سيرة أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي (ت:74هـ)
اسمه ونسبه:
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزّى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عديّ بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، القرشيّ المضري.
يلتقي نسبه مع النبي صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤيّ.
وهو شقيق أمّ المؤمنين حفصة بنت عمر، أمّهما زينب بنت مظعون بن حبيب الجُمَحِية القرشية، وكانت من المهاجرات.
مولده ونشأته وإسلامه:
ولد بمكّة قبل الهجرة بعشر سنين، وأسلم بمكة وهو غلام صغير، وشهد إسلام أبيه عمر بن الخطاب، ثمّ هاجر معه إلى المدينة.
- قال سفيان بن عيينة: قال عمرو بن دينار: قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: لما أسلم عمر اجتمع الناس عند داره، وقالوا: صبا عمر، وأنا غلام فوق ظهر بيتي، فجاء رجل عليه قباء من ديباج، فقال: قد صبا عمر فما ذاك، فأنا له جار.
قال: (فرأيت الناس تصدعوا عنه؛ فقلت: من هذا؟ قالوا: العاص بن وائل). رواه البخاري.
- وقال عبد الله بن وهب: حدثني عمر بن محمد قال: أخبرني جدي زيد بن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: بينما هو في الدار خائفاً، إذ جاءه العاص بن وائل السهمي أبو عمرو، عليه حلَّة حَبِرة وقميص مكفوف بحرير، وهو من بني سهم، وهم حلفاؤنا في الجاهلية.
فقال له: ما بالك؟
قال: زعم قومك أنهم سيقتلوني إن أسلمت.
قال: لا سبيل إليك.
بعد أن قالها أمنتُ؛ فخرج العاص فلقيَ الناسَ قد سال بهم الوادي؛ فقال: أين تريدون؟ فقالوا: نريد هذا ابن الخطاب الذي صبا، قال: لا سبيل إليه؛ فكرَّ الناس). رواه البخاري.
مناقبه وفضائله:
لابن عمر رضي الله عنهما مناقب كثيرة؛ منها هجرته مع أبيه، وشهوده الخندق وما بعدها من المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وشهوده بيعة الرضوان، وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم عنه أنه رجل صالح.
- قال عبد الرزاق، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: كان الرجل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصَّها على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: وكنت غلاما شاباً عزباً، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان كقرني البئر، وإذا فيها ناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار.
قال: فلقيهما مَلَك؛ فقال لي: لم تُرَع.
فقصصتها على حفصة، فقصّتها حفصة، على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل».
قال سالم: (فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا). متفق عليه.
وفي رواية في صحيح البخاري من طريق يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، عن أخته حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لها: «إنَّ عبد الله رجلٌ صالح».
- وقال عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وهي مثل المسلم، حدثوني ما هي؟» فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي أنها النخلة.
قال عبد الله: فاستحييت، فقالوا: يا رسول الله، أخبرنا بها؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي النخلة»
قال عبد الله: فحدثت أبي بما وقع في نفسي، فقال: «لأن تكون قلتَها أحبّ إليّ من أن يكون لي كذا وكذا» رواه البخاري ومسلم.
بعض أخباره زمن النبي صلى الله عليه وسلم:
كان ابن عمر وهو شابّ أعزب ينام في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ليكون أقرب إليه، وكان المسجد مجمع عامّة المسلمين وكبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأصاب علماً كثيراً على حداثة سنّه؛ نشأ في عبادة الله مع أكرم صحبة، وفي أحسن منبت بعد بيت النبوة، وكان حريصاً على ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم واتّباع هديه؛ فكان يحضر مجالس النبي صلى الله عليه وسلم، ويصحبه في بعض شؤونه، ويخدمه.
- قال عبيد الله بن عمر العمري: حدثني نافع، قال: أخبرني عبد الله بن عمر «أنه كان ينام وهو شاب أعزب لا أهل له في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم» رواه البخاري.
جهاده ومشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم:
عُرض على النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر فردّه لصغر سنّه؛ ثمّ عرض عليه في أحد فردّه؛ ثم عرض عليه في غزوة الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه؛ ثمّ لم يُعلم أنّه تخلّف عن غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فشهد بعد الخندق غزوةَ بني المصطلق، وبيعة الرضوان، وغزوة خيبر، وفتح مكة، وغزوة حنين، وحصار الطائف، وغزوة تبوك، وغيرها.
وغزا في سرايا بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم منها غزوة مؤتة، وغزوة إلى نجد، وغيرهما.
ولما دخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة في يوم الفتح ومعه بلال وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة، وأغلق الباب ثم صلى في جوف الكعبة، ثم خرج؛ وابتدر الناس إلى الكعبة كان أوّل من دخل بعدهم عبد الله بن عمر؛ فوجد بلالاً وراء الباب قائماً؛ فسأله: أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأشار له إلى المكان الذي صلى فيه، والخبر في صحيح البخاري.
وحجّ مع النبي صلى الله عليه وسلم حجّة الوداع، واعتمر مع النبي صلى الله عليه وسلم عُمَرَه كلَّها.
قالت عائشة رضي الله عنها: (ما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم عمرة إلا وهو شاهده) رواه البخاري ومسلم.
فكان من أعلم الصحابة بمناسك الحجّ والعمرة؛ لشدّة حرصه على معرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم واتّباعه.
ثم جاهد في زمان الخلفاء الراشدين وبعده، فقاتل المرتدّين في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وشهد يوم اليمامة.
ثم شهد القادسية، واليرموك، وفتح بيت المقدس، وفتح مصر، وبارز في عهد عمر دهقاناً من دهاقنة الفرس فقتله.
ثم غزا في بلاد فارس مراراً، حتى بلغ أذربيجان.
وقد روي في كلّ ما تقدّم أحاديث وآثار يطول المقام بتقصّيها.
- قال عبيد الله العمري: أخبرني نافع عن ابن عمر قال: (عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في القتال، وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يُجِزْني، وعرضني يوم الخندق، وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني). رواه البخاري ومسلم.
- وقال عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن أبيه، أن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «أول يوم شهدته يوم الخندق»رواه البخاري.
- وقال مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال حين خرج إلى مكة معتمرا في الفتنة: «إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهل بعمرة من أجل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أهل بعمرة عام الحديبية» رواه البخاري ومسلم.
- وقال عبد الله بن عون: كتبت إلى نافع؛ فكتب إلي: «إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارّون، وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريهم، وأصاب يومئذ جويرية» حدثني به عبد الله بن عمر، وكان في ذلك الجيش). رواه البخاري ومسلم.
- وقال عبد الله بن سعيد [بن أبي هند]، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: أمّر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيدَ بن حارثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة».
قال عبد الله: (كنت فيهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفر بن أبي طالب، فوجدناه في القتلى، ووجدنا ما في جسده بضعا وتسعين، من طعنة ورمية). رواه البخاري.
- وقال جرير بن حازم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: (أصبنا يوم اليرموك طعاماً وعلفاً فلم يُقسم). رواه ابن عساكر.
- وقال أبو سعيد بن يونس: (شهد الفتح بمصر واختط بمصر، وروى عنه أكثر من أربعين رجلاً من أهل مصر).
- وقال الخطيب البغدادي: (خرج إلى العراق فشهد يوم القادسية ويوم جلولاء وما بينهما من وقائع الفرس وورد المدائن).
- وقال عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر (أنه أقام بأذربيجان ستة أشهر حبسه بها الثلج؛ فكان يقصر الصلاة). رواه عبد الرزاق وابن سعد.
- وقال أبو إسحاق الفزاري، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال: (أريح علينا الثلج ونحن بأذربيجان ستة أشهر في غزاة).
قال ابن عمر: (وكنا نصلي ركعتين). رواه البيهقي في السنن الكبرى.
وغزوة أذربيجان اجتمع عليها جند العراق وجند الشام، وكانت في آخر خلافة عمر وأوّل خلافة عثمان.
أخباره في خلافة عثمان بن عفان:
كان ابن عمر مع صلاحه وورعه عاقلاً رشيداً حسن الرأي، أوصى عمر أن يشهد مشورة الستة الذين أوصى أن يختاورا من بينهم رجلاً للخلافة من بعده؛ فاجتمع رأيهم على عثمان.
واجتهد عثمان في توليته القضاء فأبى أشدّ الإباء، حتى قال لعثمان: أما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من عاذ بالله فقد عاذ بمعاذ؟))
فقال عثمان: (بلى).
فقال: (فإني أعوذ بالله أن تستعملني فأعفاه). والقصة في مسند الإمام أحمد ومعجم الطبراني.
وبقي مشتغلاً في زمن عثمان بالجهاد في سبيل الله والعبادة.
- ولمّا حوصر عثمان تقلّد سيفه ليقاتل دونه؛ ولكن عثمان عزم على الصحابة أن لا يراق بسببه دم.
علمه وفقهه:
كان ابن عمر علماء الصحابة ومن أهل الفتوى فيهم، وقد حدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أكابر أصحابه فأكثر وأطاب، حتى عُدَّ من القلّة المكثرين من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وأفتى ونصح وجاهد، واجتهد في فعل الخيرات، والتعبد بأنواع العبادات، وعمّر حتى انتفع خلق كثير بعلمه وهديه.
- قال زيد بن أبي أنيسة، عن القاسم بن عوف الشيباني، قال: سمعت ابن عمر، يقول: «لقد عشنا برهة من دهرنا وإنَّ أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فيتعلَّم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يوقف عنده فيها كما تعلَّمون أنتم القرآن، ثم لقد رأيت رجالاً يُؤتَى أحدهم القرآن فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه، ينثره نثر الدقل». رواه الطحاوي والحاكم والبيهقي.
- وقال أبو المليح، عن ميمون بن مهران (أن ابن عمر تعلم سورة البقرة في أربع سنين). رواه ابن سعد.
- وقال عبد الله بن وهب عن الإمام مالك بن أنس قال: (أقام ابن عمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستين سنة يفتي الناس في الموسم وغير ذلك).
وقال: (وكان ابن عمر من أئمة الدين). رواه الخطيب البغدادي.
توقّيه في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم:
كان ابن عمر على سعة علمه وكثرة حديثه واجتهاده في اتّباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على التثبت في الفتيا وأداء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما سمعه بلفظه، ولا يجد غضاضة إذا سُئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم.
- قال مصعب بن سلام: حدثنا محمد بن سوقة: سمعت أبا جعفر [محمد بن علي] يقول: كان عبد الله بن عمر إذا سمع من نبي الله صلى الله عليه وسلم شيئاً أو شهد معه مشهداً، لم يقصر دونه أو يعدوه، قال: فبينما هو جالس وعبيد بن عمير يقص على أهل مكة، إذ قال عبيد بن عمير: مثل المنافق كمثل الشاة بين الغنمين، إن أقبلت إلى هذه الغنم نطحتها، وإن أقبلت إلى هذه نطحتها، فقال عبد الله بن عمر: ليس هكذا، فغضب عبيد بن عمير، وفي المجلس عبد الله بن صفوان، فقال: يا أبا عبد الرحمن، كيف قال رحمك الله؟
فقال: قال: ((مثل المنافق مثل الشاة بين الربيضين، إن أقبلت إلى ذا الربيض نطحتها، وإن أقبلت إلى ذا الربيض نطحتها)).
فقال له: رحمك الله هما واحد.
قال: كذا سمعت، كذا سمعت). رواه أحمد.
- وقال سفيان بن عيينة: حدثنا محمد بن سوقة، عن محمد بن علي أنه سمعه، يقول: (كان ابن عمر إذا سمع شيئاً لم يزد فيه، ولم ينقص منه، ولم يجاوزه إلى غيره، ولم يقصر عنه). رواه الحميدي.
- وقال زهير بن معاوية: سمعت محمد بن سوقة يذكر عن أبي جعفر محمد بن علي قال: (لم يكن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أحذر إذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ألا يزيد فيه، ولا ينقص منه، ولا، ولا، من عبد الله بن عمر). رواه ابن سعد.
- وقال يزيد بن هارون: أخبرنا شعبة، عن عبد الله بن أبي السفر، عن الشعبي، قال: (جالست ابن عمر سنة؛ فما سمعته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً). رواه ابن سعد.
- وقال سفيان بن عيينة: قال لي ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: صحبت ابن عمر إلى المدينة فملم أسمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حديثاً واحداً، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتي بجمّار، فقال: «إني من الشجر شجرة مثلها كمثل المسلم» فأردت أن أقول: هي النخلة، فإذا أنا أصغر القوم فسكتّ.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «هي النخلة» رواه البخاري ومسلم.
- وقال عمران بن حدير، عن أبي مجلز، عن ابن عمر، قال: (أيها الناس إليكم عني؛ فإنّي قد كنتُ مع من هو أعلم مني، ولو علمتُ أني أبقى فيكم حتى تفضوا إليَّ لتعلَّمتُ لكم). رواه ابن سعد.
- وقال عبد العزيز بن أبي رواد: أخبرني نافع أن رجلا سأل ابن عمر عن مسألة فطأطأ ابن عمر رأسه ولم يجبه حتى ظنَّ الناس أنه لم يسمع مسألته.
قال: فقال له: يرحمك الله أما سمعت مسألتي؟
قال: (بلى ولكنكم كأنكم ترون أن الله ليس بسائلنا عما تسألوننا عنه!! اتركنا يرحمك الله حتى نتفهَّم في مسألتك؛ فإن كان لها جواب عندنا، وإلا أعلمناك أنه لا علم لنا به). رواه ابن سعد.
- وقال هشام بن عروة عن أبيه قال: سئل ابن عمر عن شيء فقال: (لا علم لي به) فلما أدبر الرجل قال لنفسه: (سُئل ابن عمر عما لا علم له به؛ فقال لا علم لي به). رواه ابن سعد، وروى نحوه ابن عساكر من طريق الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر.
- وقال أحمد بن محمد الأزرقي: حدثنا عمرو بن يحيى عن جده قال: سئل ابن عمر عن شيء فقال: لا أدري؛ فلما ولى الرجل أفتى نفسه؛ فقال: (أحسن ابن عمر، سئل عما لا يعلم فقال لا أعلم). رواه ابن سعد.
مذهبه في كتابة العلم:
كان ابن عمر رحمه الله لا يُحبّ أن يُكتب عنه شيء، ولا أن ينقل قوله، ويغضب من ذلك، وكانت له صحيفة ينظر فيها لخاصة نفسه، وروي أنه أملى على مولاه نافع صحيفة مما حفظ من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
- قال عفّان: حدّثنا شعبة عن أيوب عن سعيد بن جبير قال: كنت أسأل ابن عمر في صحيفة، ولو علم بها كانت الفيصل بيني وبينه، قال: فسألته عن الإيلاء؛ فقال: أتريد أن تقول: قال ابن عمر، وقال ابن عمر؟!
قال: قلت: نعم، ونرضى بقولك ونقنع.
قال: (يقول في ذلك الأمراء). رواه ابن سعد.
- وقال أبو حمزة السكري، عن إبراهيم الصائغ، عن نافع (أن ابن عمر كان لا يخرج من بيته غدوة حتى ينظر في كتبه). رواه البخاري في التاريخ الكبير، والبيهقي في المدخل إلى السنن، وهذا إسناد جيد.
حرصه على اتّباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم:
مما اشتهر عن ابن عمر وعرف به حبّه الشديد للنبي صلى الله عليه وسلم، وحرصه على اتباع هديه، في كبير أموره وصغيرها، حتى كان في سفره للحجّ والعمرة يحرص على تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم، والصلاة في المواضع التي صلى فيها، ويتوخّى ذلك أشدّ التوخّي.
- قال سفيان بن عيينة، عن عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: (ما سمعت ابن عمر يذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا بكى). رواه الفسوي في المعرفة، والدارمي في سننه.
- وقال إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس المدني قال: حدثني أبي، عن عاصم بن محمد، عن أبيه قال: (ما سمعت ابن عمر ذاكرا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ابتدرت عيناه تبكيان). رواه ابن سعد.
- وقال وكيع بن الجراح، عن أبي مودود، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان في طريق مكة يقول برأس راحلته يثنيها ويقول: « لعلَّ خفاً يقع على خف» يعني خف راحلة النبي صلى الله عليه وسلم، رواه ابن أبي شيبة.
أبو مودود المدني اسمه عبد العزيز بن أبي سليمان وثّقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين.
وقال عبد العزيز بن مسلم، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء كل سبت، ماشيا وراكبا».
قال عبد الله بن دينار: وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما «يفعله» رواه البخاري.
- وقال أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو تركنا هذا الباب للنساء».
قال نافع: (فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات). رواه أبو داوود وابن سعد والطبراني في الأوسط.
عبادته وهديه:
نشأ ابن عمر في عبادة الله تعالى، وحفظ وصايا النبي صلى الله عليه وسلم له، وما بلغه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يزل يتعبّد ويتهجّد، ويجاهد ويتصدّق، ويفتي من يستفتيه، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويفعل الخيرات، ويجتهد في ذلك اجتهاداً بالغاً، حتى كان من أكثر الصحابة صلاة وصياماً وتلاوة للقرآن، وأشدّهم لزوماً لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأكابر أصحابه، حتى كان يغدو كلَّ سبتٍ إلى قباء ماشياً فيصلي فيه اتّساء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وكان لا يداهن في دينه، ولا يهاب أحداً في كلمة الحق، إلا أن يدفع فساداً أعظم.
- قال سليمان الأعمش: حدثني مجاهد، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: «كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابر سبيل» وكان ابن عمر، يقول: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك). رواه البخاري
- وقال سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، أن ابن عمر، قال: «ما وضعت لبنة ولا غرست نخلة منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه ابن أبي شيبة.
- وقال نافع مولى ابن عمر: سمعت ابن عمر يقول: أتى رجلٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم؛ فقال: يا رسول الله حدِّثني بحديث واجعله موجزًا؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((صلِّ صلاةَ مودِّع؛ فإنَّك إن كنت لا تراه فإنه يراك، وأيّس مما في أيدي الناس تكن غنيًّا، وإياك وما يُعتذر منه)). رواه الطبراني والبيهقي في الزهد والخطيب البغدادي والضياء المقدسي وحسَّنه الألباني.
- إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود قال: (لقد رأيتنا ونحن متوافرون، وما فينا شاب هو أملك لنفسه من عبد الله بن عمر). رواه ابن سعد.
- قال عمر بن حمزة: أخبرني الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب ، قال : قالت عائشة : (ما أعلم رجلا سلَّمه الله من أمور الناس، واستقام على طريقة مَن كان قبله استقامةَ عبد الله بن عمر). رواه ابن أبي شيبة.
- وقال عبد الله بن عمر العمري، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «ما رأيت ألزمَ للأمر الأول من عبد الله بن عمر» رواه الحاكم في المستدرك.
- وقال شعبة: حدثنا حصين بن عبد الرحمن، عن سالم بن أبي الجعد قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: (ما منّا من أحدٍ أدرك الدنيا إلا قد مالت به إلا عبد الله بن عمر). رواه ابن عساكر.
- وقال إسماعيل ابن إبراهيم: حدثنا أيوب، عن محمد بن سيرين أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أدركتِ الفتنةُ أحداً منا إلا لو شئتُ أن أقولَ فيه لقلت فيه إلا عبد الله بن عمر» رواه ابن أبي شيبة بهذا اللفظ، ورواه سعيد منصور، ولم يذكر "من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"
- وقال إسماعيل ابن إبراهيم: حدثنا أيوب عن محمد بن سيرين قال: نُبئت أن ابن عمر كان يقول: (إني لقيت أصحابي على أمرٍ؛ فإن خالفتهم خشيت أن لا ألحق بهم). رواه سعيد بن منصور، وابن سعد.
- وقال إسماعيل ابن إبراهيم: حدثنا أيوب، عن محمد بن سيرين قال: قال رجل: (اللهم أبقِ عبد الله بن عمر ما أبقيتني، أقتدي به، فإني لا أعلم أحدا على الأمر الأول غيره). رواه سعيد بن منصور وابن سعد.
- وقال سفيان بن عيينة، عن ابن جريج، عن طاووس قال: (ما رأيت رجلاً أورعَ من ابن عمر، ولا رأيت رجلاً أعلمَ من ابنِ عباس رضي الله عنهما). رواه أحمد بن منيع كما في المطالب العالية، وأبو يوسف الفسوي في المعرفة والتاريخ، والبيهقي في المدخل إلى السنن.
- وقال حماد بن سلمة: أخبرنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان يجلس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يرتفع الضحى ولا يصلي، ثم ينطلق إلى السوق فيقضي حوائجه، ثم يجيء إلى أهله فيبدأ بالمسجد فيصلي ركعتين، ثم يدخل بيته. رواه ابن سعد.
- وقال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: حدثني سليمان بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر: «أنه كان يحيي الليل صلاة» ، ثم يقول: «يا نافع أسحرنا؟» فيقول: لا، «فيعاود الصلاة» ثم يقول: «يا نافع أسحرنا؟» فأقول: نعم «فيقعد فيستغفر ويدعو حتى يصبح» رواه الطبراني في المعجم الكبير، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم في تفاسيرهم.
- وقال أبو أسامة، عن ابن عون، عن نافع: أن ابن عمر، كان إذا قرأ القرآن كره أن يتكلم أو لم يتكلم حتى يفرغ مما يريد، أو لم يتكلم حتى يفرغ إلا يوماً كنت قد أخذت عليه المصحف وهو يقرأ فأتى على الآية فقال: «أتدري فيما أنزلت» رواه ابن أبي شيبة.
- وقال وكيع بن الجراح: حدثنا هشام بن سعد، عن نافع، قال: كان ابن عمر «يعمل في خاصة نفسه بالشيء لا يعمل به في الناس» رواه ابن أبي شيبة.
- وقال حبيب بن الشهيد: قيل لنافع: ما كان يصنع ابن عمر في منزله؟ قال: (لا تطيقونه! الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما). رواه ابن سعد.
- وقال يزيد بن هارون، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين قال: «كان ابن عمر كلما استيقظ من الليل صلى» رواه ابن أبي شيبة.
- وقال زائدة عن منصور بن المعتمر قال: قال عبد الله بن عمر: « لو بات رجلٌ ينفق ديناراً ديناراً، ودرهماً درهماً، ويحمل على الجياد في سبيل الله، وبات رجل يتلو كتاب الله حتى يصبح متقبلا منه، وبتّ أتلو كتاب الله حتى أصبح متقبلاً مني، لم أحبّ أنَّ لي عمله بعملي » رواه ابن أبي شيبة.
- وقال محارب بن دثارٍ رحمه الله: دخلت على ابن عمر رضي الله عنه بيته وهو يصلي، فإذا هو يبكي في صلاته، فلما انصرف أقبل عليَّ وعلم أني قد رأيته وهو يبكي، فقال: (إن هذه الشمس لتبكي من خشية الله، ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا).
- وقال عبد الله بن عمر أيضا: ((لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار)) ذكرهما محمد بن نصر المروزي في قيام الليل.
- وقال البراء بن سليم، عن نافع، عن ابن عمر قال: ما تلا هذه الآية قط إلا بكى {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله}). رواه ابن أبي شيبة.
- وقال الحافظ أبو أسامة الكوفي، عن عثمان بن واقد، عن نافع قال: (وكان ابن عمر إذا قرأ هذه الآية {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله}بكى حتى يغلبه البكاء). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال شعبة، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن ابن عمر قال: (خذوا بحظكم من العزلة). رواه ابن سعد.
- وقال أبو عوانة، عن أبي بشر، عن يوسف بن ماهك قال: (انطلقت مع ابن عمر إلى عبيد بن عمير وهو يقصّ على أصحابه، فنظرتُ إلى ابن عمر؛ فإذا عيناه تهراقان). رواه ابن سعد.
- وقال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي: حدثنا عكرمة بن عمار، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن أبيه أنه قرأ {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد} حتى ختم الآية، فجعل ابن عمر يبكي حتى لَثِقَت لحيته وجيبه من دموعه). رواه ابن سعد.
- وقال سليمان بن بلال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد قال: (رأيت ابن عمر عند القاصّ رافعاً يديه يدعو حتى تحاذيا منكبيه). رواه ابن سعد.
- وقال حفص بن غياث، عن عمرو بن ميمون، عن أبيه، قال: دخل ابن عمر في أناس من أصحابه على عبد الله بن عامر بن كريز وهو مريض يزورونه، فقالوا له: أبشر فإنك قد حفرت الحياض بعرفات يشرع فيها حاج بيت الله، وحفرت الآبار بالفلوات، قال: وذكروا خصالا من خصال الخير.
قال: فقالوا: إنا لنرجو لك خيرا إن شاء الله، وابن عمر جالس لا يتكلم، فلما أبطأ عليه الكلام قال: يا أبا عبد الرحمن، ما تقول؟ فقال: «إذا طابت المكسبة زكت النفقة، وسترد فتعلم» رواه ابن أبي شيبة.
كان عبد الله بن عامر بن كريز أمير البصرة في خلافة عثمان بعد أبي موسى الأشعري.
- وقال قبيصة بن عقبة: حدثنا سفيان، عن أبي الوازع قال: قلت لابن عمر: لا يزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم.
قال: فغضب، وقال: (إني لأحسبك عراقيا، وما يدريك ما يغلق عليه ابن أمك بابه). رواه ابن سعد.
- وقال عبد الله بن جعفر الرقي: حدثنا أبو المليح، عن ميمون بن مهران قال: (دخلت على ابن عمر فقومت كل شيء في بيته من فراش أو لحاف أو بساط وكل شيء عليه؛ فما وجدته يساوي مائة درهم). رواه ابن سعد.
- وقال أبو كعب يزيد بن عبد ربه، عن أنس بن سيرين، قال: أتى رجل ابنَ عمر بصرَّة؛ فقال: ما هذه؟
قال: هذا شيء إذا أكلت طعامَك فكربَك أكلتَ من هذا شيئاً فهضمه عنك.
قال: فقال ابن عمر: (ما ملأت بطني من طعام منذ أربعة أشهر). رواه ابن سعد.
- وقال معاوية بن قرة، عن سالم بن عبد الله بن عمر، أن أباه، قال: (ما كنت بشيء بعد الإسلام أشد فرحا من أن قلبي لم يشربه شيء من هذه الأهواء المختلفة). رواه ابن سعد.
- وقال عبيد الله بن عمر، عن نافع، (أن ابن عمر كان يسمع بعض ولده يلحن فيضربه). رواه ابن سعد وابن أبي شيبة.
- وقال محمد بن عبيد الطنافسي: حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر (أنه وجد مع بعض أهله الأربع عشرة؛ فضرب بها رأسه). رواه ابن سعد.
قلت: الأربع عشرة لعبةٌ كان يُتلهّى بها؛ إما تخطّ خططاً على الأرض وإما على لوح من الخشب.
- وقال محمد بن مصعب القرقساني، عن عبد الله بن عمر، عن نافع قال: (كان ابن عمر يكسر النرد والأربعة عشر). رواه ابن سعد.
- وقال قرة بن خالد: قلت لمحمد بن سيرين: هل كانوا يتمازحون؟
فقال: ما كانوا إلا كالناس كان ابن عمر يمزح وينشد الشعر ويقول:
يحب الخمر من كيس الندامى ... ويكره أن تفارقه الفلوس). رواه أبو نعيم.
- وقال عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع (أنَّ ابنَ عمر كان إذا فاتته صلاة العشاء في جماعة أحيا بقية ليلته). رواه ابن عساكر.
- وقال ابن أبي أويس: سمعت مالك بن أنس يقول سمعت نافعا يقول: (كان ابن عمر إذا فاتته صلاة في جماعة صلى إلى الصلاة الأخرى؛ فإذا فاتته العصر سبَّحَ إلى المغربِ، ولقد فاتته صلاة عشاء الأخيرة في جماعة فصلى حتى طلع الفجر). رواه ابن عساكر.
- وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق عن القاسم بن محمد قال: (كان ابن عمر قد أتعب أصحابَه فكيف من بعدهم). رواه ابن عساكر.
مذهبه في الأعطيات والصلات:
- قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: سمعت عمر، يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء، فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مني، فقال: «خذه، إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا؛ فلا تتبعه نفسك» رواه البخاري من حديث الزهري عن سالم عن أبيه.
- وقال محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم أن عبد العزيز بن مروان كتب إلى عبد الله بن عمر أن ارفع إليَّ حاجتك.
قال: فكتب إليه عبد الله: (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى)) وإني لأحسب اليد العليا المعطية، والسفلى السائلة، وإني غير سائلك شيئاً، ولا رادّ رزقاً ساقه الله إليَّ منك). رواه أحمد وابن سعد وأبو يعلى، وأصله في الصحيحين.
- وقال سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد، عن نافع، قال: كان يرسل إلى عبد الله بن عمر بالمال؛ فيقبله، ويقول: (لا أسأل أحداً شيئاً، ولا أردّ ما رزقني الله). رواه ابن سعد.
- وقال جعفر بن محمد، عن نافع، قال: كان المختار يبعث بالمال إلى ابن عمر فيقبله ويقول: (لا أسأل أحدا شيئا، ولا أرد ما رزقني الله). رواه ابن سعد والبيهقي في شعب الإيمان.
- وقال حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، قال: (ما رد ابن عمر على أحد وصية ولا رد على أحد هدية إلا على المختار). رواه ابن سعد.
قلت: كان المختار بن أبي عبيد الثقفي أخو صفية زوجة عبد الله بن عمر؛ فلعلّ ابن عمر كان يقبل منه قبل أن يحدث المختار ما أحدث من مذهب السوء وسفك الدماء ثم كان يردّ هداياه بعد ذلك.
صفاته وشمائله:
كان ابن عمر رضي الله عنهما فيما يُذكر عنه قويّ الجسم طويلاً آدم، كريم المعشر، سخيّاً متواضعاً، عفيف اللسان.
وكان يشترط على من يصحبه في السفر ألا يصوم إلا بإذنه، وألا ينازعه الأذان؛ وكان يُكرِم من يصحبه ويخدمه.
وكان محبوباً في الناس، مشهوداً له بذلك، ورأى من دلائل ذلك ما كان يتعجّب منه.
وكان حريصاً على الألفة بين المسلمين، وإفشاء السلام، حتى روي عنه أنه قال: إني لأخرج وما لي حاجة إلا لأسلم على الناس ويسلمون علي.
- قال معن بن عيسى: حدثنا مالك بن أنس، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، قال: (كان أشبه ولد عمر بعمر عبد الله، وأشبه ولد عبد الله بعبد الله سالم). رواه ابن سعد.
قلت: لعلّه أراد الشبه في السجايا والخصال، والعمل والفضل؛ فكان عبد الله أفضل أولاد أبيه وأقربهم إلى الاتّساء به وإن لم يكن مثله، وكان سالم أفضل أولاد عبد الله وأقربهم إلى الاتّساء به، وإن لم يكن مثله.
- وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا أبو معشر، عن سعيد المقبري، قال: قال ابن عمر: (إني لأخرج إلى السوق ما لي حاجة إلا أن أسلّم ويسلم علي). رواه ابن سعد.
- وقال شعبة بن الحجاج، عن عبيد الله بن عمران، أنه قال: سمعت مجاهدا، يقول: «صحبت ابن عمر لأخدمه، فكان هو يخدمني». رواه أبو بكر الخلال في السنة.
- وقال حماد بن زيد، عن خالد الحذاء، قال:( كان ابن عمر يشترط على من صحبه ألا تصحبنا ببعير جلال، ولا تنازعنا الأذان، ولا تصوم إلا بإذننا). رواه ابن سعد.
- وقال حماد بن سلمة، عن أبي ريحانة، قال: (كان ابن عمر يشترط على من صحبه في السفر الفطر والأذان والذبيحة) يعني الجزرة يشتريها للقوم. رواه ابن سعد.
- وقال جويرية بن أسماء، عن نافع، أنّ عبد الله بن عمر لم يكن يصوم في السفر، وكان معه صاحب له من بني ليث يصوم، فلم يكن عبد الله ينهاه، وكان يأمره أن يتعاهد سحوره. رواه ابن سعد.
- وقال مالك بن أنس عن حميد بن قيس عن مجاهد قال: كنت مع ابن عمر فجعل الناس يسلمون عليه حتى انتهى إلى دابته؛ فقال لي ابن عمر: (يا مجاهد! إنَّ الناسَ يحبونني حباً لو كنتُ أعطيهم الذهبَ والوَرِق ما زدت). رواه ابن سعد.
جوده وبذله في سبيل الله:
مما اشتهر عن ابن عمر كثرة صدقاته وعتقه وإنفاقه في سبيل الله، حتى ربما ذهل عن حاجة نفسه، وروي أنه أعتق أنفساً كثيرة، وأنه إذا أعجبه شيء من ماله قرّبه لله.
- قال يزيد بن هارون: أخبرنا محمد بن عمرو بن حماس، عن حمزة بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال: (خطرت هذه الآية {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}، فما وجدت شيئا أحب إليَّ من جاريتي رميثة، فعتقتها، فلولا أني لا أعود في شيء جعلته لله لنكحتها، فأنكحتها نافعا؛ فهي أم ولده). رواه ابن سعد.
- وقال عاصم بن محمد العمري، عن أبيه قال: أُعطي ابنُ عمر بنافع عشرة آلاف - أو ألف دينار - فقلت: يا أبا عبد الرحمن فما تنتظر أن تبيع؟
قال: (فهلا ما هو خير من ذلك؟ هو حرّ لوجه الله تعالى). رواه أبو نعيم في الحلية.
- وقال عبد العزيز بن أبي رواد: حدثني نافع أن عبد الله بن عمر، كان إذا اشتد عجبه بشيء من ماله قربه لربه، قال: فلقد رأيتنا ذات عشية، وكنا حجاجاً وراحَ على نجيبٍ له قد أخذه بمال؛ أعجبته روحته وسرَّه إناخته، ثم نزل عنه، ثم قال: (يا نافع! انزعوا زمامه ورحله، وجلّلوه وأشعِروه وأدخلوه في البُدْن). رواه ابن سعد.
- وقال عبد العزيز بن أبي رواد: أخبرني نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا رأى من رقيقه أمراً يعجبه أعتقه، فكان رقيقه قد عرفوا ذلك منه.
قال نافع: فلقد رأيت بعض غلمانه ربما شمر ولزم المسجد؛ فإذا رآه على تلك الحال الحسنة أعتقه، فيقول له أصحابه: والله يا أبا عبد الرحمن ما هم إلا يخدعونك!
قال: فيقول عبد الله: (من خدعنا بالله انخدعنا له). رواه ابن سعد.
- وقال جعفر بن برقان: حدثنا ميمون بن مهران، عن نافع، قال: (أُتِي ابن عمر ببضعة وعشرين ألفاً؛ فما قام من مجلسه حتى أعطاها وزاد عليها).
قال: (لم يزل يعطي حتى أنفد ما كان عنده، فجاءه بعض من كان يعطيه؛ فاستقرض من بعض من كان أعطاه فأعطاه). رواه ابن سعد.
- وقال هشام بن سعد، عن أبي جعفر القارئ، قال: (خرجت مع ابن عمر من مكة إلى المدينة، وكان له جفنة من ثريد يجتمع عليها بنوه وأصحابه وكل من جاء حتى يأكل بعضهم قائما، ومعه بعير له عليه مزادتان فيهما نبيذ وماء مملوءتان؛ فكان لكل رجل قدح من سويق بذلك النبيذ حتى يتضلع منه شبعاً). رواه ابن سعد.
- وقال ابن علية عن أيوب، عن نافع، قال: كان ابن عمر لا يصوم في السفر، ولا يكاد يفطر في الحضر إلا أن يمرض أو أيامَ يقدم، فإنَّه كان رجلاً كريماً يحبُّ أن يؤكلَ عنده.
قال: وكان يقول: (ولأن أفطر في السفر فآخذ برخصة الله أحبّ إليَّ من أن أصوم). رواه ابن سعد وابن عساكر.
- وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا مسعر، عن معن، قال: كان ابن عمر إذا صنع طعاماً؛ فمرَّ به رجلٌ له هيئة لم يدْعُه ودعاه بنوه أو بنو أخيه، وإذا مرَّ إنسانٌ مسكين دعاه ولم يدعوه.
وقال: (يَدْعون من لا يشتهيه، ويَدَعون من يشتهيه). رواه ابن سعد.
- وقال يحيى بن حمزة: حدثنا برد بن سنان، أنه سمع نافعاً يحدّث قال: (إن كان ابن عمر ليقسم في المجلس الواحد ثلاثين ألف درهم، ثم يأتي عليه الشهر ما يأكل مزعة من لحم). رواه أبو داوود في الزهد.
- وقال حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، (أن ابن عمر، كان لا يكاد يتعشى وحده). رواه ابن سعد.
- وقال حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، أن ابن عمر، قال: (إني أشتهي حوتاً).
قال: فشووها ووضعوها بين يديه؛ فجاء سائل.
قال: (فأمر بها فدُفعت إليه). رواه ابن سعد.
- وقال جعفر بن برقان: حدثنا ميمون بن مهران أن امرأة ابن عمر عوتبت فيه؛ فقيل لها: ما تلطفين بهذا الشيخ؟!
قالت: وما أصنع به لا يصنع له طعام إلا دعا عليه من يأكله، فأرسلت إلى قوم من المساكين كانوا يجلسون بطريقه إذا خرج من المسجد؛ فأطعمتهم، وقالت: لا تجلسوا بطريقه، ثم جاء إلى بيته.
فقال: أرسلوا إلى فلان وإلى فلان، وكانت امرأته قد أرسلت إليهم بطعام، وقالت: إن دعاكم فلا تأتوه، فقال: (أردتم ألا أتعشّى الليلة) فلم يتعشَّ تلك الليلة. رواه ابن سعد وابن عساكر.
موقفه من الفتن:
كان ابن عمر رضي الله عنهما شديد التوقّي من الفتن، شديد الاحتياط لدينه، ملازماً لما كان عليه زمن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، بصيراً بالفتن وعواقبها، ولقد رُغّب ورُهّب فما ازداد إلا ثباتاً وتمسّكاً بما هو عليه من الاستقامة والاحتياط لدينه.
وقد أثنى عليه الصحابة والتابعون بحسن استقامته وسلامته من الفتن.
فكان يسير ما استبان له الأمر؛ فإذا وجد اشتباهاً توقّف واحتاط لدينه.
فلما حوصر عثمان لبس درعه ليقاتل دونه؛ لكنّ عثمان نهى عن القتال وعزم على كلّ من أراد أن يقاتل دونه أن يلقي سلاحه.
ولمّا حدثت الفتنة بعد مقتل عثمان اعتزلها؛ فلم يقاتل مع أي طائفة، ولزم ما كان عليه من العمل، وكان على بصيرة مما كان يفعله في زمان الفتنة، لا يتردد في اجتنابها، ولا يلتفت في ذلك إلى ترغيب ولا ترهيب.
ولقد عُرضت عليه الخلافة يوم التحكيم فأبى أن يقبلها إلا باتفاق من المسلمين، وقال: لو خالفني أهل فدك ما قبلتها.
ثمّ طُلب منه أن ينصّب نفسه خليفة في زمن الفتنة الثانية بعد يزيد بن معاوية؛ فقال: (ما يسرّني أن لي الدنيا وما فيها وأن يُقتل بسببي رجل واحد) أو كلاماً هذا معناه.
وأخباره في توقّي الفتن كثيرة.
- قال عبد الله بن عون، عن نافع أن ابن عمر لبس الدرع يوم الدار مرتين. رواه ابن سعد وابن عساكر.
- وقال الحافظ ابن أبي عمر: حدثنا سفيان [بن عيينة] عن عمر بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر قال: بعث إليَّ علي بن أبي طالب؛ فأتيته؛ فقال: (يا أبا عبد الرحمن إنك رجل مطاع في أهل الشام، فسِرْ، فقد أمّرتك عليهم).
فقلت: أذكّرك اللهَ وقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتي إيّاه إلا ما أعفيتني، فأبى عليَّ، فاستعنتُ عليه بحفصةَ فأبى، فخرجتُ ليلاً إلى مكة.
فقيل له: إنه قد خرج إلى الشام؛ فبعث في أثري، فجعل الرجلُ يأتي المربدَ فيخطم بعيره بعمامته ليدركني؛ فأرسلت حفصة أنه لم يخرج إلى الشام إنما خرج إلى مكة). رواه ابن عساكر.
- وقال عبد الله بن إدريس عن ليث، عن نافع قال: (لما قتل عثمان جاء علي بن أبي طالب إلى ابن عمر فقال: إنك محبوب إلى الناس، فسر إلى الشام.
فقال ابن عمر: "بقرابتي وصحبتي النبي صلى الله عليه وسلم والرّحِم التي بيننا".
فلم يعاودْه). رواه الطبراني في المعجم الكبير، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال سالم بن عبد الله وعكرمة بن خالد كلاهما عن ابن عمر، قال: دخلتُ على حفصة ونَسَواتها تنطُف.
قلت: قد كان من أمر الناس ما ترين، فلم يجعل لي من الأمر شيء.
فقالت: الحق فإنهم ينتظرونك، وأخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة، فلم تدعه حتى ذهب، فلما تفرق الناس خطب معاوية قال: (من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر؛ فليطلع لنا قرنه، فلنحن أحق به منه ومن أبيه).
قال حبيب بن مسلمة: فهلا أجبته؟
قال عبد الله: (فحللت حبوتي، وهممت أن أقول: أحق بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك على الإسلام، فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع، وتسفك الدم، ويحمل عني غير ذلك، فذكرت ما أعد الله في الجنان).
قال حبيب: (حفظت وعصمت). رواه البخاري.
قوله: (ونسواتها تنطف) وفي رواية معلّقة في الصحيح: (ونوساتها) هي غدائر شعرها، تقطر ماءً، سمّيت بذلك لأنها تنوس أي تتحرك، كناية عن أنها حديثة عهد بغسل.
- وقال مرحوم بن عبد العزيز: سمعت أبي يقول: (لما كانت فتنة يزيد بن المهلب انطلقت أنا ورجل إلى ابن سيرين فقلنا: ما ترى؟
فقال: «انظروا إلى أسعد الناس حين قُتِلَ عثمان فاقتدوا به»
قلنا: هذا ابن عمر، كفَّ يدَه) رواه أبو نعيم.
- وقال عبد الله بن عبيد بن عمير: قال ابن عمر: (إنما كان مثلنا في هذه الفتنة كمثل قوم كانوا يسيرون على جادّة يعرفونها؛ فبينا هم كذلك إذ غشيتهم سحابة وظلمة؛ فأخذ بعضنا يمينا، وبعضنا شمالا، وأخطأنا الطريق وأقمنا حيث أدركنا ذلك حتى تجلى عنا ذلك؛ حتى أبصرنا الطريق الأول فعرفناه فأخذنا فيه). رواه ابن سعد.
- وقال حميد بن مهران الكندي: أخبرنا سيف المازني قال: كان ابن عمر يقول: (لا أقاتل في الفتنة، وأصلّي وراء من غلب). رواه ابن سعد، وأبو يوسف الفسوي في مشيخته.
- وقال محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، (أنَّ ابن عمر، كان في زمان الفتنةِ لا يأتي أميرٌ إلا صلّى خلفه وأدّى إليه زكاة ماله). رواه ابن سعد.
- وقال علي بن الأقمر: قال مروان بن الحكم لابن عمر: ألا تخرج إلى الشام فيبايعوك؟
قال: فكيف أصنع بأهل العراق؟
قال: تقاتلهم بأهل الشام.
قال: (والله ما يسرني أن يبايعني الناس كلهم إلا أهل فدك، وأني قاتلتهم فقتل منهم رجل واحد). رواه ابن سعد.
- وقال وهيب بن خالد: حدثنا أيوب، عن أبي العالية البرّاء، قال: (كنت أمشي خلف ابن عمر وهو لا يشعر، وهو يقول: (واضعين سيوفهم على عواتقهم يقتل بعضهم بعضاً، يقولون: يا عبد الله بن عمر أعط بيدك). رواه ابن سعد.
وأبو العالية البرّاء بتشديد الراء نسبة إلى بري النبال، مولى لقريش، من أهل البصرة، وكان ثقة من رجال الصحيحين، اختلف في اسمه فقيل: أذينة، وقيل: كلثوم، وقيل: زياد بن فيروز، وقيل: زياد بن أذينة.
- وقال الأسود بن شيبان: حدثنا خالد بن سمير، عن موسى بن طلحة [بن عبيد الله] قال: (يرحم الله عبد الله بن عمر - إما سماه وإما كناه - والله إني لأحسبه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عهده إليه لم يفتن بعده، ولم يتغير والله ما استغرّته قريش في فتنتها الأولى). رواه ابن سعد.
- وقال أسود بن شيبان، عن خالد بن سمير، قال: لما قدم الكذاب الكوفة يعني المختار هرب ناس من وجوه أهل الكوفة؛ فقدموا علينا البصرة منهم موسى بن طلحة؛ فغشيته؛ فقال: (يرحم الله أبا عبد الرحمن - أو عبد الله بن عمر - والله إني لأحسبه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم الذي عهد له). رواه ابن عساكر، وأصله في طبقات ابن سعد، وزاد قال موسى: (لم يفتن بعده، ولم يتغيَّر، والله ما استغرَّته قريش في فتنتها الأولى).
- وقال أبو المليح، عن ميمون بن مهران، قال: كتب ابن عمر إلى عبد الملك بن مروان فبدأ باسمه، فكتب إليه: أما بعد فـ {الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه} إلى آخر الآية، وقد بلغني أنَّ المسلمين اجتمعوا على البيعة لك، وقد دخلتُ فيما دخلَ فيه المسلمون والسلام). رواه ابن سعد.
- وقال مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن أبيه أنه قيل له: كيف ترى عبد الله بن عمر لو ولي من أمر الناس شيئا؟
فقال أسلم: (ما رجل قاصد لباب المسجد داخل أو خارج بأقصدَ من عبد الله لعمل أبيه). رواه ابن سعد.
وفاته:
عُمّر ابن عمر حتى أدرك مقتل ابن الزبير، وحجّ في تلك السنة، وكان الحجاج قد غلب على مكّة، ونشر عسكره في المشاعر بأسلحتهم، وحجّ ابن عمر في تلك السنة؛ فأصابه رمح في رجله وهو يرمي الجمرات من الزحام؛ فكان ذلك سبب موته.
- قال سعيد بن جبير: كنت مع ابن عمر حين أصابه سنان الرمح في أخمص قدمه، فلزقت قدمه بالركاب، فنزلت، فنزعتها وذلك بمنى، فبلغ الحجاج فجعل يعوده، فقال الحجاج: لو نعلم من أصابك، فقال ابن عمر: «أنت أصبتني»
قال: وكيف؟
قال: «حملت السلاح في يوم لم يكن يُحمل فيه، وأدخلت السلاح الحرم ولم يكن السلاح يدخل الحرم» رواه البخاري.
- وقال سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص: دخل الحجاج على ابن عمر وأنا عنده، فقال: كيف هو؟
فقال: صالح.
فقال: من أصابك؟
قال: «أصابني من أمر بحمل السلاح في يوم لا يحل فيه حمله» يعني الحجاج). رواه البخاري.
مات بعد أن قضى نسكه، وأوصى أن يدفن خارج الحرم، فلم يقدروا على ذلك بسبب الحَجاج وجنده، وكانت الفتنة شديدة.
- قال ابنه سالم: (فدفناه بفخ في مقبرة المهاجرين نحو ذي طوى).
- قال نافع بن سرجس: (وإنما سميت مقبرة المهاجرين لأنه دفن فيها من مات ممن كان أتى المدينة، ثم حج وجاور فمات بمكة؛ فكان يدفن في هذه المقبرة، منهم أبو واقد الليثي، وعبد الله بن عمر وغيرهما). رواه الحاكم في مستدركه.
وكان موته رضي الله عنه سنة 74هـ على الصحيح، وله أربعة وثمانون عاماً.
- وقال عبد العزيز [بن أبي أويس] عن مالك بن أنس: (بلغ ابن عمر سبعا وثمانين سنة). ذكره البخاري في التاريخ الكبير.
- قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، قال: قال سعيد بن المسيب: (لو كنت شاهداً لأحد حيّ أنه من أهل الجنة لشهدت لعبد الله بن عمر). رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة، وأبو بكر الخلال في السنة.
- وقال أبو هلال [الراسبي]: حدثنا قتادة عن سعيد بن المسيب قال: (لو شهدت لأحد أنه من أهل الجنة لشهدت لعبد الله بن عمر). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة، والخطيب البغدادي في تاريخه.
- وقال شعبة: سمعت قتادة يحدث عن سعيد بن المسيب قال: (مات ابن عمر يوم مات، وما في الأرض أحد أحبّ إليَّ من أن ألقى الله بمثل عمله). رواه ابن عساكر.
مما روي عنه في التفسير:
أ: الزهري عن خالد بن أسلم، قال: خرجنا مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقال أعرابي: أخبرني عن قول الله: {والذين يكنزون الذهب والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله} قال ابن عمر: «من كنزها، فلم يؤد زكاتها فويل له، إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة؛ فلما أنزلت جعلها الله طهرا للأموال» رواه البخاري.
ب: أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: (كنا لا نشك فيمن أوجب الله له النار في كتاب الله حتى نزلت علينا هذه الآية: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فلما سمعناها كففنا عن الشهادة وأرجينا الأمور إلى الله). رواه ابن أبي حاتم.
ج: هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر في قوله: {خذ العفو} قال: (أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس). رواه ابن أبي حاتم.
رواياته:
أخذ عن النبي صلى الله عليه وسلم علماً غزيراً، ثم أخذ عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وحفصة وعائشة وابن مسعود وزيد بن ثابت وبلال بن رباح وصهيب الرومي وجماعة من أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواة التفسير عنه:
روى عنه في التفسير: ابنه سالم، ومولاه نافع، وعبد الله بن دينار، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، ومجاهد بن جبر، وسعيد بن جبير، ومحمد بن سيرين، وزيد بن أسلم العدوي مولى عمر، وأخوه خالد بن أسلم، وأبو عمرو الشيباني، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعامر الشعبي، وخالد بن معدان، ومحارب بن دثار الباهلي، وصدقة بن يسار، وأبو الزبير المكي، وبكر بن عبد الله المزني، وثوير بن أبي فاختة.
وأكثر من روى عنه في التفسير: مولاه نافع ثم عبد الله بن دينار، ثم سالم بن عبد الله.
وأرسل عنه: الزهري، ومحمد بن عون، وقتادة، وعطاء بن أبي رباح، وأبو قلابة الجرمي، وأبو حازم سلمة بن دينار، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو الزناد، ومكحول، وعروة بن رويم، وعمرو بن مرة، والضحاك، وزيد العميّ.