تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربّكم قالوا أساطير الأوّلين}.
يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء الّذين لا يؤمنون بالآخرة من المشركين: {ماذا أنزل ربّكم} أيّ شيءٍ أنزل ربّكم؟ قالوا: الّذي أنزل ما سطّره الأوّلون من قبلنا من الأباطيل.
وكان ذلك كما؛
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ماذا أنزل ربّكم، قالوا أساطير الأوّلين} يقول: " أحاديث الأوّلين وباطلهم، قال ذلك قومٌ من مشركي العرب، كانوا يقعدون بطريق من أتى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإذا مرّ بهم أحدٌ من المؤمنين يريد نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قالوا لهم: أساطير الأوّلين، يريد: أحاديث الأوّلين وباطلهم "
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: " {أساطير الأوّلين} يقول: أحاديث الأوّلين "). [جامع البيان: 14/198-199]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 24.
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: اجتمعت قريش فقالوا: إن محمدا رجل حلو اللسان إذا كلمه الرجل ذهب بعقله فانظروا أناسا من أشرافكم المعدودين المعروفة أنسابهم فابعثوهم في كل طريق من طرق مكة على رأس كل ليلة أو ليلتين فمن جاء يريده فردوه عنه، فخرج ناس منهم في كل طريق فكان إذا أقبل الرجل وافدا لقومه ينظر ما يقول محمد فينزل بهم، قالوا له: أنا فلان ابن فلان، فيعرفه بنسبه ويقول: أنا أخبرك عن محمد فلا يريد أن يعني إليه وهو رجل كذاب لم يتبعه على أمره إلا السفهاء والعبيد ومن لا خير فيه.
وأمّا شيوخ قومه وخيارهم فمفارقون له فيرجع أحدهم، فذلك قوله: {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين} فإذا كان الوافد ممن عزم الله له على الرشاد فقالوا له مثل ذلك في محمد قال: بئس الوافد أنا لقومي إن كنت جئت حتى إذا بلغت إلا مسيرة يوم رجعت قبل أن ألقى هذا الرجل.
وأنظر ما يقول: وآتي قومي ببيان أمره فيدخل مكة فيلقى المؤمنين فيسألهم: ماذا يقول محمد فيقولون: (خيرا، للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة) (سورة النحل 30)، يقول: مال (ولدار الآخرة خير) (سورة النحل 30) وهي الجنة). [الدر المنثور: 9/40-41]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في الآية أن أناسا من مشركي العرب يقعدون بطريق من أتى نبي الله فإذا مروا سألوهم فأخبروهم بما سمعوا من النّبيّ فقالوا إنما هو أساطير الأولين). [الدر المنثور: 9/41]
تفسير قوله تعالى: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا رجل، عن زيد بن أسلم، قال: بلغني أن المؤمن يمثل له عمله يوم القيامة في أحسن صورة، أحسن ما خلق الله وجهًا وثيابًا، وأطيبه ريحًا، فيجلس إلى جنبه، كلما أفزعه شيء أمنه، وكلما تخوف شيئًا هون عليه، فيقول: جزاك الله من صاحب خيرًا، من أنت؟ فيقول: أما تعرفني؟ وقد صحبتك في قبرك، وفي دنياك، أنا عملك، كان والله حسنًا، فلذلك تراني حسنًا، وكان طيبًا، فلذلك تراني طيبًا، تعال فاركبني، فطالما ركبتك في الدنيا، وهو قول الله عز وجل: {وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم} [سورة الزمر: 61]، حتى يأتي إلى ربه، فيقول: يا رب، كل صاحب عمل في الدنيا قد أصاب في عمله، وكل صاحب تجارة وصانع قد أصاب في تجارته، غير صاحبي قد شغل في نفسه، فيقول له الرب: فما تسأل له، فيقول: المغفرة والرحمة، أو نحو هذا، فيقول: إني قد غفرت له، ثم يكسى حلة الكرامة، ويجعل عليه تاج الوقار، فيه لؤلؤ تضيء من مسيرة يومين، ثم يقول: يا رب، إن أبويه قد كان شغل عنهما كل صاحب عمل وتجارة، كان يدخل على أبويه من عمله فيعطيان مثل ما أعطى، ويتمثل الكافر عمله في صورة أقبح ما خلق الله وجهًا، وأنتنه ريحًا، فيجلس إلى جنبه، كلما أفزعه شيء زاده فزعًا، وكلما تخوف شيئًا زاده خوفًا، فيقول: بئس الصاحب أنت، ومن أنت؟ فيقول: وما تعرفني، فيقول: لا، فيقول: أنا عملك، كان قبيحًا، فلذلك تراني قبيحًا، وكان منتنًا، فلذلك تراني منتنًا، فطأطئ رأسك أركبك، فطالما ركبتني في الدنيا، فيركبه، وهو قوله: {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة} [سورة النحل: 25] ). [الزهد لابن المبارك: 2/ 739-740]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ليحملوا أوزارهم كاملةً يوم القيامة ومن أوزار الّذين يضلّونهم بغير علمٍ، ألا ساء ما يزرون}.
يقول تعالى ذكره: يقول هؤلاء المشركون لمن سألهم ماذا أنزل ربّكم: الّذي أنزل ربّنا فيما يزعم محمّدٌ عليه أساطير الأوّلين، لتكون لهم ذنوبهم الّتي هم عليها مقيمون من تكذيبهم باللّه، وكفرهم بما أنزل على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، ومن ذنوب الّذين يصدّونهم عن الإيمان باللّه يضلّون يفتنون منهم بغير علمٍ.
وقوله: {ألا ساء ما يزرون} يقول: ألا ساء الإثم الّذي يأثمون، والثّقل الّذي يتحمّلون.
وبنحو الّذي قلنا في تّأويل ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: " {ليحملوا أوزارهم كاملةً يوم القيامة} ومن أوزار من أضلّوا احتمالهم ذنوب أنفسهم وذنوب من أطاعهم، ولا يخفّف ذلك عمّن أطاعهم من العذاب شيئًا ".
- حدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ نحوه، إلاّ أنّه، قال: ومن أوزار الّذين يضلّونهم حملهم ذنوب أنفسهم، وسائر الحديث مثله
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، وحدّثني المثنّى قال: أخبرنا إسحاق قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ليحملوا أوزارهم} كاملةً يوم القيامة ومن أوزار الّذين يضلّونهم قال: " حملهم ذنوب أنفسهم وذنوب من أطاعهم، ولا يخفّف ذلك عمّن أطاعهم من العذاب شيئًا ".
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، نحوه
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: " {ليحملوا أوزارهم كاملةً يوم القيامة} أي ذنوبهم وذنوب الّذين يضلّونهم بغير علمٍ، {ألا ساء ما يزرون} "
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ليحملوا أوزارهم كاملةً يوم القيامة ومن أوزار الّذين يضلّونهم بغير علمٍ} يقول: " يحملون ذنوبهم، وذلك مثل قوله: {وأثقالاً مع أثقالهم} يقول: يحملون مع ذنوبهم ذنوب الّذين يضلّونهم بغير علمٍ "
- حدّثني المثنّى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {ليحملوا أوزارهم كاملةً يوم القيامة، ومن أوزار الّذين يضلّونهم بغير علمٍ، ألا ساء ما يزرون} قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: " أيّما داعٍ دعا إلى ضلالةٍ فاتّبع، فإنّ عليه مثل أوزار من اتّبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيءٌ، وأيّما داعٍ دعا إلى هدًى فاتّبع، فله مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيءٌ "
- حدّثني المثنّى، قال: أخبرنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن رجلٍ، قال: قال زيد بن أسلم: إنّه بلغه أنّه يتمثّل للكافر عمله في صورةٍ أقبح ما خلق اللّه وجهًا وأنتنه ريحًا، فيجلس إلى جنبه، كلّما أفزعه شيءٌ زاده، وكلّما تخوّف شيئًا زاده خوفًا، فيقول: بئس الصّاحب أنت ومن أنت؟ فيقول: وما تعرفني؟ فيقول: لا، فيقول: أنا عملك كان قبيحًا فلذلك تراني قبيحًا، وكان منتنًا فلذلك تراني منتنًا، طأطئ إليّ أركبك فطالما ركبتني في الدّنيا فيركبه، وهو قوله: {ليحملوا أوزارهم كاملةً يوم القيامة} "). [جامع البيان: 14/199-202]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم يعني يحملون ذنوبهم وذنوب من أطاعهم ولا يخفف ذلك عن من أطاعهم). [تفسير مجاهد: 346]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 25
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم} يقول: يحملون من ذنوبهم ذنوب الذين يضلونهم بغير علم وذلك مثل قوله: (وأثقالا مع أثقالهم) ). [الدر المنثور: 9/41]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة} الآية، قال: حملهم ذنوب أنفسهم وذنوب من أطاعهم ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم من العذاب شيئا). [الدر المنثور: 9/41]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله: {ليحملوا أوزارهم كاملة} الآية، قال: قال النّبيّ: أيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع كان عليه مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء، وأيما داع إلى هدى فاتبع فله مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء). [الدر المنثور: 9/41-42]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم أنه بلغه أنه يتمثل للكافر عمله في صورة أقبح ما خلق الله وجها وأنتنه ريحا فيجلس إلى جنبه، كلما أفزعه شيء زاده وكلما تخوف شيئا زاده خوفا فيقول: بئس الصاحب أنت ومن أنت فيقول: وما تعرفني فيقول: لا، فيقول: أنا عملك، كان قبيحا فلذلك تراني قبيحا وكان منتنا فلذلك تراني منتنا، طأطئ إلي أركبك فطالما ركبتني في الدنيا، فيركبه، وهو قوله: {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة} والله أعلم). [الدر المنثور: 9/42]
تفسير قوله تعالى: (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى فخر عليهم السقف قال أتى الله بنيانهم من أصوله فخر عليهم السقف). [تفسير عبد الرزاق: 1/355]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قد مكر الّذين من قبلهم فأتى اللّه بنيانهم من القواعد فخرّ عليهم السّقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون}.
يقول تعالى ذكره: قد مكر الّذين من قبل هؤلاء المشركين الّذين يصدّون عن سبيل اللّه من أراد اتّباع دين اللّه، فراموا مغالبة اللّه ببناءٍ بنوه، يريدون بزعمهم الارتفاع إلى السّماء لحرب من فيها وكان الّذي رام ذلك فيما ذكر لنا جبّارٌ من جبابرة النّبط، فقال بعضهم: هو نمروذ بن كنعان، وقال بعضهم: هو بختنصر، وقد ذكرت بعض أخبارهما في سورة إبراهيم وقيل: إنّ الّذي ذكر في هذا الموضع هو الّذي ذكره اللّه في سورة إبراهيم
ذكر من قال ذلك
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباط، عن السّدّيّ، قال: " أمر الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه بإبراهيم فأخرج، يعني من مدينته، قال: فأخرج فلقي لوطًا على باب المدينة وهو ابن أخيه، فدعاه فآمن به، وقال: إنّي مهاجرٌ إلى ربّي، وحلف نمرود أن يطلب إله إبراهيم، فأخذ أربعة أفراخٍ من فراخ النّسور، فربّاهنّ باللّحم والخبز حتّى كبرن وغلظن واستعلجن، فربطهنّ في تابوتٍ، وقعد في ذلك التّابوت ثمّ رفع لهنّ رجلاً من لحمٍ، فطرن، حتّى إذا ذهبن في السّماء أشرف ينظر إلى الأرض، فرأى الجبال تدبّ كدبيب النّمل ثمّ رفع لهنّ اللّحم، ثمّ نظر فرأى الأرض يحيطً بها بحرٌ كأنّها فلكةٌ في ماءٍ، ثمّ رفع طويلاً فوقع في ظلمةٍ، فلم ير ما فوقه ولم ير ما تحته، ففزع، فألقى اللّحم، فاتّبعته منقضّاتٍ، فلمّا نظرت الجبال إليهنّ، وقد أقبلن منقضّاتٍ وسمعن حفيفهنّ، فزعت الجبال، وكادت أن تزول من أمكنتها ولم يفعلن، وذلك قول اللّه تعالى: {وقد مكروا مكرهم وعند اللّه مكرهم، وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال}، وهي في قراءة ابن مسعودٍ: ( وإن كاد مكرهم ) فكان طيرورتهنّ به من بيت المقدس ووقوعهنّ به في جبل الدّخان، فلمّا رأى أنّه لا يطيق شيئًا أخذ في بنيان الصّرح، فبنى حتّى إذا أسنده إلى السّماء ارتقى فوقه ينظر، يزعم إلى إله إبراهيم، فأحدث، ولم يكن يحدث، وأخذ اللّه بنيانه من القواعد {فخرّ عليهم السّقف من فوقهم، وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون} يقول: من مأمنهم، وأخذهم من أساس الصّرح، فتنقّض بهم يسقط فتبلبلت ألسن النّاس يومئذٍ من الفزع، فتكلّموا بثلاثةٍ وسبعين لسانًا، فلذلك سمّيت بابل، وإنّما كان لسان النّاس من قبل ذلك بالسّريانيّة "
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {قد مكر الّذين من قبلهم فأتى اللّه بنيانهم من القواعد} قال: " هو نمرود حين بنى الصّرح "
- حدّثني المثنّى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن زيد بن أسلم: " إنّ أوّل جبّارٍ كان في الأرض نمرود، فبعث اللّه عليه بعوضةً فدخلت في منخره، فمكث أربعمائة سنةٍ يضرب رأسه بالمطارق، أرحم النّاس به من جمع يديه فضرب بهما رأسه، وكان جبّارًا أربع مائة سنةٍ، فعذّبه اللّه أربع مائة سنةٍ كملكه، ثمّ أماته اللّه، وهو الّذي كان بنى صرحًا إلى السّماء، وهو الّذي قال اللّه: {فأتى اللّه بنيانهم من القواعد، فخرّ عليهم السّقف من فوقهم} ".
وأمّا قوله: {فأتى اللّه بنيانهم من القواعد} فإنّ معناه: هدم اللّه بنيانهم من أصله والقواعد: جمع قاعدةٍ، وهي الأساس فكان بعضهم يقول: هذا مثلٌ للاستئصال، وإنّما معناه: إنّ اللّه استأصلهم، وقال: العرب تقول ذلك إذا استؤصل الشّيء
وقوله: {فخرّ عليهم السّقف من فوقهم} اختلف أهل التّأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: فخرّ عليهم السّقف من فوقهم، أعالي بيوتهم من فوقهم
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: " {قد مكر الّذين من قبلهم فأتى اللّه بنيانهم من القواعد} إي واللّه، لأتاها أمر اللّه من أصلها {فخرّ عليهم السّقف من فوقهم} والسّقف: أعالي البيوت، فائتفكت بهم بيوتهم فأهلكهم اللّه ودمّرهم، {وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون} "
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {فخرّ عليهم السّقف من فوقهم} قال: " أتى اللّه بنيانهم من أصوله، فخرّ عليهم السّقف "
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، وحدّثني المثنّى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، وحدّثني المثنّى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فأتى اللّه بنيانهم من القواعد} قال: " مكر نمرود بن كنعان الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه ".
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله ".
وقال آخرون: عنى بقوله: {فخرّ عليهم السّقف من فوقهم} أنّ العذاب أتاهم من السّماء
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فخرّ عليهم السّقف من فوقهم} يقول: " عذابٌ من السّماء، لما رأوه استسلموا وذلّوا ".
وأولى القولين بتأويل الآية، قول من قال: معنى ذلك: تساقطت عليهم سقوف بيوتهم، إذ أتى أصولها وقواعدها أمر اللّه، فائتفكت بهم منازلهم، لأنّ ذلك هو الكلام المعروف من قواعد البنيان وخرّ السّقف، وتوجيه معاني كلام اللّه إلى الأشهر الأعرف منهما أولى من توجيهها إلى غير ذلك ما وجد إليه سبيلٌ.
{وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون}. يقول تعالى ذكره: وأتى هؤلاء الّذين مكروا من قبل مشركي قريشٍ، عذاب اللّه من حيث لا يدرون أنّه أتاهم منه). [جامع البيان: 14/202-207]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قد مكر الذين من قبلهم يعني مكر نمروذ بن كنعان وهو الذي حاج إبراهيم في ربه). [تفسير مجاهد: 346]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 26 - 29
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {قد مكر الذين من قبلهم} قال: هو نمرود بن كنعان حين بنى الصرح). [الدر المنثور: 9/42]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن زيد بن أسلم قال: أول جبار كان في الأرض نمرود فبعث الله عليه بعوضة فدخلت في منخره فمكث أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق، وأرحم الناس به من جمع يديه فضرب بهما رأسه وكان جبارا أربعمائة سنة فعذبه الله أربعمائة سنة كملكه ثم أماته الله، وهو الذي بنى صرحا إلى السماء الذي قال الله: {فأتى الله بنيانهم من القواعد} ). [الدر المنثور: 9/42-43]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {قد مكر الذين من قبلهم} قال: مكر نمرود بن كنعان الذي حاج إبراهيم في ربه). [الدر المنثور: 9/43]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد} قال: أتاها أمر الله من أصلها {فخر عليهم السقف من فوقهم} و{السقف} عالي البيوت فائتكفت بهم بيوتهم فأهلكهم الله ودرمرهم {وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون} ). [الدر المنثور: 9/43]
تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الّذين كنتم تشاقّون فيهم قال الّذين أوتوا العلم إنّ الخزي اليوم والسّوء على الكافرين}.
يقول تعالى ذكره: فعل اللّه بهؤلاء الّذين مكروا الّذين وصف اللّه جلّ ثناؤه أمرهم ما فعل بهم في الدّنيا من تعجيل العذاب لهم والانتقام بكفرهم وجحودهم وحدانيّته، ثمّ هو مع ذلك يوم القيامة مخزيهم فمذلّهم بعذابٍ أليمٍ، وقائلٌ لهم عند ورودهم عليه: {أين شركائي الّذين كنتم تشاقّون فيهم} أصله: من شاققت فلانًا فهو يشاقّني، وذلك إذا فعل كلّ واحدٍ منهما بصاحبه ما يشقّ عليه يقول تعالى ذكره يوم القيامة تقريعًا للمشركين بعبادتهم الأصنام: أين شركائي؟ يقول: أين الّذين كنتم تزعمون في الدّنيا أنّهم شركاء في اليوم؟ ما لهم لا يحضرونكم فيدفعوا عنكم ما أنا محلّ بكم من العذاب، فقد كنتم تعبدونهم في الدّنيا وتتولّونهم، والوليّ ينصر وليّه؟ وكانت مشاقّتهم اللّه في أوثانهم مخالفتهم إيّاه في عبادتهم، كما؛
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: " {أين شركائي الّذين كنتم تشاقّون فيهم} يقول: تخالفوني ".
وقوله: {قال الّذين أوتوا العلم إنّ الخزي اليوم والسّوء على الكافرين} يعني: الذّلّة والهوان، {والسّوء} يعني: عذاب اللّه على الكافرين). [جامع البيان: 14/207-208]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله: {تشاقون فيهم} يقول: تخالفوني). [الدر المنثور: 9/43]
تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الّذين تتوفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السّلم ما كنّا نعمل من سوءٍ، بلى إنّ اللّه عليمٌ بما كنتم تعملون}.
يقول تعالى ذكره: قال الّذين أوتوا العلم: إنّ الخزي اليوم والسّوء على من كفر باللّه فجحد وحدانيّته، {الّذين تتوفّاهم الملائكة} يقول: الّذين تقبض أرواحهم الملائكة، {ظالمي أنفسهم} يعني: وهم على كفرهم وشركهم باللّه.
وقيل: إنّه عنى بذلك من قتل من قريشٍ ببدرٍ وقد أخرج إليها كرهًا
- حدّثني المثنّى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدّثنا يعقوب بن محمّدٍ الزّهريّ، قال: حدّثني سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، قال: " كان ناسٌ بمكّة أقرّوا بالإسلام ولم يهاجروا، فأخرج بهم كرهًا إلى بدرٍ، فقتل بعضهم، فأنزل اللّه فيهم: {الّذين تتوفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} " وقوله: {فألقوا السّلم} يقول: فاستسلموا لأمره، وانقادوا له حين عاينوا الموت قد نزل بهم {ما كنّا نعمل من سوءٍ} وفي الكلام محذوفٌ استغني بفهم سامعيه ما دلّ عليه الكلام عن ذكره، وهو: قالوا ما كنّا نعمل من سوءٍ يخبر عنهم بذلك أنّهم كذّبوا وقالوا: ما كنّا نعصي اللّه اعتصامًا منهم بالباطل رجاء أن ينجوا بذلك، فكذّبهم اللّه فقال: بل قد كنتم تعملون السّوء وتصدّون عن سبيل اللّه. {إنّ اللّه عليمٌ بما كنتم تعملون} يقول: إنّ اللّه ذو علمٍ بما كنتم تعملون في الدّنيا من معاصيه، وتأتون فيها ما يسخطه). [جامع البيان: 14/208-209]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقول أحياء وأمواتا قدر الله ذلك لهم). [تفسير مجاهد: 346-347]
تفسير قوله تعالى: (فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فادخلوا أبواب جهنّم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبّرين}.
يقول تعالى ذكره، يقال لهؤلاء الظّلمة أنفسهم حين يقولون لربّهم: ما كنّا نعمل من سوءٍ: ادخلوا أبواب جهنّم، يعني: طبقات جهنّم، {خالدين فيها} يعني: ماكثين فيها، {فلبئس مثوى المتكبّرين} يقول: فلبئس منزل من تكبّر على اللّه، ولم يقرّ بربوبيّته، ويصدّق بوحدانيّته {جهنّم} ). [جامع البيان: 14/209]