العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة السجدة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 جمادى الأولى 1434هـ/18-03-2013م, 12:08 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة السجدة [ من الآية (1) إلى الآية (9) ]

تفسير سورة السجدة
[ من الآية (1) إلى الآية (9) ]

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{الم (1) تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (5) ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (9)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11 جمادى الأولى 1434هـ/22-03-2013م, 12:47 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (الم (1) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الم (1) تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رّبّ العالمين (2) أم يقولون افتراه بل هو الحقّ من رّبّك لتنذر قومًا مّا أتاهم مّن نّذيرٍ مّن قبلك لعلّهم يهتدون}.
قال أبو جعفرٍ: قد مضى البيان عن تأويل قوله: {الم} بما فيه الكفاية). [جامع البيان: 18/589]

تفسير قوله تعالى: (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {تنزيل الكتاب لا ريب} يقول تعالى ذكره: تنزيل الكتاب الّذي نزل على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، لا شكّ فيه {من ربّ العالمين} يقول: من ربّ الثّقلين: الجنّ والإنس.
- كما حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: {الم (1) تنزيل الكتاب لا ريب فيه} لا شكّ فيه.
وإنّما معنى الكلام: إنّ هذا القرآن الّذي أنزل على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم لا شكّ في أنّه من عند اللّه، وليس بشعرٍ ولا سجع كاهنٍ، ولا هو ممّا تخرّصه محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، وإنّما كذّب جلّ ثناؤه بذلك قول الّذين قالوا: {أساطير الأوّلين اكتتبها فهي تملى عليه بكرةً وأصيلاً}، وقول الّذين قالوا: {إن هذا إلاّ إفكٌ افتراه وأعانه عليه قومٌ آخرون} ). [جامع البيان: 18/589]

تفسير قوله تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {أم يقولون افتراه} يقول تعالى ذكره: يقول المشركون باللّه: اختلق هذا الكتاب محمّدٌ من قبل نفسه وتكذّبه؛ وأم هذه تقريرٌ، وقد بيّنا في غير موضعٍ من كتابنا أنّ العرب إذا اعترضت بالاستفهام في أضعاف كلامٍ قد تقدّم بعضه أنها تستفهم بـ: (أم). وقد زعم بعضهم أنّ معنى ذلك: ويقولون. وقال: (أم) بمعنى الواو، وبمعنى: (بل) في مثل هذا الموضع.
ثمّ أكذبهم تعالى ذكره فقال: ما هو كما تزعمون وتقولون، من أنّ محمّدًا افتراه، بل هو الحقّ والصّدق من عند ربّك يا محمّد، أنزله إليك لتنذر قومًا بأس اللّه وسطوته، أن يحلّ بهم على كفرهم به {ما أتاهم من نذيرٍ من قبلك} يقول: لم يأت هؤلاء القوم الّذين أرسلك ربّك يا محمّد إليهم، وهم قومه من قريشٍ، نذيرٌ ينذرهم بأس اللّه على كفرهم قبلك. وقوله: {لعلّهم يهتدون} يقول: ليتبيّنوا سبيل الحقّ فيعرفوه ويؤمنوا به.
وبمثل الّذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {لتنذر قومًا ما أتاهم من نذيرٍ من قبلك لعلّهم يهتدون} قال: كانوا أمّةً أمّيّةً، لم يأتهم نذيرٌ قبل محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم). [جامع البيان: 18/590]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الم * تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين * أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون * الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تذكرون.
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله تعالى عنه في قوله {لتنذر قوما} قال: قريش {ما أتاهم من نذير من قبلك} قال: لم يأتهم ولا آباءهم لم يأت العرب رسول من الله عز وجل). [الدر المنثور: 11/671-672]

تفسير قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) )
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا إبراهيم بن يعقوب، قال: حدّثني محمّد بن الصّبّاح، قال: حدّثنا أبو عبيدة الحدّاد، قال: حدّثنا الأخضر بن عجلان، عن ابن جريج المكّيّ، عن عطاءٍ، عن أبي هريرة، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخذ بيدي قال: «يا أبا هريرة، إنّ الله خلق السّموات والأرضين وما بينهما في ستّة أيّامٍ، ثمّ استوى على العرش يوم السّابع، وخلق التّربة يوم السّبت، والجبال يوم الأحد، والشّجر يوم الاثنين، والتّقن يوم الثّلاثاء، والنّور يوم الأربعاء، والدّوابّ يوم الخميس، وآدم يوم الجمعة في آخر ساعةٍ من النّهار بعد العصر، وخلق أديم الأرض أحمرها وأسودها، وطيّبها وخبيثها، من أجل ذلك جعل الله عزّ وجلّ من آدم الطّيّب والخبيث»
- أخبرنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، حدّثنا سفيان، وأخبرنا عمرو بن عليٍّ، حدّثنا عبد الرّحمن، حدّثنا سفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن عبد الرّحمن الأعرج، عن أبي هريرة، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ في صلاة الصّبح يوم الجمعة الم تنزيل، وهل أتى "، اللّفظ لعمرٍو). [السنن الكبرى للنسائي: 10/213-214]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {اللّه الّذي خلق السّموات والأرض وما بينهما في ستّة أيّامٍ ثمّ استوى على العرش ما لكم مّن دونه من وليٍّ ولا شفيعٍ أفلا تتذكّرون}.
يقول تعالى ذكره: المعبود الّذي لا تصلح العبادة إلاّ له أيّها النّاس {الّذي خلق السّموات والأرض وما بينهما} من خلقٍ {في ستّة أيّامٍ} ثمّ استوى على عرشه في اليوم السّابع بعد خلقه السّماوات والأرض وما بينهما.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {اللّه الّذي خلق السّموات والأرض وما بينهما في ستّة أيّامٍ ثمّ استوى على العرش} في اليوم السّابع.
يقول: ما لكم أيّها النّاس إلهٌ إلاّ من فعل هذا الفعل، وخلق هذا الخلق العجيب في ستّة أيّامٍ.
وقوله: {ما لكم من دونه من وليٍّ ولا شفيعٍ} يقول: ما لكم أيّها النّاس دونه وليٌّ يلي أمركم وينصركم منه إن أراد بكم ضرًّا، ولا شفيع يشفع لكم عنده إن هو عاقبكم على معصيتكم إيّاه، يقول: فإيّاه فاتّخذوا وليًّا، وبه وبطاعته فاستعينوا على أموركم، فإنّه يمنعكم إذا أراد منعكم ممّن أرادكم بسوءٍ، ولا يقدر أحدٌ على دفعه عمّا أراد بكم هو، لأنّه لا يقهره قاهرٌ، ولا يغلبه غالبٌ {أفلا تتذكّرون} يقول تعالى ذكره: أفلا تعتبرون وتتفكّرون أيّها النّاس، فتعلموا أنّه ليس لكم دونه وليّ ولا شفيعٌ، فتفردوا له الألوهة، وتخلصوا له العبادة، وتخلعوا ما دونه من الأنداد والآلهة). [جامع البيان: 18/590-591]

تفسير قوله تعالى: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن جريج قال أنا ابن أبي مليكة قال دخلت أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان على عبد الله بن عباس قال فقال له ابن فيروز يا أبا عباس قول الله تبارك وتعالى يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره الآية قال ابن عباس من أنت قال أنا عبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان فقال ابن عباس يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون فقال له ابن فيروز أسألك يا أبا عباس فقال ابن عباس أياما سماها الله لا أدري ما هي أكره أن أقول فيها ما لا أعلم قال ابن أبي مليكة فضرب الدهر حتى دخلت على سعيد بن المسيب فسئل عنها فلم يدر ما يقول فيها قال فقلت له ألا أخبرك ما حضرت من ابن عباس فأخبرته فقال ابن المسيب للسائل هذا ابن عباس قد اتقى أن يقول فيها وهو أعلم مني). [تفسير عبد الرزاق: 2/108]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه قال ينحدر الأمر ويصعد إلى السماء من الأرض في يوم واحد مقداره ألف سنة خمس مائة في المسير حين ينزل وخمس مائة حين يعرج). [تفسير عبد الرزاق: 2/108]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض ثمّ يعرج إليه في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ ممّا تعدّون}.
يقول تعالى ذكره: اللّه هو الّذي يدبّر الأمر من أمر خلقه من السّماء إلى الأرض، ثمّ يعرج إليه.
واختلف أهل التّأويل في المعنى بقوله {ثمّ يعرج إليه في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ ممّا تعدّون} فقال بعضهم: معناه أنّ الأمر ينزل من السّماء إلى الأرض، ويصعد من الأرض إلى السّماء في يومٍ واحدٍ، وقدر ذلك ألف سنةٍ ممّا تعدّون من أيّام الدّنيا، لأنّ ما بين الأرض إلى السّماء خمس مائة عامٍ، وما بين السّماء إلى الأرض مثل ذلك، فذلك ألف سنةٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرو بن معروفٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، {في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ} يعني بذلك نزول الأمر من السّماء إلى الأرض، ومن الأرض إلى السّماء في يومٍ واحدٍ، وذلك مقداره ألف سنةٍ، لأنّ ما بين السّماء إلى الأرض مسيرة خمس مائة عامٍ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض ثمّ يعرج} إليه في يومٍ من أيّامكم {كان مقداره ألف سنةٍ ممّا تعدّون} يقول: مقدار مسيره في ذلك اليوم ألف سنةٍ ممّا تعدّون من أيّامكم من أيّام الدّنيا، خمس مائة سنةٍ نزوله، وخمس مائةٍ صعوده، فذلك ألف سنةٍ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، {ثمّ يعرج إليه في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ ممّا تعدّون} قال: تعرج الملائكة إلى السّماء ثمّ تنزل في يومٍ من أيّامكم هذه، وهو مسيرة ألف سنةٍ.
- قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن سماكٍ، عن عكرمة، {ألف سنةٍ ممّا تعدّون} قال: من أيّام الدّنيا.
- حدّثنا هنّاد بن السّريّ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن أبي الحارث، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض ثمّ يعرج} إليه في يومٍ من أيّامكم هذه، ومسيرة ما بين السّماء إلى الأرض خمس مائة عامٍ.
- وذكر عن عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة قال: تنحدر الأمور وتصعد إلى السّماء من الأرض في يومٍ واحدٍ، مقداره ألف سنةٍ، خمس مائةٍ حين ينزل، وخمس مائةٍ حين يعرج.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض، ثمّ يعرج إليه في يومٍ من الأيّام السّتّة الّتي خلق اللّه فيهنّ الخلق، كان مقدار ذلك اليوم ألف سنةٍ ممّا تعدّون من أيّامكم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، {ألف سنةٍ ممّا تعدّون} قال: ذلك مقدار المسير، قوله {كألف سنةٍ ممّا تعدّون}، قال: خلق السّماوات والأرض في ستّة أيّامٍ، وكلّ يومٍ من هذه كألف سنةٍ ممّا تعدّون أنتم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ {في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ ممّا تعدّون} قال: السّتّة الأيّام الّتي خلق اللّه فيها السّماوات والأرض.
- حدّثنا عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله {في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ ممّا تعدّون} يعني هذا اليوم من الأيّام السّتّة الّتي خلق اللّه فيهنّ السّماوات والأرض وما بينهما.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض بالملائكة، تمّ تعرج إليه الملائكة في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ من أيّام الدّنيا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله {ثمّ يعرج} إليه في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ قال: هذا في الدّنيا، تعرج الملائكة إليه في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا غندرٌ، عن شعبة، عن سماكٍ، عن عكرمة، {في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ} قال: ما بين السّماء والأرض مسيرة ألف سنةٍ ممّا تعدّون من أيّام الآخرة.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن سماكٍ، عن عكرمة، أنّه قال في هذه الآية: {يعرج إليه في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ ممّا تعدّون} قال: ما بين السّماء والأرض مسيرة ألف سنةٍ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض في يومٍ كان مقدار ذلك التّدبير ألف سنةٍ ممّا تعدّون من أيّام الدّنيا، ثمّ يعرج إليه ذلك التّدبير الّذي دبّره.
ذكر من قال ذلك:
- ذكر عن حجّاجٍ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، أنّه قال: يقضي أمر كلّ شيءٍ ألف سنةٍ إلى الملائكة، ثمّ كذلك حتّى تمضي ألف سنةٍ، ثمّ يقضي أمر كلّ شيءٍ ألفًا، ثمّ كذلك أبدًا، قال: {يومٍ كان مقداره} قال: اليوم أن يقال لما يقضي إلى الملائكة ألف سنةٍ: كن فيكون، ولكن سمّاه يومًا، سمّاه كما بيّنا كلّ ذلك عن مجاهدٍ، قال: وقوله: {إنّ يومًا عند ربّك كألف سنةٍ ممّا تعدّون} قال: هو هو سواءً.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض، ثمّ يعرج إلى اللّه في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ، مقدار العروج ألف سنةٍ ممّا تعدّون.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ثمّ يعرج إليه في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ ممّا تعدّون} قال: قال بعض أهل العلم: مقدار ما بين الأرض حين يعرج إليه إلى أن يبلغ عروجه ألف سنةٍ، هذا مقدار ذلك المعراج في ذلك اليوم حين يعرج فيه.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصّواب قول من قال: معناه: يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض، ثمّ يعرج إليه في يومٍ، كان مقدار ذلك اليوم في عروج ذلك الأمر إليه ونزوله إلى الأرض ألف سنةٍ ممّا تعدّون من أيّامكم، خمس مائةٍ في النّزول، وخمس مائةٍ في الصّعود، لأنّ ذلك أظهر معانيه، وأشبهها بظاهر التّنزيل). [جامع البيان: 18/591-596]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني أبو جعفرٍ محمّد بن عليٍّ الشّيبانيّ بالكوفة، ثنا أحمد بن حازمٍ الغفاريّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ إسرائيل، ثنا سماك بن حربٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، في قوله عزّ وجلّ: {يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض، ثمّ يعرج إليه في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ ممّا تعدّون} [السجدة: 5] قال: «من الأيّام السّتّة الّتي خلق اللّه فيها السّماوات والأرض، ثمّ يعرج إليه» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/447]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام بن بشّارٍ، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ عبد الرّزّاق، ثنا يحيى بن العلاء، عن عمّه شعيب بن خالدٍ، حدّثني سماك بن حربٍ، عن عبد اللّه بن عميرة، عن العبّاس بن عبد المطّلب رضي اللّه عنه، قال: كنّا جلوسًا عند رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بالبطحاء، فمرّت سحابةٌ فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «أتدرون ما هذا؟» فقلنا: اللّه ورسوله أعلم. فقال: «السّحاب» فقلنا: السّحاب. فقال: «والمزن» فقلنا: والمزن. فقال: «والعنان» فسكت، ثمّ قال: «أتدرون كم بين السّماء والأرض؟» فقلنا: اللّه ورسوله أعلم. فقال: «بينهما مسيرة خمس مائة سنةٍ ومن كلّ سماءٍ إلى السّماء الّتي تليها مسيرة خمس مائة سنةٍ وكثف كلّ سماءٍ خمس مائة سنةٍ وفوق السّماء السّابعة بحرٌ بين أعلاه وأسفله كما بين السّماء والأرض واللّه فوق ذلك وليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شيءٌ» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/447]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون * ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم.
أخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {يدبر الأمر} قال: ينحدر الأمر {من السماء إلى الأرض} ويصعد من الأرض إلى السماء في يوم واحد مقداره ألف سنة في السير خمسمائة حين ينزل وخمسمائة حين يعرج). [الدر المنثور: 11/672]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله تعالى عنه في قوله {يدبر الأمر} الآية، قال: ينزل الأمر من السماء الدنيا إلى الأرض العليا ثم يعرج إلى مقدار يوم لو ساره الناس ذاهبين وجائين لساروا ألف سنة). [الدر المنثور: 11/672]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {يدبر الأمر} قال: هذا في الدنيا، تعرج الملائكة في يوم مقداره ألف سنة). [الدر المنثور: 11/672]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن أبي مالك رضي الله عنه في قوله {يدبر الأمر} الآية، قال: تعرج الملائكة وتهبط في يوم مقداره ألف سنة). [الدر المنثور: 11/673]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة} قال: من الايام الستة التي خلق الله فيها السموات والارض). [الدر المنثور: 11/673]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه عن عبد الله بن أبي مليكة رضي الله تعالى عنه قال: دخلت على ابن عباس أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه قال فيروز: يا أبا عباس قوله {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة} فكأن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما اتهمه فقال: ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فقال: إنما سألتك لتخبرني فقال ابن عباس رضي الله عنهما: هما يومان ذكرهما الله في كتابه الله أعلم بهما وأكره ان أقول في كتاب الله ما لا أعلم فضرب الدهر من ضرباته حتى جلست إلى ابن المسيب رضي الله عنه فسأله عنها انسان فلم يخبر ولم يدر فقلت: ألا أخبرك بما أحضرت من ابن عباس قال: بلى، فأخبرته فقال للسائل: هذا ابن عباس رضي الله عنهما أبى أن يقول فيها وهو أعلم مني). [الدر المنثور: 11/673-474]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {كان مقداره ألف سنة} قال: لا ينتصف النهار في مقدار يوم من أيام الدنيا في ذلك اليوم حتى يقضي بين العباد فينزل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ولو كان إلى غيره لم يفرغ من ذلك خمسين ألف سنة). [الدر المنثور: 11/674]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله تعالى عنه {في يوم كان مقداره ألف سنة} يعني بذلك نزول الأمر من السماء إلى الأرض ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد وذلك مقدار ألف سنة لأن ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام). [الدر المنثور: 11/674]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله تعالى عنه في الآية يقول: مقدار مسيرة في ذلك اليوم {ألف سنة مما تعدون} ومن أيامكم من أيام الدنيا بخمسمائة نزوله وخمسمائة صعوده فذلك ألف سنة). [الدر المنثور: 11/674]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما {ثم يعرج إليه في يوم} من أيامكم هذه ومسيرة ما بين السماء والأرض خمسمائة عام). [الدر المنثور: 11/674]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه {ألف سنة مما تعدون} قال: من أيام الدنيا، والله أعلم). [الدر المنثور: 11/675]

تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلك عالم الغيب والشّهادة العزيز الرّحيم (6) الّذي أحسن كلّ شيءٍ خلقه وبدأ خلق الإنسان من طينٍ (7) ثمّ جعل نسله من سلالةٍ مّن مّاء مّهينٍ}.
يقول تعالى ذكره: هذا الّذي يفعل ما وصفت لكم في هذه الآيات، هو عالم الغيب، يعني عالم ما يغيب عن أبصاركم أيّها النّاس، فلا تبصرونه ممّا تكنّه الصّدور، وتخفيه النّفوس، وما لم يكن بعد ممّا هو كائنٌ، {والشّهادة} يعني ما شاهدته الأبصار فأبصرته وعاينته، وما هو موجودٌ {العزيز} يقول: الشّديد في انتقامه ممّن كفر به، وأشرك معه غيره، وكذّب رسله {الرّحيم} بمن تاب من ضلالته، ورجع إلى الإيمان به وبرسوله، والعمل بطاعته، أن يعذّبه بعد التّوبة). [جامع البيان: 18/596]

تفسير قوله تعالى: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى الذي أحسن كل شيء خلقه قال أحسن خلق كل شيء). [تفسير عبد الرزاق: 2/109]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {الّذي أحسن كلّ شيءٍ خلقه} اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعض قرّاء مكّة والمدينة والبصرة: (أحسن كلّ شيءٍ خلقه) بسكون اللاّم. وقرأه بعض المدنيّين وعامّة الكوفيّين: {أحسن كلّ شيءٍ خلقه} بفتح اللاّم.
والصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنّهما قراءتان مشهورتان، قد قرأ بكلّ واحدةٍ منهما علماء من القرّاء صحيحتا المعنى، وذلك أنّ اللّه أحكم خلقه، وأحكم كلّ شيءٍ خلقه، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ.
واختلف أهل التّأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: أتقن كلّ شيءٍ وأحكمه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني العبّاس بن أبي طالبٍ، قال: حدّثنا الحسين بن إبراهيم إشكاب قال: حدّثنا شريكٌ، عن خصيفٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {الّذي أحسن كلّ شيءٍ خلقه} قال: أما إنّ است القرد ليست بحسنةٍ، ولكنّه أحكم خلقها.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبو النّضر قال: حدّثنا أبو سعيدٍ المؤدّب، عن خصيفٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أنّه كان يقرؤها: {الّذي أحسن كلّ شيءٍ خلقه} قال: أما إنّ است القرد ليست بحسنةٍ، ولكنّه أحكمها.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {أحسن كلّ شيءٍ خلقه} قال: أتقن كلّ شيءٍ خلقه.
- حدّثني محمّد بن عمارة، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: حدّثنا إسرائيل، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {أتقن كلّ شيءٍ} أحصى كلّ شيءٍ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: الّذي حسّن خلق كلّ شيءٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله {الّذي أحسن كلّ شيءٍ خلقه} حسّن على نحو ما خلق.
- وذكر عن الحجّاج، عن ابن جريجٍ، عن الأعرج، عن مجاهدٍ، قال: هو مثل {أعطى كلّ شيءٍ خلقه ثمّ هدى}، قال: فلم يجعل خلق البهائم في خلق النّاس، ولا خلق النّاس في خلق البهائم، ولكن خلق كلّ شيءٍ فقدّره تقديرًا.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أعلم كلّ شيءٍ خلقه، كأنّهم وجّهوا تأويل الكلام إلى أنّه ألهم خلقه ما يحتاجون إليه، وأنّ قوله {أحسن} إنّما هو من قول القائل: فلانٌ يحسن كذا، إذا كان يعلمه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن شريكٍ، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ، {أحسن كلّ شيءٍ خلقه} قال: أعطى كلّ شيءٍ خلقه، قال: الإنسان للإنسان، والفرس للفرس، والحمار للحمار.
وعلى هذا القول، (الخلق) و(الكلّ) منصوبان بوقوع أحسن عليهما.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصّواب على قراءة من قرأه: {الّذي أحسن كلّ شيءٍ خلقه} بفتح اللاّم، قول من قال: معناه أحكم وأتقن، لأنّه لا معنى لذلك إذ قرئ كذلك إلاّ أحد وجهين: إمّا هذا الّذي قلنا من معنى الإحكام والإتقان، أو معنى التّحسين الّذي هو في معنى الجمال والحسن؛ فلمّا كان في خلقه ما لا يشكّ في قبحه وسماجته، علم أنّه لم يعن به أنّه حسّن كلّ ما خلق، ولكنّ معناه أنّه أحكمه وأتقن صنعته، وأمّا على القراءة الأخرى الّتي هي بتسكين اللاّم، فإنّ أولى تأويلاته به قول من قال: معنى ذلك أعلم وألهم كلّ شيءٍ خلقه، هو أحسنهم، كما قال {الّذي أعطى كلّ شيءٍ خلقه ثمّ هدى} لأنّ ذلك أظهر معانيه.
وأمّا الّذي وجّه تأويل ذلك إلى أنّه بمعنى: الّذي أحسن خلق كلّ شيءٍ، فإنّه جعل الخلق نصبًا بمعنى التّفسير، كأنّه قال: الّذي أحسن كلّ شيءٍ خلقًا منه. وقد كان بعضهم يقول: هو من المقدّم الّذي معناه التّأخير، ويوجّهه إلى أنّه نظير قول الشّاعر:
وظعني إليك اللّيل حضنيه إنّني = لتلك إذا هاب الهدان فعول
يعني: وظعني حضني اللّيل إليك؛
ونظير قول الآخر:
كأنّ هندًا ثناياها وبهجتها = يوم التقينا على أدحال دبّاب
أي كأنّ ثنايا هندٍ وبهجتها.
وقوله: {وبدأ خلق الإنسان من طينٍ} يقول تعالى ذكره: وبدأ خلق آدم من طينٍ). [جامع البيان: 18/597-600]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد الذي أحسن كل شيء خلقه قال يقول أتقن كل شيء خلقه). [تفسير مجاهد: 509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين * ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين * ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون * وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون.
أخرج ابن أبي شيبه والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما كان يقرأها {الذي أحسن كل شيء خلقه} قال: أما رأيت القردة ليست بحسنة ولكنه أحكم خلقها). [الدر المنثور: 11/675]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس عن النّبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله {أحسن كل شيء خلقه} قال: اما ان آست القردة ليس بحسنة ولكنه أحكم خلقها). [الدر المنثور: 11/675]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {أحسن كل شيء خلقه} قال: صورته). [الدر المنثور: 11/675]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {أحسن كل شيء خلقه} فجعله الكلب في خلقه حسنا). [الدر المنثور: 11/675]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {أحسن كل شيء خلقه} قال: أحسن بخلق كل شيء القبيح والحسن والحيات والعقارب وكل شيء مما خلق وغيره لا يحسن شيئا من ذلك). [الدر المنثور: 11/676]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {أحسن كل شيء خلقه} قال: اتقن، لم يركب الانسان في صورة الحمار ولا الحمار في صورة الانسان). [الدر المنثور: 11/676]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ لحقنا عمرو بن زرارة الانصاري في حلة قد أسبل فأخذ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بناحية ثوبه فقال: يا رسول الله اني أخمش الساقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمرو بن زرارة ان الله أحسن كل شيء خلقه يا عمرو بن زرارة ان الله لا يحب المسبلين). [الدر المنثور: 11/676]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والطبراني عن الشريد بن سويد رضي الله عنه قال أبصر النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجلا قد أسبل ازاره فقال له: ارفع ازارك فقال: يا رسول الله اني أحنف: تصطك ركبتاي قال: ارفع ازارك كل خلق الله حسن). [الدر المنثور: 11/676-677]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبه، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {وبدأ خلق الإنسان من طين} قال: آدم {ثم جعل نسله} قال: ولده {من سلالة} من بني آدم {من ماء مهين} قال: ضعيف نطفة الرجل). [الدر المنثور: 11/677]

تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال مجاهدٌ: {مهينٍ} [السجدة: 8] : " ضعيفٍ: نطفة الرّجل "). [صحيح البخاري: 6/115]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال مجاهدٌ مهينٌ ضعيف نطفة الرجل وصله بن أبي حاتم من طريق بن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قوله من ماء مهين ضعيفٍ وللفريابيّ من هذا الوجه في قوله من سلالة من ماء مهين قال نطفة الرّجل). [فتح الباري: 8/515]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال مجاهد {مهين} ضعيف نطفة الرجل {ضللنا} هلكنا وقال ابن عبّاس {الجرز} الّتي لا تمطر مطرا لا يغني عنها شيئا {يهد} نبين
أما قول مجاهد فقال ابن أبي حاتم ثنا حجاج عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 8 السّجدة {مهين} ضعيف
وقال الفريابيّ حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 8 السّجدة {ثمّ جعل نسله من سلالة} من نطفة {من ماء} نطفة الرجل وفي قوله 10 السّجدة {أئذا ضللنا في الأرض} قال هلكنا). [تغليق التعليق: 4/280]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال مجاهدٌ: مهينٍ ضعيفٍ: نطفة الرّجل
أي: قال مجاهد في قوله تعالى: {ثمّ جعل نسله من سلالة من ماء مهين} (السّجدة: 8) أي: ضعيف، ثمّ قال: الماء المهين نطفة الرجل، ورواه عنه ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح). [عمدة القاري: 19/113]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال مجاهد) فيما وصله ابن أبي حاتم ({مهين}) في قوله تعالى: {ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين} [السجدة: 8] معناه (ضعيف) وهو (نطفة الرجل) ). [إرشاد الساري: 7/290]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {ثمّ جعل نسله} يعني ذرّيّته {من سلالةٍ} يقول: من الماء الّذي انسلّ فخرج منه، وإنّما يعني من إراقةٍ من مائه، كما قال الشّاعر:
فجاءت به عضب الأديم غضنفرًا = سلالة فرجٍ كان غير حصين
وقوله: {من ماءٍ مهينٍ} يقول: من نطفةٍ ضعيفةٍ رقيقةٍ.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وبدأ خلق الإنسان من طينٍ} وهو خلق آدم، {ثمّ جعل نسله}: أي ذرّيّته {من سلالةٍ من ماءٍ مهينٍ} والسّلالة هي الماء المهين الضّعيف.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المنهال، عن أبي يحيى الأعرج، عن ابن عبّاسٍ، في قوله {من سلالةٍ} قال: صفو الماء.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {من ماءٍ مهينٍ} قال: ضعيفٌ، نطفة الرّجل.
و{مهينٌ}. فعيلٌ، من قول القائل: مهن فلانٌ، وذلك إذا زلّ وضعف). [جامع البيان: 18/600-601]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله من ماء مهين قال يعني ضعيفا وهو نطفة الرجل). [تفسير مجاهد: 509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبه، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {وبدأ خلق الإنسان من طين} قال: آدم {ثم جعل نسله} قال: ولده {من سلالة} من بني آدم {من ماء مهين} قال: ضعيف نطفة الرجل). [الدر المنثور: 11/677] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {جعل نسله} قال: ذريته {من سلالة} هي الماء {ثم سواه} يعني ذريته). [الدر المنثور: 11/677]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله {من سلالة} قال: ماء يسل من الانسان {من ماء مهين} قال: ضعيف). [الدر المنثور: 11/677]

تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ سوّاه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون}.
يقول تعالى ذكره: ثمّ سوّى الإنسان الّذي بدأ خلقه من طينٍ خلقًا سويًّا معتدلاً، {ونفخ فيه من روحه} فصار حيًّا ناطقًا {وجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون} يقول: وأنعم عليكم أيّها النّاس ربّكم بأن أعطاكم السّمع تسمعون به الأصوات، والأبصار تبصرون بها الأشخاص، والأفئدة تعقلون بها الخير من السّوء، لتشكروه على ما وهب لكم من ذلك.
وقوله: {قليلاً ما تشكرون} يقول: وأنتم تشكرون قليلاً من الشّكر ربّكم على ما أنعم عليكم). [جامع البيان: 18/601]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20 جمادى الأولى 1434هـ/31-03-2013م, 02:27 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {الم (1) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {الم} قد فسّرناه في أوّل سورة البقرة). [تفسير القرآن العظيم: 2/684]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ)
: (" الم " ساكن لأنه جرى مجرى فواتح سائر السور اللواتي مجازهن مجاز حروف التهجي , ومجاز موضعه في المعنى كمجاز ابتداء فواتح سائر السور.).
[مجاز القرآن: 2/130]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله عزّ وجلّ: {ألم (1) تنزيل الكتاب لا ريب فيه من ربّ العالمين (2)}
روى أحمد بن حنبل, بإسناد له : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في كل ليلة سورة السجدة " الم تنزيل "، وسورة " تبارك الملك ".
وروى كعب الأحبار أنه قال: (من قرأ سورة السجدة , كتبت له سبعون حسنة, وحطت عنه سبعون سيئة , ورفعت له سبعون درجة.)). [معاني القرآن: 4/203]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {الم (1) تنزيل الكتاب} , قد شرحنا ما قيل في " الم "). [معاني القرآن: 4/203]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ورفع {تنزيل} على خبر الابتداء على إضمار الذي نتلو تنزيل الكتاب.
ويجوز أن يكون في المعنى خبرا عن (الم)، أي: (الم) من تنزيل الكتاب.
ويجوز أن يكون رفعه على الابتداء، ويكون خبر الابتداء {لا ريب فيه} ). [معاني القرآن: 4/203] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ)
: (من ذلك قوله جل وعز: {الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين}
المعنى : هذا تنزيل الكتاب , وقيل المعنى : {الم} من تنزيل الكتاب .
ويجوز أن يكون المعنى : تنزيل الكتاب لا شك فيه , وقد بينا معنى : الم ولا ريب فيه , في سورة البقرة.). [معاني القرآن: 5/297-298]

تفسير قوله تعالى:{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {تنزيل الكتاب لا ريب فيه} [السجدة: 2] حدّثني أبي أنّ عبد اللّه بن مسعودٍ قال: يعني: لا شكّ فيه.
قوله عزّ وجلّ: {من ربّ العالمين}، أي: لا شكّ فيه أنّه من ربّ العالمين). [تفسير القرآن العظيم: 2/684]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ورفع {تنزيل} على خبر الابتداء على إضمار الذي نتلو تنزيل الكتاب.
ويجوز أن يكون في المعنى خبرا عن (الم)، أي : (الم) من تنزيل الكتاب.
ويجوز أن يكون رفعه على الابتداء، ويكون خبر الابتداء : {لا ريب فيه} ). [معاني القرآن: 4/203]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ)
: (من ذلك قوله جل وعز: {الم (1) تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين} : المعنى : هذا تنزيل الكتاب .
وقيل : المعنى : {الم} من تنزيل الكتاب .
ويجوز أن يكون المعنى : تنزيل الكتاب , لا شك فيه , وقد بينا معنى : الم ولا ريب فيه في سورة البقرة). [معاني القرآن: 5/297-298] (م)

تفسير قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {أم يقولون افتراه}، يعني: المشركين يقولون: إنّ محمّدًا افترى القرآن، أي: قد قالوه، وهو على الاستفهام.
قال: {بل هو}، يعني: القرآن.
{الحقّ من ربّك} يقوله للنّبيّ عليه السّلام.
{لتنذر} لكي تنذر.
[تفسير القرآن العظيم: 2/684]
{قومًا} وهو تفسير السّدّيّ.
قال: {ما أتاهم من نذيرٍ من قبلك}، يعني: قريشًا تنذرهم العذاب {لعلّهم يهتدون} لكي يهتدوا). [تفسير القرآن العظيم: 2/685]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ)
: ({أم يقولون افتراه }: مجازه مجاز " أم " التي توضع في موضع معنى الواو , ومعنى " بل ": سبيلها, ويقولون:" وبل" , ويقولون، قال الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت بواسطٍ=غلس الظّلام من الرّباب خيالا

أي : بل رأيت.
" افتراه " أي: تكذبه , واخترقه , وتخلقه من قبل نفسه.). [مجاز القرآن: 2/130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وتكون أم بمعنى ألف الاستفهام، كقوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54]، أراد: أيحسدون الناس؟.
وقوله: {مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ}، أي زاغت عنهم الأبصار وألف اتخذناهم موصولة.
وكقوله: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ}، أراد: أله البنات {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ}. أراد: {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ}، أراد: أعندهم الغيب.
وهذا في القرآن كثير، يدلّك عليه قوله: {الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}، ولم يتقدم في الكلام: أيقولون كذا وكذا فترد عليه: أم تقولون؟ وإنما أراد أيقولون: افتراه، ثم قال: {بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}). [تأويل مشكل القرآن: 546-547] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله عزّ وجلّ:{أم يقولون افتراه بل هو الحقّ من ربّك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلّهم يهتدون (3)} معناه : بل , أيقولون افتراه؟!
وقوله:{لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك}, ومثله :{لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم}
و " ما " في جمع الموضعين نفي، أي : لم يشاهدوا هم , ولا آباؤهم نبيّا.
فأما الإنذار بما قدم من رسل اللّه صلى اللّه عليهم , فعلى آبائهم به الحجة، لأن اللّه عزّ وجلّ لا يعذب إلا من كفر بالرسل.
والدليل على ذلك قوله:{وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا} ). [معاني القرآن: 4/203-204]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ)
: (وقوله جل وعز: {أم يقولون افتراه} : أي : بل : أيقولون افتراه ؟!.
وقوله جل وعز: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض} : أي: يقضي القضاء في السماء , ثم ينزله إلى الأرض.). [معاني القرآن: 5/298]

تفسير قوله تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {اللّه الّذي خلق السّموات والأرض وما بينهما في ستّة أيّامٍ} [السجدة: 4] اليوم منها ألف سنةٍ.
{ثمّ استوى على العرش ما لكم من دونه من وليٍّ} [السجدة: 4] يؤمّنكم من عذابه إذا أراد عذابكم.
{ولا شفيعٍ} يشفع لكم عنده حتّى لا يعذّبكم.
قال: {أفلا تتذكّرون} يقوله للمشركين). [تفسير القرآن العظيم: 2/685]

تفسير قوله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يدبّر الأمر}، يعني: ينزل الوحي، وهو تفسير السّدّيّ.
قال: {من السّماء إلى الأرض} قال: ينزله مع جبريل من السّماء إلى الأرض.
{ثمّ يعرج إليه} يصعد إليه جبريل إلى السّماء.
{في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ ممّا تعدّون} [السجدة: 5] يقول: ينزل ويصعد في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ.
قال السّدّيّ: من أيّام الدّنيا.
قال يحيى: إنّ بين السّماء والأرض مسيرة خمس مائة سنةٍ، فينزل مسيرة خمس مائة سنةً ويصعد مسيرة خمس مائة سنةٍ في يومٍ، وفي أقلّ من يومٍ، وربّما سأل النّبيّ عليه السّلام عن الأمر يحضره، فينزل عليه في
[تفسير القرآن العظيم: 2/685]
أسرع من الطّرف.
- إبراهيم بن محمّدٍ، عن محمّد بن المنكدر، أنّ رسول اللّه عليه السّلام، قال: «ما أشاء أن أرى جبريل في بعض الأفق يزجي أمرًا من أمر اللّه إلا رأيته».
وقال السّدّيّ: يعني: مقدار نزول جبريل وصعوده إلى السّماء ألف سنةٍ ممّا تعدّون لغير جبريل). [تفسير القرآن العظيم: 2/686]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ثمّ يعرج إليه}: مجازه: ينزل وهو من المعارج , أي : الدرج.). [مجاز القرآن: 2/130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({يعرج إليه}: يصعد وينزل {والمعارج} الدرج).[غريب القرآن وتفسيره: 300]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :( {يدبّر الأمر} :أي : يقضي القضاء {من السّماء}، فينزله {إلى الأرض}, {ثمّ يعرج إليه} :أي : يصعد إليه , {في يومٍ} واحد {كان مقداره} أي مسافة نزوله وصعوده {ألف سنةٍ} , يريد: نزول الملائكة , وصعودها). [تفسير غريب القرآن: 346]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):
(في سورة السجدة
{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}.
يريد سبحانه: أنه يقضي الأمر في السماء وينزله مع الملائكة إلى الأرض فتوقعه، ثم تعرج إلى السماء، أي تصعد، بما أوقعته من ذلك الأمر، فيكون نزولها به ورجوعها في يوم واحد مقداره ألف سنة مما تعدّون. يريد مقدار المسير فيه على قدر مسيرنا وعددنا ألف سنة؛ لأن بعد ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام لابن آدم، فإذا قطعته الملائكة، بادئة وعائدة في يوم واحد، فقد قطعت مسيرة ألف سنة في يوم واحد). [تأويل مشكل القرآن: 353]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الأمر: القضاء، قال الله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ}، أي يقضي القضاء. وقال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} أي القضاء). [تأويل مشكل القرآن: 515] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (قوله: {يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض ثمّ يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة ممّا تعدّون (5)}
أعلم الله عزّ وجلّ أنه يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض، ثم يعرج الأمر إليه في يوم، وذلك اليوم مقداره ألف سنة مما تعدون.
ومعنى يعرج : ينزل , ويصعد , يقال : عرجت في السّلم , أعرج، ويقال: عرج يعرج؛ إذا صار أعرج.).[معاني القرآن: 4/204]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون}
قال أبو جعفر : هذه الآية مشكلة , وقد قال في موضع آخر : {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة }
ولأهل التفسير فيها أقوال:
أ- من ذلك ما حدثنا بكر بن سهل , قال : حدثنا عبد الله بن صالح , قال: حدثنا معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس :{في يوم كان مقداره ألف سنة }, قال :(هذا في الدنيا , وقوله جل وعز: {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة}, قال : فهذا يوم القيامة جعله الله عز وجل على الكفار مقدار خمسين ألف سنة) .
ب- وحدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام , قال : حدثنا أبو داود سليمان بن داود , قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن ابن أبي نجيح , عن وهب بن منبه : {في يوم كان مقداره ألف سنة }, قال : (ما بين أسفل الأرض إلى العرش) .
ج- قال ابن أبي نجيح , عن مجاهد : (وفي ذلك , قال: الدنيا من أولها إلى آخرها خمسون ألف سنة لا يدري أحد كم مضى منها , ولا كم بقي) .
قال أبو جعفر : وقيل يوم القيامة أيام : فمنه ما مقداره ألف سنة ومنه ما مقداره خمسون ألف سنة .
قال أبو جعفر : يوم في اللغة بمعنى وقت فالمعنى على هذا : تعرج الملائكة , والروح إليه في وقت مقداره ألف سنة , وفي وقت آخر أكثر من ذاك , وعروجا أكثر من ذاك مقداره خمسون ألف سنة.). [معاني القرآن: 5/298-300]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَعْرُجُ}: يصعد, {المعراج}: الدرج.).[العمدة في غريب القرآن: 241]

تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ):
(قال عزّ وجلّ: {ذلك عالم الغيب والشّهادة} وهذا تبعٌ للكلام الأوّل: {لا ريب فيه من ربّ العالمين} ثمّ أخبر بقدرته ثمّ قال: {عالم الغيب والشّهادة العزيز الرّحيم}، يعني: نفسه، والغيب السّرّ، والشّهادة العلانية و {العزيز} في نقمته، {الرّحيم} بخلقه.
- حدّثني الصّلت بن دينارٍ، عن أبي عثمان النّهديّ، عن سلمان الفارسيّ قال: إنّ اللّه تبارك وتعالى خلق يوم خلق السّموات والأرض مائة رحمةٍ، كلّ رحمةٍ منها طباقها السّموات والأرض، فأنزل منها رحمةً واحدةً فبها تتراحم الخليقة حتّى ترحم البهيمة بهيمتها والوالدة ولدها، حتّى إذا كان يوم القيامة جاء بتلك التّسعة وتسعين رحمةً، ونزع تلك الرّحمة من قلوب
الخليقة، فأكملها مائة رحمةٍ، ثمّ نصبها بينه وبين خلقه، فالخائب من خاب من تلك المائة رحمةٍ). [تفسير القرآن العظيم: 2/686]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {الّذي أحسن كلّ شيءٍ خلقه وبدأ خلق الإنسان من طينٍ} [السجدة: 7]، يعني: آدم، خلق اللّه تبارك وتعالى آدم من طينٍ قبضه من جميع الأرض بيضاء، وحمراء، وسوداء، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فمنهم
[تفسير القرآن العظيم: 2/686]
الأبيض والأحمر، والأسود، والسّهل، والحزن، والخبيث، والطّيّب). [تفسير القرآن العظيم: 2/687]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {الّذي أحسن كلّ شيءٍ خلقه...}
يقول: أحسنه فجعله حسناً, ويقرأ :{أحسن كلّ شيء خلقه} , قرأها أبو جعفر المدنيّ , كأنه قال: ألهم خلقه كلّ ما يحتاجون إليه فالخلق، منصوبون بالفعل الذي وقع على (كلّ) , كأنك قلت : أعلمهم كل شيء , وأحسنهم.
وقد يكون الخلق منصوبا كما نصب قوله: {أمراً من عندنا} , في أشباه له كثيرة من القرآن؛ كأنك قلت: كلّ شيء خلقاً منه , وابتداء بالنعم.). [معاني القرآن: 2/330-331]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ)
: ({أحسن كلّ شيءٍ خلقه }: مجازه: أحسن خلق كل شيء , والعرب تفعل هذا يقدمون , ويؤخرون , قال الشاعر:
وطعني إليك الليل حضنيه إنّني= لتلك إذا هاب الهدان فعول

معناه: وطعني حضني الليل إليك , وقال الراعي:
كان هنداً ثناياها وبهجتها= يوم التقينا على أدحال دبّاب

أي : كأن ثنايا هند , وبهجة هند، دباب: مكان سمي أدحال دباب , وهو اسم مكان , أو رجل، واحد الأدحال دحلٌ، قال ذو الرمة
= عفا الّزرق من أطلال ميّة فالدّحل
.).[مجاز القرآن: 2/130-131]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {الّذي أحسن كلّ شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين (7)}
وقد قرئ : {خلقه}: بتحريك اللام , وتسكينها جميعا , ويجوز خلقه بالرفع , ولا أعلم أحدا قرأ بها.
فأمّا {خلقه}: فعلى الفعل الماضي.
وتأويل الإحسان في هذا : أنه خلقه على إرادته , فخلق الإنسان في أحسن تقويم، وخلق القرد على ما أحب عزّ وجلّ , وخلقه إياه على ذلك من أبلغ الحكمة .
من قرأ {خلقه}بتسكين اللام , فعلى وجهين:
أحدهما : المصدر الذي دل عليه أحسن، والمعنى : الذي خلق كل شيء خلقه.
ويجوز أن يكون على البدل , فيكون المعنى: الذي أحسن خلق كل شيءخلقه، والرفع على إضمار: " ذلك خلقه ".
وقوله عزّ وجلّ: {وبدأ خلق الإنسان من طين}
يعني : آدم وذريته، فآدم خلق من طين.). [معاني القرآن: 4/204-205]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {الذي أحسن كل شيء خلقه}
قال , وهو مثل قوله تعالى: {أعطى كل شيء خلقه}
أي : لم يخلق الإنسان على خلق البهيمة , ولا خلق البهيمة على خلق الإنسان
وقيل : أي : لم يعجزه , وأحسن ما قيل في هذا ما رواه خصيف , عن عكرمة , عن ابن عباس في قوله جل وعز: {أحسن كل شيء خلقه} قال: (أحسن في خلقه , جعل الكلب في خلقه حسنا).
قال أبو جعفر : ومعنى هذا : أحسن في فعله , كما تقول أحسن فلان في قطع اللص.). [معاني القرآن: 5/300-301]

تفسير قوله تعالى:{ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ثمّ جعل نسله} نسل آدم بعد.
{من سلالةٍ من ماءٍ مهينٍ} [السجدة: 8]، يعني: النّطفة، تفسير مجاهدٍ والسّدّيّ وغيرهما.
وقال مجاهدٌ: {ماءٍ مهينٍ} [السجدة: 8] ضعيفٍ، يعني: نطفة الرّجل). [تفسير القرآن العظيم: 2/687]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ ثمّ جعل نسله من سلالة مّن ماءٍ مهينٍ }: مجازه ثم خلق ولده من ماء انسل , فخرج من مائه , أي : هراقته يقال: انسل فلان وفلان لم ينسل، مهين , أي : ضعيف مائع رقيق, قال:
فجاءت به غضب الأديم غضنفراً= سلالة فرج كان غير حصين). [مجاز القرآن: 2/131]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: ( {ثمّ جعل نسله من سلالة من ماء مهين (8)}
ومعنى : مهين: ضعيف، ومعنى : السلالة في اللغة : ما ينسل من الشيء القليل، وكذلك الفعالة : نحو الفضالة , والنّخامة , والقوارة.). [معاني القرآن: 4/205]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ)
: (وقوله جل وعز: {ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين}
{السلالة} : للقليل مما ينسل , والمهين : الضعيف.). [معاني القرآن: 5/301]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ثمّ سوّاه} [السجدة: 9]، يعني: سوّى خلقه كيف شاء.
{ونفخ فيه من روحه} [السجدة: 9] قال: {وجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون} [السجدة: 9] أقلّكم المؤمنون). [تفسير القرآن العظيم: 2/687]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({قليلاً ما تشكرون}: مجازه: تشكرون قليلا , و" ما " من حروف الزوائد , قال الشاعر:
فعن ما ساعة وفداو إليه= بما أعدمنهم أهلاً ومالا

أي : ففي ساعة , أي: بعد ساعة.). [مجاز القرآن: 2/131]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الآخرة 1434هـ/11-04-2013م, 01:56 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {الم (1) }

تفسير قوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) }

تفسير قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب أم منقطعةً
وذلك قولك أعمروٌ عندك أم عندك زيد فهذا ليس بمنزلة أيهما عندك ألا ترى أنك لو قلت أيهما عندك عندك لم يستقم إلا على التكرير والتوكيد.
ويدلك على أن هذا الآخر منقطعٌ من الأول قول الرجل إنها لإبلٌ ثم يقول أن شاءٌ يا قوم فكما جاءت أم ههنا بعد الخبر منقطعةً كذلك تجيء بعد الاستفهام وذلك أنه حين قال أعمروٌ عندك فقد ظن أنه عنده ثم أدركه مثل ذلك الظن في زيد بعد أن استغنى كلامه وكذلك إنها لإبلٌ أم شاءٌ إنما أدركه الشك حيث مضى كلامه على اليقين.
وبمنزلة أم ههنا قوله عز وجل: {الم * تنزيل الكتاب
لا ريب فيه من رب العالمين * أم يقولون افتراه} فجاء هذا الكلام على كلام العرب قد علم تبارك وتعالى ذلك من قولهم ولكن هذا على كلام العرب ليعرفوا ضلالتهم.
ومثل ذلك: {أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون أم أنا خيرٌ من هذا الذي هو مهين} كأن فرعون قال أفلا تبصرون أم أنتم بصراء فقوله أم أنا خيرٌ من هذا بمنزلة أم أنتم بصراء لأنهم لو قالوا أنت خيرٌ منه كان بمنزلة قولهم نحن بصراء عنده وكذلك أم أنا خيرٌ بمنزلته لو قال أم أنتم بصراء.
ومثل ذلك قوله تعالى: {أم اتخذ مما يخلق بناتٍ وأصفاكم بالبنين} فقد علم النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون أن الله عز وجل لم يتخذ ولداً ولكنه جاء على حرف الاستفهام ليبصروا ضلالتهم ألا ترى أن الرجل يقول للرجل آلسعادة أحب إليك أم الشقاء وقد علم أن السعادة أحب إليه من الشقاء وأن المسئول سيقول السعادة ولكنه أراد أن يبصر صاحبه وأن يعلمه). [الكتاب: 3/172-173]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وتدخل حروف الاستفهام على من، وما، وأي إذا صرن في معنى الذي بصلاتهن. وكذلك أم، كقول الله عز وجل: {أم من يجيب المضطر إذا دعاه}، وكقوله: {أفمن يلقى في النار خيرٌ أم من يأتي آمناً يوم القيامة}، فقد أوضحت لك حالهما. فأما قول الله عز وجل: {الم * تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين * أم يقولون افتراه} وقوله: {أم تسألهم أجراً}، وما كان مثله، نحو قوله عز وجل: {أم اتخذ مما يخلق بنات} فإن ذلك ليس على جهة الاستفهام؛ لأن المستخبر غير عالم، إنما يتوقع الجواب فيعلم به. والله - عز وجل - منفيٌّ عنه ذلك. وإنما تخرج هذه الحروف في القرآن مخرج التوبيخ والتقرير، ولكنها لتكرير توبيخ بعد توبيخ عليهم. ألا تراه يقول عز وجل: {أفمن يلقى في النار خيرٌ أم من يأتي آمناً يوم القيامة} - وقد علم المستمعون كيف ذلك - ليزجرهم عن ركوب ما يؤدي إلى النار، كقولك للرجل: السعادة أحب إليك أم الشقاء؛ لتوقفه أنه على خطأ وعلى ما يصيره إلى الشقاء؛ ومن ذلك قوله: {أليس في جهنم مثوًى للمتكبرين}. كما قال:
ألستم خير من ركب المطايا = وأندى العالمين بطون راح
). [المقتضب: 3/291-292] (م)

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) }

تفسير قوله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) }

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) }

تفسير قوله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (واعلم أنه قد تدخل الألف واللام في التوكيد في هذه المصادر المتمكنة التي تكون بدلاً من اللفظ بالفعل كدخولها في الأمر والنهى والخبر والاستفهام فأجرها في هذا الباب مجراها هناك.
وكذلك الإضافة بمنزلة الألف واللام.
فأمّا المضاف فقول الله تبارك وتعالى: {وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله} وقال الله تبارك وتعالى: {ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم وعد الله لا يخلف الله وعده}. وقال جلّ وعزّ: {الذي أحسن كل شيء خلقه}. وقال جل ثناؤه: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم}. ومن ذلك الله أكبر دعوة الحق. لأنّه لمّا قال جلّ وعزّ: {مر السحاب} وقال: {أحسن كلّ شيء} علم أنّه خلقٌ وصنعٌ ولكنّه وكّد وثّبت للعباد. ولما قال: {حرمت عليكم أمهاتكم} حتّى انقضى الكلام علم المخاطبون أنّ هذا مكتوبٌ عليهم مثّبت عليهم وقال كتاب الله توكيداً كما قال صنع الله وكذلك وعد الله لأنّ الكلام الذي قبله وعدٌ
وصنعٌ فكأنّه قال جلّ وعزّ وعداً وصنعا وخلقا وكتابا. وكذلك دعوة الحق لأنّه قد علم أنّ قولك الله أكبر دعاء الحق ولكنّه توكيدٌ كأنّه قال دعاءً حقًّا.
قال رؤبة:
إنّ نزاراً أصبحت نزارا = دعوة أبرارٍ دعوا أبرارا
لأنّ قولك أصبحت نزاراً بمنزلة هم على دعوةٍ بارّةٍ.
وقد زعم بعضهم أنّ كتاب الله نصب على قوله عليكم كتاب الله.
وقال قومٌ: {صبغة الله} منصوبةٌ على الأمر. وقال بعضهم لا بل توكيداً. والصبغة الدين.
وقد يجوز الرفع فيما ذكرنا أجمع على أن يضمر شيئاً هو المظهر كأنّك قلت ذاك وعد الله وصبغة الله أو هو دعوة الحقّ. على هذا ونحوه رفعه.
ومن ذلك قوله جلّ وعزّ: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ} كأنه قال ذاك بلاغٌ). [الكتاب: 1/381-382] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب
ما جرى مجرى الفعل وليس بفعل ولا مصدر
ولكنها أسماءٌ وضعت للفعل تدل عليه، فأجريت مجراه ما كانت في مواضعها؛ ولا يجوز فيها التقديم والتأخير؛ لأنها لا تصرف تصرف الفعل؛ كما لم تصرف إن تصرف الفعل، فألزمت موضعاً واحداً، وذلك قولك: صه ومه، فهذا إنما معناه: اسكت، واكفف، فليس بمتعدٍّ، وكذلك: وراءك وإليك، إذا حذرته شيئاً مقبلاً عليه، وأمرته أن يتأخر، فما كان من هذا القبيل فهو غير متعدٍّ. ومنها ما يتعدى وهو قولك: عليك زيدا، ودونك زيدا، إذا أغريته. وكذلك: هلم زيدا، إذا أردت: هات زيدا فهذه اللغة الحجازية: يقع هلم فيها موقع ما ذكرنا من الحروف، فيكون للواحد وللاثنين والجمع على لفظٍ واحد، كأخواتها المتقدمات. قال الله عز وجل: {والقائلين إخوانهم هلم إلينا}. فأما بنو تميم فيجعلونها فعلاً صحيحاً، ويجعلون الهاء زائدة، فيقولون: هلم يا رجل، وللاثنين: هلما، وللجماعة: هلموا، وللنساء: هلممن؛ لأن المعنى: الممن، والهاء زائدة. فأما قول الله عز وجل: {كتاب الله عليكم}، فلم ينتصب كتاب بقوله: {عليكم}، ولكن لما قال: {حرمت عليكم أمهاتكم} أعلم أن هذا مكتوبٌ عليهم، فنصب كتاب الله للمصدر؛ لأن هذا بدلٌ من اللفظ بالفعل؛ إذ كان الأول في معنى: كتب الله عليكم، وكتب عليكم. ونظير هذا قوله: {وترى الجبال تحسبها جامدةٌ وهي تمر مر السحاب صنع الله}؛ لأنه قد أعلمك بقوله: {وهي تمر مر السحاب} أن ثم فعلاً، فنصب ما بعده؛ لأنه قد جرى مجرى: صنع الله. وكذلك: {الذي أحسن كل شيءٍ خلقه}. قال الشاعر:
ما إن يمس الأرض إلا منكـبٌ = منه وحرف الساق طي المحمل
لأنه ذكر على ما يدل على أنه طيان من الطي، فكان بدلاً من قوله طوى، وكذلك قوله:
إذا رأتني سقطت أبصارها = دأب بكارٍ شايحت بكارها
لأن قوله: إذا رأتني معناه: كلما رأتني، فقد خبر أن ذلك دأبها؛ فكأنه قال: تدأب دأب بكار؛ لأنه بدل منه. ومثل هذا - إلا أن اللفظ مشتقٌّ من فعل المصدر، ولكنهما يشتبهان في الدلالة -قوله عز وجل: {وتبتل إليه تبتيلا} على: وبتل غليه، ولو كان على تبتل لكان تبتلاً. وكذلك: {والله أنبتكم من الأرض نباتاً}. لو كان على أنبت لكان إنباتاً. ولكن المعنى - والله أعلم -: أنه إذا أنبتكم نبتم نباتاً). [المقتضب: 3/202-204] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قال الله عز وجل: {واسأل القرية التي كنا فيها} إنما هو: أهل القرية كما قال الشاعر:
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت = فإنما هـي إقـبـالٌ وإدبـار
أي: ذات إقبال وإدبار، ويكون على أنه جعلها الإقبال والإدبار لكثرة ذاك منها. وكذلك قوله عز وجل: {ولكن البر من آمن بالله}. والوجه: ولكن البر بر من آمن بالله. ويجوز أن يوضع البر في موضع البار على ما ذكرت لك. فإذا قلت: ما أنت إلا شرب الإبل فالتقدير: ما أنت إلا تشرب شرب الإبل، والرفع في هذا أبعد؛ لأنه إذا قال: ما أنت إلا سيرٌ. فالمعنى: ما أنت إلا صاحب سيرٍ؛ لأن السير له. فإذا قال: ما أنت إلا شرب الإبل ففيه فعل؛ لأن الشرب ليس له. وإنما التقدير: إلا تشرب شرباً مثل شرب الإبل، فإذا أراد الضمير في الرفع كثر، فصار المعنى: ما أنت إلا صاحب شربٍ كشرب الإبل، فهذا ضعيفٌ خبيث. ومثل الأول قوله:
وكيف تواصل من أصبحت = خلالته كأبـي مـرحـب
يريد: كخلالة أبي مرحب. فهذا كقوله عز وجل: {ولكن البر من آمن بالله}. ومن ذلك قول الشاعر:
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي = على وعلٍ في ذي الفقارة عاقل
واعلم أن المصادر لا تمتنع من إضمار أفعالها إذا ذكرت ما يدل عليها، أو كان بالحضرة ما يدل على ذلك. وقياسها قياس سائر الأسماء في رفعها ونصبها وخفضها، إلا أنها تبدل من أفعالها. ألا ترى قوله عز وجل: {في أربعةٍ أيامٍ سواءً للسائلين} وأن قوله {أربعة} قد دل على أنها قد تمت. فكأنه قال: استوت استواءً. ومثله: {الذي أحسن كل شيءٍ خلقه}؛ لأن فعله خلق فقوله: {أحسن}؛ أي خلق حسنا خلق، ثم أضافه. ومثل ذلك: {وعد الله}؛ لأنه لما قال: {ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله} علم أن ذلك وعدٌ منه، فصار بمنزلة: وعدهم وعداً، ثم أضافه. وكذلك: {كتاب الله عليكم}. لما قال: {حرمت عليكم أمهاتكم} أعلمهم أن ذلك مكتوب عليهم، فكأنه قال: كتب الله ذلك. ومن زعم أن قوله: {كتاب الله عليكم} نصب بقوله: عليكم كتاب الله، فليس يدري ما العربية؛ لأن السماء الموضوعة موضع الأفعال لا تتصرف تصرف الأفعال، فتنصب ما قبلها. فمن ذلك قوله:
ما إن يمس الأرض إلا منكـبٌ = منه وحرف الساق طي المحمل
وذلك أنه دل بهذا الوصف على انه منطوٍ فأراد: طوي طي المحمل. فهذه أوصاف تبدل من الفعل لدلالتها عليه). [المقتضب: 3/230-232] (م)
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} من خفف أراد خلقه: منةً ورحمةً لعباده، ويقال: الذي علم كل شيء خلقه. وإذا ثقل أراد: خلق كل شيء حسنًا. والهاء فيهما لله). [مجالس ثعلب: 590]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) }

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 29 محرم 1440هـ/9-10-2018م, 12:14 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 29 محرم 1440هـ/9-10-2018م, 12:15 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29 محرم 1440هـ/9-10-2018م, 12:27 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {الم (1) }

تفسير قوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {الم * تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين * أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون * الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون}
"تنزيل" يصح أن يرتفع بالابتداء، والخبر "لا ريب"، ويصح أن يرتفع على أنه خبر ابتداء، وهو: إما الحروف المشار إليها على بعض الأقوال في أوائل السور، وإما: "ذلك تنزيل"، أو نحو هذا من التقدير بحسب القول في الحروف.
وقوله تعالى: {لا ريب فيه} أي: هو كذا في نفسه، ولا يراعى ارتياب الكفرة، وقوله تعالى: {من رب العالمين} متعلق بـ"تنزيل"، ففي الكلام تقديم وتأخير. ويجوز أن يتعلق بقوله: "لا ريب"، أي: لا شك فيه من جهة الله تعالى، وإن وقع شك للكفرة فذلك لا يراعى. والريب: الشك، وكذلك هو في كل القرآن إلا قوله: {ريب المنون}).[المحرر الوجيز: 7/ 65-66]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "أم يقولون" إضراب، وتقديره أنه قال: بل أيقولون، و"افتراه": اختلقه، ثم رد تعالى على مقالتهم هذه، وأخبر أنه الحق من عند الله تعالى، واللام في قوله: "لتنذر" يجوز أن تتعلق بفعل مضمر تقديره: أنزله لتنذر، فيوقف حينئذ على قوله: "من ربك"، وقوله تعالى: {ما أتاهم من نذير} أي: لم يباشرهم ولا رأوه هم ولا آباؤهم العرب، وقوله تعالى: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} فيعم من بوشر من النذر ومن سمع به، فالعرب من الأمم التي خلت فيها النذر على هذا الوجه، لأنها علمت بإبراهيم وبنيه عليهم السلام ودعوتهم، وهم ممن لم يأتهم نذير مباشر لهم سوى محمد صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عباس رضي الله عنهما، ومقاتل: المعنى: لم يأتهم نذير في الفترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام). [المحرر الوجيز: 7/ 66]

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {في ستة أيام} يقضي بأن يوما من أيام الجمعة بقي لم يخلق فيه شيء، وتظاهرت الأحاديث الصحاح أن الخلق ابتدأ يوم الأحد، وخلق آدم يوم الجمعة آخر الأشياء، فهذا مستقيم مع هذه الآية، ووقع في كتاب مسلم أن الخلق ابتدأ يوم السبت، فهذا يخالف الآية، اللهم إلا أن يكون أراد في الآية جميع الأشياء غير آدم عليه السلام، ثم يكون يوم الجمعة هو الذي لم يخلق فيه شيء مما بين السماء والأرض; لأن آدم لم يكن حينئذ مما بينهما. وقد تقدم القول في قوله تعالى: {استوى على العرش} بما فيه كفاية، و"ثم" في هذا الموضع لترتيب الجمل، لا لأن الاستواء كان بعد أن لم يكن، وهذا على المختار في معنى "استوى".
ونفي الشفاعة محمول على أحد وجهين: إما نفي عن الكفرة، وإما نفي الشفعاء من ذاتهم على حد شفاعة الدنيا; لأن شفاعة الآخرة إنما هي بعد إذن من الله تعالى). [المحرر الوجيز: 7/ 66-67]

تفسير قوله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون}
"الأمر" اسم جنس لجميع الأمور، والمعنى: ينفذ الله تعالى قضاءه بجميع ما يشاؤه، ثم يرجع إليه خبر ذلك في يوم من أيام الدنيا مقداره - وإن لو يسير فيه السير المعروف من البشر - ألف سنة; لأن ما بين السماء والأرض خمسمائة سنة، هذا أحد الأقوال، وهو قول مجاهد، وابن عباس، وقتادة، وعكرمة، والضحاك. وقال مجاهد أيضا: إن المعنى أن الضمير في "مقداره" عائد على التدبير، أي: كأن مقدار التدبير المنقضي في يوم القيامة ألف سنة لو دبره البشر. وقال مجاهد أيضا: المعنى أن الله تعالى يدبر ويلقي إلى الملائكة أمور ألف سنة من عدنا، وهو اليوم عنده، فإذا فرغت ألقى إليهم مثلها، فالمعنى أن الأمور تنفذ عنده لهذه المدة، ثم تصير إليه آخرا; لأن عاقبة الأمور إليه. وقيل: المعنى: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض في مدة الدنيا، ثم يرجع إليه في يوم القيامة، ويوم القيامة مقداره ألف سنة من عدنا، وهو على الكفار قدر خمسين ألف سنة لهوله وشنعته حسبما في سورة "سأل سائل". وسنذكر هناك ما فيه من التأويل والأقوال إن شاء الله تعالى.
وحكى الطبري في هذه الآية عن بعضهم أنه قال: "قوله: {في يوم} إلى آخر الآية متعلق بقوله قبل هذا: {في ستة أيام} ومتصل به، أي أن تلك الستة كل واحد منها من ألف سنة".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا قول ضعيف مكرهة ألفاظ هذه الآية عليه، رادة له الأحاديث التي تثبت أيام خلق الله تعالى المخلوقات، وحكي أيضا عن ابن زيد، عن بعض أهل العلم أن الضمير في "مقداره" عائد على "العروج"، والعروج: الصعود، والمعارج: الأدراج التي يصعد عليها.
وقالت فرقة: معنى الآية: يدبر أمر الشمس في أنها تصعد وتنزل في يوم، وذلك قدر ألف سنة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا أيضا ضعيف، وظاهر عود الضمير في "إليه" على اسم الله تعالى، كما قال: {ذاهب إلى ربي}، وكما قال: {مهاجر إلى ربي}، وهذا كله بريء من التحيز. وقيل: إن الضمير يعود على "السماء" لأنها قد تذكر.
وقرأ جمهور الناس: "تعدون" بالتاء، وقرأ الأعمش، والحسن - بخلاف عنه -: "يعدون" بالياء من تحت). [المحرر الوجيز: 7/ 67-68]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم * الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين * ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين * ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون * وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون * قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون}
قالت فرقة: أراد بالغيب الآخرة وبالشهادة الدنيا، وقيل: أراد بالغيب ما غاب عن المخلوقين، وبالشهادة ما شوهد من الأشياء، فكأنه حصر بهذه الألفاظ جميع الأشياء). [المحرر الوجيز: 7/ 68-69]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ جمهور الناس: "خلقه" بفتح اللام على أنه فعل ماض، ومعنى "أحسن": أتقن وأحكم، فهو حسن من جهة ما هو لمقاصده التي أريد لها، ومن هذا المعنى ما قال ابن عباس، وعكرمة: ليست است القرد بحسنة ولكنها متقنة محكمة. والجملة في "خلقه" يحتمل أن تكون في موضع نصب صفة لـ"كل"، أو في موضع خفض صفة لـ"شيء". وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر: "خلقه" بسكون اللام، وذلك منصوب على المصدر، والضمير فيه إما عائد على الله تعالى، وإما على المفعول، ويصح أن يكون بدلا من "كل"، وذهب بعض الناس - على هذه القراءة - إلى أن "أحسن" معناها: ألهم، وأن هذه الآية بمعنى قوله: {أعطى كل شيء خلقه ثم هدى}، أي ألهم الرجل إلى المرأة، والجمل إلى الناقة، وهذا قول فيه بعد، ورجحه الطبري.
وقرأ جمهور الناس: "وبدأ"، وقرأ الزهري: "وبدا خلق الإنسان" بألف دون همز، وبنصب القاف، قال أبو الفتح: ذلك على البدل لا على التخفيف.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
كأنه أبدل الألف من الهمزة، وبدي لغة الأنصار، وقال ابن رواحة:
باسم الإله وبه بدينا ... ولو عبدنا غيره شقينا
و"الإنسان": آدم، عدد أمره على بنيه; إذ خلقه خلق لهم; من حيث هو منسل لهم). [المحرر الوجيز: 7/ 69]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"النسل": ما يكون عن الحيوان من الولد، كأنه مأخوذ من: "نسل الشيء" إذا خرج من موضعه، ومنه قوله تبارك وتعالى: {وهم من كل حدب ينسلون}، ومنه: "نسل ريش الطائر" إذا تساقط. و"السلالة" من: سل يسل; فكأن الماء يسل من الإنسان، ومن ذلك قول الشاعر:
فجاءت به عضب الأديم غضنفرا ... سلالة فرج كان غير حصين
و"المهين": الضعيف، يقال: "مهن الإنسان" إذا ضعف وذل). [المحرر الوجيز: 7/ 69-70]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "نفخ" عبارة عن إفاضة الروح في جسد ابن آدم، والضمير في "روحه" لله تعالى، وهي إضافة ملك إلى مالك، وخلق إلى خالق. ثم أظهر تعديد النعم عليهم في أن خصهم في قوله: "لكم" (بضمير) السمع والأبصار والأفئدة، وهي لمن تقدم ذكره أيضا. كما خص آدم بالتسوية ونفخ الروح، وهو لجميع ذريته، وهذا كله إيجاز واقتضاب وترك لما يدل عليه المنطوق به. ويحتمل أن يكون "الإنسان" في هذه الآية اسم جنس. وقوله تعالى: "قليلا" صفة لمصدر محذوف، وهو في موضع الحال حين حذف الموصوف به). [المحرر الوجيز: 7/ 70]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29 محرم 1440هـ/9-10-2018م, 12:48 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 29 محرم 1440هـ/9-10-2018م, 12:52 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {الم (1) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({الم (1) تنزيل الكتاب لا ريب فيه من ربّ العالمين (2) أم يقولون افتراه بل هو الحقّ من ربّك لتنذر قومًا ما أتاهم من نذيرٍ من قبلك لعلّهم يهتدون (3)}
قد تقدّم الكلام على الحروف المقطّعة في أوّل سورة "البقرة" بما أغنى عن إعادته). [تفسير ابن كثير: 6/ 358]

تفسير قوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {تنزيل الكتاب لا ريب فيه} أي: لا شكّ فيه ولا مرية أنّه نزل، {من ربّ العالمين}). [تفسير ابن كثير: 6/ 358]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال مخبرًا عن المشركين: {أم يقولون افتراه}، بل يقولون: {افتراه} أي: اختلقه من تلقاء نفسه، {بل هو الحقّ من ربّك لتنذر قومًا ما أتاهم من نذيرٍ من قبلك لعلّهم يهتدون} أي يتبعون الحق). [تفسير ابن كثير: 6/ 358]

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({اللّه الّذي خلق السّماوات والأرض وما بينهما في ستّة أيّامٍ ثمّ استوى على العرش ما لكم من دونه من وليٍّ ولا شفيعٍ أفلا تتذكّرون (4) يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض ثمّ يعرج إليه في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ ممّا تعدّون (5) ذلك عالم الغيب والشّهادة العزيز الرّحيم (6)}
يخبر تعالى أنّه الخالق للأشياء، فخلق السّموات والأرض وما بينهما في ستّة أيّامٍ، ثمّ استوى على العرش. وقد تقدّم الكلام على ذلك.
{ما لكم من دونه من وليٍّ ولا شفيعٍ} أي: بل هو المالك لأزمّة الأمور، الخالق لكلّ شيءٍ، المدبّر لكلّ شيءٍ، القادر على كلّ شيءٍ، فلا وليّ لخلقه سواه، ولا شفيع إلّا من بعد إذنه.
{أفلا تتذكّرون} يعني: أيّها العابدون غيره، المتوكّلون على من عداه -تعالى وتقدّس وتنزّه أن يكون له نظيرٌ أو شريكٌ أو نديدٌ، أو وزيرٌ أو عديلٌ، لا إله إلّا هو ولا ربّ سواه.
وقد أورد النّسائيّ هاهنا حديثًا فقال: حدّثنا إبراهيم بن يعقوب، حدّثني محمّد بن الصّبّاح، حدّثنا أبو عبيدة الحدّاد، حدّثنا الأخضر بن عجلان، عن أبي جريج المكّيّ، عن عطاءٍ، عن أبي هريرة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أخذ بيدي فقال: "إنّ اللّه خلق السّموات والأرض وما بينهما في ستّة أيّامٍ، ثمّ استوى على العرش في اليوم السّابع، فخلق التّربة يوم السّبت، والجبال يوم الأحد، والشّجر يوم الاثنين، والمكروه يوم الثّلاثاء، والنّور يوم الأربعاء، والدّوابّ يوم الخميس، وآدم يوم الجمعة في آخر ساعةٍ من النّهار بعد العصر، وخلقه من أديم الأرض، بأحمرها وأسودها، وطيبّها وخبيثها، من أجل ذلك جعل اللّه من بني آدم الطّيّب والخبيث".
هكذا أورد هذا الحديث إسنادًا ومتنًا، وقد أخرج مسلمٌ والنّسائيّ أيضًا من حديث الحجّاج بن محمّدٍ الأعور، عن ابن جريج، عن إسماعيل بن أميّة، عن أيّوب بن خالدٍ، عن عبد اللّه بن رافعٍ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوٍ من هذا السّياق.
وقد علّله البخاريّ في كتاب "التّاريخ الكبير" فقال: "وقال بعضهم: أبو هريرة عن كعب الأحبار وهو أصحّ"، وكذا علّله غير واحدٍ من الحفّاظ، واللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 6/ 359]

تفسير قوله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض ثمّ يعرج إليه} أي: يتنزّل أمره من أعلى السموات إلى أقصى تخوم الأرض السّابعة، كما قال اللّه تعالى: {اللّه الّذي خلق سبع سمواتٍ ومن الأرض مثلهنّ يتنزل الأمر بينهنّ لتعلموا أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ وأنّ اللّه قد أحاط بكلّ شيءٍ علمًا} [الطّلاق: 12].
وترفع الأعمال إلى ديوانها فوق سماء الدّنيا، ومسافة ما بيّنها وبين الأرض [مسيرة] خمسمائة سنةٍ، وسمك السّماء خمسمائة سنةٍ.
وقال مجاهدٌ، وقتادة، والضّحّاك: النّزول من الملك في مسيرة خمسمائة عامٍ، وصعوده في مسيرة خمسمائة عامٍ، ولكنّه يقطعها في طرفة عينٍ؛ ولهذا قال تعالى: {في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ ممّا تعدّون}).[تفسير ابن كثير: 6/ 359]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :({ذلك عالم الغيب والشّهادة} أي: المدبّر لهذه الأمور الّذي هو شهيدٌ على أعمال عباده، يرفع إليه جليلها وحقيرها، وصغيرها وكبيرها -هو {العزيز} الّذي قد عزّ كلّ شيءٍ فقهره وغلبه، ودانت له العباد والرّقاب، {الرّحيم} بعباده المؤمنين. فهو عزيزٌ في رحمته، رحيمٌ في عزّته [وهذا هو الكمال: العزّة مع الرّحمة، والرّحمة مع العزّة، فهو رحيمٌ بلا ذلٍّ]). [تفسير ابن كثير: 6/ 360]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({الّذي أحسن كلّ شيءٍ خلقه وبدأ خلق الإنسان من طينٍ (7) ثمّ جعل نسله من سلالةٍ من ماءٍ مهينٍ (8) ثمّ سوّاه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة قليلًا ما تشكرون (9)}
يقول تعالى: إنّه الّذي أحسن خلق الأشياء وأتقنها وأحكمها.
وقال مالكٌ، عن زيد بن أسلم: {الّذي أحسن كلّ شيءٍ خلقه} قال: أحسن خلق كلّ شيءٍ. كأنّه جعله من المقدّم والمؤخّر.
ثمّ لما ذكر خلق السموات والأرض، شرع في ذكر خلق الإنسان فقال: {وبدأ خلق الإنسان من طينٍ} يعني: خلق أبا البشر آدم من طينٍ). [تفسير ابن كثير: 6/ 360]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :({ثمّ جعل نسله من سلالةٍ من ماءٍ مهينٍ} أي: يتناسلون كذلك من نطفةٍ تخرج من بين صلب الرّجل وترائب المرأة). [تفسير ابن كثير: 6/ 360]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ثمّ سوّاه} يعني: آدم، لـمّا خلقه من ترابٍ خلقه سويًّا مستقيمًا، {ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة}، يعني: العقول، {قليلا ما تشكرون} أي: بهذه القوى الّتي رزقكموها اللّه عزّ وجلّ. فالسّعيد من استعملها في طاعة ربّه عزّ وجلّ). [تفسير ابن كثير: 6/ 360]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:39 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة