئًا، وأنشدنا أبو علي للحطيئة:
منعمة تصون إليك منها ... كصونك من رداء شَرعَبِيِّ
أي: تصون الكلام منها، وهو كثير جدًّا). [المحتسب: 1/125]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 10:19 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (235) إلى الآية (237) ]

{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)}


قوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)}

قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (على الموسع قدره... (236).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم والحضرمي: (قدره) و(قدره) خفيفتين.
وقرأ الباقون: (قدره) بالتثقيل.
وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال: التثقيل أعلى اللغتين (قدره).
قال: وقال الكسائي: يقرأ بالتخفيف والتثقيل، وكل صواب). [معاني القراءات وعللها: 1/208]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ التاء، ودخول الألف وفتحها، وسقوط الألف من قوله [جلّ وعزّ] تمسّوهنّ [البقرة/ 236].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر:
تمسّوهنّ بغير ألف، حيث كان، وفتح التاء.
وقرأ حمزة والكسائيّ: تماسوهن بألف وضم التاء.
قال أبو علي: حجة من قال تمسّوهنّ قوله [جلّ وعزّ:] ولم يمسسني بشرٌ [آل عمران/ 47] ألا ترى أنه جاء على: فعل دون فاعل، وكذلك قوله [عز اسمه]: لم يطمثهنّ إنسٌ قبلهم ولا جانٌّ [الرحمن/ 74]، وقوله تعالى: فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ [النساء/ 25] فهذا كلّه على فعل.
[الحجة للقراء السبعة: 2/336]
والنكاح عبارة عن الوطء، وإن كان قد وقع على العقد:
قال الأعشى:
ومنكوحة غير ممهورة... وأخرى يقال له فادها
وقال آخر:
وبرحرحان غداة كبّل معبد... نكحت نساؤكم بغير مهور
وعلى الوطء يحمله سيبويه ويرويه.
قال سيبويه: قالوا: ضربها الفحل ضراباً كالنكاح، والقياس ضربا، ولا يقولونه، كما لا يقولون: نكحا، وهو القياس. وقالوا: ذقطها ذقطا، كالقرع، وهو النكاح ونحوه من باب المباضعة. وقال في موضع آخر: نكحها نكاحاً وسفدها سفاداً، وقالوا: قرعها قرعاً.
فكما أن هذه الأفعال على فعل دون فاعل، فكذلك ينبغي أن يكون في الموضع المختلف فيه.
فأمّا ما جاء في الظهار من قوله تعالى: من قبل أن يتماسّا [المجادلة/ 4]. فلا دليل فيه على ما في هذه الآية، لأن المماسّة في الظهار محرّم، وقد أخذ على كلّ واحد منهما
[الحجة للقراء السبعة: 2/337]
أن لا يمسّ، فمن ثمّ جاء: من قبل أن يتماسّا.
وحجة من قرأ: ولا تماسوهن أن فاعل وفعل قد يراد بكلّ واحد منهما ما يراد بالآخر، وذلك نحو: طارقت النّعل، وعاقبت اللّصّ، كما أن فعل واستفعل، يراد بكل واحد منهما ما يراد بالآخر، نحو: قرّ واستقرّ، وعلا قرنه واستعلاه، وفي التنزيل وإذا رأوا آيةً يستسخرون [الصافات/ 14] وكذلك عجب واستعجب.
واختلفوا في تحريك الدّال وتسكينها من قوله عزّ وجلّ: على الموسع قدره وعلى المقتر قدره.
[البقرة/ 236].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر: قدره وقدره بإسكان الدال.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ وحفص عن عاصم:
قدره وقدره متحركتين.
قال أبو علي: قال أبو زيد: تقول قدر القوم أمرهم يقدرونه قدراً، وهذا قدر هذا: إذا كان مثله بجزم الدال، واحمل على رأسك قدر ما تطيق، وقدر الله الرزق يقدره.
وروى السّكّريّ: يقدره قدراً، وقدرت الشيء بالشيء. أقدره قدراً، وقدرت على الأمر أقدر قدرة وقدوراً وقدارة، ونسأل الله خير القدر.
[الحجة للقراء السبعة: 2/338]
وقال أبو الصقر: هذا قدر هذا، واحمل قدر ما تطيق.
وقال أبو الحسن: يقال: القدر والقدر، وهم يختصمون في القدر والقدر قال الشاعر:
ألا يا لقوم للنّوائب والقدر... وللأمر يأتي المرء من حيث لا يدري
وتقول: قدرت عليه الثوب؛ فأنا أقدره قدراً، لم أسمع منه بغير ذلك، وخذ منه بقدر كذا وقدر كذا لغتان، وفي كتاب الله [جلّ وعزّ] فسالت أوديةٌ بقدرها [الرعد/ 17] وبقدرها.. وعلى الموسع قدره وعلى المقتر قدره وقدره وقال تعالى: وما قدروا اللّه حقّ قدره [الأنعام/ 91]. لو حرّكت كان جائزاً، وكذلك: إنّا كلّ شيءٍ خلقناه بقدرٍ [القمر/ 49] لو خفّفت جاز، إلا أنّ رءوس الآي كلها متحرّكة، فيلزم الفتح لأن ما قبلها مفتوح.
[قال أبو علي]: قد ذكر أبو الحسن فيما حكينا عنه في غير موضع أن القدر والقدر بمعنى، وكذلك فيما حكاه أبو زيد، ألا ترى أنه قال: احمل على دابّتك قدر ما
تطيق.
وهذا قدر هذا: إذا كان مثله.
قال: وقال أبو الصقر. هذا قدر هذا، واحمل على رأسك قدر ما تطيق، فحكى الإسكان والفتح بمعنى.
[الحجة للقراء السبعة: 2/339]
وقوله تعالى: فسالت أوديةٌ بقدرها [الرعد/ 17] اتساع، والمراد في سال الوادي، وجرى النهر: جرى مياهها فحذف المضاف، وكذلك قوله تعالى: بقدرها أي: بقدر مياهها.
ألا ترى أنّ المعنى ليس على أنها سالت بقدر أنفسها؟ لأن أنفسها على حال واحدة، وإنما تكون كثرة المياه وقلّتها وشدة جريها ولينه على قدر قلّة المياه المنزّلة وكثرتها.
والأودية: واحدها واد، وهو جمع نادر في فاعل، ولا نعلم فاعلًا جاء على أفعلة، ويشبه أن يكون ذلك لتعاقب فاعل وفعيل على الشيء الواحد، كعليم وعالم، وشهيد وشاهد، ووليّ ووال، ألا ترى أنهم جمعوا فاعلًا أيضاً على فعلاء في نحو: شاعر وشعراء، وفقيه وفقهاء؟ وجعلوا فاعلًا كفعيل في التكسير؟.
وقالوا: يتيم وأيتام، وأبيل وآبال، وشريف وأشراف، كما قالوا: صاحب وأصحاب وطائر وأطيار؛ فكذلك جمع واد على أودية، واللام من قولهم: واد ياء، ولا يجوز أن يكون غير ياء.
وقالوا: أودى الرجل إذا هلك؛ فهذا كقولهم: سالت نفسه، وفاضت نفسه، في قول من قاله بالضاد، وقالوا: أودى الرجل. وغيره قال:
[الحجة للقراء السبعة: 2/340]
كأنّ عرق أيره إذا ودى... حبل عجوز ضفرت خمس قوى
فأما قوله:
مودون تحمون السبيل السابلا فهو مفعلون: من الأداة الذي يراد به السلاح، وليس من باب واد). [الحجة للقراء السبعة: 2/341]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره}
قرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ وحفص {على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} بفتح الدّال
وقرأ الباقون بالسّكون وحجتهم أن القدر مصدر مثل الوسع وفي معناه كقولك قدر فلان ألف درهم أي وسعه
وحجّة من فتح أن القدر أن تقدر الشّيء بالشّيء فيقال ثوبي على قدر ثوبك فكأنّه اسم التّأويل على ذي السعة ما هو قادر عليه من المتاع وعلى ذي الإقتار ما هو قادر عليه من ذلك ويقوّي هذه القراءة قوله {فسالت أودية بقدرها} وكان الفراء يذهب إلى أنّهما بمعنى واحد تقول هذا قدر هذا قدره). [حجة القراءات: 137]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (143- قوله: {تمسوهن} قرأه حمزة والكسائي بضم التاء، وبألف بعد الميم، ويمدان، وقرأ الباقون بفتح التاء، وبغير ألف، حيث وقع.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/297]
144- وحجة من قرأ بألف أنه جعل الفعل لاثنين، لأن كل واحد من الزوجين يمس الآخر بالوطء أو بالمباشرة، فبابه المفاعلة، ويجوز أن يكون «فاعل» كـ «فعل» في هذا فتكون القراءتان بمعنى، والمس من الزوج خاصة؛ لأنه الواطئ والمباشر، كما قالوا: داويت العليل وعاقبت اللص، وجاز أن يقع «فعل» و«فاعل» بمعنى، كما جاء «فعل واستفعل» قالوا: قرأ واستقرأ، وعلا قرنه واستعلاه، وعجبت واستعجبت بمعنى، ويدل على قوة القراءة بالألف أنهم أجمعوا على قوله تعالى: {من قبل أن يتماسا} «المجادلة 3» فوقع الفعل لهما كذلك، هذا لما كان من كل واحد من الزوجين مماسة للآخر عند الوطء حُمل على باب المفاعلة.
145- وحجة من قرأ بغير ألف أن المس هنا يرد به الوطء، أو المباشرة، والواطئ الرجل دون المرأة، فهو فعل واحد، فبابه «فعل» لا «فاعل» وأيضًا فقد أجمعوا على ترك الألف، في قوله تعالى مخبرًا عن قول مريم رضي الله عنها: {ولم يمسسني بشر} «آل عمران 47» ولم يقل: يُماسسني، فدل ذلك على أن الفعل للزوج وحده الواطئ، وهو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه من القراء، ولأنه أصح في المعنى المقصود إليه.
146- قوله: «قدَره، وقدْره» قرأهما ابن ذكوان وحفص وحمزة والكسائي بفتح الدال، وأسكنها الباقون وهما لغتان، قال الأخفش: القدْر والقدَر، وهم يختصمون في القدْر والقدَر، ودليل الفتح إجماعهم على الفتح في قوله: {فسالت أودية بقدرها} «الرعد 17» و{إنا كل شيء خلقناه بقدر} «القمر 49» ودليل الإسكان إجماعهم على الإسكان في قوله:
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/298]
{حق قدره} «الأنعام 91» و{لكل شيء قدرا} «الطلاق 3» و{ليلة القدر} «القدر 1» فالقراءتان متساويتان، وقد قيل: إن القدْر، بالإسكان، مصدر مثل الوُسع، والقدر الاسم مثل العدّ والعدد، والمد والمدد، وقيل: إن القدَر، بالفتح هو أن تقدر الشيء فتقول: ثوبي على قدر ثوبك، أي مثله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/299]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (80- {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [آية/ 236 و237]:-
بالألف وضم التاء، قرأها حمزة والكسائي في الحرفين، وكذلك في الأحزاب. ووجه ذلك أن الفعل مبني على المفاعلة؛ لأنه عبارة عن فعل
[الموضح: 329]
يشملهما حكمه، ويوصف كل واحد منهما بأنه قد مس صاحبه، كما يقال: نكح الرجل المرأة ونكحته، وفي المثل: انكحيني وانظري، ثم إن فاعل أيضًا قد جاء بمعنى فعل نحو: عاقبت اللص وطارقت النعل، فيجوز أن يكون هذا منه.
وقرأ الباقون {تَمَسُّوهُنَّ} بفتح التاء من غير ألف في السورتين.
وهو الاختيار؛ لأنه قد جاء في غير هذا الموضع من القرآن بغير ألف نحو {وَلَمْ يُمْسَسْنِي بَشَرٌ} فجاء على فعل دون فاعل). [الموضح: 330]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (81- {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [آية/ 236]:-
بفتح الدال منهما، قرأها ابن عامر وحمزة والكسائي و- ص- عن عاصم.
وقرأ الباقون {قَدْرُهُ} بإسكان الدال منهما.
[الموضح: 330]
وهما لغتان بمعنى واحدٍ، وفتح الدال أعجب إلى أبي العباس أحمد بن يحيى). [الموضح: 331]

قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من قبل أن تمسّوهنّ... (237).
قرأ حمزة والكسائي: (تماسّوهنّ) بضم التاء، وإثبات الألف.
وقرأ الباقون: (تمسّوهنّ) بغير ألف.
وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال: من قرأ (تمسوهنً) فهو الاختيار لأنا وجدنا هذا الحرف في غير موضع من الكتاب بغير ألف: (لم يمسسني بشرٌ)، وكل شيء في القرآن من هذا الباب فهو فعل الرجل في
[معاني القراءات وعللها: 1/207]
باب الغشيان. قال: وهو أحبّ إليّ من قراءة من قرأ: (ما لم تماسّوهنّ) قال: ومن قرأ: (ما لم تماسّوهنّ) اعتد بأن الفعل لهما، وأنهما يلتذّان معًا بالجماع، فهو منهما). [معاني القراءات وعللها: 1/208]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [أو يعفُو الذي] ساكنة الواو.
قال أبو الفتح: سكون الواو من المضارع في موضع النصب قليل، وسكون الياء فيه أكثر، وأصل السكون في هذا إنما هو للألف؛ لأنها لا تحرك أبدًا، وذلك كقولك: أريد أن تحيا، وأحب أن تسعى، ثم شُبهت الياء بالألف لقربها، فجاء عنهم مجيئًا كالمستمر، نحو قوله:
كأن أيديهن بالْمَومَاة ... أيدي جَوارٍ بِتْنَ ناعماتِ
[المحتسب: 1/125]
وقال الآخر:
كأن أيديهن بالقاع القَرِق ... أيدي جوار يتعاطين الورِق
وقال الأعشى:
إذا كان هادي الفتى في البلا ... دِ صدرُ القناة أطاع الأميرا
فيمن رواه برفع الصدر.
وقال الآخر:
حُدْبًا حَدابير من الوَخْشَنِّ ... تركنَ راعيهن مثل الشَّنِّ
وقال الآخر:
يا دار هند عفت إلا أثافيها
وقال رؤبة:
سوَّى مساحيهن تقطيط الْحُقَقْ ... تَفْليلُ ما قارعْن من سُمرِ الطُّرَق
وكان أبو العباس يذهب إلى أن إسكان هذه الياء في موضع النصب من أحسن الضرورات؛ وذلك لأن الألف ساكنة في الأحوال كلها، فكذلك جعلت هذه، ثم شبهت الواو في ذلك بالياء، فقال الأخطل:
إذا شئت أن تلهو ببعض حديثها ... رفعن، وأنزلن القطين المولَّدا
[المحتسب: 1/126]
وقال الآخر:
فما سوَّدتني عامر عن وراثة ... أبى الله أن أسمو بأم ولا أب
فعلى ذلك ينبغي أن تحمل قراءة الحسن: [أو يعفُو الذي]، فقال ابن مجاهد: وهذا إنما يكون في الوقف، فأما في الوصل فلا يكون، وقد ذكرنا ما فيه، وعلى كل حال فالفتح أعرب: {أو يعفُوَ الذي} ). [المحتسب: 1/127]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة علي -عليه السلام- وأبي رجاء وجُؤيَّة بن عائذ: [ولا تَنَاسَوُا الفضل بينكم].
قال أبو الفتح: الفرق بين تَنْسَوْا وتَنَاسَوْا أن تنسوا نَهْي عن النسيان على الإطلاق: انْسُوه أو تَنَاسَوه.
فأما تناسوا فإنه نهي عن فعلهم الذي اختاروه، كقولك: قد تغافل وتصامَّ وتناسى: إذا أظهره من فعله، وتعاطاه وتظاهر به، وأما تَفَعَّل فإنه تَعَمُّلُ الأمر وتكلفه، كقوله:
ولن تستطيع الحلم حتى تحلما
أي: حتى تَكَلَّفه.
ومثل الأول قوله:
إذا تخازَرتُ وما بي من خَزَر
فإن قيل: ومَن ذا الذي يتظاهر بنسيان الفضل؟
قيل: معناه -والله أعلم- إنكم إذا استكثرتم من هجر الفضل، وتثاقلتم عنه؛ صرتم كأنكم متعاطون لتركه، متظاهرون بنسيانه. وهذا كقولك للرجل يكثر خَطَؤُه: أنت تتحايد الصواب تَوقِّيَ، عرف به، وأنت معتمِلٌ لما لا يحسن، وإن لم يقصد هو لذلك.
[المحتسب: 1/127]
ويُحسِّن هذه القراءة: أنك إنما تنهى الإنسان عن فعله هو، والتناسي من فعله، فأما النسيان فظاهره أنه من فعل غيره به، فكانه أُنسي فنَسِيَ، قال الله سبحانه: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ}.
وزاد في حسنه شيء آخر؛ وهو أن المأمور هنا جماعة، وتفاعَلَ لائق بالجماعة؛ كتقاطعوا وتواصلوا وتقاربوا وتباعدوا. فأما قوله تعالى: {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} فلاقَ به فعل "نسي"؛ لأن المأمور هنا واحد، ولأن العرف والعادة أن الإنسان لا يكاد يُحض على ما هو حلال له؛ بل الغالب المعتاد أن يُكفَّ عما ليس له تناوله، وعليه وضع التكليف لما يُستحق عن الطاعة فيه من الثواب، قال تعالى: {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ}، وقال: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}، والآي في ذلك كثيرة.
فقوله إذن: {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} أي: لك فيها حظ وحلال فتناوله، فلا بأس بتناول الحلال.
ولو قيل: "ولا تناس نصيبك" لكان فائدته: لا تُظهر سهوك عنه، وتتظاهر بنسيانك إياه، وذلك إذا ترك الحلال وهو في صورة الساهي عنه لم تكن له في النفوس منزلة الذي يتركه وهو عالم بحِلِّه له، وإباحته إياه، هذا هو العادة والعرف فيما يتعاطاه أهل الدنيا بينهم). [المحتسب: 1/128]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإن طلقتموهن من قبل أن تمسّوهنّ}
قرأ حمزة والكسائيّ {من قبل أن تمسّوهنّ} بضم التّاء وبالألف
[حجة القراءات: 137]
وقرأ الباقون {من قبل أن تمسّوهنّ} بفتح التّاء من مسست امرأتي وهو الجماع وحجتهم أن الرجل هو المنفرد بالمسيس ويقوّي هذه القراءة قوله في قصّة مريم {ولم يمسسني بشر} ولم يقل يماسني وجاء في الحديث أيضا إذا طلق الرجل من قبل أن يمس
وحجّة من قرأ (تماسوهن) أن المسيس وإن كان من الرجل فالمرأة مشاركة فيه وكل ماس شيئا فالممسوس ماس له وكذلك الملاقي ويقوّي هذه القراءة قوله {من قبل أن يتماسا} على إسناد الفعل إليهما). [حجة القراءات: 138]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (80- {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [آية/ 236 و237]:-
بالألف وضم التاء، قرأها حمزة والكسائي في الحرفين، وكذلك في الأحزاب. ووجه ذلك أن الفعل مبني على المفاعلة؛ لأنه عبارة عن فعل
[الموضح: 329]
يشملهما حكمه، ويوصف كل واحد منهما بأنه قد مس صاحبه، كما يقال: نكح الرجل المرأة ونكحته، وفي المثل: انكحيني وانظري، ثم إن فاعل أيضًا قد جاء بمعنى فعل نحو: عاقبت اللص وطارقت النعل، فيجوز أن يكون هذا منه.
وقرأ الباقون {تَمَسُّوهُنَّ} بفتح التاء من غير ألف في السورتين.
وهو الاختيار؛ لأنه قد جاء في غير هذا الموضع من القرآن بغير ألف نحو {وَلَمْ يُمْسَسْنِي بَشَرٌ} فجاء على فعل دون فاعل). [الموضح: 330] (م)

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 11:38 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (238) إلى الآية (242) ]

{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242)}


قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)}

قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)}

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وصيّةً لأزواجهم... (240).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو بكر عن عاصم والكسائي ويعقوب: (وصيّةٌ) رفعا.
وقرأ الباقون: (وصيّةً) نصبا.
[معاني القراءات وعللها: 1/208]
قال أبو منصور: من قرأ (وصيّةً) أراد فليوصوا وصيّةً، ومن رفع فالمعنى فعليهم وصيّةٌ لأزواجهم، هكذا قال النحويون، والاختيار الرفع لقراءة أبيٍّ وابن مسعود: (الوصية لأزواجهم متاعًا).
قال أبو منصور: وهذا منسوخ). [معاني القراءات وعللها: 1/209]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في قوله عز وجلّ وصيّةً لأزواجهم [البقرة/ 240] في رفع الهاء ونصبها.
فقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر والكسائي:
وصيّةً لأزواجهم برفع الهاء.
وقرأ أبو عمرو وحمزة وابن عامر وحفص عن عاصم وصيّةً نصباً.
قال أبو علي: حجة من قال: وصيّةً لأزواجهم فرفع، أنه يجوز أن يرتفع من وجهين. أحدهما: أن يجعل الوصية مبتدأ والظرف خبره، وحسن الابتداء بالنكرة، لأنه موضع تحضيض، كما حسن أن يرتفع: سلام عليك، وخير بين
[الحجة للقراء السبعة: 2/341]
يديك، و «أمت في حجر لا فيك» وقوله:
لملتمس المعروف أهل ومرحب لأنها مواضع دعاء؛ فجاز فيها الابتداء بالنكرة لما كان معناها كمعنى المنصوب، والآخر: أن تضمر له خبراً فيكون قوله: لأزواجهم صفة وتقدير الخبر المضمر: فعليهم وصية لأزواجهم. ولو حمل حامل قوله تعالى: فصبرٌ جميلٌ [يوسف/ 18، 83] على هذا لأنه موضع يحضّ نفسه فيه على الصبر، كان وجهاً. ويؤكد قول من رفع أن نحوه قد جاء في التنزيل مرفوعاً، نحو قوله: فصيام ثلاثة أيّامٍ في الحجّ [البقرة/ 196]، فقوله: في الحجّ متعلق بالمصدر، وليس في موضع خبر، وقوله: فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّامٍ، ذلك كفّارة أيمانكم [المائدة/ 89] وقوله فتحرير رقبةٍ [النساء/ 92] فهذا النحو قد جاء مرفوعاً على تقدير إضمار خبر، فكذلك الآية.
[الحجة للقراء السبعة: 2/342]
ومن قرأ: وصيّةً حمله على الفعل ليوصوا وصية، ويكون قوله: لأزواجهم وصفاً كما كان في قول من أضمر الخبر كذلك.
ومن حجتهم: أن الظرف إذا تأخّر عن النكرة كان استعماله صفة أكثر، وإذا كان خبراً تقدّم على المنكّر إذا لم يكن في معنى المنصوب كقوله: ولهم أعمالٌ من دون ذلك [المؤمنون/ 63] ولدينا مزيدٌ [ق/ 35] فإذا تأخرت؛ فالأكثر فيها أن تكون صفات.
والمعنى في قوله: والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً وصيّةً لأزواجهم: والذين يقاربون الوفاة، فينبغي أن يفعلوا هذا، ألا ترى أن المتوفى لا يؤمر ولا ينهى؟!. ومثل ذلك في المعتدّة: فإذا بلغن أجلهنّ فأمسكوهنّ بمعروفٍ، أو فارقوهنّ بمعروفٍ [الطلاق/ 2] المعنى في ذلك: إذا قاربن انقضاء أجلهنّ من العدّة، لأن العدّة إذا انقضت، وقعت الفرقة، ولا خيار بعد وقوع الفرقة). [الحجة للقراء السبعة: 2/343]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({والّذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا وصيّة لأزواجهم}
قرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة وحفص {وصيّة} بالنّصب وقرأ الباقون بالرّفع فمن نصب أراد فليوصوا وصيّة لأزواجهم ومن رفع فالمعنى فعليهم وصيّة لأزواجهم وحجتهم أن في قراءة أبي الوصيّة لأزواجهم قال نحويو البصرة يجوز أن ترتفع من وجهين أحدهما أن تجعل الوصيّة متبدأ والظرف خبرا كما تقول سلام عليكم والآخر أن تضمن له خبرا المعنى فعليهم وصيّة لأزواجهم). [حجة القراءات: 138]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (147- قوله: {وصية} قرأها الحرميان وأبو بكر والكسائي بالرفع، ونصبها الباقون.
148- وحجة من قرأ بالنصب أنه حمله على معنى الأمر بالإيصاء لمن ذكر، وهو منسوخ، فإذا حمل على الأمر، والأمر يحتاج إلى الفعل، فأضمر الفعل فنصب «وصية» والتقدير: فليوصوا وصية، فالنصب يدل على معنى الأمر.
149- وحجة من رفعه أنه حمله على الابتداء، وجعل «لأزواجهم» الخبر، وحسن الابتداء بنكرة، لأنه موضع تخصيص، كما حسن «سلام عليك» رفع بالابتداء، ومثله: خير بين يديك، ويجوز أن ترفع «الوصية» بالابتداء، والخبر محذوف، ويكون «لأزواجهم» صفة للوصية، فيحسن الابتداء بنكرة، إذ هي موصوفة، والنكرات إذا وصفت حسن الابتداء بها، لما فيها من الفائدة، تقديره: فعليهم وصية لأزواجهم، وقد أجمعوا على الرفع في قوله تعالى: {فصبرٌ جميل} «يوسف 18» وعلى قوله: {فصيام ثلاثة أيام} «البقرة 196» وعلى قوله: {فتحرير رقبة} «النساء 92» فكل هذا رفع بالابتداء على تقدير حذف الخبر ويقوي الرفع أيضًا أنها في قراءة أبي «فمتاع لأزواجهم» وفي حرف ابن مسعود «الوصية لأزواجهم» فهذا يقوي الرفع، والرفع هو الاختيار لما ذكرنا ولأن عليه الحرميين وأبا بكر وغيرهم، وهي قراءة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/299]
علي بن أبي طالب وقتادة ومجاهد وأصحاب ابن مسعود والأعرج وغيرهم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/300]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (82- {وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم} [آية/ 240]:-
بالنصب، قرأها أبو عمرو وابن عامر وحمزة ص-.
ووجه ذلك أنه محمول على الفعل، والتقدير: ليوصوا وصية، فهو مصدر قد حذف فعله، وقوله {لأَزْوَاجِهِمْ} صفة لوصية، وموضعها نصب.
وقرأ الباقون {وَصِيَّةٌ} بالرفع، وفيها وجهان:
أحدهما: أن يكون رفعًا بالابتداء، وقوله {لأزْوَاجِهِمْ} خبره، وإنما حسن الابتداء بالنكرة ههنا؛ لأن فيه معنى الأمر، فيكون المعنى كمعنى المنصوب.
والآخر: أن يكون أيضًا رفعًا بالابتداء، لكن الخبر مضمر، والتقدير: فعليهم وصية، وقوله {لأَزْوَاجِهِمْ} صفةٌ على ما تقدم). [الموضح: 331]

قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241)}

قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 30 محرم 1440هـ/10-10-2018م, 09:38 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (246) إلى الآية (248) ]
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)}

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (هل عسيتم... (246).
قرأ نافع وحده: (عسيتم) بكسر السين في الصورتين، وقرأ يعقوب ها هنا: (عسيتم) بفتح السين، وفي سورة القتال: (عسيتم).
وسائر، القراء قرأوا: (عسيتم).
وهي القراءة المختارة، واتفق أهل اللغة على أن كسر السين ليس بجيد، وأنا أحسبها لغة لبعض العرب وإن كرهها الفصحاء). [معاني القراءات وعللها: 1/214]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (34- وقوله تعالى: {قال هل عسيتم إن كتب عليكم}
قرأ نافع وحده: (عسيتم) بكسر السين.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/95]
وقرأ الباقون بفتحها، وهو الاختيار؛ لإجماع الجميع على قوله تعالى: {عسى ربكم أن يرحمكم} ولم يقل: عسى. والعرب تقول: عسى زيد أن يقوم، وأن مع الفعل مصدر ولم يقل عسى القيام؛ لأن المصدر يدل على الماضي والمستقبل، فيقول على لفظ الاستقبال؛ لأن الترجي لا يكون إلا مستقبلا، فأما قول العرب: «عسى الغوير أبؤسًا» فقال سيبويه: عسى هاهنا بمعنى كان. وقال أبو عبيد: الغوير تصغير غار، وأبؤس جمع بأس، وكان قوم في غار فتهدم عليهم، فضربت العرب بذلك مثلاً فقالت: «عسى الغوير» أخفى لنا أبؤسًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/96]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في كسر السين وفتحها من عسيتم [البقرة/ 246].
فقرأ نافع: هل عسيتم بكسر السين في الموضعين، وفتح الباقون السين من عسيتم
[الحجة للقراء السبعة: 2/349]
[قال أبو عليّ]: (عسيت): الأكثر فيه فتح السين وهي المشهورة.
ووجه قول نافع: أنهم قد قالوا: هو عس بذاك، وما أعساه، وأعس به، حكاه ابن الأعرابي، فقولهم: عس. يقوي قراءته: هل عسيتم، ألا ترى أن عس مثل حر وشج؟
وحر وحريّ مثل: مذل ومذيل، وطبّ وطبيب. وقد جاء فعل وفعل في نحو: نقمت ونقمت، وقالوا: وري الزّند، وقالوا:
وريت بك زنادي؛ فاستعملوا فعل في هذا الحرف، فيما قاله أبو عثمان، فكذلك عسيت وعسيت.
فإن أسند الفعل إلى ظاهر، فقياس عسيتم أن تقول: عسي زيد، مثل رضي، فإن قاله فهو قياس قوله، وإن لم يقله فسائغ له أن يأخذ باللغتين فيستعمل إحداهما في موضع، والأخرى في موضع آخر، كما فعل ذلك غيره). [الحجة للقراء السبعة: 2/350]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي عبد الرحن السلمي: [ألم تَرْ إلى الملأ] ساكنة الراء.
قال أبو الفتح: هذا لعمري هو أصل الحرف: رأَى يرأَى كرعَى يرعَى، إلا أن أكثر لغات العرب فيه تخفيف همزته؛ بحذفها وإلقاء حركتها على الراء قبلها على عبرة التخفيف في نحو ذلك، وصار حرف المضارعة كأنه بدل من الهمزة، وهو قولهم: انت ترى وهو يرى ونحن نرى، وكذلك أفعل منه، كقول الله سبحانه: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} وأصله: أَرْآك الله، وحكاها صاحب الكتاب عن أبي الخطاب، ثم إنه قد جامع هذا تحقيق هذه الهمزة وإخراجها على أصلها، وذلك كقول سراقة البارقي:
أُرِي عينيَّ ما لم تَرْأَيَاه ... كلانا عالم بالتُّرَّهَات
[المحتسب: 1/128]
فخفف أري، وحقق ترأياه كقولك: تَرْعَيَاه، ورواه أبو الحسن ترياه على زحاف الوافر، وأصله "ترأياه" على أن مفاعلَتن لحقها العصب بسكون لامها؛ فنقلت إلى مفاعي لن، ورواية أبي الحسن: "بما لم تَـ" مفاعيل؛ فصار الجزء بعد العصب إلى النقص.
وقرأت على أبي علي في نوادر أبي زيد:
ألم تَرءَ ما لاقيت والدهر أعصر ... ومَن يَتَمَلَّ العيش يرء ويسمع
فأخرجه على أصله. وقرأت عليه عنه أيضًا:
هل ترجعَنَّ ليال قد مضَين لنا ... والعيشُ منقلب إذ ذاك أفنانا
إذ نحن في غرة الدنيا وبهجتها ... والدار جامعة أزمان أزمانا
ثم استمر بها شَيْحانُ مبتجِحٌ ... بالبين عنك بما يَرْآك شَنْآنا
وقال آخر، وقرأته على أبي بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى فيما أظن:
ألا تلك جارتنا بالغضا ... تقول أَتَرأَينَه لن يضيعَا
وله نظائر مما خرج من هذا الأصل على أولية حاله). [المحتسب: 1/129]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا} 246
قرأ نافع {هل عسيتم} بكسر السّين وقرأ الباقون بالفتح هما لغتان تقول العرب عسيت أن أفعل وعسيت قال أبو عبيد
[حجة القراءات: 139]
القراءة عندنا هي الفتح لأنّها أعرف اللغتين ولو كان عسيتم لقرئت عسي ربنا وما اختلفوا في هذا الحرف وقد حكي عن أبي عمرو أنه كان يحتج بهذه الحجّة). [حجة القراءات: 140]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (158- قوله: {عسيتم} قرأه نافع بكسر السين وفتحها الباقون، والكسر لغة في «عسى» إذا اتصل بمضمر خاصة، وقد حُكي في اسم الفاعل «عسى» فهذا يدل على كسر السين في الماضي، والفتح في السين هي اللغة الفاشية، وعليها أجمع القراء ونافع معهم، إذا لم يتصل الفعل بمضمر، وأيضًا فإن مساواة الفعل، مع المضمر والمظهر أولى من المخالفة بينهما؛ لأن المضمر عقيب المظهر، فواجب أن يكون مثله، وهو الاختيار لإجماع القراء عليه مع المضمر والمظهر، وإنما خالفهم نافع وحده مع المضمر، وقد قال أبو حاتم: ليس للكسر وجه، وبه قرأ الحسن وطلحة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/303]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (85- {هَلْ عَسَيْتُمْ} [آية/ 246]:-
بكسر السين، قرأها نافع وحده، وكذلك في سورة القتال.
ووجه ذلك أن العرب تقول: هو عسٍ بذاك، مثل شجٍ وحرٍ، فكما أن قولك شجٍ من شجيت، فكذلك عسٍ من عسيت، ثم إن فعلت وفعلت يجيئان لغتين لمعنى واحد مثل: نقمت ونقمت ووري الزند وورى، فكذلك عسيت وعسيت.
وقرأ الباقون {عَسيْتُمْ} بفتح السين.
وهي المختارة؛ لأن اللغة الفصيحة المشهورة وهي {عَسَيْتُ} بالفتح، وعسيت بالكسر لغة رديئة يكرهها الفصحاء، وإن كانت لغة لبعض العرب). [الموضح: 335]

قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (يقبض ويبسط... (245)، و: (وزاده بسطةً).
قرأ ابن كثير كل شيء في القرآن (يقبض ويبسط) و(وزاده بسطةً).
[معاني القراءات وعللها: 1/211]
في البقرة، وفي الأعراف مثله، و(المسيطرون) بالسين، وقرأ (بمصيطرٍ) بالصاد هذه وحده.
وقرأ نافع: (يقبض ويبصط) و(وزادكم في الخلق بصطةً) في الأعراف، و(المصيطرون) و(بمصيطرٍ) بالصاد في هذه الأربعة المواضع، وسائر القرآن بالسين.
وقرأ أبو عمرو وحمزة (المصيطرون) و(بمصيطر) بالصاد فيهما، وأشمهما حمزة الزاي، وسائر القراء بالسين.
وروى حفص عن عاصم (يقبض ويبسط) و(بسطة) في البقرة، و(بسطة).
في الأعراف بالسين.
[معاني القراءات وعللها: 1/212]
وقرأ ابن عامر والحضرمي (يقبض ويبسط)، و(بسطةً) في البقرة بالسين، والباقي بالصاد.
وقرأ الكسائي كل شيء في القرآن بالصاد، إلا قوله: (وزاده بسطةً) في البقرة بالسين، وهذه رواية ابن عمر ونصير.
وقال الفراء عن الكسائي: إنه قرأ كل هذا بالسين.
قال أبو منصور: العرب تجيز السين والصاد في كل حرف فيه طاء.
وأخبرني أبو بكر عن شمر لأبي عبيد أنه قال: إذا كان في الاسم طاء أو خاء أو قاف أو غين ولا يكون في غير هذه الأربعة، مثل: الصراط والزراط والسراط، والبزاق والبصاق، وسنخ الودك وزنغ، ومصدغة ومزدغة ومسدغة). [معاني القراءات وعللها: 1/213] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في السين والصاد من ويبسط [البقرة/ 245] وبسطةً [البقرة/ 247] والمصيطرون [الطور/ 37] وبمصيطرٍ [الغاشية/ 22].
فقرأ ابن كثير يقبض ويبسط، وبسطةً وفي الأعراف:
بسطة [الآية/ 69]، والمسيطرون كل ذلك بالسين.
وبمصيطرٍ بالصاد، وكذلك أخبرني قنبل.
وقرأ نافع: يقبض ويبصط وبصطة في سورة الأعراف والمصيطرون، وبمصيطرٍ أربعة أحرف بالصاد، وسائر القرآن بالسين.
وقال الحلواني عن قالون عن نافع: لا تبالي كيف قرأت: بصطة ويبسط بالصاد أو بالسين. [أبو قرة عن نافع: ويبسط بالسين].
وقال حفص عن عاصم في الأعراف: بسطة ويبسط في البقرة بالسين.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائيّ: يقبض ويبسط وبسطةً وفي الأعراف بسطة بالسين.
وقرءوا: المصيطرون وبمصيطرٍ بالصاد. وأشمّ حمزة الصاد الزاي فيهما.
[الحجة للقراء السبعة: 2/346]
وذكر الفرّاء عن الكسائيّ أنه قرأ ذلك كلّه بالسين بسطةً وبمسيطر والمسيطرون ويبسط.
وقال أصحاب أبي الحارث وأبي عمر الدوري وغيرهما عن الكسائي: بالصاد، إلا بسطةً في البقرة، فإنها بالسين، وكذلك قال نصر بن يوسف عن الكسائي فيما زعم محمد بن إدريس الدنداني عنه.
وقال أصحاب عاصم: بالصاد، وليس في كتابي ذلك عن يحيى عن أبي بكر. ولم يختلفوا في التي في سورة البقرة أنها بالسّين.
[قال أبو علي]: وجه قول من أبدل من السين الصاد في هذه المواضع أن الطّاء حرف مستعل يتصعّد من مخرجها إلى الحنك، ولم يتصعّد السين تصعّدها فكره التصعّد من التسفّل، فأبدل من السين حرفاً من مخرجها في تصعّد الطاء؛ فتلاءم الحرفان وصار كلّ واحد منهما وفق صاحبه في التصعّد، فزال بالإبدال ما كان يكره من التصعد عن التسفّل، ولو كان اجتماع الحرفين على عكس ما ذكرنا، وهو أن يكون التصعّد قبل التسفّل؛ لم يكره، ولم يبدلوا، ألا ترى أنهم قالوا: طمس الطريق وطسم، وقسوت وقست، فلم يكرهوا التسفّل عن تصعّد، كما كرهوا: بسط، حتى قالوا: بصط؛ فأبدلوا.
[الحجة للقراء السبعة: 2/347]
ومثل ذلك قولهم: هذا مارق وحاذق، فلم يميلوا، لأنهم كرهوا أن يتسفّلوا بالإمالة، ثم يتصعّدوا بالحرف المستعلي، كما كرهوا أن يتسفلوا بالسين ثم يتصعّدوا إلى الطاء، ولو قالوا: مررت بطارد وما أنا بطارد المؤمنين [الشعراء/ 114] وهذا صاحب قادر؛ لم يكرهوا الإمالة، لأنه يتسفّل بعد تصعّد، والتسفّل بعد التصعّد أسهل من التصعّد بعد التسفّل، كذلك القول في بسطةً وطسم [الشعراء/ 1].
فأمّا إشمام حمزة الصاد الزاي: فلأنه آثر أن يوفّق بين الحرفين من وجه آخر غير ما ذكرنا، وهو أن السين مهموسة، والطاء مجهورة، فضارع بالسين حرفاً مجهوراً في موضع السين، وهو الزاي، ليوافق الطاء أيضاً في الجهر كما وافقه الصاد في الإطباق، فوفّق بين الحرفين من موضعين، كما فعل ذلك في قوله: الصّراط وقد تقدّم ذكر ذلك حيث ذكرنا الصّراط.
فأمّا من لم يبدل السين في بسطة، وترك السين، فلأنه أصل الكلمتين، ولأنّ ما بين الحرفين من الخلاف يسير.
فاحتمل الخلاف لقلّته، ولأن هذا النحو من الخلاف لقلّته غير معتدّ به، ألا ترى أنّ الحرفين المتقاربين، قد يقعان في رويّ، فيستجيزون ذلك كما يستجيزونه في المثلين، كقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/348]
إذا ركبت فاجعلوني وسطا إني كبير لا أطيق العنّدا فكما جعل الدّال مثل الطاء في جمعهما في حرف الرويّ، ولم يحفل بما بينهما من الخلاف في الإطباق، كذلك لم يحفل بما بين السين والطاء، فلم يقرّبها منها كما فعل الآخرون). [الحجة للقراء السبعة: 2/349] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (155- قوله: {يبسُط} و{وبسَطة} في «الأعراف 69» قرأهما هشام وقنبل وأبو عمرو وحمزة بالسين فيهما، وقرأهما الباقون بالصاد غير أن حفصًا، روي عنه الوجهان: السين والصاد، وكلهم قرأ: {بسطة} في البقرة بالسين، غير أن الكسائي ونافعًا، من رواية ابن المسيبي، روى عنهما الصاد فيه، وبالسين قرأتُ لهما وللجماعة.
156- وحجة من قرأ بالسين أنه الأصل، والدليل على أن السين هي الأصل أنه لابد أن تكون السين هي الأصل أو الصاد هي الأصل، فلو كانت الصاد هي الأصل ما جاز أن ترد إلى السين؛ إذ لا علة توجب ذلك، وإذ لا ينقل الحرف إلى أضعف منه، والصاد أقوى بكثير لإطباقها واستعلائها، فإذا لم يجز أن ترد الصاد إلى السين، وجاز رد السين إلى الصاد، علم أن السين هي الأصل، والصاد داخلة عليها لعلة.
157- وحجة من قرأ بالصاد أن السين حرف مستفل، غير مطبق، فلما وقعت بعده الطاء، وهي مطبقة مستعلية، صعب أن يخرج اللافظ من تسفل إلى تصعد، وذلك صعب، ولو كان فيه خروج من تصعد إلى تسفل لحسن، ولم يصعب، نحو: «طسم، وقسوة» فهذا لا تبدل السين فيه صادًا، كما تبدل، إذا كانت الطاء بعدها، والقاف بعد صاد، وهذا في الحكم بمنزلة الذين أمالوا الحروف ليقربوها لكسرة أو لياء، ومن قرأ بالسين فهو بمنزلة الذين لم يميلوا، وتركوا الحروف على حالها مفتوحة، فقربت السين من الطاء، فأبدل منها حرف يؤاخي السين في المخرج والصغير، ويؤاخي الطاء في الإطباق والاستعلاء،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/302]
وهو الصاد، فكأن السين التي هي الأصل لم تزل، إذ قد خلفها حرف من مخرجها، ومن صنفها في الصفير، فعمل اللسان بذلك عملًا واحدًا، متصعدًا، منطبقًا بالحرفين معًا، والصاد هو الاختيار، للمطابقة في اللفظ والمجانسة بين الحرفين، ولأن عليه خط المصحف ولأن عليه أكثر القراء وقال أبو حاتم: هما لغتان، فكيف قرأت فأنت مصيب، واختار في ذلك أن يتبع خط المصحف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/303] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (84- {وَالله يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} [آية/ 245]، {وَزَادَهُ بَسْطَةً} [آية/ 247]:-
بالسين، وكذلك في الأعراف، قرأها ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ياش- بالسين، ومصيطر والمصيطر بالصاد، وحمزة بإشمام الزاي في الجميع، وقرأ نافع وابن عامر والكسائي ويعقوب ح- بالصاد في الأحرف الأربعة إلا في سورة البقرة {بَسْطَة} فإنهم قرءوها بالسين، و- يس- عن يعقوب بالسين في {يَبْسُط} أيضًا في البقرة.
أما من قرأ جميع ذلك بالسين؛ فلأنه أصل الكلمة، ولأن الخلاف بين الحرفين أعني السين والطاء يسير، وإن كان في السين تسفل وفي الطاء استعلاء، فاحتملوا هذا الخلاف لقلته؛ لأنها بمنزلة ما لا يعتد به.
وأما من قرأ بالصاد فلكراهة التصعد بالطاء بعد التسفل بالسين، فأبدلوا من السين حرفًا هو يتجانس للطاء في التصعد وهو الصاد، ليتوافق الحرفان، ولو كانت السين بعد الحرف المستعلي لم يكره نحو: قسوت وقست وطمس
[الموضح: 334]
الطريق وطسم؛ لأنهم لم يكرهوا التسفل بعد التصعد، وإنما كرهوا التصعد بعد التسفل.
وأما إشمام حمزة؛ فإنه أراد أن يوافق بين الحرفين من وجهٍ آخر، وهو من جهة الهمس والجهر؛ لأن السين مهموسة، والطاء مجهورة، فتخالفا، فأراد الموافقة بينهما، فضارع بالسين حرفًا مجهورًا وهو الزاي ليتوافقا). [الموضح: 335] (م)

قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قال أبو بكر بن مجاهد: {التابوت} بالتاء قراءة الناس جميعًا، ولغة للأنصار "التابوه" بالهاء.
قال أبو الفتح: أما ظاهر الأمر، فأن يكون هذان الحرفان من أصلين؛ أحدهما: تَ بَ ت، والآخر: ت ب هـ، ثم من بعد هذا فالقول أن الهاء في "التابوه" بدل من التاء في "التابوت"، وجاز ذلك لما أذكره: وهو أن كل واحد من التاء والهاء حرف مهموس، ومن حروف الزيادة في غير هذا الموضع، وأيضًا فقد أبدلوا الهاء من التاء التي للتأنيث في الوقف، فقالوا: حمزهْ،
[المحتسب: 1/129]
وطلحهْ، وقائمهْ، وجالسهْ، وذلك منقاد مطرد في هذه التاء عند الوقف، ويؤكد هذا أن عامة عُقيل فيما لا نزال نتلقاه من أفواهها تقول في الفرات: الفراه، بالهاء في الوصل والوقف.
وزاد في الأُنس بذلك أنك ترى التاء في الفرات تشبه في اللفظ تاء فتاة وحصاة وقطاة، فلما وقف وقد أشبه الآخِر الآخر أبدل التاء هاء، ثم جرى على ذلك في الوصل؛ لأنه لم يكن البدل عن استحكام العلة علة، فيُراعى حال الوقف من حال الوصل ويفصل بينهما، فأشبه ذلك قولهم في صِبيان وصِبية: صُبينا وصُبية؛ وذلك أن الأصل صِبوان وصِبوة، ثم قلب الواو ياء استخفافًا للكسرة قبلها، ولم يعتد بالساكن بينهما حاجزًا لضعفه، ثم لما ضموا وزال الكسر أقروا الياء بحالها؛ جنوحًا إليها لخفتها، ولعلمهم أيضًا أن البدل من الواو لم يكن عن استحكام علة فيعادوا الأصل لزوالها، فلما تصوروا ضعف سبب القلب قنَّعوا أنفسهم بالعدول إلى جهة الياء، فقالوا: صُبيان وصُبية، حتى كأن قائلا قال لهم: هلا لما زالت الكسرة راجعتم الواو، فقالوا: أَوَكَان القلب إنما كان عن وجوب أحدثته الكسرة حتى إذا فارقناها عاودنا الواو؟ إنما كان استحسانًا، وكذلك فليكن مع الضمة أيضًا استحسانًا). [المحتسب: 1/130]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:17 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة