الوقوف على الياءات
الوقوف على الياءات المحذوفة لفظاً ورسماً لالتقاء الساكنين
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): ( القول في الياء
الياء التي سقطت في اللفظ لملاقاة الساكن على قسمين:
قسم لم ترسم فيه وسقطت في الخط حملا على اللفظ، وقسم رسمت فيه على الأصل.
فالذي حذفت فيه في الخط سبعة عشر موضعا:
{وسوف يؤت الله} في النساء، {واخشون اليوم} في المائدة، و{ننج المؤمنين} في يونس، وفي الأنعام {يقض الحق} و{بالواد المقدس} في طه، {وإن الله لهاد الذين آمنوا} في الحج، و{على واد النمل} و{الواد الأيمن} في القصص، و{بهاد العمي} في الروم و{إن يردن الرحمن} في يس، و{صال الجحيم} في الصافات، و{فبشر عباد * الذين} في الزمر، و{يناد المناد} في ق، و{فما تغن النذر} في القمر، و{الجوار المنشآت} في الرحمن، و{بالواد المقدس} في النازعات، و{الجوار الكنس}.
والوقف على جميع ذلك بالحذف اتباعا لخط المصحف، إلا أن الكسائي وقف على {وادي النمل} بالياء، وكذلك {بهادي العمي} في الروم، ووقف السوسي عن اليزيدي عن أبي عمرو على قوله عز وجل: {فبشر عبادي} بالياء، وفتحها في حال الوصل، ووقف ابن كثير على {ينادي} في "ق" بالياء في أحد وجهيه.
قال العماني: وزعم ابن الأنباري أن الكسائي يقف على هذه الكلمة يعني {بهادي العمي} في السورتين بالياء، لأن الياء لم يقارنها ساكن يوجب لها السقوط. قال العماني: وهذه علة خرجت من غير نظر وتأمل، لأن الساكن قد قارنها في اللفظ وصلا، ولأجله حذفت في الخط فثبتت الكتابة على اللفظ في حال الوصل، ولولا ذلك لم يجز حذفها في الخط. ألا ترى أنك لو قلت في الكلام: وما أنت بهادي زيد، لم يجز حذف الياء منه في الخط كما لم يجز حذفها في اللفظ لعدم الساكن بعدها، فقد علمت أن حذف الياء من أحد الموضعين في القرآن خطا إن صح، إنما هو بناء على اللفظ لأنها تسقط في اللفظ، وسقوطها في اللفظ لمقارنتها الساكن بعدها بدليل أنها لا تسقط إذا عدم الساكن بعدها في الموضع الذي أريتك، والعلة التي ذكرها فاسدة إن عنى بها أنه لم يقارنها ساكن في الوصل، وإن عنى بذلك حال الوقف، وزعم أن الساكن يفارقه في الوقف، فلمفارقته إياها رد الياء كان في ذلك مناقضا لأصله وأصول أهل الكوفة، لأنهم يتبعون خط المصحف ويحذفون الياءات المحذوفة فيه سواء حذفت لاستغنائهم بالكسرة عنها أو لالتقاء الساكنين لفظا في حال الوصل، فما حذف منها لمقارنة الساكن هو نحو قوله: {يقص الحق}، {واخشون اليوم} وما حذف لاستغنائهم عنها بالكسرة نحو {المهتد} في بني إسرائيل والكهف، {ومن اتبعن} في آل عمران، وفي القرآن من الضربين كثير، والكسائي وأصحابه يقفون على سائرها بالحذف اتباعا للمصحف، فما باله خص قوله: {بهاد العمي} بالياء في حال الوقف خلافا لأصولهم، وهلا وقف على {يقض الحق}: {يقضي} وعلى {واخشون اليوم}: {واخشوني}، على أني لا أعرف أن الكسائي يقف على هذا الحرف بالياء، ولا نأخذ به إلا بالحذف في الحالين، فإن صح ذلك عنه كما ذكره، فلا بد من علة يلتجأ إليها سوى هذه العلة، لأني قد أريتك فسادها.
ووجهه عندي – والله أعلم- أنه لما وجدها ثابتة في بعض المصاحف ومحذوفة في بعض احتاط لها بالإثبات خوفا من أن تكون ثابتة في المصحف، فيكون حاذفا لما ثبت خطه ولا يجوز ذلك بإجماع، قال: وهذا كلام في الحرف الذي حذفت الياء منه لأن عندهم ما حذف في الخط حذف في اللفظ، فإن كان قد أثبته فقد خالف أصله وأصول أصحابه، وخلاف الأصل لا بد أن يكون لعلة ما وهي ما قلت، ولا كلام في الحرف الذي ثبتت الياء فيه خطا أن وقفه بالياء، لأن حذف ما ثبت خطه لا يجوز بحال، فلا وجه لتخصيص الكسائي بالذكر أنه أثبته، لأن الجماعة على ذلك.
قال: فأما من قرأ: {تهدي العمي} بالتاء ونصب {العمي}، فإن وقف عليه لانقطاع نفس، أو عطاس، وجب إثبات الياء. قال: ولا يجوز عندي حذف الياء على هذه القراءة. قال: وزعم ابن الأنباري أن حذف الياء منها جائز في حال الوقف على هذه القراءة، واحتج بقوله: {ما كنا نبغ} وأن العرب قد تكتفي بالكسرة عن الياء، وليس الأمر كما ذكر، لأن القراءة سنة متبعة، والياء إن وجدت محذوفة من الخط فهو لاكتفائهم بالكسرة عنها، وحذفها في اللفظ متابعة للخط، فإذا ثبتت خطا لم يجز حذفها في اللفظ قياسا على المحذوفات وعلى ما توجبه العربية لخلافه المصحف، واتباع الأثر والإمام لازم، ومن قرأ {تهدي العمي} فلثباتها عنده في الخط قرأ كذلك، ولا يؤخذ بقياس العربية إذا أدى إلى مخالفة المصحف، والله أعلم.
وقوله: زعم ابن الأنباري أن الكسائي وقف على {بهادي العمي} بالياء في السورتين – فهو زعم صحيح، وقد رويت عن شيخنا أبي القاسم الشاطبي رحمه الله عن أبي الحسن بن هذيل، عن أبي داود، عن أبي عمرو، حدثنا محمد بن أحمد، ثنا ابن مجاهد قال: حدثني محمد بن يحيى الكسائي، ثنا خلف عن الكسائي أنه كان يقف على {بهاد العمي} في النمل والروم بالياء. قال أبو عمرو: وكذلك روى سورة بن المبارك عنه. قال أبو عمرو: وحدثنا عبد العزيز بن جعفر، ثنا عبد الواحد بن عمر، ثنا عياش بن عمر، ثنا أبو عمر الدوري عن الكسائي أنه وقف عليهما بغير ياء، قال أبو عمرو: وكذلك روى الحلواني عن أبي عمر عنه. قال أبو عمرو: وبالرواية الأولى قرأت، وبها آخذ.
قلت: والحرف الذي في النمل ليس كالذي في الروم، لأن الذي في النمل ثابت خطا، والذي في الروم محذوف، وقد روى قتيبة عن الكسائي أنه وقف على الذي في النمل بالياء، قال قتيبة: وقال الكسائي: ما كان بالياء وقفت عليه بالياء، وما لم تكن الياء فيه ثابتة وقفت بغير ياء. قال: والوقف على {فما تغن النذر} {وإن يردن الرحمن} على النون، وعلى {ننج المؤمنين} على الجيم، و{صال الجحيم} في "والصافات" بالياء.
وقال: لم أسمع أحدا من العرب يتكلم بهذا المضاف إلا بالياء.
قال أبو عمرو: وأهل الأداء عنه على حذف الياء في ذلك.
وأما التعليل بأن الياء لم يقارنها ساكن يوجب لها السقوط فهو تعليل صحيح، لأن لقاءها الساكن عارض، فليس سقوطها لأجله كسقوطها لو اجتمع معها في الكلمة ساكن يلازمها ولا يفارقها، فذلك سقوط لا يمكن سواه، وأما سقوطها لساكن في كلمة أخرى فليس بالسقوط اللازم، فإذا فارقته عادت، هذا معنى قوله، وبه يبطل ما قال العماني كله، وهذا تعليل لجواز رد الياء ولا كلام فيه.
وأما قول العماني: وإن عنى بذلك حال الوقف، فهل يتصور غير ذلك.
وأما قوله: إن فيه مناقضة لأصله وأصول أهل الكوفة لأنهم يتبعون خط المصحف، فقد خرج عن الأصل لأمر يوجب الخروج عنه.
وأما قوله: فما باله خص {بهادي العمي} بالياء في حال الوقف خلافا لأصولهم، وهلا وقف على {يقضي الحق} {يقضي} فأقول: إنه لم يخص ذلك، فقد وقف على {وادي النمل} بالياء.
قال أبو عمرو: حدثنا فارس بن أحمد، ثنا عبد الباقي بن الحسن، ثنا إبراهيم، ثنا أحمد بن محمد، ثنا خلف، قال: سمعت الكسائي يكره الوقف على {وادي النمل} لأنه مضاف، يعني لا يبتدأ بما بعده.
قال: فإن وقفت وقفت عليه بالياء، وقال: هو اسم لا يتم إلا بالياء.
قال أبو عمرو: وحدثنا محمد بن أحمد بن علي قال: ثنا أحمد بن موسى ومحمد بن القاسم عن أصحابهما عن خلف عن الكسائي أنه كان يقف على الياء في {وادي النمل}. قال أبو عمرو: وكذلك روى سورة بن المبارك عنه قال: لأنه مضاف، قال: والوقف على {بالواد المقدس} على الدال لأنه ليس بمضاف.
وأما قوله: ووجهه عندي أنه لما وجدها ثابتة في بعض المصاحف ومحذوفة في بعض احتاط لها بالإثبات خوفا من أن تكون ثابتة في المصحف فيكون خلافا لما ثبت خطه – فلا يجوز ذلك بإجماع، فهو وجه لا وجه له، لأن هذه الياء قد ثبت حذفها في خط المصحف بإجماع، فكيف يحتاط للإثبات وقد علم الحذف). [جمال القراء : 2/622-626]
الوقوف على الياءات المثبتة رسماً والمحذوفة لفظاً لالتقاء الساكنين
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وأما القسم الثاني الذي سقطت الياء منه في اللفظ للقاء الساكن لا لغيره، وثبتت في الخط على الأصل، والوقف عليها اتباعا للرسم، وذلك قوله عز وجل: {ولا تسقي الحرث} و{يحيي الموتى} و{يحيي الله الموتى} و{يؤتي الحكمة} و{فسوف يأتي الله} {وما تغني الآيات} و{أني أوفي الكيل} و{يشوي الوجوه}، {ثم ننجي الذين اتقوا}، {وكذلك ننجي المؤمنين} و{إلا آتي الرحمن عبدا} و{أنا نأتي الأرض} و{بهادي العمي} في النمل، و{لا نبتغي الجاهلين} و{بما كسبت أيدي الناس} و{وهو يهدي السبيل}، {وينجي الله الذين اتقوا} و{هل يستوي الذين يعلمون} و{يلقي الروح من أمره}، {ولا تستوي الحسنة}، {تأتي السماء بدخان}، {وأيدي المؤمنين}
وشبهه في جميع القرآن نحو: {يستوي البحران}، {تستوي الظلمات} {يستوي الأعمى والبصير}، و{إنا نحن نحيي الموتى} وكل ما كان من هذا النحو.
ومما يوقف عليه بالياء: {حاضري المسجد} و{محلي الصيد} و{معجزي الله} و{المقيمي الصلاة} و{مهلكي القرى} و{ادخلي الصرح} الوقف على جميع ذلك بالياء لأنها مرسومة في المصحف.
ومما ثبتت فيه الياء خطا وهي ثابتة في الوقف قوله عز وجل: {يا عبادي الذين آمنوا} في العنكبوت، و{يا عبادي الذين أسرفوا} في الزمر، و{يا عبادي لا خوف عليكم اليوم} في الزخرف، الياء ثابتة في المصحف في المواضع الثلاثة.
وعن أبي عمرو بن العلاء رحمه الله أنه كان يثبت هذه التي في الزخرف في الحالين ويقول: وجدتها ثابتة في مصاحف أهل المدينة، وأهل الكوفة يحذفونها في الحالين، إلا أبا بكر عن عاصم فإنه فتحها في الوصل وأثبتها في الوقف، ولم تثبت الياء في النداء إلا في هذه المواضع المذكورة، وهي فيما سواها محذوفة، والوقف عليها بالحذف.
وكذلك على المنادي المضاف إلى الياء جميعه نحو {يا قوم ادخلوا} و{رب ارجعون} و{رب احكم} وليس حذفها في هذا من أجل لقاء الساكن إنما هو من أجل النداء، لأن ياء الإضافة عاقبت التنوين، ولما كان التنوين محذوفا في النداء كذلك حذفت الياء، والدليل على ذلك حذفها وإن لم تلق ساكنا نحو: {يا قوم ما لي} و{رب لترضى} و{رب إما تريني}، {ولم أكن بدعائك رب شقيا}، {واجعله رب رضيا}، و{يا عباد فاتقون} يوقف على جميع ذلك بغير ياء اتباعا للخط إجماعا، و{عبادي} كلها ثابتة الياء في الخط إذا كانت في غير النداء، نحو {عبادي الصالحون} و{لعبادي الذين آمنوا}، و{من عبادي الشكور}.
فأما قوله عز وجل: {فبشر عباد الذين} فأكثر القراء على أنها محذوفة في الخط، فعلى هذا يوقف بحذفها إلا ما رواه السوسي عن اليزيدي عن أبي عمرو رحمه الله من فتحها في الوصل، فإن ذلك يوجب إثباتها في الوقف، لأنها لا تفتح في الوصل إلا وهي ثابتة في الخط، وليس هذا كإثبات يعقوب لها في الوقف، فإنه أثبتها في الوقف، وإن كانت محذوفة في الخط، قال: لأن إثباتها هو الأصل).
[جمال القراء : 2/626-629]
الياءات المتفق على إثباتها وصلاً ووقفاً
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (ولا خلاف بين القراء في إثبات الياء وصلا ووقفا في ثلاثين موضعا:
في البقرة {واخشوني ولأتم} وفيها: {فإن الله يأتي}، و{فاتبعوني يحببكم الله} في آل عمران، وفي الأنعام: {لئن لم يهدني ربي} و{يوم يأتي بعض}، و{هداني ربي}، وفي الأعراف: {يأتي تأويله} و{فهو المهتدي} وفي هود {فكيدوني جميعا} وفي يوسف: {ما نبغي}، {ومن اتبعني} وفي إبراهيم: {فمن تبعني فإنه مني}، وفي الحجر: {من المثاني}، وفي النحل {تأتي كل نفس تجادل} وفي سبحانه: {لعبادي يقولوا التي هي أحسن} وفي الكهف: {فإن اتبعتني} وفيها: {فلا تسألني}، وفي مريم: {فاتبعني أهدك} وفي طه: {فاتبعوني وأطيعوا أمري}، وفي النور: {والزاني}، و{يعبدونني لا يشركون}، وفي القصص: {يهديني سواء السبيل}، وفي يس: {وأن اعبدوني} وفي "ص": {أولي الأيدي والأبصار} وفي الزمر: {أفمن يتقي} و{لو أن الله هداني} وفي الرحمن: {فيؤخذ بالنواصي} وفي الصف: {لم تؤذونني} و{برسول يأتي} وفي المنافقين: {لولا أخرتني إلى} الياء في جميع هذا ثابتة في الخط والقراءة وصلا ووقفا.
وقد كنت نظمت هذه الياءات في "فتح الوصيد" وذكرتها هاهنا لمن وقف على هذا الكتاب دون ذلك). [جمال القراء : 2/631]