تفسير قوله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {مثل الّذين كفروا بربّهم أعمالهم كرمادٍ اشتدّت به الرّيح في يومٍ عاصفٍ، لا يقدرون ممّا كسبوا على شيءٍ، ذلك هو الضّلال البعيد}.
اختلف أهل العربيّة في رافع {مثل}، فقال بعض نحويّي البصرة: إنّما هو كأنّه قال: وممّا نقص عليك {مثل الّذين كفروا} ثمّ أقبل يفسّر كما قال: {مثل الجنّة} وهذا كثيرٌ.
وقال بعض نحويّي الكوفيّين: إنّما المثل للأعمال، ولكنّ العرب تقدّم الأسماء لأنّها أعرف، ثمّ تأتي بالخبر الّذي تخبر عنه مع صاحبه، ومعنى الكلام: مثل أعمال الّذين كفروا بربّهم كرمادٍ، كما قيل: {ويوم القيامة ترى الّذين كذبوا على اللّه وجوههم مسودّةٌ} ومعنى الكلام: ترى يوم القيامة وجوه الّذين كذبوا على اللّه مسودّةً قال: ولو خفض الأعمال جاز، كما قال: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه} الآية وقوله: {مثل الجنّة الّتي وعد المتّقون تجري من تحتها الأنهار} قال: " فتجري هو في موضع الخبر، كأنّه قال: أن تجري، وأن يكون كذا وكذا، فلو أدخل " أنّ " جاز، قال: ومنه قول الشّاعر:
ذريني إنّ أمرك لن يطاعا = وما ألفيتني حلمي مضاعا
قال: فالحلم منصوبٌ بـ " ألفيت " على التّكرير، قال: ولو رفعه كان صوابًا. قال: وهذا مثلٌ ضربه اللّه لأعمال الكفّار، فقال: مثل أعمال الّذين كفروا يوم القيامة الّتي كانوا يعملونها في الدّنيا يزعمون أنّهم يريدون اللّه بها، مثل رمادٍ عصفت الرّيح عليه في يوم ريحٍ عاصفٍ، فنسفته وذهبت به، فكذلك أعمال أهل الكفر به يوم القيامة، لا يجدون منها شيئًا ينفعهم عند اللّه فينجيهم من عذابه، لأنّهم لم يكونوا يعملونها للّه خالصًا، بل كانوا يشركون فيها الأوثان والأصنام.
يقول اللّه عزّ وجلّ: {ذلك هو الضّلال البعيد} يعني أعمالهم الّتي كانوا يعملونها في الدّنيا الّتي يشركون فيها مع اللّه شركاء، هي أعمالٌ عملت على غير هدًى واستقامةٍ، بل على جورٍ عن الهدى بعيدٍ، وأخذٍ على غير استقامةٍ شديدٍ.
وقيل: {في يومٍ عاصفٍ} فوصف بالعصوف اليوم، وهو من صفة الرّيح، لأنّ الرّيح تكون فيه كما يقال: يومٌ باردٌ، ويومٌ حارٌّ، لأنّ البرد والحرارة يكونان فيه؛ وكما قال الشّاعر:
يومين غيمين ويومًا شمسا
فوصف اليومين بالغيمين، وإنّما يكون الغيم فيهما
وقد يجوز أن يكون أريد به في يومٍ عاصف الرّيح، فحذفت الرّيح لأنّها قد ذكرت قال ذلك، فيكون ذلك نظير قول الشّاعر:
إذا جاء يومٌ مظلم الشّمس كاسف
يريد: كاسف الشّمس
وقيل: هو من نعت الرّيح خاصّةً، غير أنّه لمّا جاء بعد اليوم أتبع إعرابه، وذلك أنّ العرب تتبع الخفض الخفض في النّعوت، كما قال الشّاعر:
تريك سنّة وجهٍ غير مقرفةٍ = ملساء ليس بها خالٌ ولا ندب
فخفض " غير " إتباعًا لإعراب الوجه، وإنّما هي من نعت السّنّة، والمعنى: سنّة وجهٍ غير مقرفةٍ، وكما قالوا: هذا جحر ضبٍّ خربٍ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، في قوله: {كرمادٍ اشتدّت به الرّيح} قال: " حملته الرّيح {في يومٍ عاصفٍ} "
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {مثل الّذين كفروا بربّهم أعمالهم كرمادٍ اشتدّت به الرّيح في يومٍ عاصفٍ} يقول: الّذين كفروا بربّهم وعبدوا غيره، فأعمالهم يوم القيامة كرمادٍ اشتدّت به الرّيح في يومٍ عاصفٍ، لا يقدرون على شيءٍ من أعمالهم ينفعهم، كما لا يقدر على الرّماد إذا أرسل في يومٍ عاصفٍ " وقوله: {ذلك هو الضّلاّل البعيد} أي الخطأ البيّن البعيد عن طريق الحقّ). [جامع البيان: 13/621-624]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (آية 18 - 20.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله: {مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد} قال: الذين كفروا بربهم عبدوا غيره فأعمالهم يوم القيامة كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لايقدرون على شيء من أعمالهم ينفعهم كما لا يقدر على الرماد إذا أرسل في يوم عاصف). [الدر المنثور: 8/505]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي - رضي الله عنه - في الآية قال: مثل أعمال الكفار كرماد ضربته الريح فلم ير منه شيء فكما لم ير ذلك الرماد ولم يقدر منه على شيء كذلك الكفار لم يقدروا من أعمالهم على شيء). [الدر المنثور: 8/505]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج - رضي الله عنه - في قوله: {كرماد اشتدت به الريح} قال: حملته الريح). [الدر المنثور: 8/505]
تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ألم تر أنّ اللّه خلق السّموات والأرض بالحقّ، إن يشأ يذهبكم ويأت بخلقٍ جديدٍ (19) وما ذلك على اللّه بعزيزٍ}.
يقول عزّ ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: ألم تر يا محمّد بعين قلبك، فتعلم أنّ اللّه أنشأ السّموات والأرض بالحقّ منفردًا بإنشائها بغير ظهيرٍ ولا معينٍ {إن يشأ يذهبكم ويأت بخلقٍ جديدٍ} يقول: إنّ الّذي تفرّد بخلق ذلك وإنشائه من غير معينٍ ولا شريكٍ، إن هو شاء أن يذهبكم فيفنيكم أذهبكم وأفناكم، ويأت بخلقٍ آخر سواكم مكانكم، فيجدّد خلقهم {وما ذلك على اللّه بعزيزٍ} يقول: وما إذهابكم وإفناؤكم وإنشاء خلقٍ آخر سواكم مكانكم على اللّه بممتنعٍ ولا متعذّرٍ، لأنّه القادر على ما يشاء.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ألم تر أنّ اللّه خلق} فقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل المدينة والبصرة وبعض الكوفيّين: " خلق " على " فعل ".
وقرأته عامّة قرّاء أهل الكوفة ( خالق ) على " فاعل "، وهما قراءتان مستفيضتان، قد قرأ بكلّ واحدةٍ منهما أئمّةٌ من القرّاء متقاربتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ). [جامع البيان: 13/625]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله: {ويأت بخلق جديد} قال: بخلق آخر). [الدر المنثور: 8/505]
تفسير قوله تعالى: (وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ألم تر أنّ اللّه خلق السّموات والأرض بالحقّ، إن يشأ يذهبكم ويأت بخلقٍ جديدٍ (19) وما ذلك على اللّه بعزيزٍ}.
يقول عزّ ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: ألم تر يا محمّد بعين قلبك، فتعلم أنّ اللّه أنشأ السّموات والأرض بالحقّ منفردًا بإنشائها بغير ظهيرٍ ولا معينٍ {إن يشأ يذهبكم ويأت بخلقٍ جديدٍ} يقول: إنّ الّذي تفرّد بخلق ذلك وإنشائه من غير معينٍ ولا شريكٍ، إن هو شاء أن يذهبكم فيفنيكم أذهبكم وأفناكم، ويأت بخلقٍ آخر سواكم مكانكم، فيجدّد خلقهم {وما ذلك على اللّه بعزيزٍ} يقول: وما إذهابكم وإفناؤكم وإنشاء خلقٍ آخر سواكم مكانكم على اللّه بممتنعٍ ولا متعذّرٍ، لأنّه القادر على ما يشاء.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ألم تر أنّ اللّه خلق} فقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل المدينة والبصرة وبعض الكوفيّين: " خلق " على " فعل ".
وقرأته عامّة قرّاء أهل الكوفة ( خالق ) على " فاعل "، وهما قراءتان مستفيضتان، قد قرأ بكلّ واحدةٍ منهما أئمّةٌ من القرّاء متقاربتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ). [جامع البيان: 13/625] (م)