هل في القرآن سجع؟
سبب تجنب وصف الفواصل بالأسجاع
قالَ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ بَهَادرَ الزَّرْكَشِيُّ (ت: 794هـ): (وتقع الفاصلة: عند الاستراحة في الخطاب لتحسين الكلام بها وهي الطريقة التي يباين القرآن بها سائر الكلام وتسمى فواصل لأنه ينفصل عندها الكلامان وذلك أن آخر الآية قد فصل بينها وبين ما بعدها ولم يسموها أسجاعا.
فأما مناسبة فواصل فلقوله تعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} وأما تجنب أسجاع فلأن أصله من سجع الطير فشرف القرآن الكريم أن يستعار لشيء فيه لفظ هو أصل في صوت الطائر ولأجل تشريفه عن مشاركة غيره من الكلام الحادث في اسم السجع الواقع فى كلام آحاد الناس ولأن القرآن من صفات الله عز وجل فلا يجوز وصفه بصفة لم يرد الإذن بها وإن صح المعنى ثم فرقوا بينهما فقالوا السجع هو الذي يقصد في نفسه ثم يحيل المعنى عليه والفواصل التي تتبع المعاني ولا تكون مقصودة في نفسها.
قال الرماني في كتاب إعجاز القرآن: (وبنى عليه أن الفواصل بلاغة والسجع عيب).
وتبعه القاضي أبو بكر الباقلاني في كتاب إعجاز القرآن ونقل عن الأشعرية امتناع كون في القرآن سجعا قال ونص عليه الشيخ أبو الحسن الأشعري في غير موضع من كتبه.
قال: وذهب كثير من مخالفيهم إلى إثبات السجع في القرآن، وزعموا أن ذلك مما تبين فيه فضل الكلام وأنه من الأجناس التي يقع بها التفاضل في البيان والفصاحة كالتجنيس والالتفاف ونحوها.
قال: وأقوى ما استدلوا به الاتفاق على أن موسى أفضل من هارون عليهما السلام ولما كان السجع قيل فى موضع {هَارُونَ وَمُوسَى} ولما كانت الفواصل في موضع آخر بالواو والنون قيل {مُوسَى وَهَارُونَ}.
قالوا: وهذا يفارق أمر الشعر لأنه لا يجوز أن يقع في الخطاب إلا مقصودا إليه وإذا وقع غير مقصود إليه كان دون القدر الذي نسميه شعرا وذلك القدر يتفق وجوده من المفحم كما يتفق وجوده في الشعر وأما ما جاء في القرآن من السجع فهو كثير لا يصح أن يتفق كله غير مقصود إليه.
قال: وبنوا الأمر في ذلك على تحديد معنى السجع.
قال أهل اللغة: هو موالاة الكلام على وزن واحد، قال ابن دريد سجعت الحمامة رددت صوتها.
قال القاضي: وهذا الذي يزعمونه غير صحيح ولو كان القرآن سجعا لكان غير خارج عن أساليب كلامهم ولو كان داخلا فيها لم يقع بذلك إعجاز ولو جاز أن يقال هو سجع معجز لجاز لهم أن يقولوا شعر معجز وكيف والسجع مما كانت كهان العرب تألفه ونفيه من القرآن أجدر بأن يكون حجة من نفي الشعر لأن الكهانة تخالف النبوات بخلاف الشعر.
وما توهموا أنه سجع باطل لأن مجيئه على صورته لا يقتضى كونه هو لأن السجع من الكلام يتبع المعنى فيه اللفظ الذي يؤدى السجع وليس كذلك ما أتفق مما هو في معنى السجع من القرآن لأن اللفظ وقع فيه تابعا للمعنى وفرق بين أن ينتظم الكلام في نفسه بألفاظه التي تؤدي المعنى المقصود فيه وبين أن يكون المعنى منتظما دون اللفظ ومتى ارتبط المعنى بالسجع كان إفادة السجع كإفادة غيره ومتى انتظم المعنى بنفسه دون السجع كان مستجلبا لتحسين الكلام دون تصحيح المعنى.
قال: وأما ما ذكروه في تقديم موسى على هارون في موضع وتأخيره عنه في موضع لأجل السجع ولتساوي مقاطع الكلام فمردود، بل الفائدة فيه إعادة القصة الواحدة بألفاظ مختلفة تؤدي معنى واحدا، وذلك من الأمر الصعب الذي تظهر فيه الفصاحة وتقوى البلاغة، ولهذا أعيدت كثير من القصص في مواضع كثيرة مختلفة على ترتيبات متفاوتة تنبيها بذلك على عجزهم عن الإتيان بمثله مبتدأ به ومكررا.
ولو أمكنهم المعارضة لقصدوا تلك القصة وعبروا عنها بألفاظ لهم تؤدي إلى تلك المعاني ونحوها وجعلوها بإزاء ما جاء به وتوصلوا بذلك إلى تكذيبه وإلى مساواته فيما حكى وجاء به وكيف وقد قال: لهم: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ}.
فعلى هذا يكون المقصد بتقديم بعض الكلمات على بعض وتأخيرها إظهار الإعجاز على الطريقين جميعا دون السجع الذي توهموه.
إلى أن قال: فبان بما قلنا أن الحروف الواقعة في الفواصل مناسبة موقع النظائر التي تقع في الأسجاع لا يخرجها عن حدها ولا يدخلها في باب السجع وقد بينا أنهم يذمون كل سجع خرج عن اعتدال الأجزاء فكان بعض مصاريعه كلمتين وبعضها يبلغ كلمات ولا يرون ذلك فصاحة بل يرونه عجزا فلو فهموا اشتمال القرآن على السجع لقالوا نحن نعارضه بسجع معتدل فنزيد في الفصاحة على طريق القرآن ونتجاوز حده في البراعة والحسن. انتهى ما ذكره القاضي والرماني
رد عليهما الخفاجي في كتاب سر الفصاحة فقال: وأما قول الرماني إن السجع عيب والفواصل على الإطلاق بلاغة فغلط فإنه إن أراد بالسجع ما يتبع المعنى وكأنه غير مقصود فذلك بلاغة والفواصل مثله وإن أراد به ما تقع المعاني تابعة له وهو مقصود متكلف فذلك عيب والفواصل مثله.
قال: وأظن أن الذي دعاهم إلى تسمية كل ما في القرآن فواصل ولم يسموا ما تماثلت حروفه سجعا رغبتهم في تنزيه القرآن عن الوصف اللاحق بغيره من الكلام المروي عن الكهنة وغيرهم وهذا غرض في التسمية قريب والحقيقة ما قلناه.
ثم قال والتحرير أن الأسجاع حروف متماثلة في مقاطع الفواصل.
فإن قيل: إذا كان عندكم أن السجع محمود؛ فهلا ورد القرآن كله مسجوعا!! وما الوجه في ورود بعضه مسجوعا وبعضه غير مسجوع؟!
قلنا: إن القرآن نزل بلغة العرب وعلى عرفهم وعادتهم وكان الفصيح منهم لا يكون كلامه كله مسجوعا لما فيه من أمارات التكلف والاستكراه والتصنع لاسيما فيما يطول من الكلام فلم يرد كله مسجوعا جريا منه على عرفهم في اللطيفة العالية من كلامهم ولم يخل من السجع لأنه يحسن في بعض الكلام على الصفة السابقة وعليها ورد في فصيح كلامهم فلم يجز أن يكون عاليا في الفصاحة وقد أدخل فيه بشرط من شروطها فهذا هو السبب في ورود بعضه كذلك وبعضه بخلافه.
وخصت فواصل الشعر باسم القوافي لأن الشاعر يقفوها أي يتبعها في شعره لا يخرج عنها وهي في الحقيقة فاصلة لأنها تفصل آخر الكلام فالقافية أخص في الاصطلاح إذ كل قافية فاصلة ولا عكس.
ويمتنع استعمال القافية في كلام الله تعالى لأن الشرع لما سلب عنه اسم الشعر وجب سلب القافية أيضا عنه لأنها منه وخاصة به في الاصطلاح وكما يمتنع استعمال القافية في القرآن لا تطلق الفاصلة في الشعر لأنها صفة لكتاب الله فلا تتعداه). [البرهان في علوم القرآن:؟؟]
قالَ جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت:911هـ): (تنبيهات
الأول: قال أهل البديع أحسن السجع ونحوه ما تساوت قرائنه نحو: {في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود} ويليه ما طالت قرينته الثانية نحو: {والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى} أو الثالثة نحو: {خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة} الآية
وقال ابن الأثير الأحسن في الثانية المساواة وإلا فأطول قليلا وفي الثالثة أن تكون أطول.
وقال الخفاجي لا يجوز أن تكون الثانية أقصر من الأولى.
الثاني: قالوا أحسن السجع ما كان قصيرا لدلالته على قوة المنشئ وأقله كلمتان نحو: {يا أيها المدثر قم فأنذر} الآيات {والمرسلات عرفا} الآيات {والذاريات ذروا} الآيات {والعاديات ضبحا} الآيات.
والطويل ما زاد عن العشر كغالب الآيات وما بينهما متوسط كآيات سورة القمر). [الإتقان في علوم القرآن: 5/؟؟]
هل في القرآن سجع؟
قالَ جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (وهل يجوز استعمال السجع في القرآن؟ خلاف، الجمهور على المنع لأن أصله من سجع الطير فشرف القرآن أن يستعار لشيء منه لفظ أصله مهمل ولأجل تشريفه عن مشاركة غيره من الكلام الحادث في وصفه بذلك ولأن القرآن من صفاته تعالى فلا يجوز وصفه بصفة لم يرد الإذن بها.
قال الرماني في إعجاز القرآن: ذهب الأشعرية إلى امتناع أن يقال في القرآن سجع وفرقوا بأن السجع هو الذي يقصد في نفسه ثم يحال المعنى عليه والفواصل التي تتبع المعاني ولا تكون مقصودة في نفسها، ولذلك كانت الفواصل بلاغة والسجع عيبا.
وتبعه على ذلك القاضي أبو بكر الباقلاني ونقله عن نص أبي الحسن الأشعري وأصحابنا كلهم.
قال: وذهب كثير من غير الأشاعرة إلى إثبات السجع في القرآن وزعموا أن ذلك مما يبين به فضل الكلام وأنه من الأجناس التي يقع بها التفاضل في البيان والفصاحة كالجناس والالتفات ونحوهما
قال: وأقوى ما استدلوا به: الاتفاق على أن موسى أفضل من هارون ولمكان السجع قيل في موضع {هارون وموسى} ولما كانت الفواصل موضع آخر بالواو والنون قيل {موسى وهارون} قالوا وهذا يفارق أمر الشعر لأنه لا يجوز أن يقع في الخطاب إلا مقصودا إليه وإذا وقع غير مقصود إليه كان دون القدر الذي تسميه شعرا وذلك القدر مما يتفق وجوده من المفحم كما يتفق وجوده من الشاعر.
وأما ما جاء في القرآن من السجع فهو كثير لا يصح أن يتفق غير مقصود إليه.
وبنوا الأمر في ذلك: على تحديد معنى السجع فقال أهل اللغة هو موالاة الكلام على حد واحد.
وقال ابن دريد: سجعت الحمامة معناه رّدّّدَتْ صوتها.
قال القاضي: وهذا غير صحيح ولو كان القرآن سجعا لكان غير خارج عن أساليب كلامهم ولو كان داخلا فيها لم يقع بذلك إعجاز، ولو جاز أن يقال هو سجع معجر لجاز أن يقولوا شعر معجز، وكيف والسجع مما كان تألفه الكهان من العرب؟!!
ونفيه من القرآن أجدر بأن يكون حجة من نفي الشعر!
لأن الكهانة تنافي النبوات بخلاف الشعر وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((أسجعٌ كسجع الكهان؟)) فجعله مذموما.
قال: وما توهموا أنه سجع باطل لأن مجيئه على صورته لا يقتضي كونه هو لأن السجع يتبع المعنى فيه اللفظ الذي يؤدي السجع وليس كذلك ما اتفق مما هو في معنى السجع من القرآن لأن اللفظ وقع فيه تابعا للمعنى وفرق بين أن ينتظم الكلام في نفسه بألفاظه التي تؤدي المعنى المقصود منه وبين أن يكون المعنى منتظما دون اللفظ ومتى ارتبط المعنى بالسجع كان إفادة السجع كإفادة غيره ومتى انتظم المعنى بنفسه دون السجع كان مستجلبا لتحسين الكلام دون تصحيح المعنى.
قال: وللسجع منهج محفوظ وطريق مضبوط من أخل به وقع الخلل في كلامه ونسب إلى الخروج عن الفصاحة كما أن الشاعر إذا خرج عن الوزن المعهود كان مخطئا، وأنت ترى فواصل القرآن متفاوتة بعضها متداني المقاطع وبعضها يمتد حتى يتضاعف طوله عليه وترد الفاصلة في ذلك الوزن الأول بعد كلام كثير، وهذا في السجع غير مرضي ولا محمود.
قال: وأما ما ذكروه من تقديم موسى على هارون: في موضع وتأخيره عنه في موضع لمكان السجع وتساوي مقاطع الكلام فليس بصحيح بل الفائدة فيه إعادة القصة الواحدة بألفاظ مختلفة تؤدي معنى واحدا وذلك من الأمر الصعب الذي تظهر فيه الفصاحة وتتبين فيه البلاغة، ولهذا أعيدت كثير من القصص على ترتيبات متفاوتة تنبيها بذلك على عجزهم عن الإتيان بمثله مبتدأ به ومتكررا، ولو أمكنهم المعارضة لقصدوا تلك القصة وعبروا عنها بألفاظ لهم تؤدي إلى تلك المعاني ونحوها، فعلى هذا القصد بتقديم بعض الكلمات على بعض وتأخيرها إظهار الإعجاز دون السجع.
إلى أن قال: فبان بذلك أن الحروف الواقعة في الفواصل متناسبة موقع النظائر التي تقع في الأسجاع لا تخرجها عن حدها ولا تدخلها في بابا السجع وقد بينا أنهم يذمون كل سجع خرج عن اعتدال الأجزاء فكان بعض مصاريعه كلمتين وبعضها أربع كلمات ولا يرون ذلك فصاحة بل يرونه عجزا فلو فهموا اشتمال القرآن على السجع لقالوا نحن نعارضه بسجع معتدل يزيد في الفصاحة على طريقة القرآن انتهى كلام القاضي في كتاب الإعجاز.
ونقل صاحب عروس الأفراح عنه أنه ذهب في الانتصار إلى جواز تسمية الفواصل سجعا.
وقال الخفاجي في سر الفصاحة: قول الرماني إن السجع عيب والفواصل بلاغة غلط؛ فإنه إن أراد بالسجع ما يتبع المعنى وهو غير مقصود فذلك بلاغة والفواصل مثله وإن أراد به ما تقع المعاني تابعة له وهو مقصود متكلف فذلك عيب والفواصل مثله.
قال: وأظن الذي دعاهم إلى تسمية كل ما في القرآن فواصل ولم يسموا ما تماثلت حروفه سجعا رغبتهم في تنزيه القرآن عن الوصف اللاحق بغيره من الكلام المروي عن الكهنة وغيرهم وهذا غرض في التسمية قريب والحقيقة ما قلناه.
قال: والتحرير أن الأسجاع حروف متماثلة في مقاطع الفواصل.
قال: فإن قيل إذا كان عندكم أن السجع محمود فهلا ورد القرآن كله مسجوعا! وما الوجه في ورود بعضه مسجوعا وبعضه غير مسجوع؟
قلنا: إن القرآن نزل بلغة العرب وعلى عرفهم وعادتهم، وكان الفصيح منهم لا يكون كلامه كله مسجوعا لما فيه من أمارات التكلف والاستكراه لاسيما مع طول الكلام، فلم يرد كله مسجوعا جريا منهم على عرفهم في اللطافة الغالبة أو الطبقة العالية من كلامهم، ولم يخل من السجع لأنه يحسن في بعض الكلام على الصفة السابقة.
وقال ابن النفيس: يكفي في حسن السجع ورود القرآن به.
قال: ولا يقدح في ذلك خلوه في بعض الآيات؛ لأن الحسن قد يقتضي المقامُ الانتقالَ إلى أحسن منه). [الإتقان في علوم القرآن: 5/؟؟]
الخلاف في حكم السجع
قالَ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ بَهَادرَ الزَّرْكَشِيُّ (ت:794هـ): (وحكى حازم في منهاج البلغاء خلافا غريبا فقال وللناس في الكلام المنثور من جهة تقطيعه إلى مقادير تتقارب في الكمية وتتناسب مقاطعها على ضرب منها أو بالنقلة من ضرب واقع في ضربين أو أكثر إلى ضرب آخر مزدوج في كل ضرب ضرب منها أو يزيد على الازدواج ومن جهة ما يكون غير مقطع إلى مقادير بقصد تناسب أطرافها وتقارب ما بينها في كمية الألفاظ، والحروف ثلاثة مذاهب:
منهم : من يكره تقطيع الكلام إلى مقادير متناسبة الأطراف غير متقاربة في الطول والقصر لما فيه من التكلف إلا ما يقع به الإلمام في النادر من الكلام.
والثاني: أن التناسب الواقع بإفراغ الكلام في قوالب التقفية وتحليتها بمناسبات المقاطع أكيد جدا.
والثالث: وهو الوسط أن السجع لما كان زينة للكلام فقد يدعو إلى التكلف فرئي ألا يستعمل في الكلام وأن لا يخلى الكلام بالجملة منه أيضا ولكن يقبل من الخاطر فيه ما اجتلبه عفوا بخلاف التكلف وهذا رأي أبي الفرج قدامة.
قال حازم: وكيف يعاب السجع على الإطلاق وإنما نزل القرآن على أساليب الفصيح من كلام العرب فوردت الفواصل فيه بإزاء ورود الأسجاع في كلام العرب وإنما لم يجئ على أسلوب واحد لأنه لا يحسن في الكلام جميعا أن يكون مستمرا على نمط واحد لما فيه من التكلف ولما في الطبع من الملل عليه ولأن الافتنان في ضروب الفصاحة أعلى من الاستمرار على ضرب واحد فلهذا وردت بعض أي القرآن متماثلة المقاطع وبعضها غير متماثل). [البرهان في علوم القرآن:؟؟]
قالَ جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (قال حازم: من الناس من يكره تقطيع الكلام إلى مقادير متناسبة الأطراف غير متقاربة في الطول والقصر لما فيه من التكلف إلا ما يقع الإلمام به في النادر من الكلام.
ومنهم من يرى أن التناسب الواقع بإفراغ الكلام في قالب التقفية وتحليتها بمناسبات المقاطع أكيد جدا.
ومنهم وهو الوسط من يرى أن السجع وإن كان زينة للكلام؛ فقد يدعو إلى التكلف؛ فَرُئِي ألا يُستعمل في جملة الكلام، وألا يخلي الكلام منه جملة، وأنه يقبل منه ما اجتلبه الخاطر عفوا بلا تكلف.
قال: وكيف يعاب السجع على الإطلاق، وإنما نزل القرآن على أساليب الفصيح من كلام العرب؛ فوردت الفواصل فيه بإزاء ورود الأسجاع في كلامهم، وإنما لم يجيء على أسلوب واحد لأنه لا يحسن في الكلام جميعا أن يكون مستمرا على نمط واحد لما فيه من التكلف، ولما في الطبع من الملل، ولأن الافتنان في ضروب الفصاحة أعلى من الاستمرار على ضرب واحد؛ فلهذا وردت بعض أي القرآن متماثلة المقاطع وبعضها غير متماثل). [الإتقان في علوم القرآن: 5/؟؟]