العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 صفر 1440هـ/26-10-2018م, 04:55 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة النمل

[ من الآية (36) إلى الآية (40) ]
{فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)}


قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أتمدّونني بمالٍ (36)
قرأ ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرو (أتمدّونني) بنونين، وإثبات الياء في الوصل.
وقرأ ابن عامر وعاصم والكسائي (أتمدّونن) بغير ياء في وقف ولا وصل.
[معاني القراءات وعللها: 2/240]
وقرأ حمزة أتمدّونّ) بنون واحدة مشددة، وبياء في الوصل والوقف، وروى خارجة عن نافع (أتمدّونّي) بنون واحدة مشددة، وياء في الوصل، فإن وقف واقف وقف بغير ياء.
قال أبو منصور: من قرأ (أتمدّونّي) بنون واحدة مشددة فإنه أراد: أتمدونني، وأدغم إحدى النونين في الأخرى وشددها.
ومن قرأ النونين فلأنه وجد النونين متحركتين فاختار الإظهار.
وأمّا من أظهر الياء فلأنها ياء الإضافة.
ومن كسر النون الأخيرة بلا ياء جعل الكسرة دالة على الياء فاكتفى بها عن إظهارها). [معاني القراءات وعللها: 2/241]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فما آتاني اللّه خيرٌ (36)
قرأ نافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم، ويعقوب (فما آتاني اللّه) بياء مفتوحة ووقفوا بياء.
وقرأ الباقون (آتان اللّه) بحذف الياء في الوصل والوقف.
وأمال الكسائي وحده التاء (آتاني)، وفتحها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 2/241]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (12- وقوله تعالى: {أتمدونن بمال} [36].
قرأ حمزة: {أتمدوني} بنون مشددة. وأثبت الياء وصل أو وقف والأصل: اتمدونني، النون الأولى علامة الرفع، والثانية مع الياء اسم المتكلم. ومعنى {أتمدونن} تقول العرب في الخير امددته وفي الشر مددته. قال الله تعالى: {ونمدهم في طغيانهم يعمهون}.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/150]
وقرأ أبو عمرو والكسائي ونافع وابن كثير وابن عامر رواية هشام وأما هشام وابن كثير فأثبتاها في الحالين {أتمدونن} أظهروا ولم يدغموا غير أنهم يحذفون الياء من الوقف، لأنها ليست ثابتة في المصحف.
وقرأ الباقون: {أتمدونن} بنونين أيضًا، غير أنهم اجتزأوا بالكسرة عن الياء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/151]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (13- وقوله تعالى: {فما ءاتاني الله خير} [36].
قرأ نافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم: {ءاتاني} بفتح الياء.
وقرأ الباقون: {ءاتان الله} بغير ياء إتباعًا للمصحف.
والباقون أثبتوا وفتحوا لئلا تسقط لالتقاء الساكنين أعني: الياء واللام من اسم الله تعالى.
وكان الكسائي وحده يميل {ءاتاني الله} من أجل الياء {ءاتيك} [39، 40] والأصل فيه: أئتيك به فكرهوا الجمع بين همزتين. فلينوا الثانية. و«ما» بمعنى الذي وهو ابتداء و«ءاتني»صلة «ما»، وخير: خبر الابتداء، والتقدير: والذي آتاني الله خير). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/151]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله جلّ وعز: (أتمدونني بمال) [النمل/ 36].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (أتمدّونني) بنونين وياء في الوصل. حدثنا ابن واصل قال: حدثنا ابن سعدان عن المسيبى عن
[الحجة للقراء السبعة: 5/387]
نافع: (أتمدّوني) خفيفة النون وهي بنون واحدة وياء في الوصل والوقف.
وقرأ ابن عامر وعاصم والكسائي: أتمدونن بغير ياء في الوصل والوقف. وقرأ حمزة: (أتمدّونّي بمال) بنون واحدة مشددة ووقف على الياء.
قال أبو علي [في: أتمدونني بمال]: أبو زيد: أمددت الرجل بالمال والرجال إمدادا.
قال [أبو علي]: وفي التنزيل: أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين [المؤمنون/ 55]، وفي غير المال والبنين، مدّ على فعل، قال: ويمدهم في طغيانهم يعمهون [البقرة/ 15] ويمدونهم في الغي [الأعراف/ 202]، وقال: ونمد له من العذاب مدا [مريم/ 79] فأمّا قوله: (أتمدّونّي) هو: (أتمدّونني). فأدغم الأولى في الثانية، ومن لم يحذف الياء في الوصل، فلأنّه ليس بفاصلة ولا يشبه الفاصلة، لأنّه ليس بكلام تام، فالنون الأولى علامة الرفع، والثانية التي تصحب ضمير المتكلم المنصوب.
[الحجة للقراء السبعة: 5/388]
وقرأ نافع: (أتمدّوني) خفيفة النون.
[قال أبو علي]:: التشديد حسن، ووجه التخفيف أنّه يحذف الثانية، ولا يحذف الأولى لأنّ حذف الأولى لحن، والثانية قد حذفت في مواضع من الكلام والشعر، نحو: قدي وإني، ومن بيّن فقال: (أيمدّونني) فجمع بين المثلين ولم يدغم، فلأنّ الثانية ليست بلازمة، ألا ترى أنّها تجري في الكلام ولا يلزق بها الثانية نحو: أتمدّون زيدا، وفي التنزيل: ولو شاء الله ما اقتتلوا [البقرة/ 253] ). [الحجة للقراء السبعة: 5/389]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله جلّ وعزّ: فما آتاني الله [النمل/ 36] في فتح الياء، وإثباتها وجزمها.
فقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي:
(فما أتان الله) بكسر النون من غير ياء.
وقرأ أبو عمرو ونافع وعاصم في رواية حفص: فما آتاني الله
[الحجة للقراء السبعة: 5/389]
بفتح الياء. وكلّهم فتح التاء غير الكسائي، فإنّه أمالها من: (آتاني) ). [الحجة للقراء السبعة: 5/390]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فلمّا جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتاني الله خير ممّا آتاكم} 36
قرأ حمزة (أتمدوني بمال) 2 بنون واحدة مشدّدة والياء مثبتة في الوصل والوقف والأصل أتمدونني النّون الأولى علامة الرّفع والثّانية نصب ضمير المتكلّم المنصوب فأدغم النّون في النّون ولم يحذف الياء لأنّه ليس بفاصل
[حجة القراءات: 528]
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو أتمدونن بنونين أظهروا ولم يدغموا غير أنهم حذفوا الياء في الوقف لأنّها ليست ثابتة في المصحف وأثبت ابن كثير في الوقف
وقرأ ابن عامر وعاصم والكسائيّ بحذف الياء في الوصل والوقف اجتزؤوا بالكسر عن الياء
قرأ نافع وأبو عمرو وحفص {فما آتاني الله} بفتح الياء وقرأ الباقون بكسر النّون من غير ياء
من قرأ بسكون الياء إذا أدرج يحذفها لالتقاء الساكنين الياء ولام التّعريف وحذفلوا في الوقف إتباعا للمصحف ومن فتحها فعلى أصل ما يجب لهذه الياء من الفتحة وثبتت ولم تحذف لأنّها لا تلتقي ساكنة مع ساكن فيلزم حذفها
وقرأ الكسائي بالإمالة لأن هذه الياء ثابتة في تصرف هذا الفعل وما بمعنى الّذي وهو ابتداء و{آتاني} صلة {ما} و{خير} خبره والتّقدير فالّذي آتاني الله خير). [حجة القراءات: 529]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (16- قوله: {أتمدونن} قرأ حمزة بنون مشددة، على الإدغام، لاجتماع المثلين فيمد الواو لالتقاء الساكنين، وقرأ الباقون بنونين ظاهرتين على الأصل، الأولى علم الرفع في الفعل، والثانية هي التي تدخل مع الياء في ضمير المتكلم المنصوب، لتقي الفعل عن أن تتصل به الياء فتكسره، فتقول: ضربني ويضربني، فتبقى لام الفعل على حالها قبل اتصال الضمير بها، ولولا النون لانكسرت لام الفعل لملاصقة الياء لها، وهو الاختيار، لأنه الأصل، وعليه الأكثر، ووقف ابن كثير وحمزة بالياء كما يصلان، لأنه الأصل، ووصله نافع وأبو عمرو بالياء، ووقفا بغير ياء اتباعًا للخط في الوقف حملًا على الأصل في الوصل، وحذف الباقون الياء في الوصل والوقف اتباعًا للخط ليوافق الأصل الوقف في حذف الياء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/160]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {أَتُمِدُّونِّي} [آية/ 36] بنون واحدة مشددة، وبإثبات الياء في الوصل والوقف جميعًا:
قرأها حمزة ويعقوب.
والوجه أن الأصل: تمدونني بنونين، فأدغم النون الأولى في الثانية إرادة للتخفيف.
وقرأ الباقون {أَتُمِدُّونَنِي} بنونين مخففتين.
وأما الياء فقد أثبتها في الوصل والوقف جميعًا ابن كثير، وأثبتها نافع وأبو عمرو في الوصل فقط، وحذفها ابن عامر وعاصم والكسائي في الحالين.
والوجه في إظهار النونين أنه هو الأصل، فإن النون الأولى هي علامة الرفع في فعل جمع المذكر، والثانية هي التي تلحق بياء ضمير المتكلم المنصوب، واحتملوا اجتماع النونين؛ لأن الثانية غير لازمة.
فأما إثبات الياء في الحالين فهو الأصل، وأما إثباتها في الوصل؛ فلأنها لم
[الموضح: 958]
تقع فاصلة، ولم تشبه أيضًا الفاصلة، إذ الكلام به غير تام، وإنما يكون حذف الياء في الفواصل.
وأما حذفها فعلى التشبيه بالفاصلة. وأما تخصيص حذفها بالوقف؛ فلأن الوقف موضع حذف وتغيير.
وروى المسيبي عن نافع {أَتُمِدّونِي} بنون واحدة خفيفة، وبإثبات الياء.
والوجه في النون الواحدة أن الثانية من النونين حذفت لاجتماعهما، كما قال الشاعر:
113- تراه كالثغام يُعل مسكًا = يسوء الفاليات إذا فليني
[الموضح: 959]
أراد: فلينني، فحذف النون الثانية، وإنما حذف الثانية؛ لأنها هي الزائدة وهي التي تحذف كثيرًا، والأولى ضمير الفاعل). [الموضح: 960]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {فَمَا آَتَانِيَ الله} [آية/ 36] بفتح الياء:
قرأها نافع وأبو عمرو و-ص- عن عاصم و-يس- عن يعقوب.
والوجه في فتح هذه الياء قد تقدم في غير موضع، فإنه هو الأصل، وحسنه ههنا أن الياء إذا كانت مفتوحة فإنها لا تسقط لالتقاء الساكنين في حال الإدراج بل تثبت إذ لا يلتقي ساكنان.
وقرأ الباقون و-ح- عن يعقوب {فَمَا آَتَانِ الله} بغير ياء.
والوجه أن الأصل: آتاني بإثبات الياء، فأسكنوها وإن كان أصلها الفتح طلبًا للتخفيف، إذ الساكن أخف من المتحرك، ثم اجتمعت الياء الساكنة مع اللام الساكنة من {الله} فحذفت الياء لالتقاء الساكنين فبقي {آَتَانِ الله}.
ويعقوب يقف عليها بالياء.
والوجه أنه يذهب إلى فتح الياء في حال الدرج، فإذا وقف أسكن الياء؛ لأن الوقف لا يكون على المتحرك.
وأمال الكسائي الألف التي بعد التاء من {آَتَانِي}.
[الموضح: 960]
والوجه أنه فعل، والفعل أقعد في باب الاعتلال من الاسم، ثم إن أصله من الياء فحسنت فيه الإمالة). [الموضح: 961]

قوله تعالى: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {لَا قِبَل لَّهُمْ} [آية/ 37] بإدغام اللام في اللام:
قرأها يعقوب يس-، مثل أبي عمرو إذا أدغم.
والوجه أنه جعل الحرفين المثلين وإن كانا من كلمتين بمنزلتهما لو كانا من كلمة واحدة، كما حكى سيبويه من قولهم يداؤد، والمعنى يد داود.
وقرأ الباقون و-ح- عن يعقوب بالإظهار.
والوجه أنه هو الأصل، وزاد حُسن الإظهار أن المثلين ليسا من كلمة واحدة). [الموضح: 961]

قوله تعالى: {قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38)}

قوله تعالى: {قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)}
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وأمال حمزة أنا آتيك به [النمل/ 39، 40]. أشمّ الهمزة شيئا من الكسر، ولم يملها غيره.
قال أبو علي: من قرأ: فما آتاني الله بسكون الياء لزمه إذا أدرج أن يحذفها لالتقاء الساكنين: الياء ولام المعرفة، ومن فتحها على أصل ما يجب لهذه الياء من الفتحة [ثبتت له] ولم يحذف، لأنّه لم يلتق ساكن مع ساكن فيلزم حذفها.
فأمّا إمالة الكسائي الألف من آتاني فحسن، لأنّ هذه الياء ثابتة في تصرف هذا الفعل، فبحسب لزومها تحسن الإمالة.
وأمّا إمالة حمزة أنا آتيك فإنّما هي من أجل لزوم الكسرة في: (آتي)، فإذا لزمت الكسرة جازت الإمالة، فأمال الفتحة التي على همزة المضارعة، لتميل الألف التي في آتى نحو الياء، وإمالة الكسائي فتحة التاء من (آتاني) أحسن من إمالة حمزة، لأنّ (آتى) مثال ماض، والهمزة في (آتيك) همزة المضارعة، فإمالتها لا تحسن، ألا ترى أنّه لو كانت الياء التي للمضارعة في الفعل، لم تجز الإمالة، وإذا لم تجز الإمالة في حرف من حروف المضارعة، كان ما بقي من الحروف على حكمه، ألا ترى أنّهم قالوا: يعد، فأتبعوا سائر
[الحجة للقراء السبعة: 5/390]
الحروف الياء، وكذلك أكرم ولم يميلوا الفتحة في (أيحسب) كما أمالوها في قولهم في عمر، ولأنّ الياء لو كانت من مكان التاء، لم تحسن إمالتها، فكذلك لا تحسن إمالة الهمزة من قوله: أنا آتيك به [النمل/ 39/ 40] ). [الحجة للقراء السبعة: 5/391] (م)
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي رجاء وعيسى الثقفي: [عِفْريَةٌ].
قال أبو الفتح: هو العفريت. يقال: رجل عِفْريَةٌ نِفْريَةٌ إتباعا: إذا كان خبيثا داهيا. وقالوا: تَعَفْرَتَ الرجلُ: إذا صار عفريتا، أي: خبيثا. وهذا مثال غريب؛ لأن وزنه تَفَعْلَتَ، ونحوه من المُثُل الغريبة في الفعل قولهم: يَرْنَأَ الرجُلُ لِحْيَتَهُ: إذا صَبَغَها باليُرْنَاء، وهو الحناء. فيَرْنَأَ على ما ترى يَفْعَلَ، ومضارعه يُيَرْنِئ يُيَفْعِلُ، واسم الفاعل مُيَرْنِئ، وهو مُيَفْعِل.
وأصل العفريب من العَفْر، وهو التراب، كأنه يختِل قِرْنَه فيصرعه إلى العَفْر, ومنه قيل للأسد: عَفَرْني، وللناقة الشديدة: عفرناة. وقال الأعشى:
بِذاتِ لَوْثٍ عَفْرَنَاةِ إذَا عَثَرَتْ ... فَالنَّعْسُ أَدْنَى لَهَا مِنْ أَنْ أَقُولَ: لَعَا
ومنه عِفْرِيَةُ الرأس: للشعر الذي عليه؛ وذلك لأن قُصَارَاه أن يُحْلَقَ فيصير إلى التراب، أو يصير تُرَابًا. ومنه اليَعْفُور. لولَدِ الظبية؛ لأنه لصغَرِه ما يلزق بالتراب، أو لأن لونه لون التراب. ومنه ليث عِفِرِّينَ؛ لأنه دابة يلزم التراب). [المحتسب: 2/141]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أنا آتيك به} 39
قرأ 4 حمزة أنا آتيك بالإمالة وإنّما أمال من أجل لزوم الكسرة في أنا آتي فإذا لزمت الكسرة جاءت الإمالة فأمال الفتحة الّتي هي همزة المضارعة ليميل الألف في آتي نحو الياء
وقرأ الباقون {أنا آتيك} بغير إمالة لأن الهمزة بابها الفتح
[حجة القراءات: 529]
ولأنّها فاء الفعل فلذلك تركوا الإمالة فإن قيل {فما آتاني الله} قبلها ممدود لأنّه من الإعطاء فلم مددت {أنا آتيك} وهو من المجيء الجواب في ذلك أن أتى في الماضي يكون مقصورا تقول أتى زيد عمرا فإذا رددت الماضي إلى المستقبل زدت على الهمزة همزة أخرى وهي علامة الاستقبال والثّانية فاء الفعل فصيرت الثّانية مدّة فلذلك صار ممدودا قولك {أنا آتيك} ). [حجة القراءات: 530]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {أَنَا آَتِيكَ} [آية/ 39] بإمالة الألف من {آَتِيكَ}:
قرأها حمزة وحده، وكذلك في الآخر: {آَتِيكَ بِهِ} [آية/ 40].
والوجه أنه إنما أمال الألف منه لكسرة التاء في آتي، وإمالة هذه الهمزة التي هي همزة المضارعة ضعيفة؛ لأن حروف المضارعة لم تجيء الإمالة في واحد منها.
[الموضح: 961]
وذهب بعضهم إلى أن {آَتِيكَ} فاعل أتى، والمعنى أنا جائيك، وإذا كان كذلك كانت الإمالة أحسن؛ لأن الألف ألف فاعل، والهمزة فاء الفعل، وفي الأول الألف بدل من الهمزة التي هي فاء الفعل، والهمزة حرف المضارعة؛ لأن الكلمة مضارع أتيت فأنا آتي.
وقرأ الباقون {آَتِيكَ} بفتح الألف في الحرفين، على الأصل). [الموضح: 962]


قوله تعالى: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله: (إنّي ألقي إليّ (29) (ليبلوني أأشكر (40)
فتح الياءين نافع وحده). [معاني القراءات وعللها: 2/245] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وأمال حمزة أنا آتيك به [النمل/ 39، 40]. أشمّ الهمزة شيئا من الكسر، ولم يملها غيره.
قال أبو علي: من قرأ: فما آتاني الله بسكون الياء لزمه إذا أدرج أن يحذفها لالتقاء الساكنين: الياء ولام المعرفة، ومن فتحها على أصل ما يجب لهذه الياء من الفتحة [ثبتت له] ولم يحذف، لأنّه لم يلتق ساكن مع ساكن فيلزم حذفها.
فأمّا إمالة الكسائي الألف من آتاني فحسن، لأنّ هذه الياء ثابتة في تصرف هذا الفعل، فبحسب لزومها تحسن الإمالة.
وأمّا إمالة حمزة أنا آتيك فإنّما هي من أجل لزوم الكسرة في: (آتي)، فإذا لزمت الكسرة جازت الإمالة، فأمال الفتحة التي على همزة المضارعة، لتميل الألف التي في آتى نحو الياء، وإمالة الكسائي فتحة التاء من (آتاني) أحسن من إمالة حمزة، لأنّ (آتى) مثال ماض، والهمزة في (آتيك) همزة المضارعة، فإمالتها لا تحسن، ألا ترى أنّه لو كانت الياء التي للمضارعة في الفعل، لم تجز الإمالة، وإذا لم تجز الإمالة في حرف من حروف المضارعة، كان ما بقي من الحروف على حكمه، ألا ترى أنّهم قالوا: يعد، فأتبعوا سائر
[الحجة للقراء السبعة: 5/390]
الحروف الياء، وكذلك أكرم ولم يميلوا الفتحة في (أيحسب) كما أمالوها في قولهم في عمر، ولأنّ الياء لو كانت من مكان التاء، لم تحسن إمالتها، فكذلك لا تحسن إمالة الهمزة من قوله: أنا آتيك به [النمل/ 39/ 40] ). [الحجة للقراء السبعة: 5/391] (م)

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16 صفر 1440هـ/26-10-2018م, 04:57 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة النمل

[ من الآية (41) إلى الآية (44) ]
{ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) }


قوله تعالى: {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41)}
قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} [آية/ 42]:
كان يعقوب يقف على {هُوَهْ} بالهاء إذا حسن الوقف عليها نحو قوله تعالى {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَه} {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَهْ} وما أشبهها، ويقف أيضًا بـ {عَمَّهْ يَتَسَاءَلُونَ}.
والوجه أن الهاء للوقف، وهي التي تسمى هاء الاستراحة، وهي تلحق المبني ليوقف عليها، ولتبقى حركة الحرف التي قبلها على حالها؛ لأنه لولا هذه الهاء لسكن الحرف المتحرك لأجل الوقف). [الموضح: 962]

قوله تعالى: {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43)}
قوله تعالى: {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وكشفت عن ساقيها (44)
روى قنبل عن ابن كثير (سأقيها) بالهمز.
وقرأ سائر القراء (ساقيها) غير مهموز.
قال أبو منصور: لا وجه لما روى قنبل عن ابن كثير في همز (ساقيها)، وهو وهمٌ، فإيّاك وهمزه، فإنه ليس من باب الهمز). [معاني القراءات وعللها: 2/241]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (15- وقوله تعالى: {وكشفت عن ساقيها} [44].
قرأ ابن كثير برواية قنبل بالهمز.
وقرأ الباقون بترك الهمز. فقال قوم: هما لغتان مثل الكأس.
وقال الباقون بترك الهمز. فقال قوم: هما لغتان مثل الكأس.
وقال آخرون: ساق مثل باب. والأصل: سوق، فانقلبت الواو ألفًا، فلا يجوزم همزها. وهذا مما تغلط العرب فيه فتهمز مالا يهمز تشبيهًا بما يهمز فكأس، ورأس، وساق وزنها واحد، فتشبه بعضًا ببعض، ألا ترى أن العرب تقول: حلات السويق والأصل: حليت تشبيها بحلأت الإنسان عن الماء والإبل. وجمع الساق في القلب أسوق بغير همز، وإن شئت أسوق بالهمز، لانضمام الواو، كما
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/152]
تقول: ثوب وأثوب ومثله: {وإذا الرسل أقتت} والأصل: وقتت، فصارت الواو همزة لانضمامها.
ولابن كثير حجة أخرى: وذلك أن العرب تعمد إلى حرف المد واللين فيقلبون بعضًا من بعض؛ لاشتراكهما في اللفظ، ويقلبونها همزة، والهمز تقلب حرف لين، كان العجاج من لغته أن يقول جاء العالم، وأنشد:
* بسمسم أو عن يمين سمسم*
وأما قوله: {فطفق مسحا بالسوق} فقرأها ابن كثير بالسوق مهموزًا أيضا، فهذه الواو وإن كانت ساكنة فإنه شبهها بيؤمنون، لأنهما في الهجاء واو.
قال ابن مجاهد: وهذا غلط والاختيار في قراءة ابن كثير {وطفق مسحا بالسوق والأعناق} على فعول فيجتمع واوان أصلية عين الفعل، والثانية مزيدة ساكنة، فانقلبت الأولي همزة لانضمامها، كما تقول خال بين الخوولة وغارت عينة غوورًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/153]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: همز ابن كثير وحده: (وكشفت عن سأقيها) [النمل/ 44] في رواية أبي الإخريط، ولم يهمز غيره (على سؤقه) [الفتح/ 29] و (بالسؤق) [ص/ 33].
قال أبو بكر: ولم يهمز يوم يكشف عن ساق [القلم/ 42] ولا وجه له. وقرأت على قنبل عن النبال بغير همز: حدثنا مضر بن محمد قال: حدثنا ابن أبي بزّه قال: كان وهب بن واضح يهمز (عن سأقيها)، و (على سؤقه) و (بالسّوق)، قال ابن أبي بزّة، أنا لا أهمز من هذا شيئا، وكذلك ابن فليح لا يهمز من هذا شيئا.
[وقرأ الباقون: ساقيها غير مهموز، ولم يهمز أحد: يوم يكشف عن ساق].
قال أبو علي: أما الهمز في ساقيها، (وساق)، فلا وجه
[الحجة للقراء السبعة: 5/391]
له، وأما (على سؤقه) و (بالسّوق) فهمز ما كان من الواوات الساكنة إذا كان قبلها ضمة، قد جاء في كلامهم وإن لم يكن بالفاشي.
فأمّا رواية ذلك، فإنّ أبا عثمان زعم أنّ أبا الحسن خبّره قال:
كان أبو حيّة النميري يهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة، وينشد:
لحب المؤقدين إليّ مؤسى ووجهه من القياس أنّه يقدّر الضّمّة، كأنّها على الواو، إذ لا حائل بينها وبين الواو، ونظير ذلك قولهم: امرأة مقلات، فيميلون الألف، كأنّه قدّر الكسرة، لمّا لم يكن بينها وبين القاف حاجز على القاف، فكما أنّه لو قال: قلات وقباب وضعاف، ونحو ذلك، لجازت الإمالة فيه، كذلك استجازوها في مقلات لما أعلمتك، وأن لا يؤخذ بذلك في التلاوة أحسن.
وأمّا ما يروى عن ابن كثير من همز (سأقيها)، فوجه الشبه فيه أن من قال: سؤق، في جمع ساق، فكان مثل: لابة ولوب، ودار ودور. وكان (سئوق) كحول وحؤول، وجاز الهمز في الجمع على القولين. فأما سؤق فعلى:
[الحجة للقراء السبعة: 5/392]
لحبّ المؤقدين إليّ مؤسى و (سئوق) لتحركها بالضّمّ، وهذه الهمزة جرت مجرى ثائر، لأنّ بعضهم قال: أدؤر، ثم قلب، فقال: آدر، ولم يردّ الواو التي هي عين، ولكن جعلها كآخر وآدم، فلمّا استمر في الجمع الهمز في هذين الوجهين، فقالوا: (أسؤق) أيضا، فجاز همزها قال:
لكلّ دهر قد لبست أثؤبا استجاز ذلك أيضا في سأق، كما أنّ ادّكر ومدّكر لما استمر فيه بدل الذال، قالوا: الدّكر، وكذلك قولهم: اتقى وتقيّة، وكأنّه لما رأى الهمز في الجمع [في هذه المواضع]، أجرى الواحد على قياس الجمع، وأكّد ذلك أن الهمزة في هذه المواضع من الجمع، جرت مجرى الهمزة من نفس الكلمة فيما ذكرت لك). [الحجة للقراء السبعة: 5/393]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وكشفت عن ساقيها}
قرأ القواس {عن ساقيها} بالهمز وقرأ الباقون بترك الهمز وهما مثل كاس وياس وساق والعرب تهمز ما لا يهمز تشبيها بما يهمز ف كاس وياس وساق وزنها واحد يشبه بعضها ببعض ألا ترى أن العرب تقول حلأت السويق والأصل حليت تشبيها ب حلأت الإنسان عن المال والإبل). [حجة القراءات: 530]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (17- {عن ساقيها} قرأ قنبل بالهمز، ومثله {بالسوق}
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/160]
«ص 33» و{على سوقه} «الفتح 29» وقرأ ذلك الباقون بغير همزة، قال أبو محمد: وهمز هذه الثلاث الكلمات بعيد في العربية، إذ لا أصل لهن في الهمز، لكن قال بعض العلماء إنه إنما همزن على توهم الضمة التي قبل الواو، فكأنه همز الواو لانضمامها، وهذا بعيد في التأويل، غير قوي في النظر، حكى الأخفش أن أباحية النميري، وهو فصيح، كان يهمز الواو إذا انضم ما قبلها، كأنه يقدر الضمة عليها، فيهمزها، كأنها لغة، وهي لغة قليلة خارجة عن القياس، وهذه الأقوال لا يمكن شيء منها في همز «ساقيها» والذي قيل في همز «ساقيها» أنه إنما جاز همزه لجواز همزه في الجمع في قولك: سوق، وإذا جمعت ساقًا على «فعول» أو جمعته على «أفعل» نحو: أسوق، فلما استمر الهمز في جمعه همز الواحد لهمزه في الجمع، وهذا أيضًا ضعيف لأنه يلزم منه جواز همز «دار» لأنك تهمزه في الجمع في قولك: أدور، وهمز دار لا يجوز، فأما من لم يهمزه، فهو على الأصل؛ لأن كل ما لا أصل له في الهمز لا يجوز همزه إلا لعلة نحو أن تكون فيه واو مضمومة فيجوز همزها وليس في هذا مضمومة وهو الاختيار؛ لأن الهمز بعيد شاذ، ولأن الجميع على ترك الهمز). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/161]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (15- {وَكَشَفَتْ عَنْ سَأْقَيْهَا} [آية/ 44] بالهمز:
رواها ل- عن ابن كثير، وكذلك في سورة: ص {بِالسُّؤْقِ وَالْأَعْنَاقِ} وفي الفتح: {فَاسْتَوَى عَلَى سُؤْقِهِ}.
والوجه أن الهمز في ساق وإن كان بعيدًا جدًا حتى زعم قوم أنه لا وجه
[الموضح: 962]
له، فقد ذكر بعض أصحابنا له وجهًا، وذاك هو أن الألف ساكنة، وهي مجاورة لفتحة ما قبلها، والحرف الساكن إذا جاوز الحركة فقد تنزله العرب منزلة المتحرك بها، فكأن الفتحة لاحقة للألف، والألف إذا حُركت هُمزت.
وذُكر أن اللحياني حكى عن بعض العرف في الباز: البأز بالهمز، فهذا من ذاك.
وقال أبو علي إنما همزت ألف ساق؛ لأن ساقًا تجمع على سؤوق مثل فعول، وعلى سؤقٍ أيضًا مثل فُعْلٍ، وعلى أسوقٍ أيضًا مثل أفْعُلٍ، وكلها مهموزة، فلما كان الهمز مستمرًا في الجمع أجرى الواحد أيضًا مجرى ما فيه الهمز قياسًا على الجمع.
وأما {السُّؤْق} و{سؤقه} فالهمز فيه أكثر ظهورًا.
ووجهه ما ذكرناه وهو أن الواو الساكنة إذا كان قبلها ضمة فإن العرب تقدر الضمة كأنها في الواو لمجاورة الساكن الحركة.
وحكى أبو الحسن أن أبا حية النمري كان يهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة، وأنشد:
114- لحب المؤقدان إلى مؤسى
[الموضح: 963]
بالهمز لمجاورة الواو الضمة التي قبلها.
وقرأ الباقون والبزي عن ابن كثير {سَاقَيْها} بغير همز، وكذلك في الحرفين الآخرين.
ولم يختلفوا في قوله {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} أنها غير مهموزة.
والوجه أن ترك الهمزة هو الأصل، وهو الأولى). [الموضح: 964]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 16 صفر 1440هـ/26-10-2018م, 04:59 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة النمل

[ من الآية (45) إلى الآية (53) ]
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53)}


قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (14- وقوله تعالى: {أنا ءاتيك به قبل أن يرتد} [45].
قرأها حمزة بالإمالة {ءاتيك}
والباقون يفخمون.
فإن سأل سائل قوله: {فما ءاتاني الله} مددته لأنه من الإعطاء.
فلم مددت {أنا ءاتيك به} وهو من المجىء أي: أنا أجيئك به؟
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/151]
فالجواب في ذلك: أن المقصور في الماضي من المجيء تقول: أتي زيد عمرًا، واتيت زيدًا، فإذا رددت الماضي إلى المستقبل زادت على الهمزة همزة، الأولي علامة استقبال، والثانية فاء الفعل، فصيرت الثانية مدة، فلذلك صارت ممدودا {أنا ءاتيك به} وكذلك تقول أثرت الشيء بالقصر وآثرت بالمد، وأتيت زيدًا بالقصر وآتيت بالمد، ومعنى {قبل أن تقوم من مقامك} يعني: قبل أن تقوم من مجلس حكمك.
وكان يجلس من صلاة الغداة إلى الظهر. والذي عنده علم من الكتاب: آصف بن برخيا وكان عنده اسم الله الأعظم «يا حي يا قيوم ياذا الجلال والإكرام»). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/152]

قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46)}
قوله تعالى: {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47)}
قوله تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48)}
قوله تعالى: {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49)}

قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لنبيّتنّه وأهله ثمّ لنقولنّ (49)
قرأ حمزة والكسائي (لتبيّتنّه.. ثمّ لتقولنّ) بالتاء جميعًا.
وقرأ الباقون (لنبيّتنّه... ثمّ لنقولنّ) بالنون فيهما.
قال أبو منصور: قال الفراء: من قرأ (لنبيّتنّه) بالنون (ثمّ لنقولنّ)
أراد: أنهم قالوا: (تقاسموا) فجعل (تقاسموا) خبرًا، فكأنهم قالوا متقاسمين (لتبيّتنّه... ثمّ لنقولنّ).
قال: ومن قرأ (لتبيّتنّه.. ثمّ لتقولنّ) جعل (تقاسموا) أمرًا في موضع جزم، كأنهم قالوا: تحالفوا وأقسموا لتبيتنه. قال: النون تجوز من هذا الوجه؛ لأن الذي قال لهم تقاسموا معهم في الفعل داخل، وإن كان قد أمرهم.
ألا ترى أنك تقول: قوموا نذهب إلى فلان؛ لأنه أمرهم وهو معهم في الفعل.
قال والنون أعجب الوجوه إليّ). [معاني القراءات وعللها: 2/242]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (16- وقوله تعالى: {لنبيتنه وأهله ثم لنقولن} [49].
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/153]
قرأ حمزة والكسائي بالتاء، ومعناه: تقاسموا بالله قالو حلفوا لتبتنه وأهله. ومعناه: أنهم تحالفوا ليقتلن صالحًا وأهله أي: قومه، ولنهلكنهم {ثم لتقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله} أي: ما فعلنا ذلك. فذلك مكرهم فأرسل الله عليهم صخرة فدمغتهم فقال تعالى: {ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون}.
وقرأ الباقون: {لنبيتنه .... ثم لنقولن} بالنون.
وفيها قراءة ثالثة: حدثني أحمد عن على عن أبي عبيد أن حميدا قرأ: {ليبيتنه .... ثم ليقولن} بالياء جعل الإخبار عن غيب. وهذا النون مشددة في يبيتن ويقولن أسقطت الواو، والأصل: ليبيتون، وليقولون، فسقطت الواو لالتقاء الساكنين. ويقال: طرقهم أتاهم ليلاً، وظل فلان يفعل كذا إذا فعله نهارًا. ويقال: طرقهم أتاهم ليلا، أوبهم أتاهم نهارًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/154]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (17- وقوله تعالى: {ما شهدنا مهلك أهله} [49].
فيه ثلاث قراءات:
قرأ عاصم في رواية أبي بكر-: {ملك} بفتح اللام والميم.
وقرأ في رواية حفص: {مهلك} بكسر اللام وفتح الميم.
وقرأ الباقون: {مهلك} بضم الميم، وفتح اللام.
فمن ضم جعله مصدرًا من أهلك مهلكًا، مثل: {أدخلني مدخل
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/154]
صدق} ومن كسر اللام أو فتحها على قراءة عاصم جعله مصدر هلك ثلاثيًا لا رباعيًا. وقد أحكمت هذا في سورة (الكهف) ويقال: هلك زيد: مات، وهلك إذا وقع في بلية، وجمع هالك: هلاك وهالكون، وأما قولهم في المثل: «هالك في الهوالك» فإن هذا جري كالمثل لا يقاس عليه، لأن (فواعل) جمع لفاعلة لا لفاعل وإنما جاء فارس، وفوارس؛ لأن الفروسية تكون في الرجال دون النساء، فأمنوا اللبس و{رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} قال المبرد: كل صفة على فاعل نحو ضارب وجالس فإنه لا يجمع على فواعل [إلا] نحو ضوارب، وجوالس فرقًا بين المذكر والمؤنث، تقول في المؤنث: امرأة صالحة، وضاربة، والجمع صوالح، وضوارب وجوالس، قرأ طلحة: {فالصولح قونت حوفط للغيب} فأما قول الشاعر:
وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم = خضع الرقاب نواكس الأبصار
فإنه اضطر إلى ذلك. ويقال: تهالك الرجل لفلان: إذا تواضع له،
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/155]
وامرأة هلوك: فاسدة. ويقال: اهتلك يهتلك: إذا اجتهد في الطيران وغيره قال زهير يصف صقرًا:
دون السماء وفو الأرض قدرهما = عند الذنابي فلا فوت ولا درك
عند الذنابي له صوت وأزملة = تكاد تخطفه طورًا وتهتلك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/156]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التاء والنون من قوله جلّ وعزّ: لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه [النمل/ 49].
[الحجة للقراء السبعة: 5/393]
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر وعاصم بالنون جميعا، وقرأ حمزة والكسائي بالتاء جميعا.
قال أبو علي: قوله: تقاسموا فعل لا يخلو من أن يراد به مثال الماضي، أو مثال الآتي الذي يراد به الأمر، ألا ترى أنّك تقول: تقاسموا أمس، إذا أردت الماضي، وتقاسموا غدا، إذا أردت به الأمر، فمن قال: تقاسموا بالله لنبيتنه فأراد الأمر وجعل لنبيتنه جوابا لتقاسموا، لأنّ هذه الألفاظ التي تكون من ألفاظ القسم تتلقى بما تتلقّى به الأيمان كقوله سبحانه: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن [فاطر/ 42] وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى [النحل/ 38]، فكذلك: تقاسموا بالله، فمن قال:
لنبيتنه تلقاه باللّام والنون الثقيلة، وأدخل المتكلمون أنفسهم مع المقسمين، كما دخلوا في قوله تعالى: فقل تعالوا ندع أبناءنا [آل عمران/ 61]. ومن قال: (لتبيّتنّه) أراد ليقسم بعضكم لبعض لتبيّتنّه، فتقاسموا على هذا: أمر، كما كان فيمن قال: لتبيّتنّه، أمرا.
ومن قال: (ليبيّتنّه) بالياء، فتقاسموا على هذا مثال ماض، ولا يجوز مع هذا إلّا بالياء، لأنّ مثال الماضي للغيبة، كما أن (ليبيّتنّه) بالياء كذلك، ولا يجوز التاء ولا النون في قوله لنبيتنه و (لتبيّتنّه) مع
[الحجة للقراء السبعة: 5/394]
مثال الماضي. لأنّ الماضي للغيبة، و (لتبيّتنّه) للخطاب). [الحجة للقراء السبعة: 5/395]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ عاصم في رواية أبي بكر: (مهلك أهله) [النمل/ 49] بفتح الميم واللام، وروى عنه حفص بفتح الميم وكسر اللام، وقرأ الباقون: (مهلك) بضمّ الميم وفتح اللام.
قال أبو علي: يقال: هلك يهلك، والمصدر منه مهلك، كما أنّ المصدر من ضرب يضرب مضربا، بفتح الراء، واسم المكان:
المهلك، بكسر اللّام، فقول عاصم في رواية أبي بكر: (مهلك) أي هلاك أهله، وقد حكي أنّه يقال: هلكني، بمعنى: أهلكني. وذلك لغة تميم، فيما زعموا، فيجوز في المهلك على هذا أن يكون مصدرا مضافا إلى المفعول به، ويكون على قول من لم يجعل هلكه بمعنى أهلكه، مصدرا مضافا إلى الفاعل، كما تقول: هلاك أهله.
وأمّا رواية حفص عنه، فيحتمل ضربين: يجوز أن يكون:
مهلك اسم المكان، فيكون المعنى: ما شهدنا موضع هلاكهم ومكانه، فيكون المهلك: كالمجلس، في أنّه يراد به موضع الجلوس، ويجوز أن يريد بالمهلك، المصدر، لأنّه قد جاء المصدر من فعل يفعل، على مفعل، قال: إلي مرجعكم [العنكبوت/ 8]، وقال: ويسألونك عن المحيض [البقرة/ 222]، والأوّل أكثر.
[الحجة للقراء السبعة: 5/395]
فأمّا من قرأ: (مهلك) فيحتمل ضربين، يجوز أن يكون: إهلاك أهله: أي: لم يشهد إهلاك أهله، ويجوز أن يكون الموضع أي: لم يشهد موضع الإهلاك). [الحجة للقراء السبعة: 5/396]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا تقاسموا باللّه لنبيتنه وأهله ثمّ لنقولن لوليّه ما شهدنا مهلك أهله وإنّا لصادقون} 49
قرأ حمزة والكسائيّ (قالوا تقاسموا باللّه لتبيتنه) بالتّاء وضم التّاء الثّانية (ثمّ لتقولن) بالتّاء أيضا وضم اللّام
وقرأ الباقون بالنّون فيهما وفتح التّاء واللّام وحجتهم قوله {ما شهدنا مهلك أهله وإنّا لصادقون} وجعلوا {تقاسموا} أمرا كأنّهم قالوا احلفوا لنبيتنه كما تقول قوموا نذهب إلى فلان وإن الّذي
[حجة القراءات: 530]
أمرهم بالحلف داخل معهم وقال الفراء قد يجوز اللّفظ {تقاسموا} على هذه القراءة أن يجعل فعلا ماضيا في معنى الحلف ويكون تقاسموا خبرا عنهم فيكون التّأويل قالوا متقاسمين باللّه لنبيتنه وأهله فحكى لفظهم بعد القول على ما نطقوا
ومن قرأ بالتّاء فإنّه جعل {تقاسموا} أمرا أيضا فكأنّه قال احلفوا لتفعلن فكأنّه أخرج نفسه في اللّفظ والنّون أجود
قرأ ابو بكر {ما شهدنا مهلك} بفتح الميم واللّام وقرأ حفص بفتح الميم وكسر اللّام
وقرأ الباقون {مهلك} بضم الميم وفتح اللّام جعلوه مصدرا من أهلك يهلك مهلكا وإهلاكا قالوا فيحتمل ضربين يجوز أن يكون إهلاك أهله أي ما شهدنا إهلاك أهله ويجوز أن يكون الموضع أي لم نشهد موضع الإهلاك
ومن فتح الميم واللّام جعله مصدرا ل هلك يهلك مهلكا مثل ضرب يضرب واسم المكان المهلك بكسر اللّام وكل ما كان على فعل يفعل فاسم المكان على مفعل والمصدر على مفعل المعنى ما شهدنا هلاك أهله
وأما رواية حفص مهلك اسم المكان المعنى ما شهدنا موضع هلاكهم ومكانهم فيكون المهلك كالمجلس في أنه يراد به موضع الجلوس ويجوز أن يريد بالمهلك المصدر لأنّه قد جاء المصدر من فعل يفعل على مفعل قال الله عز وجل {إليّ مرجعكم} ). [حجة القراءات: 531]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (18- قوله: {لنبيتنه وأهله ثم لنقولن} قرأ حمزة والكسائي
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/161]
بالتاء فيهما، وبضم التاء الثانية في «لنبيتنه» وضم اللام الثانية في «لنقولن»، وقرأ الباقون بالنون فيهما، وفتح التاء واللام.
وحجة من قرأ بالتاء أنه جعل «تقاسموا» فعلًا مستقبلًا أمرًا، فهو فعل مبني، والتاء للخطاب على معنى: قال بعضهم لبعض تقاسموا، أي افعلوا القسم بينكم، أي تحالفوا، فهو خطاب من بعضم لبعض، فجرى «لتبيتنه وأهله ثم لتقولن» على الخطاب أيضًا من بعضهم لبعض، فجاء على الخطاب.
19- وحجة من قرأه بالنون أنه أجرى الفعلين على الإخبار، عن جميعهم عن أنفسهم، و«تقاسموا» مستقبل أمر كالأول، هو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/162]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (20- قوله: {مهلك أهله} قرأ أبو بكر بفتح الميم واللام، وقرأ حفص بفتح الميم، وكسر اللام، وقرأ الباقون بضم الميم، وفتح اللام.
وحجة من فتح الميم واللام أنه جعله مصدر «هلك» فمهلك وهلاك مصدران لـ «هلك» و«الأهل» فاعلون في المعنى؛ لأن «هلك» لا يتعدى في أكثر اللغات، وقد حكى أن بني تميم يقولون: هلكني الأمر بمعنى أهلكني، فإن حملته على هذه اللغة كان «الأهل» في موضع نصب.
21- وحجة من فتح الميم وكسر اللام أنه جعله اسم مكان كالمجلس، لأن اسم المكان من «فعل يفعل» «المفعِل» بالكسر، والمصدر منه بالفتح ويجوز على جهة الشذوذ أن يكون مصدرًا كما قال في المصدر «المرجع والمحيض» وأصل المصدر في هذا الفتح.
22- وحجة من ضم الميم أنه جعله مصدرًا من «أهلك» فالإهلاك والمهلك مصدران لـ «أهلك»، و«الأهل» في موضع نصب، لأنه يتعدى،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/162]
تقديره: ما شهدنا إهلاك الله أهله، ويجوز أن يكون اسمًا للمكان، على معنى ما شهدنا موضع إهلاك أهله، وهو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/163]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (16- {لَتُبَيِّتَنَّهُ}، {لَتَقُولَنَّ} [آية/ 49] بالتاء فيهما، ولام الكلمة مضمومة:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أن {تَقَاسَمُوا} فعل أمر، والمراد: ليُقسم بعضكم لبعض لتبيتنه أنتم، وكان الأصل لتبيتون، فلحقت النون الثقيلة التي تلحق للتأكيد، فسقطت حينئذ النون التي هي علامة الرفع لأن الفعل يصير مبنيًا مع نون التأكيد، بقيت الواو ساكنة، وبعدها النون الأولى الساكنة التي أدغمت في
[الموضح: 964]
النون الأخرى، فحذفت الواو لالتقاء الساكنين، وبقيت ضمة التاء تدل على الواو المحذوفة.
وقرأ الباقون {لَنُبَيِّتَنَّهُ} {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ} بالنون فيهما، ولام الكلمة منهما مفتوحة.
والوجه أن {تَقَاسَمُوا} أيضًا فعل أمر، ولنبيتنه جوابه، لما كان الفعل من لفظ القسم، والمتكلمون ههنا داخلون في جملة المقسمين، كما قال الله تعالى {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ}. وقال الفراء:
قوله: {تَقَاسَمُوا} خبر على أن تقاسموا فعل ماض، وهو بدل عن {قَالُوا} قالوا، أو على إضمار قد، ويكون في موضع الحال، والتقدير: قالوا متقاسمين، والفعل في {لَنُبَيِّتَنَّهُ} لجماعة المتكلمين كما تقول لنفعلنّ). [الموضح: 965]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (17- {مَهْلِكَ} [آية/ 49] بفتح الميم:
قرأها عاصم وحده، وفتح اللام ياش- عنه، وكسرها ص-.
والوجه أن {مَهْلَكَ}، بفتح الميم واللام، مصدر هلك يهلك، أي ما شهدنا هلاك أهله، وأما {مَهْلِكَ} بفتح الميم وكسر اللام، فيجوز أن يكون اسم المكان، أي ما شهدنا المكان الذي وقع فيه هلاكهم، ويجوز أن يكون مصدرًا على مفعل بكسر العين، كمرجع ومحيض وهو شاذ، والشاذ في هذا الباب المنقاس.
وقرأ الباقون {مُهْلَكَ} بضم الميم وفتح اللام.
والوجه أنه يجوز أن يكون مصدرًا من أهلك يُهلك إهلاكًا ومُهلكًا،
[الموضح: 965]
والمعنى ما شهدنا إهلاك أهله، ويجوز أن يكون اسم المكان منه، والمعنى ما شهدنا الموضع الذي فيه إهلاك أهله). [الموضح: 966]

قوله تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50)}
قوله تعالى: {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّا دمّرناهم (51)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر بكسر الألف (إنّا).
وقرأ الباقون: (أنّا دمّرناهم) بفتح الألف.
قال الفراء: من قرأ (إنّا دمّرناهم) بالكسر فعلى الاستئناف، وهو يفسر ما قبله، كقوله: (فلينظر الإنسان إلى طعامه، إنّا صببنا الماء) يستأنف وهو يفسر ما قبله.
ومن قرأ (أنّا دمّرناهم) بالفتح فيكون (أنّا) في موضع الرفع، يجعلها تابعة لقوله: (عاقبة مكرهم) قال: وإن شئت جعلت (أنّا) نصبًا
[معاني القراءات وعللها: 2/242]
من جهتين:
إحداهما أن تردها على موضع (كيف)، لأنها في موضع نصب.
والأخرى: أن تكرّ (كان) عليها، كأنك دلت كيف كان عاقبة مكرهم تدميرنا إيّاهم فـ (أنّا) في موضع نصب). [معاني القراءات وعللها: 2/243]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (18- وقوله تعالى: {أنا دمرناهم} [51].
قرأ أهل الكوفة: {أنا} بفتح الألف.
وقرأ الباقون: {إنا} بالكسر. فمن كسر استأنف وابتدأ، ومن فتح جعله في موضع نصب على تقدير: فانظر كيف كان عاقبة مكرهم بأنا دمرناهم، فلما سقطت الباء حكمت عليها بالنصب في قول النحويين إلا الكسائي، فإنه يجعل موضعه خفضًا مع سقوط الباء.
وقال آخرون: من فتح {أنا} جعل «أنا» جعل «أنا» مع ما بعدها في موضع اسم، وجعله خبر «كان»، وتلخيصه: فانظر كيف كان عاقبة مكرهم التدمير). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/156]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله جلّ وعزّ: (إنا دمرناهم وقومهم) [النمل/ 51].
فقرأ عاصم وحمزة والكسائي: (أنّا) بفتح الألف، وقرأ الباقون: إنا بكسر الألف.
قال أبو علي: قال سبحانه: فانظر كيف كان عاقبة مكرهم إنا دمرناهم [النمل/ 51]. من كسر (إنّا) جاز أن تكون (كان) المفتقرة إلى الخبر، وجاز (أن) تكون التي بمعنى وقع، فإذا جعلته على وقع كان قوله: (كيف) في موضع حال تقديره: على أي حال وقع عاقبة مكرهم. أي أحسنا وقع عاقبة مكرهم، أم سيّئا؟ ويكون في: كيف ضمير من ذي الحال، كما أنّك إذا قلت في الدار حدث الأمر، فجعلته في موضع الحال كان كذلك، وحكم «كيف» أن يكون متعلقا بمحذوف، كما أنّك إذا قلت في الدار وقع زيد، تقديره: وقع زيد مستقرا في هذه الحال، فإن جعلته ظرفا للفعل تعلق بكان الذي بمعنى الحدوث.
[الحجة للقراء السبعة: 5/396]
وقوله: (إنا دمرناهم) [النمل/ 51] فيمن كسر استئناف، وهو تفسير للعاقبة، كما أنّ قوله: لهم مغفرة وأجر عظيم [المائدة/ 9] تفسير للوعد، فكذلك قوله: (إنّا دمّرناهم) تفسير.
ومن قرأ: أنا دمرناهم جاز أن يكون (كان) على ضربيها، فإذا حملتها على وقع كان (كيف) في موضع حال، وجاز في قوله: (إنّا دمّرناهم) أمران، أحدهما: أن يكون بدلا من قوله: عاقبة مكرهم، وجاز أن يكون محمولا على مبتدأ مضمر، كأنّه: هو أنا دمرناهم أو ذاك أنّا دمّرناهم، فإذا حملتها على المقتضية للخبر جاز في قوله: (إنّا دمّرناهم) أيضا أمران: أن يكون بدلا من اسم (كان) الذي هو (العاقبة)، فإذا حملته على ذلك كان (كيف) في موضع خبر كان.
والآخر: أن يكون خبر (كان)، ويكون موضعه نصبا، بأنّه خبر كأنّه: كان عاقبة مكرهم تدميرهم، ويكون كيف في موضع حال، ويجوز أن يكون العامل في كيف أحد شيئين:
أحدهما: أن يكون (كان) لأنّه فعل كما كان العامل في الظرف في قوله سبحانه: أكان للناس عجبا أن أوحينا [يونس/ 2] كان. ألا ترى أنّه لا يجوز أن يتصل قوله للناس بواحد من المصدرين، إلّا أن تجعله صفة لعجب، فتقدمه، فيصير في موضع حال، والعامل فيه على هذا أيضا كان. ويجوز أن يكون العامل فيه ما في الكلام من الدلالة على الفعل، لأنّ قوله: (إنّا دمّرناهم) بمنزلة تدميرنا، وتدميرنا يدلّ على دمرناهم فيصير العامل فيه هذا المعنى الذي دلّ عليه ما في
[الحجة للقراء السبعة: 5/397]
الكلام من معنى الفعل. وزعموا أن في حرف أبيّ: (أن دمرناهم وقومهم) [النمل/ 51] فهذا يقوي الفتح في أنا). [الحجة للقراء السبعة: 5/398]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين}
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {أنا دمرناهم} بكسر الألف على الابتداء واستئناف خبر وحجتهم أن الكلام متناه عند قوله {كيف كان عاقبة مكرهم} ف {عاقبة} اسم كان وكيف في موضع نصب خبر {كان} ويجوز أن يكون كان الّتي بمعنى وقع وحدث فإذا جعل على معنى وقع كان قوله {كيف} في موضع حال المعنى على أي حال وقع عاقبة مكرهم أي حسنا وقع عاقبة مكرهم أم سيّئًا
وقرأ أهل الكوفة {أنا دمرناهم} بالفتح وحجتهم قراءة أبي (كيف كان عاقبة مكرهم أن دمرناهم) قوله أنا دمرناهم على هذه القراءة يكون رفعا من وجه ونصبا من وجهين أما الرّفع فأن ترده على قوله {عاقبة} فتكون تابعة لها ويكون تقدير الكلام فانظر كيف كان تدميرنا إيّاهم وقومهم أجمعين على البدل من {عاقبة} و{كيف} في موضع نصب خبر ل كان ونصبها إن شئت جعلت أنا مع ما بعده في موضع خبر كان المعنى فانظر كيف كان عاقبة مكرهم التدمير ويجوز أن يكون أنا في موضع نصب على معنى فانظر كيف كان عاقبة مكرهم لأنا دمرناهم). [حجة القراءات: 532]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (23- قوله: {أنا دمرناهم} قرأه الكوفيون بفتح الهمزة وكسرها الباقون.
وحجة من كسر أنه جعل «كان» بمعنى وقع تامة، لا تحتاج إلى خبر، وجعل «كيف» في موضع الحال، فتم الكلام على «مكرهم»، ثم ابتدأ بـ «إنا» مستأنفًا فكسرها، والتقدير: فانظر يا محمد على أي حال وقع عاقبة أمرهم، ثم استأنف مفسرًا للعاقبة بالتدمير، بكسر «إن» لأنها مستأنفة وهو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه.
24- وحجة من فتح «أنا» أنه جعل «أنا» بدلًا من العاقبة، فموضعها رفع، و«كان» بمعنى وقع، و«كيف» في موضع الحال كالأول، وإن شئت جعلت «أنا» في موضع رفع على إضمار مبتدأ، تقديره: هو أنا دمرناهم، وإن شئت جعلت «كان » ناقصة، وتحتاج إلى خبر، فتكون «العاقبة» اسمها و«أنا دمرناهم» الخبر، تقديره: فانظر كيف كان عاقبة أمر مكرهم تدميرنا إياهم، وقد تقدم ذكر «قدرناها» و«بشرى» وشبهه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/163]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (18- {أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} [آية/ 51] بفتح الألف:
قرأها الكوفيون ويعقوب.
والوجه أنه لا يخلو {كَانَ} التي في قوله {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ} من أن تكون تامة أو ناقصة.
فإن كانت تامة جاز في قوله {أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} أن يكون بدلًا من قوله {عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ} كأنه قال: كيف كان تدميرهم؛ لأن أن مع ما بعده في معنى المصدر، وجاز أن يكون على تقدير مبتدأ محذوف، كأنه قال: هي أنّا دمّرناهم.
وإن كانت {كان} ناقصة وهي المحتاجة إلى الخبر، جاز في قوله {أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} أن يكون خبر كان، كأنه قال: كان عاقبة مكرهم تدميرهم، وكيف في موضع حال، ويجوز أن يكون {أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} في هذا أيضًا بدلًا عن {عاقبة} كما سبق في الوجه الأول، و{كَيْفَ} خبر كان، كأنه قال: على أي حال كان عاقبة مكرهم.
وقرأ الباقون {إِنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} بكسر الألف.
والوجه أنه كلام مستأنف، وهو تفسير العاقبة؛ لأنه قال: انظر كيف كان عاقبة مكرهم، ثم فسر العاقبة فقال: {إِنَّا دَمَّرْنَاهُمْ}، كما قال تعالى {فَلْيَنْظُرِ
[الموضح: 966]
الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} ثم استأنف على سبيل التفسير فقال {إِنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا}). [الموضح: 967]

قوله تعالى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52)}
قوله تعالى: {وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 16 صفر 1440هـ/26-10-2018م, 05:00 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة النمل

[ من الآية (54) إلى الآية (58) ]
{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58)}


قوله تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54)}
قوله تعالى: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (19- وقوله تعالى: {أئنكم لتأتون الفاحشة} [54].
قرأ ابن كثير: {اينكم} بياء بعد الهمزة.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/156]
وقرأ نافع وأبو عمرو: {آينكم} ممدودًا.
وقرأ الباقون: {أئنكم} بهمزتين. وقد أحكمنا علته فيما سلف. ومعنى قولك: {لتأتون الفاحشة}: اللواط وما كان يعرف هذا الفعل قبل قوم لوط، لقوله تعالى: {ما سبقكم بها من أحد من العلمين} فأنذرهم لوط عليه السلام عذاب الله. فلم يرعووا حتى أرسل الله تعالى نقمته وأهلكهم. واللواط كالزنا سواء، يحد فاعله. وقد حرق أبو بكر رحمة الله عليه رجلاً لوطيًا بالنار. وكذلك على رضي الله عنه هدم على لوطي حائطًا. والعرب تقول: هذا أليط بقلبي بالياء، وأصله الواو؛ لئلا يلتبس بألوط نم اللواط على أنه قد جاء في الحديث: «الولد الوط بالقلب» أي: ألصق بالقلب من غيره. ويقال: لاط زيد حوضه يلوط: إذا أصلحه بالمدر لئلا يخرج الماء. والفاحشة في غير هذا الموضع الذي قال الله تعالى: {واللائي يأتين الفاحشة} [الزنا] وسمعت بعض النحويين يقول: اللوطي هذا المفعول به، لنه يلصق في الأرض، وسمي الفاعل أيضًا للصوقه بالمفعول. وفي جزء آخر يقتل الفاعل والمفعول. وكذلك من أتي بهيمة حد وذبحت البهيمة؛ لأن بني فزارة خاصة كانوا يأتون النوق، فولدت مرة ناقة بإنسان، فقال شاعرهم:
خذ بيدي خذ بيدي خذ بيدان
إن بني فزارة بن ذيبان
قد ولد ناقتهم بإنسان
مشنأ أعجب بخلق الرحمن
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/157]
وقال آخر يهجو بني فزارة:
لا تأمنن فزاريا خلوت به = على قلوصك واكتبها بأسيار
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/158]
معنى «واكتبها»، أي: اشدد بها. يقال: كتبت القربة: إذا خرزتها، ويقال كتبت الكتاب، أي ضممت الحروف بعضها إلى البعض وجمعتها تشبيها بالخرز. وسميت الكتيبة كتيبة لاجتماعها. قال ذو الرمة:
وفراء غرفية أثاي خوارزها = مشلشل ضيعته بينها الكتب). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/159]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (ابن كثير: (أينكم لتأتون) [النمل/ 55] بهمزة واحدة غير ممدودة، وبعدها ياء ساكنة، وكذلك روى ورش عن نافع، وقد ذكرته في الأعراف وغيرها. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي:
أئنكم بهمزتين. وقرأ نافع وأبو عمرو [في غير قراءة ورش] (آينكم) بهمزة واحدة ممدودة.
قال أبو علي: أبو عمرو يريد أإنكم ثم يلين الهمزة الأخيرة فتصير [بين بين]، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم). [الحجة للقراء السبعة: 5/398]

قوله تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [فَمَا كَانَ جَوَابُ قَوْمِهِ]، يرفع الباء.
قال أبو الفتح: أقوى من هذا {جَوَابَ قَوْمِهِ} بالنصب، ويجعل اسم كان قوله: {أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ} : لشبه أن بالمضمر. من حيث كانت لا توصف كما لا يوصف. والمضمر أعرف من هذا المظهر، وقد تقدم القول في ذلك). [المحتسب: 2/141]

قوله تعالى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (20- وقوله تعالى: {قدرناها من الغابرين} [57].
قرأ عاصم في رواية أبي بكر: {قدرنها} مخففا كقوله: {فقدرنا فنعم القادرون} ولو كان {قدرناها} مشددًا لقال: فنعم المقدرون.
وقرأ الباقون مشددًا.
والعرب تقول: قدرت. وقدرت بمعنى التقدير. وقدر يقدر وقدر يقدر مشددًا، أو مخففا بمعنى ضيق عله من قوله: {فقدر عليه رزقه} وقد قرأ {فقدر عليه رزقه} بالتشديد أبو جعفر المدني، وابن عامر). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/159]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (قدرناها) [النمل/ 57] خفيفة. وقرأ الباقون: قدرناها مشددة وكذلك روى حفص عن عاصم بالتشديد.
وقد ذكرنا فيما تقدّم أنّ قدرنا في معنى قدّرنا. ويدلّ على ذلك قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 5/398]
ومفرهة عنس قدرت لساقها [ومثله للأعشى:
يهماء طامسة رفعت لعرضها... طرفي لأقدر بينها أميالها
قالوا: معناه لأقدّر] ). [الحجة للقراء السبعة: 5/399]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فأنجيناه وأهله إلّا امرأته قدرناها من الغابرين}
[حجة القراءات: 532]
قرأ أبو بكر {قدرناها} بالتّخفيف كقوله {فقدرنا فنعم القادرون} ولو كان قدرنا لقال فنعم المقدرون وقرأ الباقون {قدرنا} بالتّشديد والعرب تقول قدرت وقدرت لغتان). [حجة القراءات: 533]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (19- {إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَرْنَاهَا} [آية/ 57] بتخفيف الدال:
قرأها عاصم ياش-.
وقرأها الباقون و-ص- عن عاصم {قَدَّرْنَاهَا} بالتشديد.
وقد تقدم الكلام في مثله). [الموضح: 967]

قوله تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16 صفر 1440هـ/26-10-2018م, 05:02 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة النمل

[ من الآية (59) إلى الآية (64) ]
{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64)}


قوله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (21- وقوله تعالى: {الله خير أما يشركون} [59].
قرأ عاصم وأبو عمرو: {يشركون} بالياء.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/159]
والباقون بالتاء، فأما قوله: {يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} فاتفقوا على تخفيفه، وأما قوله: {فظن أن لن نقدر عليه} فقرأ الحسن: {أن لن نقدر عليه} بالتشديد أي: أن لن نضيق عليه). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/160]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({آللّه خير أما يشركون} 59
قرأ أبو عمرو وعاصم {آللّه خير أما يشركون} بالياء جعلا الكلام خبرا عن أهل الشّرك وهم غيب فجرى الكلام على لفظ الخبر عنهم لغيبتهم
وقرأ الباقون بالتّاء وحجتهم أن الكلام أتى عقيب المخاطبة فأجروا الكلام على لفظ ما تقدمه وذلك قوله {قل الحمد لله وسلام على عباده الّذين اصطفى} ثمّ قال آللّه خير أم ما تشركون إذ كان أمره أن يقول لهم مخاطبا لهم). [حجة القراءات: 533]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (25- قوله: {أما يشركون} قرأه أبو عمرو وعاصم بالياء، رداه على
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/163]
لفظ الغيبة قبله في قولهم: {وأمطرنا عليهم} «58» و{المنذرين}، وعلى لفظ الغيبة بعده في قوله {بل أكثرهم لا يعلمون} «61» و{بل هم قوم عدلون} «60» فحمله على ما قبله وما بعده من لفظ الغيبة، وقرأ الباقون بالتاء على المخاطبة للكفار، أي: قل لهم يا محمد الله خير أما تشركون، وإن شئت حملته على لفظ الخطاب في قوله: {ويجعلكم خلفاء الأرض} «62»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/164]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (20- {خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [آية/ 59] بالياء:
قرأها أبو عمرو وعاصم ويعقوب.
والوجه أنه على الغيبة، والمعنى: آلله خير أما يشرك هؤلاء الكفار.
وقرأ الباقون {أَمَّا تُشْرِكُونَ} بالتاء.
والوجه أنه على الخطاب؛ لأن ما قبله أيضًا على الخطاب، وهو قوله {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ}، والمعنى: قل يا محمد للكفار الحمد لله على هلاككم وسلامٌ على عباده الذين اصطفى وهم الأنبياء والرسل، ثم قل لهم آلله خير أما تشركون أيها الكفار). [الموضح: 967]

قوله تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعمش، وقد اختلف عنه: [أَمَنْ خَلَقَ]، خفيفة الميم.
قال أبو الفتح: "مَنْ" هنا خبر بمنزلة الذي، وليست باستفهام كقراءة الجماعة: {أَمْ مَنْ خَلَقَ}، فكأنه قال: الذي خلق السموات والأرض، وأنزل لكم من السماء ماء، فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها خير أم ما تشركون ثم حذف الخبر الذي هو خير أم ما تشركون؛ لدلالة ما قبله عليه، وهو قوله تعالى: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ}. وما يحذف خبره لدلالة ما هناك عليه أكثر من أن يحصى، فابنِ على هذا). [المحتسب: 2/142]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أإله مع الله} 60 64
قرأ نافع وأبو عمرو (آيله مع الله) بهمزة واحدة مطوّلة وأصل الكلمة إله ثمّ دخلت همزة الاستفهام فصار أإله فاستثقل الجمع بين الهمزتين أدخل بينهما ألف ليبعد هذه من هذه ثمّ لين الثّانية
وقرأ ورش وابن كثير (أيله) بهمزة واحدة من غير مد وهو أن تحقق الأولى وتخفف الثّانية ولم تدخل بينهما ألفا
[حجة القراءات: 533]
وقرأ هشام عن ابن عامر آإله بهمزتين بينهما مدّة وهو أن تزاد الألف بين الهمزتين ليبعد المثل عن المثل ويزول الاجتماع فيخف اللّفظ بالهمزتين مع الحائل بينهما
وقرأ أهل الشّام والكوفة {أإله} بهمزتين وقد ذكرت حجتهم في سورة البقرة). [حجة القراءات: 534] (م)

قوله تعالى: {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)}
قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)}

قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قليلًا ما تذكّرون (62)
قرأ أبو عمرو وحده (قليلًا ما يذكّرون) بالياء.
وقرأ الباقون (ما تذكّرون) بالتاء.
وروى عبيد عن أبي عمرو بالتاء.
قال أبو منصور: من قرأ بالياء فللغيبة.
ومن قرأ بالتاء فللمخاطبة، وكل جائز). [معاني القراءات وعللها: 2/243]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (22- وقوله تعالى: {أإله مع الله قليلا ما تذكرون} [62].
قرأ أبو عمرو وحده: {تذكرون} إخبار عن غيب.
وقرأ البافون: {تذكرون} على الخطاب بالتاء.
غير أن حمزة والكسائي وحفصًا يخففون الذال، لأنهم أسقطوا التاء.
والباقون شددوا ذلك؛ لأنهم أدغموا التاء في الذال وجميع ما في هذه السورة إله إله فإنك تقف على كل ما يأتي في هذه السورة إله مع الله. وذلك أن الله تعالى ذكرهم نعمه، وعددها عليهم فقال: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه} [62] {أمن خلق السموات} [60] {أمن يهديكم} [63] أإله مع الله يا معشر الجهلة، فلم تعبدون معه غيره من لا يقدر على ضر ولا نفع؟! فالوقف على {أءله مع الله} [64] تام، والهمزة الأولى ألف توبيخ في لفظ الاستفهام والثانية: أصلية، فاء الفعل إله وآلهة مثل رداء وأردية، ومن همز قوله: {ءانذرتهم} {وءإذا} قرأ {ءإله} ومن مد هناك مد هنا. ومن لين الثانية هناك لين هاهنا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/160]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء، من قوله جلّ وعزّ: قليلا ما تذكرون [النمل/ 62].
فقرأ أبو عمرو وحده: (قليلا ما يذكرون) [النمل/ 62] بالياء، وقرأ الباقون بالتاء، وروى عبيد عن أبي عمرو بالتاء. وروى هشام بن عمار عن ابن عامر بالياء مثل أبي عمرو، وروى ابن ذكوان عن ابن عامر بالتاء، ورأيت في كتاب موسى بن موسى عن ابن ذكوان [عن ابن عامر] بالياء.
[قال أبو علي]: (قليلا ما يذكرون) [النمل/ 62]، أي ما يذّكر هؤلاء المشركون الذين يجعلون مع الله آلهة أخرى، أو إلها آخر، ووجه الخطاب والتاء، أنّ الخطاب مصروف إليهم دون المسلمين، كأنّه: قل لهم يا محمد: قليلا ما تذكرون [النمل/ 62] ). [الحجة للقراء السبعة: 5/399]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون}
قرأ أبو عمرو وهشام (قليلا ما يذكرون) بالياء وحجتهما ما تقدم من رؤوس الآيات من قوله {بل هم قوم يعدلون} {بل أكثرهم لا يعلمون} فلمّا جاءت خاتمة هذه الآية في سياقهن أجرى بلفظهن ليأتلف الكلام على نظام واحد وأراد التوفقة بين رؤوس الآيات
وقرأ الباقون {قليلا ما تذكرون} بالتّاء وحجتهم أنّها قريب من المخاطبة في قوله {ويجعلكم خلفاء الأرض} فأجروا بلفظ المخاطبة إذ كانت أقرب إليها من قوله {يعدلون} و{لا يعلمون} ). [حجة القراءات: 534]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (26- قوله: {قليلًا ما تذكرون} قرأه أبو عمرو وهشام بالياء، وقرأ الباقون بالتاء.
وحجة من قرأ بالياء أنه رده على لفظ قبله في قوله: {بل أكثرهم لا يعلمون} «61» و{بل هم قوم يعدلون} «60» فأجرى الكلام كله على أوله، على لفظ الغيبة، لتتفق رؤوس الآي.
27- وحجة من قرأ بالتاء أنه رده على الخطاب الذي هو أقرب إليه في قوله: {ويجعلكم خلفاء الأرض}، وقد تقدم ذكر الاختلاف في التخفيف والتشديد في قراءة من قرأ بالياء، والتاء الاختيار؛ لأن الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/164]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (21- {قَلِيلًا مَا يَذَّكَّرُونَ} [آية/ 62] بالياء وتشديد الذال:
قرأها أبو عمرو ويعقوب ح-.
[الموضح: 967]
والوجه أن المراد: قليلًا ما يذّكّر هؤلاء المشركون الذين يجعلون مع الله إلهًا آخر، والأصل في يذّكّرون: يتذكرون، فأُدغمت التاء في الذال.
وقرأ حمزة والكسائي و-ص- عن عاصم {تَذَكَّرُونَ} بالتاء وتخفيف الذال.
والوجه أن الخطاب معهم دون المؤمنين، كأنه قال: قل لهم يا محمد قليلًا ما تذّكّرون، والأصل فيه: تتذكرون بتائين، فحذفت إحداهما تخفيفًا.
وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر و-ياش- عن عاصم ويعقوب في غير رواية ح- {تَذَّكَّرُونَ} بالتاء وتشديد الذال.
والوجه في المخاطبة قد سبق، والأصل: تتذكرون، فأُدغمت التاء الثانية في الذال). [الموضح: 968]

قوله تعالى: {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63)}
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ومن يرسل الرّياح بشرا بين يدي رحمته} 63
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائيّ (ومن يرسل الرّيح) بغير ألف وقرأ الباقون بالألف وقد ذكرت الحجّة في سورة البقرة قوله {نشرا} وقد ذكرنا أيضا في سورة الأعراف). [حجة القراءات: 534]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (22- {وَمَنْ يُرْسِلِ الرِّيحَ} [آية/ 63] على الوحدة:
قرأها ابن كثير وحمزة والكسائي.
وقرأ الباقون {الرِّيَاحَ} على الجمع.
وقد سبق الكلام في مثله). [الموضح: 968]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (23- {بُشْرًا} [آية/ 63] بضم الباء وسكون الشين:
قرأها عاصم وحده.
وقرأ ابن عامر {نُشْرًا} بالنون مضمومة، وإسكان الشين.
وقرأ حمزة والكسائي {نَشْرًا} بالنون المفتوحة، والشين ساكنة.
[الموضح: 968]
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب {نُشُرًا} بضم النون والشين جميعًا.
وقد سبق الكلام على هذا). [الموضح: 969]

قوله تعالى: {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16 صفر 1440هـ/26-10-2018م, 05:03 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة النمل

[ من الآية (65) إلى الآية (72) ]
{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآَبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) }


قوله تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة السلمى: [إِيَّانَ يُبْعَثُونَ]، بكسر الهمزة.
قال أبو الفتح: قد تقدم القول على كسر هذه الهمزة فيما مضى من الكتاب). [المحتسب: 2/142]

قوله تعالى: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (بل أدرك علمهم في الآخرة (66)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: (بل أدرك) خفيفة بغير ألف.
وقرأ الباقون (بل ادّارك) مثقلاً بألف، وروى المفضل عن عاصم (بل أدرك) مثل أبي عمرو.
قال أبو منصور: من قرأ (بل أدرك) خفيفة فهو من أدرك يدرك، كأنه قال هل أدرك علمهم علم الآخرة؟
وروي عن السّدّي في تفسيره قال:
[معاني القراءات وعللها: 2/243]
اجتمع علمهم يوم القيامة فلم يشكوا ولم يختلفوا.
قال أبو معاذ النحوي: من قرأ (بل أدرك)، و(بل ادّارك) فمعناهما واحد، يقول: هم علماء في الآخرة كقول اللّه: (أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظّالمون اليوم في ضلالٍ مبينٍ (38).
وقال أبو سعيد الضرير: أما أنا فأقرأ (بل أدرك علمهم في الآخرة)
ومعناها عنده أي: علموا في الآخرة أن الذي كانوا يوعدون حق، وأنشد قول الأخطل:
وأدرك علمي في سواءة أنها... تقيم على الأوتار والمشرب الكدر
أي: أحاط علمي بها أنها هكذا.
وقال الفراء: من قرأ (بل ادّارك علمهم في الآخرة)
معناه: لعله تدارك، يقول تتابع علمهم في الآخرة، يريد: بعلم الآخرة تكون أولا تكون؟ قال - عزّ وجلّ - (بل هم في شكٍّ منها).
قال أبو منصور: والصحيح في تفسيره ما قال السدي وأبو معاذ وأبو سعيد، والمعنى: بل يدرك علمهم في الآخرة، ويدارك بمعناه، حين لا ينفعهم علمهم؛ لأن الخلق كلهم يوم القيامة مؤمنون إيمانًا لا ينفعهم إذا لم يكونوا في الدنيا مؤمنين.
وقال شمر: أدرك، وادّارك، وتدارك تكون لازمة وواقعة:
[معاني القراءات وعللها: 2/244]
يقال: أدركت الأمر، وتداركته، وادّاركته، وادّركته، بمعنى واحد وقد أدرك، وادّراك، وادّرك، وتدارك بمعنى واحد، أي: تلاحق.
وروى الأعشى عن أبي بكر أنه قرأ (بل ادّرك علمهم) وأصله: تدرّك، وادّارك أصله: تدارك). [معاني القراءات وعللها: 2/245]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (23- وقوله تعالى: {بل ادارك علمهم في الآخرة} [66].
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/160]
فيه ست قراءات:
قرأ أهل الكوفة ونافع وابن عامر: {بل إدارك} أرادوا: بل تدارك علمهم فأدغموا التاء في الدال بعد أن قلبوها دالا، وأتوا بألف الوصل لسكون الحرف المدغم، ومثله: {قالوا اطيرنا} [47] بمعنى: تطيرنا {فاداراتم فيها} والأصل: تداراتم، واحتجوا بحرف أبي: {بل تدرك علمهم في الآخرة}.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: {بلا أدرك علمهم} من أفعل يفعل. وتدارك زيد أمره وأدرك بمعنى، ومثله: {إنا لمدركون} {ولمدركون} على قراءة الأعرج. فعلى قراءة أبي عمرو: الألف ألف القطع. وعلى قراءة الباقين الألف ألف الوصل وكسرة اللام من «بل» لسكونها. وسكون الدال المدغمة.
وحدثني أحمد عن على عن أبي عبيد أن عطاء بين يسار قرأ: {بل ادرك علمهم} موصول الألف، أراد: بل أدرك، فنقل فتحة الهمزة إلى اللام، فانفحت اللام وسقطت الهمزة. كما قرأ ورش: {قد افلح المؤمنون} يريد: قد أفلح وكقول العرب من ابوك؟ يريدون: من أبوك.
والقراءة الخامسة: قراءة ابن محيصن: {بل أدارك علمهم} ممدود
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/161]
على الاستفهام، قال النحويون: غلط [لأن] «بل» تحقيق وإيجاب، و«آدرك» بالمد نفي الإدراك، فلا يلي المنفي موجبًا.
والقراءة السادسة: قراءة ابن عباس: {بلى أدرك علمهم} فـ«بلى» جواب الجحد ويصلح الوقف عليه، ثم يبدأ بألف الاستفهام والتوبيخ أدرك أم لم يدرك؟). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/162]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله جلّ وعزّ: بل أدارك علمهم [النمل/ 66]،
[الحجة للقراء السبعة: 5/399]
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (بل أدرك) [خفيفة بغير ألف]، وقرأ الباقون: بل أدارك [بالألف ممدودة. روى] المفضل عن عاصم:
(بل أدرك) مثل أبي عمرو غير أحمد، وروى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم بل ادرك على افتعل.
قال أبو علي: يعلم قد يصل بالجار كقوله: ألم يعلم بأن الله يرى [العلق/ 14] وقولهم: علمي بزيد يوم الجمعة، ويمكن أن يكون منه قول ابن مقبل:
وعلمي بأسدام المياه...
ومعنى أدرك: بلغ ولحق، تقول: فلان أدرك الجيش إذا لحق بهم وقد تقول: هذا ما أدركه علمي أي: بلغه، فالمعنى: أنّهم لم يدركوا علم الآخرة، أي لم يعلموا حدوثها وكونها، ودلّ على ذلك قوله تعالى: بل هم في شك منها، بل هم منها عمون [النمل/ 66] أي:
بل هم من علمها، وإذا كان كذلك، كان معنى قوله سبحانه في الآخرة معنى الباء، أي: لم يدركوا علمها، ولم ينظروا في حقيقتها، فيدركوها ولهذا قرأ من قرأ: (بل أدرك) كأنّه أراد لم يدركوه، كما تقول: أجئتني أمس أي: لم تجىء. والمعنى: لم يدرك علمهم
[الحجة للقراء السبعة: 5/400]
بحدوث الآخرة، بل هم في شكّ من حدوثها، بل هم عن علمها عمون.
والعمي عن علم الشيء أبعد منه من الشاكّ فيه، لأنّ الشّكّ قد يعرض عن ضرب من النظر، والعمي عن الشيء الذي لم يدرك منه شيئا.
أمّا من قال: ادارك فإنّه أراد: تدارك، فأدغم التاء في الدال لمقاربتها لها، وكونها من حيّزها، فلمّا سكنت التاء للإدغام اجتلبت لها همزة الوصل كما اجتلبت في نحو ادّان وفي التنزيل: حتى إذا اداركوا فيها جميعا [الأعراف/ 38]، كأن معناه: تلاحقوا قال:
تداركتما الأحلاف قد ثلّ عرشها وما رواه الأعشى عن أبي بكر عن عاصم: بل ادرك فمعناه افتعل من أدركت، وافتعل، وتفاعل: قد يجيئان بمعنى، يعنى بأحدهما ما يعنى بالآخر، ومن ثمّ صحّ قولهم: ازدوجوا، وإن كان حرف العلة على صورة يجب فيها الانقلاب، ولكنّه صحّ لما كان بمعنى تفاعلوا، وتفاعلوا يلزم تصحيح حرف العلة فيه لسكون الحرف الذي قبل حرف العلة، فصار تصحيح هذا كتصحيح: عور، وحول، لمّا كان في معنى تفاعل، وتفاعل قبل حرف العلة منه ساكن، وإذا كان كذلك
[الحجة للقراء السبعة: 5/401]
فادّرك وادّارك بمعنى، كما أن عور واعوار بمعنى، ولو قرئ: حتى إذا ادّاركوا فيها، وادّركوا لكان مثل ما في هذه الآية، وقول الشاعر:
ولولا دراك الشّدّ قاظت حليلتي أي: لولا متابعتي للعدو والنجاء، لأسروني. فدراك مصدر لدارك، كما أنّ القتال مصدر لقاتل). [الحجة للقراء السبعة: 5/402]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة سليمان بن يسار وعطاء بن السائب: [بَلَ ادْرَكَ عِلْمُهُمْ]، بفتح اللام، ولا همز، ولا ألف.
وروي عنهما: [بَلَ ادّرَكَ]، بفتح اللام، ولا همز، وتشديد الدال، وليس بعد الدال ألف.
وقرأ: [بلْ آدْرَكَ] الحسن وأبو رجاء وابن محيصن وقتادة.
وقرأ: [بَلَى] بياء [آدْرَك] ممدودا ابن عباس.
وقرأ: [بَلِ ادَّرَكَ]، مخفوضة اللام، مشددة الدال الحسن.
وقرأ: [بَلْ تَدَارَكَ] أُبَيّ بن كعب.
[المحتسب: 2/142]
وقراءة الناس: [بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ]، و[بَلِ ادَّارَكَ]، فذلك ثمانية أوجه:
قال أبو الفتح: [أما بَلَ ادْرَكَ] فعلى تخفيف الهمزة بحذفها، وإلقاء حركتها على اللام الساكنة قبلها، كقولك: في {قَدْ أَفْلَحَ}: [قَدَ افْلَحَ].
وأما [بَلَ ادَّرَكَ]، بفتح اللام فكان قياسه: بَلِ ادَّرَكَ؛ بكسر اللام لسكونها وسكون الدال بعدها، إلا أنه فتحت اللام لأن في ذلك إزالة لالتقاء الساكنين، وعدولا إلى الفتحة لخفتها، كما رُوِّينا عن قطرب: أن منهم من يقول: [قُمَ الليل]، وبِيعَ الثوب.
وأما [بَلْ آدْرَكَ] فإن "بل" استئناف، وما بعدها استفهام، كما تقول: أزيد عندك؟ بل أجعفر عندك؟ تركا للأول إلى غيره، لا تراجعا عنه، لكن للانتحاء من بعده على غيره.
وأما [بَلَى] فكأنه جواب، وذلك أنه لما قال: [قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ] فكأن قائلا قال: ما الأمر كذلك، فقيل له: [بلى]، ثم استؤنف فقيل: [آدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ].
وأما [بَلِ ادَّرَكَ] فلا سوال مع كسر اللام؛ لسكونها، وسكون الدال بعدها.
وأما [بَلْ تَدَارَكَ] فإنه أصل قراءة من قرأ: [ادَّارَكَ]؛ وذلك أنه في الأصل تدارك، ثم آثر إدغام التاء في الدال؛ لأنها أختها في المخرج، فقلبها إلى لفظها، وأسكنها، وأدغمها فيها. واحتاج إلى ألف الوصل؛ لسكون الدال بعدها، ومثله: {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ}. {فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} ). [المحتسب: 2/143]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شكّ منها} 66
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (بل ادّرك علمهم) بقطع الألف وسكون الدّال بمعنى هل أدرك علمهم علم الآخرة كذا قال الفراء {وهل} بمعنى الجحد أي لم يعلموا حدوثها وكونها ودلّ على ذلك قوله تعالى {بل هم في شكّ منها} وقالوا {في} في قوله {في الآخرة} بمعنى الباء وتأويل الكلام لم يدرك علمهم بالآخرة ويقوّي هذا قراءة من قرا (بل أدرك علمهم) على لفظ الاستفهام بمعنى النّفي وكان قتادة يقول (بل أدرك) أي لم يدرك بعد
وقرأ الباقون {بل ادارك علمهم في الآخرة} أي بل تكامل علمه يوم القيامة بأنّهم مبعوثون وأن كل ما وعدوا به حق قال ابن عبّاس {بل ادارك علمهم في الآخرة} أي ما جهلوا في الدّنيا علموه في الأخرة وحجتهم قراءة أبي بل تدارك علمهم فأدغموا التّاء في الدّال لمقاربتها لها فلمّا سكنت التّاء للإدغام اجتلبت له ألف الوصل كما اجتلبت في نحو {فادارأتم} وفي التّنزيل حتّى {إذا اداركوا فيها} ). [حجة القراءات: 535]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (28- قوله: {بل ادارك} قرأه أبو عمرو وابن كثير بقطع الهمزة وإسكان الدال من غير ألف بعد الدال، على وزن «أفعل» وقرأ الباقون يوصل الألف وتشديد الدال وألف بعد الدال.
وحجة من قرأ على وزن «أفعل» أنه حمله على معنى «بلغ ولحق» كما تقول: أدرك علمي هذا، أي بلغه، فالمعنى فيه الإنكار، و«بل» بمعنى «هل»
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/164]
فهو إنكار أن يبلغ علمهم أمر الآخرة، وفيه معنى التقرير والتوبيخ لهم، وطلبهم علم ما لا يبلغونه أبدًا، فالمعنى: هل أدرك عملهم في الآخرة، أي بعلم حدوث الآخرة، ومتى تكون، أي إنهم لم يدركوا على الآخرة ووقت حدوثها، ودل على ذلك قوله: {بل هم في شك منها بل هم منها عمون} أي من علمها، و«في» بمعنى الباء فالمعنى: هل أدرك علمهم بالآخرة، أي: هل بلغ غايته فلم يدركوا علمها، ولم ينظروا في حقيقتها، والعمى عن الشيء أعظم من الشك فيه، وهو في حرف أبي «أم تدارك» على معنى النفي.
29- وحجة من شدد الدال أن أصله «تدارك علمهم» فأدغم التاء في الدال فسكن الأول، فدخلت ألف الوصل للابتداء، ومعناه: بل تلاحق علمهم بالآخرة، أي: جهلوا علم وقتها فلم ينفرد أحد منهم بزيادة علم في وقتها، فهم في الجهل لوقت حدوثها متساوون، وهو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/165]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (24- {بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ} [آية/ 66] بقطع الألف وسكون الدال:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب، على أفعل.
والوجه أن المراد بلغ وانتهى، كما تقول: هذا ما أدركه علمي، أي بلغه وانتهى إليه، و{في} بمعنى الباء، وهو من صلة العلم، والمراد علمهم بالآخرة، يعني بل أأحاطوا علمًا بالآخرة؟ على معنى أنهم لم يعلموا حدوثها وكونها، بدليل قوله {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ منها}.
وقرأ الباقون {بَلِ ادَّارَكَ} بوصل الألف، وتشديد الدال، وبعد الدال ألف.
والأصل تدارك فأُدغمت التاء في الدال لتقارب مخرجيهما، فلما سكنت التاء للإدغام اجتُلبت لها ألف الوصل كما اجتُلبت في نحو {ادّارَأْتُمْ} و{ادّارَكُوا}، والمعنى تتابع علمهم بالآخرة، أي كان علمهم قد تتابع، ثم قال {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ}.
وقيل معناه إنه يتتابع علمهم في الآخرة حين لا ينفعهم علمهم؛ لأن الخلق كلهم يوم القيامة مؤمنون، ولكن لا ينفع الإيمان حينئذ من لم يكن مؤمنًا في الدنيا، ولفظ الماضي على هذا لتحقق القيامة حتى كأنها واقعة.
[الموضح: 969]
وقرأ عاصم ياش- {ادَّرَكَ} بفتح الدال وتشديدها، ولا ألف بعد الدال.
والوجه أنه على افتعل، من أدركت، وافتعل وتفاعل قد يكونان بمعنى، نحو ازدوجوا وتزاوجوا واعتونوا وتعاونوا). [الموضح: 970]

قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآَبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (24- وقوله تعالى: {أءذا} [67].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو: {أيذا ... أينا} جمعا بين الاستفهامين غير أن ابن كثير يقصر، وأبو عمرو يمد.
وقرأ حمزة وعاصم بالجمع بين الاستفهامين، وبهمزتين على أصل الكلمة، وقد أحكمت علل هذا فيما تقدم، فأغني عن الإعادة.
وقرأ نافع: {إذا} بغير استفهام {آينا} خلاف أصله واحدة على الخبر.
وقرأ الكسائي وابن عامر {أءذا} بالاستفهام والهمزتين {إننا} بنونين على الجر). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/162]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ ابن كثير وأبو عمرو: (أيذا كنا ترابا وآباؤنا أينا) [النمل/ 67] بهمزة، غير أن ابن كثير لا يمدّ، وأبو عمرو يمدّ، وكان أبو عمرو يأتي بألف بعد الهمزة، ثمّ ياء، وكان ابن كثير لا يأتي بألف بعدها ياء، تقول: (أيذا، أينا، وقرأ عاصم وحمزة: أإذا بهمزتين، أإنا بهمزتين، وقرأ نافع: (إذا كنّا ترابا) مكسورة الألف، (آينا) ممدودة، وقرأ ابن عامر والكسائي: أإذا كنا ترابا بهمزتين، (إنّنا لمخرجون) بنونين وكسر الألف من غير استفهام.
[قال أبو علي]: قد ذكرنا ألفاظ ذلك ومعانيه فيما تقدّم). [الحجة للقراء السبعة: 5/402]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وقال الّذين كفروا أئذا كنّا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون} 67
قرأ نافع (وقال الّذي كفروا إذا كنّا) بكسر الألف {أئنا} بالاستفهام وقرأ ابن كثير وأبو عمرو جميعًا بالاستفهامين
قرأ ابن عامر والكسائيّ (أإذا) بهمزتين {إننا} بنونين
[حجة القراءات: 535]
قرأ عاصم وحمزة {أئذا} بهمزتين {أئنا} بهمزتين وقد ذكرت الحجّة في سورة الرّعد). [حجة القراءات: 536]

قوله تعالى: {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68)}
قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69)}
قوله تعالى: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70)}

قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (25- وقوله تعالى: {ولا تكن في ضيق} [70].
قرأ ابن كثير والمسيبي عن نافع: {في ضيق} بكسر الضاد.
وقرأ الباقون: {في ضيق} وقد فسرته في (النحل) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/162]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وقرأ ابن كثير: في (ضيق) بكسر الضاد. [النمل/ 70].
خلف عن المسيبي عن نافع مثله، وكذلك روى أبو عبيدة عن إسماعيل عنه وهو غلط، وقرأ الباقون ضيق بفتح الضاد.
[الحجة للقراء السبعة: 5/402]
قال أبو علي: لا يكون الضيق مثل هين ولين، لأنّك إن حملته على ذلك، أقمت الصفة مقام الموصوف، فلا ينبغي أن تحمل على ذلك، ما أصبت عنه مندوحة، فيحمل ضيق وضيق على أنهما لغتان). [الحجة للقراء السبعة: 5/403]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا تكن في ضيق ممّا يمكرون}
قرأ ابن كثير {ولا تكن في ضيق} بكسر الضّاد وقرأ الباقون {في ضيق} بالفتح الضّيق بالكسر الاسم والضيق بالفتح المصدر وقال الفراء الضّيق ما ضاق عنه صدرك والضيق ما يكون في الشّيء الّذي يتّسع ويضيق مثل الدّار والثّوب وقال أبو عمرو الضّيق بالفتح الغم والضيق بالكسر الشدّة). [حجة القراءات: 536]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (25- {وَلَا تَكُنْ فِي ضِيْقٍ} [آية/ 70] بكسر الضاد:
قرأها ابن كثير وحده.
وقرأ الباقون {فِي ضَيْقٍ} بفتح الضاد.
والضَّيق والضِّيق بالفتح والكسر لغتان، وقد تقدم الكلام فيهما). [الموضح: 970]

قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71)}
قوله تعالى: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعرج: [رَدَفَ لَكُمْ]، بفتح الدال.
قال أبو الفتح: من قال [رَدِف] فهو في وزن تبع، ومن قال: [ردف] فهو بمنزلة تلا، وشفع. والكسر أفصح، وهو أكثر اللغة). [المحتسب: 2/143]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 16 صفر 1440هـ/26-10-2018م, 05:05 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة النمل

[ من الآية (73) إلى الآية (81) ]
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75) إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) }


قوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73)}
قوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن السميفع وابن محيصن: [تَكُنُّ صُدُورُهُمْ] بفتح التاء. وضم الكاف.
قال أبو الفتح: المألوف في هذا: أَكْنَنْتُ الشيءَ: إذا أخفيتَه في نفسك. وكَنَنْتُه: إذا سترته بشيء، فأكننت كأضمرت، وكَنَنْتُ كسترت. فأما هذه القراءة: [تَكُنُّ صُدُورُهُمْ] فعلى أنه أجرى الضمير لها مجرى الجسم الساتر لها مبالغة؛ وذلك لأن الجسم أقوى من العَرَض، وهذا نحو من قوله:
وحَاجَةٌ دونَ أُخْرَى قَدْ عَرَضْتُ لها ... جَعَلْتُها لِلَّتِي أَخْفَيْتُ عُنْوَانا
فأجرى ما يخفيه الضمير ويبرزه البوح به مجرى ما يدرك باللمس؛ تنويها به، ومُبَادَاة للحس بإدراكه, وقد مر به بعض المولدين، فقال:
حُبِّي لَهُ جِسْمٌ وَحُبْـ ... ـبُّ الناسِ كُلِّهِمُ عَرَضْ
وعليه قول الآخر:
تَغَلْغَلَ حُبُّ عَثْمَةَ في فُوادِي ... فَبَادِيِهِ مَعَ الخافِي يَسِيرُ
ألا تراه كيف وصفه بما توصف به الجواهر من السروب والتغلغل؟ ومرَّ به الطائي الكبير، إلا أنه عكسه فقال:
مَوَدَّةٌ ذَهَبٌ أثمارُها شَبهُ ... وَهِمّةٌ جَوْهَرٌ مَعْرُوفُها عَرَضُ
والباب واسع، والطريف مُسْهَب, إلا أنّ هذا سًمْته). [المحتسب: 2/144]

قوله تعالى: {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75)}
قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76)}
قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77)}
قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78)}
قوله تعالى: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)}
قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80)}

قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا يسمع الصّمّ الدّعاء (80)
قرأ ابن كثير وحده (ولا يسمع) بالياء، (الصّمّ) رفعًا، و(الدّعاء) نصبًا.
ها هنا وفي الروم.
وقرأ الباقون (ولا تسمع الصّمّ الدّعاء).
وروى عباس عن أبي عمرو مثل ابن كثير.
قال أبو منصور: من قرأ (ولا يسمع الصّمّ الدّعاء) فالفعل للصّمّ، و(الدعاء) مفعول به.
ومن قرأ (ولا تسمع الصّمّ الدّعاء) فالخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -
[معاني القراءات وعللها: 2/245]
والصّم مفعول به، والدعاء مفعول ثان وأراد بالصّم: الكفار الذين لا يعون ما يسمعون، لا أنّهم صمّ الآذان). [معاني القراءات وعللها: 2/246]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (26- وقوله تعالى: {ولا تسمع الصم الدعاء} [80].
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/162]
قرأ ابن كثير وحده: {ولا يسمع} بالياء، {الصم} بالرفع جعلهم هم الفاعلين.
وقرأ الباقون: {ولا تسمع} أنت يا محمد بالتاء خطابًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، {الصم} نصب مفعول به أي: ولا تسمع أنت يا محمد القوم الصم {الدعاء} مفعول ثان. والصم مثل؛ لأنهم لو لم يسمعوا ولم يبصروا ما وجبت الحجة عليهم، ولكنه لما خاطبهم ووعظهم فتكبروا عن الموعظة ومجتها آذانهم صاروا بمنزلة من لا يسمع. قال الشاعر:
اصم عما ساءه سميع). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/163]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ ابن كثير: (ولا يسمع الصم) [النمل/ 80] رفعا، وفي الروم [الآية/ 52] مثله، وقرأ الباقون: تسمع بالتاء، الصم نصبا في الموضعين.
عباس عن أبي عمرو: (ولا يسمع الصّمّ) مثل ابن كثير.
حجّة من قرأ: تسمع أنّه أشبه بما قبله، ألا ترى قوله سبحانه: إنك لا تسمع الموتى [النمل/ 80] فأسند الفعل إلى المخاطبين، فكذلك يسند إليهم في قوله: ولا تسمع الصم ويؤكد ذلك قوله: ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم، ولو أسمعهم لتولوا [الأنفال/ 23]، فيكون المعنى: إنّك لا تسمعهم كما لم يسمعهم الله.
والمعنى: أنّهم لفرط إعراضهم عما يدعون إليه من التوحيد والدين، كالميت الذي لا سبيل إلى إسماعه وإعلامه شيئا، وكالصّمّ الذين لا يسمعون ولا يسمعون. ومن قرأ: (لا يسمع الصّمّ) فالمعنى أنّهم لا ينقادون للحقّ لعنادهم، وفرط ذهابهم عنه، كما لا يسمع الأصم ما يقال له.
ومن قرأ: لا تسمع فالمعنى: إنك إذا أسمعتهم لم يسمعوا، فالمعنى فيه يؤول إلى أن الصمّ لا تسمع). [الحجة للقراء السبعة: 5/403]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إنّك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدّعاء إذا ولوا مدبرين}
قرأ ابن كثير {ولا يسمع} بالياء وفتحها {الصم} بالرّفع جعلهم الفاعلين أي لا ينقادون للحق لعنادهم كما لا يسمع الأصم ما يقال له
وقرأ الباقون {لا تسمع} بالتّاء وضمّها {الصم} نصب خطاب لرسول الله صلى الله عليه وحجتهم أنه أشبه بما قبله ألا ترى في قوله تعالى {إنّك لا تسمع الموتى} فأسند الفعل إلى المخاطب فكذلك تسند إليه في قوله {ولا تسمع الصم} ويدل على ذلك قوله ولو علم الله فيه خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا فيكون المعنى إنّك
[حجة القراءات: 536]
لا تسمعهم كما لم يسمعهم الله فالمعنى أنهم لفرط إعراضهم عمّا يدعون إليه من التّوحيد كالميت الّذي لا سبيل إلى إسماعه وإعلامه شيئا كالصم). [حجة القراءات: 537]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (30- قوله: {ولا تُسمع الصم} قرأه ابن كثير بياء مفتوحة، وفتح الميم، ورفع «الصم» على الإخبار عنهم، فهو نفي السماع عنهم، فرفعهم كرفع الفاعل، والمعنى أنهم لا ينقادون إلى الحق كما لا يسمع الأصم المعرض المدبر عن سماع ما يقال له من كلام من يكلمه، فلم يكفه أنه معرض عما يقال له حتى وصفه بالصم.
فهذا غاية امتناع سماع ما يقال له، فيشبههم في إعراضهم عن قبول ما يقال لهم من الإسلام والكتاب بدعاء الأصم المعرض المدبر عن الشيء، وقرأ الباقون بتاء مضمومة، وكسر الميم، ونصب «الصم» ردوه على ما قبله من الخطاب لمحمد عليه السلام، في قوله: {إنك لا تسمع الموتى} فجرى الثاني على لفظ
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/165]
الأول من الخطاب، ونصبوا الصم بوقوع الفعل عليهم، والمعنى: إنك يا محمد لا تقدر أن تسمع دعاءك الصم المعرضين عنك المدبرين شبهوا في إعراضهم عما جاءهم به محمد، وترك قبولهم له، بالأصم المعرض عن الشيء المدبر وهو الاختيار لأن الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/166]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (26- {وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ} [آية/ 80] بالياء مفتوحة في {يَسْمَعُ} وبالرفع في {الصُّمُّ}:
قرأها ابن كثير وحده.
والوجه أن الفعل مسند إلى {الصُّمُّ}، والمعنى أن الصم لا يسمعون الدعاء، أراد أن الكفار يشبهون الصم من حيث أنهم لا يُصيخون للحق ولا يقبلونه، كما أن الأصم لا يسمع ما يقال له.
وقرأ الباقون {وَلَا تُسْمِعُ} بالتاء المضمومة، {الصُّمَّ} بالنصب.
والوجه أنه على إسناد الفعل إلى المخاطب، والمخاطب هو النبي صلى الله عليه (وسلم)، أي إنك لا تقدر على إسماء الصم، كما لا تقدر
[الموضح: 970]
على إسماع الموتى؛ لأن قبله {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}، فهذا أشد مناسبة ما قبله؛ لأن الفعل فيما قبله مسند إلى المخاطب). [الموضح: 971]

قوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وما أنت بهادي العمي (81)
قرأ حمزة وحده (وما أنت تهدي العمي) بالتاء و(العمي) نصبًا، وكذلك قرأ في الروم فوقف عليها بالياء، يعنى على قوله (تهدي).
وقرأ الباقون (وما أنت بهادي العمي) بالياء مع الإضافة، ووقفوا على التي في النمل (بهادي) بالياء، وهي ثابتة في المصحف، ووقفوا في الروم على قوله (بهاد) بغير ياء، وليس في الكتاب ياء.
قال أبو منصور: من قرأ (وما أنت تهدي العمي)
فالمعنى: ما أنت يا محمد تهدي الذين عميت بصائرهم عن آياننا، ولكن عليك الدّعاء، ويهدى الله من يشاء.
و(العمي) في هذه القراءة منصوب بالفعل، ومن قرأ (وما أنت بهادي العمي) فإن الباء دخلت لحرف النفي، كقولك: ما أنت بعالم.
وخفض (العمي) لأنه مضاف إليه). [معاني القراءات وعللها: 2/246]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (27- وقوله تعالى :{وما أنت بهادي العمي} [81].
قرأ حمزة وحده: {وما أنت تهدي العمي} جعله فعلاً مضارعًا. وكذلك في (الروم) فيلزم من قرأ بقراءة حمزة أن يقف بالياء في السورتين كليهما.
وقرأ الباقون: {بهادي} فـ «هادي» اسم الفاعل، وهو في موضع جر بالباء وهو خبر «ما» كأنه يقول: ما أنت بقائم، ولو أسقطت الباء لقلت ما أنت قائمًا، فإذا قلت: ما أنت تقوم فـ«تقوم» نصب في المعنى، رفع في اللفظ. وكتبت {بهدي} بالياء على الأصل وكتب في (الروم) {به} بغير ياء على الوقف، والاختيار أن تقف ها هنا بالياء، وثم بغير ياء اتباعا للمصحف. ويجوز في النحو إسقاط الياء من الجميع، وإثباتها.
حدثنا ابن مجاهد، قال: حدثنا محمد بن يحيى الكسائي عن خلف
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/163]
قال: كان الكسائي يقول: من قرأ {تهدى} بالتاء وقف عليهما بالياء. قال خلف: وسمعت الكسائي يقف عليهما جميعًا.
وفيها قراءة ثالثة: حدثني ابن عرفة، قال: حدثني المبرد قال: سمعت عمارة بن عقيل بن بلال بن جري يقرأ: {وما أنت بهاد العمى} وهو جيد في العربية. كما تقول: براكب الفرس، وبراكب الفرس، فعلى هذه القراءة تقف {هاد} بغير ياء مثل {ولا مولود هو جاز} {فاقض ما أنت قاض} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/164]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ حمزة وحده: (تهدي) [النمل/ 81] بالتاء (العمي) نصبا، وفي الروم [53] مثله، وقرأ الباقون: بهادي العمي مضافا في السورتين. قال أبو بكر: وكتب: (تهدي العمي) في هذه السورة بياء على الوقف، وكتب التي في الروم بغير ياء على الوصل، وقال خلف: كان الكسائي يقف عليهما جميعا بالياء.
حدثنا بذلك محمد بن يحيى الكسائي عن خلف، قال خلف: سمعت الكسائي يقول: من قرأ: (تهدي العمي) بالتاء، وقف عليهما جميعا بالياء.
قال بعض أصحاب أحمد، يعني الكسائي: إن حمزة يقف: (تهدي)، كما يصل بالياء.
[قال أبو علي]: حجة حمزة قوله: أفأنت تهدي العمي [يونس/ 43] والمعنى على تقدير: إنّك لا تهديهم لشدة عنادهم، وفرط إعراضهم، وإذا كان كذلك كان المعنى: إنّك لا تهدي العمي.
فأمّا أنت من قوله: (وما أنت تهدي العمي) فعلى قول أهل الحجاز، وهي لغة التنزيل يرتفع بما، وتهدي في موضع نصب بأنّه الخبر، وعلى قول بني تميم: يرتفع بمضمر يفسره الظاهر الذي
[الحجة للقراء السبعة: 5/404]
هو: (تهدي) تقديره إذا أظهرت ذلك المضمر ما تهدي تهدي، لأنّك إذا أظهرت الفعل المضمر اتصل به الضمير، ولم ينفصل كما ينفصل إذا لم تظهر.
وكذلك لو أظهرت ما ارتفع عليه أنت: فانظر، اتصل الضمير فصار: انظر انظر.
ومن قرأ: بهادي العمي مضافا في السورتين، فاسم الفاعل للحال، أو للآتي وإذا كان كذلك. كانت الإضافة في نيّة الانفصال، فأمّا كتابة: بهادي العمي في هذه السورة بالياء، فإن في الوقف على هاد وواد، وواق، ونحوه لغتين:
إحداهما وهي الأكثر: أن يقف بغير ياء، فيقول: (بهاد) بالسكون، وذلك أنّه كان في الوصل متحركا بالكسر، فإذا وقفت حذفت الحركة، كما تحذفها من سائر المتحركات في الوقف.
وقوم يقفون بالياء فيقولون: بهادي وواقي، وذلك أنّه كان حذف الياء من هادي لالتقائهما مع التنوين، وهما ساكنان، فلمّا وقف حذف التنوين في الوقف، فلمّا حذف التنوين عادت الياء التي كانت حذفت [لالتقائها ساكنة مع التنوين فيقول: هادي وواقي. ونحوه حكى سيبويه] اللغتين، فعلى هذا حذف الياء في موضع وإثباتها في آخر، على أن تكون كتبت على اللغتين، أو يكون أريد (بهادي) الإضافة، فلم ينوّن، فإذا لم ينوّن لم يلزم أن يحذف الياء، كما يحذف
[الحجة للقراء السبعة: 5/405]
إذا نوّن لسكونها، وسكون الياء، أو يكون: أريد به تهدي تفعل، ولم يرد به اسم الفاعل، وإذا أريد: تفعل ثبتت الياء في الوصل والوقف، ولعل حمزة في قراءته (تهدي). اعتبر ذلك إن كان مكتوبا في الخط بغير ألف، وزعموا أن: (تهدي) قراءة الأعمش). [الحجة للقراء السبعة: 5/406]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم} 81
قرأ حمزة (وما أنت تهدي العمي) بالتّاء و{العمي} بالنّصب وحجته قوله {أفأنت تهدي العمي} والمعنى أنّك لا تهديهم لشدّة عنادهم وفرط إعراضهم فأما {أنت} في قوله (وما أنت تهدي) فعلى قول أهل الحجاز وهو لغة التّنزيل يرتفع ب {ما} {وتهدي} في موضع نصب بأنّه الخبر
وقرأ الباقون {وما أنت بهادي العمي} مضافا وفي الرّوم مثله {بهادي} اسم الفاعل وهو في موضع جر بالباء وهو خبر {ما} كما تقول ما أنت بقائم ولو أسقطت الباء لقلت ما أنت قائما وكتب {بهادي} في هذه السّورة بالياء على الأصل وكتب في الرّوم (بهاد) بغير ياء على نيّة الوصل والاختيار أن تقف ها هنا
[حجة القراءات: 537]
بالياء وفي الرّوم بغير ياء). [حجة القراءات: 538]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (31- قوله: {وما أنت بهادي العمي} قرأه حمزة «تهدي» بالتاء على وزن «تفعل»، «العمى» بالنصب بـ «تهدي» جعله فعلًا للحال والاستقبال، وقرأ الباقون «بهادي» جعلوه اسم فاعل، دخلت عليه الباء لتأكيد النفي، وهو أيضًا للحال أو للاستقبال وخفضوا «العمي» لإضافة «هادي» إليه، ويجوز «العمي» في الكلام بالنصب على تقدير حذف التنوين لالتقاء الساكنين، ومثله في الروم، ووقف الكسائي عليهما جميعًا بالياء على الأصل، ووقف الباقون على هذا الذي في النمل بالياء، لثبات الياء فيه في المصحف، ولأنه الأصل، ووقفوا على الذي في الروم بغير ياء لحذفها من المصحف في الروم اتباعًا للخط، وروي عن حمزة أنه يقف عليهما بالياء، وقال الكسائي: من قرأ «تهدي» بالتاء لزمه أن يقف بالياء وإنما لزمه ذلك لأن الفعل لا يدخله تنوين في الوصل تحذف له الياء، فيكون في الوقف كذلك كما يدخل التنوين على «هاد» ونحوه فتذهب الياء في الوصل، فيجري الوقف على ذلك لمن وقف بغير ياء، والاختيار ما عليه الجماعة والاتباع لخط المصحف، وأن لا يُتعمد الوقف
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/166]
عليه في الروم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/167]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (27- {وَمَا أَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ} [آية/ 81] بالتاء في {تَهْدِي} على أنه فعلٌ مستقبلٌ، وبنصب {الْعُمْيَ}:
قرأها حمزة وحده، وكذلك في الروم.
والوجه أنه أليقُ بما قبله، وهو قوله {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ} وهما فعلان مستقبلان، وكذلك هذا فعل مستقبل، والمعنى: إنك لا تسمع الصم ولا تُهدي العمي، أي إنك لا تقدر على أن تهديهم لفرط عنادهم فشبههم في عنادهم بالعمي، أراد أنهم لا ينتفعون بإبصار الحق، فكأنهم عمي.
وقرأ الباقون في السورتين {بِهَادِي} على وزن فاعل، وبجر {العُمْيِ}.
والوجه أنه فاعل من هدى، فهو هادٍ، على وزن قاضٍ، وهو بمعنى الحال أو الاستقبال، فالإضافة غير محضة؛ لأنها في نية الانفصال ووجود التنوين، والتقدير: بهادٍ العمي، وقد عمل اسم الفاعل عمل الفعل، كأنه قال: تهدي العمي، والمعنى في القراءتين واحد.
[الموضح: 971]
ويعقوب يقف عليهما بالياء.
واختلف عن الكسائي فيه، فالدوري عنه يقف بلا ياء، وابن هشام بالياء.
والوجه أن الوقف على مثل {هادٍ} و{والٍ} و{واقٍ} يجوز بالياء وبغير الياء، لكنه بغير الياء أكثر؛ لأن التنوين مراعىً، إذ لا ألف ولام فيه، والياء إنما حذفت لالتقائها مع التنوين، وحجة إثبات الياء أن التنوين زائل في اللفظ لأجل الوقف فعاد الياء لذلك.
ومن قرأ {تَهْدِي} فإنه يقف بالياء.
والوجه أن الياء ههنا مثبتة؛ لأنها في فعلٍ مستقبلٍ، ولا تنوين فيه، فتحذف الياء لأجل التنوين). [الموضح: 972]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 16 صفر 1440هـ/26-10-2018م, 05:07 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة النمل

[ من الآية (82) إلى الآية (85) ]
{وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآَيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85)}


قوله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (تكلّمهم أنّ النّاس (82)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمر وابن عامر: (إنّ النّاس) بكسر الألف.
وقرأ الباقون (أنّ النّاس) بفتح الألف.
قال أبو منصور: من فتح الألف (أن النّاس) أوقع عليها الكلام، تكلمهم بأن النّاس وموضعها نصب.
ومن قرأ (تكلّمهم إنّ النّاس) كانت (إنّ) خبرًا
[معاني القراءات وعللها: 2/246]
مستأنفًا وفيه معنى وقوع الكلام، ومثله: (فلينظر الإنسان إلى طعامه) (أنّا) و(إنّا).
وأخبرني المنذري عن ابن اليزيدي قال سمعت أبا حاتم قال: من قرأ (تكلمهم أنّ الناس) بفتح (أن) فالوقف على (لا يوقنون)، ومن كسر (إن) فالوقف على (تكلّمهم). وهو من الكلام.
قال أبو منصور: وقرأ بعضهم (تكلمهم)، من الكلم.
وهو شاذ لا يعرج عليه). [معاني القراءات وعللها: 2/247]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (28- وقوله تعالى: {تكلمهم أن الناس} [82].
قرأ أهل الكوفة بالفتح، واحتجوا بقراءة ابن مسعود {تكلمهم بأن الناس} بالباء فلما سقطت الباء حكمت عليهما بالنصب، و«أن» إذا كانت في موضع اسم كانت في موضع الرفع والنصب والجر، لأنها تعرب كسائر الأسماء.
وقرأ الباقون بالكسر على الاستئناف؛ لأنهم جعلوا الكلام عند قوله {تكلمهم} تامًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/164]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (29- وقوله تعالى: {تكلمهم} [82].
اتفق القراء على تشديد اللام إلا ابن عباس فإنه قرأ: {أخرجنا لهم
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/164]
دابة من الأرض تكلمهم} مخففا، أي تسمهم؛ تجرحهم. تقول العرب: كلمت زيدًا أي: جرحته، وكلمته من الكلام. وربما قيل في الجراحة: كلمته بالتشديد، ولا يقال: كلمته في الكلام بالتخفيف). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/165]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر الألف وفتحها من قوله جل وعز: تكلمهم أن الناس [النمل/ 82] فقرأ عاصم وحمزة والكسائي: أن الناس فتحا وقرأ الباقون: (إنّ النّاس) كسرا.
قال [أبو علي]: وجه الفتح: تكلّمهم بأنّ النّاس. وفي قراءة أبيّ زعموا: (تنبّئهم) وروي عن قتادة: أنّه في بعض الحروف: (تحدّثهم)، وهذا يدلّ على أنّ تكلمهم من الكلام الّذي هو نطق، وليس من الكلم الّذي هو الجراح.
ومن كسر فقال: (إنّ النّاس)، فالمعنى: تكلّمهم تقول لهم: إنّ الناس، وإضمار القول في الكلام كثير، وحسن هذا لأنّ الكلام قول، فكأنّ القول قد ظهر). [الحجة للقراء السبعة: 5/406]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والجحدري وأبي زرعة. [تَكْلِمُهُمْ]
[المحتسب: 2/144]
قال أبو الفتح: [تَكْلِمُهُمْ]: تجرحهم بأكلها إياهم، وهذا شاهد لمن ذهب في قوله [تُكَلِّمُهُمْ] إلى أنه بمعنى تجرحهم بأكلها إياهم. ألا ترى أن [تَكْلِمُهُمْ] لا يكون من الكَلْم وهو الجرح. وهذه المادة مما وضعته العرب عبارة عن الشدة هي وتقاليبها الستة: ك ل م، ك م ل، م ل ك، ل ك م، م ك ل، ل م ك. وقد ذكرناها في كتابنا الخصائص أول باب منه، وهو باب القول على فرق بين الكلام والقول.
ويشهد لمن قال في قوله: [تُكَلِّمُهُمْ] إلى أنه من الكلام قراءة أبي: [تُنَبِّئُهُم]، ويشهد لهذا التأويل أيضا قراءة ابن مسعود: [تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُون]. وإن شئت كان هذا شاهدا لمن ذهب إلى أن [تُكَلِّمُهُمْ]: تجرحهم، أي: تفعل بهم ذلك بكفرهم، وزوال يقينهم). [المحتسب: 2/145]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أخرجنا لهم دابّة من الأرض تكلمهم أن النّاس كانوا بآياتنا لا يوقنون} 82
قرأ عاصم وحمزة والكسائيّ {إن النّاس} بفتح الألف واحتجّوا بقراءة ابن مسعود (تكلمهم بأن النّاس) بالباء فلمّا سقطت الباء حكم عليها بالنّصب
وقرأ الباقون {إن النّاس} بالكسر على الاستئناف جعلوا الكلام عند قوله تكلمهم تاما). [حجة القراءات: 538]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (32- قوله: {تكلمهم أن الناس} قرأ الكوفيون «أن الناس» بفتح الهمزة على تقدير: بأن الناس، وفي حرب أبي: «تنبئهم أن الناس» فهذا لا يكون معه إلا فتح «أن» وفي حرف ابن مسعود: «تكلمهم بأن الناس» فهذا ظاهر في فتح «أن» حكى قتادة أن في بعض القراءة «تحدثهم أن الناس» فهذا يدل على أن «تكلمهم» من «الكلام»، ليس من الجراح، وسئل ابن عباس عن هذا الحرف كيف هو، تكلِّمهم أو تكلِمهم؟ فقال: كلا والله تفعل، تُكلم المؤمنين وتَكلِم الكافر، أي تجرحه أي تسمه، وقرأ الباقون بكسر الهمزة على إضمار القول أي: تكلمهم فتقول: إن الناس، وحسن هذا لأن الكلام قول، فدل «تكلمهم» على القول المحذوف؛ لأنه قول، وهو الاختيار). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/167]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (28- {تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ} [آية/ 82] بفتح الألف:
قرأها الكوفيون ويعقوب.
والوجه أن المراد: تُكلمهم بأن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون، أي تحدثهم بذلك.
وعن قتادة: أن في بعض الحروف: تحدثهم، وهذا يدل على أنه من الكلام لا من الكَلْم.
وقرأ الباقون: {إِنَّ} بكسر الألف.
والوجه أنه على إضمار القول؛ لأن {إنَّ} تكون بعد القول مكسورة، تقول: قال زيد إن عمرًا منطلق، بكسر إنّ، وتقدير الآية: تكلمهم وتقول إنّ الناس، ولأجل أن الكلام بمعنى القول حسُن وقوع إن المكسورة ههنا). [الموضح: 973]

قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83)}
قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآَيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84)}
قوله تعالى: {وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 16 صفر 1440هـ/26-10-2018م, 05:09 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة النمل

[ من الآية (86) إلى الآية (88) ]
{ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)}


قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86)}
قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وكلٌّ آتوه داخرين (87)
قرأ حمزة وحفص) (وكلٌّ أتوه) مقصورًا.
وقرأ الباقون (آتوه) ممدودًا.
قال أبو منصور: من قرأ بالمدّ (آتوه) فمعناه: كل جاءوه.
وقيل: فاعلوه.
ومن قرأ (أتوه) ردّه على قوله: (ففزع من في السماوات... وكلٌّ أتوه) فرد فعل على مثلها، ورويت هذه القراءة عن ابن مسعود. وهي حسنة، والأولى جيدة). [معاني القراءات وعللها: 2/247]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (30- وقوله تعالى: {وكل أتوه داخرين} [87].
قرأ حمزة وحفص عن عاصم: {وكل أتوه داخرين} جعلوه فعلاً ماضيًا، كما تقول: غزوة قضوة، والأصل: أيتوه، وقضيوه وغزووه، فاستثقلوا الضم على الياء والواو فخزلوها، وحذفوا الياء والواو لسكونها وسكون واو الجمع.
وقرأ الباقون: {وكل ءاتوه} بالمد على فاعلوه مثل ضاربوه، والأصل: آتيونه فذهبت الياء لما أعلمتك، والنون للإضافة. ومددت أو الكلمة، لأن الهمزة الأولي في أوله فاء الفعل، والألف الثانية ألف فاعلين زائدة مجهولة. ول قرأ قارئ «وكل ءاتاه» فوحد جاز، لأن «كل» له لفظ ومعنى فلفظه التوحيد ومعناه الجمع، فمن جمع رده إلى معناه ومن وحده رده إلى لفظه. كما قال: {وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا} فوحد رد إلى اللفظ. ولو قرأ قارئ «وكل آتيه» كان صوابًا. غير أن القراءة سنة يأخذها آخر عن أول، ولا تحمل على قياس العربية ومن فعل ذلك كان عند العلماء معيبًا مبتدعًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/165]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ حمزة وحفص عن عاصم: وكل أتوه [النمل/ 87] مفتوحة التاء، وقرأ الباقون: (وكلّ آتوه) ممدودة مضمومة التاء، [أبو بكر عن عاصم مثله].
[الحجة للقراء السبعة: 5/406]
[قال أبو علي]: من قرأ: أتوه كان: فعلوا من الإتيان، وحجّته قوله حتى إذا جاءنا قال يا ليت [الزخرف/ 38]، فكذلك:
(أتوه) فعلوا من الإتيان، وحمل على معنى كلّ، دون لفظه، ولو حمل على لفظ كل لكان حسنا، كما قال سبحانه: إن كل من في السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا [مريم/ 93].
ومن قرأ: (وكلّ آتوه) فحجّته قوله: وكلهم آتيه يوم القيامة فردا [مريم/ 95] فكما أنّ (آتيه) فاعله حمل على لفظ (كلّ) كذلك آتوه: فاعلوه، فآتوه: محمول على معنى كلّ، وقوله: (آتيه):
(وإن كلّ إلّا آت الرحمن عبدا) محمول ذلك كلّه على لفظ كلّ دون معناه). [الحجة للقراء السبعة: 5/407]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة قتادة: [وَكُلٌّ أَتَاهُ دَاخِرِين].
قال أبو الفتح: حمل "أتاه" على لفظ "كل"؛ إذ كان مفردا، و"داخرين" على معناها. ولو قلب ذلك لم يحسن، لو قال: وكل أتوه داخرا قبح وضعف؛ وذلك أنك لما قلت: وكل فقد جئت بلفظ مفرد، فإذا قلت: أتوه فقد حملت على المعنى وانصرفت عن اللفظ، ثم إذا قلت: من بعد داخرا فأفردت فقد تراجعت إلى ما انصرفت عنه، فكان ذلك قلقا في الصنعة وانتكاثا عن المحجة المصير إليها المعتزمة.
وعلى ذلك قول الله سبحانه: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ}. فلو قال: من بعد: حتى إذا خرج من عندك لم يحسن؛ وذلك لأنه قد ترك لفظ. "من" إلى معناه بقوله: "يستمعون". فلو عاد إليه بعدَ انصرافه عنه فقال: خرج عاد إلى ما كان قد رغب عنه. واعتزم غيره عوضا منه. وكذلك قول الفرزدق:
تَعَشَّ فإنْ عاهدْتَنِي لا تخونُنِي ... نَكُنْ مِثْل مَن يا ذِيبُ يَصْطَحِبان
[المحتسب: 2/145]
فلو قال بعدَ يصطحبان: فلا تُنكر صحبته، أو فلا تذم عشرته؛ عودا إلى لفظ "مَن" وإفراده لكان فيه ما ذكرنا من كراهيته. واعلم أن مقاد الاستعمال في [كُلٌّ] أنها إذا كانت مفردة أخبر عنها بالجميع، نحو قوله تعالى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}، و {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ}، {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} في قراءة الكافة. فإن كانت مضافة إلى الجماعة أتى الخبر عنها مفردا كقوله تعالى: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}، وذلك أن أحد عَلَمَي الجمع كاف عندهم من صاحبه، وابنِ على ذلك). [المحتسب: 2/146]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ويوم ينفخ في الصّور ففزع من في السّماوات ومن في الأرض إلّا من شاء الله وكل أتوه داخرين} 87
قرأ حمزة وحفص {وكل أتوه} مقصورة مفتوحة التّاء جعلاه فعلا ماضيا أي جاؤوه على تأويل إذا كان ذلك أتوه كقوله {ونادى أصحاب الجنّة} وإنّما هو إذا كان ذلك وكذلك قوله {يومًا كان شره مستطيرا} أي إذا وقع كان شره مستطيرا وهو مردود على قوله {ففزع} كأنّهم وجهوا معنى الكلام إلى قوله ويوم ينفخ في الصّور ففزع من في السّموات ومن في الأرض وكلهم أتوه داخرين والأصل أتيوه فاستثقلوا الضمة على الياء فحذفوها وحذفوا الياء لسكونها وسكون واو الجمع
[حجة القراءات: 538]
وقرأ الباقون {وكل أتوه} بالمدّ مضمومة على الاستقبال وحجتهم قوله تعالى {وكلهم آتيه يوم القيامة} فكذلك الجمع {آتوه} والأصل آتيونه فذهبت الياء لما أعلمتك والنّون للإضافة وإنّما جاز في كل أن تقول آتيه وآتوه لأن لفظها لفظ الواحد ومعناه الجمع فمن جمع رده إلى معناها كقوله تعالى {كل له قانتون} {وكل أتوه داخرين} ومن وحد رده إلى لفظها كما قال وكلهم {آتيه يوم القيامة فردا} فوحد ردا إلى اللّفظ). [حجة القراءات: 539]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (33- قوله: {وكل أتوه} قرأه حفص وحمزة «أتوه» بالقصر، وفتح التاء، وقرأ الباقون بالمد وضم التاء، وورش على أصله في المد، وفي إلقائه حركة الهمزة على التنوين في «كل».
وحجة من قصره أنه جعله فعلًا ماضيًا، من باب المجيء، أي وكل جاؤوه، وأصله «أتيوه» على وزن «فعلوه» فلما انضمت الياء، وقبلها فتحة، قُلبت ألفًا، وبعدها واو الجمع ساكنة، فحذفت الألف لسكونها وسكون واو الجمع بعدها، وبقيت مفتوحة تدل على الألف المحذوفة والهاء في هذه القراءة في موضع نصب بوقوع الفعل عليها.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/167]
34- وحجة من مد أنه جعله اسم فاعل من باب المجيء أيضًا فالمعنى: وكل جائيوه، وأصله «آتيوه» مثل «فاعلوه» فلما انضمت الياء وقبلها كسرة، استثقل ذلك فيها، وألقيت حركة الياء على التاء، وحذفت كسرة التاء، فاجتمع ساكنان الياء والواو بعدها فحذفت الياء لالتقاء الساكنين، وبقيت حركتها تدل عليها، وقيل: بل أسكنت الياء تخفيفًا، وحذفت لالتقاء الساكنين، وضمت التاء لتصح الواو التي للجمع؛ إذ ليس في كلام العرب واو ساكنة، قبلها كسرة، وحذفت النون للإضافة، والهاء في هذه القراءة في موضع خفض لإضافة اسم الفاعل إليها، وهو الاختيار؛ لأن الجماعة عليه، فإن قيل: فهلا كان في قراءة من مد فعلًا مستقبلًا مثل «أنا آتيك به»؟ فالجواب أن الهمزة في «أفعل» أبدًا تكون للاستقبال، إذ كان الفعل للمخبر عن نفسه، وقوله: «وكل أتوه» ليس هو المخبر عن نفسه، إنما هو خبر عن غيب، فلا يحسن فيه أن تكون الهمزة للاستقبال، وقوله: {أنا آتيك} إنما جاز أن تكون الهمزة فيه للاستقبال، وأن يكون فعلًا مستقبلًا لأنه فعل للمخبر عن نفسه، فاعلمه، فأما قوله تعالى: {وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا} «مريم 95» فهو فاعل من المجيء، وأصله «آتيه» على وزن «فاعله» فلما انضمت الياء وقبلها كسرة، ثقل ذلك، فأسكنت استخفافًا، فالهاء في موضع خفض لإضافة اسم الفاعل إليها، ومثله في العلة والحذف قوله: {إلا آتي الرحمن عبدًا} «مريم 93» إلا أن الياء في «آتي الرحمن» حذفت في اللفظ في الوصل لسكونها وسكون اللام بعدها، فالوقف عليه بالياء؛ لأنه الأصل، ولأن الياء ثابتة في الخط، فأما قوله تعالى: {أنا آتيك به} «النمل 39» في الموضعين، في هذه السورة فيحتمل الوجهين وذلك أن يكون اسمًا، وزنه «فاعل» فتكون الهمزة أصلية، والألف بعدها زائدة، والكاف في موضع خفض لإضافة اسم الفاعل إليهان والفاعل مضمر في اسم الفاعل، وهو المخبر عن نفسه، والوجه الثاني أن يكون
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/168]
فعلًا مستقبلًا، والهمزة للمخبر عن نفسه، والألف بعدها بدل من همزة ساكنة، هي فاء الفعل، وهي همزة «أتى» والكاف في موضع نصب بالفعل، والفاعل هو المخبر عن نفسه أيضًا، مضمر في الفعل، والاختيار أن يكون «أنا آتيك» في الموضعين على «فاعل» لمن أماله، لأن الألف المبدلة من همزة ساكنة لا تمال كما لا تمال الهمزة الساكنة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/169]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (29- {وَكُلٌّ أَتَوْهُ} [آية/ 87] بقصر الألف وفتح التاء:
قرأها حمزة و-ص- عن عاصم.
والوجه أنه فعلٌ ماض للجمع وهو على وزن فعلوه من الإتيان، وضمير الجميع منه يعود إلى {كُلٌّ}، و{كُلٌّ} محمول على المعنى دون اللفظ إذ
[الموضح: 973]
يجوز في {كُلّ} أن يُجرى على اللفظ فيكون موحدًا، وعلى المعنى فيكون جمعًا.
وقرأ الباقون {آتُوْهُ} بمد الألف وضم التاء.
والوجه أنه اسم فاعل على الجمع ووزنه فاعلوه من الإتيان، والأصل آتيوه فنُقل ضمة الياء إلى ما قبله استثقالًا للضمة فيها، ثم حُذفت الياء لالتقائها ساكنة مع الواو الساكنة، فبقي {آتُوهُ}، وإنما جُمع لأجل معنى {كُلّ} على ما سبق). [الموضح: 974]

قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّه خبيرٌ بما يفعلون (88)
[معاني القراءات وعللها: 2/247]
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (إنه خبير بما يفعلون) بالياء.
وقرأ الباقون بالتاء.
قال أبو منصور: من قرأ بالياء فللغيبة، ومن قرأ بالتاء فللخطاب). [معاني القراءات وعللها: 2/248]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (31- وقوله تعالى: {خبير بما تفعلون} [88].
قرأ أهل الكوفة بالياء، إخبارًا غن غيب. والخبير بالشيء: العالم به من جميع أقطاره، يقال: خبر يخبر فهو خبر مثل فطن، وخبر فهو خابر: إذا عرف أقطار الأرض ومصالح الزراعة؛ لأن الأكار يقال له: الخبير. والخبر: المزادة الواسعة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/165]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله جلّ وعز: إنه خبير بما تفعلون [النمل/ 88].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: (إنّه خبير بما يفعلون) بالياء.
وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي: بالتاء.
وروى أبو عبيد عن أهل المدينة بالياء وهو غلط.
[الحجة للقراء السبعة: 5/407]
وحدثني عبيد الله بن علي [الهاشمي] عن نصر بن علي عن أبيه عن أبان عن عاصم بالياء.
قال أبو علي: حجة من قال: (يفعلون) بالياء: أنّ ذكر الغيبة قد تقدّم في قوله: (وكل آتوه داخرين) [النمل/ 87].
وحجّة التاء أنّه خطاب للكافّة، وقد يدخل الغيب في الخطاب، ولا يدخل الخطاب في الغيبة). [الحجة للقراء السبعة: 5/408]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وترى الجبال تحسبها جامدة} {إنّه خبير بما تفعلون} 88
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (إنّه خبير بما يفعلون) بالياء ردّوه على الخبر عن الغيب في قوله {وكل أتوه داخرين}
وقرأ الباقون {إنّه خبير بما تفعلون} بالتّاء أي أنتم وهم وحجتهم في ذلك أنه قرب من المخاطبة في قوله {وترى الجبال تحسبها جامدة} فهذا خطاب للنّبي صلى الله عليه وأمته داخلون معه في الخطاب كما قال {فأقم وجهك للدّين حنيفا} ثمّ قال {منيبين إليه} فجعل الحال من أمته فدلّ على أنه خاطبه وأمته وأسند الخطاب إليه والمعنى هو وأمته فكذلك قوله {وترى الجبال تحسبها جامدة} الخطاب له ولأمته فختم الكلام بمثل معنى ما تقدمه من الخطاب). [حجة القراءات: 539]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (35- قوله: {بما تفعلون} قرأه ابن كثير وأبو عمرو وهشام بالياء، حملًا على لفظ الغيبة، في قوله: {وكلٌ أتوه} وقرأه الباقون بالتاء، ردوه على الخطاب الذي قبله، في قوله: {وترى الجبال تحسبها جامدة} فهو خطاب للنبي، وأمته داخلون معه في الخطاب، فحمل «تفعلون» على الخطاب العام، فالغيب داخلون في الخطاب، لكن غلب لفظ الخطاب على لفظ الغيبة، وهو الاختيار). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/169]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (30- {إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [آية/ 88] بالتاء:
قرأها نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي.
والوجه أنه على خطاب الكافة، والخطاب قد يًدخل فيه الغُيَّب.
وقرأ الباقون بالياء.
والوجه على أن الغيبة؛ لأن ما قبله على الغيبة، وهو قوله تعالى {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ}). [الموضح: 974]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:02 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة