العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م, 06:41 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (130) إلى الآية (134) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (130) إلى الآية (134) ]


{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 09:45 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

جمهرة تفاسير السلف


تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن يرغّب عن ملّة إبراهيم}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {ومن يرغّب عن ملّة إبراهيم} وأيّ النّاس يزهد في ملّة إبراهيم ويتركها رغبةً عنها إلى غيرها. وإنّما عنى اللّه بذلك اليهود والنّصارى لاختيارهم ما اختاروا من اليهوديّة والنّصرانيّة على الإسلام؛ لأنّ ملّة إبراهيم هي الحنيفيّة المسلمة، كما قال تعالى ذكره: {ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولكن كان حنيفًا مسلمًا} فقال تعالى ذكره لهم: ومن يزهد عن ملّة إبراهيم الحنيفيّة المسلمة إلاّ من سفه نفسه.
- كما حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: «{ومن يرغب عن ملّة، إبراهيم إلاّ من سفه نفسه} رغب عن ملّته اليهود والنّصارى، واتّخذوا اليهوديّة والنّصرانيّة بدعةً ليست من اللّه، وتركوا ملّة إبراهيم يعني الإسلام حنيفًا، كذلك بعث اللّه نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم بملّة إبراهيم».
- حدّثنا عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: في قوله: {ومن يرغب عن ملّة، إبراهيم إلاّ من سفه نفسه}: قال: «رغبت اليهود والنّصارى عن ملّة إبراهيم وابتدعوا اليهوديّة والنّصرانيّة وليست من اللّه، وتركوا ملّة إبراهيم الإسلام» ). [جامع البيان: 2/ 578-579]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إلاّ من سفه نفسه}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {إلاّ من سفه نفسه} إلاّ من سفهت نفسه، وقد بيّنّا فيما مضى أنّ معنى السّفه: الجهل. فمعنى الكلام: وما يرغب عن ملّة إبراهيم الحنيفيّة إلاّ سفيهٌ جاهلٌ بموضع حظّ نفسه فيما ينفعها ويضرّها في معادها.
- كما حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: في قوله: {إلاّ من سفه نفسه} قال: «إلاّ من أخطأ حظّه».
وإنّما نصب النّفس على معنى المفسّر؛ ذلك أنّ السّفه في الأصل للنّفسٍ، فلمّا نقل إلى من نصبت النّفس بمعنى التّفسير، كما يقال: هو أوسعكم دارًا، فتدخل الدّار في الكلام على أنّ السّعة فيه لا في الرّجل. فكذلك النّفس أدخلت، لأنّ السّفه للنّفس لا لمن؛ ولذلك لم يجز أن يقال: نفسه سفه أخوك، وإنّما جاز أن يفسّر بالنّفس وهي مضافةٌ إلى معرفةٍ لأنّها في تأويل نكرةٍ.
وقد قال بعض نحويّي البصرة: إنّ قوله: {سفه نفسه} جرت مجرى سفه إذا كان الفعل غير متعدٍّ. وإنّما عداه إلى نفسه ورأيه وأشباه ذلك ممّا هو في المعنى نحو سفه، إذا هو لم يتعدّ. فأمّا غبن وخسر فقد يتعدّى إلى غيره، يقال: غبن خمسين، وخسر خمسين). [جامع البيان: 2/ 579-580]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد اصطفيناه في الدّنيا}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {ولقد اصطفيناه في الدّنيا} ولقد اصطفينا إبراهيم، والهاء الّتي في قوله: {اصطفيناه} من ذكر إبراهيم.
والاصطفاء: الافتعال من الصّفوة، وكذلك اصطفينا افتعلنا منه، صيّرت تاؤها طاءً لقرب مخرجها من مخرج الصّاد.
ويعني بقوله: {اصطفيناه} اخترناه واجتبيناه للخلّة، ونصيّره في الدّنيا لمن بعده إمامًا. وهذا خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن أنّ من خالف إبراهيم فيما سنّ لمن بعده فهو للّه مخالفٌ، وإعلامٌ منه خلقه أنّ من خالف ما جاء به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم فهو لإبراهيم مخالفٌ؛ وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره أخبر أنّه اصطفاه لخلّته، وجعله للنّاس إمامًا، وأخبر أنّ دينه كان الحنيفيّة المسلمة. ففي ذلك أوضح البيان من اللّه تعالى ذكره عن أنّ من خالفه فهو للّه عدوٌّ لمخالفته الإمام الّذي نصّبه اللّه لعباده). [جامع البيان: 2/ 580]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين} وإنّ إبراهيم في الدّار الآخرة لمن الصّالحين. والصّالح من بني آدم هو المؤدّي حقوق اللّه عليه. فأخبر تعالى ذكره عن إبراهيم خليله أنّه في الدّنيا له صفيٌّ، وفي الآخرة وليٌّ، وإنّه واردٌ موارد أوليائه الموفين بعهده). [جامع البيان: 2/ 580]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {ومن يرغب عن ملّة إبراهيم إلّا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدّنيا وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين (130)}:
قوله: {ومن يرغب عن ملّة إبراهيم إلّا من سفه نفسه}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية: {
ومن يرغب عن ملّة إبراهيم} قال: «رغبت اليهود والنّصارى عن ملّة إبراهيم وابتدعوا اليهوديّة والنّصرانيّة، وليست من اللّه وتركوا دين إبراهيم». وروي عن قتادة نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 238]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ولقد اصطفيناه في الدّنيا}:
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى ثنا هارون بن حاتمٍ ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ عن أسباط بن نصرٍ عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ قوله: «اصطفى يعني اختار»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 238]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين}:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا ابن الأصبهانيّ ثنا عمرو بن ثابتٍ عن أبيه قال: لمّا كان صبيحة فاطمة، أصابها حصرٌّ ورعدةٌ، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «لقد زوّجتكيه سيّدًا وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين».
- ذكر عن محمّد بن يحيى بن الفيّاض ثنا أبو عامرٍ ثنا إسرائيل عن سماكٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ: {وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين} قال: «عمله يجزى به في الآخرة» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 238]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين * إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين}:
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: {ومن يرغب عن ملة إبراهيم} قال: «رغبت اليهود والنصارى عن ملته واتخذوا اليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله وتركوا ملة إبراهيم الإسلام وبذلك بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بملة إبراهيم».
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة مثله.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {إلا من سفه نفسه} قال: «إلا من أخطأ حظه».
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله: {ولقد اصطفيناه} قال: «اخترناه» ). [الدر المنثور: 1/ 718]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)}.

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إذ قال له ربّه أسلم قال أسلمت لربّ العالمين}. يعني تعالى ذكره بقوله: {إذ قال له ربّه أسلم} إذ قال لإبراهيم ربّه: أخلص لي العبادة، واخضع لي بالطّاعة.
وقد دلّلنا فيما مضى على معنى الإسلام في كلام العرب، فأغنى عن إعادته.
وأمّا معنى قوله: {قال أسلمت لربّ العالمين} فإنّه يعني تعالى ذكره: قال إبراهيم مجيبًا لربّه: خضعت بالطّاعة، وأخلصت بالعبادة لمالك جميع الخلائق ومدبّرها دون غيره.
فإن قال قائلٌ: قد علمت أنّ إذ وقتٌ فما الّذي وقّت به، وما الّذي جلبه؟ قيل: هو صلةٌ لقوله: {ولقد اصطفيناه في الدّنيا}. وتأويل الكلام: ولقد اصطفيناه في الدّنيا حين قال ربّه: أسلم، قال: أسلمت لربّ العالمين وإنما معنى الكلام: ولقد اصطفيناه في الدّنيا حين قال له ربّه أسلم، قال: أسلمت لربّ العالمين. فأظهر اسم اللّه في قوله: {إذ قال له ربّه أسلم} على وجه الخبر عن غائبٍ، وقد جرى ذكره قيل على وجه الخبر عن نفسه، كما قال خفاف بن ندبة:


أقول له والرّمح يأطر متنه ....... تأمّل خفافًا إنّني أنا ذالكا

فإن قال لنا قائلٌ: وهل دعا اللّه إبراهيم إلى الإسلام؟ قيل له: نعم، قد دعاه إليه.
فإن قال: وفي أيّ حالٍ دعاه إليه؟ قيل: حين قال: {يا قوم إنّي بريءٌ ممّا تشركون إنّي وجّهت وجهي للّذي فطر السّموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين} وذلك هو الوقت الّذي قال له ربّه أسلم من بعد ما امتحنه بالكواكب والقمر والشّمس). [جامع البيان: 2/ 580-582]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {إذ قال له ربّه أسلم قال أسلمت لربّ العالمين (131) ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيّ إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين فلا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون (132) أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهًا واحدًا ونحن له مسلمون (133)}:
قوله: {إذ قال له ربّه أسلم قال أسلمت لربّ العالمين}:
- حدّثنا الحسن بن أحمد ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ الواسطيّ ثنا سرور بن المغيرة عن عبّاد بن منصورٍ عن الحسن: {إذ قال له ربّه أسلم قال أسلمت لربّ العالمين} قال: «سأله الإسلام فأعطاه إيّاه، وأجاب ربّه فيه خيرًا ومعرفةً له، قال: أسلمت لربّ العالمين» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 239]

تفسير قوله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)}.
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني ابن لهيعة عن أبي صخر عن القرظي: {وجعلها كلمة باقية في عقبه}قال: «الإسلام» {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}). [الجامع في علوم القرآن: 2/ 146]
(م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيّ إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين فلا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {ووصّى بها} ووصّى بهذه الكلمة؛ أعني بالكلمة قوله: {أسلمت لربّ العالمين} وهي الإسلام الّذي أمر به نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو إخلاص العبادة والتّوحيد للّه، وخضوع القلب والجوارح له.
ويعني بقوله: {ووصّى بها إبراهيم بنيه} عهد إليهم بذلك وأمرهم به.
وأمّا قوله: {ويعقوب} فإنّه يعني: ووصّى بذلك أيضًا يعقوب بنيه.
- كما حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: {ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب} يقول: «ووصّى بها يعقوب بنيه بعد إبراهيم».
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: «{ووصّى بها إبراهيم بنيه} وصّاهم بالإسلام، ووصّى يعقوب بمثل ذلك».
وقال بعضهم: قوله: {ووصّى بها إبراهيم بنيه} خبرٌ منقضٍ، وقوله: {ويعقوب} خبرٌ مبتدأٌ، كأنّه، قال: ووصّى بها إبراهيم بنيه بأن يقولوا: أسلمنا لربّ العالمين، ووصّى يعقوب بنيه أن: {يا بنيّ إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين فلا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون}.
ولا معنى لقول من قال ذلك؛ ولأنّ الّذي أوصى به يعقوب بنيه نظير الّذي أوصى به إبراهيم بنيه من الحثّ على طاعة اللّه والخضوع له والإسلام.
فإن قال قائلٌ: فإن كان الأمر على ما وصفت من أنّ معناه: ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب أن يا بنيّ، فما بال أن محذوفةٌ من الكلام؟ قيل: لأنّ الوصيّة قولٌ فحملت على معناها، وذلك أنّ ذلك لو جاء بلفظ القول لم تحسن معه أن، وإنّما كان يقال: وقال إبراهيم لبنيه ويعقوب:{يا بنيّ} فلمّا كانت الوصيّة قولاً حملت على معناها دون قولها، فحذفت أن الّتي تحسن معها، كما قال تعالى ذكره: {يوصيكم اللّه في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين} وكما قال الشّاعر:


إنّي سأبدي لك فيما أبدي ....... لي شجنان شجنٌ بنجد

وشجنٌ لي ببلاد السّند
فحذفت أنّ إذ كان الإبداء باللّسان في المعنى قولاً، فحمله على معناه دون لفظه.
وقد قال بعض أهل العربيّة: إنّما حذفت أن من قوله: {ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب} باكتفاء النّداء، يعني بالنّداء قوله: {يا بنيّ} وزعم أنّ علّته في ذلك أنّ من شأن العرب الاكتفاء بالأدوات من أن كقولهم: ناديت هل قمت؟ وناديت أين زيدٌ؟ قال: وربّما أدخلوها مع الأدوات فقالوا: ناديت أن هل قمت؟
وقد قرأ جماعه من القرأة: {وأصّى بها إبراهيم} بمعنى: عهد.
وأما من قرأ {ووصّى} مشدده، فإنه يعنى بذلك أنه عهد إليهم عهدًا بعد عهدٍ، وأوصى وصيّةً بعد وصيّةٍ). [جامع البيان: 2/ 582-584]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا بنيّ إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين} إنّ اللّه اختار لكم هذا الدّين الّذي عهدنا فيه إليكم واجتباه لكم. وإنّما أدخل الألف واللاّم في الدّين، لأنّ الّذين خوطبوا من ولدهما وبنيهما بذلك كانوا قد عرفوه بوصيّتهما إيّاهم به ووصيّتهما إليهم فيه، ثمّ قالا لهم بعد أن عرّفاهموه: إنّ اللّه اصطفى لكم هذا الدّين الّذي قد عهد إليكم فيه، فاتّقوا أن تموتوا إلاّ وأنتم عليه). [جامع البيان: 2/ 584]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون}:
إن قال لنا قائلٌ: أو إلى بني آدم الموت والحياة فينهى أحدهم أن يموت إلاّ على حالةٍ دون حالةٍ؟ ،
قيل له: إنّ معنى ذلك على غير الوجه الّذي ظننت، وإنّما معناه: {فلا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون} أي فلا تفارقوا هذا الدّين وهو الإسلام أيّام حياتكم؛ وذلك أنّ أحدًا لا يدري متى تأتيه منيّته، فلذلك قالا لهم: {فلا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون} لأنّكم لا تدرون متى تأتيكم مناياكم من ليلٍ أو نهارٍ، فلا تفارقوا الإسلام فتأتيكم مناياكم وأنتم على غير الدّين الّذي اصطفاه لكم ربّكم فتموتوا وربّكم ساخطٌ عليكم فتهلكوا). [جامع البيان: 2/ 584-585]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ووصّى بها إبراهيم بنيه}:
- أخبرنا محمّد بن سعد بن محمّد بن الحسن بن عطيّة العوفيّ فيما كتب إليّ حدّثني أبي ثنا عمّي عن أبيه عن جدّه عن عبد اللّه بن عبّاسٍ: {ووصّى بها إبراهيم بنيه} قال: «وصّاهم بالإسلام. وصيّة اللّه دين اللّه»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 239]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ويعقوب يا بنيّ إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين}:
- به عن ابن عبّاسٍ: {ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب} قال: «وصّى يعقوب بنيه بمثل ذلك- يعني بالإسلام وصيّة اللّه دين اللّه». وروي عن الحسن وقتادة نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 239]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إنّ اللّه اصطفى لكم الدين}:
قد تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 239]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فلا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون}:
- حدّثنا أبي ثنا أبو حذيفة ثنا شبلٌ عن قيس بن سعدٍ عن طاوسٍ: «{فلا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون} على الإسلام وعلى ذمّة الإسلام» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 239]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {ووصى إبراهيم بها بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لك الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}:
أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن أسد بن يزيد قال: «في مصحف عثمان ووصى بغير ألف».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ووصى بها إبراهيم بنيه} قال: «وصاهم بالاسلام ووصى يعقوب بنيه مثل ذلك».
وأخرج الثعلبي عن فضيل بن عياض في قوله: «{فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} أي محسنون بربكم الظن».
وأخرج ابن سعد عن الكلبي قال: «ولد لإبراهيم إسماعيل وهو أكبر ولده وأمه هاجر وهي قبطية وإسحاق وأمه سارة ومدن ومدين وبيشان وزمران وأشبق وشوح وأمهم قنطوراء من العرب العاربة فأما بيشان فلحق بنوه بمكة وأقام مدين بأرض مدين فسميت به ومضى سائرهم في البلاد وقالوا لإبراهيم: يا أبانا أنزلت اسماعيل وإسحاق معك وأمرتنا أن ننزل أرض الغربة والوحشة قال: بذلك أمرت، فعلمهم اسما من أسماء الله فكانوا يستسقون به ويستنصرون» ).[الدر المنثور: 1/ 718-719]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) }
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {أم كنتم شهداء} أكنتم شهداء، ولكنّه استفهم ب أم إذ كان استفهامًا مستأنفًا على كلامٍ قد سبقه، كما قيل: {الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من ربّ العالمين أم يقولون افتراه}، وكذلك تفعل العرب في كلّ استفهامٍ ابتدأته بعد كلامٍ قد سبقه تستفهم فيه ب (أم).
والشّهداء جمع شهيدٍ كما الشّركاء جمع شريكٍ، والخصماء جمع خصيمٍ.
وتأويل الكلام: أكنتم يا معشر اليهود والنّصارى المكذّبين بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، الجاحدين نبوّته، حضور يعقوب وشهوده إذ حضره الموت، أي أنّكم لم تحضروا ذلك. فلا تدّعوا على أنبيائي ورسلي الأباطيل، وتنحلوهم اليهوديّة والنّصرانيّة، فإنّي ابتعثت خليلي إبراهيم وولده إسحاق وإسماعيل وذرّيّتهم بالحنيفيّة المسلمة، وبذلك وصّوا بنيهم وبه عهدوا إلى أولادهم من بعدهم، فلو حضرتموهم فسمعتم منهم علمتم أنّهم على غير ما تنحلوهم من الأديان والملل.
وهذه آياتٌ نزلت تكذيبًا من اللّه تعالى لليهود والنّصارى في دعواهم في إبراهيم وولده ويعقوب أنّهم كانوا على ملّتهم، فقال لهم في هذه الآية: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت} فتعلموا ما قال لولده وقال له ولده. ثمّ أعلمهم ما قال لهم وما قالوا له.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: قوله: {أم كنتم شهداء} يعني أهل الكتاب). [جامع البيان: 2/ 585-586]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آباءك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهًا واحدًا ونحن له مسلمون}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {إذ قال لبنيه} إذ قال يعقوب لبنيه. وإذ هذه مكرّرةٌ إبدالاً من إذ الأولى بمعنى: أم كنتم شهداء يعقوب إذ قال يعقوب لبنيه حين حضور موته.
ويعنيٌّ بقوله: {ما تعبدون من بعدي} أيّ شيءٍ تعبدون من بعدي، أي من بعد وفاتي. {قالوا نعبد إلهك} يعني به: قال بنوه له: نعبد معبّودك الّذي تعبده، ومعبّود آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهًا واحدًا، أي نخلص له العبادة ونوحّد له الرّبوبيّة فلا نشرك به شيئًا ولا نتّخذ دونه ربًّا.
ويعني بقوله: {ونحن له مسلمون} ونحن له خاضعون بالعبوديّة والطّاعة.
ويحتمل قوله: {ونحن له مسلمون} أن تكون بمعنى الحال، كأنّهم قالوا: نعبد إلهك مسلمين له بطاعتنا وعبادتنا إيّاه. ويحتمل أن يكون خبرًا مستأنفًا، فيكون بمعنى: نعبد إلهك بعدك، ونحن له الآن وفي كلّ حالٍ مسلمون.
قال أبو جعفرٍ: «وأحسن هذين الوجهين في تأويل ذلك أن يكون بمعنى الحال، وأن يكون بمعنى: نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق مسلمين لعبادته».
وقيل: إنّما قدّم ذكر إسماعيل على إسحاق لأنّ إسماعيل كان أسنّ من إسحاق.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: في قوله: {قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} قال: «يقال بدأ بإسماعيل لأنّه أكبر».
وقرأ بعض القرأة: وإله أبيك إبراهيم ظنًّا منه أنّ إسماعيل إذ كان عمًّا ليعقوب، فلا يجوز أن يكون فيمن ترجم به عن الآباء وداخلاً في عدادهم. وذلك من قارئه كذلك قلّة علمٍ منه بمجاري كلام العرب. والعرب لا تمتنع من أن تجعل الأعمام بمعنى الآباء، والأخوال بمعنى الأمّهات، فلذلك دخل إسماعيل فيمن ترجم به عن الآباء.
و{إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} ترجمةٌ عن الآباء في موضع جرٍّ، ولكنّهم نصبوا بأنّهم لا يجرّون.
والصّواب من القراءة عندنا في ذلك: {وإله آبائك} لإجماع القرّاء على تصويب ذلك وشذوذ من خالفه من القرّاء ممّن قرأ خلاف ذلك.
ونصب قوله إلهًا على الحال من قوله إلهك). [جامع البيان: 2/ 586-588]

قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {أم كنتم شهداء}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية قوله: «{أم كنتم شهداء} يعني أهل الكتاب» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 239]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي}:
- حدّثنا الحسن بن أحمد ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ حدّثني سرور بن المغيرة عن عبّادٍ عن الحسن قوله: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك}
قال: «يقول: لم يشهد اليهود ولا النّصارى ولا أحدٌ من النّاس يعقوب، إذ أخذ على بنيه الميثاق، إذ حضره الموت أن لا يعبدوا إلا إياه فأقرّوا بذلك، وشهد عليهم أن قد أقرّوا بعبادتهم، وأنّهم مسلمون».
- حدّثنا عليّ بن طاهرٍ ثنا محمّد بن العلاء- يعني أبا كريبٍ- ثنا عثمان بن سعيدٍ ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ: «نعبد يعني نوحّد»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 239-240]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق}:
- حدّثنا أبي ثنا ابن أبي عمر ثنا سفيان عن عمرٍو عن عطاءٍ قال: سمعت ابن عبّاسٍ يقول: «الجدّ أبٌ» ويتلو ابن عبّاسٍ: {قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق}.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية: «{إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} فسمّى عمّه أباه».
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو أسامة أخبرني موسى بن عبيدة قال: سمعت محمّد بن كعبٍ يقول: «الخال والدٌ، والعمّ والدٌ» قال: «{ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك} إلى آخر الآية» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 240]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إلهًا واحدًا}:
- حدّثنا أبي ثنا أبو حذيفة ثنا شبلٌ عن ابن أبي نجيحٍ عن عطاءٍ إلهًا واحدًا قال: «إنّه إلهٌ واحدٌ، وإله كلّ شيءٍ، وخالق كلّ شيءٍ» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 240]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ونحن له مسلمون}:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: {مسلمين} يقول: «موحّدين»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 240]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون}:

أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: «{أم كنتم شهداء} يعني أهل مكة».
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت} الآية، قال: «يقول لم تشهد اليهود ولا النصارى ولا أحد من الناس يعقوب إذ أخذ على بنيه الميثاق إذ حضره الموت ألا تعبدوا إلا إياه فأقروا بذلك وشهد عليهم أن قد أقروا بعبادتهم وأنهم مسلمون».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس، أنه كان يقول: «الجد أب ويتلو {قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق}».
وأخرج ابن جرير عن أبي زيد في الآية قال: «يقال بدأ بإسماعيل لأنه أكبر».
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال: «سمى العم أبا».
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب قال: «الخال والد، العم والد وتلا {قالوا نعبد إلهك وإله آبائك} الآية».
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن أنه كان يقرأ (نعبد إلهك وإله أبيك) على معنى الواحد). [الدر المنثور: 1/ 719-721]

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {تلك أمّةٌ قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عمّا كانوا يعملون}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {تلك أمّةٌ قد خلت} إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وولدهم. يقول لليهود والنّصارى: يا معشر اليهود والنّصارى دعوا ذكر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والمسلمين من أولادهم بغير ما هم أهله ولا تنحلوهم الكفر واليهوديّة والنّصرانيّة فتضيفوها إليهم، فإنّهم أمّةٌ ويعني بالأمة في هذا الموضع الجماعة، والقرن من النّاس قد خلت: قد مضت لسبيلها.
وإنّما قيل للّذي قد مات فذهب: قد خلا، لتخلّيه من الدّنيا، وانفراده مما كان من الأنس بأهله وقرنائه في دنياه، وأصله من قولهم: خلا الرّجل، إذا صار بالمكان الّذي لا أنيس له فيه وانفرد من النّاس، فاستعمل ذلك في الّذي يموت على ذلك الوجه.
ثمّ قال تعالى ذكره لليهود والنّصارى: إنّ لمن نحلتموه ضلالكم وكفركم الّذي أنتم عليه من أنبيائي ورسلي ما كسبت.
والهاء والألف في قوله: {لها} عائدةٌ إن شئت على تلك، وإن شئت على الأمّة.
ويعني بقوله: {لها ما كسبت} أي ما عملت من خيرٍ، ولكم يا معشر اليهود والنّصارى مثل ذلك ما عملتم. ولا تؤاخذون أنتم أيّها النّاحلون ما تنحلونهم من الملل، فسألوا عمّا كان إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وولدهم يعملون فيكسبون من خيرٍ وشرٍّ؛ لأنّ لكلّ نفسٍ ما كسبت، وعليها ما اكتسبت. فدعوا انتحالهم وانتحال مللهم، فإنّ الدّعاوى غير مغنيتكم عند اللّه شيئا، وإنّما يغني عنكم عنده ما سلف لكم من صالح أعمالكم إن كنتم عملتموها وقدّمتموها أمامكم). [جامع البيان: 2/ 588-589]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {تلك أمّةٌ قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عمّا كانوا يعملون (134)}:
قوله: {تلك أمّةٌ قد خلت}:
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى ثنا هارون بن حاتمٍ ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ عن أسباط بن نصرٍ عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ قوله: «{تلك} يعني هذه» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 240]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية: «{
تلك أمّةٌ قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم} يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط». وروي عن قتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى ثنا ابن لهيعة حدّثني عطاءٌ عن سعيدٍ: «{لها ما كسبت} يعني ما عملت من خيرٍ أو شرٍّ» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 241]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ولكم ما كسبتم}:
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن وهب بن عطيّة الدّمشقيّ ثنا الوليد بن مسلمٍ ثنا القاسم بن هزّان الخولانيّ ثنا الزّهريّ ثنا سعيد بن مرجانة قال: قال ابن عبّاسٍ: «قوله عزّ وجلّ: «{ما كسبت} من العمل» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 241]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يفعلون}:
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: {تلك أمة قد خلت} قال: «يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط» ). [الدر المنثور: 1/ 721]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 09:48 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {إلاّ من سفه نفسه...}

العرب توقع سفه على {نفسه},وهي معرفة, وكذلك قوله: {بطرت معيشتها}, وهي من المعرفة كالنكرة، لأنه مفسّر، والمفسّر في أكثر الكلام نكرة؛ كقولك: ضقت به ذرعاً, وقوله: {فإن طبن لكم عن شيء مّنه نفساً} فالفعل للذرع؛ لأنك تقول: ضاق ذرعي به، فلمّا جعلت الضيق مسندا إليك فقلت: ضقت جاء الّذرع مفسرا ؛ لأن الضيق فيه؛ كما تقول: هو أوسعكم داراً, دخلت الدار ؛ لتدلّ على أن السعة فيها لا في الرّجل؛ وكذلك قولهم: قد وجعت بطنك، ووثقت رأيك - أو - وفقت.
قال أبو عبد الله: «أكثر ظنّي وثقت بالثاء», إنما الفعل للأمر، فلمّا أسند الفعل إلى الرجل صلح النصب فيما عاد بذكره على التفسير؛ ولذلك لا يجوز تقديمه، فلا يقال: رأيه سفه زيدٌ، كما لا يجور دارا أنت أوسعهم؛ لأنه وإن كان معرفة فإنه في تأويل نكرة، ويصيبه النصب في موضع نصب النكرة ولا يجاوزه). [معاني القرآن: 1/ 79]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({سفه نفسه}, أي: أهلك نفسه , وأوبقها، تقول: سفهت نفسك). [مجاز القرآن: 1/ 56]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ومن يرغب عن مّلّة إبراهيم إلاّ من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدّنيا وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين}
قال: {إلاّ من سفه نفسه}, فزعم أهل التأويل أنه في معنى: "سفّه نفسه", وقال يونس: «أراها لغة», ويجوز في هذا القول: "سفهت زيداً"، وهو يشبه "غبن رأيه" , و"خسر نفسه" إلا أن هذا كثير، ولهذا معنى ليس لذاك, تقول: "غبن في رأيه" , و"خسر في أهله" , و"خسر في بيعه". وقد جاء لهذا نظير، قال: "ضرب عبد اللّه الظهر والبطن" ومعناه: على الظهر والبطن" كما قالوا: "دخلت البيت" وإنما هو "دخلت في البيت", وقوله: "توجّه مكّة والكوفة" ,وإنما هو: إلى مكّة والكوفة, ومما يشبه هذا قول الشاعر:

نغالي اللّحم للأضياف نيئاً ....... ونبذله إذا نضج القدور

يريد: نغالى باللحم, ومثل هذا : {وإن أردتّم أن تسترضعوا أولادكم} , يقول: "لأولادكم" , و {ولا تعزموا عقدة النّكاح}, أي: على عقدة النكاح, وأحسنمن ذلك أن تقول: "إنّ سفه نفسه" جرت مجرى "سفه" إذ كان الفعل غير متعد، وإنما عداه إلى "نفسه" و"رأيه" وأشباه ذا ممّا هو في المعنى نحو "سفه" إذا لم يتعد, وأما "غبن" و"خسر" فقد يتعدى إلى غيره تقول: "غبن خمسين" و"خسر خمسين"). [معاني القرآن: 1/ 115]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما {إلا من سفه نفسه} يسفهها سفهًا، وقالوا: سفه وسفه وسفه؛ والمعنى فيها ثلاثها: أضر بها وجهلها.
وقالوا أيضًا: رشد الرجل أمره، ووجع بطنه؛ و{بطرت معيشتها} من ذلك.
وقالوا: حلبت الشاة لبنها، وعصر العود ماءه، وصرمت النخلة ثمرها). [معاني القرآن لقطرب: 334]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({سفه نفسه}: أهلكها وأوبقها). [غريب القرآن وتفسيره: 82]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({إلّا من سفه نفسه}, أي: من سفهت نفسه, كما تقول: غبن فلان رأيه, والسّفه: الجهل). [تفسير غريب القرآن: 64]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومن يرغب عن ملّة إبراهيم إلّا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدّنيا وإنه في الآخرة لمن الصّالحين }
معنى {من}التقرير والتوبيخ، ولفظها لفظ الاستفهام وموضعها رفع بالابتداء، والمعنى ما يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه، والملّة قد بيناها , وهي السّنّة والمذهب، وقد أكثر النحويون , واختلفوا في تفسير {سفه نفسه}, وكذلك أهل اللغة،
فقال الأخفش: «أهل التأويل يزعمون أن المعنى : سفه نفسه»,
وقال يونس النحوي: «أراها لغة»، وذهب يونس إلى أن فعل للمبالغة،كما أن فعل للمبالغة , فذهب في هذا مذهب التأويل، ويجوز على هذا القول سفهت زيدا بمعنى : سفهت زيداً,
وقال أبو عبيدة معناه: «أهلك نفسه، وأوبق نفسه»، فهذا غير خارج من مذهب أهل التأويل ومذهب يونس.
وقال بعض النحويين: إن نفسه منصوب على التفسير،
وقال التفسير في النكرات أكثر نحو : طاب زيد بأمره نفساً, وقر به عيناً, وزعم أن هذه المفسّرات المعارف أصل الفعل لها , ثم نقل إلى الفاعل نحو : وجع زيد رأسه، وزعم أن أصل الفعل للرأس , وما أشبهه، وأنه لا يجيز تقديم شيء من هذه المنصوبات, وجعل {سفه نفسه} من هذا الباب.
قال أبو إسحاق: «وعندي أن معنى التمييز لا يحتمل التعريف ؛ لأن التمييز إنما هو واحد يدل على جنس أو خلة تخلص من خلال , فإذا عرفه صار مقصوداً قصده، وهذا لم يقله أحد ممن تقدم من النحويين».
وقال أبو إسحاق: «إن {سفه نفسه} بمعنى : سفه في نفسه إلا أن " في " حذفت، كما حذفت حروف الجر في غير موضع».
قال الله عزّ وجلّ: {ولا جناح عليكم أن تسترضعوا أولادكم}
والمعنى : أن تسترضعوا لأولادكم، فحذف حرف الجرّ في غير ظرف، ومثله قوله عزّ وجلّ: {ولا تعزموا عقدة النكاح},أي: على عقدة النكاح, ومثله قول الشاعر:

نغالي اللحم للأضياف نيئاً ....... ونرخصه إذا نضج القدور
المعنى: نغالي باللحم، ومثله قول العرب: ضرب فلان الظهر والبطن, والمعنى: على الظهر والبطن. فهذا الذي استعمل من حذف حرف الجر موجود في كتاب اللّه، وفي إشعار العرب وألفاظها المنثورة، وهو عندي مذهب صالح.
والقول الجيّد عندي في هذا أن سفه في موضع جهل، فالمعنى: - واللّه أعلم - إلا من جهل نفسه، أي: لم يفكر في نفسه.
كقوله عزّ وجلّ: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}, فوضع جهل, وعدى كما عدى.
فهذا جميع ما قال الناس في هذا، وما حضرنا من القول فيه.
وقوله عزّ وجلّ: {ولقد اصطفيناه في الدّنيا}
معناه: اخترناه , ولفظه مشتق من الصفوة.
{وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين}:فالصالح في الآخرة الفائز). [معاني القرآن: 1/ 209-211]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({من سفه نفسه} أي: في نفسه, وقيل: معناها سفهت نفسه, وقيل: جهل نفسه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 34]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({سَفِهَ نَفْسَــــهُ}: جهــــــل). [العمدة في غريب القرآن: 84]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {إذ قال له ربّه أسلم قال أسلمت لربّ العالمين}
معناه: اصطفاه إذ قال له ربه أسلم: أي: في ذلك الوقت {قال أسلمت لربّ العالمين}). [معاني القرآن: 1/ 211]

تفسير قوله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ووصّى بها إبراهيم بنيه...}
في مصاحف أهل المدينة: {وأوصى}, وكلاهما صوابٌ كثيرٌ في الكلام.
وقوله: {ويعقوب...}
أي: ويعقوب وصّى بهذا أيضاً, وفي إحدى القراءتين قراءة عبد الله , أو قراءة أبيّ: {أن يا بنيّ إن الله اصطفى لكم الدين}, يوقع وصى على "أن" , يريد: وصّاهم "بأن" , وليس في قراءتنا "أن"، وكلّ صواب, فمن ألقاها قال: الوصيّة قول، وكلّ كلام رجع إلى القول جاز فيه دخول أن، وجاز إلقاء أن؛ كما قال الله عزّ وجلّ في النساء: {يوصيكم اللّه في أولادكم للذكر مثل حظّ الأنثيين}؛ لأن الوصيّة كالقول؛ وأنشدني الكسائي:


إني سأبدي لك فيما أبدي ....... لي شجنان شجن بنجد
وشجن لي ببلاد السند


لأن الإبداء في المعنى بلسانه؛ ومثله قول الله عزّ وجلّ: {وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرةً}, لأن العدة قول, فعلى هذا يبنى ما ورد من نحوه.
وقول النحويّين: إنما أراد: أن فألقيت ليس بشيء؛ لأن هذا لو كان لجاز إلقاؤها مع ما يكون في معنى القول وغيره, وإذا كان الموضع فيه ما يكون معناه معنى القول, ثم ظهرت فيه أن فهي منصوبة الألف. وإذا لم يكن ذلك الحرف يرجع إلى معنى القول سقطت أن من الكلام.
فأمّا الذي يأتي بمعنى القول فتظهر فيه أن مفتوحة فقول الله تبارك وتعالى: {إنّا أرسلنا نوحاً إلى قومه أن أنذر قومك} جاءت أن مفتوحة؛ لأن الرسالة قول, وكذلك قوله: {فانطلقوا وهم يتخافتون. أن لا يدخلنا} والتخافت قول, وكذلك كلّ ما كان في القرآن, وهو كثير, منه قول الله {وآخر دعواهم أن الحمد للّه}. ومثله: {فأذّن مؤذّنٌ بينهم أن لعنة اللّه على الظّالمين}الأذان قول، والدعوى قول في الأصل.
وأمّا ما ليس فيه معنى القول فلم تدخله أن , فقول الله : {ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربّهم ربّنا أبصرنا} , فلمّا لم يكن في "أبصرنا" كلام يدلّ على القول, أضمرت القول , فأسقطت أن؛ لأن ما بعد القول حكاية لا تحدث معها أن,ومنه قول الله: {والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم}, معناه: يقولون: أخرجوا, ومنه قول الله تبارك وتعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا}, معناه: يقولان: {ربّنا تقبّل منّا} , وهو كثير, فقس بهذا ما ورد عليك.
وقوله:{... قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون}
قرأت القرّاء :{نعبد إلهك وإله آبائك} , وبعضهم قرأ :{وإله أبيك} واحداً, وكأن الذي قال: أبيك, ظنّ أن العمّ لا يجوز في الآباء, فقال: {وإله أبيك إبراهيم}, ثم عدّد بعد الأب العّم, والعرب تجعل الأعمام كالآباء، وأهل الأمّ كالأخوال, وذلك كثير في كلامهم). [معاني القرآن: 1/ 80-82]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({اصطفى لكم الدّين}أي: أخلص لكم الدين من الصفوة). [مجاز القرآن: 1/ 56]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيّ إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين فلا تموتنّ إلاّ وأنتم مّسلمون}
قال: {ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيّ} , فهو - والله أعلم - , وقال يعقوب: يا بني؛ لأنه حين قال: {ووصّى بها} قد أخبر أنه قال لهم شيئاً, فأجرى الأخير على معنى الأول , وإن شئت قلت: {ويعقوب} معطوف, كأنك قلت: "ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب" ,. ثم فسر ما قال يعقوب، قال: "يا بني"). [معاني القرآن: 1/ 116]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة العامة {ووصى بها إبراهيم بنيه} من وصيت.
قراءة أهل المدينة {وأوصى} من أوصيت). [معاني القرآن لقطرب: 259]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({اصطفى لكم الدين}: أخلصه من الصفوة). [غريب القرآن وتفسيره: 82]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيّ إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين فلا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون}
قوله: (بها) هذه الهاء ترجع على الملة؛ لأن إسلامه هو إظهار طريقته وسنته, ويدل على قوله: {ومن يرغب عن ملّة إبراهيم}, قوله: {إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين}
وإنما كسرت " إن"؛ لأن معنى وصي وأوصى: قول: المعنى : قال لهم إن اللّه اصطفى لكم الدين، ووصى أبلغ من أوصى، لأن أوصى جائز أن يكون قال لهم مرة واحدة، ووصّى لا يكون إلا لمرات كثيرة.
وقوله عزّ وجلّ: {فلا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون}
إن قال قائل: كيف ينهاهم عن الموت، وهم إنما يماتون، فإنما وقع هذا على سعة الكلام، وما تكثر استعماله " العرب " نحو قولهم: " لا أرينك ههنا "، فلفظ النهي إنما هو للمتكلّم، وهو في الحقيقة للمكلّم.
المعنى: لا تكونن ههنا , فإن من كان ههنا - رأيته - , والمعنى في الآية: ألزموا الإسلام، فإذا أدرككم الموت , صادفكم مسلمين).
[معاني القرآن: 1/ 211-212]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({اصطفى}: أخلص , واختار). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 34]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({اصْطَفَى}: اختــــار). [العمدة في غريب القرآن: 84]

تفسير قوله تعالى:{أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {قل بل ملّة إبراهيم حنيفاً...}
أمر الله محمدا صلى الله عليه وسلم؛ فإن نصبتها بـ "نكون" كان صواباً,و وإن نصبتها بفعل مضمر كان صواباً, كقولك: بل نتّبع "ملّة إبراهيم"، وإنما أمر الله النبي محمدا صلى الله عليه وسلم ’, فقال: {قل بل ملّة إبراهيم}). [معاني القرآن: 1/ 82]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({أم كنتم شهداء}: (أم) تجئ بعد كلام قد انقطع، وليست في موضع هل، ولا ألف الاستفهام، قال الأخطل:

كذبتك عينك أم رأيت بواسطٍ ....... غلس الظّلام من الرّباب خيالا

يقول: كذبتك عينك، هل رأيت، أوبل رأيت). [مجاز القرآن: 1/ 56-57]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق}, والعرب تجعل العم , والخال أباً.
قال أبو عبيدة: لم اسمع من حمّاد هذا، قال حماد بن زيد عن أيوب، عن عكرمة: إنّ النبي صلى الله عليه قال يوم الفتح، حيث بعث العباس إلى أهل مكة: «ردّوا عليّ أبي , فإنّي أخاف أن يفعل به قريش ما فعلت ثقيف بعروة ابن مسعود»، ثم قال: «لئن فعلوا، لأضرمنّها عليهم ناراً», وكان النبي صلى الله عليه بعث عروة إلى ثقيف، يدعوهم إلى الله، فرقى فوق بيتٍ، ثم ناداهم إلى الإسلام فرماه رجل بسهم، فقتله).
[مجاز القرآن: 1/ 56-57]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون}
قال: {أم كنتم شهداء} استفهام مستأنف.
وقال: {إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه} , فأبدل "إذ" الآخرة من الأولى.
وقال: {إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} , على البدل, وهو في موضع جر إلا أنها أعجمية , فلا تنصرف.
وقوله: {إلهاً واحداً}, على الحال). [معاني القرآن: 1/ 116]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون }
المعنى: بل أكنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت، إذ قال لبنيه , فقولك: (إذ) الثانية، موضعها نصب كموضع الأولى، وهذا بدل مؤكد.
وقوله: {قالوا نعبد إلهك وإله آبائك}
القراءة على الجمع، وقال بعضهم: {وإله أبيك}, كأنه كره أن يجعل العم أباه، وجعل إبراهيم بدلاً من أبيك مبينا عنه، وبخفض إسماعيل وإسحاق، كان المعنى : إلهك , وإله أبيك , وإله إسماعيل، كما تقول: رأيت غلام زيد وعمرو , أي : غلامهما، ومن قال:{وإله آبائك}فجمع , وهو المجتمع عليه، جعل إبراهيم وإسماعيل وإسحاق بدلاً, وكان موضعهم خفضاً على البدل المبين عن آبائك.
وقوله عزّ وجلّ: {إلهاً واحداً}: منصوب على ضربين:
1- إن شئت على الحال، كأنهم قالوا نعبد: إلهك في حال وحدانيته،
2- وإن شئت على البدل, وتكون الفائدة من هذا البدل ذكر التوحيد، فيكون المعنى : نعبد إلهاً واحداً).
[معاني القرآن: 1/ 212-213]

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({تلك أمّةٌ قد خلت لها ما كسبت ولكم مّا كسبتم ولا تسألون عمّا كانوا يعملون}
قال: {تلك أمّةٌ قد خلت لها ما كسبت}, يقول: "قد مضت" , ثم استأنف , فقال: {لها ما كسبت}). [معاني القرآن: 1/ 116]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{تلك أمّة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عمّا كانوا يعملون (134)}
معنى {خلت} :مضت، كما تقول لثلاث خلون من الشهر , أي: مضين.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تسألون عمّا كانوا يعملون}: المعنى: إنما تسألون عن أعمالكم). [معاني القرآن: 1/ 213]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الآخرة 1434هـ/11-04-2013م, 09:34 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه مالك بن مرارة الرهاوي فقال: يا رسول الله إني قد أوتيت من الجمال ما ترى ما يسرني أن أحدا يفضلني بشراكين فما فوقهما فهل ذلك من البغي؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما ذلك من سَفِه الحق وغَمِط الناس».
قال: حدثنيه معاذ بن معاذ عن ابن عون عن عمرو بن سعيد عن حميد بن عبد الرحمن عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أما قوله: «من سفه الحق»: فإنه أن يرى الحق سفها وجهلا، قال الله تبارك وتعالى: {إلا من سفه نفسه}.
وبعض المفسرين يقول في قوله تعالى: {إلا من سفه نفسه} يقول سَفَّهَهَا). [غريب الحديث: 3/ 312-314]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)}

تفسير قوله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (قال مالك بن ضيغم: لما احتُضِر أبي قلنا له: ألا تُوصي قال: بلى، أوصيكم بما أوصى به إبراهيمُ بنيه ويعقوبُ: {يَا بَنِيً إنً الله اصطَفَى لَكُمُ الدينَ فَلاَ تَمُوتن إلا وأنتُمْ مسْلِمُونَ} وأوصيكم بصلة الرحم وحسنِ الجوار وفعل ما استطعتم من المعروف، وادفنوني مع المساكين). [عيون الأخبار: 6/ 312]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب النونين الثقيلة والخفيفة ومعرفة مواقعها من الأفعال.
اعلم أنهما لا تدخلان من الأفعال إلا على ما لم يجب، ولا يكون من ذلك إلا في الفعل الذي يؤكد ليقع. وذلك ما لم يكن خبراً فيما ضارع القسم. فأما القسم فإحداهما فيه واجبةٌ لا محالة. وأما ما ضارعه فأنت فيه مخير. وذلك قولك في القسم: والله لأقومن، وحق زيد لأمضين، فيلحق النون إما خفيفة وإما ثقيلةً، لا يكون القسم إلا كذاك. وقد شرحنا ذلك في باب القسم: لم كانت فيه واجبة? وأما الثقيلة فكقوله عز وجل: (ليسجنن وليكوننّ من الصاغرين). وأما الخفيفة فعلى قراءة من قرأ: {وليكونن من الصاغرين}، وكقوله: {كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية}، وقال الشاعر:

وفي ذمتي لئن فعلت ليفعلا

فمن مواضعها: الأمر، والنهي؛ لأنهما غير واجبين. وذلك قولك - إذا لم تأت بهما -:اضرب، ولا تضرب، فإذا أتيت بها قلت: اضربن زيدا، ولا تضربن زيدا، وإن شئت ثقلت النون، وإن شئت خففتها. وهي - إذا خففت - مؤكدة، وإذا ثقلت فهي أشد توكيدا، وإن شئت لم تأت بها فقلت: اضرب، ولا تضرب. قال الله عز وجل: {ولا تقولن لشيءٍ إني فاعلٌ ذلك غدًا}، وقال: {ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون}، وقال: {فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}. وقال الشاعر في الخفيفة:

فـــإيــــاك والــمــيــتــات لا تـقـربــنــهــا ....... ولا تأخذن سهماً حديداً لتفصدا


وقال الآخر:

فأنزلن سكينةً علينا

والطلب يجري مجرى الأمر والنهي، وقد مضى القول في هذا. ومن مواضعهما: الاستفهام؛ لأنه غير واجب. وذلك قولك: هل تضربن زيداً، وهل يقومن زيد يا فتى. وتدخل الخفيفة كما دخلت الثقيلة؛ لأنهما في التوكيد على ما ذكرت لك ومن مواضعها: الجزاء إذا لحقت ما زائدةً في حرف الجزاء؛ لأنها تكون كاللام التي تلحق في القسم في قولك: لأفعلن، وذلك قولك: إما تأتيني آتك، ومتى ما تقعدن أقعد. فمن ذلك قول الله عز وجل: {فإما ترين من البشر أحداً}، وقال: {وإما تعرضن عنهم}. فإن كان الجزاء بغير ما قبح دخولها فيه، لأنه خبر يجب آخره بوجوب أوله. وإنما يجوز دخولها الجزاء بغير ما في الشعر للضرورة؛ كما يجوز ذلك في الخبر. فمن ذلك قوله:



من تثقفن منهم فليس بآيبٍ ....... أبداً، وقتل بني قتيبـة شافـي



فهذا يجوز؛ كما قال في الخبر:



ربما أوفيت في علـمٍ ....... ترفعن ثوبي شمالات



ومن أمثال العرب: بعينٍ ما أرينك وبألمٍ ما تختننه. فإنما أدخل النون من أجل ما الزائدة كاللام كما ذكرت لك). [المقتضب: 3/ 11-15] (م)

تفسير قوله تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)}

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)}
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (الكلام على الأمة والمال
وحدّثنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد، وأبو بكر بن الأنباري، في قوله عز وجل: {تلك أمّةٌ قد خلت} [البقرة: 134] .
الأمّة: القرن من الناس بعد القرن، والأمّة أيضًا: الجماعة من الناس، والأمة أيضًا: الملة.
قوله عز وجل: {إنّا وجدنا آباءنا على أمّةٍ} [الزخرف: 22] أي: على دينٍ، وكذلك قوله عز وجل: {ولولا أن يكون النّاس أمّةً واحدةً} [الزخرف: 33] أي: لولا يكون الناس كفارًا كلّهم، والأمّة أيضًا: الحين، قال الله عز وجل: {وادّكر بعد أمّةٍ} [يوسف: 45] أي: بعد حينٍ وقرأ ابن عباس، وعكرمة: وادّكر بعد أمةٍ مثل عمهٍ وولهٍ أي بعد نسيان، والأمة أيضًا: الإمام، قال الله عز وجل: {إنّ إبراهيم كان أمّةً قانتًا} [النحل: 120] والأمة أيضًا: القامة وجمعها قال الأعشى:


وأنّ مـــعـــاويــــة الأكـــرمـــيــــن ....... حسان الوجوه طوال الأمم

والأمّهة والأمّة والأمّ والاّم: الوالدة، قال الشاعر:


تقبّـلـتـهـا مــــن أمـــــةٍ لـــــك طـالــمــا تتوزع في الأسواق عنها خمارها

وقال آخر:
أمّهتي خندف واليأس أبي). [الأمالي: 1/ 301]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 03:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 03:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 03:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 03:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ومن يرغب عن ملّة إبراهيم إلاّ من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدّنيا وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين (130) إذ قال له ربّه أسلم قال أسلمت لربّ العالمين (131) ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيّ إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين فلا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون (132)}
من استفهام في موضع رفع بالابتداء، ويرغب خبره، والمعنى يزهد فيها ويربأ بنفسه عنها، والملة الشريعة والطريقة، وسفه من السفه الذي معناه الرقة والخفة، واختلف في نصب نفسه، فقال الزجاج: «سفه بمعنى جهل وعداه بالمعنى»، وقال غيره: سفه بمعنى أهلك، وحكى ثعلب والمبرد أن: «سفه بكسر الفاء يتعدى كسفه بفتح الفاء وشدها»، وحكي عن أبي الخطاب أنها: «لغة»، وقال الفراء: «نصبها على التمييز».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «لأن السفه يتعلق بالنفس والرأي والخلق، فكأنه ميزها بين هذه ورأوا أن هذا التعريف ليس بمحض لأن الضمير فيه الإبهام الذي في من، فكأن الكلام: إلا من سفه نفسا»، وقال البصريون: لا يجوز التمييز مع هذا التعريف، وإنما النصب على تقدير حذف «في»، فلما انحذف حرف الجر قوي الفعل، وهذا يجري على مذهب سيبويه فيما حكاه من قولهم ضرب فلان الظهر والبطن أي في الظهر والبطن، وحكى مكي أن: «التقدير إلّا من سفه قوله نفسه على أن نفسه تأكيد حذف المؤكد وأقيم التوكيد مقامه قياسا على النعت والمنعوت».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول متحامل، و «اصطفى» «افتعل» من الصفوة معناه تخير الأصفى، وأبدلت التاء طاء لتناسبها مع الصاد في الإطباق، ومعنى هذا الاصطفاء أنه نبأه واتخذه خليلا، وفي الآخرة متعلق باسم فاعل مقدر من الصلاح، ولا يصلح تعلقه ب الصّالحين لأن الصلة لا تتقدم الموصول، هذا على أن تكون الألف واللام بمعنى الذي، وقال بعضهم: الألف واللام هنا للتعريف ويستقيم الكلام، وقيل: المعنى أنه في عمل الآخرة لمن الصّالحين، فالكلام على حذف مضاف). [المحرر الوجيز: 1/ 353-354]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {إذ قال له ربّه أسلم}، العامل في إذ اصطفيناه، وكان هذا القول من الله حين ابتلاه بالكوكب والقمر والشمس. والإسلام هنا على أتم وجوهه). [المحرر الوجيز: 1/ 354]

تفسير قوله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ نافع وابن عامر «وأوصى»، وقرأ الباقون ووصّى، والمعنى واحد، إلا أن وصى يقتضي التكثير، والضمير في بها عائد على كلمته التي هي أسلمت لربّ العالمين، وقيل: على الملة المتقدمة، والأول أصوب لأنه أقرب مذكور، وقرأ عمرو بن فائد الأسواري «ويعقوب» بالنصب على أن يعقوب داخل فيمن أوصى، واختلف في إعراب رفعه، فقال قوم من النحاة: التقدير ويعقوب أوصى بنيه أيضا، فهو عطف على إبراهيم، وقال بعضهم: هو مقطوع منفرد بقوله يا بنيّ، فتقدير الكلام ويعقوب قال يا بني، واصطفى هنا معناه تخير صفوة الأديان، والألف واللام في الدّين للعهد، لأنهم قد كانوا عرفوه، وكسرت إنّ بعد وصّى لأنها بمعنى القول، ولذلك سقطت «إن» التي تقتضيها «وصى» في قوله «أن يا بني»، وقرأ ابن مسعود والضحاك «أن يا بني» بثبوت أن.
وقوله تعالى: {فلا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون} إيجاز بليغ، وذلك أن المقصود منه أمرهم بالإسلام والدوام عليه، فأتى ذلك بلفظ موجز يقتضي المقصود ويتضمن وعظا وتذكيرا بالموت، وذلك أن المرء يتحقق أنه يموت ولا يدري متى؟ فإذا أمر بأمر لا يأتيه الموت إلا وهو عليه، فقد توجه من وقت الأمر دائبا لازما، وحكى سيبويه فيما يشبه هذا المعنى قولهم: لا أرينك هاهنا، وليس إلى المأمور أن يحجب إدراك الأمر عنه، فإنما المقصود: اذهب وزل عن هاهنا، فجاء بالمقصود بلفظ يزيد معنى الغضب والكراهية، وأنتم مسلمون ابتداء وخبر في موضع الحال). [المحرر الوجيز: 1/ 355-356]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون (133) تلك أمّةٌ قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عمّا كانوا يعملون (134) وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملّة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين (135)}
هذا الخطاب لليهود والنصارى الذين انتحلوا الأنبياء صلوات الله عليهم ونسبوهم إلى اليهودية والنصرانية، فرد الله تعالى عليهم وكذبهم، وأعلمهم أنهم كانوا على الحنيفية والإسلام، وقال لهم على جهة التقريع والتوبيخ: أشهدتم يعقوب وعلمتم بما أوصى فتدعون عن علم؟، أي لم تشهدوا بل أنتم تفترون، وأم تكون بمعنى ألف الاستفهام في صدر الكلام لغة يمانية، وحكى الطبري أن: «أم يستفهم بها في وسط كلام قد تقدم صدره»، وهذا منه، ومنه {أم يقولون افتراه} [يونس: 38، هود: 13، 35، السجدة: 3، الأحقاف: 8]، وقال قوم: أم بمعنى بل، والتقدير بل شهد أسلافكم يعقوب وعلمتم منهم ما أوصى به، ولكنكم كفرتم جحدا ونسبتموهم إلى غير الحنيفية عنادا، والأظهر أنها التي بمعنى بل وألف الاستفهام معا، و «شهداء» جمع شاهد أي حاضر، ومعنى الآية حضر يعقوب مقدمات الموت، وإلا فلو حضر الموت لما أمكن أن يقول شيئا، وقدم يعقوب على جهة تقديم الأهم، والعامل في إذ: شهداء، وإذ قال بدل من إذ الأولى، وعبر عن المعبود بما تجربة لهم، ولم يقل من لئلا يطرق لهم الاهتداء، وإنما أراد أن يختبرهم، وأيضا فالمعبودات المتعارفة من دون الله تعالى جمادات كالأوثان والنار والشمس والحجارة فاستفهمهم عما يعبدون من هذه، ومن بعدي أي من بعد موتي، وحكي أن يعقوب عليه السلام حين خير كما يخير الأنبياء اختار الموت، وقال أمهلوني حتى أوصي بنيّ وأهلي، فجمعهم وقال لهم هذا فاهتدوا وقالوا: نعبد إلهك الآية، فأروه ثبوتهم على الدين ومعرفتهم بالله تعالى، ودخل إسماعيل في الآباء لأنه عمّ.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في العباس: «ردوا علي أبي، إني أخاف أن تفعل به قريش ما فعلت ثقيف بعروة بن مسعود».
وقال عنه في موطن آخر: «هذا بقية آبائي»، ومنه قوله عليه السلام: «أنا ابن الذبيحين» على القول الشهير في أن إسحاق هو الذبيح.
وقرأ الحسن وابن يعمر والجحدري وأبو رجاء «وإله أبيك»، واختلف بعد فقيل هو اسم مفرد أرادوا به إبراهيم وحده، وقال بعضهم: هو جمع سلامة، وحكى سيبويه أب وأبون وأبين. قال الشاعر: زياد بن واصل السلمي:
فلمّا تبيّنّ أصواتنا ....... بكين وفدّيننا بالأبينا
وقال ابن زيد: «يقال قدم إسماعيل لأنه أسن من إسحاق»، وإلهاً بدل من إلهك، وكرره لفائدة الصفة بالوحدانية، وقيل إلهاً حال، وهذا قول حسن، لأن الغرض إثبات حال الوحدانية، نحن له مسلمون ابتداء وخبر، أي كذلك كنا نحن ونكون، ويحتمل أن يكون في موضع الحال والعامل نعبد، والتأويل الأول أمدح). [المحرر الوجيز: 1/ 356-358]

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قد خلت} في موضع رفع نعت لأمة، ومعناه ماتت وصارت إلى الخلاء من الأرض، ويعني بالأمة الأنبياء المذكورون، والمخاطب في هذه الآية اليهود والنصارى، أي أنتم أيها الناحلوهم اليهودية والنصرانية، ذلك لا ينفعكم، لأن كل نفس لها ما كسبت من خير وشر، فخيرهم لا ينفعكم إن كسبتم شرا، وفي هذه الآية رد على الجبرية القائلين لا اكتساب للعبد، ولا تسئلون عمّا كانوا يعملون فتنحلوهم دينا). [المحرر الوجيز: 1/ 359]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 03:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 03:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ومن يرغب عن ملّة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدّنيا وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين (130) إذ قال له ربّه أسلم قال أسلمت لربّ العالمين (131) ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيّ إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين فلا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون (132)}
يقول تبارك وتعالى ردًّا على الكفّار فيما ابتدعوه وأحدثوه من الشّرك باللّه، المخالف لملّة إبراهيم الخليل، إمام الحنفاء، فإنّه جرد توحيد ربّه تبارك وتعالى، فلم يدع معه غيره، ولا أشرك به طرفة عينٍ، وتبرّأ من كلّ معبودٍ سواه، وخالف في ذلك سائر قومه، حتّى تبرّأ من أبيه، فقال: {يا قوم إنّي بريءٌ ممّا تشركون* إنّي وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين} [الأنعام: 78، 79]، وقال تعالى: {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنّني براءٌ ممّا تعبدون* إلا الّذي فطرني فإنّه سيهدين} [الزّخرف: 26، 27]، وقال تعالى: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلّا عن موعدةٍ وعدها إيّاه فلما تبيّن له أنّه عدوٌ للّه تبرّأ منه إنّ إبراهيم لأوّاهٌ حليمٌ} [التّوبة: 114] وقال تعالى: {إنّ إبراهيم كان أمّةً قانتًا للّه حنيفًا ولم يك من المشركين* شاكرًا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراطٍ مستقيمٍ* وآتيناه في الدّنيا حسنةً وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين} [النّحل: 120 -122]، ولهذا وأمثاله قال تعالى: {ومن يرغب عن ملّة إبراهيم} أي: عن طريقته ومنهجه. فيخالفها ويرغب عنها {إلا من سفه نفسه} أي: ظلم نفسه بسفهه وسوء تدبيره بتركه الحقّ إلى الضّلال، حيث خالف طريق من اصطفي في الدّنيا للّهداية والرّشاد، من حداثة سنّه إلى أن اتّخذه اللّه خليلًا وهو في الآخرة من الصالحين السّعداء -فترك طريقه هذا ومسلكه وملّته واتّبع طرق الضّلالة والغيّ، فأيّ سفهٍ أعظم من هذا؟ أم أيّ ظلمٍ أكبر من هذا؟ كما قال تعالى: {إنّ الشّرك لظلمٌ عظيمٌ}
وقال أبو العالية وقتادة: «نزلت هذه الآية في اليهود؛ أحدثوا طريقًا ليست من عند اللّه وخالفوا ملّة إبراهيم فيما أخذوه»، ويشهد لصحّة هذا القول قول اللّه تعالى: {ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين* إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبيّ والّذين آمنوا واللّه وليّ المؤمنين} [آل عمران: 67، 68] ). [تفسير ابن كثير: 1/ 445]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {إذ قال له ربّه أسلم قال أسلمت لربّ العالمين} أي: أمره اللّه بالإخلاص له والاستسلام والانقياد، فأجاب إلى ذلك شرعًا وقدرًا). [تفسير ابن كثير: 1/ 446]

تفسير قوله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب} أي: وصّى بهذه الملّة وهي الإسلام للّه أو يعود الضّمير على الكلمة وهي قوله: {أسلمت لربّ العالمين}. لحرصهم عليها ومحبّتهم لها حافظوا عليها إلى حين الوفاة ووصّوا أبناءهم بها من بعدهم؛ كقوله تعالى: {وجعلها كلمةً باقيةً في عقبه} [الزّخرف: 28] وقد قرأ بعض السّلف "ويعقوب" بالنّصب عطفًا على بنيه، كأنّ إبراهيم وصّى بنيه وابن ابنه يعقوب بن إسحاق وكان حاضرًا ذلك، وقد ادّعى القشيريّ، فيما حكاه القرطبيّ عنه أنّ يعقوب إنّما ولد بعد وفاة إبراهيم، ويحتاج مثل هذا إلى دليلٍ صحيحٍ؛ والظّاهر، واللّه أعلم، أنّ إسحاق ولد له يعقوب في حياة الخليل وسارّة؛ لأنّ البشارة وقعت بهما في قوله: {فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} [هودٍ: 71] وقد قرئ بنصب يعقوب هاهنا على نزع الخافض، فلو لم يوجد يعقوب في حياتهما لما كان لذكره من بين ذرّيّة إسحاق كبير فائدةٍ، وأيضًا فقد قال اللّه تعالى في سورة العنكبوت: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذرّيّته النّبوّة والكتاب وآتيناه أجره في الدّنيا وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين} [الآية: 27] وقال في الآية الأخرى: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلةً} [الأنبياء: 72] وهذا يقتضي أنّه وجد في حياته، وأيضًا فإنّه باني بيت المقدس، كما نطقت بذلك الكتب المتقدّمة، وثبت في الصّحيحين من حديث أبي ذرٍّ قلت: يا رسول اللّه، أيّ مسجدٍ وضع أوّل؟ قال: «المسجد الحرام»، قلت: ثمّ أيّ؟ قال: «بيت المقدس». قلت: كم بينهما؟ قال: «أربعون سنةً» الحديث. فزعم ابن حبّان أنّ بين سليمان الذي اعتقد أنّه باني بيت المقدس -وإنّما كان جدّده بعد خرابه وزخرفه -وبين إبراهيم أربعين سنةً، وهذا ممّا أنكر على ابن حبّان، فإنّ المدّة بينهما تزيد على ألوف سنين، واللّه أعلم، وأيضًا فإنّ ذكر وصيّة يعقوب لبنيه سيأتي ذكرها قريبًا، وهذا يدلّ على أنّه هاهنا من جملة الموصين.
وقوله: {يا بنيّ إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين فلا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون} أي: أحسنوا في حال الحياة والزموا هذا ليرزقكم اللّه الوفاة عليه. فإنّ المرء يموت غالبًا على ما كان عليه، ويبعث على ما مات عليه. وقد أجرى اللّه الكريم عادته بأنّ من قصد الخير وفّق له ويسّر عليه. ومن نوى صالحًا ثبت عليه. وهذا لا يعارض ما جاء، في الحديث الصّحيح «إنّ الرّجل ليعمل بعمل أهل الجنّة حتّى ما يكون بينه وبينها إلّا باعٌ أو ذراعٌ، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النّار فيدخلها. وإنّ الرّجل ليعمل بعمل أهل النّار حتّى ما يكون بينه وبينها إلّا باعٌ أو ذراعٌ، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنّة فيدخلها»؛ لأنّه قد جاء في بعض روايات هذا الحديث: «فيعمل بعمل أهل الجنّة فيما يبدو للنّاس، ويعمل بعمل أهل النّار فيما يبدو للنّاس». وقد قال اللّه تعالى: {فأمّا من أعطى واتّقى* وصدّق بالحسنى* فسنيسّره لليسرى* وأمّا من بخل واستغنى* وكذّب بالحسنى* فسنيسّره للعسرى} [اللّيل: 5 -10] ). [تفسير ابن كثير: 1/ 446-447]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهًا واحدًا ونحن له مسلمون (133) تلك أمّةٌ قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عمّا كانوا يعملون (134)}
يقول تعالى محتجًّا على المشركين من العرب أبناء إسماعيل، وعلى الكفّار من بني إسرائيل -وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السّلام -بأنّ يعقوب لمّا حضرته الوفاة وصّى بنيه بعبادة اللّه وحده لا شريك له، فقال لهم: {ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} وهذا من باب التّغليب لأنّ إسماعيل عمّه.
قال النّحّاس: «والعرب تسمّي العمّ أبًا»، نقله القرطبيّ؛ وقد استدلّ بهذه الآية من جعل الجدّ أبًا وحجب به الإخوة، كما هو قول الصّديق -حكاه البخاريّ عنه من طريق ابن عبّاسٍ وابن الزّبير، ثمّ قال البخاريّ: «ولم يختلف عليه»، وإليه ذهبت عائشة أمّ المؤمنين، وبه يقول الحسن البصريّ وطاوسٌ وعطاءٌ، وهو مذهب أبي حنيفة وغير واحدٍ من علماء السّلف والخلف؛ وقال مالكٌ والشّافعيّ وأحمد في المشهور عنه أنّه يقاسم الإخوة؛ وحكى مالكٌ عن عمر وعثمان وعليٍّ وابن مسعودٍ وزيد بن ثابتٍ وجماعةٍ من السّلف والخلف، واختاره صاحبا أبي حنيفة القاضي: أبو يوسف، ومحمّد بن الحسن، ولتقريرها موضعٌ آخر.
وقوله: {إلهًا واحدًا} أي: نوحّده بالألوهيّة، ولا نشرك به شيئًا غيره {ونحن له مسلمون} أي: مطيعون خاضعون كما قال تعالى: {وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون وسلم} [آل عمران: 83] والإسلام هو ملّة الأنبياء قاطبةً، وإن تنوّعت شرائعهم واختلفت مناهجهم، كما قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25]. والآيات في هذا كثيرةٌ والأحاديث، فمنها قوله صلّى اللّه عليه وسلّم:«نحن معشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحدٌ»). [تفسير ابن كثير: 1/ 447]

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {تلك أمّةٌ قد خلت} أي: مضت {لها ما كسبت ولكم ما كسبتم} أي: إنّ السّلف الماضين من آبائكم من الأنبياء والصالحين لا ينفعكم انتسابكم إليهم إذا لم تفعلوا خيرًا يعود نفعه عليكم، فإنّ لهم أعمالهم التي عملوها ولكم أعمالكم: {ولا تسألون عمّا كانوا يعملون}
وقال أبو العالية، والرّبيع، وقتادة: {تلك أمّةٌ قد خلت} يعني: «إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، والأسباط ولهذا جاء في الأثر: من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه» ). [تفسير ابن كثير: 1/ 447-448]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:49 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة